
فلسطين تقاوم الاحتلال في اليوبيل الذهبي لمهرجان تورنتو
ويواصل المهرجان تقديم منصات لدعم المواهب الجديدة، من خلال برنامج "نجوم صاعدة"(TIFF Rising Stars)، الذي يسلط الضوء على الوجوه الصاعدة في التمثيل والإخراج. وتتميز الدورة المقبلة باحتفالات واستعدادات غير عادية باعتبارها توافق اليوبيل الذهبي أو مرور 50 عاما على تأسيس المهرجان. وجاءت اختيارات إدارة المهرجان لهذا العام لتكشف عن مزيج محسوب من الأعمال الضخمة الموجهة لموسم الأوسكار، والأصوات المستقلة التي تضيف إبداعا غير مألوف للفن السابع، مع حضور لافت للسينما الآسيوية والعربية.
يُفتتح المهرجان بفيلم وثائقي يلامس وجدان الجمهور الكندي، وهو "جون كاندي: أنا أعجبني" (John Candy: I Like Me)، إخراج كولين هانكس. ويحكي النجم والكوميديان الكندي الراحل جون كاندي خلال الفيلم وعبر الأرشيف قصته بنفسه تقريبا. ويعد اختيار الفيلم للافتتاح تحية لماضي السينما الكندية، ورسالة أن المهرجان في عيده الخمسين لم ينس جذوره. ويعرض في الختام فيلم "ذروة كل شئ" (Peak Everything) للمخرجة آن إموند، وهي من أبرز الأصوات النسائية في السينما الكندية المعاصرة. يزاوج الفيلم بين الدراما والرومانسية والنزعة التأملية في نهاية العالم، ويأتي بعد سلسلة من أعمالها التي حصدت جوائز في مهرجانات مثل لوكارنو وبرلين.
View this post on Instagram
A post shared by When To Stream (@whentostream)
تاريخ من المقاومة الفلسطينية
تبرز المشاركة العربية في الدورة الخمسين للمهرجان من خلال أعمال فنية تحمل قضايا إنسانية وتاريخية عميقة، مع تركيز خاص على الأعمال الفلسطينية التي تقدم قصصا مؤثرة من قلب المنطقة.
إعلان
ويعرض فيلم "فلسطين 36" (Palestine 36): للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر ضمن برنامج "غالا" (Gala). تدور أحداث الفيلم في عام 1936، خلال فترة الثورة العربية ضد الحكم البريطاني في فلسطين، من خلال قصة إنسانية. الفيلم، الذي تم تصويره بالكامل في المنطقة، يتناول قضايا المقاومة والانتماء والهوية، مما يجعله من الأعمال المرتقبة التي تجمع بين الدراما التاريخية والبعد الإنساني. تُعد آن ماري جاسر من المخرجات الفلسطينيات المتميزات، وتُعرف بأفلامها التي تتناول الواقع الفلسطيني بأسلوب فني رفيع.
View this post on Instagram
A post shared by Azzam Fakhriddin (@azzamfakh)
ويعرض فيلم "فلانة" (Flana) للمخرجة العراقية زهراء غندور، ضمن برنامج "TIFF Docs" المخصص للأفلام الوثائقية. يتناول الفيلم ظاهرة الاختفاء الغامض لنساء عراقيات، في عمل يحمل طابعا جريئا ويقدم صوتا نسائيا جريئا وجديدا في الإخراج. يُعرف عن زهراء غندور أنها صوت سينمائي صاعد، وهذا الفيلم يمثل أول عمل إخراجي لها، مما يجعله محطة هامة في مسيرتها الفنية.
ويشارك فيلم "شارع مالقة" للمغربية مريم التوزاني، ضمن العروض الخاصة، وتحضر من العراق أعمال "حلم جلجامش" لمحمد الدراجي، و"كعكة الرئيس" لحسن هادي، و"غير معرف" للسعودية هيفاء المنصور، و"صقور الجمهورية" للمصري السويدي طارق صالح.
سباق الأوسكار يبدأ من هنا
يعرف المهرجان الكندي منذ سنوات بكونه "بوابة الأوسكار"، وذلك لفوز العديد من الأفلام بجائزته الكبرى، ومن ثم فوزها بجوائز الأوسكار، وبينها أفلام" لا لاند"(La La Land) و"12 عاما من الاستعباد" (12 Years a Slave) و"خطبة الملك" (The King's Speech)، ومن المتوقع ألا تخرج دورة 2025 عن القاعدة، إذ تضم لائحة العروض الخاصة وبرنامج أفلام "غالا" مجموعة متميزة من الأفلام العالمية.
وتحضر على الشاشة وبين ردهات الدورة المقبلة الممثلة الأميركية الحاصلة على الأوسكار أنجلينا جولي، لترافق العرض الأول لفيلمها "أزياء راقية"(Couture) للمخرجة الفرنسية أليس وينكر، وتجسد جولي دورا في الفيلم يجمع بين الأناقة والسياق السياسي.
أما النجم الكندي العالمي كيانو ريفز، أشهر أبطال سلسلة ماتريكس، فظهر مع فيلم "حظ سعيد" (Good Fortune) للمخرج عزيز أنصاري، ويجمع العمل بين الكوميديا والرومانسية التي تتسم بقدر من الفلسفة.
