
إغلاق بيوت الثقافة: إفقار للوعي وتغذية للتطرف
في مشهد يعكس التناقض الصارخ بين الحاجة الملحة لنشر الثقافة وبين السياسات الرسمية التي تسير في الاتجاه المعاكس، جاء النقاش الساخن الذي أجرته الروائية والنائبة البرلمانية ضحى عاصي مع وزير الثقافة بشأن قرار إغلاق نحو 130 بيت ثقافة في أنحاء مصر. كما كتبت عبر صفحتها على الفيس بوك، وعلى الرغم من تأكيد الوزير على وجود "استراتيجية بديلة"، فإن ما يبدو واضحًا هو أن هذه الاستراتيجية تنطلق من منطق مركزي بيروقراطي لا يرى في الثقافة سوى فعالية موسمية داخل قصر كبير، لا في نبض الناس وحاجتهم اليومية للمعرفة والتنوير.
ثقافة الهامش أم ثقافة المركز؟
تبرير الوزير بأن بعض بيوت الثقافة "غير مؤهلة" أو "لا تصنع ثقافة" يحمل في طياته استخفافًا خطيرًا بدور الثقافة المحلية في بناء الوعي المجتمعي. فالبيوت الثقافية، خاصة في القرى والمراكز الصغيرة، لا تهدف فقط إلى تقديم عروض فنية أو ندوات، بل هي في جوهرها حوائط مقاومة للجهل، منصات لتصحيح المفاهيم، ومتنفسات لمحاصرة الأفكار الظلامية التي تتسلل في فراغات الغياب الرسمي.
عندما يُغلق بيت الثقافة، يفتح الباب أمام الشيخ المتشدد، ويفسح المجال لمنابر التحريض والفتاوى غير المنضبطة، ويُترك الشباب في مواجهة مباشرة مع خطاب الكراهية والانغلاق دون أي بديل معرفي.
الثقافة كأمن قومي
إن اختزال أزمة الثقافة في "ضعف الإمكانيات" أو "تضخم الموظفين" هو تجاهل لحقيقة أساسية: الثقافة ليست ترفًا، بل هي قضية أمن قومي. محاربة التطرف لا تكون فقط عبر الأجهزة الأمنية، بل عبر نشر الفكر المستنير، وتشجيع النقاش، وبناء الشخصية النقدية منذ الصغر.
كل بيت ثقافة يُغلق هو فرصة مهدورة لإنقاذ عقل من السقوط في هوة التطرف. كل جدار ثقافي يهدم هو جدار يُبنى داخل وعي شاب متحمس سيبحث عن هوية، وقد يجدها في السلاح بدل القلم.
المواطن ليس المسؤول
كلمات النائبة ضحى عاصي كانت في منتهى الوضوح: "المواطن ليس مسؤولًا عن إهمال الوزارة لهذه الأماكن، وليس مسؤولًا عن تضخم حجم الموظفين حتى يُحرم من الخدمة الثقافية". وهو موقف لا بد أن نثني عليه، لأنه يعيد النقاش إلى أساسه الصحيح: الوزارة وُجدت لخدمة الناس، لا العكس.
فبدلًا من إغلاق البيوت الثقافية، يجب ترميمها وتطويرها وربطها بالمجتمع المدني، واستثمار الطاقات الشبابية والفنية والأدبية فيها. حتى البيوت التي لا تعمل الآن يمكن أن تتحول إلى مراكز إشعاع معرفي، لو توفرت الإرادة الحقيقية لذلك.
الثقافة ليست رفاهية
في بلد يعاني من أزمات اقتصادية وضغوط اجتماعية، قد يبدو الحديث عن الثقافة رفاهية، لكنه في الحقيقة أول الطريق نحو مجتمع أكثر تماسكًا. فالفكر المتطرف لا ينمو في بيئة مزدهرة بالكتب والمسرح والسينما، بل في عقول مغلقة تعيش على هامش الحياة.
وإذا كانت الدولة جادة في تجفيف منابع التطرف، فإن الحفاظ على بيوت الثقافة وتوسيعها هو رهان رابح على المستقبل.
