logo
الحوسبة الكمية وتطوير الأدوية

الحوسبة الكمية وتطوير الأدوية

صحيفة مكة٠٧-٠٣-٢٠٢٥

شهد العالم في السنوات الأخيرة بروزا متسارعا لتقنية الحوسبة الكمية (Quantum Computing)، التي تعد نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا والمعلومات. تقوم هذه التقنية على مبدأ استثمار خواص الجسيمات الكمية، لحل مشكلات بالغة التعقيد بسرعة غير مسبوقة مقارنة بالحواسيب التقليدية. ومع تطور هذه الحواسيب الكمية تدريجيا، بدأ العديد من القطاعات الصناعية والبحثية بالاستفادة من إمكاناتها. ويأتي قطاع تطوير الأدوية في مقدمة المجالات المرشحة لتحقيق طفرة ثورية في اكتشاف وتركيب الأدوية بفضل قدرات الحوسبة الكمية الهائلة.
تستند الحوسبة الكمية عزيزي القارئ إلى المبادئ الأساسية لميكانيكا الكم، وأبرزها مبدأ «التراكب» (Superposition) الذي يسمح لـ»الكيوبِت» (Qubit) – الوحدة الأساسية في الحوسبة الكمية، بأن يتخذ أكثر من حالة في وقت واحد، خلافا لـ»البت» (Bit) في الحواسيب التقليدية الذي يقتصر على حالتين: صفر أو واحد. بالإضافة إلى ذلك، يتيح مفهوم «التشابك الكوانتمي أو الكمي» (Quantum Entanglement) ترابطا عميقا بين الكيوبِتات؛ بحيث يؤثر أي تغيير في إحداها بشكل فوري على الأخرى، وإن كانت بعيدة عنها مكانيا. ينتج عن هذه الخصائص مقدرة غير اعتيادية على إجراء عمليات حسابية متوازية ومعالجة مشكلات رياضية معقدة بسرعة هائلة، ما يفتح الباب أمام إيجاد حلول كان من المستحيل أو شبه المستحيل الوصول إليها بالاعتماد على الحواسيب التقليدية فقط.
يمر تصميم الأدوية وتطويرها بمراحل معقدة وطويلة، تبدأ من دراسة التفاعلات الجزيئية واختيار المركبات المرشحة للعلاج، ثم التحقق من فعاليتها في المختبرات والحيوانات وصولا للتجارب السريرية على البشر. وتتضمن هذه العملية تحليلا دقيقا لبناء الجزيئات وتفاعلاتها المحتملة مع بروتينات الجسم وأجهزته الحيوية. وتلجأ الشركات البحثية إلى الحوسبة الفائقة (High-Performance Computing) لتقليص الزمن والتكاليف المرتبطة بالتجارب المعملية، عبر استخدام «المحاكاة الجزيئية» (Molecular Simulation) التي تمكن من التنبؤ بوظائف الجزيئات وتماثلها البنيوي. ومع ذلك تبقى كثير من الجوانب الفيزيائية والكيميائية معقدة بصورة تفوق قدرة الحواسيب الحالية، ما يحول دون الوصول إلى محاكاة دقيقة أو سريعة تكفي لتصميم أدوية ناجحة في وقت وجيز.
