
اليوم الرابع للحرب.. قراءة في تصريحات المسؤولين ومتطلبات إسقاط النظام الإيراني
العقيد الركن م. ظافر مراد
تتزايد أهمية التصريحات والمواقف التي يطلقها المسؤولين إبان اندلاع الحروب والمواجهات العنيفة، وتأتي هذه التصريحات والمواقف في إطار عدة أهداف، مثل إيصال رسائل مبطنة، الضغط المعنوي على الخصم، إبراز القدرة على الصمود، التأثير في الرأي العام الدولي المحايد، وغير ذلك من الأهداف التي تأتي ضمن النشاط السياسي والإعلامي المترافق مع العمليات العسكرية.
في إسرائيل، أعلن نتانياهو أن إسقاط النظام ليس الهدف من العملية ولكن قد يكون نتيجة لها، وأن الهدف من العملية العسكرية هو تدمير البرنامج النووي الإسرائيلي والقدرات الصاروخية الإيرانية. يشير ذلك إلى أن إسرائيل لن توقف الحرب إلا بعد تحقيق أهدافها المعلنة، وبالتالي فإن الأيام القليلة القادمة لن تشهد أي نشاط سياسي فاعل بإتجاه وقف العمليات العسكرية، وستستمر الضربات ربما لأسابيع، وبشكلٍ متصاعد في العنف وفي خطورة الإستهداف، والتي قد تطال منشآت خطرة جداً واستخدام أساليب غير تقليدية، في نفس الوقت صرَّح مستشار الأمن القومي الإسرائيلي أن العملية الحالية غير قادرة على تدمير برنامج إيران النووي، وبالتحديد موقع فوردو الأكثر تطوراً والأشد خطورة، ما يعني أننا يجب أن نتوقع شيئاً إستثنائياً في هذا الشأن، مثل تغيير الإسلوب أو تدخل خارجي لتحقيق هذا الهدف، ونقصد هنا تدخل أميركي، أو تشكيل تحالف دولي ضد إيران. وتشكيل تحالف عسكري ضد إيران يتطلب شروطاً معينة تحاول إسرائيل توفيرها من خلال نشاطات ديبلوماسية وعمليات نفسية وإعلامية، أو من خلال دفع إيران لإرتكاب خطأ إستراتيجي يطال الإستقرار والأمن العالمي، مثل إقفال مضيق هرمز، أو إستهداف مصالح أو مواقع أميركية في المنطقة. وفي رد لنتانياهو على سؤال ما إذا كان ترامب قد رفض خطة لإغتيال المرشد الأعلى الإيراني، أجاب: لا تعليق، ولا تعليق هنا، وفي خضم المعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام، تعني أشياءً كثيرة، وقد تعني أن ترامب رفض التوقيت أو رفض الأسلوب، أو أن الحديث عن هذه العملية لا زال في إطار التهديد وليس التنفيذ.
في إيران، أعلن الرئيس الإيراني بازشكيان أن إيران لم تسع للحرب وهي لم تبدأها، وفي هذا التصريح رسالة متناقضة مع المواقف التقليدية للمستوى الديني، والذي يعتبر إسرائيل 'شر مطلق' في المنطقة يجب التخلص منه، وهذا يتناقض أيضاً مع النشاطات الإقليمية العسكرية السابقة ودعم الحركات المعادية لإسرائيل. في الوقت نفسه، أعلنت الخارجية الإيرانية أنها لن تذهب للتفاوض في ظل الحرب الإسرائيلية على إيران، وفي ذلك رسالة مفادها أنها مستعدة للتفاوض في ظروف هدنة ووقف العمليات العسكرية. بينما جاء تحذير هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، والذي طلب من الإسرائيليين مغادرة البلاد، كتهديد في حال لم توقف إسرائيل الهجمات، مؤكداً أن الرد سيكون واسع النطاق وسيطال جميع أنحاء البلاد، وسيتم إستهداف المناطق السكنية والمنشآت الإقتصادية والمنشآت الخطرة. يشير هذا الواقع الديبلوماسي عند إيران إلى أنها مستعدة وبأسرع وقت للحل الديبلوماسي، وإن إستمرار الحرب سيكون له عواقب وخيمة على السكان الإسرائيليين.
