
هجرة الأموال الساخنة من تركيا إلى مصر... ما تأثيرها في البلدين؟
تسبب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ، في تهم تتعلق بالفساد، بانتشار التظاهرات في الشارع التركي، ما أصاب الأسواق المالية بهزة قوية، وفقدت الليرة نحو 14% من قيمتها لتهبط إلى مستوى 42 ليرة لكل دولار، وانتاب المستثمرين الأجانب قلق شديد وبدأ العديد منهم ببيع أصول تركية، كما شهدت سوق المال التركية هجرة للأموال الساخنة، فما هي قبلة هذه الأموال بعد الهجرة من تركيا، وما مدى تأثير ذلك على الاقتصاد التركي، وهل تحصل مصر على حصة من الاستثمار الأجنبي المهاجر من تركيا، وكيف يستفيد الاقتصاد المصري من الأموال الساخنة الوافدة من أنقرة؟
تعريف الأموال الساخنة (Hot Money)
هي استثمار أجنبي غير مباشر في الغالب يكون قصير الأجل، مثل الاستثمار في السندات وأذون الخزانة، تم نقله من دولة إلى دولة أخرى؛ بهدف الاستفادة من الوضع الاقتصادي في الدولة الجديدة، مثل أنها تقدم فائدة أعلى على الاستثمار، أو أنها ستطبق تعويماً على سعر صرف عملتها المحلية فتصبح أضعف أمام العملات الأجنبية، وبالتالي تصبح هذه الدولة جاذبة للاستثمار الأجنبي غير المباشر.
شهدت بورصة إسطنبول تراجعات حادة عقب الاحتجاجات على اعتقال أكرم إمام أوغلو، وبدأ المستثمرون الأجانب ببيع أصول تركية وتحويل قيمتها إلى خارج تركيا، الأمر الذي دفع البنك المركزي التركي الى التحرك بسرعة لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، وضخ على الفور 14 مليار دولار لتوفير السيولة والنقد الأجنبي ودعم الليرة واستقرار سوق الصرف الأجنبي بعد هجرة المليارات من الأموال الساخنة، وهذه الخطوة أدت إلى تحسن قيمة الليرة التركية لتسجل 37.9 ليرة للدولار في مقابل 42 ليرة للدولار عند اندلاع الاحتجاجات.
بورصة إسطنبول
ورجّح خبراء استطلعت "النهار" آراءهم أن تكون المليارات المهاجرة من السوق التركية قد ذهبت إلى مصر، وعزوا ذلك إلى جاذبية السوق المالية المصرية التي تقدم أعلى عائد على الاستثمار بفائدة 27.5% وسط توقعات بإجراء تعويم جديد قد يخفض سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية، ما يزيد من عوائد الاستثمار في القاهرة ويجعل السوق المصرية القبلة الأولى للأموال الساخنة المهاجرة من تركيا.
وفي مصر ضخ الأجانب والعرب 1.23 مليار دولار في السوق الثانوية للدين الحكومي المصري يوم الثلاثاء 18 آذار (مارس) 2025، ليصل صافي مشترياتهم إلى 2.5 مليار دولار خلال أسبوع.
يقول خبير أسواق المال ياسر غريب لـ"النهار" إن هجرة الأموال الساخنة من تركيا إلى مصر تعكس تحولات كبيرة في الأسواق المالية الإقليمية، ويمكن أن تكون لها آثار كبيرة على كلا الاقتصادين، وقد يؤدي هذا التحول الى زيادة السيولة في السوق المصرية، ما قد يساهم في دعم النمو الاقتصادي. ومع ذلك، على الحكومة المصرية أن تكون حذرة في إدارة هذه التدفقات لضمان عدم حدوث تقلبات كبيرة في السوق.
ذكريات مصرية مؤلمة مع الأموال الساخنة
يذكر أن نحو 15 مليار دولار من الأموال الساخنة غادرت مصر أثناء أزمة الأسواق الناشئة عام 2018، وما يقرب من 20 مليار دولار خرجت أيضاً عند تفشي جائحة "كوفيد-19" خلال عام 2020. كما تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 بخروج 21.5 مليار دولار من قيمة الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وفق تصريحات وزير المال المصري السابق محمد معيط.
