
الألمانية "الشرقية" جيني إربينبك تكشف لـ"النهار" كواليس الكتابة عن الحب والسياسة واللاجئين
خلف جدران سور برلين، ومن رحم ألمانيا الشرقية وُلدت جيني إربينبك عام 1967، متشبعة بتجربة الانقسام والحدود والأسوار، تولدت لديها تساؤلات كبرى حيال الذاكرة والهوية، مستلهمة من نشأتها في ظلال الحرب الباردة القدرة على جعل التحولات السياسية والاجتماعية مادة سردية ونصوصاً تنبض بالحياة.
تنتمي جيني إلى عائلة ثقافية بارزة، فوالدها هو الفيزيائي والفيلسوف والروائي الشهير جون إربينبك، ووالدتها دوريس كيلياس إحدى أهم من ترجموا الأدب العربي إلى الألمانية وأبرزها أعمال نجيب محفوظ.
درست علوم المسرح، وبدأت مسيرتها الأدبية عام 1999، ونالت جوائز أدبية مرموقة، كما وصلت روايتها "وطن محمول" إلى القائمة الطويلة لجائزة الـ"بوكر" الدولية عام 2018، وهي واحدة من أبرز الكاتبات في الأدب الأوروبي المعاصر، وحظيت بمكانة مرموقة في المشهد الأدبي العالمي، بتتويج روايتها "كايروس" بجائزة الـ"بوكر" عام 2024، لتصبح أول مؤلف ألماني ينالها، وتتناول العلاقة الرومانسية المدمرة بين امرأة شابة ورجل كبير في السن في برلين الشرقية في ثمانينات القرن الـ20.
في هذا الحوار، تقترب "النهار" من جيني إربينبك وعالمها الأدبي ورؤيتها للعالم، والإبحار في تفاصيل نشأتها، وتأثير الماضي السياسي على رؤيتها.
ماذا مثل لك الفوز بجائزة "البوكر"، وما تأثيرها على مسيرتك الأدبية؟
قبل الحصول على تلك الجائزة كنت أعيش أوضاعاً جيدة، إذ كنت معروفة للجمهور إلى حد كبير، لكن لا يمكن إنكار أن الأمر اختلف عقب الفوز بالجائزة، فعلى مدار عام كامل بعد إعلان النتائج، كنت مشغولة بإجراء حوارات صحافية في كل مكان، فيما حظيت كتبي بارتفاع كبير في نسب مبيعاتها. فبالتأكيد، تمثل هذه الجوائز دفعة قوية في مسيرة الكاتب، وتشكل حافزاً كبيراً.
تحمل روايتك "كايروس" رمزية سياسية، فعلاقة الحب التي تسردينها قد ترمز إلى تجربة ألمانيا الشرقية التي بدأت بآمال رحبة وانتهت بخيبة، ما الذي ألهمك كتابة هذه الرواية؟
بعد مرور ثلاثين عاماً على سقوط جدار برلين الذي فصل بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية، وجدت أني امتلكت المسافة الكافية التي تفصلني عن ذلك الماضي، والقدرة على تذكره ورؤيته بوضوح، كما أمكنني تأمل طفولتي وشبابي وما عايشته من أحداث وتحولات. ومن ثم استغللت مناسبة مرور ثلاثين عاماً على توحيد ألمانيا لإعادة النظر في الماضي وصوغ تلك الأحداث التي عشتها في طفولتي عبر عمل روائي.
عشتِ طفولتك وجزءاً من شبابك في ظل الحكم الشيوعي، كيف انعكست تلك النشأة على شخصيتك وأعمالك الأدبية؟
نشأتي في ألمانيا الشرقية كانت تعني لي الكثير، إذ التحقت بمدرسة جيدة وحصلت على تعليم جيد وكانت لي عائلة مستقرة، وتمكنت من رؤية المجتمع بصورة مزدوجة بطبيعة الأحوال، ومع أن اختفاء ألمانيا الشرقية جاء بشكل مفاجئ، لكنه جعلني اعتبر هذه الحقبة بمثابة "مدرسة للأفكار" التي أنهل منها واستقي الكثير مما أكتبه؛ فسقوط ذلك الحاجز الزمني بين الماضي والحاضر منحني دافعاً للتفكير بنظرة مختلفة، وإعادة صوغ تلك الأفكار في سياقات أدبية، وكان لهذا التحول للأحداث التاريخية تأثير بالغ في مساراتي، سواء الشخصية أم الأدبية.
