logo
تحقيق لهآرتس: هكذا يطارد الشاباك بدو الداخل الفلسطيني

تحقيق لهآرتس: هكذا يطارد الشاباك بدو الداخل الفلسطيني

الجزيرة١١-٠٥-٢٠٢٥

منذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتعرض الفلسطينيون داخل الخط الأخضر ، وأبناء المجتمع البدوي في النقب خاصة، إلى موجة متصاعدة من الاستهداف الأمني، تقودها أجهزة الدولة الإسرائيلية على رأسها جهاز الأمن العام (الشاباك).
فقد تحوّل التعبير عن الرأي، أو مجرد الإعجاب بمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أو التعبير عن التعاطف مع الشعب الفلسطيني في غزة في "واتساب" إلى مبرر كافٍ لاستدعاءات أمنية وتهديدات وملاحقات تنذر -بحسب ناشطين- بتحوّل النقب إلى "غرفة تحقيق مفتوحة" يعيش أهلها تحت رقابة دائمة.
ورغم أن الممارسات الأمنية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في الـ48 ليست جديدة، فإن ما يحدث في النقب منذ السابع من أكتوبر يشكّل مرحلة نوعية في أساليب الضبط والمراقبة، فإلى جانب أدوات الهدم والتمييز الاقتصادي، تُستخدم أدوات أمنية صارمة تزرع الخوف وتخرس الأصوات.
وإذا كان التعبير عن الرأي بات يهدد مستقبل الطلبة ويجرّ القاصرين وكبار السن إلى غرف التحقيق، فإن التهديد لا يمسّ الأفراد وحدهم، بل بنية المجتمع برمته.
صلاحيات واسعة للشاباك
وفي هذا السياق، كشف تحقيق مطول نشرته صحيفة "هآرتس" عن المدى غير المرئي لتدخلات الشاباك في حياة البدو الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وذلك عبر منظومة ترهيب مدروسة تستهدف البدو الفلسطينيين بالمراقبة اللصيقة، والاستدعاءات الأمنية، والتهديدات المباشرة، والابتزاز الشخصي والعائلي، ومحاولة تجنيدهم أو إسكاتهم.
كما يسلط التقرير الضوء على محاولات جهاز الشابك توظيف صلاحياته شبه المطلقة أمنيا لتصفية الحسابات مع من يرفضون العمل معه، أو يحاولون التعبير عن هوية وطنية، بينما يُكافأ المتعاونون بتسهيلات حياتية أساسية.
ويصف التحقيق كيف تتحول لقاءات "الدعوة إلى التعاون" إلى لحظات ابتزاز نفسي ومجتمعي، تستغل فيها هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبدو.
ويستهدف الشاباك -حسب ما كشفه التحقيق- شبانًا في مقتبل العمر، بعضهم لا تتجاوز أعمارهم 17 عاما، ويُستدعون دون مبرر قانوني إلى مراكز التحقيق، حيث يُهدَّدون بمنع من السفر أو الطرد من العمل أو الحرمان من مقاعد الدراسة، إذا لم يوافقوا على التعاون. وفي حالات أخرى، تتلقى العائلات مكالمات مفاجئة من ضباط الشاباك يُطلعونهم فيها على تفاصيل خاصة بحياة أبنائهم لإيصال رسالة واضحة "نراك، ونعرف كل شيء عنك".
ويظهر من التحقيق أن الشاباك لا يكتفي بالمراقبة، بل يمارس دورًا أمنيا اجتماعيا يقوم على صناعة شبكة من الضغط النفسي والعزلة المجتمعية، تدفع الشباب إما إلى الانطواء، وإما إلى الهجرة أو الانخراط القسري في التعاون.
ألعاب إلكترونية تقود للتحقيق
من بين الحالات الصادمة التي وثّقتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية حالة الفتى "نور" (اسم مستعار)، وهو طالب ثانوي من إحدى القرى البدوية في النقب، قاده شغفه بألعاب على الإنترنت -دون أن يتوقع ذلك- إلى مواجهة مباشرة مع محققي الشاباك.
فمنذ أن خرج من لقائه بالشاباك "لم يعد كما كان"، كما تقول والدته لطيفة (اسم مستعار)، أما هو فقال لأمه "أمي، لن أنسى هذا أبدًا".
وتروي والدته أن سبب الاستدعاء كان تواصله أثناء اللعب مع شخص من غزة، وأن المحققين أظهروا له تسجيلًا لتلك المحادثة، وكذلك ما شاهده عبر الإنترنت من مواد إعلامية، مثل قناة "الجزيرة" وأغان عربية "غير مُصرح بها"، فبسبب ذلك "اتهموه بالتحريض على الإرهاب وهددوه بإرساله إلى غزة. قالوا له إنهم يعرفون كل شيء عنه".
وقبل الاستجواب، اضطر نور لتوديع أصدقائه خشية ألا يعود. كما خضع -خلال التحقيق- هو ووالده لتفتيش مهين داخل مجمع سري في النقب، وطُلب منهما خلع ملابسهما، ونتيجة لك يعاني -منذ ذلك الحين- من آثار نفسية عميقة.
وتقول والدته إنه عانى من الاكتئاب لمدة أسبوعين، وبالكاد يستطيع التواصل، ولم يكن يجلس معنا لتناول الطعام. وقال لها "يا أمي، البلد مختلف، هذه ليست بلادنا".
حملة إسكات ممنهجة
وبحسب الصحيفة، تحدث نحو 20 شخصًا من سكان النقب عن ممارسات متزايدة من الشاباك تمس جوهر الحقوق المدنية. وتؤكد الشهادات أن الانتقاد السياسي، حتى في الرسائل الخاصة عبر "واتساب"، صار سببًا كافيًا للاستدعاء، خاصة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة.
