
كيف تحوّل مشاعر القلق والتوتر إلى طاقة إيجابية تستفيد منها؟
"أكاد أكون خبيرة في الشعور بالقلق" بهذه العبارة تصف كيت سويني، الباحثة في علم النفس، علاقتها الطويلة مع القلق. فمنذ سنوات، يلازمها هذا الشعور المرتبط بما لا تستطيع السيطرة عليه.
ورغم أن القلق المزمن، حتى وإن كان خفيفاً، يترك أثراً سلبياً على صاحبه، فإن ما يميّز كيت سويني هو أنها حولت معاناتها إلى دافع مهني، فقد دفعتها تجربتها الشخصية مع القلق إلى اختيار مسارها العلمي، فقررت أن تتخصّص في علم النفس، وتحديداً في دراسة أسباب القلق والتوتر، وتعمل أستاذة في جامعة كاليفورنيا – ريفرسايد.
تقول سويني: "لا يستغل الجميع حياتهم وما يدور فيها كوقود لأبحاثهم"، وقد استعانت بالفعل بتجاربها الشخصية لتكون نقطة انطلاق لأبحاثها النفسية، التي كشفت بعض نتائجها عن مفارقات لافتة.
ومن بين هذه النتائج أن القلق – في بعض الحالات – يمكن أن يكون مفيداً، فهو قد يساعد الإنسان أثناء مروره بمواقف متوترة، كانتظار نتائج اختبار مهم، أو اتخاذ خطوات لحماية صحته.
أنواع مختلفة للقلق
وتباينت تعريفات العلماء لمفهوم القلق، بين من وصفوه بعبارات محايدة، وآخرين استخدموا مصطلحات تنطوي على دلالات سلبية، فقد لجأ بعض علماء النفس، خصوصاً المتخصصين في دراسة الظواهر المرتبطة بالتغير المناخي، إلى تقديم تعريف محايد للقلق باعتباره "حالة شعورية تحفّز الفرد على اتخاذ سلوكيات تهدف إلى تقليل التهديد"، وفضّل آخرون تعريفه بطريقة أكثر سلبية، على أنه "تجربة شعورية تنطوي على أفكار مزعجة ومستمرة بشأن المستقبل".
ويكمن الفارق الجوهري بين القلق والتخوّف العام، في أن الأخير يرتبط بتجربة عاطفية تحفّز الفرد على التغيير، بينما قد يتحول القلق إلى عبء داخلي دائم يصعب التخلص منه.
ورغم أن للقلق أضراراً معروفة، إلا أن بعض الباحثين يشيرون إلى أنه قد يكون محدود الانتشار داخل النفس؛ أي أن الشعور بالقلق تجاه أمر معين قد يخفف من احتمالية القلق حيال أمور أخرى.
لكن عندما يبلغ القلق مستويات مرتفعة، فإنه غالباً ما يرتبط بتدهور الصحة الجسدية والنفسية، نتيجة أسباب متنوّعة تبدأ من اضطرابات النوم، ولا تنتهي بالخوف المفرط من الخضوع لفحوص طبية، مثل تلك التي تكشف عن أمراض خطيرة كالسرطان.
ويزداد الأمر تعقيداً إذا كان القلق حاداً، وعشوائياً، ومتكرراً، ويصعب السيطرة عليه، وهي الخصائص التي تميّز ما يُعرف بـ "اضطراب القلق العام".
ويقول إدوارد وتكينز، أستاذ علم النفس السريري في جامعة إكستر البريطانية: "من المرجّح أن يكون القلق المنتشر والمرتبط بمصادر متعددة أكثر إشكالية وأقل فائدة من القلق المركّز على مشكلة واضحة ومحددة".
Getty Images
ارتبط الشعور بنوع من "القلق البنّاء" بشأن حرائق الغابات في استراليا، باتخاذ إجراءات عملية من شأنها، التحضير الجيد للتعامل مع هذه الحرائق عند اندلاعها
فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسات أُجريت في الولايات الأسترالية المعرضة لحرائق الغابات، أن الشعور بما يمكن وصفه بـ"القلق البنّاء" ارتبط بتحضيرات أفضل لمواجهة هذه الكوارث، كما تبيّن أن هذا النوع من القلق يسهم أيضاً في تحسين الأداء الأكاديمي، وزيادة فرص الإقلاع عن التدخين.
وفي سياق آخر، كشفت دراسة أن الشعور بالقلق إزاء التغير المناخي كان أقوى مؤشر على دعم الأفراد للسياسات البيئية، وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى اقتراح أن إثارة القلق - بدلاً من إثارة الخوف - قد يكون أكثر فاعلية في تحفيز الناس على دعم قضايا البيئة، إذ إنّ القلق يركّز على ما قد يحدث مستقبلاً، لا على اجترار ما فات، ويجعل الفرد أكثر استعداداً للتعامل مع الواقع.
