logo
الإقتصاد اللّبناني بين الحرب والعقوبات : أزمة متعدّدة الجبهات

الإقتصاد اللّبناني بين الحرب والعقوبات : أزمة متعدّدة الجبهات

بيروت نيوزمنذ يوم واحد

في ظلّ ما نشهده من تقاطع أزمات متزامنة يواجه الإقتصاد اللبناني في الآونة الأخيرة إختناقا' غير مسبوق ، من إستمرار للعدوان الإسرائيلي وما يحمله من تداعيات أمنية وإنسانية وإقتصادية جسيمة من جهة ، وتشديد العقوبات الغربية على مؤسسات وقطاعات حيوية ترتبط بملفات بملفات إقليمية ودولية من جهة أخرى ، ما يهدّد إستقراره المهنك ويدفع بإقتصاده إلى مفترق طرق خطير من أزمات جديدة قد تعصف بما تبقّى من ركائز إقتصادية وإجتماعية.
إقتصاد تحت الحرب البنية التحتية
عقب الحرب الإسرائيلية على غزة ( أكتوبر ٢٠٢٣) تصاعدت التوترات على الحدود الجنوبية للبنان وتوسعت العمليات العسكرية إلى حرب شرسة شنّت على لبنان .ووفق تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في اوكتوبر ٢٠٢٤ ، تم تسجيل أكثر من ١،٥ مليون نازح داخلي ، فيما تعرضت أكثر من ٨٥ بلدة لأضرار مباشرة ودمار شبه كامل نتيجة القصف الإسرائيلي بالإضافة تضرر بنى تحتية حيوية كمحطات كهرباء ومراكز صحية ومؤسسات تربوية.
وأشار تقرير البنك الدولي ( مارس ٢٠٢٥) إلى الأضرار المباشرة في البنية التحية في الجنوب قدّرت بأكثر من ١،٢ مليار دولار ،مما يعمّق الفجوة التمويلية في موازنة البلديات والدولة المركزية .
القطاعات الانتاجية
وفق وزارة الزراعة اللبنانية ،إنّ الخسائر الزراعية في الجنوب خلال العام ٢٠٢٤ بلغت أكثر من ٤٥٠ مليون دولار وتجدر الإشارة إلى أنّ القطاع الزراعي الذي يشكل عصب الإقتصاد الجنوبي تعرّض لضربة قاسية نتيجة للقضاء على آلاف الدنومات المزروعة والتي باتت غير قابلة للإستصلاح والزراعة نتيجة للقصف وانتشار الألغام .
أما القطاع الصناعي ،فقد شهد توقف أكثر من ٩٠ منشأة صغيرة ومتوسطة في محافظتي الجنوب والنبطية ،حسب تقرير جمعية الصناعيين اللبنانيين ،مما أدّى إلى تسريح آلاف العمال قسرا' .
العقوبات وتجميد الدورة المالية
تندرج العقوبات الغربية ضمن حزمة من السياسات الرّدعية تجاه فاعلين سياسيين وعسكريين محليين ومؤسسات ، وتشير وزارة الخزانة الأميركية إلى أنّ أكثر من ١٢٠ كيانا' وشخصية لبنانية خاضعة حاليا' للعقوبات المالية منذ ٢٠١٩ منها مصارف وشركات صيرفة ،ما أدّى إلى تضييق الخناق على القطاع المصرفي اللبناني الذي يعاني من أزمة سيولة حادّة ،فحسب جمعية المصارف اللبنانية إنّ أكثر من ٣٩% من التحويلات المصرفية الخارجية باتت مرفوضة أو مؤجلة بسبب شبهة إرتباطها بالجهات المعاقبة .
وفي تقرير لبنك بيبلوس ( أبريل ٢٠٢٤) فإنّ إستمرار هذه الإجراءات أدّى إلى تراجع في حجم الودائع الأجنبية بنسبة ٢٢% خلال عام واحد وارتفاع كلفة التحويلات من الخارج بما يصل إلى ٧%.
نموّ الإقتصاد الموازي
بات الإقتصاد غير الرسمي ، يمثّل منافسا' غير شرعي للكثير من القطاعات ومتنفّسا' للكثير من الفئات .بحسب صندوق البنك الدولي ( ديسمبر ٢٠٢٤) أنّ حجم الإقتصاد غير الرسمي في لبنان تجاوز ٥٥% من الناتج المحلي الإجمالي.
الأزمة المركّبة دفعت إلى ازدهار شبكات محلية ودولية تتجاوز الرقابة المالية التقليدية ، ما وضع لبنان تحت مجهر التصنيفات الدولية . في فبراير ٢٠٢٤ أصدرت مجموعة العمل المالي (FATF ) تقريرا' يحذّر من وضع لبنان على 'قائمة المتابعة المكثّفة' بسبب ضعف الإجراءات الرقابية على قطاعات المصارف والحدود والجمعيات ، ويتقاطع هذا التصنيف مع إدراج لبنان على اللائحة الأوروبية السوداء مطلع الأسبوع الماضي حزيران ٢٠٢٥ .
تراجع الإستثمارات وتهديد الأمن الشّامل
تأثير الحرب والعقوبات لم يقتصر على المناخ الإستثماري بل انسحب إلى الأمن الغذائي والإجتماعي أيضا' ، في تقرير UNCTAD عن الإستثمار العالمي ٢٠٢٤ تراجع تدفق الإستثمارات الأجنبية المباشرة إلى لبنان بنسبة ٦٨% مقارنة بالعام ٢٠٢٢ ، في أدنى مستوى له منذ عام ٢٠٠٥ كما انسحبت شركات خليجية وأجنبية من مشاريع في البنى التحتية والسياحية.بالمقابل تسبب النزوح الداخلي جراء الحرب والضغوط على شبكة الدعم الإجتماعي في ظل إنهيار سعر الصرف إلى إرتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة ٤٠٠% منذ ٢٠١٩ بحسب برنامج الأغذية العالمي (WFP ) ، ويشير تقرير (المرصد اللبناني لحقوق الإنسان ٢٠٢٤) إلى أنّ أكثر من من ٨٢% من السكان أصبحوا تحت خط الفقر بينما ٣٦% يعيشون فقرا' مدقعا' منذ العام ٢٠١٩ مما عمّق فجوة الإنتقام الطّبقي ، وهدّد الإستقرار الإجتماعي وفتح الباب أمام موجات هجرة جديدة في حين بقيت غالبية المساعدات الدّولية موجّهة إلى برنامج الإغاثة واللاجئين وتخضع لشروط الحوكمة مقابل استبعاد كيانات مصنّفة ضمن العقوبات .
لبنان بين العجز والضغط الدّولي
في ظل إستمرار العمليات العسكرية والتصعيد الإسرائيلي في المنطقة وتعقّد العلاقات المالية والإقتصادية مع الغرب يواجه لبنان سيناريوهات صعبة أبرزها إنكماش إقتصادي مستمرّ حيث يتوقع صندوق النقد الدّولي أن يبقى النمو الإقتصادي دون ١% مع إحتمال تسجيل إنكماش فعليّ وصولا' إلى معدلات نمو إنكفائية في حال توسّع رقعة النزاع.
من جهتها أعلنت الحكومة اللبنانية أنّ عجز الموازنة لعام ٢٠٢٤ تجاوز ٥،٨ مليار دولار ،أي ما يفوق ١٨% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة تراجع الإيرادات وزيادة النفقات الطارئة الإجتماعية ، إلى جانب تقييد التحويلات بسبب العقوبات الذي يؤدي إلى إنكماش النقد الأجنبية ما سيرفع أسعار الموارد المستوردة ويحدّ من قدرة الدولة على التخطيط لمشاريع تنموية أو إعادة الإعمار في الجنوب ويساع الإنهيار الإجتماعي.
في لحظة حرجة من تاريخ لبنان الحديث يواجه الإقتصاد اللبناني تداعيات الحرب الإسرائيلية التي آمتدّت آثارها على كامل النسيج الإقتصادي والإجتماعي في البلاد وضغوط العقوبات الغربية التي تخنق ما تبقى من الدورة المالية الرسمية ، وتدفع البلاد نحو إقتصاد غير رسمي .
من هنا ،تبدو الخيارات المتاحة أمام الدولة اللبنانية محدودة ،إذ أنّ الخروج من الأزمة المزدوجة يتطلّب توافقا' سياسيا' داخليا' على الإصلاح أولا' والإلتزام بتطبيق القرارات الدولية وإعادة بناء الثّقة بالمؤسسات الإقتصادية والمالية ،إضافة إلى مقاربة تنموية ترتكز على العدالة الإجتماعية والشفافية ، لا إلى التوازنات الطائفية والسياسية التي رمت بثقلها على البلاد لعقود .

