logo
لبنان بين استعادة الدولة ومواجهة سلاح «حزب الله»

لبنان بين استعادة الدولة ومواجهة سلاح «حزب الله»

الشرق الأوسط٠٧-٠٥-٢٠٢٥

يمر لبنان اليوم بمرحلة دقيقة تجسد اشتباكاً مكشوفاً بين منطق الدولة ومنطق السلاح الخارج عن الشرعية، في ظل تصاعد الجدل حول مستقبل احتكار الدولة للسلاح. فقد أطلق رئيس الجمهورية، جوزيف عون، موقفاً حازماً أكد فيه أن «السلاح يجب أن يكون محصوراً بيد الدولة وحدها»، مشدداً على أن القرار في هذا الشأن قد اتخذ وسينفذ. وهو تصريح يعيد التأكيد على مبدأ السيادة الوطنية واستعادة هيبة المؤسسات، إلا أنه سرعان ما وُوجه برد استفزازي من «حزب الله»، عبر تصريحات لأمينه العام نعيم قاسم، الذي أعلن أن الحزب «لن يسمح لأحد بنزع سلاحه»، متحدياً إرادة الدولة ومؤسساتها، في وقت تتكثف فيه الضغوط الدولية، لا سيما من قبل الولايات المتحدة، لدفع لبنان نحو إنهاء ظاهرة السلاح الموازي والخارج عن سلطة الدولة. هذا التناقض الجوهري بين مشروع الدولة ومشروع السلاح الموازي يكشف عمق المأزق اللبناني، حيث تعاني البلاد منذ سنوات من غياب القرار السيادي واختلال التوازن بين مؤسساتها الشرعية والقوى الخارجة عنها. وفي ظل هذا الواقع المعقد، لا بد من وضع استراتيجية شاملة تتعامل مع «حزب الله» بوصفه تهديداً سياسياً وأمنياً متكامل الأبعاد، لا مجرد جماعة مسلحة خارجة عن القانون.
تبدأ أي استراتيجية واقعية لنزع سلاح «حزب الله» بدعم الدولة اللبنانية نفسها، وتحديداً مؤسساتها الأمنية والعسكرية، بما يمكنها من فرض هيبتها على كامل التراب الوطني واستعادة احتكارها الشرعي للسلاح، من خلال مشروع وطني جامع يستوعب كل المكونات اللبنانية تحت مظلة الدولة. وهذا يتطلب من المجتمع الدولي، والعربي تحديداً، ضخ استثمارات سياسية واقتصادية مشروطة بإصلاحات حقيقية، ورفع الغطاء السياسي عن أي مكون يرفض الانضواء ضمن مؤسسات الدولة. وفي هذا السياق، يمثل الردع عبر الدولة المضيفة إحدى الأدوات الحاسمة، حيث يكون على الدولة نفسها أن تمارس الضغط على التنظيمات الخارجة عن الشرعية. وقد شهدنا مثالاً ناجحاً في هذا الإطار خلال أحداث سبتمبر (أيلول) 1970 في الأردن، حين استطاع النظام الأردني إنهاء وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة التي خرجت عن سيطرة الدولة، رغم ارتباطها بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. آنذاك، تمكنت الدولة من استعادة هيبتها وإجبار تلك الفصائل على الخروج إلى لبنان. هذا النموذج يبرز الفارق الجوهري بين دولة قوية قادرة على فرض القانون، ودولة هشّة كما هو حال لبنان حالياً، حيث يتعذر تطبيق أي ردع داخلي من دون دعم خارجي حقيقي يعيد بناء المؤسسات الشرعية. وقد أثبتت تجربة العراق أن الأمر ليس مستحيلاً، فقد تمكنت القوات العراقية، بدعم مباشر من التحالف الدولي، من هزيمة تنظيم «داعش» بين أكتوبر (تشرين الأول) 2016 ونوفمبر (تشرين الثاني) 2017؛ ما يدل على أن تقوية الدولة يمكن أن تثمر نتائج حاسمة، حتى في وجه تنظيمات دموية ومتماسكة. ولذا، فإن دعم الدولة اللبنانية ليس خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة استراتيجية لإنهاء فوضى السلاح وتمكين لبنان من النهوض بسيادته.