أما دانيال كريغ، نجم أفلام جيمس بوند السابق، فيعود إلى المهرجان ومعه الجزء الثالث من سلسلة الغموض والجريمة (Glass Onion) وهو فيلم "استيقظ أيها الميت: لغز السكاكين" (Wake Up Dead Man: A Knives Out Mystery) بعد النجاح الذي حققه بجزئيه السابقين سواء في شباك التذاكر، وترشيحات الجوائز الدولية. وتعود المخرجة كلوي تشاو، الفائزة بالأوسكار عن فيلم "نومادلاند" (Nomadland)، بفيلم جديد هو "هامنيت" (Hamnet)، المقتبس من رواية ماجي أوباريل الفائزة بجوائز أدبية، ويحمل العمل مزيجا من الدراما التاريخية والحس الإنساني الذي يميز تشاو. ويعود برنامج "كلاسيكيات" (Classics TIFF) بنسخة موسعة بدعم من منصات ومؤسسات ثقافية، ويعرض نسخا مرممة من أفلام شكلت محطات حاسمة في تاريخ السينما العالمية.
ويكرم المهرجان هذا العام مجموعة من الشخصيات الفنية المؤثرة في حفل (TIFF Tribute Award)، الذي يقام في 7 سبتمبر/أيلول، تقديرا لمساهماتهم الكبيرة في صناعة السينما، والذي يرأسه الممثل الكندي براندون فريزر، كلا من المخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو، ويحصل على جائزة "جائزة إيبرت للإخراج" (Ebert Director Award) تقديرا لإبداعاته الإخراجية التي جمعت بين الخيال والواقع.
ويتم، أيضا، تكريم الممثلة والمخرجة الأميركية جودي فوستر بحصولها على جائزة "شارك رحلتها الرائدة".
(Share Her Journey Ground Breaker Award) احتفاء بمسيرتها المهنية التي تحدت الحدود الفنية وميزت نفسها كقوة دافعة للمرأة في السينما. ومن بين المكرمين الكاتب والمخرج الياباني هيكاري، الذي سيحصل على جائزة "المواهب الناشئة" (Emerging Talent Award)، والممثل الكوري الجنوبي لي بيونغ هون، الذي حصل على جائزة "التكريم الخاصة" في المهرجان (Special Tribute Award).
نافذة على السينما العالمية
ويعود البرنامج الأشهر في المهرجان هذا العام وهو "في حوار مع" (In Conversation With)، ليستضيف خمسة من أبرز الأسماء في صناعة السينما: المخرج الكوري الجنوبي بارك تشان-ووك، والنجم الأميركي دواين جونسون، والنجم الكندي رايان رينولدز، والممثلة تيسا طومسون في لقاءات حول مسيرتهم وإبداعاتهم. كما يطلق برنامج "موجة جديدة" (TIFF Next Wave) فعالية مخصصة لجمهور تحت الـ25 عاما، بحضور نجمي فيلم" المشروع واي" (Project Y) الكوري، هان سو-هي وجون جونغ-سيو، للحديث عن تجربتهما وأعمالهما في السينما.
وتشهد الدورة فعاليات خاصة أبرزها عودة حفل "إفطار التميز الأسود" للسنة الثالثة، احتفاء بالمبدعين السود عالميا، مع تسليط الضوء على الذكرى الثلاثين لبرنامج "كوكب أفريقيا". وتتضمن الحوارات الخاصة نقاشا لبارك تشان-ووك حول فيلمه الجديد "لا خيارات جديدة"(No Other Choice)، وحديثا لدواين جونسون عن فيلمه "آلة التدمير" (The Smashing Machine)، ولقاء مع رايان رينولدز حول فيلمه "جون كاندي: أنا أعجبني".
كانت إدارة المهرجان قد اتخذت قرارا يعد خطوة تُعزز من مكانته كمؤشر على ترشيحات الأوسكار، حيث تطلق في الدورة الجديدة جائزة اختيار الجمهور الدولية، التي تُمنح لأكثر الأفلام العالمية شعبية (غير الكندية وغير الأميركية) بناء على تصويت الجمهور طوال فترة المهرجان.
تُوسع هذه الجائزة الجديدة تقليد المهرجان في الاحتفاء بأعمال الجمهور المُفضّلة، والتي غالبا ما تسبق تصويتات الأوسكار. ويتجلى هذا بوضوح في العقد الأخير من جائزة اختيار الجمهور في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، حيث حصد الفائزون 20 ترشيحا مميزا لجوائز الأوسكار لأفضل فيلم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
غزة كما لم تُروَ من قبل.. وثائقيات تكشف الحصار والتجويع والمجازر
صُنعت وعرضت العديد من الأفلام عن غزة، بعضها يروي قصصا حقيقية، وأخرى تتناول أحداثا خيالية. أفلام تُظهر الاعتداءات الإسرائيلية، وأخرى تحكي عن الفلسطينيين الذين يحاولون العيش ومواجهة الحياة مثل أي أناس من جنسية أخرى. أغلب هذه الأفلام أخرجها وصنعها مخرجون عرب تشكلت هوياتهم بالقضية الفلسطينية، غير أن هذه القضية عامة وغزة خاصة أثّرتا أيضا على صناع أفلام أجانب واستمالت قدراتهم الفنية، فأصبحوا أصواتا عالية تنقل أوجاع الفلسطينيين للعالم. نستعرض هنا مجموعة من الأفلام الوثائقية العالمية التي وثّقت المجازر وأشكال العنف التي عانى منها سكان غزة على مر السنوات، لتشكّل أرشيفا حقيقيا لما يجري هناك مهما حاول العالم غضّ الطرف عنه. عام من الحرب في غزة "عام من الحرب في غزة" (One Year of