
د. ميسون تليلان السليم : حين تصبح الكرة مرآة وطن: قراءة في التجربة الكروية الأردنية"
أخبارنا :
في المشهد الكروي الأردني، لم يكن ما تحقق مجرّد انتصار رياضي عابر، بل انعكاسًا لمعادلة وطنية صيغت بعناية بين الرؤية والعدالة، بين القيادة والميدان. من موقعي كرئيس فخري لنادٍ رياضي، ومن منظاري كمحللة للشأن العام، أقرأ ما جرى لا كلعبة انتهت بصافرة حكم، بل كتجربة متكاملة تُثبت أن الإرادة السياسية الواعية حين تقترن بالإدارة الرشيدة، تصنع تحوّلًا عابرًا للحدود والملاعب.
وكمحلّلة للشأن العام، لا أستطيع أن أمرّ على ما جرى في الساحة الكروية الأردنية دون أن أتأمل هذه القفزة النوعية بكل فخر وتحليل. ما تحقق ليس مجرد إنجاز رياضي، بل هو مثال صارخ على كيف تصنع الإرادة السياسية الواعية تحولًا وطنيًا عابرًا للملاعب.
حين تولّى سمو الأمير علي بن الحسين رئاسة الاتحاد الأردني لكرة القدم عام 1999، كانت اللعبة الشعبية الأولى في الأردن تحاول الوقوف على أقدامها وسط واقع متواضع محكوم بمراكز محددة للموهبة، ومحكوم أكثر بنظام لا يكافئ الأداء بقدر ما يكرّس المحسوبية. لكن الأمير علي، بإصرار هادئ وعقلية استراتيجية، لم يدخل هذا الميدان بشعارات، بل شرع بإعادة هيكلة عميقة وصبورة للمنظومة الكروية، مستندًا إلى قناعة جوهرية: لا نجاح دون عدالة في الفرص.
بدأ العمل من القاعدة: توجيه طواقم فنية لرصد المواهب في المباريات الشعبية والودية في مختلف المحافظات، بعيدًا عن الأسماء الكبيرة أو النفوذ المحلي. تبع ذلك تدريب محترف على يد مدربين أكفاء، وتوفير عقود وأجور للاعبين، لضمان تفرغهم وترسيخ احترافيتهم. وفي الوقت ذاته، أدارت الخصخصة التدريجية للأندية تحولًا هامًا، حيث دخلت شركات راعية قادرة على تمويل الأندية، مما أتاح التعاقد مع لاعبين جدد، فخرجت المنافسة من حصرية "الفيصلي والوحدات"، وبدأنا نشهد فرقًا تصعد بقوة وتُصنع بجدارة.
في موازاة هذا الجهد البنيوي، لعب سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني دورًا داعمًا ومُلهمًا، عكس إيمانه العميق بأن الرياضة ليست هامشًا ترفيهيًا، بل رافعة حقيقية للانتماء الوطني. ففي خطوة رمزية أثبتت عمق هذا التوجه، وجّه سموه، خلال كأس العالم 2022، بتوفير شاشات عرض عملاقة في جميع المحافظات، كي يعيش الأردنيون الفرح الكروي بشكل جماعي. هذا الفعل الذي بدا للبعض ترفًا مؤقتًا، كان في جوهره إعلانًا عن رؤية جديدة: أن الرياضة للجميع، في كل مكان.
واكب هذا التوجه دعمًا ملموسًا للبنية التحتية الرياضية، من خلال توسيع شبكة الملاعب والمرافق الآمنة في المحافظات، ضمن خطط تنموية شاملة فتحت الأفق أمام آلاف الأطفال والشباب ليحلموا، ويتمرنوا، ويُظهروا مهاراتهم. لقد وفّرت هذه البيئات الأرض الخصبة التي استثمرها الاتحاد الأردني بقيادة الأمير علي لرعاية الموهبة وتوجيهها، بعيدًا عن الوساطة والمناطقية، وبمعايير تضع الأداء فقط على طاولة التقييم.
