
العرب بين مطرقة الصهيونية وسندان الولي الفقيه
العرب بين مطرقة الصهيونية وسندان الولي الفقيه
قبل 1 دقيقة
منذ الحرب العالمية الأولى لم تكن المنطقة العربية بمعزل عن التحولات والصراعات العسكرية التي شهدها العالم وكانت في كثير من الأحيان مسرحًا لها وضحية مباشرة أو غير مباشرة لتداعياتها ونتائجها. ولعبت القوى الدولية أدوارًا محورية في رسم خريطة المنطقة وتقاسم النفوذ فيها وتحويلها إلى ساحة مفتوحة لتجريب سياساتها وأسلحتها ونظرياتها السياسية
.
وخلال العقود السابقة كان الحضور العربي غالبًا إما تابع أو هامشي أو سلبي رغم أن الثمن كان يدفع من أرواح أبنائه ومن استقرار دوله ومن تماسك مجتمعاته.
اليوم يقف العرب في مفترق طرق أكثر تعقيدًا في ظل صراع مرير على النفوذ الإقليمي بين قوتين غير عربيتين تسعيان كل بطريقتهما لفرض الهيمنة على المنطقة. فالأولى الكيان الصهيوني الذي يواصل مشروعه الاستيطاني والعنصري في فلسطين، يستند على دعم غربي واسع النطاق، وتحالفات أمنية واقتصادية متعددة في المنطقة. والثانية الكيان الإيراني الذي يسوق مشروعه العقائدي المستند إلى الولي الفقيه ويعمل على تصدير نموذجه الثيوقراطي من خلال دعم جماعات مسلحة واختراق مؤسسات الدولة في عدد من البلدان العربية عبر مليشيات أرهابية.
المؤسف أن الساحة العربية باتت في كثير من مواقعها مستباحة لهذه المشاريع التي تتقاطع في أحيان وتتصارع في أحيان أخرى لكنها تتفق جميعها في أن ثمن تمددها يدفع من الجغرافيا العربية ومن النسيج العربي ذاته. ولا أحد يستطيع أن ينكر حجم النفوذ الذي باتت إيران تملكه في العراق ولبنان واليمن ولا يمكن القفز فوق ما تقوم به إسرائيل من توسيع للمستوطنات وتهويد للقدس وعدوان متكرر على الشعب الفلسطيني في ظل صمت دولي وعجز عربي.
وبين هذا وذاك يجد العرب أنفسهم في موقع المتفرج أحيانا بانعدام القرار، وأحيانا بالتورط في محاور صراع لا تخدم مصالحهم وأحيانا أخرى بقبول أدوار ثانوية تفقدهم القدرة على التأثير وغابت المشاريع العربية الجامعة وغابت الإرادة السياسية القادرة على تشكيل موقف موحد تجاه التحديات الكبرى فتحول العالم العربي إلى مشهد منقسم من المواقف المتضاربة والمصالح الضيقة ما أتاح للأطراف الخارجية مساحة أوسع للعبث بمصير الشعوب العربية وتمزيق الأوطان وتفكيك الدولة الوطنية.
اللافت أن القوى التي تتصارع على المنطقة لا تخفي أهدافها ولا تنكر نواياها فإسرائيل تعلن أن لا انسحاب من الأراضي المحتلة ولا دولة فلسطينية وتعمل على فرض وقائع ميدانية من خلال القوة وإيران تصر على دعم أذرعها المسلحة وتغذي الانقسامات الطائفية والمليشيات وتوظف الدين لخدمة مشروعها السياسي وفي المقابل تفتقر الدول العربية إلى مشروع مضاد أو حتى إلى آليات حقيقية للدفاع عن أمنها ومصالحها وهويتها فيما تتسارع الأحداث لتفرض واقعًا إقليميًا جديدًا لا مكان فيه للضعفاء.
إن استمرار هذا الواقع يشير إلى خطر استراتيجي يتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة ليصل إلى بنية المجتمعات وهويتها وتماسكها الثقافي والديني والوطني. فكلما طال زمن التشتت وكلما تأخر العرب في استعادة المبادرة ازدادت فرص القوى الدخيلة للتمدد وتعاظمت الخسائر على مختلف المستويات وما لم يتحول الإدراك العربي لحجم الخطر إلى فعل حقيقي فإن السنوات القادمة قد تحمل تغييرات أكثر جذرية ليس فقط في خرائط النفوذ بل في تركيبة الدول والمجتمعات العربية نفسها.
