
تاريخ إنتاج المسيّرات في العالم: من أدوات الاستطلاع إلى أسلحة متطورة
بيت لحم- معا- شهدت تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، أو ما يُعرف بـ"الدرونز"، تحوّلاً جذرياً منذ بداياتها الأولى، ففي حين بدأت كأدوات بسيطة للاستطلاع، باتت اليوم تُستخدم في المهام القتالية المعقدة، وتُحدث فرقاً كبيراً في ساحات الحروب والمهام المدنية على حد سواء.
البدايات: الحرب العالمية الأولى والثانية
ظهرت فكرة الطائرات بدون طيار في أوائل القرن العشرين، حين حاولت الجيوش استخدام تقنيات التحكم اللاسلكي لتطوير نماذج طيران آلي. ففي عام 1916، جُرّب نموذج أولي يُعرف بـ"Aerial Target" في بريطانيا، تبعته محاولات أمريكية، لكنها لم تكن ناضجة تكنولوجياً بعد.
خلال الحرب العالمية الثانية، طوّرت ألمانيا الصاروخ الشهير V-1، الذي يُعتبر من أولى الأسلحة الانتحارية المسيّرة. في المقابل، استخدمت الولايات المتحدة نماذج بدائية للطائرات المسيّرة لأغراض التدريب والرصد.
الحرب الباردة: تطور الاستخدامات الاستخباراتية
مع احتدام الحرب الباردة، تحوّل تركيز الدول الكبرى إلى استخدام الطائرات المسيّرة في جمع المعلومات. طوّرت الولايات المتحدة طائرات مثل Firebee، ونفّذت بها مهام تجسس فوق الصين وفيتنام. في الوقت نفسه، بدأت إسرائيل بتطوير مسيّرات خفيفة لأغراض الاستطلاع، ما شكّل قاعدة انطلاق لهيمنتها المستقبلية في هذا المجال.
الطفرة الإسرائيلية والأمريكية: الثمانينيات والتسعينيات
في الثمانينيات، رسّخت إسرائيل مكانتها كدولة رائدة في تكنولوجيا المسيّرات عبر تطوير طائرات مثل Scout وPioneer بالتعاون مع الولايات المتحدة، والتي استخدمتها خلال غزو لبنان عام 1982.
بحلول التسعينيات، ظهرت طائرة Predator MQ-1 الأمريكية، المزوّدة بكاميرات عالية الدقة وقدرة على البقاء في الجو لفترات طويلة. ومع بداية الألفية، زُوّدت هذه الطائرات بصواريخ Hellfire، ما حوّلها إلى أدوات اغتيال عن بُعد.
الألفية الثالثة: ثورة المسيّرات المسلحة والمدنية
وفي العقدين الماضيين، أصبحت المسيّرات محور العمليات العسكرية الحديثة. الولايات المتحدة استخدمتها بكثافة في باكستان وأفغانستان واليمن، بينما طوّرت دول مثل تركيا طائرات Bayraktar TB2 التي حققت شهرة واسعة في ليبيا وسوريا وأوكرانيا.
كما دخلت إيران على خط المنافسة عبر تطوير طائرات مثل شاهد 129 وشاهد 136 التي أثارت جدلاً بسبب استخدامها في هجمات إقليمية.
الصين وروسيا أيضاً أصبحتا من كبار المنتجين والمصدّرين لطائرات مثل Wing Loong وOrion.
الاستخدام الإسرائيلي في النزاعات الحديثة
في الحرب الأخيرة على غزة وجنوب لبنان، استخدمت إسرائيل طائرات مسيّرة مزوّدة بصواريخ دقيقة لتنفيذ عمليات اغتيال ضد قيادات في حركتي حماس وحزب الله. تم رصد استخدام مكثف للطائرات المسيّرة في مراقبة التحركات، تنفيذ ضربات جراحية، وتحديد أماكن تخزين الأسلحة، ما يعكس تطور الاستخبارات الجوية الإسرائيلية.
التحولات الاستراتيجية: المسيّرات تغير قواعد الحرب
أثبتت المسيّرات أنها أداة فعّالة في الحروب غير المتكافئة، حيث يمكن لطائرة صغيرة وغير مأهولة تنفيذ مهام كانت تتطلب في السابق طائرات مقاتلة باهظة التكلفة. تغير هذا المفهوم من طبيعة المعارك، وأصبح عاملاً أساسياً في رسم الاستراتيجيات العسكرية الحديثة.