لم يكن التطور مفاجئًا، بل كان تصاعديًا ومدروسًا. في 2004، وصل المنتخب إلى ربع نهائي كأس آسيا، ثم تحسّن الأداء في نسخ لاحقة، وبرز نجوم جدد. في 2016، استضافت المملكة بطولة كأس العالم للسيدات تحت 17 عامًا، في إشارة واضحة إلى الجاهزية التنظيمية. في 2021، خطف المنتخب الأنظار في نصف نهائي كأس العرب، ثم حقّق وصافة كأس آسيا في 2023، لتتوج المسيرة أخيرًا بالتأهل المباشر إلى كأس العالم 2026 لأول مرة في تاريخه – إنجاز غير مسبوق تتحدث عنه القارة بأكملها.
إن ما حدث ليس مجرد رحلة نجاح رياضي، بل تجربة وطنية مكتملة الأركان، قامت على إيمان قيادي عميق واحتراف مؤسسي، وعدالة في اختيار الكفاءات. ولم يكن هذا المسار لينجح دون الرؤية الثابتة لسمو الأمير علي، والدعم الملكي الدائم من جلالة الملك عبد الله الثاني، والمساندة المحورية من سمو ولي العهد، الذين آمنوا بأن كرة القدم ليست هدفًا، بل وسيلة لتكريس الانتماء، وتحقيق العدالة وصياغة صورة مشرقة عن الأردن.
فهل آن الأوان أن نستلهم هذا النموذج في قطاعاتنا الأخرى؟ أن نُؤمن بأن الكفاءة، لا النسب ولا الواسطة، هي التي تصنع النجاح؟ لعل في قصة كرة القدم الأردنية ما يكفي من الإجابات.
د. ميسون تليلان السليم
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 5 ساعات
- أخبارنا
د. ميسون تليلان السليم : حين تصبح الكرة مرآة وطن: قراءة في التجربة الكروية الأردنية"
أخبارنا : في المشهد الكروي الأردني، لم يكن ما تحقق مجرّد انتصار رياضي عابر، بل انعكاسًا لمعادلة وطنية صيغت بعناية بين الرؤية والعدالة، بين القيادة والميدان. من موقعي كرئيس فخري لنادٍ رياضي، ومن منظاري كمحللة للشأن العام، أقرأ ما جرى لا كلعبة انتهت بصافرة حكم، بل كتجربة متكاملة تُثبت أن الإرادة السياسية الواعية حين تقترن بالإدارة الرشيدة، تصنع تحوّلًا عابرًا للحدود والملاعب. وكمحلّلة للشأن العام، لا أستطيع أن أمرّ على ما جرى في الساحة الكروية الأردنية دون أن أتأمل هذه القفزة النوعية بكل فخر وتحليل. ما تحقق ليس مجرد إنجاز رياضي، بل هو مثال صارخ على كيف تصنع الإرادة السياسية الواعية تحولًا وطنيًا عابرًا للملاعب. حين تولّى سمو الأمير علي بن الحسين رئاسة الاتحاد الأردني لكرة القدم عام 1999، كانت اللعبة الشعبية الأولى في الأردن تحاول الوقوف على أقدامها وسط واقع متواضع محكوم بمراكز محددة للموهبة، ومحكوم أكثر بنظام لا يكافئ الأداء بقدر ما يكرّس المحسوبية. لكن الأمير علي، بإصرار هادئ وعقلية استراتيجية، لم يدخل هذا الميدان بشعارات، بل شرع بإعادة هيكلة عميقة وصبورة للمنظومة الكروية، مستندًا إلى قناعة جوهرية: لا نجاح دون عدالة في الفرص. بدأ العمل من القاعدة: توجيه طواقم فنية لرصد المواهب في المباريات الشعبية والودية في مختلف المحافظات، بعيدًا عن الأسماء الكبيرة أو النفوذ المحلي. تبع ذلك تدريب محترف على يد مدربين أكفاء، وتوفير عقود وأجور للاعبين، لضمان تفرغهم وترسيخ احترافيتهم. وفي الوقت ذاته، أدارت الخصخصة التدريجية