
المواجهة الإسرائيلية الإيرانية تضعنا أمام السؤال الصعب
تخيم أجواء القلق والترقب على المنطقة بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مواقع إيرانية حساسة، ضمن عملية حملت اسم «الأسد الصاعد»، وهو اسم توراتي ينسب إلى «يهوذا المنتصر» في آخر الزمان، ما يضفي بعدا دينيا ورمزيا مدروسا، العملية التي أدت إلى اغتيال عدد من كبار القادة الإيرانيين والعلماء النوويين، وتدمير منشآت عسكرية ونووية من بينها مجمع نطنز، مثلت ضربة إستراتيجية نوعية، لم تقتصر على الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل كشفت أيضا عن ثغرات كبيرة في المنظومة الدفاعية الإيرانية التي بنت نظريتها الأمنية على فكرة الدفاع المتقدم، إذ تمكنت الطائرات والصواريخ الإسرائيلية من تنفيذ الهجوم بدقة متناهية وحرية حركة غير مسبوقة.
اضافة اعلان
الرد الإيراني لم يتأخر طويلا، فخلال أقل من عشر ساعات انطلقت صواريخ بالستية وفرط صوتية ومسيرات باتجاه أهداف إسرائيلية، في محاولة لإظهار الجاهزية وعدم السماح بتغيير قواعد الاشتباك، ورغم أن منظومة الدفاع الإسرائيلية نجحت في اعتراض نسبة كبيرة من هذه الصواريخ، إلا أن بعضها وصل إلى أهدافه، وأدى إلى أضرار تكتمت تل أبيب على تفاصيلها، وهو ما يفتح الباب للتكهنات حول حجم الخسائر الحقيقية، لكن المقارنة بين حجم الضربتين تكشف عن غياب واضح للتناظر في النتائج، ما يرجح كفة إسرائيل بشكل واضح ويعزز روايتها بأنها قادرة على المبادرة والحسم داخل العمق الإيراني، ومع ذلك ما يزال الطرفان يمارسان العمل العسكري في سياق التصعيد المنضبط، رغم محاولات إسرائيل جر الولايات المتحدة لهذه المواجهة.
هذا التصعيد النوعي جاء في لحظة سياسية حرجة، حيث كانت إيران قد أبدت استعداداتها للعودة إلى طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي، لكنها رفضت التخلي عن حقها في التخصيب، وهو الشرط الذي تصر عليه واشنطن وتل أبيب، ومع اقتراب نهاية المهلة التي منحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لطهران والمقدرة بستين يوما، بات الخيار العسكري مطروحا بقوة، وزاد تقرير مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الطين بلة، إذ اتهم إيران بانتهاك بنود الاتفاق النووي المتعلقة بالشفافية والإفصاح، مما دفع الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) إلى التلويح بالعودة إلى مجلس الأمن وتفعيل آلية «السناب باك» التي تسمح بإعادة فرض العقوبات تلقائياً، وهو ما من شأنه أن يُفاقم من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها إيران ويزيد من عزلتها الإقليمية والدولية.
الخطأ الأكبر، بحسب مراقبين، تمثل في اعتماد إيران المفرط على ما اعتبرته رسائل تهدئة أميركية، وثقتها المبالغ بها في أن إدارة ترامب قادرة على كبح جماح إسرائيل، فقد علقت آمالا على لقاء مرتقب في مسقط لمناقشة الملف النووي وقضية الرهائن، وفسرت تصريحات ترامب الداعية إلى الانفتاح الإيراني بأنها مؤشر على رغبة حقيقية في التسوية، فيما كانت القيادة الإسرائيلية، وعلى وجه التحديد «الكابنيت»، تصادق بسرية تامة على تنفيذ الضربة، بعد فرض العزل الإعلامي الكامل على أعضائه لتجنب أي تسريبات، هذه القراءة الإيرانية الخاطئة للمشهد، واطمئنانها إلى معادلة الردع التقليدية، أدت إلى مفاجأتها بشكل قاسٍ، إذ جاءت الضربة لتؤكد أن تل أبيب تكتفي فقط بإخطار أميركا عندما يتعلّق الأمر بما تعتبره تهديداً وجودياً.
النتائج حتى الآن تشير إلى أن إيران، التي طالما أتقنت اللعب على حافة الهاوية، وجدت نفسها هذه المرة تترنح مع ميل للسقوط، دون قدرة على استعادة التوازن سريعاً، الأذرع الإقليمية التي بنتها طهران في المنطقة تعرضت لضربات متتالية خلال الشهور الماضية، وها هو الرأس نفسه يوضع على مقصلة خصومه، في لحظة مفصلية ربما تمثل بداية نهاية مرحلة إستراتيجية بالكامل في الإقليم، إسرائيل، من جهتها، تبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق مشروع الهيمنة الإقليمية، بعد أن صالت وجالت في أجواء المنطقة دون رادع حقيقي خلال العشرين شهراً الماضية، ويبدو أنها باتت على بعد خطوات من تحقيق هدفها السياسي النهائي: احتكار القرار العسكري والأمني في الإقليم، وفرض توازن ردع أحادي القطب.
صحيح أن العالم كله بحالة خوف من توسع المواجهة وانتقالها من صراع منضبط بين طرفين الى صراع إقليمي أو ربما دولي وهذا ما تريده إسرائيل، على عكس إيران التي تريد ضبط الصراع عند حدود الاستنزاف في رهان واضح على تململ الداخل الإسرائيلي.
