
هل يُنهي الذكاء الاصطناعي وظائف مديري الإدارة الوسطى أم يعيد تعريفها؟
يتسارع تقدمنا التكنولوجي بمعدل مخيف، يجعل من تغلغل الذكاء الاصطناعي في الأعمال والإدارة أمرًا لا مفر منه، بينما يهدد الكثير من الوظائف شئنا أم أبينا، ليس على مستوى الموظفين فحسب، ولكن على مستويات الإدارة المختلفة أيضًا، التي أصبح بعضها على المحك، وسط تساؤلات منطقية حول مصيرها في عصر هذا الذكاء.
وهنا تتجه الأنظار بشكل لا إرادي إلى الإدارة الوسطى، التي يبدو أن البساط ينسحب من أسفلها يومًا تلو الآخر، فهل لا يزال لهذا المستوى الإداري دور جوهري في قادم الأيام؟
الإدارة الوسطى
يُمكن تقسيم هرم الإدارة إلى 3 مستويات:
- مستوى الإدارة العُليا Top Management، ويضم المديرين التنفيذيين.
- مستوى الإدارة الدُنيا Lower-Level Management، ويشمل المديرين الذين يُشرفون على الموظفين بشكل مباشر.
- مستوى الإدارة الوسطى Middle Management، وهو الذي يقع بين المستويين السابق الإشارة إليهما.
من هم مديرو الإدارة الوسطى؟
مدير الإدارة الوسطى يلعب حلقة الوصل بين الإدارة العليا والموظفين - المصدر: Shutterstock
يتعين على المدير الذي يندرج تحت هذا التصنيف أو المستوى أن يُنفّذ السياسات والاستراتيجيات التي تُحددها الإدارة العليا، ومن ثَم يحولها من حبر على ورق، إلى خطط عملية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، حيث يُمرر سياسات الإدارة العليا إلى الدُنيا، التي تُمررها بدورها إلى الموظفين.
كما يتولى مدير الإدارة الوسطى مهمة الإشراف على الأقسام والفرق المختلفة، بحيث يضمن تحقيق الأهداف المطلوبة، وكذلك يُنسّق بين الإدارات ويُسهّل من عملية تدفق المعلومات والتواصل داخل المؤسسة، بالإضافة إلى تقديم التقارير والبيانات للإدارة العليا، وتحفيز الإدارة الدنيا ومراقبة أداء موظفيها، بينما يقدم لهم مقترحات لتحسين العمل وتطويره.
أمثلة على مديري الإدارة الوسطى
هناك أمثلة عديدة على مديري هذا المستوى، ولكل مثالٍ دوره الواضح والمُحدد ضمن الهيكل الوظيفي الذي يضعه مديرو الإدارة العُليا.
ويُمكن أن يكون مدير الإدارة الوسطى رئيس القسم، الذي يُشرف على قسم معين داخل المؤسسة، أو المسؤول عن إدارة فريق العمل، أو الذي يضع مواعيد الاجتماعات، أو يُدرّب الموظفين الجُدد ويضمن سير العمل اليومي بسلاسة، إلى نهاية القائمة.
قد تعتقد أن المدير المسؤول عن إدارة مصنع أو مُنشأة أو فرع مُعين يعتبر من الإدارة العليا، ولكن هذا ليس صحيحًا، والشيء نفسه ينطبق على المدير الإقليمي الذي يُشرف على عدة فروع داخل منطقة جغرافية معينة، ويحدد الأهداف للمديرين الفرعيين؛ هذه الوظائف وما على شاكلتها تندرج تحت مستوى الإدارة الوسطى، لأنها ببساطة تمثل حلقة الوصل بين الإدارة العليا والإدارة الدنيا، وما تضمها من موظفين.
