
بين أربيل والصدر وسوريا الشرع.. السوداني يقلّب أوراق العراق الثقيلة
وصف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الظروف التي مرت بها المنطقة خلال العام الحالي بأنها "استحقاقات صعبة" تمكن العراقيون من اجتيازها دون "الانزلاق في نارها"، فيما تطرق إلى ملفات مهمة.
وقال السوداني خلال مقابلة مطولة مع صحيفة "الشرق الأوسط"، إنه "في الشهور الماضية، اجتاز العراق استحقاقين صعبين. لم ينزلق إلى نار الحرب الإسرائيلية - الإيرانية وتبعات الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية. وقاوم إغراء التدخل لإنقاذ نظام بشار الأسد في سوريا".
وأضاف "بعد عبور الاستحقاقين، يتطلع العراق إلى استحقاق ثالث هو الانتخابات المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل التي ستقرر شكل البرلمان واسم رئيس الوزراء".
وأكد "هذه التطورات تدفع بهذا الطرح والتساؤل المهم الذي يستوجب رؤية واضحة: ماذا نريد لهذه المنطقة الحساسة على كل المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، والتي شهدت لأول مرة حرباً كادت تتوسع لتكون حرباً شاملة في كل المنطقة لا تقتصر على اعتداءات بين إيران وإسرائيل؟".
ولفت إلى أن "العراق جزء من الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة. وفي الوقت الذي يضع مصلحة العراق والعراقيين كأولوية في هذه التطورات، هو أيضاً جزء فاعل في المنطقة ولا يقف متفرجاً، بل يسعى بعلاقاته ومصالحه مع دول المنطقة إلى بلورة موقف يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار، وخصوصاً أننا ضد الحروب التي اكتوينا بنارها طيلة عقود ماضية".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة كانت حريصة على أن يكون العراق بعيداً عن هذا الصراع؛ لذلك كان لدينا تواصل مستمر، خصوصاً في مسألة خرق الأجواء وضرورة أن يكون هناك دور للولايات المتحدة؛ لأنها جزء من التحالف الدولي مع العراق لمواجهة الإرهاب، وطيلة عشر سنوات كان يفترض أن يكون هناك دعم لمنظومة الدفاع الجوي لكي نحافظ على أجوائنا بعيداً عن خرق أي جهة".
وعن سؤال حول ماذا طلبت إيران من العراق خلال الحرب؟، أكد السوداني "لم يكن هناك أي طلب، إنما كان العراق هو المبادر بتوضيح الموقف وخطورته ونقل الرسائل بين مختلف الأطراف لإيقاف هذه الحرب والعودة إلى المفاوضات. كان عندنا تواصل مستمر مع الرئاسة ومع كل القنوات في إيران. كانت عملية مستمرة. كان هناك مسار مفاوضات كانت من المؤمل أن تكون يوم الأحد، فحصل العدوان صباح الجمعة".
وأوضح "كان توجه العراق الدفع للعودة إلى المفاوضات وإيقاف الحرب. كانت وجهة النظر الإيرانية أنه كيف نذهب إلى التفاوض والعدوان مستمر. كان حديثنا واتصالاتنا مع دول المنطقة والولايات المتحدة حول هذه الجزئية؛ أن هناك استعداداً للجلوس على طاولة التفاوض بشرط إيقاف العدوان. هذا كان الموقف الإيجابي لإيران في تلك الساعات في بداية العدوان".
وقال السوداني "طيلة العامين الماضيين مرت المنطقة بأحداث ساخنة للمرة الأولى في تاريخها. والعراق مستقر ولله الحمد، بعدما كانت - قبل وقت قريب في عهد الحكومة السابقة - المنطقة مستقرة والعراق ملتهباً في أحداث داخلية واعتداءات".
وبين "نحن أمام واقع ومسار ومنهج عمل ساهم في احتواء كل الانفعالات وبرمجتها باتجاه مواقف سياسية متزنة بعيداً عن الانفعالات. لم نسمح لهذه الانفعالات أن تتطور إلى أفعال تؤثر على الدولة وأمنها واستقرارها. هذا كان عبر جهد سياسي وأمني أيضاً للحفاظ على هذا الموقف".