War in Gaza) فيلم وثائقي من إنتاج "بي بي سي" (BBC) متاح على منصتها الخاصة وعلى يوتيوب بشكل مجاني، يوثق الحرب الجارية على قطاع غزة بعد عام من اندلاعها، وقد بدأ عرضه في أكتوبر/تشرين الأول 2024. "عام من الحرب في غزة" فيلم صنعه أربعة فلسطينيين يعيشون زمنا استثنائيا، فمنذ الأيام الأولى للحرب، بدأ كل من خالد وآية وآدم وأسيل -وهم مواطنون عاديون من غزة- في تصوير حكاياتهم بأنفسهم، موثّقين ما يمرون به من غارات وقصف، وعمليات نزوح متكررة، وافتراق العائلات ولقائها من جديد، وفقدان أحبة، وحتى استقبال مولود جديد وسط الفوضى، وقد أنجبت أسيل طفلتها حياة خلال نزوحها. يوثق الفيلم شهادات مؤلمة لمن يعيشون الحرب حتى اليوم ويواجهون الهجمات المستمرة والقصف الذي لا يتوقف، واضعا أمام المتفرج الصورة الكاملة لتأثير الصراع المباشر على حياتهم عبر قصص عن الموت واليأس والصدمات التي ما زالت تلاحقهم. يرصد الفيلم أيضا مشاهد النزوح المستمر، والبحث الدائم عن الطعام درءا لشبح الجوع، وخطر الموت في كل لحظة، وغياب مظاهر الحياة الحديثة، حتى إن سكان غزة -على حد قولهم- عادوا إلى مرحلة أشبه ببدايات التاريخ البشري. غزة يحمل فيلم "غزة" (Gaza) توقيع المخرجين الأيرلنديين غاري كين وأندرو ماكونيل، وقد شهد أول عرض له على منصة مهرجان صندانس السينمائي، حيث لفت الأنظار برؤيته الإنسانية للمدينة المحاصرة. يرسم العمل صورة إنسانية لحياة سكان غزة اليومية بعيدا عن ضجيج السياسة وأصوات الحرب. رشّح الفيلم ليمثل أيرلندا في المنافسة على جائزة أفضل فيلم دولي في الدورة الـ92 للأوسكار، لكنه لم يتمكن من بلوغ القائمة النهائية. يكشف الفيلم الجوانب المتعددة للحياة داخل غزة قبل طوفان الأقصى وبين عامي 2014 و2023، فعلى الرغم من الحصار والقيود التي تخنق تفاصيل حياة الفلسطينيين اليومية، فإنهم يبحثون في كل لحظة عن الهدوء والاطمئنان مثل غيرهم من البشر، يستمتعون بصحبة عائلاتهم الممتدة، ويجدون في البحر منفذهم الوحيد الذي يحتضن أحلامهم ومخاوفهم. يعكس الفيلم مشهدا يوازي ما يحدث الآن من دمار في غزة، حيث تحولت حتى الحدود الدنيا من مقومات الحياة، التي كانت ترضي سكان القطاع سابقا، إلى مجرد أحلام في ظل صراعهم اليومي مع الموت، سواء بسبب القصف أو الجوع. احتلال العقل الأميركي أُنجز فيلم "احتلال العقل الأميركي" (The Occupation of the American Mind) عام 2016 في الولايات المتحدة، وأخرجه كل من لوريتا ألبير وجيريمي إيرب، في حين أضفى الفنان البريطاني روجر ووترز صوته على السرد. يسعى العمل إلى كشف الكيفية التي يوظف بها الاحتلال الإسرائيلي وجماعات الضغط المؤيدة له نفوذهم في الإعلام الأميركي لتشكيل الرأي العام تجاه سيطرته على الضفة الغربية وقطاع غزة، وتبرير جرائم الحرب التي يرتكبها ضد الفلسطينيين. يفتتح الفيلم بسرد وقائع حرب غزة عام 2014، حيث يذكر أن إسرائيل أمطرت القطاع بآلاف الأطنان من المتفجرات على مدى 51 يومًا، في حصيلة مأساوية أودت بحياة ما يزيد على ألفي فلسطيني وأصابت عشرات الآلاف، معظمهم من المدنيين. يمضي الفيلم في خطين متوازيين: الأول عرض الحقائق الميدانية لما يحدث في الضفة وغزة، والثاني تحليل ردود الفعل الأميركية التي يصوغها اللوبي الصهيوني بكلمات مدروسة لتضليل الرأي العام العالمي وإظهار الفلسطينيين في موقع المعتدي. واجه الفيلم عراقيل في مشواره نحو الجمهور، إذ تسببت احتجاجات جماعات مؤيدة للصهيونية في تقليص زمن عرضه بأحد العروض إلى 49 دقيقة فقط، مما دفع منتجيه لاحقًا لطرحه عبر يوتيوب بنسختيه الكاملة والمختصرة. ولدت في غزة يحمل فيلم "ولدت في غزة" (Born in Gaza) توقيع المخرج الإيطالي الأرجنتيني هيرنان زين، وقد صُوِّر بعد فترة وجيزة من حرب 2014 ليغوص في آثار العنف على طفولة الفلسطينيين عبر شهادات عشرة أطفال يستعيدون تفاصيل أيامهم تحت وطأة القصف. نال الفيلم مكانًا في القائمة القصيرة لجوائز الأوسكار، مما ضمن له انتشارًا واسعا، خاصة مع توفره على منصتي "نتفليكس" (خارج الشرق الأوسط) و"آبل تي في بلس"، لكن حضوره العالمي لم يحل دون تكرار المأساة نفسها التي شهدتها غزة عام 2014 بحق الأطفال وسط صمت دولي. وبالرغم شهرته، لم يغير الفيلم من الواقع شيئا، ولم يذكّر العالم بما حدث في 2014 من عنف ضد الأطفال وتجويع ممنهج يتكرر الآن بلا رادع. إعلان تظهر الكاميرا وجوه الأطفال لتكشف بوضوح آثار الصدمات النفسية قبل الجسدية، وجروحا خارجية وداخلية، وبراءة سُرقت منهم حين شاهدوا بأعينهم أحباءهم يتمزقون تحت القصف.