يعد فهم التفاعلات بين الجزيئات والمستقبلات الخلوية من أهم الخطوات في مجال تصميم الأدوية. وهنا تبرز مزايا الحوسبة الكمية، فقدرتها على البحث في فضاءات حسابية شاسعة بسرعة عالية تسمح بمحاكاة أكثر تفصيلا للتفاعلات الكيمائية، والتحليل العميق للترابطات بين البروتينات والجزيئات الفعّالة (Drug Molecules). يمكن لحواسيب الكمّ إجراء عمليات رياضية تقوم بحل معادلات شديدة التعقيد تصف سلوك الالكترونات وتفاعلها داخل الجزيئات، وبشكل أسرع بكثير من الحواسيب التقليدية. ومن شأن هذا الدعم الحسابي الكمي أن يقلص دورة الاكتشاف الدوائي عبر تمكين محاكاة التركيبات الدوائية والتنبؤ بمدى ارتباطها بالبروتين الهدف (Target Protein)، مما يختصر الكثير من الاختبارات المخبرية المكلفة. وأيضا تحسين اختيار المركبات الأنسب لإجراء التجارب، ما يزيد من احتمال نجاح المرحلة السريرية وتجنب الهدر الكبير في التكلفة والوقت. وأيضا عزيزي القارئ، تساعد الحواسيب الكمية على دراسة بنى جزيئية معقدة تضم مئات الذرات بدقة أعلى، مما يفسح المجال لتطوير أدوية تستهدف أمراضا نادرة أو مقاومة للعلاج التقليدي.
في هذا المجال عزيزي القارئ، بدأت بعض الشركات الرائدة في عقد شراكات مع مؤسسات تقنية لتوظيف الحوسبة الكمية في البحوث الدوائية. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة «فايزر» (Pfizer) عن تعاون مع شركات حوسبة كمية مثل «آي بي إم» (IBM) و»غوغل» (Google) لدراسة وتقييم نماذج محاكاة جزيئية. كما ظهرت شركات ناشئة تتركز أعمالها بالكامل حول تقنيات المحاكاة الكمية وتحليل الجزيئات الدوائية سعيا لتوفير حلول تتفوق على قدرات الحواسيب التقليدية. على الرغم من أن هذه التجارب لا تزال في مراحلها الأولية، فإنّ النتائج المبكرة مشجّعة، وتكشف عن إمكانات كبيرة لتعزيز دقة المحاكاة وسرعة التنقيب الدوائي.
ما زال أمام الحوسبة الكمية طريق طويل قبل أن تصبح تقنية سائدة في ميدان اكتشاف الأدوية. إذ تستلزم المحافظة على الحالات الكمية بيئات معقدة من التبريد الشديد والوقاية من أي اهتزازات أو ضوضاء قد تُضعف الكيوبِتات وتؤثر في نتائج الحساب. وتتطلب الأجهزة الكمية الراهنة عددا محدودا من الكيوبِتات القادرة على العمل بدقة عالية، وهي مسألة تضع قيودا على تطبيقات ضخمة بحجم صناعة الأدوية العالمية. كذلك يطرح تساؤل حول جدوى التكلفة، إذ ما يزال الاستثمار في هذا المجال يتطلب ميزانيات ضخمة، وعقد شراكات طويلة الأمد بين المؤسسات البحثية والحكومات والشركات التقنية.
على الرغم من هذه التحديات، يعد اندماج الحوسبة الكمية في صناعة الأدوية اتجاها واعدا سيتطور تدريجيا خلال الأعوام القادمة. ومن المرجح أن تُحدث هذه الثورة نقلة في أسلوبنا لفهم الكيمياء الحيوية وتطوير العلاجات الموجّهة (Targeted Therapies) والطب الشخصي (Personalized Medicine). فقد يتمكن العلماء في المستقبل من نمذجة جزيئات دوائية معقدة في أيام أو ساعات بدلا من أشهر أو سنوات، وبالتالي تسريع طرح عقاقير مبتكرة في الأسواق لمكافحة أمراض مستعصية، وتخفيض تكاليف الأبحاث السريرية المرهقة على شركات الدواء.
nabilalhakamy@