ويشرح إدوارد وتكينز، الباحث في اضطرابات الحالة المزاجية، ثلاث آليات رئيسية يمكن للقلق أن يُحدث تأثيره من خلالها:
الدافع:
القلق يدفع الشخص إلى التفكير في أسباب المشكلة، ويزيد من احتمالية اتخاذه خطوة فعلية لمواجهتها
التذكير:
الإحساس بالخوف أو عدم اليقين يلحّ على الذهن، ويذكّر صاحبه بالحاجة إلى الفعل
التحضير:
القلق يحفّز سلوكيات مثل التخطيط، وحل المشكلات، واتخاذ احتياطات مسبقة
وتقول كيت سويني إن للقلق وظيفة واضحة، تماماً مثل أي شعور إنساني آخر، فهو بمثابة إشارة تنبّهنا إلى ما قد يكون في طريقه إلينا، وتحثّنا على التحرّك لمنع وقوعه، أو الاستعداد لمواجهته.
وقد أكدت الدراسات المتعلقة بوباء كورونا في مراحله الأولى هذه الفكرة، ففي دراسة شملت سكان 10 دول، تبيّن أن القلق شكّل المكوّن العاطفي الأبرز في إدراك خطر الفيروس.
وقد استخدم الباحثون مؤشرات من بينها مستوى القلق لدى الأفراد، ووجدوا علاقة قوية بين هذا القلق واتباع سلوكيات وقائية، مثل غسل اليدين، وارتداء الكمامات، والالتزام بالتباعد الاجتماعي.
كيف تشعر بـ "القلق بشكل أفضل"
إن القلق البنّاء يكون أسهل توجيهاً حين يكون الحدث مؤطراً زمنياً، كما في حالة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على سبيل المثال، وبالنسبة لكيت سويني، كان اقتراع عام 2016 من بين أبرز الأحداث التي غذّت مخاوفها السياسية.
لكن كيت وجدت لاحقاً طريقة لتوظيف هذا القلق بصورة إيجابية؛ فعندما حلّت انتخابات التجديد النصفي في 2018، كتبت أكثر من 50 بطاقة بريدية، دعت فيها الناخبين إلى المشاركة في التصويت، محاولة بذلك تحويل القلق إلى فعل ملموس.
Getty Images
أظهرت إحدى الدراسات أن المؤشر الأقوى الذي كان يفيد بأن شخصاً ما يدعم السياسات الرامية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي أم لا، تمثل في ما إذا كان يشعر بالقلق حيال هذه الظاهرة من عدمه
وأجرت كيت سويني دراسة تناولت سبل الحفاظ على السلامة الذهنية وراحة البال خلال فترات الانتظار القلِقة، لا سيما عند ترقّب نتائج قد تكون سلبية.
وركّزت الدراسة على مرحلة انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لتبيّن كيف يمكن للقلق أن يؤثر في سلوك الإنسان خلال هذه الفترات.
وأشارت سويني إلى أن الشخص يستطيع الحدّ من الآثار السلبية للقلق من خلال تبنّي موقف إيجابي قبل يوم الاقتراع وأثناءه، بشرط أن يُهيّئ نفسه في الوقت ذاته لاحتمال وقوع أسوأ السيناريوهات.
وقالت إنها، على المستوى الشخصي، استطاعت أن "تمنح القلق وظيفة" حتى لحظة إعلان النتائج.
وبطبيعة الحال، يشعر كثيرون بالقلق في مواجهة قوى خارجة عن سيطرتهم، لكن إدراك أن القلق لا يؤدي وظيفة مفيدة في بعض المواقف قد يساعد على التخفيف من حدّته.
وتستعرض سويني في هذا السياق استراتيجية من ثلاث خطوات، يمكن من خلالها تحويل القلق إلى سلوك عملي:
1- حدّد طبيعة القلق الذي يراودك
2- فكّر في الخطوات التي يمكنك اتخاذها لمواجهة المشكلة
3- إذا كنت قد فعلت ما بوسعك، فحاول أن تنغمس في إحدى الحالات الذهنية التي تقلّل التوتر، مثل "اليقظة الذهنية" أو "التدفق" وهي حالة ذهنية يشعر فيها الإنسان بانسجامٍ تام مع ما يفعله، فيفقد الإحساس بالوقت، ويكون تركيزه كاملاً في المهمة التي بين يديه، دون قلق أو تشتيت
وتوضح سويني أن حالة "التدفق" تعني انخراط الفرد الكامل في التعامل مع تحديات معتدلة الصعوبة، مع قدرته على تتبع تقدّمه في مواجهتها، وتُعد هذه الحالة مفيدة بشكل خاص في أوقات الضغط.
ورغم أن حالة "اليقظة الذهنية" - أي التركيز الكامل على اللحظة الراهنة دون حكم أو تشتت - ترتبط غالباً بتحقيق مستويات عالية من السعادة والاستقرار النفسي والاجتماعي، فإن نتائج الدراسة التي أجرتها كيت سويني على مجموعة من المشاركين في الصين كشفت عن جانب مختلف. فقد تبيّن أن هذه الحالة اقترنت لدى أفراد العينة بزيادة الشعور بالوحدة، وتراجع السلوكيات الصحية.