لم يعد مقبولًا أن يبقى العرب في مقعد المتفرج بينما تدار الحروب على أراضيهم وترسم خرائط المنطقة فوق أجساد أبنائهم ولقد آن الأوان لاستعادة الفعل العربي عبر مشروع نهضوي جامع يعيد الاعتبار لفكرة الدولة وللنسيج المجتمعي وللهوية الجامعة ويقف في وجه كل مشاريع الاستتباع والاختراق والهيمنة فإما أن يكون العرب شركاء في صياغة مستقبلهم أو سيظلون كما في القرون الماضية ضحايا لصراعات الغير وأدوات في معارك لا تخصهم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 7 ساعات
- Independent عربية
من هانيبال إلى الأسد... حروب أسقطت قادة
تزخر سجلات التاريخ بوقائع سقوط قادة جروا بلادهم إلى حروب خاسرة، وبين الحسابات الخاطئة واختلال موازين القوى دفع كثير من الزعماء ثمن قراراتهم، إما بالعزل أو النفي، وأحياناً القتل. تبدو المعادلة بسيطة على مدى التاريخ، فالصراعات التي كثيراً ما حملت طابع الثأر الشخصي أو السعي وراء مجد تاريخي، لا تكون عواقبها خسارة معركة، بل قد تؤدي إلى نهاية حكم أسرة أو سقوط دولة بأكملها. سم الخلاص منذ ما قبل الميلاد بدأت حكاية الحروب التي أسقطت القادة، إذ تشير كتب التاريخ إلى معركة زاما عام 202 قبل الميلاد، التي كانت بداية النهاية لأسطورة قائد قرطاجة هانيبال، أحد أشجع وأشهر القادة العسكريين تاريخياً. في خضم الحرب البونيقية الثانية بين الرومان والقرطاجيين، خاض الجيشان كثيراً من المعارك لحسم السيطرة على البحر المتوسط، لكن المحطة الأهم كانت في منطقة زاما الواقعة حالياً في تونس، حيث كانت الغلبة لقائد الجيش الروماني سكيبيو، الذي لقب بالأفريقي لاحقاً. وبعد هزيمة قرطاجة، نفي هانيبال إلى سوريا، حيث واصل مناوأة روما، وحين وجد أنه مهدد بالتسليم لأعدائه الرومان اختار الانتحار بتجرع السم. السم أيضاً كان السبيل للفرار من تبعات الهزيمة في حرب أخرى دارت رحاها قبل الميلاد في حوض البحر المتوسط، فمعركة أكتيوم البحرية عام 31 قبل الميلاد كانت حداً فاصلاً في الصراع على حكم روما بعد يوليوس قيصر، بين أوكتافيوس (الإمبراطور أغسطس قيصر لاحقاً) ومن ناحية أخرى مارك أنطوني الذي تحالف مع كليوباترا ملكة مصر، اللذين كتبا في التاريخ كقصة حب انتهت بصورة مأسوية. استعانة ماركوس أنطونيوس بكليوباترا، التي كان لها ولد من يوليوس قيصر، فتح باب حرب أهلية طاحنة في الدولة الرومانية، دارت رحاها على جانبي البحر المتوسط، إلى أن حسمت قوات أوكتافيوس معركة أكتيوم، لتبدأ مرحلة تقهقر حلف كليوباترا ومارك أنطوني، حيث تفرق جنودهما وتراجعا إلى الإسكندرية عاصمة الدولة البطلمية. وبعدما أشاع أوكتافيوس أن كليوباترا قتلت، انتحر مارك أنطوني، ثم لحقت ملكة مصر بحبيبها وحليفها منتحرة أيضاً بعد عام من معركة أكتيوم. حروب عالمية كثيراً ما قضت الصراعات في القارة الأوروبية على زعامات كانت توصف بالحنكة السياسية والبراعة العسكرية، ولا أدل على ذلك من إمبراطور فرنسا، نابليون بونابرت، الذي أخضع أجزاء واسعة من أوروبا ووصلت جيوشه إلى مصر. لكن معركة واترلو وضعت حداً لأسطورته العسكرية، بعدما هزم أمام تحالف من جيوش المقاطعات التي تشكل ألمانيا حالياً والجيشين الهولندي والبريطاني، في منطقة تقع في بلجيكا حالياً، وذلك بعد إعلان القوى الأوروبية الكبرى أن نابليون شخص