وبنظرةٍ فاحصة على مهام مديري الإدارة الوسطى، يمكننا التعرف على أهمية هذا الدور، ومدى تأثير وجوده على سير العمل، وهنا يبرز السؤال المنطقي: في ظل التوجه نحو أتمتة المهام الإدارية والتحول الرقمي، أليس من الممكن أن تختفي الإدارة الوسطى؟
هل ستختفي الإدارة الوسطى؟
الذكاء الاصطناعي يهدد مديري الإدارة الوسطى - المصدر: Shutterstock
منذ عام 1983 وحتى 2022، ارتفعت نسبة الإدارة الوسطى في السوق الأمريكية من 9.2% إلى 13%، ما يعني أن أهمية هذا الدور تزداد، ولكن مؤخرًا، مع ما يمكن أن نُسميه القيادة في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أصبح هذا الدور من الإدارة مُهددًا بالخطر.
ووفقًا لتقريرٍ نشرته شركة الأبحاث والاستشارات الأمريكية Garnter في أكتوبر 2024، فإن 20% من الشركات ستستخدم الذكاء الاصطناعي لتقليص هيكلها الإداري، مما سيؤدي إلى الاستغناء عن أكثر من نصف وظائف الإدارة الوسطى بحلول عام 2026، أو هكذا يتوقع التقرير.
وبحسب تقريرٍ آخر صدر عن Axios نقلته Harvard Business Review، فإن 44% من الموظفين الأمريكيين أشاروا إلى أن شركاتهم خفّضت من أدوار المديرين، وأن مديري الإدارة الوسطى تحديدًا يعانون معدلات مرتفعة من الاحتراق الوظيفي Burnout، وتراجع مستويات رضاهم عن الوظيفة.
وباختصار، فإنه في حال اختفاء مديري الإدارة الوسطى، فإن السبب سيعود بالتأكيد للذكاء الاصطناعي، لأنه ببساطة أصبح قادرًا على تنفيذ العديد من المهام التي تتطلب هؤلاء المديرين، مثل: إعداد التقارير، ومتابعة الأداء، وتنسيق المشاريع، وما إلى ذلك من المهام التي تحدثنا عنها.
ومن المتوقع أن تُترَك هذه المهام للذكاء الاصطناعي، وأن يتم التركيز على نوعية أخرى من المهام تتطلب درجة عالية من الإبداع والتفكير الاستراتيجي لا يقوى عليها إلا البشر، وإن كان هذا قد يتغير أيضًا في المستقبل!
ومع ذلك، كون الذكاء الاصطناعي يقوم الآن بمهام مديري الإدارة الوسطى، لا يعني أن هذا المستوى من الإدارة سيختفي بشكل نهائي، فربما يتغير فقط، فبالرغم من تقليل بعض الوظائف التقليدية، تظل الحاجة إلى مديري الإدارة الوسطى قائمة وبقوة، لا سيما إن كنا نتحدث عن مهام مُعقدة، لا مجال فيها لتحمل تكاليف أخطاء الذكاء الاصطناعي، وهذا لا يعني أن البشر لا يخطئون، لكنهم على الأقل لا يُهلوسون مثل الآلة، ونستنتج من ذلك أن دور الإدارة الوسطى يحتاج إلى إعادة تعريف، كما نحتاج إلى طرح سؤالٍ جديد.
الذكاء الاصطناعي أداة مُساعدة أم بديل؟
الصراع على الوظائف بين الإنسان والآلة - المصدر: Shutterstock
باعتراف الخبراء أنفسهم، فإن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يكون بديلًا عن مديري الإدارة الوسطى، فالآلة لا تمتلك التفكير الاستراتيجي الذي يمتلكه البشر ولا الذكاء العاطفي في الإدارة، وهاتان من أهم المهارات التي يجب أن تكون موجودة في دور الإدارة الوسطى.
شركة BearingPoint مثلًا، وهي شركة متخصصة في قطاع الاستشارات، تقول: إن على المؤسسات التي تتبنى الذكاء الاصطناعي أن تمنح المديرين المتوسطين دورًا محوريًا في عملية التنفيذ، وتُبرر الشركة ذلك بأن المديرين في هذا المستوى الإداري، يُمثلون حلقة الوصل الأساسية بين الأهداف الاستراتيجية للإدارة العليا والتنفيذ الذي يتم على أرض الواقع. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قد يستطيع أن يُحقق مهمة حلقة الوصل هذه بشكل أو بآخر، فإنه لا يترقى لمستوى البشر في تنفيذ هذا الدور.
