
خرم سلطان: من هي "أقوى" امرأة في التاريخ العثماني؟
تُعتبر المرأة الأكثر نفوذاً في تاريخ الإمبراطورية العثمانية، والزوجة الحبيبة لسليمان القانوني، أحد أقوى الحكام في التاريخ، وشخصية غامضة لا يزال إرثها يُكتب ويُعاد تفسيره، وهي تُبهر عشاق التاريخ حتى بعد أكثر من أربعة قرون من وفاتها في عام 1558.
ولم تعد السلطانة خُرم سلطان، المعروفة أيضاً باسم روكسيلانا، مجرد جارية أو زوجة بل خاضت رحلة استثنائية من العبودية إلى قمة النفوذ الإمبراطوري، لتصبح شخصيةً أعادت تشكيل المشهد السياسي للبلاط العثماني في القرن السادس عشر.
وكانت الإمبراطورية العثمانية تسيطر على جنوب شرق أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا من القرن الرابع عشر إلى أوائل القرن العشرين، وتُعتبر واحدة من أكبر الإمبراطوريات وأطولها عمراً في التاريخ.
ويرى العديد من المؤرخين أن "سلطنة النساء"، وهي فترة مارست فيها النساء الملكيات تأثيراً غير مسبوق على الحكم العثماني، بدأت مع صعود خُرم.
وقد حظيت فترة وجودها في الحريم العثماني - وهو الجناح الخاص في قصر السلطان، حيث كانت زوجات السلطان ومحظياته ونساء عائلته وخادماته - بتوثيق جيد.
ومع ذلك، وبعد قرون، لا يزال لغز أصولها يثير الجدل، فهل كانت أسيرة من أوكرانيا المعاصرة، أم ابنة كاهن أرثوذكسي، أم كما تشير نظرية غير متوقعة بأنها امرأة إيطالية نبيلة اختطفها القراصنة؟
من الأسر إلى البلاط
ويعتقد معظم المؤرخين أن السلطانة خُرم وُلدت في أوائل القرن السادس عشر في روثينيا، وهي منطقة تاريخية شملت أجزاءً مما يُعرف اليوم بأوكرانيا وبولندا وبيلاروسيا.
ولا يوجد سجل قاطع لاسم خُرم عند ولادتها، فبينما تُشير إليها بعض المصادر الأوكرانية باسم ألكسندرا ليسوفسكا أو أناستازيا، يعتقد آخرون أنها عُرفت بأسماء مثل لا روسا (الحمراء)، وروزانا (الوردة الأنيقة)، وروكسلان (المرأة الروثينية)، وروكسانا، أو روكسيلانا في أوروبا الغربية.
ومع ذلك، تُشير إليها الوثائق العثمانية الرسمية باسم هاسكي خُرم سلطان، و"خُرم" تعني الفرحة بالفارسية، و"هاسكي" لقب فخري يُمنح لأم طفل السلطان.
Tims Productions
وتزعم بعض المصادر أن خرم كانت ابنة كاهن أرثوذكسي، بينما تشير مصادر أخرى إلى أنها ولدت لعائلة من المزارعين.
وتشير سجلات إلى أنها أُسرت على يد غزاة من تتار القرم في روهاتين، وهي بلدة كانت آنذاك جزءًا من المملكة البولندية وتقع حالياً في غرب أوكرانيا، وذلك وفقاً للأستاذ الجامعي التركي فريدون إميسين.
ثم بِيعَت كجارية، وجُلبت إلى الإمبراطورية العثمانية في أوائل مراهقتها، ووُهِبَت لوالدة الأمير سليمان، المعروف لاحقاً باسم سليمان القانوني، وذلك بحسب الأستاذة الجامعية التركية زينب تاريم.
ويُرجح المؤرخون انضمامها إلى الحريم بحلول عام 1520، استناداً إلى أن ابنهما الأول، الأمير محمد، ولد في العام التالي.
وكسر سليمان القانوني قروناً من الأعراف، فتزوجها لاحقاً، وهو ما صدم البلاط ورفع مكانة خُرم إلى مستوى غير مسبوق حيث لم يسبق لأي سلطان عثماني أن تزوج محظية.
المنعطف الإيطالي
وعلى الرغم من الإجماع الواسع على جذورها الروثينية، فإنه لا تزال هناك نظريات بديلة حول خلفية خُرم.
ويأتي أحد الادعاءات المثيرة للجدل بشكل خاص من الباحث الدكتور رينالدو مرمرا، الذي يقول إنه اكتشف مخطوطة في أرشيف الفاتيكان تشير إلى أن خُرم كانت في الواقع امرأة إيطالية نبيلة تُدعى مارغريتا من عائلة مارسيغلي في سيينا.