ناقشت روايتك "وطن محمول" قضية المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في ألمانيا، كما تناولت تعدد نظرة المجتمع الألماني إليهم، ما الذي دفعك للكتابة عن هذه القضية؟
أثارت هذه الرواية ضجة واسعة في المجتمع الألماني لتطرقها إلى موضوع شائك، وقبل كتابتي لها كنت منشغلة للغاية بموضوعات الهوية وفقدان الوطن والبحث عن وجهة، وكل ما يرتبط بذلك من إحساس "الفقد" الذي قد يكون موقتاً أحياناً، لكن في حالة الهجرة غير الشرعية يكون الفقد أبدياً ودائماً عادةً، لذا اهتممت بهذه القضية وارتأيت أن ثمة تحولات عصفت بالمجتمع الألماني مع قدوم عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين، وغياب المعرفة وعدم الإدراك من الألمان لحياة أولئك المهاجرين ومصائرهم، حتى في الرواية كتبت أن أولئك المهاجرين غير الشرعيين يزعجهم دائماً التعامل معهم على أنهم أرقام مجردة، من دون النظر إلى أن وراء كل رقم هناك إنسان وحيوات وقصة ومصائر، فابتغيت لفت الانتباه إلى ذلك. وكتبت رواية ذات حجم ضخم لتكون بمثابة صخرة ألقيها فتهشم زجاج النافذة وتدخل إلى غرفة معيشة المواطن الألماني ليتنبه ويرى الواقع. وتحقق ما أردت، إذ حظيت بنجاح كبير، وأسعدني أن وجدت القراء بدأوا يدركون معاناة هؤلاء المهاجرين، ونجاحي في بناء جسر إنساني إلى هؤلاء الأشخاص بصفتهم بشراً حقيقيين لهم حيواتهم المستقلة التي تستحق الاهتمام.
في الرواية أيضاً، تطرحين رؤية شديدة الحساسية والإنسانية حيال اللاجئين واصفة معاناتهم وتفاصيل رحلتهم والمخاطر التي واجهوها، من أين استقيت هذه التفاصيل؟
تواصلت بشكل مباشر مع عشرة من المهاجرين، وتحدثنا كثيراً، وقضيت وقتاً طويلاً معهم، وعايشت معهم كثيراً من التفاصيل الدقيقة في حياتهم، وما واجهوه من صعوبات، هذه المعايشة منحتني الفرصة للتعرف إلى حياتهم بصورة أقرب، وساعدتني على كتابة نص نابض بالحقيقة.
برأيك، ما التحديات التي يواجهها الأدب الأوربي عموماً والألماني خصوصاً في ظل تصاعد تيارات اليمين المتطرف؟
سؤال بالغ الأهمية، بالتأكيد لابد للمرء من أن يظل شجاعاً، لكنني لا أستطيع الإجابة عن هذا التساؤل بشكل واف وقاطع الآن، لأن هذه التيارات رغم تصاعدها، لم تصل بعد إلى سدة الحكم، ولكن إن حدث ذلك يوماً ما فسيتوجب علينا طرح هذا السؤال مرة أخرى.
والدتك دوريس كيلياس هي إحدى أهم من ترجموا الأدب العربي إلى الألمانية وعلى رأسها أعمال نجيب محفوظ، هل قرأتِ لكتاب عرب؟
بالتأكيد، فالأدب العربي غني ومتنوع، وقد قرأت لنجيب محفوظ وميرال الطحاوي وجمال الغيطاني ومحمد شكري وللكاتب اللبناني حسن داود.
هل تأثرت بالأدب العربي؟
بلا شك، لقد وسع أفقي بشكل كبير، خصوصاً عندما كنت استمع إلى أمي وهي تتحدث بلغة أخرى مختلفة هي العربية، وتتعامل مع حضارة مختلفة وكل ذلك التداخل الثقافي أثرى تجربتي ووسع إدراكي ورؤيتي بشكل كبير.