للأندية تحولًا هامًا، حيث دخلت شركات راعية قادرة على تمويل الأندية، مما أتاح التعاقد مع لاعبين جدد، فخرجت المنافسة من حصرية "الفيصلي والوحدات"، وبدأنا نشهد فرقًا تصعد بقوة وتُصنع بجدارة. في موازاة هذا الجهد البنيوي، لعب سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني دورًا داعمًا ومُلهمًا، عكس إيمانه العميق بأن الرياضة ليست هامشًا ترفيهيًا، بل رافعة حقيقية للانتماء الوطني. ففي خطوة رمزية أثبتت عمق هذا التوجه، وجّه سموه، خلال كأس العالم 2022، بتوفير شاشات عرض عملاقة في جميع المحافظات، كي يعيش الأردنيون الفرح الكروي بشكل جماعي. هذا الفعل الذي بدا للبعض ترفًا مؤقتًا، كان في جوهره إعلانًا عن رؤية جديدة: أن الرياضة للجميع، في كل مكان. واكب هذا التوجه دعمًا ملموسًا للبنية التحتية الرياضية، من خلال توسيع شبكة الملاعب والمرافق الآمنة في المحافظات، ضمن خطط تنموية شاملة فتحت الأفق أمام آلاف الأطفال والشباب ليحلموا، ويتمرنوا، ويُظهروا مهاراتهم. لقد وفّرت هذه البيئات الأرض الخصبة التي استثمرها الاتحاد الأردني بقيادة الأمير علي لرعاية الموهبة وتوجيهها، بعيدًا عن الوساطة والمناطقية، وبمعايير تضع الأداء فقط على طاولة التقييم. لم يكن التطور مفاجئًا، بل كان تصاعديًا ومدروسًا. في 2004، وصل المنتخب إلى ربع نهائي كأس آسيا، ثم تحسّن الأداء في نسخ لاحقة، وبرز نجوم جدد. في 2016، استضافت المملكة بطولة كأس العالم للسيدات تحت 17 عامًا، في إشارة واضحة إلى الجاهزية التنظيمية. في 2021، خطف المنتخب الأنظار في نصف نهائي كأس العرب، ثم حقّق وصافة كأس آسيا في 2023، لتتوج المسيرة أخيرًا بالتأهل المباشر إلى كأس العالم 2026 لأول مرة في تاريخه – إنجاز غير مسبوق تتحدث عنه القارة بأكملها. إن ما حدث ليس مجرد رحلة نجاح رياضي، بل تجربة وطنية مكتملة الأركان، قامت على إيمان قيادي عميق واحتراف مؤسسي، وعدالة في اختيار الكفاءات. ولم يكن هذا المسار لينجح دون الرؤية الثابتة لسمو الأمير علي، والدعم الملكي الدائم من جلالة الملك عبد الله الثاني، والمساندة المحورية من سمو ولي العهد، الذين آمنوا بأن كرة القدم ليست هدفًا، بل وسيلة لتكريس الانتماء، وتحقيق العدالة وصياغة صورة مشرقة عن الأردن. فهل آن الأوان أن نستلهم هذا النموذج في قطاعاتنا الأخرى؟ أن نُؤمن بأن الكفاءة، لا النسب ولا الواسطة، هي التي تصنع النجاح؟ لعل في قصة كرة القدم الأردنية ما يكفي من الإجابات. د. ميسون تليلان السليم


رؤيا
منذ 9 ساعات
- رؤيا
"رؤيا" تطلق برنامج "نبض النشامى" لمواكبة مشوار المنتخب الوطني في تصفيات كأس العالم
