logo
الإعلام على الطريقة 'الترامبية'!

الإعلام على الطريقة 'الترامبية'!

الدستور٠١-٠٥-٢٠٢٥

منذ الأيام الأولى لتولّيه رئاسة الولايات المتحدة، أثبت دونالد ترامب أنه رئيس غير تقليدي، خاصة في تعاطيه مع الإعلام. فقد أبدى استعدادًا استثنائيًا للتفاعل مع الصحفيين إلى درجة أن تقارير إعلامية ذكرت أنه أجاب على أكثر من ألف سؤال خلال شهره الأول في البيت الأبيض، وهو رقم يفوق بكثير ما سجّله أسلافه في الفترة نفسها.
وبعد مرور مئة يوم على تسلّمه المنصب، يتضح أن ما يميّز ترامب لا يقتصر على كثافة ظهوره الإعلامي، بل يشمل أيضًا قدرته على تحويل الإعلام إلى أداة لبناء 'علامة سياسية' تحمل اسمه، تتجاوز الإطار المؤسسي للسلطة وتخاطب الجمهور بلغة استعراضية لا تخلو من الصخب والإثارة.
لطالما حذّرت القواعد التقليدية في العمل السياسي من الإفراط في الظهور الإعلامي، خشية أن يؤدي ذلك إلى تآكل الهيبة الرمزية و'احتراق' الصورة العامة. فالشخصيات الكبرى في التاريخ السياسي بُنيت على الندرة والغموض والمسافة المحسوبة مع الجمهور.
لكن ترامب، كعادته، قلب المعادلة. لم يؤمن بفكرة الاقتصاد في الظهور، بل جعل من كثافة الحضور الإعلامي أداة استراتيجية. قرر أن يكون حاضرًا في كل لحظة، وعلى كل شاشة ومنصة. ومع أنه نسف القالب الكلاسيكي للرئيس الأميركي، فقد ابتكر قالبًا جديدًا يحمل بصمته الشخصية: زعيم صاخب، مستفز، دائم الحضور، لا يمكن تجاهله.
فعليًا، دفع ترامب كل الأطراف — خصومه، والإعلام، والمشهد السياسي بأسره — إلى التعامل مع النموذج الذي فرضه بدل تجاوزه. لذلك، لا يمكن اختزال الإجابة عن سؤال: 'هل أفرط ترامب في الظهور؟' بـ'نعم' أو 'لا'، لأن مفهوم 'الإفراط' هنا مرتبط بالسياق وبطبيعة الشخصية.
بالنسبة لترامب، لم يكن الظهور الكثيف خطأ، بل جوهر الاستراتيجية. لم يظهر ليشرح السياسات أو يطلب التعاطف، بل ليحافظ على حضوره في قلب الجدل وتحت الأضواء وفي ذاكرة الرأي العام، سواء أحبه الناس أم كرهوه. ففي الثقافة السياسية التقليدية، كان هذا يُعد 'حرقًا للصورة'، أما في عصر الإعلام الرقمي، فالصورة تُبنى على البقاء في العناوين، لا على التقييمات.
أدرك ترامب مبكرًا أن الجدل هو أقصر طريق للحصول على التغطية الإعلامية. ففي حملته الانتخابية عام 2016، قدّرت بعض الدراسات أن التغطية المجانية التي حصل عليها تجاوزت قيمتها ملياري دولار، بفضل تصريحاته المثيرة وسلوكياته الخارجة عن المألوف. هذا النهج مكّنه من تحقيق تأثير واسع دون إنفاق مبالغ ضخمة، على عكس منافسيه.
لم يكن ترامب ينتظر أن يكون موضوعًا للتغطية، بل كان يصنع الحدث بنفسه. ومن خلال هجماته المتكررة على خصومه السياسيين، وابتكاره لألقاب لاذعة مثل 'Sleepy Joe' و'Crooked Hillary'، أبقى اسمه في صدارة التغطية الإخبارية وفرض إيقاعه على الأجندة.
لم يعد الإعلام بالنسبة له مجرد منبر للخطاب، بل خصمًا مباشرًا. فوصْفه المتكرر لوسائل الإعلام بأنها 'أعداء الشعب' لم يكن مجرد تصعيد بلاغي، بل ركيزة في استراتيجيته السياسية. لقد نجح في خلق جدار نفسي بين جمهوره والإعلام التقليدي، ما جعل من مهمة المحاسبة الإعلامية تحديًا فعليًا.
وفي المشهد السياسي الأميركي المعاصر، يتجلى الإعلام كأداة لا غنى عنها للقيادة وصناعة الرأي العام. وعند مقارنة ثلاث رؤى رئاسية مختلفة، نلاحظ أن ترامب تبنّى نهج المواجهة والجدل والحضور اللحظي للسيطرة على السرد الإعلامي، بينما اعتمد باراك أوباما خطابًا عقلانيًا متزنًا وإعلامًا رقميًا لبناء صورة القائد العصري الجامع، في حين فضّل جو بايدن الظهور المحسوب والخطاب المنضبط، متجنبًا التصعيد رغم استخدامه المدروس للإعلام الرقمي.
يتجلى ذكاء ترامب وتخطيطه في تعامله مع وسائل التواصل الاجتماعي من خلال استثمارها بشكل استراتيجي لأهداف متعددة، من أبرزها دعم الصناعة الإعلامية وتعزيز أرباحها، إلى جانب سعيه لتوسيع نفوذه من خلال التعاون مع المؤثرين الرقميين. وقد أدرك مبكرًا أن هذه المنصات أصبحت القناة الأهم للوصول إلى الأجيال الشابة، ما يعكس قدرته على استيعاب تحولات المشهد الإعلامي وتوظيفها بذكاء في خدمة مشروعه السياسي.
وتبرز شراكته مع المؤثرين الرقميين كدليل على فهمه العميق لتحول موازين القوة الإعلامية من الوسائل التقليدية إلى المنصات الرقمية، حيث بات هؤلاء المؤثرون يشكلون جسورًا فعالة للوصول إلى فئات واسعة من الجمهور، لاسيما الشباب الذين تراجع اعتمادهم على التلفاز والصحف لصالح المحتوى الرقمي. وقد مكّنه هذا التعاون من إيصال رسائله بطريقة غير مباشرة وأكثر قربًا من المتلقي، ما ساهم في ترسيخ أفكاره وبناء صورة ذهنية أكثر ألفة لدى الجمهور.
وباعتماد هذا النهج، حوّل ترامب المؤثرين إلى أدوات تأثير سياسي خارج القنوات الرسمية، مستفيدًا من عفويتهم ومصداقيتهم لدى المتابعين. وبهذا، تمكن من تعزيز حضوره السياسي وتوجيه الرأي العام بطريقة مرنة تتجاوز الأساليب الإعلامية التقليدية
إن دونالد ترامب ليس مجرد سياسي يُجيد استخدام الإعلام، بل هو مهندس لمرحلة جديدة في العلاقة بين السلطة والمنصة. لقد حوّل الإعلام من وسيلة نقل إلى أداة صراع، ومن منبر خطاب إلى ساحة معارك مفتوحة. وفي عصر تتداخل فيه الحدود بين الواقع والاستعراض، يبقى ترامب نموذجًا مثيرًا للجدل لقائد أدرك أن السيطرة على السرد الإعلامي قد تكون أكثر تأثيرًا من السيطرة على مؤسسات الدولة نفسها.
ويبقى السؤال: هل سيدفع ترامب ثمن هذا الإفراط على المدى البعيد؟ أم أن عصر 'الزعيم الهادئ' قد أصبح جزءًا من الماضي؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