وتعزو سويني هذا التراجع إلى غياب "عنصر الإلهاء" الذي توفّره حالة "التدفّق"، وهي الحالة التي ينغمس فيها الشخص تماماً في نشاط يشغله ذهنياً ويصرفه عن القلق، ما يجعله يشعر بأن الوقت يمرّ بسرعة.
أما "اليقظة الذهنية"، فتجعل الإنسان أكثر انتباهاً لحالة الغموض وعدم اليقين المحيطة به، ما قد يزيد من شعوره بالضغط في مواقف طويلة الأمد.
وتخلص الدراسة إلى أن اليقظة الذهنية قد تكون أكثر فاعلية في مواجهة المواقف القصيرة والمركّبة التي تتطلب وعياً حاداً باللحظة، بينما يساعد "التدفّق" على التكيّف مع الأوضاع الممتدة التي لا نهاية واضحة لها في الأفق.
Getty Images
حاول أن تنغمس في إحدى الحالات العقلية التي تقلل التوتر، مثل "التدفق" و"اليقظة أو الوعي التام"
ويقول إدوارد وتكينز، الذي عمل على تحديث قائمة النصائح الموجّهة لمن يسعون لتعزيز صحتهم النفسية خلال وباء كورونا، وأشرف على تطبيق إلكتروني أُطلق لخدمة الشباب الأوروبيين في هذا السياق، إن الدراسات أشارت إلى أن الشعور بقدر معتدل من القلق إزاء كورونا، مقروناً بفهم أهمية إجراءات التباعد الاجتماعي والإيمان بفاعليتها، يسهم في رفع مستويات الالتزام بالإرشادات الوقائية.
في المقابل، القلق المفرط أو الخوف المشتت لأسباب متعددة قد يعيق قدرة الفرد على اتخاذ أي خطوات فعلية.
فبدلاً من الانشغال بالسيناريوهات السلبية، وما قد يحدث بطريقة خاطئة، تنصح الدراسات بوضع خطة واضحة لكيفية تقليل المخاطر أثناء التنقل من وإلى مقر العمل.
ويعلّق وتكينز على ذلك قائلاً: "التركيز على وضع خطة، يُشعر الإنسان بالقدرة على الاستعداد والتحكم. أما الاستسلام للقلق والتخيلات الكارثية، فيزيد من شعور الشخص بالعجز والهلع، ويضخّم المخاوف التي تراوده".
بشكل عام، توصي الدراسات النفسية، بما في ذلك أبحاث إدوارد وتكينز وآراء باحثين آخرين، بالحفاظ على نوع من الروتين اليومي، والبقاء على تواصل منتظم مع المقرّبين للاطمئنان عليهم، إلى جانب البحث عن وسائل لتحويل القلق إلى اهتمام فعّال وتعاطف مع الآخرين.
ففي فيلم الرعب "بادادوك"، يجسّد الوحش الظاهر في القصة حزناً عميقاً متجذّراً في الماضي، وعلى عكس النهايات المعتادة في أفلام الرعب، لا تحاول البطلة تدمير هذا الكائن، بل تدرك أن وجوده - رغم رعبه - يمنحها مساحة للتعبير عن حزنها وتذكّر ما فقدته، لكنها لا تسمح له بالسيطرة، لتصل معه في النهاية إلى ما يشبه "تسوية" بينهما.