السؤال الأهم
في ضوء هذا المشهد، يبقى السؤال الذي طرحته النائبة ضحى عاصي هو الأهم: "كيف ترى الثقافة يا معالي الوزير؟"
هل تراها عبئًا على الميزانية، أم طوق نجاة من الغرق في التطرف والانغلاق؟
هل تراها مقصورة على العواصم الكبرى، أم حقًا لكل مواطن في قرية أو نجع؟
الإجابة على هذا السؤال ليست فقط مسؤولية وزير الثقافة، بل مسؤولية دولة بأكملها تبحث عن الخلاص من فكر عنيف، لن يُهزم إلا بثقافة أقوى.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الحركات الإسلامية
منذ 18 ساعات
- الحركات الإسلامية
إغلاق بيوت الثقافة: إفقار للوعي وتغذية للتطرف
في مشهد يعكس التناقض الصارخ بين الحاجة الملحة لنشر الثقافة وبين السياسات الرسمية التي تسير في الاتجاه المعاكس، جاء النقاش الساخن الذي أجرته الروائية والنائبة البرلمانية ضحى عاصي مع وزير الثقافة بشأن قرار إغلاق نحو 130 بيت ثقافة في أنحاء مصر. كما كتبت عبر صفحتها على الفيس بوك، وعلى الرغم من تأكيد الوزير على وجود "استراتيجية بديلة"، فإن ما يبدو واضحًا هو أن هذه الاستراتيجية تنطلق من منطق مركزي بيروقراطي لا يرى في الثقافة سوى فعالية موسمية داخل قصر كبير، لا في نبض الناس وحاجتهم اليومية للمعرفة والتنوير. ثقافة الهامش أم ثقافة المركز؟ تبرير الوزير بأن بعض بيوت الثقافة "غير مؤهلة" أو "لا تصنع ثقافة" يحمل في طياته استخفافًا خطيرًا بدور الثقافة المحلية في بناء الوعي المجتمعي. فالبيوت الثقافية، خاصة في القرى والمراكز الصغيرة، لا تهدف فقط إلى تقديم عروض فنية أو ندوات، بل هي في جوهرها حوائط مقاومة للجهل، منصات لتصحيح المفاهيم، ومتنفسات لمحاصرة الأفكار الظلامية التي تتسلل في فراغات الغياب الرسمي. عندما يُغلق بيت الثقافة، يفتح الباب أمام الشيخ المتشدد، ويفسح المجال لمنابر التحريض والفتاوى غير المنضبطة، ويُترك الشباب في مواجهة مباشرة مع خطاب الكراهية والانغلاق دون أي بديل معرفي. الثقافة كأمن قومي إن اختزال أزمة الثقافة في "ضعف الإمكانيات" أو "تضخم الموظفين" هو تجاهل لحقيقة أساسية: الثقافة ليست ترفًا، بل هي قضية أمن قومي. محاربة التطرف لا تكون فقط عبر الأجهزة الأمنية، بل عبر نشر الفكر المستنير، وتشجيع النقاش، وبناء الشخصية النقدية منذ الصغر. كل بيت ثقافة يُغلق هو فرصة مهدورة لإنقاذ عقل من السقوط في هوة التطرف. كل جدار ثقافي يهدم هو جدار يُبنى داخل وعي شاب متحمس سيبحث عن هوية، وقد يجدها في السلاح بدل القلم. المواطن ليس المسؤول كلمات النائبة ضحى عاصي كانت في منتهى الوضوح: "المواطن ليس مسؤولًا عن إهمال الوزارة لهذه الأماكن، وليس مسؤولًا عن تضخم حجم الموظفين حتى يُحرم من الخدمة الثقافية". وهو موقف لا بد أن نثني عليه، لأنه يعيد النقاش إلى أساسه الصحيح: الوزارة وُجدت لخدمة الناس، لا العكس. فبدلًا من إغلاق البيوت الثقافية، يجب ترميمها وتطويرها وربطها بالمجتمع المدني، واستثمار الطاقات الشبابية والفنية والأدبية فيها. حتى البيوت التي لا تعمل الآن يمكن أن تتحول إلى مراكز إشعاع معرفي، لو توفرت الإرادة الحقيقية لذلك. الثقافة ليست رفاهية في بلد يعاني من أزمات اقتصادية وضغوط اجتماعية، قد يبدو الحديث عن الثقافة رفاهية، لكنه في الحقيقة أول الطريق نحو مجتمع أكثر تماسكًا. فالفكر المتطرف لا ينمو في بيئة مزدهرة بالكتب والمسرح والسينما، بل في عقول مغلقة تعيش على هامش الحياة. وإذا كانت الدولة جادة في تجفيف منابع التطرف، فإن الحفاظ على بيوت الثقافة وتوسيعها هو رهان رابح على المستقبل. السؤال الأهم في ضوء هذا المشهد، يبقى السؤال الذي طرحته النائبة ضحى عاصي هو الأهم: "كيف ترى الثقافة يا معالي الوزير؟" هل تراها عبئًا على الميزانية، أم طوق نجاة من الغرق في التطرف والانغلاق؟ هل تراها مقصورة على العواصم الكبرى، أم حقًا لكل مواطن في قرية أو نجع؟ الإجابة على هذا السؤال ليست فقط مسؤولية وزير الثقافة، بل مسؤولية دولة بأكملها تبحث عن الخلاص من فكر عنيف، لن يُهزم إلا بثقافة أقوى.