ويقول ثامر (اسم مستعار) أحد الناشطين السياسيين، إن "الجميع يعرف شخصًا تم استدعاؤه للاستجواب، وأحيانا بسبب إعجاب أو تعليق بسيط على منشور". ويضيف "الشعور السائد هو أن الكلام أصبح ممنوعا. نحن نقترب من واقع شرطة فكرية حقيقية".
أما هشام (اسم مستعار) -وهو رجل أعمال عمل في مجال الأمن- فيقول "منذ زمن لم نعد في دولة ديمقراطية فعلية؛ أي منشور عن غزة، أو حتى تحية لقريب هناك، قد تُسبب اختفاء صاحبها ببساطة".
استهداف النساء وكبار السن
الاستهداف الأمني لم يقتصر على الشباب أو الناشطين، بل شمل النساء وكبار السن.
وذكرت هآرتس أن سيدة سبعينية متدينة وجدة لأحفاد تم استدعاؤها أيضًا إلى مقرات الشاباك، وتعرضت للتهديد والتفتيش المهين. ولأسباب أمنية، رفضت هذه السيدة إجراء مقابلة مع الصحيفة.
ويشير ناشط آخر إلى أن "الاستدعاءات لم تعد موجهة للأشخاص بعينهم، بل إلى المجتمع بأكمله". ويضيف "الرقابة موجودة في الهواء، في كل بيت، في كل هاتف. الجميع خائفون من التحدث حتى لأقرب الناس إليهم".
يبدو أن هذه الحملة الأمنية ليست معزولة عن السياق السياسي الأوسع، حيث تشن الأجهزة الإسرائيلية حملة واسعة لتهويد النقب، تشمل عمليات هدم جماعية للقرى غير المعترف بها. ويقول إبراهيم (اسم مستعار)، وهو ناشط اجتماعي مخضرم في النقب، "نشاطي في التصدي لعمليات الهدم هو السبب في استدعائي المتكرر". ويتابع "في إحدى المرات، تم استدعاء والديّ المسنين أيضًا كوسيلة للضغط عليّ. شعرت بالذعر من أن يصيبهما مكروه بسببي".
ويرى محللون أن ما تقوم به الدولة هو "ردع مزدوج يضرب المقاومة السياسية والاجتماعية للبدو، ويقوّض أي إمكانية لبناء حركة مدنية فاعلة".
استهداف التعليم والعمل
من جهته، يقول مدير مركز "عدالة" لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل حسن جبارين للصحيفة إن "تدخل الشاباك في حياة العرب ليس جديدًا، فخلال الحكم العسكري تدخلوا في الزواج والتعليم، وفي بداية الألفية رفعنا التماسا ضد وجود ضابط شاباك داخل وزارة التعليم".
ويضيف "ما نراه اليوم هو إعادة إحياء لهذا التدخل ولكن بطريقة أكثر قسوة، وبغطاء قانوني أقل".
وفي إحدى الحالات التي وثّقتها الصحيفة، لم يكن الشاب المستدعى ناشطًا سياسيا، ولا حتى مهتما بالشأن العام، لكنه تلقى مكالمة من الشاباك لمجرد تواصله مع شخص من غزة في لعبة إلكترونية. وتم تهديده بأنه "في المرة القادمة سيختفي تمامًا".
"رقابة على الهواء"
تقول الصحيفة إن هذه العبارة تكررت على لسان غالبية من قابلتهم "إنهم يراقبونك.. دائمًا في الهواء". وتنقل الصحيفة عن يوسف (اسم مستعار)، أحد وجهاء النقب، قوله إن "الرقابة صارت أسلوب حياة. الجميع يشعر بأن هناك من يتنصت، يقرأ، ويتحين اللحظة المناسبة للانقضاض". وأضاف "نحن نعيش في حالة خوف دائم".
أحد الناشطين قال إنه "حتى المحامون يخشون الدفاع عن المستجوبين لأن التصنيف الأمني يلحق بهم ضررا مهنيا". ويضيف "بعض الأشخاص فقدوا وظائفهم أو حُرموا من الحصول على تصاريح سفر أو تصاريح بناء فقط بسبب تحقيق أمني لم يسفر عن أي اتهام".
واللافت أن كثيرًا ممن تحدثوا إلى هآرتس أصروا على إخفاء هوياتهم، وحتى الامتناع عن ذكر تفاصيل دقيقة عن حياتهم اليومية. بل إن أحدهم قال "لم أعد أتكلم بحرية حتى مع زوجتي. لا أثق في أحد. ليس لأن الناس خونة، بل لأن الخوف تسلل إلى كل الزوايا".
ونقل التقرير عن نشطاء قولهم إن ما يحدث "يؤسس لحالة من التطبيع مع القمع"، حيث "يتعلم الناس كيف يراقبون أنفسهم، ويتفادون المواجهة مع الدولة، ولو على حساب كرامتهم وحقوقهم".
وأوردت الصحيفة في ختام تقريرها رد الشاباك على طلبها التعليق على ما ورد في التقرير، والذي جاء كالتالي "في غياب تفاصيل كافية، بما في ذلك أسماء الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في المقال والذين لم يتم إرسالهم إلينا للنظر فيها، فإنه من غير الممكن معالجة الحالات المذكورة في طلبك".
وجاء في الرد أيضا "يلتزم جهاز الأمن العام بالحفاظ على أمن الدولة ونظام البلد الديمقراطي ومؤسساته ضد التهديدات الإرهابية والتخريبية، ولتحقيق هذه الغاية تعمل الوزارة من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات المخصصة لها ضد أولئك الذين يتماهون مع المنظمات الإرهابية أو يحرضون على الإرهاب والعنف"!

