logo
لبنان وسوريا وفرصة الرعاية السعودية

لبنان وسوريا وفرصة الرعاية السعودية

Independent عربية٢٢-٠٤-٢٠٢٥

قصيرة كانت فترة العلاقات الأخوية الناعمة بين لبنان وسوريا، من الاستقلال إلى القطيعة الاقتصادية بقرار سوري كان بطله خالد العضم، والباقي غربة ثقافية بين حكام لبنان الكلاسيكيين وضباط الانقلابات العسكرية في سوريا، وصدام سياسي وعسكري عبر أحداث 1958 في لبنان أيام الوحدة المصرية - السورية، ثم استيلاء البعث على السلطة وحكم آل الأسد السلطوي في سوريا والهيمنة عسكرياً وسياسياً على لبنان.
بعد الاستقلال، ومع تأسيس الجامعة العربية، احتاج لبنان إلى رعاية مصرية ودعم سعودي لتثبيت موقعه ودوره وتخلي دمشق عن تحفظاتها عبر جميل مردم بك، واليوم يحتاج لبنان وسوريا إلى رعاية سعودية ودعم أميركي لبناء علاقات طبيعية بين بلدين عربيين، لا في إطار"شعب واحد في دولتين"، كما كان الرئيس حافظ الأسد يردد، ولا في إطار شعبين في دولة واحدة كما كان الواقع الذي فرضته الوصاية السورية، والرياض تعرف من خبرتها ومساعيها المباشرة على مدى أعوام حجم الإرث غير الطبيعي الذي يجب تجاوزه لتنظيم مسار العلاقات الطبيعية بين بيروت ودمشق، فلا بد من أن يتوقف السوريون عن التصرف على أساس أن لبنان "خطأ تاريخي"، وأن يقطع بعض اللبنانيين مع الدعوات التي يعتبر أصحابها أن لبنان "خطأ جغرافي".
ولا حاجة بعد أكثر من 100 عام للتذكير بأن جبل لبنان كان "متصرفية" ذات حكم ذاتي في ظل السلطنة برعاية الدول السبع الكبرى، وسوريا كانت ولاية عثمانية، وأن الجنرال غورو لم يعلن "لبنان الكبير" عام 1920 قبل أن يدخل دمشق وينفي حكومة الملك فيصل ويرسم حدود الجمهورية السورية تحت الانتداب، بحسب "اتفاق سايكس- بيكو"، وما كان ممكناً الرهان على تجديد الرعاية السعودية والدعم الأميركي قبل التحولات المتسارعة في المنطقة بتأثير حرب غزة ولبنان وسقوط نظام الأسد وانحسار النفوذ الإيراني، وهذا ما سمح بقيام عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة جديدة برئاسة نواف سلام، وإمساك إدارة جديدة بالوضع في سوريا، ومن هنا فرصة البلدين من خلال الرعاية السعودية والدعم الأميركي.
لكن الطريق طويل والتعقيدات ليست قليلة، ففي مراحل التغيير يتذكر المحللون معادلة أنطونيو غرامشي الدقيقة: "القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد، وفي هذه المرحلة يمكن أن تظهر كل أنواع الشرور"، وهي معادلة ليست كاملة بالنسبة إلى لبنان وسوريا، فالقديم في بيروت متجذر والجديد يكافح لئلا يبدو وكأنه ضيف على القديم، والقديم في سوريا مات والجديد ولد، ولكن الجديد يحمل أفكاراً قديمة جداً، والسؤال في سوريا والعالم العربي وأميركا وأوروبا، وسط عدم اليقين، هو إلى أي حد يستطيع الرئيس أحمد الشرع التخفف من حمولات الجهادية السلفية، ويمكّن الانتقال من انفتاح محدود لـ "هيئة تحرير الشام" إلى انفتاح كامل على التنوع السوري؟