ساحة التحرير
١٧-٠٤-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
سفاحٌ ام مناضل ؟!عارف معروف
سفاحٌ ام مناضل ؟! عارف معروف نشرَ صديقٌ على الفيس بوك صورةً قديمة اعتقدَ انها لناظم كزار فثار جدلٌ بين بعض المعلقين بشأن المرحوم ' كزار' وهل كان مجرماً وسفّاحا اوغلَ في دماء ضحاياه وفي ممارسات التعذيب والانتهاكات بحق المعتقلين حينما كان مديرا للأمن العام ، كما شاع عنه ، ام انه كان مناضلا مخلصا ، صلبا وعنيدا ، في الدفاع عن عقيدته وعن مصالح الناس ، وان محاولته الانقلابية التي روج لها نظام البعث في 1973 واعدمه إثرها كانت محاولة منه لتصحيح مسار النظام والحزب باتجاه الدكتاتورية والطغيان الفردي وحكم العشيرة والعائلة ، كما دافع آخرون ، بل وزادوا ان مسار العراق كان سيكون افضل لو قُدّر لتلك المحاولة النجاح لان المشكلة ، كل المشكلة ، في صدام حسين وشخصه وتكوينه ! هل الامر على هذه الصورة حقاً ، وهل كان مسار الامور في العراق سيختلف كثيرا ، ومآلاتها ستتبدل ، لو قُدّر لناظم كزار ان يحل محل صدام حسين ؟! موضوع يغري بالمناقشة المستفيضة والبحث الجدّي المعمق حقا ! و لكن يمكن ، كما اعتقد ، اختصار الامر بالتركيز على جوهر المشكلة الذي يكمن في هذه الصيغة تحديدا : المناضل الصادق والمخلص والعنيد ! واكثر منه في مفهوم الحزب الثوري الذي يعبر عن ارادة الجماهير واهدافها او ' الطليعة ' كما كان يعبر حزب البعث اوالقيادة الثورية بحسب غيره ، او اية نخبة مصطفاة عرفَتْ ما تريده الجماهير و' تمثلت روحها ' واستبطنت اهدافها ونابت عنها كجماعة ثورية مقاتلة ، مخلصة وحالمة ، تمكنت من السلطة ومن الدولة نيابة عن الشعب واصالة عن الجماهير التي غابت عن ساحة القول او الفعل ' لأسباب تاريخية ' لسنا بصدد بحثها في هذا المقام ! سيمثل الحزبُ الشعبَ وحاجاته ، وتختصر القيادةُ الحزبَ وروحه في مجموعة ' المناضلين ' المحنكين ، وسيبرز من بينهم القائد الذي يمثل ويختصر روح القيادة ! سيكون اي اختلاف عن مفاهيم الحزب انحرافا ومؤامرة تستوجب المعالجة والقمع باعتبارها انحرافا عن ارادة الشعب وخيانة للوطن ، وستستبعد بل وتستأصل اية مجموعةٍ او افرادٍ حتى ضمن اطار الحزب نفسه ممن يرون رأيا مغايرا او يقترحون طريقة مختلفة للادارة ، وسيدور دولاب القمع والعنف و التصفيات والدماء.. وكلما تعززت نجاحات القائد كلما ترسخت القناعة لديه ولدى اتباعه بصحة النهج ومشروعية الطريقة حتى يصل الامر ، ربما عن قناعة ذاتية او ايحاءات من آخرين ، الى ان المسار كله كان تعبيرا عن ارادة ربانية وعناية الهية .. وعند ذاك سنكون امام طاغية يؤله ذاته بل وتؤلهه الجماهير … وحينها سيكون من تحصيل الحاصل ان يتحول ' الصدق والصلابة ' الى فرادة تاريخية ليس لها نظير ، و' موهبة القيادة ' الى ملك يوّرث ، و' التضحية والاقدام ' الى ميزة يتعين على الشعب دفع ثمنها لاجيال