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مسيرة "رقصة الأعلام".. كابوس لسكان القدس القديمة
مسيرة "رقصة الأعلام".. كابوس لسكان القدس القديمة

الجزيرة

timeمنذ 35 دقائق

  • الجزيرة

مسيرة "رقصة الأعلام".. كابوس لسكان القدس القديمة

"في هذا اليوم بالتحديد نشعر أننا مسجونون ليس داخل منازلنا فحسب، بل سجناء الخوف أيضا، الطرق مغلقة والشرطة تتجول في كل زقاق، والمستوطنون يصرخون ويغنون ويستفزوننا بالأعلام الإسرائيلية، ونحن محاصرون ويُمنع علينا التحرك أو العيش بشكل طبيعي.. حتى الهواء نشعر أنه ليس من حقنا استنشاقه في ذلك اليوم". بهذه الكلمات أجابت الشابة (ل.ع) التي تسكن في البلدة القديمة بالقدس عند سؤالها كيف تؤثر احتفالات اليهود بيوم " توحيد القدس" على حياتهم، إذ يتهيأ سكان العتيقة قبيل حلول هذه المناسبة الوطنية الإسرائيلية. وتعد مسيرة الأعلام أو ما يعرف بـ" رقصة الأعلام" من أبرز مظاهر سياسات تهويد شرقي القدس، وهي فعالية سنوية يشارك فيها عشرات الآلاف من المستوطنين واليمينيين الإسرائيليين. تقام في 28 من الشهر الثامن وفق التقويم العبري، الذي يوافق الاثنين القادم، وهو ما يعرف "بيوم توحيد القدس"، الذي تحتفل فيه إسرائيل بسيطرتها على القدس واحتلالها للجزء الشرقي منها أثناء حرب يونيو/حزيران 1967 ، المعروفة في العالم العربي "بالنكسة". "اعتداءات بحماية الشرطة" وعن تحضيراتهم لهذا اليوم قالت (ل.ع) للجزيرة نت "جميع السكان يوصون بعضهم البعض بإغلاق النوافذ والانتباه على الأطفال والحرص على عدم الخروج من المنزل.. من ينجح في قضاء هذا اليوم خارج البلدة القديمة يكون محظوظا، ومن لا ينجح يبقى في بيته ليحمي نفسه وممتلكاته بكافة الوسائل، لأنه في حال وقع أي حادث لا أحد يحميه". وعن الاعتداءات التي تطال المقدسيين وممتلكاتهم على أيدي المستوطنين المشاركين في مسيرة "رقصة الأعلام" قالت هذه المقدسية إنها لا تقتصر على الشتم والصراخ وتعمد أداء الأغاني العنصرية بصوت مرتفع، بل تتعدى ذلك للاعتداء الجسدي الذي يفضي أحيانا إلى كسور مختلفة، ولتخريب الممتلكات كخلع الأبواب وتحطيم النوافذ. أما عن دور شرطة الاحتلال في هذا اليوم فتقول هذه المقدسية -وهي من سكان حارة السعدية-إن الشرطة تحرس المستوطنين وتغلق الطرق أمام المقدسيين وتفتش أبناءنا، وفي حال حدث أي طارئ كحاجة إحدى العائلات لنقل مريض بسيارة إسعاف تماطل في فتح الحاجز مما يضطر الأهالي لحمل المريض بأنفسهم ونقله إلى خارج الأسوار التاريخية. "نتمسك بالقدس أكثر" واختتمت (ل.ع) بالحديث عن شعورها كمقدسية وهي تشاهد عشرات آلاف الأعلام الإسرائيلية التي يلوّح بها المتطرفون في باب العمود وأمام منزلها في أزقة البلدة القديمة، وقالت "والله وجع لا يوصف.. فالأعلام ليست مجرد قطعة قماش، بل رسالة واضحة لنا بأنهم هنا، ويجب ألا نكون، لكن ما يحصل أننا نتمسك بالقدس وبالأرض أكثر كلّما لوّحوا بها.. نحن نعلّق مفاتيح بيوتنا في قلوبنا لأن القدس لنا، وإن رفعوا آلاف الأعلام، نحن موجودون بكل زاوية وحجر ونَفَس". وابتداء من ساعات صباح يوم الاثنين المقبل، الموافق 26 مايو/أيار