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من الصعب إلغاء العقوبات الأميركية والاعتراف الرسمي بالوضع السوري الجديد من دون هذا الانفتاح، وهذا ما تدركه تماماً الرعاية السعودية وما تطلبه أميركا والسعودية في لبنان، وفيه هو ما يطلبه اللبنانيون لأنفسهم، الإصلاحات وسحب السلاح غير الشرعي وانسحاب إسرائيل من الأرض التي احتلتها في الجنوب الذي كان محرراً قبل "حرب الإسناد" لغزة بقرار "حزب الله".
ولا ألغاز وأسرار على الطريق، فجملة واحدة مما قاله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس جوزاف عون تكفي لفهم الترابط بين القضايا المطلوب حلها، "أريد ختم صندوق النقد الدولي"، فختم الصندوق يعني بداية الإصلاح الجدي وتأهيل لبنان للاستثمارات، ولا قيمة للإصلاح على الورق من دون سحب السلاح غير الشرعي الذي هو شرط لإعادة الإعمار، فلا أحد يعيد إعمار بلد مهدد بحروب دائمة، ولا ترسيم للحدود الجنوبية من دون سحب السلاح، أما الحدود الشرقية والشمالية بين لبنان وسوريا والتي جرى التفاهم بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري على بدء ترسيمها خلال اجتماع جدة برعاية وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، فإنها جزء من ورشة واسعة.
وليس أكبر من الورشة في لبنان سوى الورشة في سوريا، فكما تحتاج بيروت إلى ختم صندوق النقد الدولي، كذلك الأمر بالنسبة إلى دمشق، ولا ختم للصندوق من دون ختم أميركي، ولا فاعلية للدعم الأميركي من دون الرعاية السعودية التي لا تتوقف مهما يكن المسار طويلاً وصعباً ومعقداً، فالخيار أمام الإدارة الجديدة في سوريا هو، بحسب واشنطن والرياض، بناء دولة الانفتاح والتنوع لضمان وحدة سوريا ورفع العقوبات وبدء إعادة الإعمار وإعادة النازحين مع الدعم الأميركي والسعودي والأوروبي، أو الاستئثار بالسلطة والعيش مع الأزمات والعجز حتى عن إدارة كل سوريا، كما عن منع الفوضى والصراعات المسلحة.
والخيار أمام الجديد وبعض القديم في لبنان هو أخذ ما سميت في إدارة الرئيس دونالد ترمب "الشراكة" مع أميركا والرعاية السعودية عبر الإصلاحات وسحب السلاح، أو اللاشراكة والبقاء في الجحيم الذي قادته إليه المافيا السياسية والمالية والميليشياوية، والمماطلة ليست أقل خطورة وسوءاً من الرفض.
ميشال فوكو استخدم تعبير"السياسة الحيوية" لتوصيف تحكم السلطة بكل مفاصل الحياة، لكن سوريا تواجه خطر السياسة الحيوية ولبنان يعاني ضعف السلطة الذي يوازي أخطار السياسة الحيوية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

انطلاق الانتخابات يفتح الجدل حول سلاح حزب الله.. لبنان يصوت فوق أنقاض الدمار
انطلاق الانتخابات يفتح الجدل حول سلاح حزب الله.. لبنان يصوت فوق أنقاض الدمار