خارج عن القانون، وسعت إلى عزله عن حكم فرنسا. بعد المعركة وتدمير معظم جيشه، حاول نابليون الهرب إلا أن القوات البريطانية ألقت القبض عليه، وقضى بقية عمره منفياً في جزيرة هيلانة بالمحيط الأطلسي. كانت تلك المعارك الأوروبية صورة مصغرة لحرب عالمية شكلت طابعاً للنصف الأول من القرن الـ20، وكغيرها قضت على زعماء. في روسيا كان تسجيل خسائر بشرية كبيرة في الحرب العالمية الأولى مقدمة لعزل القيصر نيكولاس الثاني عام 1917، على يد الثوار البلاشفة، الذين لم يكتفوا بإنهاء إمبراطورية عائلة رومانوف التي استمرت 300 عام، وتحديد إقامة القيصر وعائلته، لكنهم أيضاً قرروا إعدامهم بالرصاص في يوليو (تموز) 1918. ومثلما كتب الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر فصل البداية في الحرب العالمية الثانية، فإن تلك الحرب سطرت نهايته، فبعد ستة أعوام أرهقت العالم، وأزهقت أرواح الملايين، وغيرت خرائط العالم، حسمت قوات الحلفاء الحرب لصالحها، وأصبحت على بعد مئات الأمتار من مقر مستشارية الرايخ، لم يجد هتلر بداً من الانتحار بالرصاص خوفاً من الوقوع في يد أعدائه ومواجهة الإعدام كحليفه السابق حاكم إيطاليا، بينيتو موسوليني. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) عزل سياسي الموت لم يكن النتيجة الحتمية لكل الزعماء الذين فقدوا مكانتهم نتيجة الحروب، فالعواقب غالباً كانت سياسية في العقود الأخيرة. في إسرائيل، دفعت رئيسة الوزراء غولدا مائير حياتها السياسية ضريبة للهزيمة في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، التي شنتها مصر وسوريا. وأعقب الحرب اتهامات لحكومة غولدا مائير بضعف الاستعداد للحرب التي مكنت الجيش المصري من عبور قناة السويس إلى سيناء للمرة الأولى منذ هزيمة يونيو (حزيران) 1967. وعلى رغم تبرئة لجنة أغرانات للتحقيق في وقائع الحرب مائير من المسؤولية المباشرة عن الحرب، فإن خسارة حزبها الغالبية في انتخابات ديسمبر (كانون الأول) 1973، دفعها إلى الاستقالة في أبريل (نيسان) 1974، كما تنازلت لاحقاً عن مقعدها في الكنيست (البرلمان) ليكون ذلك نهاية مسيرة أحد أشهر الساسة في تاريخ إسرائيل. المغامرات العسكرية وأطماع التوسع كثيراً ما تؤدي إلى القضاء على أصحابها، وهو ما حدث مع الرئيس العراقي صدام حسين حين غزا الكويت في أغسطس (آب) 1990، في إعادة لمزاعم عراقية قديمة بتبعية الكويت تاريخياً لسيادة العراق. لكن الرئيس العراقي قوبل بإدانة عربية ودولية شديدة، تحولت إلى تحرك لتشكيل تحالف عسكري لتحرير الكويت قادته الولايات المتحدة وشاركت به مصر والسعودية وسوريا إلى جانب دول أخرى. ومثلت تلك الحرب بداية لضعف نظام صدام، إذ دفعت بغداد عشرات المليارات من الدولارات تعويضاً للمتضررين من الحرب، وفرضت عقوبات دولية تسببت في تقويض الاقتصاد وتراجع مستوى الصحة والتعليم بالعراق، وأدى ذلك لاحقاً إلى هزيمة سريعة لصدام من الولايات المتحدة التي احتلت العراق عام 2003، منهية حكم صدام حسين الذي ألقي القبض عليه وأُعدم عام 2006. مغامرة أخرى سبقت حرب الكويت لكن بعيداً من المنطقة العربية، تحديداً في الأرجنتين، حين أعلن رئيس الأرجنتين ليوبولدو غالتييري الحرب على بريطانيا عام 1982 لتحرير جزر فوكلاند الواقعة جنوب الدولة الواقعة