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحوسبة الكمية وتطوير الأدوية
الحوسبة الكمية وتطوير الأدوية

صحيفة مكة

time٠٧-٠٣-٢٠٢٥

  • صحيفة مكة

الحوسبة الكمية وتطوير الأدوية

شهد العالم في السنوات الأخيرة بروزا متسارعا لتقنية الحوسبة الكمية (Quantum Computing)، التي تعد نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا والمعلومات. تقوم هذه التقنية على مبدأ استثمار خواص الجسيمات الكمية، لحل مشكلات بالغة التعقيد بسرعة غير مسبوقة مقارنة بالحواسيب التقليدية. ومع تطور هذه الحواسيب الكمية تدريجيا، بدأ العديد من القطاعات الصناعية والبحثية بالاستفادة من إمكاناتها. ويأتي قطاع تطوير الأدوية في مقدمة المجالات المرشحة لتحقيق طفرة ثورية في اكتشاف وتركيب الأدوية بفضل قدرات الحوسبة الكمية الهائلة. تستند الحوسبة الكمية عزيزي القارئ إلى المبادئ الأساسية لميكانيكا الكم، وأبرزها مبدأ «التراكب» (Superposition) الذي يسمح لـ»الكيوبِت» (Qubit) – الوحدة الأساسية في الحوسبة الكمية، بأن يتخذ أكثر من حالة في وقت واحد، خلافا لـ»البت» (Bit) في الحواسيب التقليدية الذي يقتصر على حالتين: صفر أو واحد. بالإضافة إلى ذلك، يتيح مفهوم «التشابك الكوانتمي أو الكمي» (Quantum Entanglement) ترابطا عميقا بين الكيوبِتات؛ بحيث يؤثر أي تغيير في إحداها بشكل فوري على الأخرى، وإن كانت بعيدة عنها مكانيا. ينتج عن هذه الخصائص مقدرة غير اعتيادية على إجراء عمليات حسابية متوازية ومعالجة مشكلات رياضية معقدة بسرعة هائلة، ما يفتح الباب أمام إيجاد حلول كان من المستحيل أو شبه المستحيل الوصول إليها بالاعتماد على الحواسيب التقليدية فقط. يمر تصميم الأدوية وتطويرها بمراحل معقدة وطويلة، تبدأ من دراسة التفاعلات الجزيئية واختيار المركبات المرشحة للعلاج، ثم التحقق من فعاليتها في المختبرات والحيوانات وصولا للتجارب السريرية على البشر. وتتضمن هذه العملية تحليلا دقيقا لبناء الجزيئات وتفاعلاتها المحتملة مع بروتينات الجسم وأجهزته الحيوية. وتلجأ الشركات البحثية إلى الحوسبة الفائقة (High-Performance Computing) لتقليص الزمن والتكاليف المرتبطة بالتجارب المعملية، عبر استخدام «المحاكاة الجزيئية» (Molecular Simulation) التي تمكن من التنبؤ بوظائف الجزيئات وتماثلها البنيوي. ومع ذلك تبقى كثير من الجوانب الفيزيائية والكيميائية معقدة بصورة تفوق قدرة الحواسيب الحالية، ما يحول دون الوصول إلى محاكاة دقيقة أو سريعة تكفي لتصميم أدوية ناجحة في وقت وجيز. يعد فهم التفاعلات بين الجزيئات والمستقبلات الخلوية من أهم الخطوات في مجال تصميم الأدوية. وهنا تبرز مزايا الحوسبة الكمية، فقدرتها على البحث في فضاءات حسابية شاسعة بسرعة عالية تسمح بمحاكاة أكثر تفصيلا للتفاعلات الكيمائية، والتحليل العميق للترابطات