المسيّرات في الصراع الهندي-الباكستاني
في أحدث جولات التصعيد بين الهند وباكستان، أعلنت إسلام آباد عن اعتراضها عدداً من المسيّرات الهجومية التي حاولت استهداف مواقع عسكرية. وأشارت إلى أن بعض هذه المسيّرات يُشتبه بأنها من طرازات متطورة. رغم عدم وجود تأكيد رسمي حول مصدرها، فإن هذا التطور يعكس اعتماداً متزايداً على المسيّرات في النزاعات بين الدول ذات العلاقات المتوترة، ويبرز تحديات حماية المجال الجوي ضد تهديدات جديدة وغير تقليدية.
جهود الجيوش في التصدي للطائرات المسيّرة
ومع تصاعد استخدام المسيّرات الهجومية والانتحارية، تعمل الجيوش على تطوير أنظمة دفاع جوي جديدة، تشمل:
• أسلحة الليزر والطاقة الموجهة: مثل النظام الإسرائيلي "Iron Beam".
• أنظمة التشويش الإلكتروني: لتعطيل الاتصالات بين الطائرة ومُشغلها.
• رشاشات ذكية وأنظمة اعتراض قصيرة المدى: مثل "C-RAM".
• استخدام الحيوانات المدربة: كما فعلت الشرطة الهولندية باستخدام النسور في بعض الحالات.
كذلك، تمكّن الحوثيون من إسقاط عدد من طائرات MQ-9 Reaper الأمريكية عبر تقنيات تشويش وتقنيات محلية وأجنبية، ما أبرز نقاط ضعف الدرونز أمام أساليب المقاومة غير التقليدية.
استخدام الفاعلين غير الحكوميين للطائرات المسيّرة
باتت المسيّرات جزءاً من أدوات الجماعات المسلحة، بدءاً من داعش الذي استخدم نماذج تجارية معدّلة لأغراض هجومية، مروراً بحزب الله الذي طوّر مسيّرات خاصة به للاستطلاع وربما للضربات الدقيقة، إلى فصائل في غزة قامت بتجارب استخدام مسيّرات لأغراض قتالية.
هذه الاستخدامات تشير إلى أن الدرونز باتت في متناول جماعات لا تملك جيوشاً نظامية، ما يزيد من التهديدات الأمنية ويصعّب من مهمة السيطرة على المجال الجوي.
الاستخدامات المدنية
خارج ساحة المعركة، حققت المسيّرات ثورة في القطاعات المدنية. تُستخدم حالياً في التصوير السينمائي، الزراعة الدقيقة، مراقبة خطوط الكهرباء، توصيل الطرود، ورصد الكوارث الطبيعية. وتتنافس شركات عالمية مثل DJI على تطوير طائرات ذكية بسعر مناسب للمستهلك.
المستقبل القريب سيشهد دخول الذكاء الاصطناعي إلى قلب تكنولوجيا المسيّرات. ستصبح المسيّرات قادرة على اتخاذ قرارات ذاتية، تنفيذ مهام متعددة بالتزامن، والعمل ضمن أسراب منسقة، ما قد يُغيّر شكل الحروب إلى الأبد، ويمنح أفضلية للدول أو الجماعات التي تستثمر في هذا المجال سريع التطور.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 20 دقائق
- العربي الجديد
6 أندية عربية في ربع نهائي البطولة الأفريقية لكرة اليد
صعدت أندية الأهلي والزمالك من مصر، ومنتدى درب السلطان ووداد السمارة والجيش الملكي من المغرب، والترجي التونسي وكينشاسا الكونغولي وريد ستارز العاجي، إلى الدور ربع النهائي من عمر كأس الأندية الأفريقية أبطال الكؤوس لكرة اليد للرجال، المقامة حالياً في مصر. ويلتقي في الدور ربع النهائي، كلّ من الأهلي وفاب الكاميروني، بينما يلعب الزمالك مع ريد ستارز العاجي، ويواجه الترجي التونسي نظيره وداد السمارة المغربي في ديربي عربي، وينافس منتدى درب السلطان المغربي نظيره ومواطنه الجيش الملكي في ديربي قوي. وشهدت مباريات الجولة الأخيرة للدور الأول، اليوم الاثنين، حسم نادي الزمالك قمة المجموعة الأولى، بعدما فاز على وداد السمارة المغربي (34-18) في لقاء من طرف واحد، رافعاً رصيده إلى ثماني نقاط من أربعة انتصارات، فيما تألق نجمه الكبير أحمد الأحمر الذي نال لقب رجل المباراة، وفي المجموعة نفسها، حقق فريق منتدى درب السلطان المغربي الفوز على فاب الكاميروني (32-24) في لقاء مثير، وحسم الفريق الفائز الشوط الأول بفارق كبير (12 هدفاً) بنتيجة (19-7)، ليحصد ثالث انتصاراته في ختام الدور الأول، وحل وصيفاً برصيد ست نقاط من ثلاثة انتصارات وخسارة. رياضات أخرى التحديثات الحية هل سيرافق الترجي الأهلي المصري إلى مونديال اليد؟ وفي المجموعة الثانية، حسم الأهلي لكرة اليد القمة لصالحه، بعدما فاز على منافسه فانز الكاميروني (39-18) في لقاء من طرف واحد، تسيده الأهلي بشكل كامل، وتميز أداء لاعبيه هجومياً بشكل لافت، وحصد رابع انتصاراته توالياً، كما فاز نادي الترجي على رد ستار العاجي بنتيجة (34-19) في مباراة كان الفريق التونسي الأفضل فيها، ولمع نجمه أسامة بوغانمي، وسجل عشرة أهداف، وساهم في الانتصار، مع العلم أن الفريق المصري حقق ثماني نقاط واحتلّ الصدارة وخلفه جاء الترجي بست نقاط من ثلاثة انتصارات.