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

موجودات المركزي السعودي ترتفع إلى 2 تريليون ريال بنهاية مايو
موجودات المركزي السعودي ترتفع إلى 2 تريليون ريال بنهاية مايو

بنوك عربية

timeمنذ 42 دقائق

  • بنوك عربية

موجودات المركزي السعودي ترتفع إلى 2 تريليون ريال بنهاية مايو

بنوك عربية أظهر التقرير الشهري للبنك المركزي السعودي (ساما) الصادر مساء أمس ارتفاعاً في إجمالي الموجودات بنسبة 4.66% بنهاية شهر مايو 2025 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بزيادة بلغت نحو 90 مليار ريال. ووصل إجمالي الموجودات إلى مستوى 2 تريليون ريال، أي ما يعادل 532 مليار دولار، مقابل 1.91 تريليون ريال (508 مليارات دولار) في مايو 2024. ومن ناحية أخرى، سجلت الموجودات نمواً شهرياً بنسبة 4.22% مقارنة بمستويات أبريل 2025 التي كانت عند 1.919 تريليون ريال (510 مليارات دولار). كما شهد بند النقد في الصندوق زيادة ملحوظة بلغت 13.08%، حيث بلغ 25.51 مليار ريال بنهاية مايو الجاري مقابل 22.56 مليار ريال في ذات الشهر من العام الماضي، كما ارتفع بند الموجودات الأخرى بشكل كبير بنسبة 78.35% ليصل إلى 273.85 مليار ريال. في الجهة المقابلة، تراجع بند الاستثمارات في الأوراق المالية بالخارج بنسبة 4.72% ليصل إلى 969.51 مليار ريال، كما انخفضت الودائع لدى البنوك الخارجية بنسبة 1.48% لتستقر عند 436.86 مليار ريال بنهاية مايو 2025.

