logo
أهمية بناء الثقة بين الطوائف والأعراق في سوريا!

أهمية بناء الثقة بين الطوائف والأعراق في سوريا!

العربية٢٦-٠٧-٢٠٢٥
المواجهات المسلحة في السويداء، ما هي إلا تمظهر لأزمة ثقافية – اجتماعية في صُلبها، منشأ ذلك هو غياب الثقة بين الطوائف والأعراق المتعددة في البلاد، وعدم وجود هوية وطنية صلبة، واضحة المعالم، يشعر الجميع أنه ينتمي إليها، وأنه جزء أصيلُ منها، وليس مجرد مكونٍ يستخدمُ لإضفاء جمالٍ على الصورة الأوسع في المناسبات العمومية!
من يتفحص سوريا، سيجد أنها فسيفساء متنوعة عرقياً: عرب، كرد، تركمان، آشوريون، أرمن، شركس. ليس هذا وحسب، بل هنالك أديان وطوائف متعددة: المسلمون (سنة، شيعة، علويون، دروز، إسماعيلية)، والمسيحيون، هم أيضاً متعددون بدورهم وينتمون إلى عدة كنائس أبرزها: الأرثوذكسية الشرقية، الكاثوليكية، الأرمنية، الأشورية.. فضلاً عن وجود أعدادٍ وإن أقل من الأيزيديين، فيما اليهود السوريون الذين كان لهم وجود في دمشق والقامشلي وحلب، فقد غادر معظمهم البلاد.
يضافُ إلى ما سبق، وجود تيار واسع جداً عابر للطوائف والعرقيات، يؤمن بـ"العلمانية" وبأن الهوية المدنية هي الأساس الذي من خلالها يقدم نفسه ويبني علاقاته مع الآخر.
وعليه، فإن المجتمع السوري لا يمكن النظر له أو إدارته من منطلق الأغلبية والأقلية، أو عبر مفهوم الأكثرية العددية أو الدينية، وإنما من خلال دولة مدنية أساسها العدالة والمساواة وإشراك مختلف السوريين في مؤسسات الدولة، دون تمييز طائفي أو إثني!
البعض ينظر إلى الطوائف والأعراق في سوريا بوصفها "أقليات"، وهذا المنطق يخفي نزعة نحو السيطرة والغلبة، لا المشاركة الحقيقية. لأن الدولة المدنية الحديثة لا تفرز المواطنين إلى أكثريات وأقليات، بل المدماك الأساس هو "المواطنة الشاملة"، التي تجعل الفرص متساوية دون تفضيل لجهة على أخرى، أو قصرِ بعض المناصب العليا على طوائف أو أعراق محددة، لأن ذلك يعني أن هنالك محاباة، ستؤدي حتماً إلى شعور بقية المواطنين بالغبنِ وعدم المساواة، وقد تنفجر مستقبلاً في مواجهات أهلية.
إن ما تحتاج إليه سوريا اليوم هو أن تكون هنالك تغيرات مفاهمية عميقة في العقل السياسي والديني والمجتمعي، تقود إلى بناء الثقة بين السوريين، وتجعل "المواطنة" هي حجر الزاوية، وبالتالي ينخرط الجميع تلقائياً في بناء الدولة الوطنية الحديثة، ويدخلون في حوارات عملية جادة، تعالج المشكلات المتراكمة تاريخياً وتلك المستجدة، لأنه دون هذه "الثقة" ستبقى الريبة هي الأساس، وسيقود الشك إلى أن يحتمي المواطنون بـ"الطائفة" لا "الدولة"، وهذه معضلة كبرى، ستجعل الانتماء الإثني والديني هو الحاضنة التي من خلالها تدار المصالح وتبنى السياسات وتشتعل المواجهات المسلحة، أي ستستمر دوامة العنف التي قد تقود إلى خطر وجودي على الدولة السورية، وهو الأمر الذي ليس من صالح السوريين ولا الدول العربية جمعاء!
هل هنالك إمكانية لمنع الفرز الأقلوي الضيق، أو وضع حد للمواجهات الدامية الجارية في السويداء الآن؟
بالتأكيد، ليس هنالك من أمرٍ عصيٍ، إنما ليست هنالك أيضاً حلول سحرية، وبالتالي فإن المسؤولية تقع على الحكومة وأجهزتها أولاً، لأنها هي من تدير البلاد، ويشاركها في هذه المسؤولية الزعامات التي تمتلك تشكيلات مسلحة على الأرض، وتمارس العنف والانتهاكات بحق السوريين!
هؤلاء جميعاً عليهم تقديم المصلحة السورية أولاً، والابتعاد عن التفكير الضيق الذي ينظر إلى الدولة من زاويته الخاصة. ودون التحرر من هذه القيود الهوياتية المرتابة من بعضها البعض، ستستمر المشكلات في الظهور بين حين وآخر! ولذا، الحل يجب أن يكون بعيد المدى، حقيقياً، وليس مجرد معالجات موضوعية أو مصالحات عابرة لا يمكنها أن تصمد كثيراً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الرئيس السوري يبحث مع مستشار الأمن القومي البريطاني العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية والدولية.
الرئيس السوري يبحث مع مستشار الأمن القومي البريطاني العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية والدولية.

الشرق الأوسط

timeمنذ 14 دقائق

  • الشرق الأوسط

الرئيس السوري يبحث مع مستشار الأمن القومي البريطاني العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية والدولية.