بين البروتينات والجزيئات الفعّالة (Drug Molecules). يمكن لحواسيب الكمّ إجراء عمليات رياضية تقوم بحل معادلات شديدة التعقيد تصف سلوك الالكترونات وتفاعلها داخل الجزيئات، وبشكل أسرع بكثير من الحواسيب التقليدية. ومن شأن هذا الدعم الحسابي الكمي أن يقلص دورة الاكتشاف الدوائي عبر تمكين محاكاة التركيبات الدوائية والتنبؤ بمدى ارتباطها بالبروتين الهدف (Target Protein)، مما يختصر الكثير من الاختبارات المخبرية المكلفة. وأيضا تحسين اختيار المركبات الأنسب لإجراء التجارب، ما يزيد من احتمال نجاح المرحلة السريرية وتجنب الهدر الكبير في التكلفة والوقت. وأيضا عزيزي القارئ، تساعد الحواسيب الكمية على دراسة بنى جزيئية معقدة تضم مئات الذرات بدقة أعلى، مما يفسح المجال لتطوير أدوية تستهدف أمراضا نادرة أو مقاومة للعلاج التقليدي. في هذا المجال عزيزي القارئ، بدأت بعض الشركات الرائدة في عقد شراكات مع مؤسسات تقنية لتوظيف الحوسبة الكمية في البحوث الدوائية. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة «فايزر» (Pfizer) عن تعاون مع شركات حوسبة كمية مثل «آي بي إم» (IBM) و»غوغل» (Google) لدراسة وتقييم نماذج محاكاة جزيئية. كما ظهرت شركات ناشئة تتركز أعمالها بالكامل حول تقنيات المحاكاة الكمية وتحليل الجزيئات الدوائية سعيا لتوفير حلول تتفوق على قدرات الحواسيب التقليدية. على الرغم من أن هذه التجارب لا تزال في مراحلها الأولية، فإنّ النتائج المبكرة مشجّعة، وتكشف عن إمكانات كبيرة لتعزيز دقة المحاكاة وسرعة التنقيب الدوائي. ما زال أمام الحوسبة الكمية طريق طويل قبل أن تصبح تقنية سائدة في ميدان اكتشاف الأدوية. إذ تستلزم المحافظة على الحالات الكمية بيئات معقدة من التبريد الشديد والوقاية من أي اهتزازات أو ضوضاء قد تُضعف الكيوبِتات وتؤثر في نتائج الحساب. وتتطلب الأجهزة الكمية الراهنة عددا محدودا من الكيوبِتات القادرة على العمل بدقة عالية، وهي مسألة تضع قيودا على تطبيقات ضخمة بحجم صناعة الأدوية العالمية. كذلك يطرح تساؤل حول جدوى التكلفة، إذ ما يزال الاستثمار في هذا المجال يتطلب ميزانيات ضخمة، وعقد شراكات طويلة الأمد بين المؤسسات البحثية والحكومات والشركات التقنية. على الرغم من هذه التحديات، يعد اندماج الحوسبة الكمية في صناعة الأدوية اتجاها واعدا سيتطور تدريجيا خلال الأعوام القادمة. ومن المرجح أن تُحدث هذه الثورة نقلة في أسلوبنا لفهم الكيمياء الحيوية وتطوير العلاجات الموجّهة (Targeted Therapies) والطب الشخصي (Personalized Medicine). فقد يتمكن العلماء في المستقبل من نمذجة جزيئات دوائية معقدة في أيام أو ساعات بدلا من أشهر أو سنوات، وبالتالي تسريع طرح عقاقير مبتكرة في الأسواق لمكافحة أمراض مستعصية، وتخفيض تكاليف الأبحاث السريرية المرهقة على شركات الدواء. nabilalhakamy@