وعن العلاقات مع سوريا الجديدة، أوضح السوداني "أنا أجدها طبيعية وفي مسارها الصحيح. منذ اليوم الأول كان موقف العراق واضحاً في احترام خيارات الشعب السوري وما حصل من تغيير. يمكن بعد فترة وجيزة التواصل الرسمي، وأرسلنا وفداً وبدأت الاتصالات والزيارات المتبادلة ولقاء الدوحة، ولا يزال التواصل حتى اليوم مستمراً تجاه مختلف الأحداث، وبيّنَّا مخاوفنا".
وتابع "مخاوفنا هي عبارة عن نصائح؛ لأن تجربة سوريا شبيهة بتجربة العراق بعد 2003. هذا التنوع الموجود في سوريا هو نفس التنوع الموجود في العراق. فأولاً أن تكون هناك عملية سياسية شاملة تستوعب الجميع وتضمن حقوقهم والحفاظ على متبنياتهم ومعتقداتهم".
وأضاف "كذلك أن يكون هناك موقف واضح ضد التطرف والإرهاب والعنف، وأن يكون هناك موقف واضح أيضاً من داعش الذي يمثل خطراً، ليس فقط على سوريا، وإنما على كل دول المنطقة. كذلك أن نرى سوريا موحدة، وألا يُسمح بأي تدخل أجنبي أو وجود على الأرض السورية؛ لأن سوريا قوية موحدة هي قوة للعراق ولدول المنطقة. هذه كلها تصب في صالح الشعب السوري".
وأعلن السوداني "لدينا استعداد للتعاون الاقتصادي. ما بين العراق وسوريا جغرافيا وتاريخ ممكن أن نؤسس عليهما لمزيد من التعاون وتطوير العلاقة الثنائية. بدأنا بدراسة إحياء أنبوب النفط العراقي - السوري لنصل إلى البحر الأبيض المتوسط في بانياس".
وأردف "أبدينا استعدادنا للمساهمة في إعمار سوريا أيضاً من خلال مؤتمر. اليوم العراق يترأس القمة العربية والقمة العربية التنموية، وبالتالي فهو معنيّ بكل قضايا الأمة العربية، وفي مقدمتها سوريا. طرحنا مبادرة أُقرّت في (إعلان بغداد) لإقامة مؤتمر حوار وطني لكل المكونات في سوريا".
وفي الجانب الاقتصادي، أوضح السوداني "الاستثمار موجود الآن في أفضل حالاته. لأول مرة في خلال عامين تجاوزت الاستثمارات 100 مليار دولار. كنت تحدثت قبل شهر عن 88 مليار دولار. قبل أيام تم تحديث الرقم من قبل رئيس هيئة الاستثمار الوطنية، وأبلغني أننا تجاوزنا 100 مليار دولار خلال عامين، استثمارات عربية وأجنبية موجودة الآن تعمل في العراق".
وقال "إذن عملية جذب الاستثمارات تمضي في أفق البيئة الموجودة الآمنة المستقرة، بحيث يدخل هذا الرقم الكبير للعراق في ظروف المنطقة غير المستقرة. العراق مستقر متماسك، وأيضاً يطرح فرصاً استثمارية ويستقبل الشركات العربية والأجنبية".
وأشار "نحن كحكومة أوقفنا الانهيار الذي حصل في استباحة المال العام. تتذكر سرقة القرن، أكثر من 3 تريليونات و700 مليار دينار، حصل ذلك في زمن الحكومة السابقة. هذه الكتلة النقدية سُرقت أمام مرأى ومسمع من الدولة العراقية بأجهزتها الأمنية، وبغطاء رسمي للأسف حصلت هذه السرقة".
وقال "طيلة 8 أشهر كانت تُسرق الأموال أمام مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية. لكن عندما يختلف السارقون فيما بينهم في توزيع الحصص، يثير أحدهم هذه الأزمة، وعندها لا تتم السيطرة على الأمور. هذا ما حصل في التحقيق الذي أثاره وزير المالية بالوكالة في حينه، وهو الآن أيضاً تحقيق مستمر وفيه شخصيات رسمية من قبل الحكومة السابقة مع موظفين آخرين وتجار مطلوبين".
وعن تسلم المطلوبين بقضايا الفساد المالي، بين السوداني "نسبة كبيرة من المطلوبين بدأوا هم يراجعون؛ لأنهم عرفوا أن هناك ملاحقة، وأعادوا الأموال. تقريباً أكثر من 500 مليون دولار تمت استعادتها. وأيضاً بدأنا بإجراءات قانونية. العراق عضو في الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، وهذا يرتب واجباً ومسؤولية على كل دول العالم أن تتعاون معنا في استرداد المطلوبين والأموال".
وعن دور الفصائل المسلحة في الضغط على القضاء، نفى السوداني بالقول "لا بالتأكيد. القضاء يحظى باستقلالية أولاً، وباحترام ثانياً، وبدعم من مؤسسات الدولة في عدم خضوعه، أو السماح لأي طرف أو جهة بأن تهدد القضاء. وهو أثبت في أكثر من محطة استقلاليته وشجاعته في اتخاذ القرارات المهمة التي تضمن سير العدالة وتنفيذ القانون".
وعن الطاقة الكهربائية، أوضح "اليوم هناك مشاريع ربط كهربائي مع شركات سعودية وشركات أميركية. وهناك مشاريع قريبة تتعلق بفتح منافذ إضافية لتسهيل مرور المعتمرين والحجاج من وسط آسيا مروراً بإيران والعراق، ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية. وأيضاً هناك تعاون واضح على مستوى المؤسسات والصناديق بين البلدين لتسهيل دخول الاستثمارات السعودية وتمكينها من استثمار الفرص المتوفرة في مختلف المجالات في داخل العراق".
وعن مشاركة التيار الصدري في الانتخابات، قال السوداني "حاولنا إقناع التيار الصدري بالدخول في العملية الانتخابية، وأرسلنا بالفعل رسائل إلى قيادة التيار عبّرنا فيها عن قناعتنا العميقة بأهمية مشاركة التيار في الانتخابات البرلمانية المقبلة. فهو تيار شعبي كبير وفاعل سياسي أساسي في المشهد الوطني، ومن المهم أن يكون شريكاً في صياغة المرحلة المقبلة ومواجهة التحديات والخوض في استحقاقات المرحلة المقبلة".
وأضاف "كنا نأمل أن تسهم مشاركتهم في تعزيز التوازن والاستقرار السياسي، لكن يبدو أن لقيادة التيار رأياً آخر في هذه المرحلة، وهو أمر نحترمه، مع إبقاء أبواب الحوار والتفاهم مفتوحة دائماً".
وعن الأزمة مع إقليم كوردستان، أوضح السوداني "أبناء كوردستان هم جزء من أبناء شعبنا. وهذه الحكومة بالتحديد كانت حريصة على الإيفاء بالتزاماتها الأخلاقية والدستورية، وأيضاً الاتفاق السياسي الذي تضمن حل المشاكل العالقة وضعنا حلولاً له. لكن نتحدث عن قانون الموازنة، ونتحدث عن قرار المحكمة الاتحادية، وهذه أسانيد قانونية ملزمة لا يمكن لرئيس الوزراء أن يتجاوزها".
وبين "ما حصل أنه منذ إقرار قانون الموازنة ومن ثم تعديل قانون الموازنة، لم تلتزم حكومة إقليم كوردستان بتسليم كامل النفط المنتج في داخل الإقليم وفق ما نص عليه القانون وأيّدته المحكمة الاتحادية".
وقال "هذه قضايا قانونية فنية واضحة، وليست قراراً سياسياً، بدليل أن الحديث الآن يدور حول كمية النفط التي يتم تسليمها".
وشدد على أن "الإقليم كيان دستوري تحترمه الدولة العراقية بكل مكوناتها وسلطاتها، ونحن حريصون على استقرار الإقليم، بدليل أننا من ساعد ودعم وساهم في إجراء انتخابات برلمان إقليم كوردستان التي أُجريت قبل نحو ثمانية إلى تسعة أشهر".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 3 ساعات
- موقع كتابات
أحزابنا العمياء!!