تقول الشركة أيضًا إن مديري الإدارة المتوسطة ليسوا فقط مسؤولين عن نقل التعليمات ولعب دور حلقة الوصل بالمعنى التقليدي، فدورهم أكبر من ذلك بكثير، حيث يمتد لكسب ثقة الموظفين، التي عندما تزداد، تزداد معها إنتاجية الشركة أو الكيان المؤسسي ككل.
بالإضافة إلى ذلك، فإننا لم نصل بعد للمرحلة التي تجعل الذكاء الاصطناعي يتولى الدور الذي نتحدث عنه بالكامل، إذ لا بد من وجود مُراقب بشري يوجّه الآلة، ويتخذ القرارات التي يراها سديدة من وجهة نظره في النهاية.
إذًا، فمديرو الإدارة المتوسطة والذكاء الاصطناعي يجب أن يتكاملا، وليس شرطًا أن تؤول الأمور للنهاية المأساوية التي ستُفقد المديرين أو غيرهم وظائفهم.
دور الذكاء الاصطناعي دون إلغاء الدور البشري
التكامل بين الذكاء الاصطناعي والآلة - المصدر: Shutterstock
تحدثنا عن هذا الموضوع مرارًا، حتى أننا أتينا على ذكره ضمنيًا بالأعلى، فالذكاء الاصطناعي يبرع في تحسين الإنتاجية في العمل، عندما يتعلق الأمر بالمهام الروتينية مثل أتمتة العمليات المتكررة.
على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن يستخدم قسم المحاسبة في شركة متوسطة الحجم نظام الـ RPA، أو ما يُعرف بالأتمتة الآلية للعمليات Robotic Process Automation، لإدخال بيانات الفواتير والتحقق من أن المبالغ تطابق طلبات الشراء.
ووفقًا لاستطلاع أجرته شركة Zoom في أغسطس 2023، فإن 89% من الموظفين، أقروا بأن أكبر مزايا الذكاء الاصطناعي تتمثل في تقليل المهام المتكررة، وتوفر هذه الميزة الوقت أمام معالجة المهام التي تتطلب تفكيرًا وإبداعًا أكبر.
ففي مثال شركة المحاسبة، سيوفر المحاسب الساعات التي كان يقضيها على إدخال البيانات يدويًا، والتحقق من تطبيق الأرقام مع الطلبات، وإرسال رسائل البريد الإلكتروني المهمة، ويُركز على وضع التقارير والخطط الذكية التي تفيد الشركة بحق.
مهارات قد تنقذ المديرين من الاختفاء!
نود أن نختتم هذا التقرير بالحديث عن مهارتي التفكير الاستراتيجي والذكاء العاطفي، لأنهما، بغض النظر عما إذا كنت تريد إعادة هيكلة الفرق وإدخال الذكاء الاصطناعي في أعمالك أم لا، يحددان أهمية مديري الإدارة الوسطى وبقوة!
فعلى الرغم من أن الآلة تستطيع تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة، فإنها لا تتمتع بالتفكير الاستراتيجي الذي يتمتع به البشر، إلّا إذا أطلعتها على جميع المعطيات، وحتى حينها لن تكون المهمة سهلة على الآلة، لأن ثمة شيئًا يُسمى الحدس، والآلة لا تملك حدسًا.