مايكروسوفت تزعم التوصل لحالة جديدة للمادة تسرع الوصول للحواسيب الكمية
مايكروسوفت تزعم التوصل لحالة جديدة للمادة تسرع الوصول للحواسيب الكمية

الشرق السعودية

time٢٢-٠٢-٢٠٢٥

  • الشرق السعودية

مايكروسوفت تزعم التوصل لحالة جديدة للمادة تسرع الوصول للحواسيب الكمية

أعلنت شركة "مايكروسوفت" الأميركية أنها توصلت إلى حالة جديدة من المادة تختلف عن الحالات الثلاث المعروفة (السائلة والصلبة والغازية)، في مسعاها لصناعة "حاسوب كمي" قوي، يمكنه تسريع تطوير كل شيء من البطاريات إلى الدواء، إلى الذكاء الاصطناعي، وفق بيان صادر عن الشركة. وقال علماء مايكروسوفت الأربعاء، إنهم تمكنوا من بناء كيوبت طوبولجي topological qubit (الجزيء الذي يحمل البيانات، ويوازي الـbit في الحواسيب العادية)، يعتمد على هذا النوع الجديد من الوجود المادي، والذي يمكن استخدامه لحل المشكلات الرياضية والعلمية والتكنولوجية، عبر شريحتهم الجديد Majorana1، والتي قالوا إنها أول شريحة في العالم مزودة بنواة طوبولوجية، يعتقد مطوروها أنها ستمكن العلماء من الوصول إلى كمبيوتر كمي، خلال سنوات وليس عقود. والموصل الطوبولوجي، أو الموصل الطوبولوجي الخارق، هو فئة خاصة من المواد التي يمكنها إنشاء حالة جديدة تماماً من المادة – ليست صلبة أو سائلة أو غازية، بل حالة "طوبولوجية". ويتم تسخير هذه الحالة خاصية لإنتاج qubit، أكثر استقراراً يتميز بالسرعة وصغر الحجم، وفق البيان. وكجزء من أبحاثها، بنت الشركة عدة طوبولوجيات كمية داخل شريحتها الجديدة، وتجمع بين قوة أشباه الموصلات التي تشغل الكمبيوترات التقليدية مع أشباه الموصلات الخارقة التي تستخدم عادة لبناء الحواسيب الكمية. وحين يتم تبريد هذا النوع من الشرائح إلى درجات حرارة منخفضة للغاية، يمكن لها أن تعمل بأساليب قوية للغاية وغير معتادة، تعتقد مايكروسوفت أنها ستمكنها من حل المشكلات التكنولوجية والرياضية والعلمية، التي يستحيل للكمبيوترات العادية حلها. ومع التطور الجديد، رفعت مايكروسوفت الرهانات فيما يتعلق بالسباق التكنولوجي القادم الكبير، بما يتجاوز سباق الذكاء الاصطناعي الحالي. ويسعى العلماء وراء حلم بناء حاسوب كمي، وهي أجهزة يمكنها استغلال السلوك الغريب والقوي للغاية للجسيمات دون الذرية، لبناء كمبيوترات خارقة، وفق "نيويورك تايمز". وبينما تعتمد الحوسبة التقليدية على "البتات" (Bits) التي تُمثّل القيم الثنائية (0 و1)، فإن الحوسبة الكمية تستفيد من الخصائص الغريبة للمادة على المستوى الكمومي، مثل التراكب الكمومي، والتشابك الكمومي، لتتمكن من معالجة المعلومات بطرق غير تقليدية وغير محدودة الإمكانيات. ومن خلال استخدام "الكيوبتات" بدلاً من "البتات"، يمكن للأنظمة الكمومية إجراء عمليات حسابية معقدة بسرعة وكفاءة تفوق قدرة الحواسيب التقليدية بمراحل. وتصاعد السباق في ديسمبر الماضي، حين كشفت جوجل عن حاسوب كمي تجريبي، يحتاج إلى خمس دقائق فقط لحل مسألة حسابية لا يمكن للحواسيب الخارقة الانتهاء منها خلال 10 سبتليون عام، وهي فترة أطول من عمر الكون المعروف. وقد تشكل التكنولوجيا التي أعلنت عنها مايكروسوفت قفزة عما أعلنته جوجل. وتقول مايكروسوفت، إن