في الولايات المتحدة الأميركية، أعلن ترامب بشكلٍ مقتضب يحمل بعض الغموض، أنه سيتوصل إلى إتفاق بين إسرائيل وإيران، وسيفعل كما فعل بين الهند وباكستان، ولكنه لم يحدد الوقت، وهو بذلك يمنح إسرائيل الوقت الذي تريده لإستكمال العملية العسكرية التي تحقق الأهداف النهائية لها، وتؤمن الشروط التي تسمح بوقف القتال. وفي هذا الإطار، وبطلب من القيادة الإيرانية وفقاً للإعلام الغربي، أجرى الرئيس الروسي بوتين إتصالاً هاتفياً مع ترامب عرض فيه الإستعداد للعمل على وساطة توقف الحرب، وكانت نتيجة المكالمة أن بوتين نصح المرشد الإيراني علي خامنئي بالذهاب بأسرع وقت للتفاوض مع الأميركيين، وأنذره بأن النظام في خطر. وعبارة النظام في خطر تحمل الكثير من الدلالات، أقلها أن هناك خططاً ليس فقط لإغتيال المرشد، بل لتفكيك البنية السياسية والعسكرية في إيران، حيث أن ذلك يتطلب عملاً وجهداً كبيرين في التخطيط وفي التنفيذ، ويتطلب حلفاء دوليين وموارد هائلة، فالتخطيط لتغيير النظام في إيران هو مسألة معقدة لا تقتصر على تغيير الأشخاص، بل أيضاً تتطلب تغيير ثقافة وإسلوب حياة وإلتزامات دينية يعيشها الإيرانيون على مستوى القيادات وعلى مستوى الشعب، ويأتي تحذير بوتين في هذا الشأن ليؤكد بأن الخطط جاهزة وتنتظر الأمر للتنفيذ.
في تحليل للبيئة الإيرانية الداخلية، ولما يسمى 'منظور النظم- Systems Perspective' أي مجموعة النظم التي تقوم عليها الجمهورية الإسلامية، نلاحظ أن القيادة الدينية (المرشد الأعلى) والحرس الثوري الإيراني هما الأساس، ولا نستغرب اذا علمنا أن الحرس الثوري يضع يده على الموارد الإقتصادية الهامة في البلاد، ويؤثر ويوجه النشاطات السياسية والأمنية والدينية والإجتماعية والإعلامية. يتطلب تحليل منظور النظم أيضاً فهم ترابط 'العقد-Nodes' أي المفاتيح الأساسية للنظام (أشخاص وموارد) وأبرزهم المرشد الأعلى وقيادة الحرس الثوري، وأيضاً 'الروابط-Links' أي العلاقات الوظيفية بين العقد الاساسية والثانوية في هذه البيئة الداخلية.
يشكل فهم منظور النظم هذا الحاجة الأساسية للتخطيط لإسقاط النظام الإيراني، حيث يتم إستهداف العقد الهامة في النظام (لذلك تم إستهداف القادة العسكريين والخبراء النووين في الضربة الأولى كونهم من العقد الهامة)، والتي يشكل بعضها مركز الثقل في الصمود وفي القوة السياسية والعسكرية والإقتصادية والأيديولوجية (يعتبر المرشد الأعلى على خامنئي مركز الثقل الإستراتيجي والعقدة الأساسية والأهم في هذا النظام). وأيضاً يتم ضرب وقطع العلاقات الوظيفية والتنسيق والتعاون بين العقد الأساسية بين مستويات النظام (مثل قطع العلاقة وتبادل المعلومات بين قيادة الجيش ووزارة الدفاع، بحيث تصبح السلطة السياسية غير قادرة على فهم الواقع الميداني العسكري العام أو الظرفي، وغير قادرة على إتخاذ القرار الصحيح)، وأيضاً داخل كل مستوى ( مثل قطع الإتصالات وتدمير منظومة القيادة والسيطرة بين قيادة الجيش والوحدات العاملة في ميدان المعركة، أو قطع الإتصال وتبادل المعلومات بين القوات البرية والقوات الجوية التي تقدم لها الدعم المباشر في المعركة)، وكل ذلك يجب أن يتم بهدف تعطيل النشاطات وفرض حالة من الفوضى وعدم الوعي الظرفي لمستجدات الوضع وتدمير منظومات القيادة والسيطرة، وبالتالي إرباك القيادة السياسية والدينية العليا والقيادة العسكرية، وتحقيق هزيمتها سياسياً وعسكرياً ومعنوياً.
