
"كمن ينتظر إعداما".. هكذا قضى المرضى ليلة استهداف الاحتلال للـ"معمداني"
غزة- صراخ مفاجئ أيقظ محمود نصير، الجريح المستلقي على سريره في قسم الجراحة ب مستشفى المعمداني في مدينة غزة فجر اليوم الأحد. الضوضاء تملأ المكان، وأقدام تركض، وأصوات تصرخ.
وحينما بدأ يدرك ما يجري حوله، أخبروه أن جيش الاحتلال أنذر بقصف المستشفى، وأن دقائق فقط تفصلهم عن الغارة المنتظرة.
كان يسمع ويرى ما يجري، لكنه عاجز عن فعل أي شيء، فجسده لا يتحرك، فهو يعاني من كسر في الظهر، وشلل ينهش نصفه السفلي، ورقبة بالكاد يستطيع أن يديرها.
اتسعت حالة الفوضى من حوله كدوامة، المرضى يُجلون من الغرف، والمرافقون يحملون أبناءهم، والجرحى يُسحبون على عجل، أما هو، فقد بقي، ليس شجاعة، ولا تحديا، بل لأن جسده خذله.
وفي لحظة، دوى الانفجار، وارتجت الجدران، تطاير الزجاج، وانهمر الغبار كعاصفة داخل صالة القسم، اختنق، وشعر أنه على حافة الموت.
يقول نصير للجزيرة نت "لو كنت سليما، لجريت بأقصى سرعة، لكني غير قادر على فعل شيء، قررت البقاء مع من بقوا، الكثيرون فروا ومكثوا في الشوارع المحيطة بالمستشفى".
وكان نصير قد أُصيب قبل 3 أسابيع فقط، حين قصف الاحتلال منزلهم في حي الزيتون.
وقصفت طائرات الاحتلال فجر اليوم الأحد المستشفى المعمداني -الذي يعد الأهم في شمال القطاع- بصاروخين، ما تسبب بوفاة طفل مريض، وبدمار واسع دفع وزارة الصحة في غزة إلى إعلان إخراجه عن الخدمة.
طفلان وليلة رعب
تتشابه قصة "نصير"، مع حكاية زُهري السعودي الذي كان نائما بقسم الجراحة، مرافقا لولديه الجريحين، محمد (13 عاما) وأحمد (10 أعوام)، المصابين في قصف تعرضت له مدرسة "دار الأرقم" شرقي غزة قبل أسبوعين.
فبعد أن هدأ الليل قليلا، أيقظ أحمد والده بصوت مرتجف "يابا، بيحكوا إسرائيل بدها تقصف المعمداني..".
ظن الأب أن ابنه يهذي في نومه، فربّت على كتفه وقال "أنت صاحي ولا بتحلم؟"، لكن الحلم تحول إلى كابوسٍ حقيقي، ففي لحظة، انقلب المشفى إلى ساحة فوضى، الكل يصرخ، والمرضى على الأسرّة يناشدون بنقلهم إلى خارج المستشفى.
يقول السعودي للجزيرة نت "لم أصدق أن القصف ممكن أن يحدث فعلا، فهذه مستشفى، حاولنا الخروج، لكن خفنا أن نتعرض للشظايا في الساحات".
في تلك اللحظة، تدخلت زوجته رانية السعودي، لتكمل قصة شهادته على ما جرى، فتقول للجزيرة نت "لم نكن نعرف ما المبنى الذي سيُقصف… كنا في رعب كبير، وابني محمد من شدة الخوف، أصيب بسخونة، وصار جسده يرتجف".
وتكمل "المرضى كانوا يصرخون: أخرجونا… أخرجونا، لكننا لم نعرف إلى أين نخرج، فالخطر في كل اتجاه، بقينا والحمد لله، ربنا نجانا".
كمن ينتظر إعداما
في باحة المستشفى، كان محمد أبو ناصر يرقد على سريرٍ حديدي، حيث يتلقى العلاج من إصابة في كلتا قدميه، تسبب بها قصف إسرائيلي في مايو/أيار من العام الماضي.