ذكرت «الوكالة العربية السورية» للأنباء، الثلاثاء، أن الرئيس أحمد الشرع بحث مع مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول في دمشق العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة. وقالت الوكالة الرسمية إن الشرع أكد «انفتاح سوريا على أي مبادرات صادقة تدعم أمن واستقرار المنطقة، بشرط احترام سيادة البلاد وقرارها الوطني المستقل».

ابن دير الزور... حقوقي السوريين ومهندس العدالة الانتقالية
ابن دير الزور... حقوقي السوريين ومهندس العدالة الانتقالية

العربية

timeمنذ 4 ساعات

  • العربية

ابن دير الزور... حقوقي السوريين ومهندس العدالة الانتقالية

في مشهد سياسي سوري متعطّش للعدالة والمصالحة، برز اسم عبد الباسط عبد اللطيف كأحد أبرز الوجوه القانونية التي أوكلت إليها مهمة إعادة ترميم ما أفسدته سنوات النزاع. فمن دير الزور، خرج الحقوقي المتمرس ليحمل على عاتقه مهمة "لملمة آثار نزاع دامٍ استمر لـ14 عامًا"، بعد أن عينه الرئيس السوري أحمد الشرع رئيسًا لهيئة العدالة الانتقالية في مايو الماضي. وجاء تعيينه بموجب مرسوم رئاسي هدفه تأطير عمل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، التي أسندت إليها مهام رئيسية، أبرزها: • مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات خلال سنوات الحرب. • جبر ضرر الضحايا والاعتراف بمعاناتهم. • ترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية، بالتنسيق مع الجهات المعنية. مسيرة نضالية وقانونية يحمل عبد اللطيف إجازة في الحقوق من جامعة حلب (1986)، وشهادة دراسات عليا في العلوم الشرطية والقانونية (2008). بدأ حياته المهنية في السلك الرسمي، وشغل منصب مدير منطقة القامشلي، قبل أن ينشق عن النظام في العام 2012، لينضم إلى صفوف المعارضة السورية. بعد انشقاقه، تدرج في عدة مناصب، أبرزها: • رئيس المكتب السياسي لـ"جيش أسود الشرقية". • نائب رئيس المجلس المحلي لمحافظة دير الزور ضمن الحكومة السورية المؤقتة عام 2018. • عضو في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وهو التحالف السياسي الذي تأسس في الدوحة بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وضم ممثلين عن الجيش السوري الحر والمجالس المحلية وشخصيات سياسية وثورية مستقلة. يُعرف عبد اللطيف بدماثة خلقه وصلابته القانونية، وبأنه من الأصوات التي تمسكت بثوابت الثورة دون أن تتخلى عن السعي لبناء مؤسسات دولة قانون وعدالة. واليوم، يقود من موقعه الجديد مهمةً شاقة تتطلب التوازن بين العدالة والمصالحة، والإصغاء العميق إلى الضحايا، وتوجيه البوصلة نحو سوريا جديدة لا مكان فيها للإفلات من العقاب.

الأمم المتحدة: أكثر من 190 ألف نازح بأحداث السويداء
الأمم المتحدة: أكثر من 190 ألف نازح بأحداث السويداء

العربية

timeمنذ 5 ساعات

  • العربية

الأمم المتحدة: أكثر من 190 ألف نازح بأحداث السويداء

أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن الاشتباكات المسلحة في محافظة السويداء السورية منذ الشهر الماضي عقّدت إيصال المساعدات إلى المحتاجين، وأجبرت أكثر من 190 ألف شخص على الفرار من منازلهم. 190 ألف نازح وأكد المكتب الأممي في بيان، أن أكثر من 190 ألف شخص نزحوا في محافظات السويداء ودرعا ودمشق، ولم يعد سوى حوالي 120 شخصا إلى مناطقهم منذ ذلك الحين. كما أوضح أن الاشتباكات أدت إلى إغلاق مؤقت للطريق الإنساني "بصرى الشام" الوحيد المؤدي إلى السويداء، والذي أُعيد فتحه في 4 أغسطس. فيما لا يزال الطريق السريع الرئيسي بين دمشق والسويداء مغلقاً منذ 12 يوليو. إضافة إلى ذلك، أشار البيان إلى أن آثار القتال، بما في ذلك النزوح، تُلقي بضغوط هائلة على النظام الصحي المُنهك أساساً في السويداء، وكذلك في محافظة درعا المجاورة. الاشتباكات تجددت تأتي هذه التحذيرات بينما أوضح قائد الأمن الداخلي في السويداء جنوب سوريا أحمد الدالاتي أن القوات الأمنية دخلت المحافظة لتأمينها وتوفير المساعدات وليس هناك من حصار على السويداء بل ضبط أمني. تجدر الإشارة إلى أن الاشتباكات العنيفة غرب مدينة السويداء تجددت في 3 أغسطس، حيث وقع تبادل لإطلاق النار باستخدام راجمات صواريخ في منطقة التل بين وحدات الدفاع الذاتي في محافظة السويداء والعشائر. وكانت وزارة العدل السورية، أعلنت الأسبوع الماضي تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء الأخيرة. أتى ذلك، بعدما شهدت المحافظة الشهر الماضي قتالا بين الدروز ومجموعات مسلحة من العشائر، أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى ونزوح عشرات الآلاف من سكانها. لتتمكن الحكومة لاحقا من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين، إلا أن هذا الاتفاق تعرض لبعض الخروقات مؤخراً، قبل أن تضبط القوى الأمنية الوضع وتعيد فتح ممر بصرى الشام الإنساني بريف درعا جنوب غربي البلاد بعد تأمين المنطقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store