وبالطريقة ذاتها، ربما يكون التوصل إلى توازن مع القلق هو الهدف الأكثر واقعية بالنسبة للكثيرين منّا، هو توازن قد لا يكون مريحاً تماماً، لكنه أفضل من الإنكار أو الاستسلام الكامل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأيام
منذ 2 أيام
- الأيام
العالم يزداد حرارة، هل تؤثر موجات الحر على أدمغة البشر؟
Getty Images الحرارة العالية تؤثر على الحاجز الذي يحمي الدماغ ما يجعله أكثر هشاشة وقابلية للاختراق يزداد العالم حرارة بسبب موجات الحر الشديدة الناتجة عن التغير المناخي، مما يدفع العلماء للتسابق من أجل فهم تأثير ارتفاع الحرارة على قدرات أدمغتنا البشرية. لم يكد الرضيع جيك أتمّ شهره الخامس، حتى أُصيب بأول نوبة صرع كبرى، حيث تيبس جسده الصغير ثم أخذ يرتعش بسرعة. تقول والدته، ستيفاني سميث: "كان الجو حاراً جداً، وبالتالي ارتفعت درجة حرارته، ثم رأينا ما اعتقدنا أنه أفظع شيء سنراه على الإطلاق". "لكن للأسف، كان هناك ما هو أكثر من هذا." بدأت نوبات الصرع تزداد في الطقس الحار. وفي أيام الصيف الخانقة والرطبة، كانت عائلة جيك تلجأ إلى استخدام كل أساليب التبريد الممكنة، وتصارع بشراسة للسيطرة على هذه النوبات. خضع جيك لاختبار جيني في سن 18 شهراً، وشخّص الأطباء حالته بأنها متلازمة درافيت، وهي حالة عصبية تتضمن شكلاً من أشكال الصرع، وتصيب طفلاً واحداً من كل 15 ألف طفل تقريباً. غالباً ما يصاحب هذه الحالة نوبات إعاقة ذهنية ومجموعة أمراض مثل التوحد واضطراب فرط الحركة وضعف الانتباه، بالإضافة إلى صعوبات في الكلام والحركة وتناول الطعام وحتى النوم. ويمكن أن تحدث النوبات بسبب ارتفاع الحرارة والتغيرات المفاجئة في درجات الحرارة. يبلغ جيك الآن من العمر 13 عاماً، وتوضح والدته أنه عانى من نوبات كثيرة لا تحصى مع تغير الطقس، وتقول ستيفاني: "ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وموجات الحر تزيد من عبء التعايش مع هذه الحالة المدمرة أصلاً". وتعد متلازمة درافيت واحدة من أمراض عصبية عديدة تزداد حدتها مع ارتفاع درجات الحرارة، كما يقول سانجاي سيسوديا، من كلية لندن الجامعية، وهو رائد في مجال تأثير تغير المناخ على الدماغ وطبيب أعصاب متخصص في الصرع، وسمع الكثير من عائلات المرضى عن تزايد المشاكل خلال موجات الحر. يقول سيسوديا: "تساءلت في نفسي، بالطبع، لماذا لا يؤثر تغير المناخ أيضاً على الدماغ؟ ففي النهاية، هناك العديد من العمليات في الدماغ مرتبطة بكيفية تعامل الجسم مع الحرارة." أثناء بحثه في المراجع العلمية، اكتشف مجموعة من الحالات العصبية التي تتفاقم مع ارتفاع الحرارة والرطوبة، منها الصرع، السكتة الدماغية، التهاب الدماغ، التصلب اللويحي، والصداع النصفي، وغيرها. كما اكتشف أن آثار تغير المناخ على أدمغتنا أصبحت واضحة بالفعل. على سبيل المثال، خلال موجة الحر الأوروبية عام 2003، جاءت 7 في المئة من الوفيات الزائدة بسبب مشاكل عصبية مباشرة. وتم رصد أرقام مماثلة خلال موجة الحر في بريطانيا عام 2022. كما أن الحرارة يمكن أن تغير أيضاً الطرق التي تعمل بها أدمغتنا، مما يجعلنا أكثر عنفاً وغضباً واكتئاباً. والسؤال الآن، في ظل ارتفاع درجة حرارة العالم بسبب تغير المناخ، ما هو التأثير المتوقع للحرارة على أدمغتنا؟ Getty Images موجات الحر الشديد تؤدي إلى تغيرات في السلوك والمزاج، وغالباً ما يؤدي إلى تفاقم الحالات العصبية نادراً ما ترتفع درجة حرارة الدماغ البشري بمقدار درجة مئوية واحدة في المتوسط عن درجة حرارة الجسم الأساسية. لكن نظراً لكونه من أكثر أعضاء الجسم استهلاكاً للطاقة، فإن الدماغ يُنتج قدراً من الحرارة الذاتية (يسخن الدماغ ذاتياً)، عندما نقوم بعمليات التفكير والتذكر ونتفاعل مع العالم من حولنا. هذا يعني أن أجسامنا تبذل جهداً كبيراً للحفاظ على برودتها، وهو ما يقوم به الدم خلال دورته عبر شبكة من الأوعية الدموية من أجل الحفاظ على درجة الحرارة، وكذلك التخلص من الحرارة الزائدة. هذا ضروري لأن خلايا دماغنا حساسة جداً للحرارة. وهناك فهم أيضاً لأن وظيفة بعض الجزيئات التي تنقل الرسائل بين هذه الخلايا تعتمد على درجة الحرارة، ما يعني أنها كفاءة عملها تتأثر إذا ارتفعت درجة حرارة أدمغتنا أو حتى إذا انخفضت. يقول الدكتور سانجاي سيسوديا: "لا نفهم تماماً كيف تتأثر المكونات المختلفة لهذه الصورة المعقدة (من الخلايا