بأميركا الجنوبية، لكن نتيجة الحرب كانت متوقعة بالنظر إلى الفارق الكبير بين إمكانات جيشي البلدين، إذ استسلمت الأرجنتين بعد 74 يوماً فقط من المعارك، وهو ما أدى إلى اضطراب داخل المجلس العسكري الحاكم أدى إلى عزل غالتييري بعد أيام من سيطرة بريطانيا على ستانلي عاصمة جزر فوكلاند. اعتقل غالتييري في العام التالي بعد عودة الديمقراطية للأرجنتين، ووجهت له تهم انتهاك حقوق الإنسان، ثم عفي عنه عام 1989، وعاش حياة متواضعة حتى وجهت له اتهامات أخرى عام 2002 إلا أنه توفي في مطلع عام 2003. سقوط تدريجي أحياناً لا يقع الزعماء ضحية معركة واحدة في الحرب، بل تضمحل سلطاتهم تدريجاً عبر أعوام مثلما حدث مع الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الذي واجه ثورة شعبية بدأت عام 2011 ضمن الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة. وبعد مواجهة الثورة بالسلاح ظهرت انشقاقات في الجيش السوري، إضافة إلى ظهور عناصر مسلحة كردية وأخرى مدعومة من تركيا وثالثة ذات خلفية إسلامية سيطرت على أجزاء واسعة من البلاد، بينما ظل الأسد رئيساً لـ"بعض سوريا" بفضل الدعم العسكري من حليفيه روسيا وإيران. غير أن 14 عاماً من الصراع والعقوبات الاقتصادية دفعت إلى سقوط مفاجئ لم يستغرق سوى أيام لنظام دمشق أمام قوات معارضة تسمى "هيئة تحرير الشام" ارتبطت في السابق بتنظيم "القاعدة" المصنف إرهابياً، ولم يجد بشار أمامه سوى الهرب إلى الحليف موسكو، لينتهي عصر آل الأسد الذي استمر 54 عاماً في سوريا، بينما حل رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع محله في قصر الشعب في دمشق.


سواليف احمد الزعبي
منذ 19 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
'حين صار الأسيتون طلاء أظافر… وصار عندهم دولة!'
'حين صار #الأسيتون طلاء أظافر… وصار عندهم دولة!' بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة منذ أيام، أوردت صحيفة نيويورك تايمز، ونقلت عنها قناة الجزيرة، خبرًا عاجلًا مفاده أن مركزًا بحثيًا إسرائيليًا تعرّض لأضرار جسيمة واندلع فيه #حريق هائل بعد استهدافه بصواريخ إيرانية. لم يمر وقت طويل حتى كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن هذا المركز ليس إلا معهد 'وايزمان للعلوم'، أحد أخطر العقول العلمية التي قامت عليها بنية الكيان الصهيوني. ما إن سمعت الخبر، تمنيت – من قلبي لا من عاطفتي – أن يكون المستهدف هو هذا المعهد تحديدًا. فلو كان هناك 'قلب' للكيان الصهيوني خارج المؤسسة العسكرية، فهو #معهد_وايزمان. المعهد الذي لا يصنع فقط العلماء والتقنيات، بل يُنتج كذلك #السياسات والدولة والاستراتيجية والهيمنة. ولا عجب. فهذا المعهد لم يُنشأ بعد تأسيس 'إسرائيل'، بل قَبْله بأربعة عشر عامًا. تأسس عام 1934، أي حين كان بعض العرب يظنون أن التعليم العالي رجسٌ من عمل الاستعمار، أو عندما كان آخرون يعتقدون أن بناء الدولة يبدأ من القصيدة أو من المجالس القبلية. أما الصهاينة فاختاروا طريقًا آخر: العلم، لا العويل. وايزمان… كيميائي يصنع دولة! مؤسس المعهد، حاييم وايزمان، لم يكن جنرالاً، ولا أمير تنظيم، بل كان عالم كيمياء روسيًا. نجح أثناء الحرب العالمية الأولى في تطوير طريقة لإنتاج الأسيتون بالتخمير الصناعي – مادة تُحوَّل