ويضيف غريب أنه بالنسبة إلى مصر، يمكن أن يؤدي تدفق الأموال الساخنة إلى زيادة السيولة في الأسواق المالية، ما قد يعزز الاستثمار والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإنه يشكل أيضاً اخطاراً مثل زيادة التقلبات والضغوط التضخمية المحتملة إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح.
ويرى أن مصر التي تستعد لخفض أسعار الفائدة وتطبيق نظام تعويم جديد، قد تبدو وجهة جذابة للمستثمرين؛ لأن خفض الفائدة يعزز من جاذبية الأصول المصرية، كما أن التعويم الجديد قد يساهم في تحسين تنافسية الجنيه المصري ويجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
ويوصي غريب بضرورة مراقبة هذه التطورات عن كثب؛ لأنها يمكن أن تؤثر على استراتيجيات الاستثمار والظروف الاقتصادية في كلا البلدين، ويقول: "في النهاية، هجرة الأموال الساخنة تمثل فرصة وتحدياً في آن واحد، وعلى صانعي السياسات في مصر أن يتعاملوا مع هذه الديناميكيات بحذر لضمان استدامة النمو الاقتصادي".
وفي السياق نفسه، يرى خبير أسواق المال وعضو مجلس إدارة شركة "كايزن" للاستشارات المالية عمرو وهيب في حديث إلى"النهار"، أن ما يحدث في تركيا حالياً يلقي بظلاله على خروج الأموال الساخنة، في وقت كانت فيه أنقرة سوقاً جاذبة للاستثمار الأجنبي غير المباشر بفضل الانخفاض المستمر لليرة في ظل معدلات تضخم مرتفعة، وفائدة مرتفعة بلغت 46% في آذار (مارس) 2025.
ويشرح وهيب أن خروج تلك التدفقات النقدية والمالية من تركيا يشكل ضغطاً كبيراً على قيمة الليرة التركية ويضع الاقتصاد التركي أمام مزيد من الضغوط والتحديات التي، بدورها، تهدد الاستقرار في أنقرة، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، خصوصاً في ظل الارتفاع الكبير لمعدل التضخم البالغ 42% في كانون الثاني (يناير) الماضي، وتراجع قيمة الليرة وارتفاع سعر الفائدة على الإقراض لتصل إلى 50%، وكل هذه العوامل دفعت المستثمرين الأجانب والأتراك إلى البحث عن بلد أخر لنقل استثماراتهم إليها وهنا تظهر مصر دولة جاذبة للاستثمارات.
ويتابع أن القاهرة تسعى دوماً إلى جذب الاستثمارات والتدفقات المالية الأجنبية بشتى الطرق، وذلك عن طريق رفع أسعار الفائدة في البنوك التي بلغت قيمتها في آذار (مارس) 2025 مستوى 27.5% سنوياً، وهذا هدفه دعم وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر الدخول للسوق المصرية ودعم أدوات الدين المحلية.
ويدعو وهيب الحكومة المصرية إلى الحذر الشديد من الأموال الساخنة ودخولها السوق المحلية؛ إذ انها قد تشكل اخطاراً كبيرة على معدل التضخم الذي سيرتفع في مقابل تراجع قيمة الجنيه المصري في حال خروج هذه الأموال الساخنة من السوق المصرية بشكل مفاجئ.
ويقول: "إذا لم تعد الحكومة المصرية توظيف تلك الأموال الساخنة بشكل يعود عليها وعلى اقتصادها بالفائدة التنموية والإنتاجية، فإن ضرر هذه الأموال الساخنة سينعكس سلباً بشكل كبير على التقلبات الاقتصادية الداخلية مع ارتفاع معدل التضخم، كما على الحكومة المصرية أن تعمل على تشريع قوانين محفزة وداعمة للاستثمار لضمان استدامة الأموال الساخنة في السوق المصرية وعدم خروجها بسرعة، بما يعود بالفائدة على الطرفين، خصوصاً أن السوق المحلية المصرية هي سوق كبيرة جداً واستهلاكية".