وكسابقيه، اختار أبو ناصر، مضطرا، البقاء في قسم الجراحة خلال وقت القصف، نظرا لعدم وجود مرافق معه، ينقله للخارج.
يروي ما حدث قائلا "أنا جريح لا أستطيع التحرك، وكنت وحدي في قسم الجراحة… البعض تم إخراجه بمساعدة المرافقين، أما أنا فبقيت وحدي، اللحظة كانت مرعبة…".
ويضيف "كنت كأنني أنتظر تنفيذ الإعدام، وحينما حصل القصف كان كالزلزال… المبنى اهتز، الغبار دخل علينا بقوة، خنقنا، لم أستطع التنفّس، كنت أظن أنها نهايتي".
وكسائر الجرحى والمرضى، يردد أبو ناصر السؤال المُلح "أين نذهب الآن؟ نحن كجرحى ومصابين لا نعرف".
خارج الخدمة
بالقرب من الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي، وقف الطبيب فضل نعيم، مدير المستشفى المعمداني، يتفقد آثاره.
وقال نعيم للجزيرة نت "الوضع في المستشفى كان كارثيا من الأصل، كنا نعمل في ظل نظام صحي منهك… نقدّم الخدمات بالحد الأدنى، والآن أصبح أكثر سوءا".
ويعدد نعيم ما تم تدميره قائلا "قسم الطوارئ والاستقبال، وقسم الإسعاف، والمختبر، والصيدلية، وقسم أشعة الطوارئ… هذه ليست مجرد أقسام، هذه هي روح المستشفى، من دونها لا نستطيع استقبال المرضى والجرحى".
وعليه قررت إدارة المستشفى "إخراجه عن الخدمة، نظرا لكون "الدمار كبير، وإصلاحه يحتاج لشهور".
ويضيف نعيم "أنا حزين جدا لهذا القرار، لكننا مضطرون لإخراج المستشفى عن الخدمة، فالأقسام المدمرة هي أساس المستشفى، والمشكلة هي أن المستشفيات الأخرى مكتظة وغير مجهزة ولا تقدم خدمات متكاملة، وسنضطر لتوزيع الخدمات عليها".
ويقرّ المسؤول الطبي أن هذا القرار يعني أن المرضى "سيواجهون خطر فقدان حياتهم أو أطرافهم، أو إصابتهم بإعاقات دائمة".
ويختم: "المستشفى المعمداني، كان عصب وزارة الصحة في شمال القطاع، الوحيد الذي يقدم خدمات متكاملة، وكان الوحيد أيضا الذي يحتوي على جهاز التصوير بالأشعة المقطعية CT".
البديل.. ليس بخير
بعد إخراج المستشفى المعمداني الذي يعد أهم مؤسسة طبية في شمال القطاع عن الخدمة، تواجه وزارة الصحة تحديا خطيرا في إيجاد البديل.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور منير البُرش، مدير عام وزارة الصحة للجزيرة نت "سنضطر لنقل المرضى إلى مستشفى الشفاء ، الذي سنعمل على جعله بديلا في هذه المرحلة، مع السعي لترميم المعمداني وإعادته للحياة من جديد".
لكن مستشفى الشفاء نفسه ليس بخير، بحسب البرش حيث إنه "يعمل حاليا بشكل جزئي كمستشفى ميداني، ونعمل منذ فترة على ترميم بعض أقسامه، وسنركز كل جهدنا عليه في الفترة القادمة".
وكانت قوات الاحتلال قد دمرت غالبية أقسام مستشفى "الشفاء" مرتين، الأولى خلال اجتياحه في نوفمبر/تشرين الأول 2023، والثانية في مارس/آذار 2024.
وحول مشاكل القطاع الصحي في القطاع، يشير البرش إلى أن الاحتلال يمنع إدخال المعونات الطبية منذ بداية مارس/آذار الماضي.