إن كل ما يجري حالياً هو نشاط عسكري يصنَّف ضمن المستوى العملياتي، قد يطال بعض النواحي الإستراتيجية في بعض الأحيان، ولكن لغاية الآن لم يظهر هناك أي نشاط يمكن أن يكون مؤشراً واضحاً للنية في إسقاط النظام، وكل ما حدث هو عمل يهدف إلى إضعافه ووضعه في موقع الهزيمة لفرض الشروط عليه، وهذه الشروط تشمل تفكيك البرنامج النووي بشكلٍ نهائي مع مراقبة صارمة لكافة المنشآت والنشاطات النووية المدنية التي تتعلق فقط بتأمين الطاقة، إضافة إلى وضع قيود صارمة على برامج الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، وشروط أخرى متعلقة بوقف دعم المنظمات والمجموعات العسكرية المعادية لإسرائيل في المنطقة. وفي محصلة لكل ما حصل منذ بدء الحرب، نلاحظ أن إيران تقتصد بقواتها الصاروخية الإستراتيجية المحدودة، وذلك من خلال تنفيذ ضربات صاروخية متباعدة في الوقت، ومتصاعدة في التأثير، تاركة المجال لباب التفاوض بعد كل ضربة.
أما بالنسبة لإسرائيل، وعلى الرغم من توسيع ضرباتها الجوية وإستهدافاتها في الداخل الإيراني، وإعلان نيتها في الذهاب إلى النهاية لتحقيق أهدافها، فإن إعلامها يركز على الخسائر في المناطق السكنية وعند المواطنين المدنيين، لتوحي بأنها ضحية وأن إيران تقوم بأعمال مخالفة لقواعد الحرب وللقانون الدولي الإنساني، مستجدية بذلك تدخل أميركي وغربي لمساعدتها في هذه الحرب، أقله في الدفاع عنها لإسقاط الصواريخ والمسيرات الإيرانية.
تكمن المعضلة الحقيقية في أن طريق الحل الديبلوماسي شبه معدوم، حيث أن الشروط الإسرائيلية والأميركية من جهة، ومتطلبات هيبة النظام الإيراني والإلتزامات الإيرانية المعلنة بشأن حقها في الطاقة النووية من جهة أخرى، هي مطالب متباعدة جداً ولا مجال لإيجاد اية قواسم مشتركة بينها، فهل سيرضى النظام الإيراني بهذه الشروط أم سيذهب إلى الحرب الشاملة والتي قد تكون سبباً في إسقاطه؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


IM Lebanon
منذ 43 دقائق
- IM Lebanon
بعد تغريدة ترامب.. هلع في طهران!
سادت حال من الهلع في العاصمة الإيرانية طهران، حيث بدأ المواطنون بمغادرة المدينة على عجل، ما تسبب بزحمة خانقة في مداخلها ومخارجها، وذلك عقب تغريدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب. بعد تغريدة ترامب.. هلع في طهران! — IMLebanonNews (@IMLebanonNews) June 16, 2025 June 17, 2025 02:35 AM


IM Lebanon
منذ 43 دقائق
- IM Lebanon
أمر من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا
طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من سكان طهران مغادرة العاصمة الإيرانية 'فورا'. وكتب ترامب في منشور على منصة 'تروث سوشال': 'كان ينبغي على إيران توقيع الاتفاق الذي طلبت منهم توقيعه'. وتابع: 'يا له من عار، يا له من إهدار للأرواح البشرية. ببساطة، لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي. لقد كررت ذلك مرارا وتكرارا'، وختم منشوره قائلا: 'على الجميع إخلاء طهران فورا'.


ليبانون 24
منذ 2 ساعات
- ليبانون 24
ترامب: يا له من عار ويا له من إهدار للأرواح البشرية فإيران ببساطة لا يمكنها امتلاك سلاح نووي
ترامب: يا له من عار ويا له من إهدار للأرواح البشرية فإيران ببساطة لا يمكنها امتلاك سلاح نووي Lebanon 24