في موازاة دعم الدولة، يشكل الضغط الشعبي أحد مسارات الردع الأساسية ضد «حزب الله»، عبر تقويض علاقته بالحاضنة الاجتماعية التي شكلت مصدراً رئيسياً لقوته خلال السنوات الماضية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تجفيف مصادره المالية، بما يؤدي إلى تعطيل شبكاته من الخدمات الاجتماعية والصحية التي تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، والتي ساعدته في ترسيخ وجوده داخل المجتمع اللبناني، خصوصاً في الأوساط الشيعية. كما أن الاستمرار في تصنيفه دولياً باعتباره منظمة إرهابية يسهم في ملاحقة أفراده والمتعاطفين معه قانونياً، مما يزيد من تكلفة الارتباط به، ويقلل تدريجياً من مستوى التأييد الشعبي الذي يتمتع به. فكلما شعر المواطن اللبناني أن انتماءه للحزب يضعه تحت طائلة العقوبات أو العزلة، تآكلت قاعدة الدعم التي يحتمي بها الحزب داخلياً.
ويبرز خيار التدخل المباشر بوصفه أحد مسارات الردع الفاعلة، وذلك من خلال إدراج ميليشيا «حزب الله» ضمن قائمة الأهداف العسكرية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بوصف الحزب منظمة إرهابية عابرة للحدود، وباعتباره أيضاً لا يختلف في طبيعته ووظيفته عن تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة»، سواء من حيث تهديده لأمن الدول، أو من حيث ارتباطه بأجندات خارجية تسعى لزعزعة الاستقرار الإقليمي.
أما على المستوى الإقليمي، فإن التعامل مع «حزب الله» يستلزم مواجهة الدولة الراعية له، وهي إيران، التي لعبت منذ تأسيس الحزب في مطلع الثمانينات دوراً محورياً في تمويله وتدريبه وتسليحه، ودعمه سياسياً باعتباره أداة رئيسية ضمن استراتيجيتها التوسعية في المنطقة. ولضمان نجاح أي استراتيجية تهدف إلى تفكيك البنية العسكرية للحزب، لا بد من ممارسة ضغط جدي على طهران، يركز على تهديد مصالحها المباشرة ومنعها من الاستمرار في استخدام «حزب الله» وسواه من الجماعات المسلحة كوكلاء لتنفيذ حروبها بالنيابة. فقد أثبتت الوقائع أن سلاح «حزب الله» ليس وليد سياق لبناني داخلي، بل هو انعكاس لمنظومة إيرانية تعتمد على الميليشيات العابرة للحدود لفرض نفوذها.
وأخيراً، ما دام قرار الحرب والسلم خارج إطار الشرعية، فلا يمكن الحديث عن بناء لبنان قوي ومستقل. وما يطرحه الرئيس اللبناني اليوم بشأن حصر السلاح بيد الدولة هو ذاته ما كانت تنادي به الدول العربية منذ سنوات، في مسعى لتحصين لبنان من العبث الإقليمي. ولا تزال الفرصة سانحة أمامه ليعود دولة قوية، ومستقلة القرار، وهذا لن يتحقق إلا عبر نزع سلاح الميليشيات، ودعم المؤسسات الشرعية، ضمن مشروع دولي يعيد لهذا البلد موقعه الطبيعي في محيطه العربي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جنود إسرائيليون يطلقون النار على دبلوماسيين في الضفة الغربية
جنود إسرائيليون يطلقون النار على دبلوماسيين في الضفة الغربية