ويقول الباحث مرمرا إنه وفقاً لهذه الوثيقة فقد أُسرت هي وشقيقها على يد قراصنة وبِيعا كعبد وجارية في البلاط العثماني.
وذهب مرمرا إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن المخطوطة تكشف عن قرابة مزعومة بين السلطان محمد الرابع، سليل خُرم، والبابا ألكسندر السابع، مما يُلقي بظلال من الشك على هويتها الروثينية ويُشير إلى نسب نبيل.
ومع ذلك، لا يزال المؤرخون مُتشككين في ذلك، وتُحذّر البروفيسورة تاريم من أن صحة هذا الادعاء تتطلب إثباتات أكثر بكثير.
وتُشير إلى غياب أي ذكر في سجلات سفراء البندقية المُفصّلة للغاية، وهي من أكثر مصادر شائعات البلاط والشؤون الدبلوماسية موثوقية في تلك الفترة.
وتقول: "لو كان هناك شيء من هذا القبيل، لكانت السجلات قد أخبرتنا عنه، وكنا عرفنا عن هذا الأمر قبل ذلك بكثير".
ويؤيد البروفيسور إيميسين هذا التشكك، معترفاً بأنه في حين أن خُرم كانت تتواصل مع العائلة المالكة البولندية، فإن هذا كان على الأرجح جزءاً من الدبلوماسية الرسمية وليس دليلاً على الأصل النبيل.
ويتفاقم هذا الالتباس بسبب كيفية الإشارة إلى خُرم سلطان في المصادر المختلفة.
فقد أطلقت عليها وثائق وأشعار من العصر العثماني أحيانًا لقب "الساحرة الروسية"، وهو لقب مهين استخدمه منتقدوها، لا سيما بعد إعدام ابن سليمان الأكبر، الأمير مصطفى، المولود من امرأة أخرى، والأول في ترتيب ولاية العرش العثماني.
وكان يُعتقد على نطاق واسع أن خُرم هي من دبرت سقوطه، ممهدة الطريق لارتقاء أبنائها العرش.
ويوضح البروفيسور إميسين أن مصطلح "روس" في السياق العثماني لم يكن حكراً على الروس كعرق، بل كان تسمية جغرافية تُطلق على أي شخص من الشمال، بمن فيهم الأوكرانيون والبيلاروسيون المعاصرون.
كما أشار الرحالة الغربيون ودبلوماسيو البندقية في ذلك الوقت إلى خُرم باعتبارها روسية، لكن الباحثين يجادلون بأن هذا كان انعكاسًا لأصولها الجغرافية أكثر من انتمائها العرقي.
ويقول البروفيسور إميسين: "في ذلك الوقت، لم تكن روسيا موجودة ضمن حدود اليوم، وما يقصدونه بالروسية في مراسلات تلك الفترة هو الجغرافيا الروسية".
ويقول فيتالي تشيرفونينكو من بي بي سي نيوز الأوكرانية: "في القرن السادس عشر، سُميت الأراضي ذات السكان الأوكرانيين في بولندا بمقاطعة روسك، وكانت روهاتين جزءًا منها".
ويضيف قائلاً: "كان الأوكرانيون في ذلك الوقت يُطلق عليهم اسم روسين، لكن هذا لم يكن له أي صلة بروسيا".
وفي السنوات الأخيرة، اكتسبت هوية السلطانة خُرم أهمية سياسية متجددة، لا سيما في أوكرانيا، حيث يُحتفى بها كشخصية وطنية.
وتنتصب تماثيل تكريماً لها في مسقط رأسها المزعوم، روهاتين، ويحمل مسجد في مدينة ماريوبول، التي تحتلها روسيا حالياً، اسمها إلى جانب اسم السلطان سليمان القانوني.
وفي عام 2019، وبناءً على طلب السفارة الأوكرانية في أنقرة، أُزيلت إشارة إلى "أصلها الروسي" من نقش قبرها في مجمع مسجد السليمانية في إسطنبول.
ويُبرز النقش المُحدّث الآن تراثها الأوكراني، مُؤكدًا على استمرار إرثها في سياق الجغرافيا السياسية الحديثة.
الأعمال الخيرية
ولقد امتد تأثير خُرم إلى ما هو أبعد من جدران الحريم، ولكن لعلّ أعمالها الخيرية هي الأبقى.