الآلة أيضًا لا تملك ذكاءً عاطفيًا مثل الذي نملكه، أو بصورة أخرى أفضل؛ لن يشعر الموظف بالمواساة إذا جاءته من الآلة بالدرجة نفسها إذا جاءته من مديره. ولهذين السببين ببساطة، يمكن التأكيد على أن مهارتي التفكير الاستراتيجي والذكاء العاطفي من الأسلحة المهمة في قلب إدارة التغيير، فقد يُنقذان المديرين من الاختفاء، بغض النظر عن مستواهم في سُلم الإدارة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مباشر
منذ 7 دقائق
- مباشر
مدبولي يستقبل رئيس مجلس الشورى السعودي ويؤكد أهمية تفعيل المجلس التنسيقي المشترك
القاهرة - مباشر: استقبل الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، مساء اليوم الثلاثاء، بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية؛ لبحث عدد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك. وجاء ذلك بحضور المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، والسفير صالح بن عيد الحصيني، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر، وعددٍ من أعضاء مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية، وفقا لبيان صحفي. وفي مُستهل اللقاء أعرب رئيس الوزراء عن سعادته باستقبال رئيس مجلس الشورى السعودي والوفد المرافق له، مثمنًا العلاقات التاريخية الوثيقة على مستوى الشعبين والقيادة السياسية في البلدين. كما أشاد الدكتور مصطفى مدبولي بالجهود المبذولة والحرص على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك من خلال توقيع اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات بين البلدين، بالإضافة إلى تشكيل المجلس الأعلى التنسيقي المشترك، معربًا عن تطلعه لعقد اجتماعات المجلس خلال الفترة المقبلة. وأشار رئيس الوزراء، إلى استقبال وفد رجال الأعمال السعودي مؤخرًا، مؤكدًا على الترحيب بالتعاون الثنائي والاستثمارات السعودية في مصر. وأعرب رئيس الوزراء عن تقديره لدور المملكة العربية السعودية على المستوى الإقليمي والداعم للقضايا العربية. كما أعرب الدكتور مصطفى مدبولي، عن تطلعه لنجاح زيارة رئيس مجلس الشورى السعودي إلى مصر وأن تسهم في دعم العلاقات الثنائية بين البلدين. وخلال اللقاء، أشاد رئيس مجلس الشورى السعودي، بالجهود التي تقوم بها الحكومة المصرية لتحقيق التنمية الشاملة ودعم العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، مؤكدًا عمق العلاقات بين الجانبين، واهتمام مجلس الشورى السعودي بدعم العلاقات الثنائية. كما أشار الدكتور عبدالله بن محمد ال الشيخ إلى الجهود التي يبذلها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، لتحقيق نهضة شاملة في المملكة ودعم العلاقات مع الدول العربية، ومن بينها مصر. وطلب رئيس الوزراء نقل تحياته لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، مشيدًا بما تشهده المملكة من تطوير ونهضة شاملة في مختلف المجالات، معربًا عن خالص تمنياته بكل التوفيق والرقي والنهضة للمملكة العربية السعودية الشقيقة. وفي نهاية اللقاء، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة المصرية تتطلع لتفعيل المجلس الأعلى التنسيقي المشترك خلال الفترة المقبلة بما يدعم العلاقات الثنائية في كافة المجالات.


مباشر
منذ 7 دقائق
- مباشر
7.3% ارتفاعا في قيمة سهم "دي-ويف كوانتوم"
مباشر: ارتفع سهم "دي-ويف كوانتوم" بوتيرة حادة خلال تعاملات ما قبل افتتاح وول ستريت الثلاثاء، بعدما أطلقت الشركة أحدث أنظمتها للحوسبة الكمومية في السوق. وصعد السهم المدرج في نيويورك تحت الرمز (QBTS) بنسبة 20% إلى 15.78 دولار، بعدما أغلق تعاملات أمس على ارتفاع بنسبة 7.35%. وأعلنت الشركة عن الحاسوب الكمي "أدفانتج 2"، وهو الإصدار السادس وأكثر أنظمة الشركة تطورًا، وفق ما أوردت شبكة "سي إن بي سي".