الدماغية). لكن يمكننا تخيلها كأنها ساعة، لم تعد جميع الأجزاء تعمل معاً بشكل صحيح." على الرغم من أن الحرارة الشديدة تغير آلية عمل أدمغة الجميع، وقد تؤثر سلباً على اتخاذ القرارات وتدفع الناس إلى مخاطر أكبر، إلا أن المصابين بأمراض عصبية هم الفئة الأكثر تضرراً غالباً، لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال ضعف عملية التعرق بسبب بعض الأمراض. ويوضح سيسوديا أن تنظيم الحرارة وظيفة دماغية، وقد "تتعطل إذا لم تعمل أجزاء معينة من الدماغ بشكل صحيح." ففي بعض حالات مرض التصلب اللويحي، يبدو أن درجة حرارة الجسم الأساسية تتغير. كما أن بعض الأدوية التي تعالج الأمراض العصبية والنفسية، مثل الفصام، تؤثر على تنظيم درجة الحرارة، مما يجعل من يتناولونها أكثر عرضة للإصابة بضربة الشمس، أو ما يُعرف طبياً بالإجهاد الحراري، كما أنهم أكثر عرضة للوفاة المرتبطة بالحرارة. يمكن لموجات الحر، التي تؤدي إلى ارتفاع الحرارة ليلاً، أن تؤثر على جودة النوم مما يؤثر على مزاج البشر، وقد يؤدي هذا إلى تفاقم أعراض بعض الحالات المرضية. يقول الدكتور سيسوديا: "بالنسبة للعديد من المصابين بالصرع، فإن قلة النوم يمكن أن ترفع خطر الإصابة بنوبات مرضية." Getty Images مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية نتيجة لتغير المناخ، سيزيد ذلك من الضغط على أجسادنا وأدمغتنا تشير الدلائل إلى أن حالات دخول المستشفيات ومعدلات الوفيات بين المصابين بالخرف تزداد أيضاً خلال موجات الحر. قد يرجع هذا جزئياً إلى التقدم في السن، نظراً لأن كبار السن أقل قدرة على تنظيم درجة حرارة أجسامهم، لكن الضعف الإدراكي لديهم قد يعني أيضاً ضعف القدرة على التكيف مع الحرارة الشديدة، فهم مثلا قد لا يشربون كمية كافية من الماء، أو ينسون إغلاق النوافذ، أو يخرجون في وقت ذروة الحرارة. كما أن هناك ارتباط أيضاً بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة حالات السكتة الدماغية والوفيات. في إحدى الدراسات التي حللت بيانات وفيات السكتة الدماغية من 25 دولة، وجد الباحثون أن الحرارة الشديدة أدت إلى حدوث حالتي وفاة إضافيتين من بين 1000 حالة وفاة ناجمة عن السكتة الدماغية الإقفارية. تقول بيثان ديفيز، أخصائية طب الشيخوخة في مستشفيات جامعة ساسكس البريطانية: "قد لا يبدو هذا العدد كبيراً. ولكن مع بلوغ عدد الوفيات حول العالم بسبب السكتة الدماغية إلى سبعة ملايين وفاة سنوياً، فإن الحرارة العالية تتسبب في أكثر من 10 آلاف حالة وفاة إضافية بالسكتة الدماغية سنوياً". وحذرت بيثان وزملاؤها من أن تغير المناخ من المرجح أن يفاقم هذا الوضع في السنوات القادمة. ولأن البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل الأكثر تضرراً من تغير المناخ وتشهد أيضاً أعلى معدلات السكتات الدماغية، فإنها سوف تعاني من تزايد هذه الحالات المرتبطة بالحرارة. وتضيف بيثان ديفيز: "سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تفاقم الفجوة الصحية بين البلدان وبعضها، وحتى داخل البلد نفسها ستزداد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية". وتتزايد الأدلة حول وجود خطر أكبر على كبار السن وأصحاب الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدني، فهم أكثر عرضة لخطر الوفيات المرتبطة بالحرارة. كما أن ارتفاع درجة حرارة العالم يضر بالنمو العصبي للأطفال الأصغر سناً. وتقول جين هيرست، أستاذة صحة المرأة العالمية في إمبريال كوليدج لندن بريطانيا: "هناك ارتباط بين الحرارة الشديدة ومشكلات الحمل السيئة، مثل الولادات المبكرة". وقد وجدت مراجعة منهجية حديثة للأبحاث العلمية أن موجات الحر ترتبط بزيادة نسبة الولادة المبكرة إلى 26 في المئة، مما قد يؤدي إلى تأخر النمو العصبي وضعف إدراكي للأطفال. Getty Images ارتفاع درجات الحرارة قد تؤثر على آلية عمل الدماغ البشر وانتقال الرسائل بين الخلايا العصبية وتضيف جين: "مع ذلك، هناك الكثير مما نجهله. مثلاً من هم الأكثر عرضة للخطر ولماذا؟ لأن هناك 130 مليون امرأة تلدن أطفالاً كل عام، وكثيرات منهن في بلدان حارة، ولا يحدث لهن هذا." كما أن الحرارة المفرطة الناجمة عن تغير المناخ قد تؤدي لضغوط إضافية على الدماغ، مما يجعله أكثر عرضة للتلف وبالتالي إصابته بأمراض عصبية تنكسية. فالحرارة تؤثر أيضاً على الحاجز الذي يحمي الدماغ عادة، مما يجعله أكثر هشاشة وقابلية للاختراق، ويزيد من خطر انتقال السموم والبكتيريا والفيروسات إلى أنسجة الدماغ. قد يزداد هذا الأمر أهمية مع ارتفاع درجات الحرارة وأيضاً انتشار البعوض الذي ينقل فيروسات قد تسبب أمراضاً عصبية، مثل زيكا وشيكونغونيا وحمى الضنك. يقول توبياس سوتر، عالم الحشرات الطبية في المعهد السويسري للصحة الاستوائية والعامة: "يمكن أن يؤثر فيروس زيكا على الأجنة ويسبب صغر الرأس". ويضيف: "ارتفاع درجات الحرارة واعتدال الحرارة في فصول الشتاء يعني أن موسم تكاثر البعوض (يكون طويلاً) يبدأ مبكراً وينتهي متأخراً." ويمكن لموجات الحر أن تؤثر على مجموعة كبيرة من العمليات النفسية، بدءاً من النبضات الكهربائية للخلايا العصبية، ومروراً بخطر التفكير في الانتحار، والقلق المناخي، وقد تؤثر حتى على فاعلية الأدوية المستخدمة لعلاج الحالات العصبية. لكن العلماء ما زالوا يعملون على التحديد الدقيق لكيفية تأثير ارتفاع درجات الحرارة على أدمغتنا. يؤثر الحر على الناس بطرق مختلفة جداً، بعضهم يزدهر في الطقس الحار، بينما يجده آخرون لا يُطاق. يقول سيسوديا: "قد تكون هناك عوامل مختلفة ذات صلة بهذه الحساسية المختلفة، وقد يكون أحدها الاستعداد الوراثي." يمكن للمتغيرات الجينية أن تؤثر على هياكل البروتينات التي قد تجعل بعض الناس أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. ويضيف: "قد تكون هناك خصائص كامنة مرتبطة باستجابة الإنسان للحرارة، لن تظهر إلا في حالة وجود ضغوط بيئية حرارية تؤدي في النهاية لخروجها"، "ما نراه اليوم من أعراض لدى الأشخاص المصابين باضطرابات عصبية قد تظهر على أشخاص غير مصابين بها مع تقدم تغير المناخ". لا تزال هناك أسئلة أخرى بحاجة إلى إجابة. على سبيل المثال، هل درجة الحرارة القصوى، أم طول موجة الحر، أم درجة الحرارة الليلية، هي الأكثر تأثيراً؟ قد يختلف الأمر من شخص لآخر أو حسب الحالة العصبية. لكن تحديد الفئات المعرضة للخطر وأسباب معاناتها أمر مهم جداً للمساعدة في وضع استراتيجيات لحماية الفئات الأكثر ضعفاً. قد يشمل ذلك أنظمة إنذار مبكر أو تأمينات لتعويض عمال اليومية عن الأجور التي سيخسرونها لعدم العمل بسبب الحر الشديد. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عندما تم تأكيد أن شهر يوليو/تموز 2023 هو الشهر الأكثر حرارة على الإطلاق: "لقد انتهى عصر الاحتباس الحراري، وبدأ عصر الغليان العالمي". تغير المناخ حاضر ويتفاقم، وعصر ارتفاع درجة حرارة الدماغ بدأ الآن.


الأيام
منذ 2 أيام
- الأيام
هوس أكياس الكافيين: موضة بين المراهقين تثير قلق بعض الخبراء
Getty Images يقول خبراء إن أعدداً متزايدة من المراهقين في الولايات المتحدة يستخدمون أكياس الكافيين للحصول على دفعة من الطاقة، وسط مخاوف من أن تنتشر هذه الظاهرة قريباً في المملكة المتحدة. هذه الأكياس الصغيرة، التي تشبه أكياس الشاي وتُوضع بين الشفة واللثة، تمنح جرعة سريعة من الكافيين تصل مباشرة إلى مجرى الدم. بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يروجون لهذه المنتجات، وينصحون بها مرتادي الصالات الرياضية لتحسين الأداء، أو الطلاب الراغبين في البقاء متيقظين أثناء الامتحانات. ويقول الدكتور روب فان دام، من جامعة جورج واشنطن، إن متجر "تيك توك" يبيع الكثير من العلامات التجارية والنكهات التي قد تجذب الشباب. لكن مع احتواء الكيس الواحد على كمية من الكافيين تعادل كوبين من القهوة، لن يكون من السهل تناول جرعات كبيرة تؤدي إلى آثار جانبية سيئة، بحسب قوله. هناك بالفعل قلق متزايد في المملكة المتحدة بشأن استخدام الشباب لأكياس النيكوتين أو "السنوُس". كما أن أكياس الكافيين غير لافتة للنظر – إذ قد يصعب ملاحظة وجودها في الفم – ما يجعل من السهل إخفاؤها عن الأهل والمعلمين. بعض مستخدمي هذه المنتجات يتفاخرون عبر الإنترنت بشعورهم بـ"النشوة" عند استخدام كيسين في الوقت نفسه للحصول على جرعة مضاعفة من الكافيين. وبما أن الكافيين يُمتص بسرعة، فقد تبدأ آثاره بعد دقائق من تناوله وتستمر لساعات عدة. ويمكن أن تصل المستويات إلى حد الخطر. وقال الدكتور فان دام لبي بي سي: "قد يكون لدى الشباب تحمل أقل للكافيين، وهناك احتمال أن ينتهي بهم الأمر في غرفة الطوارئ إذا تناولوا الكثير منه". لماذا الكافيين وما الذي يحدث عند الإفراط فيه؟ Getty Images الكافيين مادة منبهة يمكن أن تجعلك أكثر يقظة وأقل شعوراً بالنعاس، بسبب تأثيرها على الدماغ والجهاز العصبي. يقول لويس جيمس، من كلية علوم الرياضة والتمارين الصحية في جامعة لوبورو، إن هناك أدلة قوية على أن الكافيين يمكن أن يجعل ممارسة الرياضة أسهل شعوراً. وأصبح من أكثر المكملات استخداماً بين الرياضيين. أثناء ممارسة الرياضة، ينتج الجسم مادة كيميائية تُسمى "الأدينوزين" تجعلك تشعر بالتعب. يعمل الكافيين على حجب مستقبلات الأدينوزين في الأعصاب، فيقل إدراك الدماغ للألم والإرهاق. لكن تأثيره يمتد إلى أجزاء أخرى من الجسم أيضاً – بما في ذلك الجهاز القلبي الوعائي – ما قد يكون محفوفاً بالمخاطر. المستويات العالية يمكن أن تسبب سرعة ضربات القلب، واضطرابات في النظم القلبي، ونوبات تشنجية. ورغم ندرتها، وُثقت حالات وفاة بسبب الإفراط في تناول الكافيين. بعض الأشخاص أكثر حساسية للكافيين من غيرهم، وقد يصابون بالغثيان والقلق والتهيج، ويعانون من الصداع حتى عند جرعات أقل. بشكل عام، يُعتبر تناول ما يصل إلى 400 مليغرام من الكافيين يومياً آمناً لمعظم البالغين الأصحاء – أي ما يعادل نحو أربعة أكواب من القهوة الفورية. الشاي يحتوي على كمية أقل قليلاً، لذا فإن خمسة أكواب يومياً غالباً ما تكون مقبولة. ويُنصح النساء الحوامل بتقليل الاستهلاك اليومي إلى 200 مليغرام أو أقل. الأطفال والمراهقون أكثر عرضة للمخاطر واحتمال التسمم بالكافيين، ولهذا السبب تُلزم قوانين الاتحاد الأوروبي مشروبات الطاقة التي تحتوي على أكثر من 150 مليغرام من الكافيين بحمل تحذير: "محتوى مرتفع من الكافيين. غير موصى به للأطفال أو النساء الحوامل أو المرضعات". انتبه إلى المشروبات أو الأطعمة الأخرى التي تحتوي على الكافيين يقول الدكتور فان دام إنه من السهل تناول كميات مفرطة من الكافيين، لأنه موجود في كثير من المشروبات وبعض الأطعمة، لذلك من المهم التحقق من كمية ما تستهلكه. ويضيف: "بينما يصعب تناول جرعة زائدة من القهوة، فإن هذه المنتجات تجعل الأمر أسهل، خاصة إذا كان الشباب يستخدمون مشروبات الطاقة أيضاً". ويشير إلى أن بعض المنتجات تحتوي، عند فحصها في المختبر، على كمية من الكافيين تفوق ما هو مذكور على الملصق. Getty Images • القهوة: يحتوي الكوب على نحو 100 إلى 140 مليغرام من الكافيين، لكن النسبة قد تختلف كثيراً • الشاي: يحتوي الكوب على نحو 75 مليغرام. • مشروبات الطاقة: غالباً تحتوي على 80 مليغرام في عبوة حجمها 250 مل. • المشروبات الغازية: عادة تحتوي على نحو 40 مليغرام في العبوة. • الشوكولاتة: يوجد نحو 25 مليغرام من الكافيين في لوح شوكولاتة داكنة وزنه 50 غراماً، ونحو 10 مليغرام في لوح شوكولاتة بالحليب بنفس الوزن. يقول أطباء الأسنان إن استخدام هذه الأكياس على المدى الطويل قد يسبب تهيجاً في اللثة، تماماً كما يحدث مع "السنوُس" وأكياس النيكوتين. ويخشى بعض الخبراء أن تكون أكياس الكافيين بوابة لاستخدام هذه المنتجات الأخرى. تقول باني سورش، رئيسة قسم التغذية العلاجية في "كليفلاند كلينك" بلندن والمتحدثة باسم الجمعية البريطانية للتغذية، إن استخدام الأكياس قد يبدو "موضة" أو أمراً غير ضار، لكن هناك خطراً حقيقياً في جعل استخدام المنبهات أمراً طبيعياً بين المراهقين والشباب، ما قد يخلق أنماطاً من الاعتماد. وأضافت لبي بي سي: "بينما قد يمنح الكافيين دفعة مؤقتة، فإنه قد يعرقل النوم ويفاقم التعب بمرور الوقت، خصوصاً لدى الأطفال والمراهقين الأكثر حساسية لتأثيراته". إذا كان الشباب سيتناولون الكافيين، فإن الجمعية البريطانية للتغذية وهيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا تنصحان بالحذر. وتقترح الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية ألا يتجاوز الحد الأقصى للأطفال والمراهقين 3 مليغرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم، أي أن الطفل الذي يزن 30 كيلوغراماً يجب ألا يتناول أكثر من 90 مليغرام في اليوم. بدلاً من اللجوء إلى الكافيين، تقول سورش إنه من الأفضل التركيز على الوجبات المنتظمة، وشرب الماء، والأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية التي تدعم مستويات طاقة ثابتة طوال اليوم. وتؤكد أن النظام الغذائي الصحي الذي يحتوي على ما يكفي من الحديد والبروتين والكربوهيدرات بطيئة الامتصاص يجب أن يفي بالغرض.