فقد أنشأت مساجد ومطابخ خيرية ومؤسسات خيرية في إسطنبول والقدس، اللتين كانتا آنذاك جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، ولا يزال حيّ هاسكي في إسطنبول يحمل اسمها حتى اليوم.
BBC
ووفقاً للسجلات التاريخية، توفيت السلطانة خُرم في إسطنبول في 15 أبريل/نيسان من عام 1558، وكانت وفاتها طبيعية. وقد دفن جثمانها في جامع السليمانية، ولاحقًا، تم تشييد ضريح في مكان قبرها بأمر من السلطان سليمان القانوني نفسه.
وشكلت وفاتها نهاية حياة استثنائية، لكنها لم تُنهِ التساؤلات التي أحاطت بها.
وسواءً كانت أسيرةً روثينية، أو أرستقراطيةً إيطالية، أو امرأةً ذات نفوذٍ أُسيء فهمها، تظلّ السلطانة خُرم واحدةً من أكثر الشخصيات جاذبيةً وإثارةً للجدل في التاريخ العثماني والعالمي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- شفق نيوز
خرم سلطان: من هي "أقوى" امرأة في التاريخ العثماني؟
تُعتبر المرأة الأكثر نفوذاً في تاريخ الإمبراطورية العثمانية، والزوجة الحبيبة لسليمان القانوني، أحد أقوى الحكام في التاريخ، وشخصية غامضة لا يزال إرثها يُكتب ويُعاد تفسيره، وهي تُبهر عشاق التاريخ حتى بعد أكثر من أربعة قرون من وفاتها في عام 1558. ولم تعد السلطانة خُرم سلطان، المعروفة أيضاً باسم روكسيلانا، مجرد جارية أو زوجة بل خاضت رحلة استثنائية من العبودية إلى قمة النفوذ الإمبراطوري، لتصبح شخصيةً أعادت تشكيل المشهد السياسي للبلاط العثماني في القرن السادس عشر. وكانت الإمبراطورية العثمانية تسيطر على جنوب شرق أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا من القرن الرابع عشر إلى أوائل القرن العشرين، وتُعتبر واحدة من أكبر الإمبراطوريات وأطولها عمراً في التاريخ. ويرى العديد من المؤرخين أن "سلطنة النساء"، وهي فترة مارست فيها النساء الملكيات تأثيراً غير مسبوق على الحكم العثماني، بدأت مع صعود خُرم. وقد حظيت فترة وجودها في الحريم العثماني - وهو الجناح الخاص في قصر السلطان، حيث كانت زوجات السلطان ومحظياته ونساء عائلته وخادماته - بتوثيق جيد. ومع ذلك، وبعد قرون، لا يزال لغز أصولها يثير الجدل، فهل كانت أسيرة من أوكرانيا المعاصرة، أم ابنة كاهن أرثوذكسي، أم كما تشير نظرية غير متوقعة بأنها امرأة إيطالية نبيلة اختطفها القراصنة؟ من الأسر إلى البلاط ويعتقد معظم المؤرخين أن السلطانة خُرم وُلدت في أوائل القرن السادس عشر في روثينيا، وهي منطقة تاريخية شملت أجزاءً مما يُعرف اليوم بأوكرانيا وبولندا وبيلاروسيا. ولا يوجد سجل قاطع لاسم خُرم عند ولادتها، فبينما تُشير إليها بعض المصادر الأوكرانية باسم ألكسندرا ليسوفسكا أو أناستازيا، يعتقد آخرون أنها عُرفت بأسماء مثل لا روسا (الحمراء)، وروزانا (الوردة الأنيقة)، وروكسلان (المرأة الروثينية)، وروكسانا، أو روكسيلانا في أوروبا الغربية. ومع ذلك، تُشير إليها الوثائق العثمانية الرسمية باسم هاسكي خُرم سلطان، و"خُرم" تعني الفرحة بالفارسية، و"هاسكي" لقب فخري يُمنح لأم طفل السلطان. Tims Productions وتزعم بعض المصادر أن خرم كانت ابنة كاهن أرثوذكسي، بينما تشير مصادر أخرى إلى أنها ولدت لعائلة من المزارعين. وتشير سجلات إلى أنها أُسرت على يد غزاة من تتار القرم في روهاتين، وهي بلدة كانت آنذاك جزءًا من المملكة البولندية وتقع حالياً في غرب أوكرانيا، وذلك وفقاً للأستاذ الجامعي التركي فريدون إميسين. ثم بِيعَت كجارية، وجُلبت إلى الإمبراطورية العثمانية في أوائل مراهقتها، ووُهِبَت لوالدة الأمير سليمان، المعروف لاحقاً باسم سليمان