بسهولة إلى متفجرات تُستخدم في صناعة الذخيرة. لم يُطالب بريطانيا بمقابل مالي، بل قدّم اختراعه على طبق من العلم، فحصل على ما هو أغلى: وعد بلفور. بعدها، لم يتوجه وايزمان إلى 'الخطابة'، بل إلى تأسيس 'الجامعة العبرية'، ومعهد 'التخنيون'، ومستشفى 'هداسا'، قبل أن يُتوَّج رئيسًا لأول 'دولة' تُبنى على عقل العالم، لا على مزاج الجمهور. المفارقة الكبرى: نحن الذين خُصص لنا وعد إلهي بالعلم، نتعامل معه كمشروع رفاهية، وهم الذين لا نص في كتبهم عن 'اقرأ'، بنوا به كيانًا يهدد المنطقة ويبتزّ العالم. نحن والبحث العلمي… حكاية الحقد على العقل ولكي لا نظلم أنفسنا كثيرًا، لنقف قليلًا أمام محاولة الرئيس جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي لتأسيس 'المركز القومي للبحوث'، ليكون ردًا علميًا على التفوق الإسرائيلي. كانت الفكرة نبيلة، والرؤية وطنية، لكن سرعان ما تكالبت البيروقراطية، والتقشف، والمحاباة، والنكايات السياسية على الفكرة، فاختنقت قبل أن تنضج. تحول المركز من محراب للعلم إلى أرشيف مكدّس للأوراق. مختبراته تنتج 'خطة خمسية لإصلاح الفساد'، لا حلولًا علمية. أما ميزانيته، فصارت أقرب إلى ميزانية مقصف مدرسة، لا مركز أبحاث. بينما في الجانب الآخر من الحدود، كانت ميزانية معهد وايزمان تفوق ميزانيات وزارات كاملة في بعض دولنا. وبينما هم يحوّلون الأسيتون إلى متفجرات استراتيجية، نحن حوّلناه إلى مادة لإزالة طلاء الأظافر، بكل ما في ذلك من رمزية صادمة. عندهم، يتحول المختبر إلى جيش، وعندنا يتحول إلى رفّ مهجور في ممر متهالك من جامعة فقيرة الدعم. النتائج؟ واضحة ومؤلمة. نحن الآن مستهلكون في سوق التقنية، لا مصنعون. زبائن دائمون في حفل العلم الحديث، بلا دعوة. نستورد الرقائق الدقيقة، ونفاخر بتطبيقات مستنسخة. لا نملك أقمارًا صناعية ولا مشاريع بحثية عابرة للحدود، ولا مخترعين يملؤون جوائز نوبل، إلا من هربوا من واقعنا إلى جامعات الخارج. أما الكيان الصهيوني، فمن رحم معهد وايزمان خرجت تقنيات الزراعة الحديثة، وأسلحة الذكاء الاصطناعي، والمنصات التجسسية، والدواء، وحتى أدوات التحكم في وعي البشر عبر المعلومات. بعض باحثي المعهد حصلوا على جوائز نوبل. نحن بالكاد نحصل على جائزة 'أفضل خطبة في مؤتمر التنمية المستدامة'. رسالة من العقل إلى صناع القرار العدو الحقيقي ليس الصاروخ، بل التأخر العلمي. العدو ليس وايزمان، بل التواطؤ الطويل مع الجهل. لا يمكن لدولة أو أمة أن تنهض بلا مؤسسة علمية قوية، حرة، مستقلة، محترمة ومدعومة. لا يمكننا أن ننافس في الحرب إن لم ننتصر أولًا في المختبر. نعم، ما فعلته إيران باستهداف معهد وايزمان هو رسالة سياسية وأمنية، لكنها أيضًا صفعة حضارية لنا جميعًا: أنتم، أيها العرب، لم تفشلوا فقط في الرد على وايزمان… بل فشلتم في تقليده! الختام… بلطخة من الأسيتون في معجم وايزمان، الأسيتون مادة تُصنع منها دولة. في معجمنا، الأسيتون مادة تُلمّع بها الأظافر. وبين الاثنين… فرق حضاري عمره قرن، ندفع ثمنه كل يوم، بالدم، والخسارة، والتبعية. فيا سادة القرار: إن أردتم تحرير الأرض، فابدؤوا بتحرير المختبر. وإن أردتم مجدًا، فدعوا المايكروفون قليلاً… وامسكوا بالميكروسكوب. فالوطن لا يُصنع على الشاشة… بل يُولد في أنبوب اختبار.