ويكشف عن أرقام مُفزعة حول تأثير الحصار قائلا "60% من الأدوية الأساسية مفقودة، و40% من المستلزمات الطبية غير متوفرة، وتوقفنا عن تقديم خدمات رئيسية مثل القسطرة القلبية وعمليات القلب المفتوح".
ورغم قتامة الصورة، يؤكد البرش أن وزارته "لن تستسلم، وستواصل تقديم الخدمة لمرضانا وجرحانا بالحد الممكن، والأطباء لن يتخلوا عن واجبهم، مهما اشتدت الظروف".
ليست للعلاج فقط
ويرى إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، أن الاعتداء المتكرر على المستشفيات ليس مجرد "تجاوز أخلاقي أو قانوني… بل هو جزء من جريمة إبادة جماعية، تُنفَّذ بأدوات الحرب والنار والحصار".
ويضيف للجزيرة نت " المستشفيات في غزة لم تعد مجرد مبانٍ طبية، هي أصبحت الملاذ الأخير، الأمل الذي يبحث عنه آلاف النازحين ممن دُمّرت منازلهم، والجرحى الذين لم يجدوا فراشا ولا سريرا إلا في باحاتها".
ويقول الثوابتة إن الاحتلال يدرك تماما معنى هذا الأمل، ويختار استهدافه بدقة، "قصف المستشفيات، وتجريد المرضى من العلاج، هو خطوة مدروسة لتحويل غزة إلى منطقة غير صالحة للحياة".
ويكشف أن الاحتلال استهدف منذ بداية الحرب 36 مستشفى، إما بالقصف، أو الحرق، أو التدمير، أو إخراجه عن الخدمة.
ومن أهم تلك المستشفيات إلى جانب "المعمداني": مجمع الشفاء الطبي، والقدس والرنتيسي للأطفال، وناصر الطبي، وأبو يوسف النجار والإندونيسي وكمال عدوان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين
غزة – كالمعتاد، عند الثامنة صباحا فتح قسم بنك الدم في مجمع ناصر الطبي ب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة أبوابه، ولنحو 4 ساعات، رصدت الجزيرة نت هدوءا تاما ومقاعد فارغة، على وقع أصوات الإنذار الصادرة عن سيارات الإسعاف، التي تتوافد على المجمع محملة بجرحى غارات جوية إسرائيلية مكثفة على المنازل وخيام النازحين. طوال هذه الساعات لم يحضر سوى متبرع واحد، اعتاد على التبرع بالدم منذ ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية " طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن يوسف التلاوي يقول للجزيرة نت إنه خلال الشهور الستة الماضية امتنع عن التبرع لشعوره بـ"الهزال والدوخة بسبب المجاعة وسوء التغذية". صبيحة أول أمس الأحد، استيقظ التلاوي وفي نيته التبرع وقد تملّكه الحزن لعدم وجود ما يتناوله من طعام قبل التوجه لبنك الدم، ولولا دعاه صديق له لتناول الإفطار برفقته لما تمكّن من ذلك، ويقول "لا أملك غير دمي للتبرع به للمساعدة في إنقاذ جريح قد تكون قطرة منه تعني الحياة بالنسبة له". قبل اندلاع الحرب كان التلاوي (25 عاما) معتادا على التبرع بشكل دوري ومستمر، مرة كل 3 شهور، غير أن العدوان لم يمنحه الفرصة سوى 3 مرات فقط للتبرع بالدم، ويُرجع هذا الشاب، المتزوج حديثا والذي رُزق بطفلته الأولى، السبب "ل استهداف المستشفيات والحصار والمجاعة وسوء التغذية". إعلان تشير مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة الدكتورة صوفيا زعرب إلى "ظاهرة ملفتة لعزوف الشباب عن التبرع بالدم"، وتقول للجزيرة نت إنها ازدادت على نحو كبير منذ تشديد الحصار