الأيام
منذ 3 أيام
- الأيام
'كأنه فيلم خيال علمي': ولادة طفل من جنين مجمد منذ 30 عاماً
Getty Images تعتبر العديد من وكالات تبني الأجنة المسيحية في الولايات المتحدة أن برامجها تنقذ الأرواح. صورة أرشيفية شهدت ولاية أوهايو الأمريكية ولادة طفل من جنين تم تجميده لأكثر من ثلاثين عاماً، في ما يُعتقد أنه أطول فترة زمنية يُحتفظ فيها بجنين قبل أن يُفضي إلى ولادة ناجحة، محققاً بذلك رقماً قياسياً عالمياً جديداً. ليندسي (35 عاماً) وزوجها تيم بيرس (34 عاماً)، استقبلا طفلهما "ثاديوس دانيال بيرس" يوم السبت الماضي. وقالت ليندسي لمجلة MIT Technology Review: "بالنسبة لعائلتنا، كان الأمر وكأنه من فيلم خيال علمي". ويُرجّح أن يكون هذا الجنين هو الأقدم من حيث فترة التجميد (عملية يتم فيها تجميد البويضات المخصّبة وتخزينها بطريقة معينة لاستخدامها لاحقاً) قبل الولادة الحيّة، متجاوزاً الرقم السابق المسجل عام 2022 لتوأمين وُلدا من جنينين مجمّدين منذ عام 1992. حاول الزوجان بيرس إنجاب طفل طيلة سبع سنوات، قبل أن يقررا تبني الجنين الذي أنجبته ليندا أرتشرد (62 عاماً)، مع زوجها آنذاك في عام 1994 من خلال التلقيح الصناعي. في ذلك الوقت، أنتجت السيدة أرتشرد في البداية أربعة أجنة. أصبح أحدها ابنتها البالغة الآن 30 عاماً، وتركت الثلاثة الأخرى في التخزين. وعلى الرغم من انفصالها عن زوجها، لم ترغب أرتشرد في التخلص من الأجنة أو التبرع بها للأبحاث أو إعطائها لعائلة أخرى بشكل مجهول. وأوضحت أنها أرادت البقاء جزءاً من حياة الطفل، نظراً لأنه سيكون شقيقاً بيولوجياً لابنتها. وقد واصلت دفع آلاف الدولارات سنوياً لتأمين تخزين الأجنة، إلى أن تعرفت على وكالة مسيحية تُدعى Nightlight Christian Adoptions، تدير برنامجاً لتبني الأجنة يُعرف باسم Snowflakes (رقاقات الثلج). وتُصنّف هذه الوكالات، عملية التبني هذه على أنها "إنقاذ حياة". يسمح البرنامج الذي استخدمته السيدة أرتشرد للمتبرعين باختيار العائلة المستقبلية، بما يشمل تحديد صفات دينية وعرقية وجغرافية. وقد اختارت آرشرد أن يكون الزوجان من ذوي البشرة البيضاء، ومسيحيين، ويقيمان داخل الولايات المتحدة، وفقاً لما قالته لمجلة MIT Technology Review. في النهاية، انطبقت تفضيلاتها على الزوجين بيرس. العملية الطبية أُجريت في عيادة Rejoice Fertility في ولاية تينيسي، والتي أكدت أن نهجها يقوم على محاولة نقل أي جنين تستلمه، بغض النظر عن عمره أو ظروف حفظه. قالت السيدة بيرس إنها وزوجها لم يخططا "لتحطيم أي أرقام قياسية"، وإنما "أرادا فقط إنجاب طفل". أمّا السيدة أرتشرد فقد صرّحت لمجلة MIT Technology Review بأنها لم تلتقِ بالطفل شخصياً بعد، لكنها ترى بالفعل تشابهاً بينه وبين ابنتها.