الجاري، سيبدأ مئات المستوطنين بالتوافد إلى البلدة القديمة للسير في أزقتها ملوّحين بالأعلام الإسرائيلية، ليصل أوج الاحتفالات نهاية النهار مع مشاركة عشرات الآلاف منهم في المسيرة التي يتخللها ترديد شعارات معادية للإسلام والعرب، بالإضافة إلى قيامهم بأعمال العربدة والاستفزاز لسكان وتجار البلدة القديمة الذين تسلمهم الشرطة الإسرائيلية كل عام أمرا بإغلاق محالهم التجارية لإخلاء مسؤوليتها عن أي أضرار. وينطلق الذكور من المستوطنين في مسيرتهم من شارع "الملك جورج" غربي القدس، ويدخلون البلدة القديمة من باب العمود، أما الإناث فينطلقن من أمام مقبرة مأمن الله غربي البلدة القديمة ويدخلن البلدة القديمة من باب الخليل مرورا بالحي الأرمني وصولا إلى ساحة حائط البراق حيث التجمع الأضخم والاحتفالية المركزية. استباحة للأقصى ويضاف إلى هذه الاحتفالية الأبرز الحشد الكبير الذي تحضّر له جماعات الهيكل منذ أسابيع لاقتحام المسجد الأقصى جماعيا والدعوة لرفع الأعلام الإسرائيلية في ساحاته خلال الساعات الصباحية والمسائية المخصصة لاقتحامات المستوطنين. وضمن أحدث أساليب الحشد نشر اتحاد منظمات الهيكل المتطرفة مقطعا دعائيا تحريضيا، تضمّن نداءات من 13 حاخامًا دعوا فيه جمهور تيار الصهيونية الدينية إلى اقتحام المسجد بكثافة يوم الاثنين المقبل الذي يُحتفل فيه بذكرى احتلال شرقي القدس وضمّها تحت السيادة الإسرائيلية. إغلاق 1684 متجرا ويدفع التجار في أسواق البلدة القديمة والشوارع التجارية المحيطة بها ثمنا كبيرا في هذه المناسبة وفقا لأمين سر الغرفة التجارية الصناعية في القدس حجازي الرشق، الذي أكد في مستهل حديثه للجزيرة نت أن القدس تتحول في يوم "توحيد القدس" إلى ثكنة عسكرية لكثرة الحواجز والدوريات الراجلة وخاصة على أبواب البلدة القديمة وداخل حاراتها وأزقتها. وأضاف الرشق أن التجار في طريق الواد والسلسلة والمجاهدين وسويقة علّون هم الأكثر تضررا في هذا اليوم، إذ يتعمد المستوطنون المارّون تحطيم اليافطات ورمي البضائع المعروضة أمام الحوانيت على الأرض، مما يكبد التجار خسائر فادحة، بالإضافة لوضع أعواد خشبية داخل أقفال المحال المغلقة لإتلافها، "وتنفّذ هذه الاعتداءات أمام أعين الشرطة التي لا تعتقل أحدا من الجناة". ولا يعتدي المستوطنون المشاركون في مسيرة "رقصة الأعلام" على ممتلكات التجار فحسب، بل يتعمدون سبّ الذات الإلهية والنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وترديد شعارات عنصرية كـ"الموت للعرب" أمامهم، ويستهدفونهم بالبصق والكثير من التصرفات الاستفزازية الأخرى. وتجبر الشرطة وفقا لأمين سر الغرفة التجارية التجار على إغلاق أبواب حوانيتهم، وإن لم يمتثل أحدهم للأوامر يتعرض لعقوبات كتمرير اسمه للدوائر المختصة بفرض الضرائب للانتقام منه. "مع الأسف لا تنحصر التضييقات داخل أسوار البلدة القديمة، بل تمتد إلى المربع التجاري الخارجي كشارع المصرارة وعمرو بن العاص والزهراء والسلطان سليمان وصلاح الدين الأيوبي والرشيد". وتضم هذه الشوارع 664 متجرا وفقا للرشق، يضاف إليها 1020 متجرا لا تزال تفتح أبوابها داخل أسوار البلدة القديمة.