العربية
منذ 15 دقائق
- العربية
مرحلة جديدة في سوريا.. رفع العقوبات يمهّد لإعادة الإعمار وتدفق الاستثمارات
يترقب الاقتصاد السوري تطورات إيجابية عقب إعلان الاتحاد الأوروبي عن رفع كامل العقوبات، بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض عن رفعه العقوبات عن دمشق. يُعد رفع العقوبات عن دمشق تطوراً جوهرياً سيمنح الاقتصاد السوري دفعة كبيرة، إلى جانب إشارات إيجابية من أوروبا والجاليات السورية في الخارج، وخصوصاً في الولايات المتحدة. الليرة السورية تسجل مكاسب قوية بعد إعلان ترامب من الرياض رفع العقوبات واستهدفت دول الاتحاد الأوروبي الاقتصاد السوري بحزمة عقوبات شملت قطاعات الطاقة (النفط والغاز والكهرباء)، والنقل (حركة البضائع والركاب)، والمالي (البنك المركزي السوري والمصارف)، وحظر الأسلحة، والأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام الرئيس السابق بشار الأسد. أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، لدى وصولها إلى اجتماع وزراء الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي، أن وزراء خارجية الاتحاد يعتزمون رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا. وقالت: "نعتزم رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا اليوم". وصرحت كالاس في وقت سابق أن "الاتحاد الأوروبي يريد الاستمرار في التحرك نحو رفع العقوبات، لأنه عندما يكون هناك أمل للناس، يكون هناك قدر أقل من الفوضى في البلاد، يحتاج الناس إلى الوصول إلى الخدمات الأساسية، وخاصة الخدمات المصرفية، سوف نناقش هذا الأمر، ولكن في الوقت الحالي نواصل التحرك نحو رفع العقوبات". وفي وقت سابق، رفعت الحكومة البريطانية العقوبات عن عدد من الوزارات وأجهزة الاستخبارات ووسائل الإعلام في سوريا. ويسهم رفع العقوبات عن الاقتصاد السوري، في تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية مما ينعكس على أسعار السلع لتخفيف الضغط على المواطنين، مع زيادة تدفع السلع الأساسية. جذب المزيد من تدفقات الاستثمار الأجنبي ومن المقرر أن تجتذب سوريا المزيد من تدفقات الاستثمار الأجنبي في قطاعات تتضمن إعادة الإعمار، والطاقة، والتطوير العقاري، والنقل، والتعليم، وغيرها، مع تحسن المناخ الاقتصادي للبلاد بعد رفع العقوبات. ومن شأن رفع العقوبات على سوريا، عودتها للنظام المالي العالمي، وتنشيط التبادل التجاري، وتدفقات السلع مع تعزيز فرص زيادة الإنتاج والتصنيع. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أعلن خلال زيارته إلى الرياض عن قراره برفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها بأنها بداية جديدة تهدف إلى فتح صفحة من التعاون وتحقيق الاستقرار في البلاد. رفع العقوبات الأميركية بعد تدخل الأمير محمد بن سلمان وأوضح ترامب أن هذا القرار جاء بعد مناقشات موسعة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مؤكدًا أن الولايات المتحدة "قررت رفع العقوبات لمنح الشعب السوري فرصة جديدة لبناء مستقبلهم". وأضاف: "سوريا شهدت سنوات طويلة من البؤس والمعاناة، واليوم هناك حكومة جديدة نأمل أن تنجح في تحقيق الاستقرار وإنهاء الأزمات". وأشار إلى أن هذه المبادرة تمثل الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات بين واشنطن ودمشق. وخاطب ترامب الشعب السوري قائلاً: "أرونا منكم شيئاً خاصاً من أجل مستقبلكم"، في إشارة إلى ضرورة اغتنام هذه الفرصة لتحقيق التنمية والإصلاحات. وزير الاقتصاد السوري: خطوة تفتح الباب أمام مرحلة اقتصادية واعدة وأعرب وزير الاقتصاد السوري نضال الشعار عن تقدير بلاده العميق للسعودية على دعمها الكبير في مساعي رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، مؤكداً أن عبارات الشكر لا تفي المملكة حقها نظير