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
البرنامج السري المرعب الذي قادته الاستخبارات الأميركية للتلاعب بالعقول
"نحن لا نحطم أعداءنا فحسب، وإنما نغير ما بأنفسهم". رواية "1984"، جورج أورويل في عالم يبدو مستوحى من صفحات رواية الديستوبيا "1984" التي نشرها الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل لأول مرة عام 1949، أذاعت هيئة الإذاعة الكندية (سي بي سي) في عام 2020 سلسلة حلقات بودكاست بعنوان "غسيل الدماغ" (Brain Washed)، كشفت عن التفاصيل المروعة التي حكاها ضحايا التعذيب الذين كانوا جزءًا من برنامج سري مرعب قادته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية"سي آي أي" (CIA) بالتعاون مع الحكومة الكندية. عُرف البرنامج باسمه الرمزي: المشروع "إم كي ألترا" (MK Ultra)، وهو برنامج ضخم يعود إلى خمسينيات القرن الماضي وهدف إلى إنتاج عقاقير يمكنها "غسل أدمغة" البشر والتحكم في عقولهم. وقد عكف علماء البرنامج وباحثوه على تطوير أساليب وتقنيات نفسية ادّعوا أنها تمكنهم من التحكم في العقول، مستخدمين في ذلك مزيجا من عقاقير الهلوسة والصدمات الكهربائية والتنويم المغناطيسي. كان التشابه بين أساليب التعذيب المبتكرة في المشروع وتفاصيل الواقع المتخيل الذي نسجه أورويل في روايته مرعبا حقا. ففي عالم أورويل، هناك دولة متخيلة نهجها العنف والقمع والتعذيب عملت على قلب الحقائق، فكانت الحرب بالنسبة إلى أيديولوجيتها هي السلام، والعبودية هي الحرية، والجهل هو القوة، ولم تكن تلك مجرد شعارات فارغة رددها أصحاب السلطة، بل جرى تحويلها إلى واقعٍ وفكر يعتنقه عامة الناس، الذين أدمنوا مشاهدة عروض "الشنق" العامة -لمن خرج عن هذه المنظومة- كنوعٍ من الترفيه. أما المفكرون فكان يجري ملاحقتهم تحت ما عرف باسم "جرائم التفكير الحر"، وفي غرفة مغلقة غامضة محاطة بالرعب، اسمها "الغرفة 101″، خضع سجناء "جرائم الفكر" إلى أشكال وألوان من التعذيب يشيب لها الوجدان، بمن فيهم بطل الرواية "ونستون"، الذي أصبح في الفصول الأخيرة أحد نزلاء هذه الغرفة. كان ونستون يرى أن الحرية ببساطة تشبه عملية حسابية صغيرة ومنطقية مثل "2+2″، فنحن نعرف يقينًا أن الإجابة تساوي "4"، إلا أنهم لم يريدوا منه القول فحسب -بما يخالف العقل والمنطق وقواعد الرياضيات- بأن النتيجة "5"، بل أرادوا له أن يصدق ذلك، أن يقولها عن اقتناع وتسليم وخضوع. وحتى تتحول تلك الكذبة إلى حقيقة، فقد شدوا أوصاله وقيدوه في سرير داخل غرفة الرعب، وأخضعوه لصدمات كهربائية جعلت جسده ينتفض بعنف في كل لحظة. وبعدما انهار الجسم الضئيل الجائع تحت وطأة التعذيب، حقنوه بالمواد المخدرة. لم يكن هذا التعذيب المميت في الرواية يهدف إلى معاقبة السجناء على جرائم التفكير الحر المزعومة، بل استخدموه كجزء أصيل من عملية "غسل الأدمغة"، فيقول أوبراين (الذي جسد شخصية الجلاد في الرواية) لونستون بعدما أذاقه مُر العذاب: أنت هنا "لمداواة علتك"، نحن لا نحطم أعداءنا فحسب، وإنما نغير ما بأنفسهم. هذا بالضبط ما أرادت وكالة الاستخبارات الأميركية فعله من خلال المشروع السري اللا أخلاقي "إم كي ألترا"، الذي أخضع مئات الضحايا -وربما الآلاف- لأساليب تعذيب شبيهة بغرفة الرعب في رواية أورويل، فقد أصبح هؤلاء -دون علمهم- مجرد فئران تجارب لباحثين حظوا بمكانة علمية مرموقة في تخصصاتهم التي شملت علم النفس والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والطب والكيمياء، إلا أنهم نسوا قسمهم الشهير بألا يؤذوا أحدًا، وتحولوا إلى أدوات للتعذيب بناءً على أساس علمي زائف. امتدت هذه التجارب المرعبة من الولايات المتحدة إلى كندا وبريطانيا، وخلف جدران معهد آلان التذكاري الباهتة في مونتريال بكندا، تقبع قبور مجهولة لهوية لأطفال صغار من السكان الأصليين، أخضِعوا رغمًا عنهم لتجارب وكالة الاستخبارات الأميركية، فلم تستطع هشاشة أجسامهم أن تحتمل التأثيرات طويلة المدى للصدمات الكهربائية وعقاقير الهلوسة والحرمان الحسي، فلقوا حتفهم ليخفي المعذبون جثثهم في قبورٍ لا شواهد لها. "المرشح المنشوري".. محاولة صنع القاتل النائم مع احتدام الحرب الباردة ، أصبحت مسألة السيطرة على العقول هوسا للطرفين المتحاربين، وهو ما تجسد في فيلم الإثارة