البحث عن لقمة العيش في غزة ينتهي بموت محقق
البحث عن لقمة العيش في غزة ينتهي بموت محقق

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

البحث عن لقمة العيش في غزة ينتهي بموت محقق

غزة- وقف الفتى الغزي يوسف السمري (15 عاما) أمام بائع الخبز في أحد شوارع الحرب، كل ما يطلبه رغيف واحد يسكت به صراخ جوعٍ نخر أحشاءه وسرق النوم من عينيه، سأل عن سعر الرغيف، فأجابه البائع: 8 شواكل (الدولار يساوي 3.6 شواكل)، وهو مبلغٌ لا يملكه، فجال بنظره باحثًا عن بصيص رحمة، لعلّ تكية ما توزّع وجبة تُطفئ نار المعدة، لكنه وجد طوابير من الناس يلهثون خلف طعام بارد تعافه نفسه. كان الجوع والغضب يأكلانه شيئًا فشيئًا، فرفع رأسه نحو والده الذي كان برفقته، وقال بعينين تتوهّجان كجمرتين "سأذهب إلى غرفتنا التي كنا نازحين إليها في المدرسة، حيث تركنا طعامنا، أمامي خياران: إما أن أعود لكم بالطحين فنأكل، أو لا أعود وأموت، وأنا متقبل للخيارين". عبثا حاول الأب منعه وتوسّل إليه ألا يذهب وحده، لكن يوسف فضل المخاطرة بروحه فقط، وقال لأبيه "يموت واحد أم نموت نحن الاثنان؟ ادعُ لي سأعود سريعًا". في طريقه، مرّ بجثث متناثرة لأناس سبقوه في المهمة ذاتها، دفعهم الجوع إلى المجازفة، فكان الثمن أرواحهم، لكنه لم يتراجع، وصل أخيرًا إلى مدرسة سعد بن معاذ في حي التفاح ، حيث كانت أسرته قد نزحت تحت وابل من النيران ولم تستطع أن تحمل معها شيئًا، وحين وصوله، فتح يوسف حقيبته المدرسية وحشاها بأكياس المعكرونة التي باتت طعامًا بديلًا للدقيق، ثم حمل كيس الطحين الثقيل على كتفه، والفرحة تملأ قلبه. إعلان يقول للجزيرة نت "قَسما، إنني زغردت حين حملته (كيس الطحين) وتنهدت تنهيدة المحارب اللي ظفر بالغنيمة". في طريق عودته لم تتوقف نداءات الناس عليه "هل هذا الطحين للبيع؟" وهو يردد إجابته "لا، سأفاجئ به أمي، نريد أن نأكل"، لكن نشوته بانتصاره لم تكتمل، حيث أطلقت طائرة كواد كابتر قنبلة عليه، "شعرت أنني أهوي في بئر أو حفرة" لم يكن يعلم أن القنبلة قد نسفت ساقيه، وأسقطته أرضًا، تمتم بالشهادتين مرارًا، وغاب عن الوعي. عاد بلا قدمين على السرير في مستشفى المعمداني حين استفاق يوسف، فتح عينيه ليجد يد أبيه تمسك بيده، فبدأ يردد "الحمد لله، الحمد لله"، بينما كانت عينا والده تغصّ بالحسرة والرعب، لا سيما حين علم أن ولده سيخضع لعدة عمليات لبتر ساقيه، واستئصال جزء من الطحال، كما خسر 70% من إحدى خصيتيه، وهو واقعٌ مرّ لن يستفيق يوسف على تفاصيله إلا بعد أيام. صار يوسف يسأل عن ساقيه، كان من حوله يخفون عنه الحقيقة، فعدم قدرته على الانحناء كانت تحول دون تحسس قدميه، لكنه استغل قوته في ليلة ما مستغلا نوم من حوله، فمدّ يديه يتحسس ساقيه فلم يجد شيئًا، يقول للجزيرة نت بصوت متهدج "وجدتني أمسك فراغا، قلت حينها بيعوض الله، راحوا رجليا". سألته مراسلة الجزيرة نت: ما أول شيء خطر ببالك بعد ما تأكدت من فقدانهما؟، فأجاب: الكرة، كنت أحب لعب الكرة كثيرا، غير أني راجعت نفسي هل الجوع أقسى؟ أم الحال التي وصلت إليها الآن؟ عقب مقابلة الجزيرة نت، كان يوسف يتحضر لمغادرة المستشفى المعمداني، سيعود لأمه خالي الوفاض بقدمين مبتورتين وأعضاء مستأصلة كانت خسارة محاولته لجلب ما يسد الرمق، بينما جاءت الكلفة على هذا النحو، حين كلف الحاج عادل حلس روحي ولديه خالد وكريم. وداع جلب الطحين بينما كان الأب وأبناؤه يتحضرون للذهاب إلى منزلهم لجلب ما تبقى من طحين ومؤونة، كانت الأم تقف على عتبة الخوف، قلبها مقبوض يُحدّثها بأن هذا المشهد هو الأخير، همّت بالخروج معهم، لكنها لم تُمنح تلك الفرصة، "خليكي، إحنا بنرجع بسرعة"، هكذا قالوا لها، لكنهم لم يعودوا. في منطقة التركمان، وسط بيوت الشجاعية المهجورة، بدأ الشابان بجمع بعض المواد الغذائية المتبقية، بينما كان الأب يبحث