تقنيتها الجديدة ليست متقلبة وهشة كبقية التقنيات الكمية، وفق ما يكروسوفت التي تعتقد أن هذا يمكنها من استغلال هذه القوة بشكل فعال. ويشكك البعض في توصل مايكروسوفت إلى هذا الإنجاز فعلاً، وقال عدد من الأكاديميين إنه لن يتم بناء حاسوب كمي بشكل كامل لعقود مقبلة، ولكن علماء مايكروسوفت قالوا إن طرقهم ستساعد في الوصول إلى هذه النقطة في وقت أقرب. وقال تشيتان ناياك الذي قاد الفريق الذي قام ببناء هذه التكنولوجيا: "نحن نرى هذا كشيء يبعد عنا سنوات وليس عقود". وتضيف تكنولوجيا مايكروسوفت التي تم الإعلان عنها في ورقة بحثية نشرت في دورية نيتشر الأربعاء، زخماً إضافياً، يمكن أن يعيد تشكيل المشهد التقني. وبالإضافة إلى تسريع التطور عبر مجالات تكنولوجية وعلمية عدة، فإن الحواسيب الكمية، يمكنها أن تصبح قوية كفاية لكسر التشفير المستخدم لحماية أسرار الأمن القومي. ومن ثم، فإن أي تطورات في هذا المجال، يمكن أن تصبح لها عواقب جيوسياسية، وحتى فيما تستكشف الولايات المتحدة الحواسيب الكمية بشكل أساسي عبر شركات مثل مايكروسوفت، وعدد من الشركات الناشئة، فإن الحكومة الصينية قالت إنها ستستثمر 15.2 مليار دولار في هذه التقنية، وأعلن الاتحاد الأوروبي التزامه بـ7.2 مليار دولار. تكنولوجيا تجريبية والحواسيب الكمية التي تقوم على عقود من البحث في نوع من الفيزياء يسمى ميكانيكا الكم، لا تزال تكنولوجيا تجريبية. ولكن في السنوات الأخيرة، ومع تطورات من مايكروسوفت، وجوجل وآخرين، أصبح العلماء واثقين في أن هذه التكنولوجيا ستحقق أهدافها الموعودة. وقال أستاذ الفيزياء النظرية في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا فرانك ويلتشيك: "الحواسيب الكمية هي أفق مثير للفيزياء، وللعالم". كيف تعمل الحواسيب العادية؟ ولفهم الحواسيب الكمية، يجب الرجوع لكيفية عمل الحواسيب التقليدية. يعتمد الهاتف الذكي، أو اللابتوب، أو الكمبيوتر المكتبي على شريحة صغيرة مصنوعة من أشباه الموصلات، وهي مواد يمكنها توصيل الكهرباء في بعض، ولكن ليس كل الحالات. وتخزن هذه الشرائح وتعالج الأرقام، وتضيفها وتضربها، وهكذا، وتؤدي هذه الوظائف عبر معالجة أجزاء من المعلومات bits، ويحوي كل منها رقم 1 أو 0. ويعمل الحاسوب الكمي بشكل مختلف، فالـBit الكوانتمي، أو ما يسمى بـQuibt، يعتمد على السلوك الغريب للجزئيات دون الذرية، أو المواد الغريبة التي يمكن تبريدها لدرجات حرارة شديدة الانخفاض. وحين تصبح هذه الجزئيات صغيرة للغاية أو باردة للغاية، يمكن لجزء منها أن يتصرف وكأنه جزأين مختلفين في نفس الوقت، وعبر استغلال هذا السلوك، يمكن للعاماء بناء Quibt، يمكنه أن يحمل تركيبة 1 و0 في الوقت نفسه. ويعني هذا أن 2 Quibt يمكنهما أن يحملا 4 قيم في وقت واحد، ومع نمو عدد الـQuibt، يصبح الحاسوب الكمي أكثر قوة. أشباه موصلات خارقة وتستخدم الشركات تقنيات مختلفة لبناء هذه الأجهزة. في الولايات المتحدة، وتستخدم أغلب الشركات بما في ذلك جوجل، أشباه موصلات خارقة، وهي مواد توصل الكهرباء دون فقدان الطاقة التي تنقلها. وتتم صناعة أشباه الموصلات الخارقة، عبر تبريد الحديد إلى درجات حرارة شديدة الانخفاض. وراهنت مايكروسوفت