
طارق خليفة يتهرّب… ومصرف لبنان متواطئ: فضيحة مالية تتجاوز حدود القانون!
ليبانون ديبايت'
في بلدٍ يُهان فيه القضاء على يد المصارف، وتُحتجز فيه حقوق المودعين دون مساءلة، تتكرّس سياسة الإفلات من العقاب مع كل تسوية مالية جديدة تمرّر تحت الطاولة، بعيدًا عن أعين العدالة ومبدأ المحاسبة. واللافت اليوم أنّ المتورّطين لم يعودوا يخفون ما اقترفوه، بل تفاوضهم الدولة نفسها على إعادة بعض المسروقات… بشرط أن تبقى حريّتهم مصانة.
علم 'ليبانون ديبايت' أنّ رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي، طارق خليفة، لم يلتزم بالتسوية القضائية التي توصّل إليها سابقًا مع مصرف لبنان منذ ما يقارب العام، والتي نصّت على تسديد مبلغ مالي يقارب 30 مليون دولار أميركي، مقسّطًا على مراحل زمنية محدّدة. وبحسب المعلومات، فإنّ المهلة الزمنية التي تضمنها الاتفاق القضائي قد انقضت بالكامل، من دون أن يلتزم خليفة ومصرفه بدفع المستحقات. الأخطر أنّ هذا الإخلال الصريح لم يُقابله أي تحرّك قضائي أو من قبل مصرف لبنان، وبشكل خاص من الحاكم الجديد كريم سعيد، الذي لم يحرّك ساكنًا، بل تمّ تجاهل الملف بشكل مريب مع بداية ولايته، في صمت يُفسَّر إما على أنه تواطؤ ضمني، أو عجز فجّ عن محاسبة أصحاب النفوذ.
وما يُفاقم القلق العام، أنّ الحاكم الجديد الذي عُقدت عليه آمال باستعادة الثقة والصرامة، أثبت سريعًا أنه يسير على نهج سلفه، متجاهلًا الخروقات المصرفية الكبرى، ومكرّسًا مبدأ 'المحاسبة الانتقائية'. فهل هذا هو التغيير الذي وُعِد به اللبنانيون؟ أن تتكرّر سياسة التسويات المذلّة، ويتم تغليب حماية المصارف على حقوق الناس؟
ما يثير الاستغراب، وفق ما تؤكّده مصادر مطّلعة، هو غياب أي مؤشرات على ملاحقة قانونية رغم وجود تعهّد قضائي مُلزم. هذا الصمت القضائي يُعمّق القناعة بأنّ هناك مظلّة حماية لخليفة ومصرفه، مهما بلغت التجاوزات، وأن حاكم مصرف لبنان الجديد، إما عاجز أو غير راغب في فتح هذا الملف الذي يمسّ جوهر الفساد المصرفي.
التسوية التي أُبرمت بين مدّعي عام التمييز، مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف من جهة، وبين طارق خليفة ومصرفه من جهة ثانية، نصّت على دفع مبلغ يتراوح بين 30 و32 مليون دولار 'فريش'، لسدّ فجوة مالية في حسابات المصرف تصل إلى 300 مليون 'لولار'، أي ما يعادل 11% فقط من مجمل الخسائر. وقد بُنيت هذه التسوية على حجّة 'إنقاذ أموال المودعين' من التبخّر في حال إعلان إفلاس المصرف أو توقيف رئيس مجلس إدارته.
لكن الواقع، بحسب مصادر 'ليبانون ديبايت'، أنّ هذه التسوية لم تُطبّق فعليًا. القاضي جمال الحجار أمهل خليفة مهلة مقيدة بفترة زمنية محددة، لكنها عمليًا كانت مهلة مفتوحة، ولم تشهد أي التزام فعلي حتى اليوم. وكان خليفة قد اقترح دفع 10 ملايين دولار من أصل الـ30 مليونًا، لكن عبر شيكات 'لولار'، الأمر الذي رُفض باعتباره لا يغطي الفجوة، كما ادّعى خلال الجلسة أنّ مجلس الإدارة يجب أن يشاركه الدفع، في محاولة للتنصّل من الالتزامات.