عن لحظة دفء صغيرة في منزلهم الذي اختنق بالشوق والرماد، فأحبّ أن يحتسي كأسا من الشاي ريثما ينتهيان. أحدهما يشعل النار، والآخر يُرتّب الأغراض، وقد كانت المسافة الفاصلة بينهما أقل من متر، قبل أن تخترق قنبلة من طائرة كواد كابتر صمت اللحظة، لتخترق شظاياها أجسادهم الثلاثة دفعة واحدة. استشهد الشابان على الفور، وأُصيب الأب بجروح بالغة. تقول الأم للجزيرة نت "بين خروجهم وسماع صوت الانفجار نصف ساعة فقط، ركضت أنا وابنتي روان، كنا نحاول أن نكذب عيوننا التي ترى تصاعد الدخان من حول منزلنا، لكن الخبر سبقنا، جاءني رسول من بعيد، قال أبو محمد مصاب، عرفت وقتها أن ولداي قد استُشهدا، ووقعت من هول الصدمة". أما شقيقتهم روان، فركضت بجنون إلى المنزل، رأتهم جثتين هامدتين بين الركام، دخلت في حالة هستيرية، كانت تحاول سحب جثمانيهما بيديها، تصرخ وتبكي وتستنجد طالبة المساعدة، حتى استجاب لها أحد أقاربهم وتمكنا من انتشالهما من بين الأنقاض. لم تكن تلك العائلة الوحيدة التي ودّعت أبناءها على أمل اللقاء القريب، ولم يعودوا، فبينما كانت أمٌ تراقب خطوات زوجها وابنيها وهم يغادرون المنزل لجلب ما يسد الرمق، كانت عائلة أخرى تعيش الانتظار ذاته، وتخوض الألم نفسه بقلبٍ لا يقلّ وجعًا. شهداء مجهولو الهوية مرّ يومٌ كامل على غياب الأخوين معتصم ومعاذ رجب، عن خيمتهم المؤقتة التي لجؤوا إليها بعدما هربوا من منزلهم الكائن شرق حي التفاح، تحت وابل من القذائف الإسرائيلية، 24 ساعة من الانتظار القاتل، كانت خلالها هواتفهم ترنّ دون رد، لم يحتمل والدهم الحاج أدهم الجلوس، فقد مزّق القلق قلبه ودفعه لأن يخاطر بنفسه، ويذهب إلى المنزل علّه يجد أثرًا، أو يسمع خبرًا. يقول للجزيرة نت بصوت مخنوق "كنت أنطق الشهادتين مع كل متر تخطوه قدماي، وحين اقتربت من الحي لم أجد منزلي، لم يكن هناك أحد لا وجوه، ولا أصوات"، حاول الحاج أدهم أن ينقّب بين الأنقاض، لعله يجد أثرا لهما، لكن دون جدوى، إلى أن تلقى اتصالا من ولده الثالث "لقيت معتصم ومعاذ في مستشفى المعمداني ضمن الشهداء مجهولي الهوية". يقول الحاج أدهم للجزيرة نت "خرجوا دون أن يقولوا لي، لو علمت -والله- لم أكن لأسمح لهم بالخروج". يحاول أن يتمالك نفسه، لكنه يعود بذاكرته للوراء، عندما أُصيب ابنه الأكبر للسبب نفسه، ويتابع "كانوا رايحين يجيبوا أكل، أكل من بيتنا اللي طلعنا منه بسرعة وما حملنا منه شيئا"، يكفكف عبراته مستهجنا الجرم الإسرائيلي بحق الأبرياء "شباب مدنيون، يرتدون زيا رياضيا، لا يحملون سلاحا ولا عتادا، كانت وجهتهم جلب الطعام، وخسروا أرواحهم من أجل ذلك". ثمن لقمة العيش عوائل غزية تدفع ثمن لقمة العيش من دماء أبنائها، فحسب الدفاع المدني الفلسطيني، وعلى لسان الناطق باسمه محمود بصل، في حديثه للجزيرة نت، كشف عن ارتقاء أكثر من 20 شهيدًا، خلال الأيام القليلة الماضية، وإصابة العشرات بينما كانوا يحاولون فقط الوصول إلى منازلهم لإحضار الطحين والطعام، من المناطق الشرقية لحي الشجاعية والتفاح، وشرق حي الزيتون. يُكمل بصل "لقد نُقلت الجثث بوسائل بدائية، بعضها على عربات تجرها الحمير، وآخرون لا يزالون في الشوارع تنهشهم الكلاب الضالة، وبعض الشهداء سقطوا داخل منازلهم، قُصفوا لحظة دخولهم، قبل أن يتمكنوا حتى من فتح الخزائن". فمنذ مارس/آذار الماضي، وإسرائيل تضيّق الخناق على غزة ، من خلال المعابر المغلقة، والغذاء الممنوع من العبور، عشرات الشاحنات التي دخلت إلى جنوب القطاع، وصفتها المؤسسات الدولية بأنها "نقطة في بحر الاحتياج لمليوني جائع ومحاصر"، أما شمال وادي غزة، فما زال خارج معادلة الرحمة، محرومًا من الغذاء، مما يعني أن قائمة الشهداء ما زالت قابلة للتمدد، أمام من لا يملكون رفاهية الخيار إما يموت أبناؤهم جوعًا، أو يموتون وهم يحاولون أن يؤمنوا لهم لقمة عيش تحفظ كرامتهم.