الرياض

timeمنذ 8 دقائق

  • الرياض

جنود إسرائيليون يطلقون النار على دبلوماسيين في الضفة الغربية

ذكر الجيش الإسرائيلي أنه أطلق النار قرب وفد دبلوماسي قائلا إنه انحرف عن طريق معتمد في الضفة الغربية المحتلة اليوم الأربعاء. وأفادت مصادر دبلوماسية بأن دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي كانوا ضمن الوفد الذي زار مدينة جنين بالضفة الغربية. وقال الجيش إن الوفد "انحرف عن المسار المعتمد ودخل منطقة غير مصرح له بالتواجد فيها"، وإن الجنود أطلقوا "طلقات تحذيرية لإبعاد أعضائه". وأكد الجيش عدم وقوع إصابات أو أضرار. وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أنها علمت بالواقعة التي حدثت خلال زيارة لدبلوماسيين دوليين نظمتها السلطة الفلسطينية. وقالت "نحث إسرائيل بالتأكيد على التحقيق في الواقعة ومحاسبة المسؤولين عنها وعن أي تهديدات لحياة الدبلوماسيين". وقالت وزارة الخارجية الإسبانية إن أحد رعاياها كان ضمن مجموعة الدبلوماسيين ولم يصب بأذى. وأضافت في بيان "نحن على اتصال بالدول المتضررة الأخرى لتنسيق الرد المشترك على الواقعة، والتي نستنكرها بشدة". وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني عبر منصة إكس إن السفير الإسرائيلي في روما سيُستدعى لتقديم توضيح. وعرض التلفزيون الإسرائيلي مقاطع ظهر فيها أشخاص يركضون نحو سيارات تحمل لوحات دبلوماسية بينما أمكن سماع دوي إطلاق نار. وأعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية أن الوفد كان "يقوم بجولة ميدانية في محيط مخيم (جنين) للاطلاع على حجم المعاناة الكبيرة التي يتعرض لها المواطنون في المحافظة"، ووصفت الوزارة تصرفات الجيش الإسرائيلي بأنها انتهاك للقانون الدولي. وقتل الجيش الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين ودمر الكثير من المنازل في الضفة الغربية منذ أن شن عملية في يناير كانون الثاني في جنين للقضاء على مسلحين. وسارعت عدة دول إلى التعبير عن استنكارها عقب إطلاق القوات الإسرائيلية النار على وفد دبلوماسي أثناء زيارته لمدينة جنين. فأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن باريس ستستدعي السفير الإسرائيلي عقب إطلاق نار "غير مقبول". وكتب بارو في منشور على منصة إكس: "زيارة إلى جنين شارك فيها أحد دبلوماسيينا، تعرضت لإطلاق نار من جنود إسرائيليين. هذا أمر غير مقبول. سيتم استدعاء السفير الإسرائيلي لتقديم توضيحات. نؤكد دعمنا الكامل لموظفينا في المكان ولعملهم المتميز في ظل هذه الظروف الصعبة". من حهتها، اعتبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس الأربعاء أن تهديد حياة الدبلوماسيين أمر "غير مقبول". وحثث كالاس الدولة العبرية على محاسبة المسؤولين عن الحادث. فيما طالب وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الحكومة الإسرائيلية بتوضيحات فورية لما حصل. معتبرا التهديدات في حق الدبلوماسيين غير مقبولة. ونددت الخارجية الإسبانية في بيان لها بالحادث وأكدت "الوزارة تحقق في كل ما جرى. كان إسباني ضمن مجموعة الدبلوماسيين وهو بخير. ونحن نتواصل مع بلدان أخرى معنية بالمسألة لتقديم رد مشترك على ما حصل، وهو أمر نندد به بشدة". وأعلن وزير الخارجية الإسباني الأربعاء أن مدريد تعتزم استدعاء القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية، في غياب أي سفير راهنا في إسبانيا. واستنكرت وزارة الخارجية الألمانية ما وصفته بإطلاق الجيش الإسرائيلي النار "دون مبرر" وقالت الوزارة في بيان إن الوفد ضم دبلوماسيا ألمانيا وسائقا من مكتب التمثيل في رام الله. كما استنكرت وزارة الخارجية التركية "بأشد العبارات" إطلاق النار على دبلوماسيين، من بينهم أتراك، مضيفة أن أنقرة تدعو إلى تحقيق فوري ومحاسبة المسؤولين. وقالت الوزارة في بيان "هذا الهجوم، الذي عرض حياة الدبلوماسيين للخطر، دليل آخر على تجاهل إسرائيل الممنهج للقانون الدولي وحقوق الإنسان"، مضيفة أن دبلوماسيا من قنصليتها في القدس كان من بين المجموعة. وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا أدانت فيه الواقعة مشيرة إلى أن السفير المصري في رام الله كان ضمن الوفد الدبلوماسي الزائر. ووصفت الواقعة بأنها "منافية لكافة الأعراف الدبلوماسية"، وطالبت الجانب الإسرائيلي "بتقديم التوضيحات اللازمة".

نائب السفير السوري: اجتماع الشرع وترامب وولي العهد السعودي أسس لإعادة الإعمار
نائب السفير السوري: اجتماع الشرع وترامب وولي العهد السعودي أسس لإعادة الإعمار

العربية

timeمنذ 17 دقائق

  • العربية

نائب السفير السوري: اجتماع الشرع وترامب وولي العهد السعودي أسس لإعادة الإعمار

وصف نائب السفير السوري في الأمم المتحدة، رياض خضور، أمام مجلس الأمن اجتماع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الرياض مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بأنه أسس لإعادة الإعمار في البلاد. وأكد رياض خضور، أن قرار الرئيس دونالد ترامب برفع العقوبات الذي تحقق في الرياض يعد قراراً شجاعاً وإيجابياً، إذ يعد رفع العقوبات تحولا نوعيا ويسرع عملية التعافي والإعمار. من جهته، أكد المسؤول السوري رفض بلاده خطابات الكراهية ودعوات التقسيم، موضحاً أن "سوريا الجديدة دولة سلام وشراكة لا ساحة للنزاعات، مطالباً بالضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي السورية، وقال: إن إسرائيل تنتهك سيادة سوريا والقانون الدولي".

ترمب: لا أتوقع أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام «العدل الدولية» ضد إسرائيل
ترمب: لا أتوقع أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام «العدل الدولية» ضد إسرائيل

الشرق الأوسط

timeمنذ 21 دقائق

  • الشرق الأوسط

ترمب: لا أتوقع أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام «العدل الدولية» ضد إسرائيل

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم (الأربعاء)، أنه «لا يتوقع» أي نتيجة من قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، وفق ما نشرت «رويترز». وكان ترمب يتحدث إلى جانب رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في البيت الأبيض. وطلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية الخميس 16 مايو (أيار) أن تأمر بوقف الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح في جنوب غزة وسحب قواتها من كل القطاع، ومن المنتظر أن تصدر أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة قرارها بهذا الشأن الجمعة. وطلب هذا الإجراء الطارئ هو جزء من دعوى أكبر رفعتها جنوب أفريقيا أمام المحكمة في لاهاي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية. ويتضمن الملف الأولي الذي قدمته جنوب أفريقيا بعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب ويتكون من 84 صفحة أن قتل إسرائيل للفلسطينيين في غزة وإلحاق أذى نفسي وجسدي جسيم بهم وخلق ظروف معيشية تهدف إلى «تدميرهم جسدياً» كل ذلك يعد إبادة جماعية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store