يتعهد الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن المصالح بعد تهديد ترامب بنسبة 50 في المائة من التعريفة الجمركية
يتعهد الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن المصالح بعد تهديد ترامب بنسبة 50 في المائة من التعريفة الجمركية

وكالة نيوز

timeمنذ 37 دقائق

  • وكالة نيوز

يتعهد الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن المصالح بعد تهديد ترامب بنسبة 50 في المائة من التعريفة الجمركية

يقول مسؤول الاتحاد الأوروبي إن الصفقة التجارية 'يجب أن تسترشد بالاحترام المتبادل ، وليس التهديدات' بعد أن يقول الرئيس الأمريكي أن المحادثات مع الكتلة 'لا تذهب إلى أي مكان'. قال الاتحاد الأوروبي إنه سيدافع عن مصالحه بعد أن هدد رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بفرض أ تعريفة بنسبة 50 في المائة على جميع البضائع من الكتلة 27 عضو. وقال ماروس سيفكوفيتش المسؤول التجاري الأعلى للاتحاد الأوروبي ، في منشور عن X ، إنه تحدث يوم الجمعة مع الممثل التجاري الأمريكي Jamieson Greer ووزير التجارة هوارد لوتنيك حول هذه القضية. وقال: 'إن الاتحاد الأوروبي يعمل بشكل كامل ، ملتزم بتأمين صفقة تعمل لكليهما' ، مضيفًا أن لجنة الاتحاد الأوروبي لا تزال مستعدة للعمل بحسن نية من أجل اتفاق. 'تجارة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا مثيل لها ويجب أن تسترشد بالاحترام المتبادل ، وليس التهديدات. نحن على استعداد للدفاع عن مصالحنا.' نشر ترامب على منصته الاجتماعية في الحقيقة أنه 'يوصي' بواجب ضخم بنسبة 50 في المائة على الاتحاد الأوروبي ابتداءً من 1 يونيو لأن المحادثات معهم 'لا تذهب إلى أي مكان'. متحدثًا لاحقًا في مكتب البيضاوي ، أكد الرئيس الجمهوري أنه لا يسعى إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي ولكنه قد يؤخر التعريفات إذا قامت المزيد من الشركات الأوروبية باستثمارات كبيرة في الولايات المتحدة. 'أنا لا أبحث عن صفقة' ، قال ترامب للصحفيين. 'لقد وضعنا الصفقة. إنها بنسبة 50 في المائة.' حذر الزعماء الأوروبيون من أن التعريفات سوف تؤذي كلا الجانبين. وقالت وزيرة الاقتصاد الألماني كاثرينا رايش إنه يجب القيام بكل شيء 'لضمان وصول المفوضية الأوروبية إلى حل مفاوضات مع الولايات المتحدة' بينما قال وزير الخارجية الفرنسي لوران مارتين إن الكتلة تفضل إلغاء التصعيد ولكنها 'مستعدة للرد'. إذا تم تنفيذها ، فإن التعريفات تعني أن الاتحاد الأوروبي سيحصل على ضرائب استيراد أعلى على مئات المليارات من البضائع المصدرة مقارنة بالصين ، والتي هل قطعت التعريفة الجمركية في وقت سابق من هذا الشهر للسماح بمزيد من المفاوضات بين واشنطن العاصمة وبكين. في أوائل شهر أبريل ، أعلن ترامب عن تعريفة بنسبة 20 في المائة على معظم سلع الاتحاد الأوروبي ، لكنها خفضت إلى 10 في المائة حتى 8 يوليو لإتاحة الوقت لمزيد من المفاوضات. اشتكى ترامب من أن الأطر القائمة 'غير عادلة' للشركات الأمريكية حيث تبيع الكتلة الأوروبية المزيد من السلع على حليفها أكثر مما تشتريه. حذر ترامب يوم الجمعة أيضًا من أن شركة Apple العملاقة للتكنولوجيا الأمريكية يمكن أن تصل إلى ضريبة استيراد بنسبة 25 في المائة على جميع أجهزة iPhone التي لم يتم تصنيعها ولكن تم بيعها في الولايات المتحدة. تعاملت إعلاناته عبر الإنترنت إلى ضربة أخرى لأسواق الأسهم في الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي ، حيث انخفض مؤشر S&P 500 بنحو 0.8 في المائة ومؤشر STOXX 600 Pan-European حوالي 1.2 في المائة.