نهاية إسرائيل القريبة على يد الحريديم
نهاية إسرائيل القريبة على يد الحريديم

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

نهاية إسرائيل القريبة على يد الحريديم

بالرغم من الصورة التي تحاول حكومة نتنياهو إظهارها أمام العالَم باعتبارها حكومة موحدة ومتماسكة، فإنه لا يخفى على مُطّلع هشاشةُ هذه الحكومة، إلى درجة جعلت صمودَها حتى اليوم أمرًا غير مألوف. وبالرغم من أن عنوان إسقاط الحكومة الذي يتوقعه أغلب المراقبين، هو وقف الحرب الشعواء التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والذي سينتج عنه بالضرورة انسحاب الثنائي سموتريتش وبن غفير أو أحدهما من الحكومة والعمل على إسقاطها، فإن النظرة الأوسع إلى طبيعة التركيبة التي تتكون منها هذه الحكومة تكشف للمراقبين لاعبًا خطيرًا يمكن أن يكون القشة التي تقصم ظهر الائتلاف الحكومي في إسرائيل، بل وتزعزع التماسك الهش في الشارع الإسرائيلي برمته، وهذا اللاعب هو "الأحزاب الحريدية". الحريديون في إسرائيل هم التيار الديني التقليدي الذي يعتبر أن وجود هذه الدولة مرتبط بشكل أساسي بمدى التزامها بأحكام التوراة، وهؤلاء يشكلون نسبة ليست هينة في المجتمع الإسرائيلي، تزيد على 13٪ من المجموع الكلي للسكان الذي يتضمن الدروز وفلسطينيي الداخل. أما نسبتهم إلى مجموع اليهود البالغ عددهم 7 ملايين شخص في إسرائيل فتصل إلى 17٪، وذلك بعد أن كانت نسبتهم غداة النكبة الفلسطينية وإنشاء دولة الاحتلال لا تتجاوز 2.6٪. وترى دائرة الإحصاء الإسرائيلية أنهم مرشحون للوصول لنسبة 35٪ بحلول عام 2059. هذه النسبة المرتفعة تتناسب حاليًا مع تمثيلهم في الكنيست، حيث يسيطرون على 18 مقعدًا من أصل 120 بنسبة تصل إلى 15٪ من مجموع المقاعد. ويأتي حزب (شاس) في مقدمة الأحزاب الحريدية في الكنيست حيث يسيطر على 11 مقعدًا، يليه حزب (يهدوت هتوراه) الحريدي الذي يشغل 7 مقاعد. بحسبة بسيطة، يتبين أن حكومة نتنياهو تستند إلى أغلبية هشة لا تتجاوز أربعة مقاعد، إذ يحوز ائتلافه 64 مقعدًا فحسب، من أصل 120؛ منها 32 لحزب الليكود، و14 لتحالف الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش وبن غفير، بينما تستحوذ الأحزاب الحريدية على ما تبقى. وبينما نجد أن معظم الأصوات المطالِبة بإسقاط الحكومة تنبع من معسكر الصهيونية الدينية، مركِّزة على ضرورة استمرار الحرب في غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية، فإن الأحزاب الحريدية تتبنى ملفًا مختلفًا تمامًا، ألا وهو تجنيد الحريديم في الجيش الإسرائيلي، وهو بالنسبة لها القضية المحورية التي قد تدفعها إلى الانسحاب من الائتلاف. لكنها، على خلاف شركائها، لا ترفع صوتها بالتهديد ولا تلوِّح بالانسحاب كل حين، كما يفعل بن غفير وسموتريتش يوميًا تقريبًا. تجنيد الحريديم ملفٌّ أساسي تعيش إسرائيل أزمته منذ عقود، حيث بدأت عادة إعفائهم من الخدمة العسكرية منذ زمن ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، الذي أعفى 400 مهاجر من الحريديم من التجنيد الإجباري في الجيش، لعدة اعتبارات، كان منها أنهم لم يشكلوا نسبة كبيرة من السكان في ذلك الوقت كما أسلفنا، إضافة إلى رغبته في كسب ود تيارات التفسيرات التقليدية الدينية التي كانت تتردد في دعم فكرة قيام دولة لليهود آنذاك، حيث قطع لهم تعهدًا بأن تحترم إسرائيل التقاليد الدينية اليهودية. كما كان يرغب في تأكيد صورة إسرائيل باعتبارها دولة يهودية بما يمكن أن يقنع أطيافًا مختلفة من اليهود في العالم للهجرة إليها. وكان سبب إصرار الحريديم على الإعفاء من التجنيد في الجيش، أنه يتعارض مع مبادئهم، حيث يرون أن وظيفتهم في الدنيا هي قراءة التوراة وتفسيرها، وهم يؤمنون بأن هذا العمل مقدس وعظيم لدرجة الإيمان بأنه سبب استمرار الحياة على كوكب الأرض، فهم يرون في تدارس التوراة مهمة ربانية لخدمة العالَم كله والحفاظ عليه من الدمار! وهذا يعني أن هذه الفئة لا ترى لدولة الاحتلال فضلًا عليها في شيء، بل إنها ترى أن لها الفضل في استمرار الحياة في دولة الاحتلال ونجاة جيشها في حروبه، ولا سيما في هذه الحرب. وهو ما أشار له الحاخام الأكبر لطائفة السفارديم الشرقيين يتسحاق يوسف في تصريحه الشهير: "من دون المدارس الدينية لم يكن الجيش لينجح، فالجنود لم ينجحوا إلا بفضل أهل التوراة". وهذا الحاخام نفسه هو الذي هدد بمغادرة أبناء طائفته جميعًا دولة الاحتلال إلى غير رجعة في حال فرض التجنيد الإجباري عليهم. أتباع التيار الحريدي كانوا قد استفادوا كثيرًا من وصول الليكود للحكم في إسرائيل، ذلك أن الليكود كان دائمًا حريصًا على إرضائهم؛ كسبًا لدعمهم في الانتخابات وتشكيل حكوماته المتعاقبة، ولم يكونوا يشكلون له أية أزمة باعتبار أن طلباتهم في العادة لا تتجاوز الحفاظ على ميزانيات المدارس الدينية والالتزام