لو أحصينا عدد الأحزاب التي تأسست في دول الأمة في القرن العشرين وبعده لتبين أنها عدة عشرات , وتمكنت من بلوغ ذروة الدمار والتخريب على جميع المستويات , وما قدمت مثلا يقتدى به لبناء الحياة الحرة الكريمة , لأنها عمياء. فالأحزاب الأممية والقومية , والدينية التي ستتواصل بقوة في القرن الحادي والعشرين , لأن قدراتها التدميرية لا تضاهى , فهي أشد خطرا على الأمة من الأحزاب الآخرى بآلاف المرات. الأحزاب القومية تحلت بإندفاعية هوجاء لدحض شعاراتها ونظرياتها ومنطلقاتها فأجهزت على ذاتها وموضوعها , واندثرت في طيات النسيان والبهتان , أما الأحزاب الدينية فلديها طاقات هائلة للتوالد والتواصل , والتشظي والإنشطار خصوصا عندما تتوفر الحواضنالمستثمرة فيها , لأنها تؤدي أدوارها بتدميرية عالية , والأمثلةمتعددة وموثقة خصوصا في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين , فالأحزاب الدينية ذات عقائد مشحونة بالخرافات والأضاليل , ومتوجة بالغيبيات التي بموجبها تستعبد الملايين , وتأخذهم إلى سوء. وتزرع في عقولهم الأوهام التي تجعلهم يرضون بالذل والهوان والتحول إلى أرقام على أمل الفوز بجنات النعيم الموعودة. هذه الأحزاب في ذروة نشاطاتها وإمعانها في عمائها العقائدي , الذي يغذيها بالتطرف والغلو والعدوانية الماحقة , المسوغة بفتاوى تجارها المؤدينين الذين يحللون الحرام ويحرمون الحلال , فهم يمثلون رب العباد ورموزهم نواب رب العالمين في الأرض , ولا بد من السمع والطاعة والتقليد والإذعان المطلق لإرادات النفوس الأمارة بالسوء المقدسة النوايا والرغبات. ولهذا فالخطايا تناثرت , والمآثم طاشت , وكل من عليها عبد مطيع لشيطان رجيم يضع على رأ بنا وصلت لفيعان الهوان جماعاتٌ بأحزاب احْترانِ تدمرت الحواضر من رؤاها


موقع كتابات
منذ 3 ساعات
- موقع كتابات
تركيا ومحاولة هندسة الأمن الإقليمي بعد الانسحاب الأمريكي من العراق وسوريا
تسعى تركيا في المرحلة الحالية إلى ملء الفراغ الاستراتيجي الذي سيخلفه انسحاب القوات الأمريكية من العراق من خلال طرح مبادرة تقوم على إنشاء منظومة أمنية مشتركة تضم كلًا من العراق وسوريا والأردن وتركيا وهي ليست تحالفًا عسكريًا صريحًا في مرحلتها الأولى بل منظومة تنسيقية تهدف إلى محاربة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش وكذلك تنظيمات مسلحة أخرى تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة وتقوم هذه المبادرة على فكرة تأسيس تفاهمات سياسية وأمنية متدرجة قد تتطور مستقبلًا إلى شكل من أشكال التحالف العسكري الإقليمي الذي يضمن استقرار الجوار العربي والتركي ويضع حدًا للنفوذ الإسرائيلي المتنامي في المنطقة من خلال ما يُعرف بمشروع ممر داوود الذي تعتبره أنقرة تهديدًا مباشرًا للعمق الجيوسياسي للمنطقة بأسرها الجانب التركي لا ينظر إلى هذه المبادرة بوصفها أداة لمحاربة الإرهاب فحسب بل كآلية لمعالجة ملف أكثر تعقيدًا وهو المسألة الكردية التي تمتد من جبال قنديل في العراق إلى شمال شرق سوريا حيث يشكل التمدد الكردي في هذه المناطق خطرًا استراتيجيًا على الأمن القومي التركي وقد تسعى أنقرة من خلال هذه المنظومة إلى فرض تسوية