تشير تقارير التدقيق التي أجراها المدير المؤقت للمصرف محمد بعاصيري إلى فضائح مالية مدوّية، من بيع شيكات بـ'اللولار' واستخدامها لزيادة رأس المال بشكل مخالف لتعليمات مصرف لبنان، إلى شراء مصرف في أرمينيا خسر لاحقًا نحو 120 مليون دولار، وتمّ تحويل 70 مليون دولار من أموال المودعين لإطفاء هذه الخسائر، مرورًا بشراكات مشبوهة بين خليفة وجهات مقترِضة من المصرف مقابل عمولات، واستدانة أموال شخصية عن طريق أطراف ثالثة، ووصولًا إلى استخدام شركة 'إنفست برو' للمضاربات وتحقيق أرباح خاصة من عمليات صرف الليرة.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها 'ليبانون ديبايت'، فإنّ المؤشرات التي ظهرت من خلال التدقيق المحاسبي تُظهر انهيارًا كاملًا في البنية المالية للمصرف، إذ بلغ رأس المال السلبي نحو 300 مليون 'لولار'، وعجز في تأمين السيولة الأجنبية المطلوبة بنسبة لا تتعدّى 1% بدل 3%، وخسائر سنوية بملايين الدولارات بسبب عمليات شراء الليرة من السوق بفوائد مرتفعة، وتكوين مؤونات بنسبة 70% من مجموع التسليفات التي بلغت 750 مليون دولار، ما يدلّ على ديون رديئة. كما تمّ تسجيل قروض معدومة بقيمة 65 مليون دولار لمؤسسات في أرمينيا، إضافة إلى تزوير في التقارير المقدّمة لهيئة التحقيق الخاصة، وتنفيذ هندسات مالية بين 2020 و2021، حقّقت أرباحًا بعشرات ملايين الدولارات لصالح خليفة.
برغم كل هذه المعلومات التي تكفي لتوقيف أي مختلس في أي دولة تحترم قوانينها، فإنّ القضاء لم يرَ في الملف ما يبرّر توقيف خليفة، بل تعاطى معه كشريك في تسوية. والمفارقة أنّ هذه القضية تُقابل بالصمت في وقت يُزج فيه مواطنون في السجن بسبب شيك مرتجع أو تعثّر بسيط، فيما يُترك من سرق الملايين طليقًا.
هكذا يُكرّس القضاء اللبناني، مرة أخرى، قاعدة 'الشتاء والصيف تحت سقف واحد'، حيث تتم ملاحقة الفقراء، وتُعطى الفرص الذهبية للمخالفين من أصحاب المصارف، حتى بات من الطبيعي أن يتنقّل أحد المتهمين بسرقة 'أموال المودعين' بحرية مطلقة، وبمباركة رسمية، وتواطؤ قضائي ومصرفي فاضح.
وما موقف حاكم مصرف لبنان كريم سعيد من هذا الملف سوى خيبة أمل مدوية، ورسالة واضحة بأنّ المنظومة لا تزال ممسكة بكل مفاصل الدولة، من القضاء إلى المصرف المركزي، ولا نية لديها في فتح أبواب المحاسبة، بل كل ما تريده هو الوقت… كي ينسى اللبنانيون.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 33 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
فضيحة الدواء المزوّر تنفجر... وشبكة محميّة تكشف التواطؤ السياسي!