القانوني، وذلك بحسب الأستاذة الجامعية التركية زينب تاريم. ويُرجح المؤرخون انضمامها إلى الحريم بحلول عام 1520، استناداً إلى أن ابنهما الأول، الأمير محمد، ولد في العام التالي. وكسر سليمان القانوني قروناً من الأعراف، فتزوجها لاحقاً، وهو ما صدم البلاط ورفع مكانة خُرم إلى مستوى غير مسبوق حيث لم يسبق لأي سلطان عثماني أن تزوج محظية. المنعطف الإيطالي وعلى الرغم من الإجماع الواسع على جذورها الروثينية، فإنه لا تزال هناك نظريات بديلة حول خلفية خُرم. ويأتي أحد الادعاءات المثيرة للجدل بشكل خاص من الباحث الدكتور رينالدو مرمرا، الذي يقول إنه اكتشف مخطوطة في أرشيف الفاتيكان تشير إلى أن خُرم كانت في الواقع امرأة إيطالية نبيلة تُدعى مارغريتا من عائلة مارسيغلي في سيينا. ويقول الباحث مرمرا إنه وفقاً لهذه الوثيقة فقد أُسرت هي وشقيقها على يد قراصنة وبِيعا كعبد وجارية في البلاط العثماني. وذهب مرمرا إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن المخطوطة تكشف عن قرابة مزعومة بين السلطان محمد الرابع، سليل خُرم، والبابا ألكسندر السابع، مما يُلقي بظلال من الشك على هويتها الروثينية ويُشير إلى نسب نبيل. ومع ذلك، لا يزال المؤرخون مُتشككين في ذلك، وتُحذّر البروفيسورة تاريم من أن صحة هذا الادعاء تتطلب إثباتات أكثر بكثير. وتُشير إلى غياب أي ذكر في سجلات سفراء البندقية المُفصّلة للغاية، وهي من أكثر مصادر شائعات البلاط والشؤون الدبلوماسية موثوقية في تلك الفترة. وتقول: "لو كان هناك شيء من هذا القبيل، لكانت السجلات قد أخبرتنا عنه، وكنا عرفنا عن هذا الأمر قبل ذلك بكثير". ويؤيد البروفيسور إيميسين هذا التشكك، معترفاً بأنه في حين أن خُرم كانت تتواصل مع العائلة المالكة البولندية، فإن هذا كان على الأرجح جزءاً من الدبلوماسية الرسمية وليس دليلاً على الأصل النبيل. ويتفاقم هذا الالتباس بسبب كيفية الإشارة إلى خُرم سلطان في المصادر المختلفة. فقد أطلقت عليها وثائق وأشعار من العصر العثماني أحيانًا لقب "الساحرة الروسية"، وهو لقب مهين استخدمه منتقدوها، لا سيما بعد إعدام ابن سليمان الأكبر، الأمير مصطفى، المولود من امرأة أخرى، والأول في ترتيب ولاية العرش العثماني. وكان يُعتقد على نطاق واسع أن خُرم هي من دبرت سقوطه، ممهدة الطريق لارتقاء أبنائها العرش. ويوضح البروفيسور إميسين أن مصطلح "روس" في السياق العثماني لم يكن حكراً على الروس كعرق، بل كان تسمية جغرافية تُطلق على أي شخص من الشمال، بمن فيهم الأوكرانيون والبيلاروسيون المعاصرون. كما أشار الرحالة الغربيون ودبلوماسيو البندقية في ذلك الوقت إلى خُرم باعتبارها روسية، لكن الباحثين يجادلون بأن هذا كان انعكاسًا لأصولها الجغرافية أكثر من انتمائها العرقي. ويقول البروفيسور إميسين: "في ذلك الوقت، لم تكن روسيا موجودة ضمن حدود اليوم، وما يقصدونه بالروسية في مراسلات تلك الفترة هو الجغرافيا الروسية". ويقول فيتالي تشيرفونينكو من بي بي سي نيوز الأوكرانية: "في القرن السادس عشر، سُميت الأراضي ذات السكان الأوكرانيين في بولندا بمقاطعة روسك، وكانت روهاتين جزءًا منها". ويضيف قائلاً: "كان الأوكرانيون في ذلك الوقت يُطلق عليهم اسم روسين، لكن هذا لم يكن له أي صلة بروسيا". وفي السنوات الأخيرة، اكتسبت هوية السلطانة خُرم أهمية سياسية متجددة، لا سيما في أوكرانيا، حيث يُحتفى بها كشخصية وطنية. وتنتصب تماثيل تكريماً لها في مسقط رأسها المزعوم، روهاتين، ويحمل مسجد في مدينة ماريوبول، التي تحتلها روسيا حالياً، اسمها إلى جانب