سياسية تتضمن إخضاع إقليم كردستان العراق لشروط الحكومة المركزية في بغداد والضغط باتجاه منع أي كيان كردي مستقل أو شبه مستقل في سوريا تكون له صلات عضوية مع حزب العمال الكردستاني أو امتداداته السياسية والعسكرية في المقابل تشير الرؤية التركية إلى أن إيران ستكون مستبعدة من هذا التحرك إذ ترى أنقرة أن النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان بدأ يتراجع بفعل الضغوط الدولية والخسائر الاستراتيجية في ساحات التأثير لذلك تسعى تركيا إلى شغل هذا الفراغ بدور أكثر فعالية وأكثر قبولًا إقليميًا وغربيًا في آن معًا وهي بذلك تطرح نفسها كبديل متوازن وقادر على التعامل مع ملفات المنطقة دون أن يُثقل بحسابات أيديولوجية أو أجندات طائفية الفوائد التي قد تنتج عن هذا التشكيل عديدة أولها أنه قد يعيد ضبط الأمن في مناطق واسعة من العراق وسوريا ويُضعف من قدرة التنظيمات المتطرفة على المناورة كما أنه يمنح الدول المنخرطة فيه أدوات أكثر استقلالية في اتخاذ القرار الأمني بعيدًا عن الهيمنة الأجنبية ويخلق إطارًا للتعاون السياسي يمهد لإعادة بناء الثقة بين الأطراف الإقليمية المتضررة من سنوات من التوتر والحروب أما بالنسبة لتركيا فهو يمنحها الفرصة لإدارة الأمن الحدودي بنفسها ومنع تحول الجوار إلى نقطة انطلاق لأي تهديد داخلي مستقبلي إلا أن هذه المبادرة تواجه تحديات كبيرة أبرزها هشاشة العلاقات السياسية بين بعض الأطراف الفاعلة فالعلاقة بين أنقرة وبعض دول المنطقه لا تزال متوترة على الرغم من وجود تنسيق أمني غير مباشر عبر وسطاء كما أن الملف الكردي نفسه يحمل ألغامًا سياسية وأمنية معقدة قد تؤدي إلى انفجار داخلي في حال فُرضت تسوية قسرية لا تتماشى مع تطلعات الأكراد كذلك فإن إقصاء إيران من هذه المنظومة قد يدفعها إلى استخدام أدواتها لعرقلة المشروع من خلال تصعيد ميداني أو سياسي وأما الأردن فقد يتعامل بحذر مع أي مبادرة إقليمية تحمل أبعادًا أمنية واسعة نظرًا لحساسية موقعه الجغرافي وتشابك علاقاته مع أطراف متعددة أما على مستوى التفاعل الدولي فإن الموقف الأمريكي لن يكون بالضرورة داعمًا لهذا المشروع إذ أن واشنطن رغم انسحابها العسكري تبقى معنية بإبقاء موطئ قدم سياسي واستخباراتي في العراق وسوريا وتحديدًا عبر حلفائها الأكراد وتخشى من أن تتحول المبادرة التركية إلى أداة لتصفية هؤلاء الحلفاء وهو ما يُضعف النفوذ الأمريكي ويُعزز المحور التركي في المنطقة ومع ذلك قد تنظر واشنطن للمبادرة بعين البراغماتية إذا ما رأت فيها وسيلة لاحتواء إيران دون الحاجة إلى تدخل مباشر لكنها ستبقى تراقب أي تحول في هذه المنظومة إلى تحالف أمني مغلق قد يُقصيها نهائيًا من معادلة الشرق الأوسط من هنا فإن مستقبل هذه المبادرة يتوقف على قدرة تركيا على موازنة طموحاتها مع هواجس الأطراف الأخرى كما يتوقف على إدارتها للعلاقة مع كل من إيران والولايات المتحدة فإذا استطاعت أنقرة الحفاظ على هذا التوازن فقد تنجح في تأسيس منظومة أمن إقليمي جديدة تُعيد رسم خارطة التوازنات دون صدامات كبرى أما إذا بالغت في توظيفها للمبادرة كأداة نفوذ مباشر فقد تتحول إلى عامل جديد للصراع بدل أن تكون منصة للاستقرار..