العربي الجديد
منذ 20 دقائق
- العربي الجديد
ماورو أرامباري.. قصة راعي بقر تجاوز أزمته النفسية لإنقاذ خيتافي
في ختام موسم صعب عاشه نادي خيتافي ، برز اسم النجم الأوروغوياني ماورو أرامباري (29 عاماً) أيقونة للروح والتحدي، بعدما وقّع على أفضل موسم في مسيرته الكروية، فعلى ملعب "سون مويكس" في مايوركا، كتب أرامباري فصل النهاية الجميل لفريقه، بعدما قاده لانتصار مصيري (1-2) على مايوركا ، أمس الأحد، أبقى الفريق في الليغا قبل جولة من نهاية الموسم. من الجراح إلى المجد أرامباري، الذي كاد يُنسى بسبب الإصابات، عاد من بعيد بعد غياب طويل عن الملاعب، إثر ثلاث عمليات جراحية، وسلسلة من الإصابات التي بدأت بكسر في الكاحل في أكتوبر/تشرين الأول 2022 أمام ريال مدريد، وتواصلت مع تمزق جزئي في غضروف الركبة. وللتغلب على هذا الكابوس، لجأ إلى الدعم النفسي، كاشفاً أنه استعان بطبيب نفسي ساعده في تقبّل فكرة أنه لن يكون نفس اللاعب"، لكنه قد يكون "نسخة مختلفة، لا تعني بالضرورة أنها أسوأ". وبحسب تقرير صحيفة ماركا الإسبانية، اليوم الاثنين، فرغم الشكوك، ردّ أرامباري في الملعب بأرقام مذهلة لم يسبق له تحقيقها، حيث سجّل عشرة أهداف هذا الموسم في الدوري الإسباني، مقارنةً بمواسم سابقة لم يعرف فيها الشباك إلا نادراً. دموع أرامباري في مايوركا.. ورسالة وفاء بعد المباراة، لم يتمالك أرامباري دموعه في حديثه مع قناة النادي، حيث قال باكياً: "لقد مررت بعامين من الجحيم. شعرت أحياناً بأني لن أعود. لكن العمل يؤتي ثماره، والحمد لله أننا أنقذنا الفريق". اللاعب الذي وصل إلى خيتافي موسم 2017-2018 قادماً من بوردو الفرنسي، بات أحد رموز الفريق، ليس فقط بفضل أرقامه، بل بموقفه وشخصيته والتزامه الكامل. من جهته، لم يُخفِ المدرب خوسيه بوردالاس (61 عاماً) إعجابه باللاعب، بل وصفه بعد مباراة مايوركا بأنه "كابنه"، مؤكداً أن "قليلين هم من يمكنهم العودة بعد ثلاث عمليات جراحية بهذا المستوى المذهل". كرة عالمية التحديثات الحية ليونيل ألتاميرانو... قصة سائق أوبر قهر الجوع لبلوغ المجد الكروي مستقبل بعيد عن الأضواء ورغم نجاحه الكبير هذا الموسم، فإن أرامباري لا ينسى جذوره، فهو عاشق للحياة الريفية، ويحلم بعد اعتزاله بالعودة إلى بلده الأوروغواي لإدارة مزرعة العائلة وتربية المواشي وإدارة أبقار عائلته. وحول هذا قال في تصريح صحافي سابق: "الأصعب هو الحفاظ عليها (المواشي)، لكن إن كنت تحبّها، فلا بد أن تعطيها من وقتك".