اسم السلطان سليمان القانوني. وفي عام 2019، وبناءً على طلب السفارة الأوكرانية في أنقرة، أُزيلت إشارة إلى "أصلها الروسي" من نقش قبرها في مجمع مسجد السليمانية في إسطنبول. ويُبرز النقش المُحدّث الآن تراثها الأوكراني، مُؤكدًا على استمرار إرثها في سياق الجغرافيا السياسية الحديثة. الأعمال الخيرية ولقد امتد تأثير خُرم إلى ما هو أبعد من جدران الحريم، ولكن لعلّ أعمالها الخيرية هي الأبقى. فقد أنشأت مساجد ومطابخ خيرية ومؤسسات خيرية في إسطنبول والقدس، اللتين كانتا آنذاك جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، ولا يزال حيّ هاسكي في إسطنبول يحمل اسمها حتى اليوم. BBC ووفقاً للسجلات التاريخية، توفيت السلطانة خُرم في إسطنبول في 15 أبريل/نيسان من عام 1558، وكانت وفاتها طبيعية. وقد دفن جثمانها في جامع السليمانية، ولاحقًا، تم تشييد ضريح في مكان قبرها بأمر من السلطان سليمان القانوني نفسه. وشكلت وفاتها نهاية حياة استثنائية، لكنها لم تُنهِ التساؤلات التي أحاطت بها. وسواءً كانت أسيرةً روثينية، أو أرستقراطيةً إيطالية، أو امرأةً ذات نفوذٍ أُسيء فهمها، تظلّ السلطانة خُرم واحدةً من أكثر الشخصيات جاذبيةً وإثارةً للجدل في التاريخ العثماني والعالمي.


شفق نيوز
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- شفق نيوز
اتفاق عراقي إيراني على إنشاء سكة حديد بغداد
شفق نيوز/ أفادت وكالة "تسنيم" الإيرانية الدولية للأنباء، يوم الأربعاء، بأن الحكومة العراقية وافقت على إنشاء سكة حديد جديدة تربط العاصمة بغداد بمعبر خسروي الإيراني. وذكرت الوكالة أن مستشار رئيس الوزراء العراقي حازم الخالدي، أكد خلال لقائه النائب التنفيذي للرئيس الإيراني محمد جعفر قائم بناه، في كرمانشاه الايرانية، على موافقة الحكومة العراقية على إنشاء سكة حديد بغداد - خسروي. وأكد قائم بناه، خلال هذا اللقاء على ضرورة تسريع تنفيذ مشاريع النقل البري والسككي، وإنشاء منطقة تجارة حرة مشتركة، وتعزيز التعاون الاقتصادي في مجال الطاقة. وأشار قائم بناه، إلى المشتركات الثقافية والدينية والحدودية بين إيران والعراق، معتبراً تطوير طرق المواصلات وخاصة ربط شبكات السكك الحديدية ضرورياً لتعميق العلاقات الاقتصادية والشعبية بين البلدين. كما نوه إلى أهمية مشروع الممر السككي الشلامجة - البصرة، قائلاً: "الالتزامات الإيرانية في هذا المشروع تنفذ بشكل جيد، والبنية التحتية للسكك الحديدية داخل الأراضي الإيرانية تسير حسب البرنامج. نتوقع من الجانب العراقي الإسراع في تنفيذ التزاماته ليكون هذا المسار المهم جاهزاً للاستخدام في أقرب وقت ممكن". وأضاف قائم بناه، مذكراً بمذكرة التفاهم التاريخية بين إيران والعراق حول الربط السككي: "ربط خسروي - بغداد بالسكك الحديدية هو أحد المشاريع الإستراتيجية التي يجب متابعتها بجدية نظراً لحجم التبادلات التجارية الكبيرة عبر حدود خسروي. هذا المشروع يمكنه تسهيل التبادلات الاقتصادية وتوفير مسار جديد لتنقل الزوار بين البلدين". كما أشار إلى إنشاء منطقة قصر شيرين للتجارة الحرة في إيران، مقترحاً إنشاء منطقة حرة مماثلة في المحافظة الحدودية العراقية، قائلاً: "إنشاء منطقة حرة مشتركة على حدود قصر شيرين وخانقين يمكن أن يساهم في ازدهار التبادلات الاقتصادية وتعزيز الروابط الشعبية بين البلدين". في هذا اللقاء، أبلغ مستشار رئيس الوزراء العراقي، حازم الخالدي، برسالة تعزية من رئيس الوزراء العراق بمناسبة حادثة بندر عباس الأخيرة، وأعلن عن تقدم مشروع إزالة الألغام في مسار الشلامجة - البصرة، قائلاً: "الشركة الإسبانية المسؤولة عن المشروع ستبدأ قريباً العمليات التنفيذية". وتحدث عن ربط خسروي ببغداد قائلاً: "رغم أن المسار البري كان مطروحاً في البداية، إلا أن الحكومة العراقية وافقت في الأشهر الأخيرة على تنفيذ المسار السككي، وتم توقيع عقد مع شركة إسبانية في هذا الشأن خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي لإسبانيا". بدوره، أكد نائب وزير التجارة العراقي، ستار الجابري، والذي حضر هذا الاجتماع ايضا على استعداد العراق لإنشاء مدن صناعية مشتركة قرب الحدود الإيرانية، وشدد على ضرورة تسهيل العلاقات الاقتصادية وإزالة العقبات، مقدماً مقترحاً باستثمار جزء من الموارد المالية الإيرانية في المشاريع الاقتصادية العراقية. ومن بين محاور هذا اللقاء مناقشة التعاون بين البلدين في مجال الطاقة. حيث طالب المسؤولون العراقيون، مع الإشارة إلى أهمية استمرار تصدير الغاز والكهرباء من إيران، بضمان استمرار توفير الطاقة خلال فصل الصيف. وأكد قائم پناه على أهمية العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين البلدين، مشدداً على ضرورة التنسيق الفني والمالي لضمان استمرار التعاون، معلناً استعداد إيران لدراسة سبل تعزيز تصدير الطاقة في إطار الاتفاقيات الثنائية. وحضر هذا اللقاء ايضا المهندس ذاكري، المدير العام لشركة سكك حديد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث قدم تقريراً عن آخر مستجدات مشروع سكة حديد الشلامجة - البصرة وخطط تطوير الربط السككي حتى حدود خسروي. وفي ختام الاجتماع، أكد الجانبان على تسريع تنفيذ المشاريع المشتركة، بما فيها إكمال الممر السككي الشلمجة - البصرة، وربط خسروي - بغداد بالسكك الحديدية، وإنشاء مناطق تجارة حرة مشتركة، مع الاتفاق على متابعة هذه المواضيع في إطار اللجنة المشتركة للتعاون بين إيران والعراق. ويعد ربط سكة حديد كرمانشاه - خسروي ببغداد وإنشاء منطقة تجارة حرة مشتركة على حدود قصر شيرين - خانقين من أهم المشاريع الاستراتيجية لمحافظة كرمانشاه، والتي يتابعها محافظ كرمانشاه الدكتور منوچهر حبيبي بشكل خاص في الأشهر الأخيرة. وفي هذا الإطار، جرت مشاورات واتفاقيات مع مسؤولين عراقيين بينهم محافظ ديالي - المحافظة المتاخمة لكرمانشاه - لتسريع متابعة هذه المشاريع. وجرت هذه التفاعلات بهدف تسهيل التجارة الحدودية، وتطوير بنية النقل، وتعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية بين إيران والعراق.


شفق نيوز
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- شفق نيوز
العالقون في حميميم: عائلات سورية علوية تخشى أن يتم التخلي عنها
على وقع أعمال عنف دامية شهدتها مناطق مختلفة من الساحل السوري مطلع مارس/آذار الماضي، لجأ آلاف من العلويين من مناطق سكناهم هناك، إلى قاعدة حميميم الجوية الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة اللاذقية، والتي تديرها روسيا، حيث يعيشون حياة قاسية. وبعد أسابيع من لجوء هؤلاء الأشخاص إلى القاعدة، التي أُنشئِت عام 2015 وتنتشر فيها قوات روسية منذ توقيع اتفاق خلال العام نفسه بين موسكو وحكومة الرئيس السوري السابق بشار الأسد، بات بعضهم يقولون إنهم يتعرضون حاليا، داخلها لتضييق بصور مختلفة. من بين هؤلاء، رجل اختار أن يسمي نفسه "أحمد"، قال لـ "بي بي سي" إن هذا "التضييق" بدأ منذ أسابيع قليلة، مشيرا إلى أن القوات الروسية في القاعدة، بدأت بإخراج السوريين المحتمين بها من أبنيتها، ليقيموا في مجموعة من الخيام، مع تحديد مواعيد لهم