سعورس

timeمنذ 6 ساعات

  • سعورس

انطلاق الانتخابات يفتح الجدل حول سلاح حزب الله.. لبنان يصوت فوق أنقاض الدمار

المشهد الانتخابي في الجنوب بدا فريداً هذا العام، فبينما توافد المواطنون إلى صناديق الاقتراع في بلدات مدمّرة ومناطق تفتقر إلى البنية التحتية، انتشرت لافتات دعائية لحزب الله تدعو إلى التصويت له، في محاولة واضحة لإظهار استمرار نفوذه الشعبي والسياسي رغم الضربات التي تلقاها في المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل، والتي اندلعت في أكتوبر 2023 وتصاعدت حتى بلغت ذروتها في سبتمبر 2024. الحزب ادعى أن هذه الحرب بأنها جاءت دفاعاً عن غزة ومؤازرة لحماس، لكن نتائجها كانت قاسية، إذ أسفرت عن مقتل عدد كبير من مقاتليه، بينهم قياديون بارزون، إلى جانب تدمير مناطق شاسعة من البنية التحتية في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. فيما تستمر الانتخابات، برز موقف حاسم من الحكومة اللبنانية الجديدة التي أكدت سعيها إلى حصر السلاح بيد الدولة، وهو بند رئيسي في اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية. وأوضح وزير الخارجية اللبناني ، يوسف راجي، أن "المجتمع الدولي، وخصوصاً الجهات المانحة، أبلغت الدولة اللبنانية بأن أي دعم مالي لإعادة الإعمار سيكون مشروطاً بنزع سلاح حزب الله". وفي هذا السياق، أكد دبلوماسي فرنسي أن "استمرار الغارات الإسرائيلية وعدم تحرك الحكومة بسرعة لنزع السلاح سيحولان دون أي تمويل دولي حقيقي". وأضاف أن الدول المانحة تطالب أيضاً بإصلاحات اقتصادية وهيكلية كشرط مسبق للمساعدات. رد حزب الله لم يتأخر، إذ اتهم الحكومة اللبنانية بالتقصير في ملف إعادة الإعمار. وقال النائب في البرلمان عن الحزب، حسن فضل الله، إن "تمويل إعادة الإعمار يقع على عاتق الدولة، التي لم تتخذ أي خطوات فعالة حتى الآن". وحذر من أن التباطؤ في معالجة هذا الملف قد يؤدي إلى تعميق الانقسام الطائفي والمناطقي، متسائلاً: "هل يمكن أن يستقر جزء من الوطن وجزء آخر يئن تحت وطأة الدمار؟". ويزعم الحزب أن تحميله وحده مسؤولية الأزمة فيه تجاهل للتركيبة السياسية اللبنانية ولتقصير الدولة التاريخي في التنمية، خاصة في المناطق الجنوبية. من جهته، أشار الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مهند الحاج علي، إلى أن ربط المساعدات الدولية بنزع سلاح حزب الله يأتي بهدف الضغط على الحزب، لكن "من غير المرجح أن يقبل الحزب بذلك بسهولة، خاصة في ظل اعتقاده أن سلاحه لا يزال يمثل وسيلة ضغط إقليمية". أما رئيس مجلس الجنوب ، هاشم حيدر، فقد أقر بأن الدولة لا تملك حالياً الموارد المالية الكافية لعملية إعادة الإعمار، لكنه لفت إلى أن هناك "تقدماً في عمليات رفع الأنقاض في بعض المناطق المتضررة". وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن لبنان يحتاج إلى نحو 11 مليار دولار لإعادة الإعمار والتعافي، وهي أرقام ضخمة تتطلب استقراراً سياسياً وأمنياً غير متوفرين حالياً. الانتخابات البلدية، التي تُفترض أن تكون محطة ديمقراطية محلية، تحوّلت إلى مؤشر على حجم الأزمة الوطنية في لبنان. فالمسألة لم تعد محصورة بإدارة الخدمات المحلية، بل باتت جزءاً من معركة كبرى حول هوية الدولة وسلطتها، ودور حزب الله في الداخل والخارج. وفيما يتابع اللبنانيون عمليات الاقتراع بكثير من القلق، تبدو الطريق نحو إعادة الإعمار طويلة وشائكة، وتعتمد على قرارات سياسية كبرى لم تُحسم بعد، وفي مقدمتها ملف السلاح.

ضمانات دولية تسهل انتخابات جنوب لبنان
ضمانات دولية تسهل انتخابات جنوب لبنان

الشرق الأوسط

timeمنذ 8 ساعات

  • الشرق الأوسط

ضمانات دولية تسهل انتخابات جنوب لبنان

أثمرت الضمانات الدولية للسلطات اللبنانية بالضغط على إسرائيل، تسهيلاً لتنفيذ المرحلة الأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية التي أجريت أمس في جنوب لبنان. وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون - الذي أدلى بصوته في مسقط رأسه ببلدة العيشية في الجنوب - «وجود ضمانات» لعدم حصول اعتداءات إسرائيلية، فيما أوضح وزير الداخلية والبلديات، أحمد الحجار، خلال تفقده سير العملية الانتخابية في بلدة شبعا الحدودية، أن «كل الاتصالات الدبلوماسية مطمئنة، ونحن متمسكون بسيادة الدولة الحاضرة إلى جانب الشعب». ومنع ترشح المستقلين ضد «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل)، تعميم الفوز بالتزكيات في القرى، بعدما أنتجت التوافقات بينهما مع العائلات، تحييداً للمنافسة بالانتخابات في 40 في المائة من بلدات الجنوب.