سعر أونصة الذهب.. تحديث فوري في سعر الذهب اليوم
سعر أونصة الذهب.. تحديث فوري في سعر الذهب اليوم

اليوم السابع

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليوم السابع

سعر أونصة الذهب.. تحديث فوري في سعر الذهب اليوم

سجل سعر أونصة الذهب العالمي حالة من الاستقرار عند 3360 دولارًا في ختام تداولات الأسبوع، بعد ارتفاع خلال الأسبوع الماضي بنسبة 4.8% ليسجل اعلى مستوى عند 3366 دولار للأونصة. أسعار الذهب في مصر اليوم - عيار 24 يسجل 5382.86 جنيه. - عيار 21 يسجل 4710 جنيهات. - عيار 18 يسجل 4038 جنيهًا. - عيار 14 يسجل 3133 جنيهات. - الجنيه الذهب 37640 جنيهًا. كما صرح ترامب بأن شركة آبل ستدفع رسومًا جمركية بنسبة 25% على أجهزة آيفون التي تباع في الولايات المتحدة ولكنها غير مصنعة هناك. أدت هذه التصريحات إلى تراجع أسواق الأسهم الأمريكية والأوروبية ليعود الطلب على الذهب كملاذ آمن إلى التزايد من جديد، خاصة وأن الدولار الأمريكي قد وسع من خسائره وسجل أدنى مستوى في 3 أسابيع خلال جلسة الأمس بعد تصريحات ترامب. ضعف الدولار الأمريكي وتراجع مؤشرات الأسهم ساعد على ارتفاع سعر الذهب في ظل العلاقة العكسية التي تربط بينهم. كما ساهم التقدم المحرز في مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق الذي يدعمه الرئيس دونالد ترامب، في تعزيز المخاوف بشأن الوضع المالي. ومن المتوقع أن يضيف مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب بفارق ضئيل يوم الخميس، أكثر من 3 تريليونات دولار إلى الدين العام خلال العقد المقبل وفقًا لبعض التحليلات. شهدت السندات الحكومية الأمريكية عمليات بيع مطولة لسندات الخزانة هذا الأسبوع، مما دفع العائدات إلى الارتفاع بشكل كبير وضغط على الدولار بشكل سلبي، وذلك بعد أن بدأت المخاوف بشأن ديون الولايات المتحدة بالظهور بعد تخفيض وكالة موديز للتصنيف الائتماني للديون السيادية الأمريكية. تقرير التزامات المتداولين المفصل الصادر عن لجنة تداول السلع الآجلة، والذي يظهر وضع المضاربة على الذهب للأسبوع المنتهي في 20 مايو، أظهر انخفاض طفيف في عقود شراء الذهب الآجلة من قبل المتداولين الأفراد والصناديق والمؤسسات المالية بهدف المضاربة بمقدار - 129 عقد مقارنة مع التقرير الماضي، كما انخفضت عقود البيع بمقدار - 2901 عقد. ويعكس التقرير الذي يغطي الفترة السابقة للأسبوع الماضي تقلص في ضعف الطلب على الاستثمار في الذهب بسبب التهدئة الأخيرة في أزمة الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، وقد نشهد من الأسبوع القادم عودة الطلب إلى الارتفاع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store