وإغلاق المعابر في 2 مارس/آذار الماضي، وما تبع ذلك من تفشي المجاعة وسوء التغذية. وحسب زعرب، لم يدخل رصيد بنك الدم في مجمع ناصر الطبي خلال الأيام الثلاثة الماضية سوى 10 وحدات دم فقط، في مقابل صرف 250 وحدة في الفترة ذاتها منذ صباح يوم الجمعة الماضي، لمواكبة الأعداد الهائلة من الجرحى. من جانبه، يقول شريف إهليل، وهو شاب رياضي في الثلاثين من عمره، للجزيرة نت "أشعر أنني لست بخير"، وكلما عزم على التبرع بالدم يتردد ويعزف عن ذلك. كان إهليل لاعبا لكرة القدم في أندية محلية، ويؤكد أنه لا يعاني من أية أمراض، غير أنه لا يتناول أي طعام صحي منذ إغلاق المعابر واستئناف الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي، حيث لا تتوفر اللحوم والدواجن والأسماك في الأسواق، والخضراوات شحيحة وأسعارها "فلكية"، ويعتمد في غذائه اليومي على ما تبقى لديه من أغذية معلبة حصل عليها في طرود مساعدات إنسانية سابقة. وتقول الدكتورة زعرب إن "المجاعة فتكت بالجميع، وكثيرون من أمثال إهليل في مرحلة الشباب يعانون من سوء التغذية، ويخشون من التبرع بالدم، وبينهم من يتعالى على جوعه ويأتي للتبرع، ولكنه يشعر بالتعب والدوخة ولا يستطيع إكمال الوحدة، ونضطر لإتلاف الكمية التي سُحبت منه". واقع خطير أحد هؤلاء شاب في العشرينيات من عمره، بجسد تبدو عليه الصحة، حضر قبل بضعة أيام للتبرع بالدم، وبعد دقائق معدودة من جلوسه على المقعد المخصص وهو ينظر إلى أنبوب متصل بكيس طبي يُفترض أن يمتلئ بوحدة الدم، ظهرت عليه فجأة علامات التعب الشديد وبدأ يتصبب عرقا وأُصيب بالغثيان والدوخة. لاحظت عليه الموظفة ذلك، وسألته فورا "هل تناولت أي شيء قبل حضورك للتبرع؟ وعندما أخبرها أن آخر ما دخل جوفه "قطعة صغيرة من الخبز تناولها مع القليل من الزعتر الليلة الماضية"، نزعت الأنبوب من يده، ورفضت تبرعه. ووفقا للدكتورة زعرب، فإن مثل هذه الحالة تتكرر مع متبرعين يؤثرون على أنفسهم ويتعالون على آلامهم للتبرع بالدم، تلبية لنداءات متواترة ومستمرة من المستشفيات، للمساهمة في إنقاذ أرواح جرحى، غير أن تداعيات الجوع تظهر عليهم أثناء عملية نقل الدم، التي تتطلب "طاقة وسعرات حرارية وتعويضا سريعا للسوائل والسكريات المفقودة، وهي أشياء رغم بساطتها مفقودة بسبب الحصار والمجاعة". ودرجت العادة على منح العصائر للمتبرع بالدم، لكنها توضح أن بنوك الدم في غزة تفتقر لهذه العصائر بسبب الحصار ومنع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، و"في أحيان كثيرة لا نجد حتى كوبا من المياه العذبة ليشربه المتبرع". ووصفت المسؤولة الطبية واقع بنوك الدم بأنه "معقد وخطير ومقلق للغاية"، وتقدّر أن رصيد الدم المتوفر حاليا يكفي لأربعة أيام فقط في أحسن الأحوال، ما لم تشهد الاعتداءات الإسرائيلية تصعيدا على نحو أكبر وأوسع. قيود إسرائيلية تعاني بنوك الدم في غزة من عجز كبير في أرصدة الدم، وفي أجهزة نقل الدم والأكياس ومواد للفحص، وتقول الدكتورة زعرب إن الكثير من المواد والمستلزمات "رصيدها صفر"، حيث يمنع الاحتلال إدخالها ووحدات دم من الخارج لتغذية الأرصدة ومواكبة التطورات وإنقاذ الجرحى