هذا الدور المحوري. وفي تصريح خاص لقناة "العربية"، قال الشعار إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الرياض بشأن رفع العقوبات يمثل انطلاقة جديدة للاقتصاد السوري، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام مرحلة اقتصادية واعدة تعزز من فرص إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات. نقطة تحوّل في مسار الاقتصاد السوري وفي سياق متصل، قال الدكتور جلال قناص، أستاذ مساعد في كلية الاقتصاد لدى جامعة قطر، إن رفع العقوبات عن سوريا يعد بمثابة نقطة تحوّل محورية في مسار الاقتصاد السوري. وفي مقابلة أجرتها معه "العربية Business"، قال قناص، إن رفع العقوبات المفروضة على سوريا يفتح الباب أمام فرص جديدة لإعادة الإعمار وتحفيز البيئة الاستثمارية، بدعم إقليمي ودولي واسع. وأضاف أنه بعد سنوات طويلة من القطيعة الاقتصادية مع الغرب، فإن إعادة فتح هذه القنوات تمثل خطوة كبيرة نحو بناء بيئة اقتصادية مستقرة. وسيُسهم ذلك في دعم قطاعات حيوية كالبنية التحتية، والطاقة، والكهرباء، فضلاً عن المساعدات الغذائية والطبية التي كانت متأثرة بشدة خلال فترة العقوبات، وفق قناص. ربط الملفين السياسي والاقتصادي وقال إن الأهم من ذلك، أن هذه الخطوة تضع حدًا لربط الملفين السياسي والاقتصادي، وهو ما لطالما عانى منه الشعب السوري بالدرجة الأولى، وليس النظام. لذا فإن رفع العقوبات يمثل انتصاراً حقيقياً للمواطن السوري، ويمنحه أفقًا نحو حياة كريمة ومعيشة مستقرة. وعن استعداد عدد من الصناديق العربية للمشاركة في إعادة إعمار سوريا فور رفع العقوبات، قال قناص، إن ذلك سيكون على مراحل. فالدخول الأميركي لن يكون فورياً، بل مرتبط بتوافر بيئة استثمارية آمنة وجاذبة. بيئة قانونية واستثمارية مستقرة وتابع قناص: "في المرحلة الأولى، سنشهد غالباً دوراً ريادياً لدول الخليج وتركيا في تنفيذ مشاريع البنية التحتية، يليها لاحقاً تدفّق الاستثمارات الأجنبية، وعلى رأسها من الولايات المتحدة، بمجرد تهيئة المناخ المناسب". وأوضح أن الحكومة السورية كانت قد أرسلت إشارات واضحة بانفتاحها الاقتصادي ورغبتها في التعاون مع الشركات الأميركية. وهذا بحد ذاته تطوّر لافت. لكن دون بيئة قانونية واستثمارية مستقرة، لن يكون هناك جذب فعلي لرؤوس الأموال الأجنبية. وقال قناص، إن التركيز حالياً سيكون على المساعدات المباشرة: الكهرباء، الغذاء، الأدوية، والطاقة. ومع تحسّن هذه البنية الأساسية، يمكن أن تبدأ الشركات بالقدوم تدريجياً، خاصة أن سوريا تُعد بيئة خصبة للغاية للاستثمار، وتفتقر للكثير من البنية التحتية والخدمات الأساسية. وتابع: "من اللافت أيضاً أن القطاع التكنولوجي بدأ يأخذ مكانه على خريطة النقاش الاقتصادي. حيث تمتلك سوريا كفاءات شابة وخبرات تقنية منتشرة في مختلف أنحاء العالم، ويمكن لهذا القطاع أن يكون رافعة حقيقية للاقتصاد في المستقبل، إذا ما توفرت البيئة الحاضنة. إعادة إعمار سوريا وفي تعليقه، قال أونور جِنش الرئيس التنفيذي لمجموعة (بي.بي.في.إيه) المالية العالمية إن الشركات والبنوك التركية ستستفيد من رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وفقًا لـ "رويترز". وقال جنش "بالنسبة لتركيا، سيكون الأمر إيجابيا لأن هناك الكثير من إعادة الإعمار المطلوبة في سوريا. من موجود للقيام بذلك؟ الشركات التركية". وأوضح جنش أن بنك (جارانتي بي.بي.في.