على مقاربة مختلفة: جمع أشباه الموصلات العادية وأشباه الموصلات الخارقة. وعرض المبدأ الأساسي لهذه العملية مع الاسم topological qubit، لأول مرة في 1997، بواسطة العالم الفيزيائي الروسي الأميركي أليكسي كيتاييف. وبدأت الشركة العمل على هذا المشروع غير المعتاد، في بداية الألفينيات، حين لم يكن العديد من العلماء يعتقدون أن هذه التكنولوجيا ممكنة. وكان هذا هو أطول مشاريع مايكروسوفت. وقال ساتيا ناديلا المدير التنفيذي للشركة: "هذا أمر راهن عليه الـ3 مدراء التنفيذيين للشركة"، في إشارة إلى بيل جيتس الرئيس التنفيذي السابق للشركة ومؤسسها، وكذلك، ستيف بالمر الذي أدار الشركة في بداية الألفينات. وبنت الشركة حالياً جهازاً واحداً، جزء منه مصنوع من indium arsenide وهو نوع من أشباه الموصلات، وجزء ألومنيوم، وهو من أشباه الموصلات الخارقة التي تعمل في درجات حرارة منخفضة. وحين يتم تبريده إلى 400 درجة تحت الصفر، يبدأ في ممارسة سلوك من عالم آخر، يمكن أن يجعل الحواسيب الكمية ممكنة. وقال أستاذ الفيزياء في جامعة هارفارد فيليب كيم، إن اختراع مايكروسوفت الجديد هام؛ لأنه جزئيات المعلومات الكمية topological qubits يمكنها أن تسرع تطوير الحواسيب الكمية. وأضاف: "إذا عمل كل شيء، فإن أبحاث مايكروسوفت، قد تصبح ثورية". ولكن جايسون أليثيا أستاذ الفيزياء النظرية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا شكك فيما إذا كانت الشركة قد بنت الـ topological qubits بالفعل، قائلاً إنه من الصعب إثبات سلوك أنظمة الكوانتم. وتابع: "الـ topological qubits ممكنة من حديث المبدأ، وهناك توافق على أنها هدف يستحق العمل من أجله، ولكن يجب أن تتمكن من التحقق، من أن جهازاً يتصرف بالطرق السحرية التي تتوقع النظريات أن يؤدي بها، وإلا فإن الواقع قد يكون أقل وردية للحواسيب الكمية. ومن حسن الحظ أن مايكروسوفت تحاول ذلك الآن". وقالت مايكروسوفت إنها بنت 8 topological qubit، ولكنها ليست قادرة بعد على إجراء العمليات الحسابية التي تغير من طبيعة الحوسبة، ولكن باحثي الشركة يرون أن هذه خطوة، نحو بناء شيء أكثر قوة. وأضافت الشركة أنه حالياً، فإن هذه التكنولوجيا تنتج الكثير من الأخطاء، ما يجعلها غير مفيدة حالياً، ويعمل العلماء على وسائل لتقليل الأخطاء. والعام الماضي، أعلنت جوجل أنها زادت عدد الـQuibts التي يمكن أن تقلل عدد الأخطاء عبر تقنيات حسابية معقدة. وسيكون تصحيح الأخطاء أقل تعقيداً، وأكثر فعالية إذا استطاعت مايكروسوفت الوصول إلى topological qubits أفضل. مشكلة معقدة وفيما تتمكن الـQuibts من حمل أكثر من قيمة في الوقت نفسه، فإنها تواجه مشكلة معقدة، وهي أنه حين يحاول العلماء قراءة المعلومات المخزنة فيها، فإن الـQubits تزيل الترابط، وتنهار إلى وحدات bit تقليدية، لا يمكنها حمل سوى 1 أو 0. ويعني هذا أنه حين يحاول العلماء قراءة الـQuibts فإنها تفقد قوتها، لذا يحاول العلماء العمل على طريقة للتغلب على ذلك. وتعتقد مايكروسوفت أنها قادرة على حل هذه المشكلة أسرع من جوجل، لأن الـTopolgical Quibts تتصرف بشكل مختلف وهي نظرياً، أقل عرضة للانهيار حين يحاول العلماء قراءتها.