ويتوقع أن تقتنص مصر الفرصة الكبيرة حالياً في ظل ضبابية الأوضاع التركية فتعمل بقوة وبشدة على جذب الاستثمارات التركية والأموال الساخنة، وإعادة رسملتها وتدويرها وتوجيهها لاستثمارات طويلة الأجل ومنتجة تعزز القطاعات الاقتصادية الإنتاجية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام بعيداً مما كان يحدث سابقاً من توجيه تلك الأموال الساخنة لتوظيفها في البورصة المصرية كاستثمارات وتدفقات مالية قصيرة الأجل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بيروت نيوز
منذ 3 ساعات
- بيروت نيوز
مع تزايد الاضطرابات التجارية.. إلى أين تتجه أسعار الذهب؟
تعيش الأسواق المالية العالمية حالة من الترقب والقلق، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية التي تلقي بظلالها على توجهات المستثمرين. وبينما تتزايد المخاوف من فرض رسوم جمركية أميركية جديدة وتتصاعد الأزمات في مناطق عدة حول العالم، يتلألأ الذهب كملاذ آمن يلجأ إليه الأفراد والمؤسسات والدول في أوقات الأزمات وعدم اليقين. هذه الظروف، التي تعززت بقرارات البنوك المركزية في الأسواق الناشئة بزيادة حيازاتها من الذهب، دفعت مؤسسات مالية كبرى إلى مراجعة توقعاتها لسعر المعدن النفيس ورفع تقديراتها لمستويات قياسية محتملة. في هذا السياق، يتزايد زخم التوقعات بأن الذهب قد يشهد قفزات سعرية في الأشهر المقبلة، مع ترجيح عدد من المحللين استمرار قوة الطلب على الذهب مدفوعاً بالمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة، إلى جانب ضعف الدولار العالمي. وبينما يبقى الغموض مسيطراً على المشهد، يجتمع الخبراء على أن الذهب لا يزال في صدارة الخيارات الاستثمارية كأداة للتحوط من الأزمات والتقلبات. أحدث التقديرات رفعت سيتي غروب السعر المستهدف للذهب لثلاثة أشهر من 3150 دولاراً للأونصة إلى 3500 دولار، بزيادة قدرها 11 بالمئة. في إطار رفع السعر المستهدف، أشارت المجموعة إلى استمرار مخاطر الرسوم الجمركية الأميركية والمخاوف بشأن الميزانية الأميركية كأسباب تدفع المستثمرين على الأرجح إلى البحث عن ملاذ آمن في الذهب . المحللون في سيتي غروب أشاروا أيضاً إلى المخاطر الجيوسياسية خارج الولايات المتحدة مثل الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط كأسباب تجعل المعدن النفيس خياراً جذاباً للمستثمرين في الوقت الحالي. يأتي تعديل توقعات سيتي غروب في أعقاب تصاعد التوترات التجارية العالمية ، لا سيما مع تجدد تهديدات الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية . وقد دفعت هذه التطورات المستثمرين إلى تقليل تعرضهم للمخاطر في الأسهم والتحول إلى السلع والمعادن النفيسة ، التي تُعتبر تقليديًا أدوات تحوط من التضخم وملاذات آمنة من التقلبات.