للاستيقاظ عند الساعة السابعة صباحا، وتكليفهم عند الاستيقاظ، بتنظيف خيامهم وجمع القمامة منها. ولا يراعي ذلك، بحسب "أحمد"، ما إذا كان المرء صغيرًا أو كبيرًا، أو طبيعة حالته الصحية. ويضيف أنه تم تحديد موعد النوم عند العاشرة مساءً بشكل إجباري، دون مراعاة "ما إذا كنت مريضًا بالربو (مثلا)، وتحتاج إلى الخروج خارج الخيمة، لاستنشاق بعض الهواء"، مع العلم أن الخيام تفتقر إلى الكهرباء، بحسب قوله. وشدد "أحمد" في الوقت نفسه، على أن المحتمين في حميميم، "لن يخرجوا منها مهما حصل"، قائلا إنهم لن يكونوا في مواجهة ما وصفه بـ "الإرهاب الموجود على الباب الخارجي للقاعدة، رغم التضييق الذي يحصل عليهم". BBC ووثّق حقوقيون، مقتل أكثر من 1400 مدني، معظمهم من العلويين، في اللاذقية ومحافظات طرطوس وحماة وحمص المجاورة، في أعمال عنف شهدها مارس/آذار الماضي، واستمرت عدة أيام. واندلعت شرارة هذه الأحداث، بعد كمين نصبه مسلحون لدورية تابعة لإدارة الأمن العام السوري، قرب قرية قريبة من مدينة جبلة الساحلية في السادس من الشهر الماضي. وتطورت الأحداث، خلال الأيام التالية لتتحول إلى هجمات واشتباكات بين قوات الأمن السورية ومسلحين مناوئين لها، وهو ما تخلله تظاهرات لأنصار كلا الجانبين، في مدن مختلفة من البلاد. وفي ذلك الوقت، تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له، عما وصفه بـ "مجازر"، تُرتكب بحق العلويين في منطقة الساحل، التي يتركز فيها علويو سوريا، الذين ينتمون لطائفة تتبعها أيضا عائلة الأسد، التي حكمت هذا البلد على مدار خمسة عقود. وفي أعقاب ذلك، أصدر رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، قراراً بتشكيل "لجنة وطنية مستقلة" للتحقيق في هذه الأحداث الدامية، وتحديد المسؤولين عنها، ورفع تقرير في هذا الشأن إليه، خلال 30 يوما. وبحسب حديث "أحمد" لـ "بي بي سي"، لا يتوفر سوى القليل من الطعام للمحتمين بالقاعدة. وقال إنهم لا يحصلون سوى على وجبتين فقط يوميًا: الأولى عبارة عن كمية صغيرة من المعكرونة مع شاي بدون سكر، والثانية حصة صغيرة من الأرز مع شاي غير مُحلى، وهي وجبات غير كافية حتى للأطفال الصغار، بحسب تعبيره. في ظل هذا الوضع، طالب "اللاجئون إلى القاعدة"، بالسماح لهم بإدخال الطعام على نفقتهم الخاصة، لكن السلطات الروسية رفضت ذلك، كما أنها تمنع – كما قالوا - دخول أي مساعدات غذائية. ويشير هؤلاء إلى أن حياتهم داخل حميميم باتت "أشبه بالعزل التام"، قائلين إنهم يُعاملون، وكأنهم جنود أو عناصر أمنية وليسوا مدنيين فارين من الصراع. فارٌ آخر إلى القاعدة الجوية الروسية، اختار لنفسه اسم "حسن"، قال لـ "بي بي سي" إن القوات الروسية بدأت، في الآونة الأخيرة، بـ "إجبار" العائلات الموجودة في الساحة الخارجية للقاعدة، على التقدم يوميا لمسافة تتراوح ما بين 10 إلى 15 مترا، نحو البوابة الخارجية، حيث يوجد حاجز للأمن العام السوري، كما أصدرت تعليمات برفع جميع الخيام، التي نصبت في الساحة الخارجية لـ "أسباب أمنية". ويضيف "حسن"، أنه تم أيضا إجلاء العائلات التي كانت تحتمي بمحطة الوقود داخل القاعدة، والتي كانت توفر مأوى للسيدات الحوامل تحديدا من حرارة الشمس، "بدعوى إعادة تشغيل المحطة"، رغم أنها لم تعد للعمل حتى الآن. أما "وليد"، وهو صاحب اسم مستعار آخر، فيقول لـ "بي بي سي": نحن هنا نعيش على نفقتنا الشخصية، ولا نطالبهم بشيء سوى توفير الحماية. لجأنا هربًا بدمائنا من فصيل إرهابي جزار قتل أولادنا. ويقول "وليد" إن التضييق الروسي على الموجودين في القاعدة "يتفاقم