والغموض الأميركي "المرشح المنشوري" (The Manchurian Candidate)، الصادر عام 1962، والمقتبس عن رواية بنفس الاسم نشرت عام 1959 للكاتب الأميركي ريتشارد كوندون. يحكي الفيلم قصة جندي أميركي، أسرته القوات الكورية والصينية، وعبر التعذيب وإخضاعه لأساليب نفسية معقدة مثل التنويم المغناطيسي، تمكن الشيوعيون من إعادة برمجة دماغه، محولين إياه إلى آلة للقتل. لقد صنعوا منه ببساطة "عميلًا نائمًا مغسول الدماغ" ينتظر الأوامر لتنفيذ عملية اغتيال سياسي كجزءٍ من مؤامرة شيوعية بدعم من الاتحاد السوفياتي. كان الفيلم معبّرا حقيقيا عن مخاوف تلك الفترة، فمع اندلاع الحرب الكورية عام 1950، بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (الشمالية) المدعومة من الاتحاد السوفياتي والصين، وبين كوريا الجنوبية المدعوم من الولايات المتحدة، عاش المجتمع الأميركي نوعا من القلق غير المعتاد بعدما سيطر هوس الخوف من انتشار الشيوعية على عقول صناع القرار الأميركيين. وكانت الولايات المتحدة تخشى أن تكون الحرب الكورية هي الخطوة الأولى لهيمنة الشيوعيين على العالم. ومما زاد من قلق المسؤولين الأميركيين تكرار وقائع تبدل ولاء الجنود الأميركيين (وبخاصة الأسرى) وميلهم نحو الشيوعية، خاصة في أعقاب انضمام الصين إلى الحرب بجانب كوريا الشمالية. تَسبب ذلك في انتشار شائعات مرعبة ومبهمة حول طريقة غامضة استخدمها الصينيون من أجل تحويل ولاء الجنود الأميركيين إلى صالحهم، ودارت التكهنات حينها حول أن الصين الشيوعية وحلفاءها أصبحوا قادرين على فك شفرة الدماغ واختراق عقول الأسرى الأميركيين، فيما أُطلق عليه مصطلح "غسل الدماغ" لأول مرة في خمسينيات القرن الماضي. على الفور، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تمويل أبحاث السيطرة على العقول، أملًا في العثور على هذا السلاح الفتاك الذي بإمكانه التحكم في أدمغة البشر، وكان المبرر لدى القائمين على المشروع جاهزًا: "إذا كانت الصين تمتلك سلاحًا كهذا، فعلى الولايات المتحدة الحصول عليه". الرجل الذي أدخل عقار "إل إس دي" إلى أميركا كان الطبيب النفسي الأميركي والكيميائي الشهير سيدني غوتليب، هو الشخص الذي جندته "سي آي أي" وأوكلت إليه مهمة إيجاد التركيبة الكيميائية لهذا "العقار" المعجزة، القادر على غسل أدمغة البشر من أجل استخدامه كسلاح ضد الأعداء. وقد وقع اختيار غوتليب على مادة "ثنائي إيثيلاميد حمض اللايسرغيك"، التي تعرف اختصارا باسمها الشائع "إل إس دي" (LSD)، معتقدًا أنه وجد أخيرًا إكسير التحكم في العقول. اكتُشفت هذه المادة الغامضة لأول مرة على يد الكيميائي السويسري ألبرت هوفمان عام 1943، وفي مختبره البسيط جرّبها على نفسه أولًا، ليكتب عنها أولى ملاحظاته، قائلا إنها أخذته إلى عالم أقرب إلى الأحلام منه إلى الواقع، فكلما تخيل شيئًا، تجسد أمامه بصورته الكاملة، إذ كانت هذه المادة الكيميائية قادرة على إحداث تغييرات مريبة على الوعي البشري، خاصة على صعيد إدراكه للبيئة المحيطة به. وفي أوائل الخمسينيات، سيطالب غوتليب وكالة الاستخبارات الأميركية، بعقد صفقة للاستحواذ على المخزون العالمي الكامل من مادة "إل إس دي" مقابل مبلغ 240 ألف دولار. وقد كشفت مجموعة جديدة من الوثائق نشرها موقع "أرشيف الأمن القومي" الأميركي في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن شركة الأدوية الأميركية العملاقة "إيلي ليلي" عملت مع وكالة الاستخبارات الأميركية على هذا البرنامج، حيث كانت المورد الرئيسي لمادة "إل إس دي" المخدرة منذ أن عملت على تطوير العقار عام 1954. وبمجرد أن أصبح العقار بين يدي غوتليب بالكمية اللازمة، شرع في توزيعه على المستشفيات النفسية المرموقة في الولايات المتحدة وكندا، وعلى السجون الأميركية والمختبرات السرية الصغيرة، وأماكن الاحتجاز الواقعة تحت السيطرة الأميركية منذ الخمسينيات في اليابان والفلبين وألمانيا. وقد طلب غوتليب من الباحثين والعلماء دراسة خصائص هذا العقار وتأثيراته على الوعي البشري، أملا في التوصل إلى الطريقة المناسبة والجرعة المضبوطة التي تمكنهم من استخدامه وسيلة للتلاعب بالعقول. وفي وثيقة تعود إلى عام 1952، كُشف عن قيام بعض العملاء من وحدة مكافحة المخدرات في مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ بتأمين مخابئ آمنة لتجري فيها وكالة الاستخبارات الأميركية تجاربها، أبرزهم كان العميل الفيدرالي جورج هانتر وايت الذي انتحل شخصية فنان "بوهيمي" بتوجيه من سيدني غوتليب، واستدرج الضحايا إلى منزله، حيث أقام الحفلات الخاصة التي عمل خلالها على اختبار مادة "إل إس دي" المهلوسة على مواطنين عاديين غير مدركين لما هم مقبلون عليه. وتحت راية برنامج "إم كي ألترا"، جرت تجربة تقنيات التعذيب النفسي للضحايا ودراسة أثر ذلك في دفعهم لإساءة التصرف بما يتناقض مع طبيعة شخصياتهم، كما تم تطوير تقنيات لاستخلاص المعلومات من الأشخاص الخاضعين للاستجواب. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف كان القائمون على المشروع بحاجة إلى واجهة علمية تعمل كغطاء لتوفير التمويل المناسب للباحثين داخل الولايات المتحدة وخارجها. بحلول عام 1954، تأسست في نيويورك على يد طبيب الأعصاب الأميركي هارولد جي وولف، "جمعية بحوث البيئة البشرية" (SIHE)، التي عملت كواجهة تمويل سرية تابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية، فكان الباحثون يتواصلون مع الجمعية من أجل الحصول على المنح المالية، التي تركز اهتمامها في أبحاث التحكم في السلوك البشري والاستجواب تحت الإكراه والتعذيب والمواد المخدرة، إلا أنها بين الحين والآخر كانت تعمل على تمويل برامج بحثية جادة بعيدًا عن مصالح وكالة الاستخبارات الأميركية، وذلك حفاظًا على صورتها العامة كمؤسسة علمية مرموقة. وعن طريق هذه الجمعية التي استمر عملها حتى عام 1965، امتدت أبحاث ودراسات "غسل الأدمغة" خارج الولايات المتحدة، وأحيط برنامج "إم كي ألترا" بسياج من السرية، إلى درجة جعلت من المستحيل معرفة أعداد ضحاياه، فكانت جميع الرسائل المتبادلة بين العلماء ووكالة "سي آي أي" مشفرة، وعادة ما كان يشار إلى الأشخاص بأسمائهم الأولى مع ذكر الحرف الأول من الاسم الأخير. وفي بعض الأحيان كان الباحثون يعدون نسخة عامة لأبحاثهم من أجل النشر الأكاديمي، في حين يعكفون على كتابة نسخ سرية من هذه الأبحاث، تذهب إلى أرشيف وكالة الاستخبارات الأميركية، وهي النسخ التي احتوت على المعلومات السرية التي لا تتناسب مع النشر العام. "فئران تجارب" بشرية خلّف البرنامج أعدادا يصعب حصرها من الضحايا، لكل منهم قصة مرعبة. إحدى هذه القصص وقعت في فبراير/شباط 1960، بطلتها امرأة تدعى إيستر شراير كانت تعاني من أعراض نفسية خلال حملها الثاني بسبب مخاوفها من تكرار تجربتها السابقة التي فقدت خلالها طفلتها الأولى عند عمر ثلاثة أسابيع. وعلى إثر ذلك، توجهت شراير إلى أحد مستشفيات الأمراض النفسية المرموقة في كندا، وهو "معهد آلان التذكاري" في مونتريال. كانت شراير تظن أنها ستعالج بالطريقة التقليدية، ربما يعطيها الطبيب أدوية بسيطة، لكن عوضًا عن ذلك جرى حقنها بكميات هائلة من العقاقير المخدرة، كان أحدها "الأمفيتامينات". وبدلًا من أن تخضع لجلسات علاجية تجلس فيها على أريكة أمام طبيب معالج لتحكي عما يؤرقها، خضعت لجلسات من نوع آخر، صدمات كهربائية على الدماغ. وضعت إيستر شراير تحت رعاية الطبيب الأسكتلندي الأميركي دونالد إيوين كاميرون، الذي عمل رئيسًا لجمعيتي الطب النفسي الأميركية والكندية، كما أصبح أول مدير لمعهد آلان التذكاري بمونتريال عند تأسيسه عام 1943. وقد اشتهر كاميرون بطرقه الثورية في العلاج النفسي، فكانت تُكتب عنه المقالات الصحفية التي تشيد بأعماله، الأمر الذي جعله محل ثقة لعائلات المرضى، ومنهم عائلة شراير التي ظنت أنها تمنح إيستر أفضل رعاية طبية ممكنة، إلا أن الطبيب الأميركي الشهير جعل من مرضاه فئران تجارب لأبحاثه العلمية المشبوهة. لفتت مكانة كاميرون العلمية المرموقة انتباه وكالة الاستخبارات الأميركية، الذين اهتموا بأبحاثه غير التقليدية التي اعتمدت على استخدام العقاقير المخدرة والصدمات الكهربائية والتنويم المغناطيسي في العلاج النفسي، وهي الأسباب التي دفعتهم للتواصل معه لينضم إلى عائلة مشروع "إم كي ألترا" السري. أما عن أساليب كاميرون العلاجية التي اتبعها مع مرضاه، فكان أشهرها يطلق عليه اسم "غرفة النوم"، حيث وضع إيستر في غيبوبة مستحثة بالأدوية، كان يجري إيقاظها منها ثلاث مرات في اليوم للتغذية وقضاء الحاجة، وقد أمضت