الديار
منذ 4 ساعات
- الديار
جابر: 150 مليون دولار من البنك الدولي لتحديث الإدارة في لبنان
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب اعتبر وزير المالية ياسين جابر أن حركة الموفدين من صناديق ومؤسسات تمويلية أجنبية وعربية إلى لبنان، هي واحدة من مؤشرات التعافي بعد سنين من الأزمات الخانقة. وقال إن ما يبعث على التفاؤل هو التحول في الإتجاهات والسياسات الخارجية نحو استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان ودوره، والتي نجهد كوزارة للمالية وحكومة لتثبيتها عبر الانطلاق باصلاحات بنيوية وهيكلية شفافة تطال القطاعين المالي والنقدي، الى جانب تحسين وتطوير البنى التحتية الاساسية من كهرباء واتصالات وسواها، مشيرا إلى أهمية العمل في مجال التحديث والتطوير الرقمي التي توفر بدورها مناخات جذب استثمارية تعيد عجلة الدورة الاقتصادية وتوفر الحد المطلوب من الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي. وكشف جابر عن ان عملية تحديث الادارة وتطويرها في كل الوزارات والادارات هي موضوع بحث بين وزارة المالية والبنك الدولي للافادة من قرض بقيمة ١٥٠ مليون دولار لتوظيفه في هذا المجال، الأمر الذي يخدم الادارة في تسيير شؤون الناس وكل الشؤون المرتبطة بعمل المؤسسات والدولة وتسهيلها، ويضفي عليها طابع الشفافية ويحميها من سمة الفساد والإفساد. ولفت جابر الى أن أي استقرار اقتصادي أو اجتماعي لن يكتمل، ولن تكون له أي حصانة بغياب الاستقرار الأمني، مشددا في هذا الجانب على ضرورة أن تضغط الدول الضامنة لوقف إطلاق النار باتجاه تثبيته، وأن يُفتح المجال أمنياً وماديا أمام إعادة الاعمار. الوزير جابر الذي كانت له اليوم لقاءات مكثفة ادارية ومالية، التقى وفدا من صندوق النقد الدولي برئاسة الممثل المقيم للصندوق في لبنان فردريكو ليما، وذلك في اطار متابعة اجتماعات الربيع في واشنطن، وتحضيرا لزيارة وفد الصندوق الى بيروت أواخر الأسبوع الحالي. وبعد الظهر التقى الوزير جابر وفدا من صندوق أبو ظبي للتنمية أطلعه على نية الصندوق واستعداده لتمويل عدد من المشاريع التنموية.


الديار
منذ 4 ساعات
- الديار
لجنة الشؤون الخارجيّة أقرّت قرض ال250 مليون دولار
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب عقدت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين جلسة في المجلس النيابي برئاسة النائب فادي علامة، وحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الزراعة نزار هاني والنواب الاعضاء. وقال علامة بعد الجلسة: "عقدت اللجنة للموافقة على مشروع قانون يتعلق بقرض مع البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار، والمشروع الآخر يتعلق بالموافقة على الاتفاقية المقرة بين الحكومة اللبنانية والمنظمة العربية للتنمية الزراعية للتنمية والابتكار "، مضيفا "أقرت اللجنة المشروعين، وبالنسبة للمشروع الاول أوضح وزير المال ان هذه المصاريف هي استثمارية وسيكون لها مردود مهم على كلفة انتاج الكهرباء وفي الوقت نفسه تغذية المشتركين بالكهرباء المطلوبة واعتماد أطر لها علاقة بالموارد والمرافق المائية والطاقة الشمسية وتحسين الكفاءة التشغيلية لشركة الكهرباء ومنها مكننتها والحد من الهدر وفترة السماح للقرض هي ثماني سنوات ولعشرين سنة إلى الامام". وتابع: "اما المشروع الآخر، تحدد فيه أن صندوق لبنان للتنمية والابتكار هو مؤسسة لبنانية ستغطي المصاريف التشغيلية وهو يهدف إلى تطوير الزراعة وتحديثها ويكون لبنان جزء من الدول التي تقدم زراعة وتطورها وتحدثها". وأشار علامة الى "ان اللجنة تطرقت إلى الاعتداءات "الاسرائيلية" اليومية، وأصدرت البيان التالي : "يرزح لبنان تحت عدوان "اسرائيلي" مستمر وهناك احتلال لعديد من الأراضي اللبنانية من قبل العدو "الاسرائيلي" وعملية اغتيالات يومية لا سيما في المناطق الجنوبية علما ان لبنان يلتزم بالقرار 1701، نطالب الحكومة اللبنانية مضاعفة وتسخين العمل السياسي والديبلوماسي مع الدول الكبرى والصديقة لوقف الاعتداءات "الاسرائيلية"، والتقدم بشكوى إلى الامم المتحدة والعمل مع الدول الصديقة بالضغط على العدو الاسرائيلي لاحترام سيادة الوطن وحدوده المعترف بها دوليا".