لم تعد فضيحة الأدوية المهرّبة والمزوّرة مجرّد أزمة صحيّة أو ملفّاً جزائيّاً عابراً، بل تحوّلت إلى مرآة ساطعة لانهيار المنظومة الرقابية والإدارية في لبنان، في ظلّ تواطؤ شبكات سياسية وأمنية وفّرت الغطاء لتجّار الموت تحت مظلّة الإفلات من العقاب. في خضمّ الانهيار المتسارع للقطاعين الصحّي والاقتصاديّ، تفجّر أحد أخطر الملفّات المتعلّقة بالأمن الدوائيّ، بعدما أطاحت التحقيقات بشبكة منظّمة لتوزيع مستحضرات مهرّبة ومزوّرة، تورّط فيها مقرّبون من شخصيات سياسية نافذة، أبرزهم محمد خليل، شقيق وزير المال السابق والنائب الحالي علي حسن خليل. هذا الملفّ الذي ظلّ لسنوات مجرّد همس في الكواليس، خرج إلى العلن كقضيّة قضائيّة مفتوحة تتقاطع فيها شبكات التهريب مع نفوذ سياسي وأمنيّ، من المطار إلى الصيدليات، ومن الوزارات إلى المعابر. ومع أنّ التحقيقات لا تزال في بدايتها، إلّا أنّ المؤشرات تدلّ على أننا أمام منظومة متكاملة لتشريع الموت بغطاء رسميّ. وفي قلب هذه الفضيحة، تعود إلى الواجهة ملفّات التعيينات المشبوهة، أبرزها إدخال محمد خليل نفسه إلى قوى الأمن الداخلي بمرسوم خاص، دون خضوعه لأيّ مباراة رسمية، في عهد الرئيس ميشال عون، ضمن تعيينات استنسابية خضعت للمحاصصة الطائفية والسياسية، وسمحت بتغلغل الفساد داخل أجهزة يفترض أنها حامية للصحة العامة. أدوية سرطان مزوّرة… وشهادات صادمة من الضحايا تُظهر وثائق التحقيق أنّ المستحضرات المهرّبة لم تكن محصورة بأدوية بسيطة، بل شملت أدوية خطيرة مخصّصة لعلاج السرطان، بيعت في السوق السوداء بأسعار باهظة رغم أنها غير مطابقة للمواصفات أو لا تحتوي على مواد فعّالة. وقد أدلت المريضة فاديا المكاوي بشهادة موثقة عن شرائها دواءً لعلاج سرطان الثدي مقابل 900 دولار، ليتبيّن لاحقاً أنه غير صالح للاستخدام. وتكرّرت شكاوى مشابهة من مرضى أُجبروا على شراء علاجات مزوّرة، ما أدّى إلى تدهور حالتهم الصحيّة، وسط صمت رسميّ مريب وتراخٍ في المحاسبة. رضا الموسوي لـ "نداء الوطن": سنتقدّم بادّعاء رسميّ وفي حديث لـ "نداء الوطن"، أكّد مستشار وزير الصحة، رضا الموسوي، أنّ الوزارة "تتابع الملفّ قضائياً بكلّ دقة"، وأضاف: "الوزير اتّخذ قراراً باتّخاذ صفة الادّعاء ضدّ كلّ من يثبت تورّطه في تعريض صحة اللبنانيين للخطر، سواء في ملفات الدواء أم الاستشفاء، ونحن ننتظر صدور النتائج القضائية النهائية للتحرّك على هذا الأساس". الموسوي شدّد على أنّ الوزارة "لن تتهاون مع أي صيدلية أو جهة تتاجر بصحة الناس، والرقابة ستشتدّ خلال الفترة المقبلة". جو سلّوم لـ "نداء الوطن": فوضى ممنهجة تدمّر قطاع الدواء… والمرضى أولى الضحايا القطاع الدوائيّ في لبنان على شفير الانهيار، بفعل فوضى ممنهجة بدأت بتهريب الأدوية المدعومة، وتوسّعت إلى إدخال مستحضرات مهرّبة ومزوّرة، بعضها سُوّق تحت غطاء "الاستيراد الطارئ" بتواقيع وزارية، من دون رقابة فعلية أو مطابقة للمواصفات. يرى نقيب الصيادلة جو سلّوم أنّ النقابة قرعت جرس الإنذار منذ أكثر من ثلاث سنوات، محذّرة من كارثة تطول مرضى السرطان والأمراض المزمنة، وتُفرغ الصيدليات الشرعية من الأدوية، ما دفع المرضى إلى السوق السوداء، وأدّى إلى تفشّي مراكز بيع دواء غير شرعية وظهور مستودعات مخالفة ومنصّات توزيع عبر الإنترنت. غياب تطبيق مراسيم الوكالة الوطنية للدواء، رغم إقرارها منذ العام 2021، ساهم في تعميق الأزمة. هذه الوكالة يُفترض أن تكون الجهة الناظمة لتسجيل