الضحية في غرفة النوم هذه 30 يومًا كاملة، فقدت خلالها الكثير من الوزن وخرجت من هناك شديدة الضعف لا تقوى حتى على الوقوف. كانت شراير مجرد واحدة من بين مئات الضحايا الذين خضعوا لمثل هذه التجارب دون علمهم، كما لم تكن تلك التجربة الوحيدة التي خضع لها مرضى كاميرون، إذ كان هناك أسلوب علاجي آخر أطلق عليه الطبيب الأميركي اسم "إزالة النمط" (Depatterning)، ويعني في علم النفس محو الهوية وإزالة أنماط التفكير السائدة، للتشويش على إدراك المرضى لذواتهم. اعتقد كاميرون أن بإمكانه تحويل عقول مرضاه إلى صفحة بيضاء، أشبه بعقول الأطفال، وذلك عبر العقاقير المخدرة والصدمات الكهربائية، وبعدها ظن أن بإمكانه إعادة برمجة عقول المرضى من الحالة الصفرية هذه، عن طريق إخضاعهم لما يشبه التنويم المغناطيسي، فكان يُشغّل رسائل مسجلة للمرضى تزيد مدتها عن 20 ساعة يوميًا، ويجبرهم على الاستماع إليها في حالة النوم أو اليقظة بدعوى "التحفيز النفسي" أو ما أسماه "إعادة برمجة الدماغ". كانت هذه الأصوات تنطلق من سماعات أذن أو خوذات الرأس أو مكبرات صوت توضع تحت وسائد المرضى، ويجبرون على الاستماع إليها طوال مدة تواجدهم، بعضهم استمع إلى هذه الرسائل ما يعادل نصف مليون مرة. خرج مرضى كاميرون من بين جدران معهد آلان التذكاري محطمين بالكامل وعاجزين عن استعادة حياتهم السابقة أو ممارسة الحياة بطريقة طبيعية. كان من بين هؤلاء المرضى، روبرت لوجي، وهو شاب لم يتجاوز 18 عامًا، عانى من ألم في الساق وظن أطباؤه أن السبب قد يكون نفسيًا، ولهذا اقترحوا عليه الذهاب إلى الطبيب كاميرون الشهير، ليدخل بعدها لوجي إلى معهد آلان التذكاري في أكتوبر/تشرين الأول 1956، وهناك تلقى صدمات كهربائية بلغت قوتها ما بين 70 إلى 100 ضعف قوة الصدمات الكهربائية المعتادة. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد كان روبرت لوجي أحد المرضى الذين طبق عليهم إيوين كاميرون العلاج بجرعات هائلة من عقار "إل إس دي" المهلوس، الذي اعتبره الباحثون في ذلك الوقت اكتشافًا ثوريا". يقول لوجي عن تجربته: "شعرت وكأن أحدهم انتهك حرمة عقلي واخترقه". وقد استمرت التأثيرات المدمرة لهذه العقاقير على عقل لوجي حتى بعد مغادرته للمعهد، إذ ظل يعاني طول حياته من الرؤى المخيفة، وغيرها من الأعراض النفسية الفتاكة. وكان من نتائج العلاج بأسلوب "إزالة النمط"، معاناة المرضى من فقدان الذاكرة، فقد نسي بعضهم أسماءهم، ولم يعودوا يتذكرون انعكاس وجوههم على المرآة، بينما نسي البعض الآخر كيفية قضاء الحاجة واضطروا لارتداء حفاضات الأطفال. وفي الوقت الذي انحدر فيه المرضى إلى مثل هذه الحالة المزرية، اعتبر الأطباء -أمثال إيوين كاميرون- هذا الوضع بمثابة إنجاز علمي أعاد مرضاه إلى مرحلة الطفولة، بعقولٍ بيضاء يمكنه الآن أن يعيد برمجتها كما يشاء، وهو المعنى الجوهري لفكرة "المرشح المنشوري". وعلى الرغم من أن علماء "إم كي ألترا" قد حققوا نجاحًا باهرًا في المرحلة الأولى من البرنامج والمتعلقة بتدمير حياة الضحايا إلى الأبد، فإنهم لم يستطيعوا تحقيق أي تقدم يذكر فيما يخص المرحلة الثانية، المتعلقة بإعادة برمجة الدماغ من جديد. وبحلول عام 1973، أقال الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ريتشارد هلمز، الشخص الوحيد الذي كان يدرك ماهية أبحاث سيدني غوتليب وطبيعتها. وقد اتفق الرجلان قبل ترك موقعيهما على تدمير جميع الوثائق الخاصة بمشروع "إم كي ألترا"، خوفًا من افتضاح أمرهما بعدما ارتكبا عددًا لا يحصى من الجرائم والانتهاكات بحق البشر. ظل المشروع طي الكتمان قرابة 20 سنة حتى عام 1974، عندما نشر الصحفي الأميركي سيمور هيرش تحقيقًا مطولًا في صحيفة " نيويورك تايمز"، كشف فيه كيف حاولت وكالة الاستخبارات الأميركية استخدام تقنيات "غسل الأدمغة" في التلاعب بعقول مواطني الولايات المتحدة وغيرهم. كانت التفاصيل صادمة للرأي العام الأميركي، وتسببت في فتح تحقيق للكونغرس لرصد الانتهاكات التي قامت بها الوكالة بين عامي 1953 و1973، وشكلت لجنة للتحقيق في الأمر بقيادة السيناتور الديمقراطي فرانك تشرش، وكان من نتائج هذه اللجنة إصدار أمر تنفيذي عام 1976، يحظر إجراء أجهزة الاستخبارات الأميركية أي تجارب على البشر دون علمهم.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