والمرضى، وآخرها كمية من متبرعين ب الضفة الغربية منع إدخالها قبل استئنافه الحرب. وتؤكد "جراء ذلك، نعمل في ظروف صعبة واستثنائية لا تتناسب مع الضغط الهائل في أعداد الجرحى يوميا، وبتنا نحتاج لنحو نصف ساعة من أجل تجهيز وحدة دم واحدة بطريقة يدوية، وهي ضعف المدة التي كنا نستغرقها في الوقت الطبيعي". وتضيف مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة صوفيا زعرب أن شدة الاعتداءات وما ينجم عنها من جرحى، وما تعانيه بنوك الدم من عجز ونواقص في كل شيء، "يجعل من الالتزام بالمعايير الطبية العالمية أمرا صعبا ومعقدا، ونضطر أحيانا لتجاوزها من حيث قياس نسبة الهيموغلوبين، والوزن، والضغط، والتأكد من سلامة المتبرع وخلوه من الأمراض، وقدرته على التبرع". ونتيجة ضغط الحاجة، تضطر بنوك الدم أحيانا للتعامل مع متبرعين يعانون من سوء التغذية، وهو ما يفسر معاناة الأغلبية في الوقت الحالي من الدوخة والصداع والهزال والغثيان، بعد عملية سحب الدم، وفق زعرب.

العرب القطرية
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- العرب القطرية
غذاء الروح والعقل
-A A A+ غذاء الروح والعقل «اقرأ» أوّل كلمة نزلت من كتاب الله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، في دلالة جلية على أهمية القراءة وفضلها عند الله عز وجل، فقد جعل سبحانه وتعالى طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، وأمر بالقراءة لأنها وسيلة العلم التي تتحقّق بها الغاية من خلق الله للإنسان، وهي عبادته سبحانه وتعالى، وعمارة الأرض والخلافة فيها، كما أن القراءة ترتقي بمكانة الإنسان في الدنيا والآخرة، فقد قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. ونتطرق هنا لماهية القراءة وفوائدها، فهي عملية عقلية تعني إدراك القارئ للنص المكتوب وفهمه واستيعاب محتوياته والحصول على المعلومات، وتحتاج إلى مهارات مثل: الكتابة والتحدث والاستماع، ولها فوائد عظيمة؛ منها أنها تخفف التوتر وتنشط الذاكرة وتطور المهارات الكتابية، وتبعث الشعور بالراحة والهدوء، وتنمي العقل والذكاء وتثري المفردات لدى القارئ، وتقوي مهارات التفكير، كما تعد القراءة وسيلة للترفيه والمتعة، وتساعد على زيادة التركيز، وتقليل خطر الإصابة بالزهايمر، وتعزز قدرة ووظائف الدماغ، ومن فوائد القراءة أيضًا تنمية مهارات التحليل والنقد، حيث يكتسب القارئ مهارة التفكير النقدي، فيصبح قادرًا على التفريق بين الكتاب الجيد والكتاب الرديء، والكاتب المميز الذي يعبّر عن أفكاره بدقة واحترافية من غيره، كما يكون قادرًا على التمييز بين أساليب الكتابة وتنوعها، ما ينعكس إيجابًا على حياته الخاصة، وبالتالي على المجتمع. القراءة حياة، فهي صانعة العقول وأساس تقدّم الأمم ونهضتها وصعودها سُلّم الرّقي والازدهار، كما أن الإنسان القارئ يعيش عمرًا معرفيًّا أكثر ممّن لا يقرأ، فالقراءة غذاء العقل والروح، يتعلّم منها الإنسان الأخلاق وكيفية التعامل مع الآخرين، وفهم ثقافات الأمم الأخرى.. لذا على كل شخص أن يُخصص جزءًا من وقته للقراءة، ولا يحرم نفسه من العيش في عالم آخر ممتع وجميل ومليء بالحكمة والمعرفة، ولن