وكالة الصحافة اليمنية
منذ يوم واحد
- وكالة الصحافة اليمنية
معركة استخباراتية أجنبية تنذر بالانفجار في عدن
خاص // وكالة الصحافة اليمنية // اتخذت المخابرات التركية من مدينة عدن وحضرموت موطئ قدم لممارسة أنشطتها في المحافظات الجنوبية، بواسطة قيادات حزب الإصلاح في 'مجلس القيادة' والحكومة التابعة للتحالف. وشهدت عدن ولحج وحضرموت وغيرها من المناطق الواقعة على خليج عدن وصولا إلى باب المندب تنافسا محموما بين مشاريع أضاحي العيد التي ينفذها 'الهلال الأحمر التركي' و 'الهلال الإماراتي' الذي يعمل معظم كوادرهما ضمن المخابرات التي تتخذ من الانشطة الإنسانية والاغاثية غطاء لتعزيز نفوذهما في جنوب اليمن. وأصبحت تلك المناطق ساحات للتنافس بين المخابرات الإماراتية والتركية التي نشطت الأخيرة خلال العامين الماضيين كمنافس قوي للهلال الإماراتي في تقديم المساعدات وأدوات الصيد وتوزيع لحوم الأضاحي في محاولة لكسب التأثير والتأييد المجتمعي. وأكدت مصادر سياسية جنوبية معلومات متطابقة أن مهام الهلال التركي استخباراتية بحتة في عدن وبقية المحافظات الجنوبية لأهداف سياسية عبر قيادات ومسؤولين في الحكومة و'مجلس القيادة' التابع للتحالف، عقب فقد مصالح حزبهم بتلك المناطق منذ العام 2019م، مبينة أنها تسعى لاستعادة نفوذها مستقبلا في تلك المناطق عبر المجتمع المحلي بتنفيذ مثل تلك الأنشطة بعد الفشل العسكري والأمني طيلة السنوات الماضية. وأشارت إلى أن التنافس الاستخباراتي التركي والاماراتي أصبح واضحا للعيان في عدن وغيرها من المناطق لتحقيق الأجندات السياسية الخفية بذرائع إنسانية، وسط غياب الانتقالي الجنوبي عن المشهد المعيشي والخدمي، وكأن أمر المناطق لا تعنيه. وأسهم الانهيار المعيشي وعجز الحكومة التابعة للتحالف عن تخفيف معاناة المواطنين بتحويل عدن وغيرها من المناطق لمراكز استخباراتية للإمارات وتركيا والسعودية وأمريكا بما في ذلك للكيان الصهيوني، وسط صراع نفوذ خفي مستقبلي لاسيما بين تركيا والإمارات التي تتواجدان في الجهة المقابلة للسواحل اليمنية الغربية وتحديدا في الصومال عند القرن الأفريقي المطل على خليج عدن ومضيق باب المندب. وظهرت الأنشطة الاستخباراتية التركية والإماراتية تحت غطاء الإنسانية بصورة مفاجئة خلال الآونة الأخيرة لتكون الأكثر حضورا في 'عدن، لحج، حضرموت، أبين' ليتحول الصراع الخفي إلى حرب نفوذ استخباراتي مع بروز طموحات تركيا لإعادة تواجدها البائد عبر الغزو الفكري والإعلامي للمجتمعات العربية بتسويق المسلسلات التاريخية التي تنافي واقع الاحتلال العثماني للأراضي العربية حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى. وكشفت تجربة أرخبيل سقطرى اليمنية الواقعة شرق خليج عدن نموذجا للتحول من العمل الإنساني إلى السيطرة العسكرية السعودية الإماراتية بالشراكة مع الكيان الاسرائيلي التي بدأ التواجد الأجنبي بالجزيرة عبر الهلال الإماراتي لتقديم المساعدات الإنسانية لأبناء الجزيرة عقب اعصار 2016. وتوسعت الأنشطة الإماراتية عبر 'مؤسسة خليفة' ليتحول تواجدها لاحقا إلى انتشار عسكري بالجزيرة وصولا لإنشاء قاعدة عسكرية اسرائيلية في جزيرة عبدالكوري عقب التطبيع بينهما خلال 2020م. ويحذر السياسيون من تكرار السيناريوهات الإماراتية، مع تركيا في عدد من المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف، جراء التنافس الاستخباراتي الخفي على كسب الولاءات عبر المساعدات المختلفة بين الأهالي جراء غياب الدولة في تلك المناطق لتحقيق مصالح اقتصادية بالقرب من الممر البحري الهام في باب المندب. إن تنفيذ تلك الانشطة الاستخباراتية تحت غطاء المساعدات الإنسانية معركة خفية تحضر للانفجار الحقيقي بينها خلال المرحلة المقبلة، وتطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل النفوذ الأجنبي في جنوب اليمن، وما الذي يجب على أبناء المناطق تلك القيام به خلال المرحلة الراهنة، بعد أن بدأ اللعب بالمكشوف على تنفيذ سياسة التجويع وحرب الخدمات الممنهجة في عدن وبقية المحافظات الجنوبية.