ببقاء إعفائهم من التجنيد الإجباري الذي يعتبر من صميم متطلباتهم الدائمة من أية حكومة. يعتبر هؤلاء الحريديون أن دخول الجيش يمكن أن يؤثر في عقيدتهم، لأنهم لا يرون في العلمانيين الإسرائيليين أكثر من مجموعة من العلمانيين، فهم يحتقرونهم، وبدا ذلك في أكثر من موقف، منها على سبيل المثال ما فعله وزير الإسكان في حكومة نتنياهو عن حزب "يهدوت هتوراه" يتسحاق غولدكنوبف، الذي أشعل أزمة العام الماضي عندما ظهر في فيديو يرقص مع عدد من أنصاره وهم يهتفون "نموت ولا نتجند، ولا نقبل بحكم الكفار" في إشارة إلى العلمانيين في دولة الاحتلال. وكان اليمين في إسرائيل قد نجح في عام 2015 في تمرير قانون في الكنيست يعفي الحريديم من التجنيد الإجباري في الجيش، ولكن المحكمة العليا تدخلت وألغت هذا القانون تحت بند المساواة، وأمرت بإيجاد تشريع لا يتضمن إعفاء الحريديم، وكانت تلك بداية الأزمة الفعلية التي تفاقمت في ظل المعركة الحالية التي أتعبت جيش الاحتلال واضطرته لاستدعاء الاحتياط لتعويض النقص الحاد في الجنود. وبالرغم من ذلك لم تُحل المشكلة، مما أدى إلى تصاعد الأصوات العلمانية القومية التي تطالب بتجنيد الحريديم إجباريًا كما نص قرار المحكمة العليا. وبما أن غالبية الأصوات المنادية بتجنيد الحريديم، هم من العلمانيين يسارًا ويمينًا، فإن الأحزاب الحريدية عادت لتراها وكأنها معركة بين أنصار التوراة وأنصار الهرطقة، أو بين النور والظلام، وبالتالي تتصاعد صيحات الاستهجان لديهم؛ رفضًا للانصياع لرأي هؤلاء الذين يريدون منهم ترك دراسة التوراة والاختلاط بهم في الجيش بما يؤدي لنسيان التوراة والانحراف عن الشريعة. في المقابل، تتصاعد بين العلمانيين سواء من اليساريين أو القوميين اليمينيين في إسرائيل دعوات الضغط على الحريديم للتجنيد أسوة بغيرهم. وحجتهم هي عدم منطقية أن يدفع الجنود حياتهم ثمنًا للدفاع عن مجموعة من المتدينين الذين لا يقدمون شيئًا للمجتمع ولا يدافعون عنه، بل ويحتقرونه. وهذا الانقسام الذي نزل إلى الشارع ينذر الآن بمزيد من التشظي لدى المجتمع الإسرائيلي نفسه. للحق، فإن الطبيعة الحادة لتصريحات قادة الحريديم هي التي تزيد الهوة اتساعًا بين الطرفين، فإعلان أن "الموت على يد العرب خير من التجنيد في الجيش" ، وأنه "من الأفضل أكل لحم الخنزير على الوجود في مجتمع علماني وفكر علماني"، وإعلان بعض رموزهم أنه "لا يوجد ثقافة مشتركة بين الإسرائيليين العلمانيين والحريديم"، إلى غير ذلك من التصريحات التي تنقلها وسائل الإعلام الإسرائيلية من حين لآخر، كل هذا يشي بأنه لا يوجد أرضية مشتركة بين الحريديم والعلمانيين على اختلاف مشاربهم وأفكارهم. وهذا يعني أن الأزمة التي تتصاعد حاليًا بين الطرفين تنذر بأن تتوسع في الشارع ولا تكتفي فقط بأن تكون في أروقة الحكومة والكنيست. إذن، فأزمة الحريديم بعيدة عن الحل في ظل النظرة الاستعلائية التي ينظر بها كل طرف إلى الآخر، وهي مرشحة للتفاقم في الفترة القادمة، فالجيش يحتاج أوامر التجنيد الإجبارية، ونتنياهو يواجه عقبات من داخل ائتلافه ضد فكرة تشريع قانون يعفي الحريديم من الخدمة الإلزامية في الجيش، استجابة لمطالب حزبي شاس ويهدوت هتوراه في ظل معارضة المحكمة العليا، ومعارضة الغالبية العظمى من الشارع الإسرائيلي (70٪) لهذا الإعفاء. السؤال المطروح هنا: إلى أي مدىً يمكن أن تتسع أزمة الحريديم؟ إن الغالبية العظمى من آراء المحللين في هذا الشأن تقف في إجابة هذا السؤال عند احتمالية إسقاط حكومة نتنياهو في حال انسحاب الحريديم منها، ولكني أرى أن هناك أبعادًا أعمق بكثير من مجرد إسقاط حكومة نتنياهو. فالشارع الإسرائيلي لم يكن يومًا منقسمًا على نفسه كما هو اليوم. وفي الوقت الذي يهاجم فيه المنضوون تحت ألوية جيش الاحتلال طلبةَ المدارس الدينية الحريدية بزعم أن الجنود ليسوا ملزمين بالتضحية بدمائهم لأجل حفنة من الطلبة الذين لا يعملون شيئًا غير الدراسة والحديث في الأحكام الفقهية، فإن الحريديم يُصَعِّدون لهجتهم ضد نظام الدولة بالكامل، ويتكلمون بوضوح عن ضلال المجتمع الإسرائيلي من خارج الحريديم، أي ضلال أكثر من 80٪ من سكان هذه الدولة من اليهود لا من العرب! وبالتالي فإن الرفض المتبادل يمكن أن يؤدي فعليًا إلى الاشتباك في الشارع واندلاع أعمال عنف من شأنها أن تؤدي إلى اضطرابات أكبر بكثير من كل ما يتخيله الطرفان. عندما يهدد زعيم السفارديم بمغادرة كفره بالمواطنة الإسرائيلية وبفكرة الوطن القومي لليهود، وهو بذلك يعلن بوضوح عدم ارتباطه وأتباعه بالمشروع الصهيوني ولا اقتناعهم بإمكانية بقاء الدولة أو حتى الانتماء إليها، وبذلك فإنه يزرع في إسرائيل بذور التفتت والتآكل الداخلي الذي يخشاه المحللون الإسرائيليون جميعًا ويتوقعونه في نفس الوقت.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store