العربي الجديد
منذ 20 دقائق
- العربي الجديد
من رونالدو إلى بنزيمة ومودريتش: عَقدٌ من رحيل النجوم في ريال مدريد
لطالما كان نادي ريال مدريد الإسباني وِجهة النجوم الأولى في عالم كرة القدم ، ليس فقط بفضل تاريخه العريق وألقابه الكثيرة، بل لأنه لطالما شكّل مسرحاً للنجوم الكبار، الذين يحلمون بارتداء قميصه الأبيض، واللعب على أرضية سانتياغو برنابيو . إلا أن البقاء في القمة لا يعني الثبات، بل يتطلب تجديداً دائماً في الأسماء والتوجهات، وهو ما عاشه النادي خلال العقد الأخير. عشر سنوات من التغيير في ريال مدريد شهد ريال مدريد عملية إحلال وتجديد متواصلة، في السنوات العشر الماضية، تخللها رحيل عدد من أبرز نجومه، الذين ساهموا في فتراته الذهبية. وعلى الرغم من مشاعر الحنين لدى الجماهير، فإن إدارة النادي استمرت في سياسة التجديد، للحفاظ على مستوى تنافسي عالٍ. وبحسب تقرير لصحيفة آس الإسبانية، فقد كان العنوان الأبرز هذا الموسم هو التعاقد مع النجم الفرنسي، كيليان مبابي (26 عاماً)، الصفقة الحلم التي انتظرها "البرنابيو" طويلاً، وعلى الرغم من أنه لم يُتوّج بأي لقب كبير في موسمه الأول، فإن الآمال معلقة عليه لقيادة الفريق نحو لقب كأس العالم للأندية، التي ستنطلق في شهر يونيو/ حزيران المقبل. ليلة لشبونة.. بداية عصر جديد حصد ريال مدريد لقبه العاشر في دوري أبطال أوروبا، في 24 مايو/ أيار 2014، بعد فوزه التاريخي على أتلتيكو مدريد في نهائي لشبونة، معلناً تتويج جيل ذهبي، إلا أن ما تلا تلك الليلة كان بداية لتغييرات مؤثرة في التشكيلة، إذ غادر كل من الأرجنتيني أنخيل دي ماريا والإسباني تشابي ألونسو، بعد أسابيع قليلة فقط من النهائي. وداعات موجعة في عام 2015 ودّع النادي الملكي أحد أعمدته التاريخيين، وهو الحارس والقائد إيكر كاسياس، بعد 25 عاماً من الدفاع عن ألوان "الميرينغي"، ليكون ذلك إيذاناً بأنه حتى الرموز ليست محصنة من التغيير، وتبعه لاحقاً كل من الإسباني ألفارو أربيلوا (2016)، والبرتغالي بيبي (2017)، ثم جاءت الضربة الكبرى في 2018 برحيل الهداف التاريخي للنادي، البرتغالي كريستيانو رونالدو، بعد تتويج ثالث على التوالي بدوري الأبطال. نهاية جيل المجد الأوروبي (2019-2023) شهدت هذه السنوات المتتالية رحيل المزيد من الركائز، مثل الحارس الكوستاريكي كيلور نافاس، والإسباني المخضرم، سيرجيو راموس، والفرنسي رافاييل فاران، والمدرب زين الدين زيدان. كما ودّع النادي في 2022 لاعبين ارتبطوا بأعظم الإنجازات في تاريخه الحديث، مثل البرازيليين: كاسيميرو ومارسيلو، والويلزي غاريث بيل والإسباني إيسكو. وفي 2023، غادر صاحب الكرة الذهبية، الفرنسي كريم بنزيمة، متجهاً إلى نادي الاتحاد السعودي، كما رحل الإسباني ماركو أسينسيو إلى باريس سان جيرمان. أما الموسم الماضي فشهد الوداع المؤثر للنجم الألماني، توني كروس، الذي أعلن اعتزاله، بالإضافة إلى نهاية إعارة الإسباني خوسيلو، ورحيل القائد ناتشو بعد مسيرة امتدت لأكثر من عقد. ميركاتو التحديثات الحية دين هويسن.. من أزمة الطفولة إلى قمّة المجد في ريال مدريد نهاية مرحلة وبداية أخرى مع تبقي شهرين فقط على ختام الموسم، بسبب مشاركة الريال في كأس العالم للأندية، يعيش الفريق مرحلة انتقالية جديدة. ويستعد المدرب الإيطالي، كارلو أنشيلوتي (65 عاماً)، لتولي تدريب المنتخب البرازيلي، بينما تشير تقارير إلى أن كلاً من: الإسباني لوكاس فاسكيز والبرازيلي رودريغو والكرواتي لوكا مودريتش، قد يكونون في طريقهم لمغادرة الفريق. ورغم قسوة هذه التحولات على الجماهير، فإن التاريخ يشهد أن ريال مدريد لا يتوقف، وأن النهايات فيه غالباً ما تكون بداية لفصول جديدة، من التألق والإنجاز.