هل شخصياتك الروائية والأدبية تكون دائماً من وحي خيالك أم أنها مستمدة من الواقع، وكيف تتعاملين معها أثناء الكتابة؟
أنا أطلق فقط شارة البداية لهذه الشخصيات، لكن سرعان ما تتحول العملية إلى علاقة تبادلية، بمعنى أن الشخصيات تكون مستقلة، وأحاول التفكير في ما إذا كنت مكان تلك الشخصية ماذا سأفعل، وكيف سأفكر وأتصرف، وبماذا سأشعر؟ فالعملية تبادلية، وتُملي علي هذه الشخصية بعض ما أكتبه بشأنها، لكن في نهاية الأمر أظل ككاتبة صاحبة القرار وأنا من أحدد المسار.
تثار دائماً نقاشات حول العلاقة بين الواقع والخيال في الأدب، إلى أي حد تستندين إلى الواقع، وإلى أي حد تذهبين نحو الحقيقة الأدبية؟
الواقع هو منطلقي الأول وليس الخيال، إذ أنظر حولي واتساءل ماذا يوجد في الواقع وما القضايا التي تهمني؟ وأحب الكتابة عنها، كما أنني عاشقة لجمع المعلومات والبيانات من الواقع، ثم أنتقل إلى مرحلة البحث عن الحقيقة وأسأل نفسي ما الفكرة التي أرغب في توصيلها؟ وما هي الحقيقة وراء ما سأكتبه؟ وبالتالي ما أكتبه لا يتعلق بالواقع بل ينفصل عنه منتقلاً إلى منطقة الحقيقة التي أحاول من خلالها سرد أحداث هي بطبيعة الحال أدبية وليست واقعية وتدور على لسان شخصيات أقوم بصناعتها، ولكن تلك الشخصيات ترغب في أن تُصنع وتُكتب، وأستشعر أن تلك الشخصيات تكتب نفسها وتُملي بنفسها علي وتريد أن تصبح واقعاً داخل الرواية، وفي نهاية الأمر الأهم بالنسبة إلي هي تلك الحقيقة التي أود التعبير عنها.
يواجه القارئ اليوم سيلاً من الإصدارات، ما يجعل من الصعب اختيار الكتب. هل هناك نصيحة توجهينها اليه في هذا السياق؟
جميعنا نواجه هذه الحيرة، وكل ما نستطيع فعله هو الاعتماد على ترشيحات الأصدقاء والاطلاع على الصفحات الأدبية في الجرائد، وأود الإشارة إلى أن الصفحات الأدبية في الجرائد الألمانية تلعب دوراً مهماً ويحرص الجمهور على الاطلاع عليها. كما يمكن مشاهدة البرامج الثقافية التي تقدم نقداً للكتب الحديثة، وأحياناً قد يكتب أحد النقاد رأياً سلبياً عن رواية ما، فيدفعني ذلك إلى قراءتها لا رفضها، لكن في النهاية لا يتوافر ضمان للوصول إلى الكتب الأهم، ولا توجد نصيحة لحل هذه الإشكالية.
ما مشاريعك الأدبية المستقبلية؟
أعمل حاليا على كتاب جديد عن والدي الراحل، وحينما أكتب عنه سأكتب بالضرورة عن والدتي أيضاً، وسعيدة للغاية بوجودي في القاهرة الآن، لأنني أتتبع مسار الرحلة التي عاشتها أمي عندما كانت في القاهرة حيث تعلمت اللغة العربية وتعرفت إلى كوكبة من الأدباء المصريين، ثم ترجمت أعمال نجيب محفوظ، في تلك الآونة كنت طفلة صغيرة في ألمانيا الشرقية في ظل النظام الشيوعي الاشتراكي، إذ احتفظوا بي كرهن أو ضمان حتى يضمنوا عودة أمي، فلم يكن مسموحاً إطلاقاً بسفر الأسرة كلها آنذاك، وكان ينبغي أن يبقى أحد أفرادها في البلاد، وفي حالتي بقيت أنا وأبي في ألمانيا إلى حين عودة أمي من مصر.