الأدوية وضبط أسعارها وجودتها، إلّا أن المشروع بقي في الأدراج، ما أبقى السوق مفتوحة على التلاعب. ملفّ الأدوية المستوردة من دول مثل إيران يثير تساؤلات مهنية لا سياسية. جزء من هذه المستحضرات لا يملك شهادات مطابقة للمعايير الدولية، ويُوزّع اليوم على مرضى السرطان من دون ضمانات. نقابة الصيادلة تطالب بإطلاق مراسيم الوكالة فوراً، وتفعيل الهيئات الرقابية، وإجراء مراجعة شاملة لكل الأدوية والمتمّمات التي دخلت السوق في السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً تلك المرتبطة بمناقصات وزارة الصحة. ما يجري، وفق سلّوم، ليس فوضى عابرة، بل منظومة فساد محمية سياسياً وأمنياً، تشرعن التهريب والتزوير، وتعرض حياة اللبنانيين للخطر، في ظلّ غياب كامل للمحاسبة. ثلث السوق خارج الرقابة… وشبكات محميّة تهدّد صحّة اللبنانيين يُقدَّر حجم سوق الأدوية المهرّبة والمزوّرة في لبنان بما بين 150 و 200 مليون دولار سنوياً، أي نحو ثلث السوق المحلية، وفق ما تكشفه نقابة مستوردي الأدوية. هذه الأرقام تعكس اختراقاً خطيراً على المستوى الصحي والاقتصادي والقانوني، وسط انتشار شبكات تهريب وتواطؤ صيدليات مخالفة لا تزال تعمل رغم مخالفات موثّقة بحقها. من أبرز هذه الشبكات ما يُعرف بـ "شبكة برمينا"، التي تضمّ أكثر من 70 صيدلية متورّطة في تسويق مستحضرات مغشوشة، بعضها مخصّص لعلاج السرطان. أحد التحقيقات كشف أنّ دواءً يُسوّق لعلاج الأورام لم يكن سوى محلول ملحيّ. كما أن سوء التخزين أفقد العديد من الأدوية فعاليّتها، ما يعرّض حياة المرضى للخطر. المحاسبة غائبة. عدد من الملفّات كُشف ولم تُتابَع قضائياً، وسط تقاعس رسميّ لافت، ما يفاقم الأزمة ويُفقد الناس ثقتهم بالقطاع. الجهد المطلوب يتوزّع على مستويين: أولاً، ضبط المعابر الحدودية والمطار عبر الجمارك والأجهزة الأمنية؛ وثانياً، تحرّك سريع من وزارة الصحة لإحالة الملفات إلى النيابة العامة بالتنسيق مع وزارة العدل. الرقابة التقنية بدورها غير مكتملة. لا تزال بعض الصيدليات خارج نظام "MediTrack"، ما يترك ثغرات واسعة. النقابة تعمل على تعميم الترميز التسلسلي لكل عبوة، وتطوير تطبيق إلكتروني يتيح للمواطنين التحقّق من شرعية الدواء مباشرة من المصدر. المسؤولية لا تقع على النقابات وحدها. رئاسة الجمهورية ولجنة الصحة النيابية برئاسة النائب بلال عبد الله أطلقتا تحركاً تنسيقياً مع الوزارات والأجهزة المعنية، لكن التنفيذ ما زال غائباً. الرهان اليوم على إرادة سياسية حازمة، تضع حداً للفوضى قبل أن تتحوّل إلى قاعدة دائمة تُشرعن التزوير وتُهدّد ما تبقّى من منظومة الرعاية الصحية في لبنان. هيلين شماس: الاستيراد الطارئ شرّع الفوضى وفي حديث موسّع لـ "نداء الوطن"، أكدت الباحثة في السياسة الدوائية د. هيلين شماس أنّ الفوضى الحالية تعود إلى تراكمات سابقة، وقرارات سياسية خارجة عن المعايير. وأشارت إلى أن دعم الأدوية طُبّق دون ضوابط، ما سمح بتهريب المستحضرات المدعومة، مقابل إدخال أدوية غير فعّالة ومنتهية الصلاحية. كما كشفت عن تسجيل أدوية إيرانية في عهد الوزير جميل جبق خلال فترة لا تتعدّى الشهرين، في تجاوز واضح للمعايير الدولية، ما أثّر على جودة السوق وثقة المواطنين. كما انتقدت قرار "الاستيراد الطارئ" في عهد وزير الصحة الأسبق حمد حسن، حيث خُفّضت المعايير تحت ذريعة النقص، فدخلت أدوية من دول لا تملك أيّ اعتماد دولي. ولفتت إلى أن هذه الفوضى شجّعت على المحسوبيات، إذ مُنحت الموافقات فقط للمقرّبين، بينما حُرمت منها شركات محترمة. وعن نظام "MediTrack"، قالت شماس إن التطبيق شابه العديد من الثغرات، أبرزها الاستنسابية في توزيع الأدوية، وعدم وضوح المعايير التي تحدّد المستفيدين. وختمت بالقول إن الأزمة الدوائية في لبنان ليست تقنية فحسب، بل سياسية في جوهرها، وتستدعي خطة إنقاذ متكاملة تُعيد الثقة إلى القطاع الصحي وتحمي حياة الناس. جوزيان الحاج موسى -نداء الوطن انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


ليبانون ديبايت
منذ 33 دقائق
- ليبانون ديبايت
هل يُرفع الغطاء الدولي عن لبنان؟
خرج استهداف القوة الدولية العاملة في الجنوب من سياق الإشكالات والحوادث المنفردة ليتحول إلى استهداف ممنهج لم تتضح أهدافه والتي تعاكس اتجاهات لبنان الرسمي الذي يتمسك بهذه القوة بمعزلٍ عن محدودية دورها في منع الإعتداءات الإسرائيلية. ومن الثابت، وفق الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين، أن المستفيد الأول من خروج هذه القوة الدولية من الجنوب هو إسرائيل، ذلك أن المزيد من حوادث الإعتداء على قوات اليونيفيل، سوف يضع لبنان في موقع ضعيف في مجلس الأمن الدولي، وسيعزّز فكرة أن وجودها "غير مفيد". ويجد المحلل الأمين في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت"، أن "حزب الله"، الذي يقف وراء هذه الأعمال، ربما يرجّح "بقاء حالة الفوضى والإعتداءات الإسرائيلية في الجنوب، على أن يحسم قراره بالتحول إلى حزب سياسي وأن يسلّم بعدم وجود سلاحه". ويعتبر الأمين أن "الحزب هو أمام خيارين، إمّا أن يسلم سلاحه ويتحول إلى حزب سياسي ويدخل في مسار سياسي مختلف له تحدياته، وإمّا أن يتجه نحو خيار المحافظة على هذا السلاح ولكن مع استمرار عمليات الإغتيال الإسرائيلية". وبالتالي، يقدّر الأمين أن الحزب يرى أنه "قادر على تحمّل الإغتيالات التي تحصل، لأنه بهذه الحالة يضمن وجوده العسكري والأمني"، مستبعداً وجود أي تفسير "لإصرار الحزب على الإعتداءات على اليونيفيل لأن الحوادث ليست عفوية بل هي نتيجة تخطيط". أمّا الأخطر من هذه الممارسات كما يقول الأمين فهو أن "النتيجة لن تكون بالضرورة إخراج اليونيفيل من لبنان بل على العكس سيكون توجهاً نحو التشدد من قبل مجلس الأمن كتعديل صلاحياتها وفرض شروط جديدة على لبنان لقاء التمديد لليونيفيل". ويكشف الأمين عن تسريبات لمقرّبين من الحزب بأن "وجود اليونيفيل هو وجود عين إسرائيلية على لبنان، ولذلك فهي لن تعمل على إنهاء مهامها في الجنوب"، مؤكداً عدم دقة هذه التسريبات وأن "إسرائيل تريد طردهم". وبالنسبة للبنان، فيتحدث الأمين عن "حاجة إلى هذه القوات الدولية، كون إنهاء مهامها سيعني إنهاء أو رفع الغطاء الدولي عن لبنان، ومثل هذا القرار، سيطلق يد إسرائيل بشكل كامل خصوصاً مع اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل بشكل مباشر، بمعنى أن العمليات الإسرائيلية ستصبح دورية ومستمرة ومن دون أي رادع". ورداً على سؤال عن موقف الرئيس نبيه بري وتأثيره على موقف "حزب الله" من اليونيفيل، يؤكد الأمين على "ضرورة ترقب الموقف الأميركي في مجلس الأمن، حيث قد ترفض واشنطن التجديد لليونيفيل بسب هذه الإعتداءات، رغم إصرار لبنان عليه، ما يستدعي ومنذ اليوم، صدور موقف رسمي وقرار بتوقيف المعتدين على اليونيفيل ومحاكمتهم، وهو ما لم يحصل بعد، ويهدد بوضع لبنان في موقع محرج لجهة عدم القدرة على منع الإعتداءات على الجنود الدوليين".