وربما الى الأبد ! اذن فلو آل الامر الى ' ناظم كزار' ، او ' سعدون شاكر ' ، او حتى ' عزة الدوري ' ، فالطريق سيكون نفسه والمسار سيكون عينه … بل ولوتمّكن حزبٌ جماهيري آخر ، غير البعث ، من السلطة والدولة ، بالوسائل نفسها تأسيسا على افكار ورؤى مقاربة ، لما اختلفت النتائج كثيرا … والدليل ان الحكاية السوداء نفسها رويت في اكثر من مكان وعبر اكثر من حقبة ، وتلضّت على جمرها العديد من الشعوب والمجتمعات … نعم ، قد نكون امام طغيان وجبروت اقل او اشدّ.. قد نواجه عنفا وقمعا اكثر او اقل … … قد يكون مسيل الدماء اكبر سعة او اقل … لكن المسار او التاريخ لن يكون جدّ مختلف ، ذلك انه يستند الى الاسس نفسها ، ويتأطر بالاطر عينها ضمن الواقع التاريخي ذاته ! 2025-04-17


موقع كتابات
١٣-٠٤-٢٠٢٥
- موقع كتابات
في أنتظار غودو…؟
في سبعينيات القرن الماضي، اشتهرت مسرحية للكاتب الألماني صموئيل بيكيت بعنوان 'في انتظار غودو'. تتناول المسرحية مجموعة من الأشخاص البائسين، وأولهم امرأة عجوز، الذين يجتمعون في مكان محدد لهم بعيداً عن الناس، منتظرين صديقهم 'غودو' الذي لم يظهر أبداً، وقد كان لكل واحد منهم غرض معين أو مسألة محددة يريدون عرضها على غودو، ومع مرور الأيام، كانوا يعودون الى هذا المكان ويخوضون حوارات جدلية تكشف ما بداخلهم وتفضح خبايا أنفسهم. ومع مرور الوقت، والوقت يمر تبين لهم أن 'غودو' لن يأتي أبداً ، وبدلاً من ذلك، إلا أنهم استمروا في التحدث والتعبير عن آمالهم ومخاوفهم ورغباتهم، اصبحت هذه الرواية وعرضت على المسرح،وكانت هذه المسرحية استهوت الالاف من الذين شاهدوا العرض، و أصبحت رمزاً للأمل الزائف والوعود الكاذبة . اليوم وحقيقة اليوم…؟ نجد أنفسنا في وضع مشابه، فلو اطلعت على الواقع وانت تقلب وتنتقل على صفحات الفيس بوك ووسائل الإعلام الإلكترونية، ونقرأ الكم الهائل من دعوات الإصلاح السياسي والمدني والديني، ومع ذلك، لا زال الناس سذج، حيث يستغل البعض جهل الناس ونسيانهم، متحكمين بمصيرهم لصالح مصالح شخصية وأنانية، في ظل الظروف الصعبة والعوز والفقر المدقع، يضطر المواطنون للسعي وراء لقمة العيش، مما يجعلهم يقبلون بأبسط المطالب. في هذه الأيام، نجد أصحاب الشعارات الزائفة يسعون لاستقطاب الناس بدوافع أنانية مادية ومنافع شخصية أخرى ، مستخدمين النفاق والدهاء لتحقيق رغباتهم ومطامعهم، لذا، ربما علينا أن نتعلم من انتظار 'غودو' وبدلاً من الإنتظار، نسعى للتغيير الحقيقي بأنفسنا، بدلاً من انتظار الوعود الصفراء الكاذبة. علينا أن نواجه الواقع الحقيقي ونعمل بحكمة من أجل التغيير ، و الأمل في الإصلاح يكمن في وعينا وجهودنا المشتركة والعمل الجماعي، وليس في انتظار وعوداً قد لا تتحقق أبداً ، نحن البائسون المنتظرون، لكن بإمكاننا أن نصبح صناع القرار،و التغيير إذا آمنا بقدرتنا على التغيير وعملنا معاً من أجل مستقبل .