هل سيصدر هذا الكتاب في صورة رواية أم سيرة ذاتية؟
لا يمكنني تحديد ذلك، مهمتي الأساسية هي الكتابة فقط ثم تقديم العمل إلى دار النشر، وهي التي تحدد تصنيفه وهل سيكون عملاً أدبياً أم سيرة ذاتية أم تقريراً حول حياة تلك العائلة، وتغمرني السعادة لأنني لست الشخص الذي عليه أن يقرر ذلك أو يضع عنواناً محدداً للكتاب، لا يشغلني تصنيف الكتاب بقدر ما أركز على مهمتي فقط وهي جمع المعلومات ليمكنني صوغ سيرة أبي وأمي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- النهار
الألمانية "الشرقية" جيني إربينبك تكشف لـ"النهار" كواليس الكتابة عن الحب والسياسة واللاجئين
خلف جدران سور برلين، ومن رحم ألمانيا الشرقية وُلدت جيني إربينبك عام 1967، متشبعة بتجربة الانقسام والحدود والأسوار، تولدت لديها تساؤلات كبرى حيال الذاكرة والهوية، مستلهمة من نشأتها في ظلال الحرب الباردة القدرة على جعل التحولات السياسية والاجتماعية مادة سردية ونصوصاً تنبض بالحياة. تنتمي جيني إلى عائلة ثقافية بارزة، فوالدها هو الفيزيائي والفيلسوف والروائي الشهير جون إربينبك، ووالدتها دوريس كيلياس إحدى أهم من ترجموا الأدب العربي إلى الألمانية وأبرزها أعمال نجيب محفوظ. درست علوم المسرح، وبدأت مسيرتها الأدبية عام 1999، ونالت جوائز أدبية مرموقة، كما وصلت روايتها "وطن محمول" إلى القائمة الطويلة لجائزة الـ"بوكر" الدولية عام 2018، وهي واحدة من أبرز الكاتبات في الأدب الأوروبي المعاصر، وحظيت بمكانة مرموقة في المشهد الأدبي العالمي، بتتويج روايتها "كايروس" بجائزة الـ"بوكر" عام 2024، لتصبح أول مؤلف ألماني ينالها، وتتناول العلاقة الرومانسية المدمرة بين امرأة شابة ورجل كبير في السن في برلين الشرقية في ثمانينات القرن الـ20. في هذا الحوار، تقترب "النهار" من جيني إربينبك وعالمها الأدبي ورؤيتها للعالم، والإبحار في تفاصيل نشأتها، وتأثير الماضي السياسي على رؤيتها. ماذا مثل لك الفوز بجائزة "البوكر"، وما تأثيرها على مسيرتك الأدبية؟ قبل الحصول على تلك الجائزة كنت أعيش أوضاعاً جيدة، إذ كنت معروفة للجمهور إلى حد كبير، لكن لا يمكن إنكار أن الأمر اختلف عقب الفوز بالجائزة، فعلى مدار عام كامل بعد إعلان النتائج، كنت مشغولة بإجراء حوارات صحافية في كل مكان، فيما حظيت كتبي بارتفاع كبير في نسب مبيعاتها. فبالتأكيد، تمثل هذه الجوائز دفعة قوية في مسيرة الكاتب، وتشكل حافزاً كبيراً. تحمل روايتك "كايروس" رمزية سياسية، فعلاقة الحب التي تسردينها قد ترمز إلى تجربة ألمانيا الشرقية التي بدأت بآمال رحبة وانتهت بخيبة، ما الذي ألهمك كتابة هذه الرواية؟ بعد مرور ثلاثين عاماً على سقوط جدار برلين الذي فصل بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية، وجدت أني امتلكت المسافة الكافية التي تفصلني عن ذلك الماضي، والقدرة على تذكره ورؤيته بوضوح، كما أمكنني تأمل طفولتي وشبابي وما عايشته من أحداث وتحولات. ومن ثم استغللت مناسبة مرور ثلاثين عاماً على توحيد ألمانيا لإعادة النظر في الماضي وصوغ تلك الأحداث التي عشتها في طفولتي عبر عمل روائي. عشتِ طفولتك وجزءاً من شبابك في ظل الحكم الشيوعي، كيف انعكست تلك النشأة على شخصيتك وأعمالك الأدبية؟ نشأتي في ألمانيا الشرقية كانت تعني لي الكثير، إذ التحقت بمدرسة جيدة وحصلت على تعليم جيد وكانت لي عائلة مستقرة، وتمكنت من رؤية المجتمع بصورة مزدوجة بطبيعة الأحوال، ومع أن اختفاء ألمانيا الشرقية جاء بشكل مفاجئ، لكنه جعلني اعتبر هذه الحقبة بمثابة "مدرسة للأفكار" التي أنهل منها واستقي الكثير مما أكتبه؛ فسقوط ذلك الحاجز الزمني بين الماضي والحاضر منحني دافعاً للتفكير بنظرة مختلفة، وإعادة صوغ تلك الأفكار في سياقات أدبية، وكان لهذا التحول للأحداث التاريخية تأثير بالغ في مساراتي، سواء الشخصية أم الأدبية. ناقشت روايتك "وطن محمول" قضية المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في ألمانيا، كما تناولت تعدد نظرة المجتمع الألماني إليهم، ما الذي دفعك للكتابة عن هذه القضية؟ أثارت هذه الرواية ضجة واسعة في المجتمع الألماني لتطرقها إلى موضوع شائك، وقبل كتابتي لها كنت منشغلة للغاية بموضوعات الهوية وفقدان الوطن والبحث عن وجهة، وكل ما يرتبط بذلك من إحساس "الفقد" الذي قد يكون موقتاً أحياناً، لكن في حالة الهجرة غير الشرعية يكون الفقد أبدياً ودائماً عادةً، لذا اهتممت بهذه القضية وارتأيت أن ثمة تحولات عصفت بالمجتمع الألماني مع قدوم عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين، وغياب المعرفة وعدم الإدراك من الألمان لحياة أولئك المهاجرين ومصائرهم، حتى في الرواية كتبت أن أولئك المهاجرين غير الشرعيين يزعجهم دائماً التعامل معهم على أنهم أرقام مجردة، من دون النظر إلى أن وراء كل رقم هناك إنسان وحيوات وقصة ومصائر، فابتغيت لفت الانتباه إلى ذلك. وكتبت رواية ذات حجم ضخم لتكون بمثابة صخرة ألقيها فتهشم زجاج النافذة وتدخل إلى غرفة معيشة المواطن الألماني ليتنبه ويرى الواقع. وتحقق ما أردت، إذ حظيت بنجاح كبير، وأسعدني أن وجدت القراء بدأوا يدركون معاناة هؤلاء المهاجرين، ونجاحي في بناء جسر إنساني إلى هؤلاء الأشخاص بصفتهم بشراً حقيقيين لهم حيواتهم المستقلة التي تستحق الاهتمام. في الرواية أيضاً، تطرحين رؤية شديدة الحساسية والإنسانية حيال اللاجئين واصفة معاناتهم وتفاصيل رحلتهم والمخاطر التي واجهوها، من أين استقيت هذه التفاصيل؟ تواصلت بشكل مباشر مع عشرة من المهاجرين، وتحدثنا كثيراً، وقضيت وقتاً طويلاً معهم، وعايشت معهم كثيراً من التفاصيل الدقيقة في حياتهم، وما واجهوه من صعوبات، هذه المعايشة منحتني الفرصة للتعرف إلى حياتهم بصورة أقرب، وساعدتني على كتابة نص نابض بالحقيقة. برأيك، ما التحديات التي يواجهها الأدب الأوربي عموماً والألماني خصوصاً في ظل تصاعد تيارات اليمين المتطرف؟ سؤال بالغ الأهمية، بالتأكيد لابد للمرء من أن يظل شجاعاً، لكنني لا أستطيع الإجابة عن هذا التساؤل بشكل واف وقاطع الآن، لأن هذه التيارات رغم تصاعدها، لم تصل بعد إلى سدة الحكم، ولكن إن حدث ذلك يوماً ما فسيتوجب علينا طرح هذا السؤال مرة أخرى. والدتك دوريس كيلياس هي إحدى أهم من ترجموا الأدب العربي إلى الألمانية وعلى رأسها أعمال نجيب محفوظ، هل قرأتِ لكتاب عرب؟ بالتأكيد، فالأدب العربي غني ومتنوع، وقد قرأت لنجيب محفوظ وميرال الطحاوي وجمال الغيطاني ومحمد شكري وللكاتب اللبناني حسن داود. هل تأثرت بالأدب العربي؟ بلا شك، لقد وسع أفقي بشكل كبير، خصوصاً عندما كنت استمع إلى أمي وهي تتحدث بلغة أخرى مختلفة هي العربية، وتتعامل مع حضارة مختلفة وكل ذلك التداخل الثقافي أثرى تجربتي ووسع إدراكي ورؤيتي بشكل كبير. هل شخصياتك الروائية والأدبية تكون دائماً من وحي خيالك أم أنها مستمدة من الواقع، وكيف تتعاملين معها أثناء الكتابة؟ أنا أطلق فقط شارة البداية لهذه الشخصيات، لكن سرعان ما تتحول العملية إلى علاقة تبادلية، بمعنى أن الشخصيات تكون مستقلة، وأحاول التفكير في ما إذا كنت مكان تلك الشخصية ماذا سأفعل، وكيف سأفكر وأتصرف، وبماذا سأشعر؟ فالعملية تبادلية، وتُملي علي هذه الشخصية بعض ما أكتبه بشأنها، لكن في نهاية الأمر أظل ككاتبة صاحبة القرار وأنا من أحدد المسار. تثار دائماً نقاشات حول العلاقة بين الواقع والخيال في الأدب، إلى أي حد تستندين إلى الواقع، وإلى أي حد تذهبين نحو الحقيقة الأدبية؟ الواقع هو منطلقي الأول وليس الخيال، إذ أنظر حولي واتساءل ماذا يوجد في الواقع وما القضايا التي تهمني؟ وأحب الكتابة عنها، كما أنني عاشقة لجمع المعلومات والبيانات من الواقع، ثم أنتقل إلى مرحلة البحث عن الحقيقة وأسأل نفسي ما الفكرة التي أرغب في توصيلها؟ وما هي الحقيقة وراء ما سأكتبه؟ وبالتالي ما أكتبه لا يتعلق بالواقع بل ينفصل عنه منتقلاً إلى منطقة الحقيقة التي أحاول من خلالها سرد أحداث هي بطبيعة الحال أدبية وليست واقعية وتدور على لسان شخصيات أقوم بصناعتها، ولكن تلك الشخصيات ترغب في أن تُصنع وتُكتب، وأستشعر أن تلك الشخصيات تكتب نفسها وتُملي بنفسها علي وتريد أن تصبح واقعاً داخل الرواية، وفي نهاية الأمر الأهم بالنسبة إلي هي تلك الحقيقة التي أود التعبير عنها. يواجه القارئ اليوم سيلاً من الإصدارات، ما يجعل من الصعب اختيار الكتب. هل هناك نصيحة توجهينها اليه في هذا السياق؟ جميعنا نواجه هذه الحيرة، وكل ما نستطيع فعله هو الاعتماد على ترشيحات الأصدقاء والاطلاع على الصفحات الأدبية في الجرائد، وأود الإشارة إلى أن الصفحات الأدبية في الجرائد الألمانية تلعب دوراً مهماً ويحرص الجمهور على الاطلاع عليها. كما يمكن مشاهدة البرامج الثقافية التي تقدم نقداً للكتب الحديثة، وأحياناً قد يكتب أحد النقاد رأياً سلبياً عن رواية ما، فيدفعني ذلك إلى قراءتها لا رفضها، لكن في النهاية لا يتوافر ضمان للوصول إلى الكتب الأهم، ولا توجد نصيحة لحل هذه الإشكالية. ما مشاريعك الأدبية المستقبلية؟ أعمل حاليا على كتاب جديد عن والدي الراحل، وحينما أكتب عنه سأكتب بالضرورة عن والدتي أيضاً، وسعيدة للغاية بوجودي في القاهرة الآن، لأنني أتتبع مسار الرحلة التي عاشتها أمي عندما كانت في القاهرة حيث تعلمت اللغة العربية وتعرفت إلى كوكبة من الأدباء المصريين، ثم ترجمت أعمال نجيب محفوظ، في تلك الآونة كنت طفلة صغيرة في ألمانيا الشرقية في ظل النظام الشيوعي الاشتراكي، إذ احتفظوا بي كرهن أو ضمان حتى يضمنوا عودة أمي، فلم يكن مسموحاً إطلاقاً بسفر الأسرة كلها آنذاك، وكان ينبغي أن يبقى أحد أفرادها في البلاد، وفي حالتي بقيت أنا وأبي في ألمانيا إلى حين عودة أمي من مصر. هل سيصدر هذا الكتاب في صورة رواية أم سيرة ذاتية؟ لا يمكنني تحديد ذلك، مهمتي الأساسية هي الكتابة فقط ثم تقديم العمل إلى دار النشر، وهي التي تحدد تصنيفه وهل سيكون عملاً أدبياً أم سيرة ذاتية أم تقريراً حول حياة تلك العائلة، وتغمرني السعادة لأنني لست الشخص الذي عليه أن يقرر ذلك أو يضع عنواناً محدداً للكتاب، لا يشغلني تصنيف الكتاب بقدر ما أركز على مهمتي فقط وهي جمع المعلومات ليمكنني صوغ سيرة أبي وأمي.