بيروت نيوز
منذ 35 دقائق
- بيروت نيوز
أمين سلام أول موقوف برتبة وزير
أصدر النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، أمس، قراراً بتوقيف وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، وذلك غداة استجوابه لمدة ثلاث ساعات في شعبة المعلومات، في إطار تحقيقات تتعلّق بتزوير وإبرام عقود مشبوهة، والتصرّف في أموال عامة خلافاً للقانون. ويأتي التوقيف على خلفية ادّعاء قدّمته لجنة الاقتصاد النيابية برئاسة النائب فريد البستاني، بالإضافة إلى شكوى تقدّم بها وزير الاقتصاد الحالي عامر البساط عبر هيئة القضايا في وزارة العدل. واشارت مصادر مطلعة ل' اللواء' الى ان توقيف سلام وشقيقه يطرح انتقائية القضاء في فتح ملفات الفساد في البلاد. وكتبت' نداء الوطن' ان ابرز الاتهامات الموجهة إليه: ابتزاز شركات التأمين حيث اتُهم شقيقه كريم سلام بتهديد شركة 'المشرق للتأمين' بسحب ترخيصها ما لم تدفع مبالغ مالية مقابل دراسات إلزامية عبر شركة يملكها مستشار الوزير فادي تميم، وصلت قيمتها إلى 300 ألف دولار. إساءة استخدام أموال لجنة الرقابة على هيئات الضمان، تبين أن الوزير استغل أموال اللجنة لتمويل نفقات مكتبه ونفقات شخصية، حيث بلغت المصاريف الشهرية 70 ألف دولار. عقود مشبوهة، أبرم عقداً مع شركة ماليزية لتقديم تدريب تقني لمدة أسبوعين مقابل 640 ألف دولار، وهو ما أثار تساؤلات حول جدوى العقد. تهرب من المساءلة: تغيّب سلام عن حضور جلسات لجنة الاقتصاد النيابية التي استدعته للاستماع إليه، مما دفع اللجنة إلى تحويل الملف إلى النيابة العامة التمييزية والمالية. وجاء في' الاخبار': وفقاً للمستندات المُرفقة بالملف، عمد الوزير السابق إلى سحب مبالغ شهرية بقيمة 50 ألف دولار من صندوق لجنة مراقبة هيئات الضمان، إضافة إلى ملياري ليرة (نحو 20 ألف دولار كان يُصرّح عنها بالدولار) لأغراض شخصية، من بينها رحلات استجمام، إقامة في فنادق، واستئجار سيارات فاخرة، من بينها سيارة من نوع «تاهو» بكلفة 2000 دولار شهرياً لمدة ثلاث سنوات. كما أظهرت العقود الموقّعة أن سلام أبرم اتفاقاً مع أحد المحامين بقيمة 25 ألف دولار لكل فصل سنوي (ما مجموعه 100 ألف دولار سنوياً)، قبل أن يوقف رئيس لجنة مراقبة هيئات الضمان العقد، مع دفع مستحقات الفصل الأول فقط. ووثّقت التحقيقات تعدّي الوزير السابق على صلاحيات رئيس اللجنة، وتنصيب نفسه رئيساً لها إلى جانب مهامه الوزارية، في مخالفة صريحة للقانون، ما أتاح له التحكّم بالصندوق المالي واتخاذ قرارات منفردة، بعد أن امتنع لأكثر من عام عن تعيين رئيس للجنة. من جهة أخرى، كشفت التحقيقات عن وجود شريك ثالث في المخالفات المرتكبة، هو نقيب خبراء المحاسبة المجازين إيلي عبود، الذي تولّى مهام التدقيق الجنائي في حسابات 15 شركة تأمين بموجب عقود بلغت قيمة كل منها 70 ألف دولار، تُسدَّد من أموال وزارة الاقتصاد. وبحسب المعلومات، تعاون