إيه) كان "يواجه بعض الصعوبات في تمويل الشركات التركية التي تعمل في سوريا"، لكنه يأمل أن يصبح ذلك أسهل. ولفت أثناء حديثه لوكالة رويترز في لندن على هامش الاجتماع السنوي للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية "رفع العقوبات سيسمح للشركات التركية بالعمل هناك الآن بشكل أفضل بكثير، كما أن البنوك التركية ستكون قادرة على تمويلها، لذا فإن ذلك سيساعد". وقال جنش إنه سيحتاج إلى مراجعة تفاصيل رفع العقوبات، والتي لم تُنشر بعد، قبل أن يتمكن من تقييم تأثيرها بالكامل. وأضاف "أعتقد أنها ستُرفع بالكامل على ما يبدو، لذا فإن الأمر سيكون مفيدا للنظام المصرفي". رفع تدريجي للعقوبات ويفرض الاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات تستهدف أفراداً وقطاعات اقتصادية في سوريا منها حظر صادرات النفط السوري وقيود على الوصول إلى القنوات المالية العالمية. وأعلن الاتحاد الأوروبي، أنه قرر تعليق العقوبات المفروضة على سوريا خلال عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، وذلك بما يشمل مجالات الطاقة والطيران والتمويل، من أجل توفير الدعم للشعب السوري. وقالت أنيكا كلاسين إدريس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، في منشور عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس": "قرر الاتحاد الأوروبي تعليق العقوبات المفروضة على سوريا في مجالات الطاقة والطيران والتمويل". توصية من 27 دولة باتخاذ إجراءات سريعة نحو تعليق القيود وأوصى عدة دبلوماسيين من الدول الأعضاء في الاتحاد البالغ عددها 27 دولة باتخاذ إجراءات سريعة نحو تعليق القيود "في القطاعات الضرورية للاستقرار الاقتصادي والشروع في إعادة بناء الاقتصاد في سوريا، مثل تلك المتعلقة بالطاقة والنقل". وكان عدة موفدين ومسؤولين أوروبيين ووزراء زاروا دمشق خلال الأسابيع الماضية، بعد سقوط الرئيس السابق بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وتحدثوا عن رفع العقوبات تدريجيا، مشترطين في الوقت عينه حصول انتقال سياسي سلمي في البلاد، والحفاظ على حقوق الأقليات والحريات العامة وتنوع المجتمع السوري. عقوبات قطاعات الطاقة والنقل والمصارف وفي فبراير 2025، أعلن الاتحاد الأوروبي، عن تعليق عدد من العقوبات على سوريا تشمل قطاعات الطاقة والنقل والمصارف. وبحسب بيان صادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي: "قرر المجلس رفع 5 منظمات (المصرف الصناعي، ومصرف التسليف الشعبي، ومصرف التوفير، والمصرف الزراعي التعاوني، ومؤسسة الطيران العربية السورية) من قائمة المنظمات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية، فضلاً عن السماح بتوفير الأموال والموارد الاقتصادية لمصرف سوريا المركزي"، وفقا لوكالة "تاس". ويشمل تخفيف العقوبات العقوبات الأوروبية، قطاعات الطاقة والنقل والمعاملات المالية ذات الصلة بإعادة إعمار سوريا. "خريطة طريق" يذكر أن مسؤولة السياسة الخارجية في التكتل كايا كالاس كانت أعلنت نهاية يناير 2025، أن الوزراء اتفقوا على "خريطة طريق" لتخفيف العقوبات على سوريا بعد إطاحة بشار الأسد. وقالت كالاس حينها في تصريح لـ"العربية/الحدث" إن تخفيف العقوبات مرهون بتقييم المستجدات في سوريا، وإن العقوبات على سوريا ستُرفع بالتدريج. كذلك أوضحت أن العقوبات بشأن الأسلحة في سوريا لن تُخفف الآن. وكان ثلاثة دبلوماسيين ووثيقة أوروبية كشفت الشهر الماضي أن الاتحاد ربما يعلق العقوبات المفروضة على قطاعي الطاقة والنقل السوريين، من دون المعاملات المالية. أبرز العقوبات يذكر أنه منذ بداية النزاع السوري في العام 2011، فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات على الحكومة السورية، وعلى الرئيس السوري السابق بشار الأسد وعدد من أفراد عائلته وشخصيات وزارية واقتصادية في البلاد. وفي العام 2020، دخلت مجموعة جديدة من العقوبات حيز التنفيذ بموجب قانون "قيصر"، استهدفت العديد من أفراد عائلة الأسد والمقربين منه، بينهم زوجته أسماء الأسد، بما يشمل تجميد أصولهم في الولايات المتحدة، وفرض بموجب القانون عقوبات مشددة على أي كيان أو شركة يتعامل مع النظام السوري. كما استهدف القانون كذلك قطاعات البناء والنفط والغاز.