صوت لبنان
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- صوت لبنان
الرواية العُمانية نحو الصناعة السينمائية
الشرق ينشغل العُمانيون بتحويل الرواية المحلية إلى أفلام سينمائية، بعد أن حقّق الأدب العُماني نجاحاً عالمياً، وحاز جوائز مرموقة، مثل "بوكر" وغيرها. وتنشط الجمعية العُمانية للسينما في "أفلمة" السرد المحلي، وهو ما أعلنت عنه ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب الـ29، خلال جلسة بعنوان: "تحويل الرواية العُمانية إلى أفلام سينمائية"، أقيمت في مركز المعارض والمؤتمرات. ناقشت الجلسة الخصائص السردية والجمالية في الرواية العُمانية، التي تؤهلها للمعالجة السينمائية، والتحديات الفنية في تحويلها إلى مشهد بصري، والعلاقة بين المؤلف والمخرج وكاتب السيناريو. وقال مدير المهرجان عمار آل إبراهيم في الافتتاح "نحن هنا اليوم لنعبر عن اهتمامنا بالفن والسينما، ولنستكشف الفرص المتاحة لاستثمار هذا الفن الذي يمتلك القدرة على تحقيق التغيير ونشر الوعي، والتعبير عن الهوية الوطنية والعربية، وتوظيفه بشكل جيد في المجتمع". نائب رئيس الجمعية العُمانية للسينما، أنور بن خميس الرزيقي قال: "إن الرواية العُمانية تمتلك حسّاً بصرياً عالياً، وتسرد تفاصيل البيئة والمكان، وهذا يمثّل أهمية كبرى في تحويل الرواية إلى سينما، فالمخرج يبحث عن شخصيات مهمّة ومؤثرة ومعقّدة، فضلاً عن الأحداث المتشابكة والمناطق غير المألوفة في السرد". وأكد أن سلطنة عُمان "تمتاز بتنوّع وثراء ثقافي وتاريخي، وهو ما يُسهم في نجاح صناعة السينما بشكل كبير". وأشار إلى أن الأفلام القصيرة في سلطنة عُمان، "تتميّز بإنتاج عالٍ، وهي حازت على جوائز عدّة على المستوى المحلي والدولي، كما لاقت الأفلام الروائية والوثائقية ترحيباً وتميّزاً". وتحدث نور الدين بن موسى الهاشمي، كاتب ومؤلف مسرحي، عن تحويل القصة إلى دراما لها بنية معينة من الأحداث المتطوّرة والمتداخلة بوجود الشخصيات الرئيسة والثانوية والعقدة والحل وعنصر التشويق. ولفت إلى أن القصة العُمانية "واعدة واستحقّت مكانتها على المستوى العربي والعالمي، ويمكن تحويلها إلى دراما كأفلام ومسلسلات؛ فهي لا تقتصر على الترفيه وإنما لها أهداف اقتصادية وثقافية، وتسهم في طرح قضايا المجتمع". وكان مهرجان مسقط السينمائي الدولي انعقد في دورته الحادية عشرة، في مارس 2025 تحت شعار "عُمان المتجددة". تجدر الإشارة إلى أن السينما العُمانية لها دور فاعل في التعريف بالتراث العُماني الغني والتنوّع الطبيعي والثقافي التي تتميّز به السلطنة، وتعزّز الترويج للسياحة الثقافية. الأيام الثقافية السعوديةشهدت فعاليات الأيام الثقافية السعودية التي يستضيفها معرض مسقط للكتاب، جلسة حوارية بعنوان "المواقع الأثرية في السعودية وسلطنة عُمان: كنوز الماضي ورهان المستقبل"، تناولت أهم المواقع الأثرية التي تميّز بها البلدان ثقافياً وتاريخياً، والتي تشكل مدخلاً لفهم الهوية الثقافية للمنطقة. وأكدت الدكتورة حصة الشمري، أستاذة الآثار والمتاحف في جامعة الأميرة نورة السعودية، أن سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، "تأتيان