كل ذلك يضعنا في مواجهة السؤال الكبير: هل نحن أمام لحظة تصفية كبرى في المنطقة ؟ هل نشهد انزياحاً جيواستراتيجيا كاملا تخرج منه إسرائيل كلاعب مركزي أوحد؟ مهما تكن الإجابة، فإن من المؤكد أن الشرق الأوسط اليوم أمام منعطف تاريخي ستكون له تداعيات عميقة على المشهد الإقليمي والدولي لعقود قادمة، والسؤال هل نحن والمنطقة برمتها مستعدون للمضي بصمت أمام واقع تفرضه وتقرره إسرائيل؟
للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 43 دقائق
- رؤيا نيوز
'عزم النيابية' خطاب الملك أمام البرلمان الأوروبي يجسد ضمير الأمة ويشكل محطة تاريخية
ثمّنت كتلة حزب عزم النيابية، برئاسة النائب الدكتور أيمن أبو هنية، وأعضاء الكتلة ، مضامين الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أمام البرلمان الأوروبي، واصفةً إياه بالموقف التاريخي الذي يجسد ضمير الأمة، ويعبر عن ثوابت الموقف الأردني تجاه العدوان على غزة. وأكدت الكتلة، في بيان صحفي اليوم، أن الخطاب الملكي شكّل محطة مفصلية في التعبير عن موقف أردني مبدئي وثابت تجاه الانحراف الخطير في المعايير الأخلاقية والقانونية التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع معاناة الشعب الفلسطيني. وأشارت إلى أن جلالة الملك، يحمل همّ الأمة وكرامة الإنسان، عبّر عن صوت العقل والعدل في عالم تسوده ازدواجية المعايير، محذرًا من أن استمرار الصمت الدولي تجاه الجرائم المرتكبة في غزة يُعد تقصيرًا أخلاقيًا وتفريطًا بالقيم الإنسانية. ولفتت الكتلة إلى تأكيد جلالته على ضرورة الوقف الفوري للعدوان، وإيصال المساعدات الإنسانية دون تأخير، محذرًا من تداعيات اتساع رقعة الصراع على الأمنين الإقليمي والدولي، ومشددًا على أهمية استئناف المسار السياسي الجاد لتحقيق حل الدولتين، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ورأت الكتلة أن خطاب جلالة الملك يمثل وثيقة سياسية وأخلاقية تعبّر عن وجدان الشعوب الحرة، وتؤكد الدور الأردني المحوري بقيادة جلالته في الدفاع عن القدس والمقدسات، وصون الحقوق العربية، والدفع نحو سلام عادل وشامل يستند إلى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة. وختمت الكتلة بيانها بالدعوة إلى ترجمة هذه المرافعة الشجاعة إلى خطوات عملية من قبل صُنّاع القرار في العالم، مؤكدة أن الأردن لا يجب أن يُترك وحيدًا في مواجهة هذا التحدي الأخلاقي والسياسي الذي يهدد مستقبل العدالة والسلام في المنطقة والعالم


رؤيا نيوز
منذ 43 دقائق
- رؤيا نيوز
التربية : لا تغيير على موعد امتحان الثانوية العامة يوم عطلة راس السنة الهجريَّة
أعلنت وزارة التربية والتعليم، أنه لا تغيير على موعد امتحان الثانوية العامة المقرر في يوم 26 حزيران (العطلة الرسمية) وأن الامتحان سيبقى في موعده. وأضافت الوزارة، أنه صادف في الدورة الصيفية الماضية عطلة رأس السنة الهجرية في أحد أيام الامتحانات، ولم يجر عليه أي تغيير وبقي في موعده، كما أن الاختبارات المدرسية كانت تعقد أيام السبت وهي أيام عطل. وكان رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسَّان، قرر في بلاغ رسمي، تعطيل جميع الوزارات والدَّوائر الرسميَّة، والمؤسَّسات والهيئات العامَّة، والجامعات الرَّسميَّة، والبلديات ومجالس الخدمات المشتركة، وأمانة عمَّان الكبرى، والشركات المملوكة بالكامل للحكومة، يوم الخميس السَّادس والعشرين من حزيران الجاري، الموافق للأول من محرَّم لسنة 1447 هجريَّة؛ بمناسبة حلول رأس السنة الهجريَّة. واستثنى البلاغ الوزارات والدوائر الرسمية والمؤسسات التي تقتضي طبيعة عملها خلاف ذلك.


رؤيا نيوز
منذ 43 دقائق
- رؤيا نيوز
الطيران المدني: هبوط أعداد المسافرين 51% بسبب التوترات الإقليمية
قال رئيس هيئة تنظيم قطاع الطيران المدني هيثم مستو، إن الهيئة مستمرة بمتابعة التطورات في المنطقة، لاتخاذ الإجراءات حسب الحاجة لاستمرار فتح الأجواء أو إغلاقها بشكل مؤقت. وأضاف مستو، مساء الثلاثاء، أن هيئة تنظيم قطاع الطيران المدني تنسق مع الجهات الرسمية الأردنية، وهيئات الطيران المدني الإقليمية، لاتخاذ إجراءات متعلقة بحركة الطيران المدني. وأشار مستو، إلى هبوط أعداد المسافرين القادمين والمغادرين من الأردن بنسبة 51%، بسبب التوترات الإقليمية الجارية. ولفت إلى أن نسبة إلغاء الرحلات بلغت 42% في الأيام الأربعة الماضية. وبين أن إغلاق الأجواء الأردنية يعزل الأردن عن العالم، لذا اتجهت الهيئة لاتخاذ تدابير أخرى تضمن سلامة وأمن الطيران المدني.