عبود مع كريم سلام، شقيق الوزير السابق، في ابتزاز شركات التأمين وتهديدها بسحب تراخيصها أو الامتناع عن تجديدها، بهدف الحصول على رشى مالية. وبعد تعيين رئيس جديد للجنة مراقبة هيئات الضمان، تحت ضغط لجنة الاقتصاد النيابية، تمّ فسخ العقد مع عبود وتخفيض المستحقات المالية المدفوعة له من قبل الوزارة. ورغم خضوع النقيب عبود للتحقيق، لم يُتخذ في حقه أي إجراء حتى الآن، في وقت لا يزال كريم سلام موقوفاً منذ مدة على خلفية التهم الموجّهة إليه. إلى ذلك، رصدت اللجنة مخالفة إضافية تُعدّ بمثابة اختلاس، تمثّلت بسحب الوزير السابق وشقيقه مبلغاً قدره 152 ألف دولار من حساب الوزارة، قبل أن يُعاد المبلغ لاحقاً إلى حسابها في بنك بيروت، بعد استدعاء كريم سلام للتحقيق، وبطلب مباشر من شقيقه الوزير السابق. ولم يتمكّن الأخير من تقديم تبرير مقنع لهذه الخطوة سوى الإشارة إلى «الوضع المصرفي الهشّ» الذي، بحسب قوله، استدعى الاحتفاظ بالمبلغ نقداً لضمان صرف رواتب الموظفين! وكتبت' الديار': شكّل توقيف وزير الاقتصاد السابق أمين سلام مفاجأة سياسية، بعد قرار المدعي العام التمييزي بجلبه والتحقيق معه في ملفات تتعلق بعقود مشبوهة وتصرف غير قانوني بالأموال العامة. التحقيقات التي دخلت مرحلة دقيقة مرشحة للتوسع، قد تفتح الباب أمام مزيد من الاستدعاءات، على خلفية ادعاء هيئة القضايا في وزارة العدل التي تمثل حق الدولة اللبنانيّة ضد سلام وشركائه، بعد ان كان قد رفع منع السفر عنه سابقا. وقال مصدر قضائي لـ'الشرق الاوسط'ان الحجار 'استجوب وزير الاقتصاد السابق في الإخبار المقدم ضدّه من لجنة الاقتصاد النيابية، بجرم الاختلاس والتزوير والإثراء غير المشروع وابتزاز شركات التأمين مادياً لقاء تجديد عقودها'. وأشار إلى أنه 'جرى فتح ملفّ جديد بحقّ سلام يتعلّق بتوقيعه كوزير للاقتصاد عقوداً تشوبها الريبة وتفوح منها روائح الفساد والصفقات'. وكشف المصدر أن وزارة الاقتصاد 'زوّدت النيابة العام التمييزية بمستندات تتعلّق بالملف الجديد والشبهات التي حامت حول الوزير، ما دفع بالقاضي الحجار إلى تكليف شعبة المعلومات استدعاء سلام إلى التحقيق الذي انتهى إلى توقيفه'. ولفت إلى أن الحجار 'سيحيل سلام مع محاضر التحقيقات الأولية على النيابة العامة المالية التي ستدعي عليه مع كلّ من يظهره التحقيق بالجرائم المنوّه عنها، وتودعه مع الملف قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي الذي سيحدد موعداً سريعاً لاستجوابه، ويتخذ القرار إما بإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه أو تركه حراً أو لقاء كفالة مالية، لكن المؤشرات تعزز فرضية مذكرة التوقيف'. وأفاد المصدر القضائي بأن 'مسارعة الحجار لتوقيف سلام تعني أنه اعتبر أن الجرم الذي ارتكبه ليس ناشئاً عن عمله وزيراً، إنما استفاد من موقعه الرسمي للقيام بالأعمال الجرمية التي استدعت ملاحقته وتوقيفه'.