شريحة 'جوجل' الثورية.. هل تقضي على بيتكوين؟
شريحة 'جوجل' الثورية.. هل تقضي على بيتكوين؟

سويفت نيوز

time١٤-١٢-٢٠٢٤

  • سويفت نيوز

شريحة 'جوجل' الثورية.. هل تقضي على بيتكوين؟

سويفت نيوز: أعلنت شركة 'جوجل' عن إنجاز علمي استثنائي قد يكون بوابة إلى مستقبل مختلف كليًا، يتمثل في شريحة جديدة للحوسبة الكمومية تُدعى Willow . وتمتلك هذه الشريحة المبتكرة قدرة مذهلة على معالجة البيانات، حيث تستطيع حل مسائل تحتاج 10 سيبتيليون سنة لإنجازها بواسطة الكمبيوترات الخارقة التقليدية، خلال دقائق معدودة فقط، لتقريب حجم الإنجاز، الرقم 'سيبتيليون' يعادل 1 وأمامه 25 صفراً، مما يجعل هذه الشريحة قادرة على أداء مهام معقدة بشكل لا يمكن تخيله. الحوسبة الكمومية تعتمد على مفهوم الكيوبت (qubit)، وهو وحدة المعلومات الأساسية في هذا النوع من الحوسبة. وبخلاف الحواسيب التقليدية التي تعالج المعلومات في صورة وحدات ثنائية (0 أو 1)، يمكن للكيوبتات أن تكون في عدة حالات في وقت واحد. هذا يعني أن الشريحة تستطيع معالجة ملايين السيناريوهات في آن واحد، ما يشبه البحث في مكتبة تحتوي على مليارات الكتب واستخراج المعلومة المطلوبة دفعة واحدة، بدلاً من البحث صفحة تلو الأخرى. من المتوقع أن تقلب هذه التقنية حياتنا رأسًا على عقب، فهي قادرة على حل ألغاز علمية معقدة مثل محاكاة الظواهر الطبيعية، تسريع تطوير الأدوية من خلال تحليل البيانات البيولوجية بشكل أسرع. كما ستمكن من إيجاد حلول للتغير المناخي من خلال محاكاة التأثيرات البيئية. لكن الإعلان عن هذا التطور التكنولوجي أثار قلقًا في أوساط مستثمري العملات المشفرة، وعلى رأسها بيتكوين. تعتمد العملات المشفرة على تشفير قوي للغاية يصعب اختراقه، إذ تحتاج عملية حل شيفرة بيتكوين بالكامل إلى عقود من العمل باستخدام الكمبيوترات التقليدية. هناك حوالي 21 مليون وحدة بيتكوين تمثل الحد الأقصى للعملة، منها 19 مليون وحدة قيد التداول حاليًا، مع توقع أن يتم تعدين الوحدات المتبقية بحلول عام 2140. رغم قوتها، يشير الخبراء إلى أن الحوسبة الكمومية الحالية لا تشكل تهديدًا مباشرًا لعملة بيتكوين، لأن شريحة 'Willow' تحتوي على 105 كيوبت فقط، في حين أن اختراق تشفير بيتكوين يتطلب حاسوبًا كموميًا يحتوي على 13 مليون كيوبت للعمل في يوم واحد. وبالرغم مما يتطلبه اختراق تشفير بيتكوين فإن التقدم السريع في الحوسبة الكمومية قد يجعل هذا التهديد حقيقة في المستقبل. رغم أن شريحة 'Willow' لا تزال في مراحلها الأولى، فإنها تضع 'جوجل' في الصدارة التكنولوجية، متفوقة على منافسيها في مجال الحوسبة الكمومية. وقد انعكس ذلك على أسهم شركتها الأم، 'ألفابيت'، التي سجلت قفزة فورية بعد الإعلان. تمثل شريحة 'Willow' ثورة علمية غير مسبوقة، تحمل وعودًا بمستقبل أكثر تقدمًا وقدرة على مواجهة التحديات العالمية الكبرى. ولكنها في الوقت ذاته تثير قلقًا مشروعًا حول تأثيراتها على التقنيات الحالية، مثل العملات المشفرة، التي يعتمد أمانها على التعقيد الحسابي. فهل تكون هذه الشريحة بوابة لحلول مبتكرة أم أنها ستكتب نهاية بيتكوين وتقنيات التشفير التقليدية؟ الوقت فقط هو الكفيل بالإجابة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store