يجد الإنسان رفيقًا أفضل من الكتاب، فقد قال المتنبي: أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ * وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ في ظل عصر السرعة والتطور التكنولوجي الذي نعيشه، واختراع الأجهزة الإلكترونية والذكية التي لها وعليها، تراجعت القراءة بشكل ملموس وواضح، فالجيل الحالي يفضّل المقاطع المرئية، حيث تخدر الأجهزة الذكية الأدمغة، وتجعلها تفضّل كل سريع مختصر، وتحبب إليها كل مسلٍّ مضحك، بصرف النظر عن فائدته، مما يجعلنا وأبناءنا في دائرة الخطر؛ لذا لا بد أن نستعيد قيمة المكتبات في بيوتنا، كما يجب تحبيب أبنائنا في الكتب وقراء كل نافع ومفيد، فالمجتمع الذي تتعزز فيه القراءة كسلوك بشري هو المجتمع الذي يبشر بالنهوض والتقدم. معرض الدوحة الدولي للكتاب، الذي تقام فعالياته هذه الأيام، فرصة ذهبية لاقتناء الكتب الغنية بالمعرفة، وأخذ أبنائنا في رحلة ثقافية بين جنباته وأجنحته للاطلاع على الموروث العلمي القيم وعلى أحدث ما أبدعته البشرية من فكر، كما أن ما يقدمه المعرض من ندوات وأنشطة يُحبب في القراءة والثقافة والمعرفة ويحث عليها.. فاغتنموا الفرصة واقرأوا وعلّموا أولادكم قيمة القراءة وفضلها في رقي البشرية وتطورها. @


الجزيرة
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
دمَّره الاحتلال وأغلقه.. جرحى غزة يحتضرون أمام المعمداني
غزة- يجلس الحاج عبد الرحمن أبو الليل داخل عربة مخصصة لأعمال البناء، يجرُّه شاب تمكن من الوصول إليه بعد إصابة مباشرة بقصف من طائرة "كواد كابتر" الإسرائيلية المسيَّرة، بينما كان في طريقه إلى بيته شرق حي الشجاعية في قطاع غزة لجلب الطحين، كما يفعل مواطنون كثيرون عادة. ويقصد الغزِّيون بيوتهم في المناطق الشرقية، مستغلين الهدوء النسبي في ساعات الصباح الأولى، لجمع الحطب أو لجلب بعض الحاجات أو الأطعمة، فقد نزح معظمهم على عجل حين باغتتهم القذائف الإسرائيلية. وفي ظل عدم قدرة سيارات الإسعاف على الوصول إلى المناطق الشرقية من مدينة غزة باعتبارها مناطق حمراء، يصنفها الاحتلال على أنها مناطق قتال خطِرة، يستهدف فيها كل ما يتحرك دون اعتبار أو حصانة للعمل الإنساني في حدودها، فيضطر المواطنون لاستخدام طرق بدائية لنقل المصابين. موت على الطريق يقول المواطن أبو محمد قريقع للجزيرة نت: "استشهد أخي جراء استهدافه مباشرة، لكن طفله كان مصابا، فلفّه أحد الجيران بغطاء ونقله بعربة تجُّرُها دابَّة، ومنها إلى سيارة، واستغرق نقله وقتا طويلا، وحين وصلنا إلى المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) وجدنا أبوابه مغلقة، فاستشهد ابن أخي لتأخر وصوله، ولعدم تمكن المستشفى من استقبال الجرحى". وكان شقيق أبو محمد قد أصيب، وكان رفقته ابنه الصغير خلال عودته إلى منزله شرق حي الزيتون. وكانت إدارة مستشفى المعمداني قد أعلنت إغلاق أبوابه وعدم استقبال المصابين، بعد خروجه عن الخدمة قسرا بفعل قصف إسرائيلي مباشر، استهدف أقساما حيوية فيه، أبرزها قسم الاستقبال والإسعاف، الذي يعد العصب الرئيسي لخدمات الطوارئ في غزة، إضافة إلى أقسام الصيدلية والأشعة والمختبر