"الزرفة".. كوميديا سعودية تحطم الأرقام القياسية في شباك التذاكر
يواصل الفيلم السعودي "الزرفة: الهروب من جحيم هنهوينا" تسجيل نجاحات لافتة في صالات العرض المحلية، بعدما تجاوزت إيراداته في الأيام الثلاثة الأولى من طرحه في يوليو/تموز الماضي 7.9 ملايين ريال سعودي. وبحسب بيانات شباك التذاكر، فقد تمكن العمل مع نهاية أسبوعه السادس من تحقيق إنجاز غير مسبوق، إذ أصبح الفيلم الأعلى إيرادًا في تاريخ السينما السعودية، بعد أن تخطت مبيعات تذاكره حاجز 600 ألف تذكرة. وتفوق "الزرفة" بذلك على فيلم "شباب البومب 2" الذي يُعد من أبرز الأعمال الجماهيرية في الخليج، إلى جانب عدد من الأفلام العالمية التي تُعرض حاليًا وتحظى بإقبال واسع. هذا الإنجاز ارتبط بعدد من العناصر الفنية التي ساعدت في تعزيز حضور الفيلم وجذب شرائح مختلفة من الجمهور، ويمكن تلخيص أبرزها في ما يلي: فريق تمثيلي واسع الانتشار عمل منتجو الفيلم على استقطاب أسماء تحظى بمتابعة جماهيرية ملحوظة داخل السعودية والخليج، عبر التعاقد مع ممثلين معروفين مثل إبراهيم الخير الله، وأحمد الكعبي، ومحمد شايف، وخالد عبد العزيز، إلى جانب مجموعة من الوجوه الشابة من بينها أضواء بدر، وزياد العمري، وحامد الشراري. كما شهد العمل مشاركة البطل الرياضي عبد الله الربيعة في أول تجربة له أمام الكاميرا، إضافة إلى أسماء أخرى سبق لها الظهور في أعمال كوميدية ناجحة أو عبر محتوى قصير على منصات التواصل الاجتماعي. والمفاجأة الكبرى كانت حضور الممثل الأميركي روبرت نبر كضيف شرف، في أول مشاركة له ضمن عمل سينمائي عربي، وهو ما لفت الانتباه منذ طرح الإعلان الترويجي الرسمي. وقد حضر نبر العرض الخاص الأول للفيلم في الرياض مرتديا الزي الخليجي، ما أضفى بعدا تسويقيا إضافيا وأسهم في جذب الاهتمام الإعلامي. ويُعرف نبر لدى الجمهور العربي بدوره في السلسلة التلفزيونية العالمية "الهروب من السجن" (Prison Break). كوميديا من واقع المجتمع تتناول أحداث الفيلم قصة 3 شبان يتعرفون إلى بعضهم عبر إحدى الألعاب الإلكترونية، قبل أن يجمعهم العمل في مطعم تابع لمجموعة شركات يمتلكها رجل أعمال بارز. وتتطور الأحداث عندما يُطلب منهم سرقة قطعة فنية نادرة من متحف يملكه نفس الرجل، لتتصاعد المواقف وصولا إلى اعتقالهم وزجهم في سجن الجفرة، حيث يشرعون في وضع خطة للهروب ضمن إطار كوميدي يتخلله قدر من التشويق والمواقف الطريفة. ورغم بساطة الحبكة مقارنة بأعمال كوميدية مشابهة، فإن القصة، التي كتبها إبراهيم الخير الله ومحمد القرعاوي، تحمل بعدا واقعيا يعكس جوانب من التحديات التي يواجهها الشباب العربي، ما أضفى على العمل طابعا قريبا من الجمهور. يعالج الفيلم بشكل غير مباشر ظاهرة الهروب من الواقع التي باتت منتشرة لدى شريحة واسعة من الشباب، من خلال الإفراط في قضاء الوقت داخل الألعاب الإلكترونية. كما يتطرق إلى الضغوط المجتمعية التي يواجهها الشباب سواء من الأسرة أو بيئة العمل، في إطار السعي لفرض صورة مثالية تتماشى مع التوقعات، وهو ما قد يقود بعضهم إلى الانفصال الوجداني عن محيطهم. وكذلك يتناول العمل نقدا للبيروقراطية والتعقيدات الإدارية عند التعامل مع المؤسسات الرسمية. ويُسجَّل للمؤلفين اعتماد لغة شبابية معاصرة في الحوارات، ما ساعد في تقريب الفيلم من جمهوره المستهدف، حتى أن بعض الجمل الواردة في الأحداث تحولت إلى عبارات دارجة على منصات التواصل الاجتماعي وتداولها المستخدمون على شكل نكات وتعليقات. إخراج وتجربة أولى لافتة قدّم المخرج عبد الله ماجد في أولى تجاربه مع الأفلام الطويلة رؤية إخراجية متماسكة، اتسمت بالواقعية في رسم الشخصيات، واستخدام لقطات تحمل دلالات غير مباشرة أضافت بعدا فكريا للأحداث، إلى جانب إيقاع سريع حافظ على اهتمام المشاهد وتجنب الإطالة غير المبررة، ما أسهم في تقريب الجمهور من العمل، ومنحهم شعورًا بالمشاركة في المواقف الكوميدية والتشويقية. تم إنجاز تصوير الفيلم خلال 32 يومًا فقط، موزعة على 10 مواقع مختلفة في مدينة الرياض، مع إبراز خاص للمناطق الترفيهية، في خطوة تنسجم مع جهود دعم السياحة الداخلية في المملكة. ويأتي هذا التوجه ضمن أهداف صندوق "بيغ تيم" الذي يعد من أبرز الجهات الممولة لإنتاج العمل.