في مقدّمة دول الخليج العربي التي تحتضن تنوّعاً لافتاً في المواقع الأثرية، يعود بعضها إلى العصور الحجرية والبرونزية، ويمتدّ للفترات الإسلامية المتأخرة، ما يؤكد استمرارية التطوّر الحضاري لهذه البقعة الجغرافية عبر آلاف السنين". وأشارت إلى إن منطقة الخليج العربي، "تعدّ من أغنى المناطق في العالم التي تحظى بالتراث الأثري والتاريخي، نظراً لموقعها الجغرافي والحيوي والاستراتيجي، وكانت ملتقى للحضارات من خلال القوافل التي تركت بصماتها المتنوّعة، سواء في العمارة أو الفنون أو الكتابة". واستعرضت الشمري أبرز المواقع الأثرية في السعودية وسلطنة عُمان، ومن بينها منطقة حائل في شمال المملكة، التي تضم العديد من الفنون الصخرية، وواحة الأحسام التي تمّ تسجيلها عام 2018 كأحد الواحات القديمة، وحمى نجران وهي مكان تجمع النقوش المكتوبة، ومحمية كاشت التي تعد أوّل موقع تراثي طبيعي في السعودية. كما ذكرت موقع "الفاو" في وادي الدواسر، الذي يعتبر تجربة حيّة للتعرف على أساليب البناء القديمة للأسواق والمعابد والآبار والرسوم الجدارية، وسمّي بهذا الاسم لأنه يقع على فوهة وادي. واستعرضت أبرز المواقع الأثرية في سلطنة عُمان ومنها، موقع بات والخطم والعين في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، التي تعود للعصر البرونزي، وتضم مدافن دائرية الشكل تسمى بمدافن خلايا النحل، وحصن بهلاء، الذي يحمل تصميماً دفاعياً وأسواراً، فضلاً عن الأفلاج التي تشكّل أنظمة الريّ القديمة وتمثل هندسة معمارية متقدّمة.


النهار
٣١-٠٣-٢٠٢٥
- النهار
فساتين زهير مراد في حفل بيلبورد 2025 تتصدّر صفحات "السوشيل ميديا" (صور)
زينت المؤثرات في عالم الموسيقى السجادة الحمراء في حفل بيلبورد 2025 للنساء في الموسيقى، الذي أقيم في مسرح يوتيوب في هوليوود بارك في إنغلوود، كاليفورنيا، السبت 29 آذار/مارس الفائت. وكان للمصمم اللبناني العالمي زهير مراد حضور لافت على السجادة الحمراء، إذ تألّقت كل من جيني كيم وبيكي جي بفستانين رائعين من مجموعة الملابس الجاهزة لموسم ما قبل خريف 2025. في ما يأتي، تشاهدون بالصور هاتين الإطلالتين اللتين طبعتا الحفل بالرقيّ اللبناني الذي بات منافساً متقدّماً في الموضة العالمية: جيني كيم بفستان عنّابي من زهير مراد تألقت جيني كيم، المعروفة أيضاً باسم جيني، الحائزة على جائزة بيلبورد للنساء في الموسيقى، وهي ترتدي فستاناً متوسط الطول باللون العنابي، بقصّة الصدر على شكل قلب، مزيناً بالكريستال من مجموعة زهير مراد للملابس الجاهزة لموسم ما قبل خريف 2025. جيني كيم بفستان من زهير مراد على السجادة الحمراء في حفل بيلبورد 2025 (المصدر: إنستغرام زهير مراد) بالكورسيه الأبيض من توقيع زهير مراد أطلت المغنية بيكي جي إطلالة جميلة خلال حفل توزيع جائزة بيلبورد للنساء في الموسيقى، مرتدية فستاناً أبيض ضيقاً مع قصّة الكورسيه على الصدر وفتحة العنق على شكل رسن، مزيناً بتفاصيل فضية معقدة من مجموعة زهير مراد للملابس الجاهزة لموسم ما قبل خريف 2025. بيكي جي بفستان من توقيع زهير مراد في حفل بيلبورد 2025 (المصدر: إنستغرام زهير مراد)