والعيادات الخارجية. ويصعُبُ على الغزيين تقبُّل خروج المعمداني عن الخدمة، بعدما اعتادوا ارتياده، فقد كان الملاذ الوحيد المخصص لاستقبال الجرحى لعدة شهور، خاصة سكان المناطق الشرقية، الأكثر قربا منهم والأكثر كثافة في غزة، كحي الزيتون والشجاعية و الدرج و التفاح ، إضافة إلى تلبيته الخدمات المتكاملة للجرحى بمدينة غزة. ويوضح الصحفي المقيم في مستشفى المعمداني، عبد الله شهوان للجزيرة نت ذلك، إن المستشفى أصبح أخيرا لتكفين الشهداء، حيث يصل المصابون يوميا دون تمكن المستشفى من استقبالهم، وأن سيارات الإسعاف تنقل الجرحى من بوابة المعمداني إلى أحد المستشفيات المؤهلة، مبينا أنه وثّق استشهاد مصابين خلال نقلهم إلى تلك المستشفيات. أمام العجز! ومع إعلان المستشفى المعمداني مضطرا توقف خدماته، يقول مدير المستشفى الدكتور فضل نعيم للجزيرة نت، إنه من الصعب على أي صاحب قرار في مؤسسة صحية أن يقف عاجزًا أمام مريض كان يعالجه طيلة شهور من الإبادة. ويرى أن إدخال المريض إلى منشأة غير مؤهلة للتعامل معه قد يُضاعف تدهور حالته الصحية، ويفقده ما وصفه بالفرصة الذهبية للنجاة، معتبرا أن نقله مباشرة إلى مركز قادر على تقديم الرعاية اللازمة هو "الخيار الأكثر إنسانية وعقلانية"، خاصة بعد توزيع المستشفى المعمداني كوادره الطبية على أقسام الطوارئ في مستشفيات غزة. وأكد نعيم أن الواقع الجديد للمنظومة الصحية جعل المريض "مشتّتًا ومضطرًا للانتقال من مركز لآخر بحثًا عن علاج طارئ أو اعتيادي"، ولفت إلى أن "المعمداني" كان آخر ما تبقى من مرافق صحية متكاملة في شمال القطاع، وكان يستقبل يوميًا قبل استهدافه أكثر من 500 حالة في قسم الطوارئ، ونحو 1000 أخرى في العيادات الخارجية. ونتيجة لذلك، أوعزت وزارة الصحة في غزة للمواطنين التوجه إلى ثلاثة مستشفيات موزعة في أنحاء المدينة، وهي مجمع الشفاء ومستشفى القدس والمستشفى الميداني الكويتي، وكلها تقدم خدمات جزئية، وقد تم استصلاح أجزاء منها بعدما دمَّرها وأحرقها الاحتلال في هجماته البرية المتكررة. في انتظار الموت وحذَّر نعيم من أن تشتت الخدمات بين مستشفيات غزة قد يودي بحياة العشرات من المصابين يوميا. وقال إن نقل جريح في حالة الخطر من أحد مستشفيات غزة على بعد عدة كيلومترات إلى مستشفى المعمداني، حيث جهاز تصوير الأشعة المقطعية الوحيد في غزة، أمر يودي بحياة عدد من المصابين بشكل مستمر، رغم أن الأصل وجود الخدمات الطبية المتكاملة في مكان واحد، خاصة مع انعدام وسائل المواصلات وتردِّي حال الشوارع. من جهته، قال مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية، للجزيرة نت: إن لخروج مستشفى المعمداني عن الخدمة "أثرا خطِرا جدا" على المنظومة الصحية، في ظل تهالك خدمات الطوارئ المقدمة. وأضاف أنه بسبب إغلاق المعابر منذ بداية مارس/آذار، وعدم دخول حبة دواء واحدة أو أي من المستلزمات الطبية، لا يبقى أمام الجريح من خيار سوى انتظار الموت في أي لحظة. وأكد أبو سلمية، أن مستشفيات غزة تعمل حاليا كوحدة واحدة، في محاولة دائمة للنهوض من بين الركام، باعتبار أن ما تحياه هو صراع من أجل البقاء رغم كل محاولات الإبادة.