السلطات السورية تسلم لبنان المتهم في خطف واغتيال مسؤول حزبي
السلطات السورية تسلم لبنان المتهم في خطف واغتيال مسؤول حزبي

Independent عربية

timeمنذ 13 ساعات

  • Independent عربية

السلطات السورية تسلم لبنان المتهم في خطف واغتيال مسؤول حزبي

في تطور لافت طرأ على خط العلاقات اللبنانية–السورية التي كثيراً ما اتسمت خلال أيام النظام السوري السابق بعدم التعاون، لا سيما في الملفات الأمنية، سلمت السلطات السورية الجديدة مشتبهاً به قال مصادر محلية إنه يدعى أحمد نون، ويعد أحد المتورطين الأساسيين في جريمة خطف وقتل باسكال سليمان المسؤول المحلي في حزب "القوات اللبنانية"، الذي يترأسه سمير جعجع. وذكر الجيش اللبناني في بيان أنه "بعد سلسلة اتصالات أجراها مكتب التعاون والتنسيق في الجيش مع السلطات السورية، تسلم المكتب المواطن (أ.ن.)، وهو أحد المتورطين الأساسيين في جريمة خطف المواطن باسكال سليمان وقتله بتاريخ السابع من أبريل (نيسان) 2024، وسُلم الموقوف إلى مديرية الاستخبارات في الجيش في موازاة متابعتها الأمنية للجريمة. والموقوف يتزعم عصابة خطف وسرقة وتزوير، وفي حقه عدد كبير من مذكرات التوقيف. وبوشر التحقيق معه بإشراف القضاء المختص". بعد سلسلة اتصالات أجراها مكتب التعاون والتنسيق في الجيش مع السلطات السورية، تسلم المكتب المواطن (ا.ن.)، وهو أحد المتورطين الأساسيين في جريمة خطف المواطن باسكال سليمان وقتله بتاريخ ٧ /٤ /٢٠٢٤، وتم تسليم الموقوف إلى مديرية المخابرات في الجيش في موازاة متابعتها الأمنية للجريمة.… — الجيش اللبناني (@LebarmyOfficial) May 24, 2025 ولم تقنع الرواية الرسمية الأولية حول ظروف مقتل سليمان الذي خطف مساء الأحد السابع من أبريل 2024 قبل أن يعلن مقتله خلال اليوم التالي، شريحة واسعة من اللبنانيين الذين شككوا في أن تكون الخلفية مجرد سرقة السيارة وعدُّوا أن ما حصل عملية اغتيال سياسية. ومن جهته، تحدث حزب "القوات اللبنانية" حينها في بيان رسمي عن أن ما حصل عملية اغتيال سياسي لحين ثبوت العكس، وفند ثلاثة عوامل جوهرية أدت إلى وقوعها، الأول وجود "حزب الله" بالصورة الموجود عليها داخل البلد (وذلك قبل اندلاع الحرب الأخيرة مع إسرائيل) وتعطيل دور الدولة وفعالية هذا الدور، أما العامل الثاني فهو الحدود السائبة، محملاً من يبقي الحدود سائبة مسؤولية هذه الجرائم، وثالثاً منع إدارات الدولة القضائية والأمنية والعسكرية من العمل في مناطق معينة، أو ضمن قضايا معينة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وكان الجيش اللبناني أعلن أن سليمان "قُتل من قبل الخاطفين أثناء محاولتهم سرقة سيارته في منطقة جبيل، وأنهم نقلوا جثته إلى سوريا"، مشيراً إلى أنه تم توقيف أربعة سوريين مشتبه فيهم بصورة رئيسة في القضية، واعترفوا بارتكابهم الجريمة. إلا أن تلك الرواية فتحت المجال لطرح تساؤلات حول قدرة "عصابة سورية" على تعقب ورصد أحد الأشخاص وإخراجه من البلاد بهذه السهولة، ولم توفر الاتهامات "حزب الله" الذي كان برأي كثر آنذاك يسيطر على الحدود اللبنانية-السورية، وكذلك كان يسيطر على منطقة القصير في العمق السوري، حيث تبين وجود المقر الرئيس لتلك العصابة التي سلمت جثة سليمان للأمن التابع للنظام السوري قبل نقلها إلى لبنان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store