18.6 مليار دولار ارتفاع تحويلات الوافدين في السعودية
18.6 مليار دولار ارتفاع تحويلات الوافدين في السعودية

بنوك عربية

timeمنذ 43 دقائق

  • بنوك عربية

18.6 مليار دولار ارتفاع تحويلات الوافدين في السعودية

بنوك عربية شهدت تحويلات الوافدين العاملين في المملكة العربية السعودية نمواً ملحوظاً خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، مسجلةً ارتفاعاً بنسبة 25.5% على أساس سنوي. ووفقاً لإحصائية أعدها 'مباشر' بناءً على بيانات البنك المركزي السعودي 'ساما'، بلغت قيمة هذه التحويلات 69.83 مليار ريال (18.62 مليار دولار)، مقارنةً بـ 55.64 مليار ريال (14.84 مليار دولار) خلال الفترة نفسها من عام 2024، بزيادة مالية قدرها 14.19 مليار ريال (3.78 مليار دولار). وأسهم شهر مايو/أيار وحده في هذا النمو الإيجابي، حيث ارتفعت تحويلات الوافدين خلاله بنسبة 20.66% سنوياً لتصل إلى 15.2 مليار ريال (4.05 مليار دولار)، مقابل 12.6 مليار ريال (3.36 مليار دولار) في مايو 2024، كما شهد الشهر ارتفاعاً شهرياً ملحوظاً بنسبة 20.49% مقارنةً بقيمتها في أبريل/نيسان والتي بلغت 12.61 مليار ريال (3.36 مليار دولار). ويأتي هذا النمو متصلاً بأداء قوي في الأشهر السابقة، حيث سجل شهر مارس/آذار 2025 تحويلات بقيمة 15.49 مليار ريال (4.13 مليار دولار)، وهي أعلى قيمة شهرية تشهدها التحويلات منذ حوالي 9 سنوات (105 أشهر)، منذ أن بلغت 15.84 مليار ريال (4.22 مليار دولار) في يونيو/حزيران 2016. ويعزز هذا النمو في بداية 2025 المسار التصاعدي الذي شهدته تحويلات الوافدين خلال عام 2024 كاملاً، والتي ارتفعت بنسبة 13.69% عن عام 2023، مسجلةً 144.19 مليار ريال (38.45 مليار دولار) مقابل 126.83 مليار ريال (33.82 مليار دولار)، بزيادة قدرها 17.37 مليار ريال (4.63 مليار دولار). من جهة أخرى، ارتفعت تحويلات المواطنين السعوديين خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025 بنسبة 12.79% على أساس سنوي، لتصل إلى 29.76 مليار ريال (7.94 مليار دولار) مقارنةً بـ 26.39 مليار ريال (7.04 مليار دولار) في الفترة ذاتها من 2024. ومع ذلك، شهد شهر مايو/أيار انخفاضاً سنوياً في تحويلات السعوديين بنسبة 11.17%، حيث بلغت 5.49 مليار ريال (1.46 مليار دولار) مقابل 6.18 مليار ريال (1.65 مليار دولار) في مايو 2024، بينما سجلت ارتفاعاً طفيفاً شهرياً بنسبة 0.7% عن أبريل/نيسان 2025.

خبر إيجابي من مصرف لبنان عن الدولار
خبر إيجابي من مصرف لبنان عن الدولار

التحري

timeمنذ ساعة واحدة

  • التحري

خبر إيجابي من مصرف لبنان عن الدولار

تمكن مصرف لبنان مؤخراً من زيادة احتياطاته من العملات الأجنبية التي تراوحت بين 11.3 و 11.5 مليار دولار خلال مُنتصف شهر حزيران 2025. وللمقارنة، فإنه في منتصف شهر أيار 2025، كان الاحتياطي من العملات الأجنبية يتراوح بين 11.15 و 11.20 مليار دولار وتحديداً 11.17 مليار دولار. وعليه، فإن الزيادة تقدر بـ130 مليون دولار خلال شهر واحد (من منتصف أيار ولغاية منتصف حزيران 2025). إلى ذلك، قالت مصادر مالية لـ 'لبنان24' إنَّ المسار التصاعدي لإرتفاع الموجودات قائم بشكل دوري، وهو لا يقل عن 150 مليون دولار شهرياً. وعليه، تلفت المصادر إلى أن هذا الأمر يُرسي نوعاً من الاستقرار على صعيد الموجودات النقدية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store