يومًا بعد يوم، دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك". ويضيف أنه يلاحظ توجه جنود روس نحو الباب الرئيسي للتفاوض – كما قال - مع عناصر من الأمن السوري وبعض الملثمين، شاكيا من "المعاملة السيئة" التي يتلقاها واللاجئون الآخرون إلى القاعدة "من الجانب الروسي دون تفسير". ويعتبر "وليد" أنه يتم الضغط عليهم "بشكلٍ ممنهج.. للخروج من القاعدة، متجهين نحو مناطق تسيطر عليها الجماعات الإرهابية والعصابات المسلحة، فيما يبقى مطلبنا الأساسي هو حماية أرواحنا وأطفالنا"، مضيفا أن هناك شائعات منتشرة "عن وجود اتفاقات مالية بين بعض عناصر الأمن السوري والجنود الروس"، مما يزيد من حدة التضييق على الموجودين في حميميم، ويدفع نحو إخراجهم منها. وطلبت "بي بي سي"، عبر البريد الالكتروني، من وزارتيْ الدفاع والخارجية الروسيتين، الرد على ما يتضمنه هذا التقرير من اتهامات للمسؤولين عن القاعدة الجوية في حميميم، ولكنها لم تتلق أي رد من الجانبين، حتى موعد نشره. مطالبات بحماية دولية ويقول "حسن" لـ "بي بي سي" إن الفارين إلى القاعدة، يرفضون مغادرتها إلا بضمانات لحمايتهم دوليًا، إذ يخشون من التعرض لـ "مجازر خارجها"، ويشير إلى ما يصفه بـ "اختفاء نحو 20 شخصا ممن غادروا القاعدة خلال الفترة الماضية بسبب عدم تحملهم الظروف المعيشية" بداخلها. ويؤكد أن الضغوط المتزايدة على المقيمين في القاعدة تدفعهم "قسرا" إلى الخروج منها، ومن ثم مواجهة خطر الجماعات المسلحة في خارجها، مشيرا إلى أن "التعامل الروسي معهم لم يعد كلاجئين يبحثون عن الأمان، بل كأفراد مجندين داخل القاعدة". وفي هذا السياق، يطالب عدد ممن تحدثت معهم "بي بي سي"، الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة لها، وجميع الجهات المعنية بـ "التدخل العاجل لإيجاد حل للأزمة قبل وقوع كارثة إنسانية"، مؤكدين أنهم على أرض سورية، وأنه لا يحق لأي جهة إجبارهم على مغادرتها، دون ضمانات تحميهم مما يعتبرونه خطرا محدقا بهم. ويقول "كرم"، وهو صاحب اسم مستعار أيضا، لـ "بي بي سي": نحن الآن نعيش تحت حماية الروس، ولا نستطيع النوم بطمأنينة في بيوتنا، إذ تتصاعد أعمال العنف ليلًا وتصبح الحياة غير مستقرة. ويضيف أن التجارب المأساوية التي مروا بها "جعلتنا نطالب بحقوقنا الأساسية، خاصةً الحماية الدولية"، قائلا "نحن كسوريين لدينا حقوق، كأبناء دولة عضو في الأمم المتحدة منذ تأسيسها، ونطالب بضمان حماية لاجئي سوريا من هذا الإرهاب الذي لا يميز بين السوريين". BBC منظمة العفو الدولية وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها، إنه يتعين على الحكومة السورية أن تضمن محاسبة مرتكبي ما سمته "موجة عمليات القتل الجماعي التي استهدفت المدنيين العلويين في المناطق الساحلية"، وأن تتخذ خطوات فورية لضمان عدم استهداف أي شخص أو جماعة على أساس طائفته. ووفقًا للمنظمة، فإنها تلقت معلومات تفيد بأن مسلحين تابعين للحكومة قتلوا أكثر من 100 شخص في مدينة بانياس الساحلية يوميْ 8 و9 مارس/آذار 2025. وتقول المنظمة إنها حققت في 32 عملية قتل، وخلصت إلى أنها كانت متعمدة وموجهة ضدّ الأقلية العلوية. ونقلت عن شهود عيان قولهم، إن رجالا مسلحين كانوا يسألون الناس عما إذا كانوا علويين قبل تهديدهم أو قتلهم، وفي بعض الحالات، أنحوا عليهم باللائمة، على ما يبدو، في انتهاكات ارتكبتها السلطات السورية في فترة نظام الحكم السابق. وأكدت منظمة العفو الدولية ضرورة توفير كل السُبل التي تضمن كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.