موقع كتابات
منذ 3 ساعات
- موقع كتابات
احموا الاقليات… والا فلن تنعموا بالسلام ابدا
من بديهيات بناء الدولة الحديثة ان لا امن ولا استقرار ولا عدالة حقيقية يمكن ان تتحقق في غياب الحماية الفعلية لحقوق الاقليات. فالدولة التي تعجز عن صون حياة وحرية ابنائها الاكثر هشاشة، سواء من الناحية الدينية او العرقي ة، هي دولة مهددة بانفجار داخلي، عاجلا او اجلا. ولنأخذ المأساة الايزيدية مثالا صارخا لهذا الواقع. فعلى مدى عقود، عانى الايزيديون من التهميش والتضييق والحرمان من ابسط حقوقهم، حتى بلغ هذا الظلم ذروته في آب من عام ٢٠١٤، حين اجتاح تنظيم داعش قضاء سنجار وارتكب واحدة من ابشع جرائم الابادة الجماعية في القرن الحادي والعشرين. ذبح الاف الرجال، وسبيت الاف النساء، واحرقت القرى، وفجرت المزارات، ونهبت الممتلكات. كل ذلك جرى في غياب تام لمؤسسات الدولة، وبتواطؤ ومشاركة عدد كبير من افراد العشائر والقرى المجاورة لمناطق الايزيديين في ارتكاب هذه الجرائم. لقد ظن الذين ساعدوا داعش او سكتوا عن جرائمه ان الشر سيتوقف عند حدود الايزيديين، وانهم بذلك يحمون انفسهم او يربحون شيئا من الدنيا او الاخرة. لكنهم سرعان ما ادركوا ان الظلم اذا انفلت من عقاله لا يميز احدا، وان من يرضى للآخرين بالذبح سيذبح لاحقا بنفس السكين. فخسروا مدنهم، وذاقوا مرارة النزوح، وباتت داعش التي دعموها تنهشهم هم ايضا. وما حدث خلال الايام القليلة الماضية مع الدروز في سوريا كان صفحة جديدة من كتاب الابادة الذي لم يغلق بعد. فالمكون الدرزي، الذي لطالما سعى الى الحياد والتوازن، تعرض في السويداء للقتل والذبح واشد انواع القمع وامتهان الكرامة، على يد جماعات متطرفة محسوبة على حكومة الشرع وجيش الشرع، الذي يضم في صفوفه عشرات الفصائل المتشددة. التقارير المؤكدة اشارت الى تنفيذ اعدامات ميدانية بحق عشرات الشبان الدروز، واعتقالات جماعية، واقتحامات لقرى آمنة، واهانات ممنهجة، وصلت الى حلق الشوارب التي تعد لدى الدروز رمزا مقدسا يعادل المس بالروح. كل ذلك جرى وسط صمت محلي ودولي مخز، عدا دولة واحدة تدخلت بقوة لصالح الدروز، وانقذتهم من ابادة محققة. هذا المشهد اعاد الى الاذهان اللحظات السوداء التي رافقت غزو داعش لسنجار قبل احد عشر عاما. هذان النموذجان، الايزيديون والدروز، ليسا سوى مثالين حيين على خطورة التغاضي عن معاناة الاقليات، وخطورة جعل الدين او الطائفة مبررا لنفي انسانية الانسان، او انتهاك حياته وكرامته. لقد ادرك العالم المتحضر، بعد قرون من الحروب الدينية والمذابح العرقية والتجارب القاسية، ان العدالة والامن والاستقرار لا يمكن ان تبنى الا على اساس صيانة حقوق الانسان، وصون كرامة الفرد، بغض النظر عن دينه او لونه او طائفته. لقد توصل الغرب الى حقيقة بسيطة، مفادها ان امن الجميع لا يتحقق الا بحماية الاضعف، وان الدولة لا تبنى بالاكثرية العددية، بل بالعدالة الشاملة. ولهذا اصبحت مجتمعاتهم اكثر استقرارا، وانفتاحا، وجاذبية، وملاذا لكل من يفر من جحيم الشرق. فهل سنتعلم من هذا الدرس؟ هل ستدرك القيادات السياسية والدينية والقبلية في الشرق الاوسط، وفي العراق وسوريا تحديدا، ان حماية الاقليات ليست منة ولا ترفا اخلاقيا، بل ضرورة وجودية؟ هل سيستوعبون ان من لا يحمي الايزيدي اليوم، لن يجد من يحميه غدا؟ وان من يسكت على اضطهاد الدروز، لن ينجو حين تصل النار الى بيته؟ العدالة لا تتجزأ، والحرية لا تقاس بالعدد، والكرامة الانسانية ليست قابلة للمساومة. احموا الاقليات، ليس فقط لانهم يستحقون الحماية، بل لان بقاءهم يعني بقاءكم، وكرامتهم هي صمام امان لكرامتكم. فان لم تفعلوا… فلن تنعموا بالسلام ابدا.