في إطار التغطية الوطنية الاستثنائية لتصفيات كأس العالم، أعلنت قناة "رؤيا" عن إطلاق برنامجها الرياضي الجديد "نبض النشامى"، البرنامج الرسمي الذي يواكب عن كثب تحضيرات ومباريات المنتخب الأردني لكرة القدم، ابتداءً من الأحد 8 حزيران 2025، في تمام الساعة 8:30 مساءً على شاشة رؤيا ومنصاتها الرقمية. ويمثل "نبض النشامى" أكثر من مجرد برنامج رياضي؛ إذ يُعد منصة استراتيجية تعكس طموحات الشارع الأردني وآماله الكروية، من خلال تغطية شاملة تشمل الجوانب الفنية، والتكتيكية، والنفسية، واللوجستية الخاصة بالمنتخب، وذلك بالتعاون المباشر مع الاتحاد الأردني لكرة القدم. يتضمن البرنامج فقرات تحليلية معمقة يقدمها نخبة من المحللين والمتخصصين، إلى جانب تقارير ميدانية حصرية من داخل المعسكرات التدريبية ومواقع المباريات، وقصص ملهمة تُعرض لأول مرة عن مشوار اللاعبين داخل وخارج الملعب. كما يغوص البرنامج في كواليس المنتخب ويستعرض الخطط المستقبلية لكرة القدم الأردنية، بما في ذلك الكرة النسائية، البنى التحتية، والاستراتيجيات طويلة الأمد التي يضعها الاتحاد. سيُعرض "نبض النشامى" هذا الأسبوع فقط من الأحد إلى الخميس، على أن يُبث لاحقًا بشكل أسبوعي كل يوم خميس، ويتضمن البرنامج تغطيات مباشرة أثناء المباريات عبر شبكة مراسلين في الميدان، وضيوف في الاستوديو لتحليل الأداء لحظة بلحظة. ويحتفي البرنامج في حلقات خاصة بإنجازات المنتخب ولاعبيه، مُقدمًا مادة إعلامية مهنية، متوازنة، ومبنية على الرصد والتحليل عن طريق حوار مثري ذو معلومات صحيحة وشاملة. يُقدَّم البرنامج من قبل الإعلاميين المتميزين بالمحتوى الرياضي هيثم بارودي ومحمد علي الملقب ب"شيكس"، تحت إشراف فريق اعداد ابداعي ضمن رؤية تحريرية تهدف إلى رفع مستوى الحوار الرياضي الوطني، وتعزيز الوعي الكروي لدى الجمهور. "نبض النشامى" ينطلق مساء الأحد 8/6 الساعة 8:30 مساءً، ويُعرض على شاشة رؤيا، كما يمكن متابعته عبر الموقع الإلكتروني وتطبيق رؤيا المتوفر على:


أخبارنا
منذ 14 ساعات
- أخبارنا
صالح سليم الحموري : وزير كأس العالم
أخبارنا : ولماذا لا نُدير إنجازاتنا كما تُدار المشاريع الوطنية الكبرى؟ تأهل "منتخب النشامى" إلى كأس العالم ليس مجرّد لحظة رياضية عابرة، بل هو محطة مفصلية في تاريخ الأردن الحديث، تستحق أن تُعامَل بما يليق بها من جدية ورؤية بعيدة المدى. من هنا، نطرح سؤالًا غير تقليدي: لمَ لا نُعيّن "وزيرًا لكأس العالم"؟ وزيرٌ قوي يتولى هذا الملف بوصفه "مشروعًا وطنيًا شاملاً"، لا مجرد مشاركة في بطولة. وزيرٌ يُحوّل الحلم إلى خطة، والانتصار إلى استراتيجية، والفرحة إلى مستقبل. لأننا في زمن تُقاس فيه الحكومات بقدرتها على تحويل اللحظات إلى منجزات، والتحديات إلى فرص. فحكومات المستقبل لا تحتاج إلى وزارات بقدر ما تحتاج إلى وزراء يديرون ملفات. ملفات ترتبط بحياة الناس، بأحلامهم، وبصورتهم أمام العالم. وملف كأس العالم… أحد هذه الملفات. الفكرة ليست مبالغة… بل إدارة حلم في العالم المتقدم، تُدار الملفات الكبرى بفرق عمل ووزارات ومجالس عليا. إن كانت هناك وزارات للذكاء الاصطناعي، والسعادة، والمستقبل… فلمَ لا نُخصّص قيادة حكومية تدير إنجازًا رياضيًا بهذا الحجم؟ ما الذي سيفعله "وزير كأس العالم"؟ ليس دوره إدارة المنتخب فقط، بل العمل على: • تنسيق جهود الدولة بكل مؤسساتها لدعم الفريق. • تحويل التأهل إلى منصة للدبلوماسية الرياضية. • تسويق صورة الأردن عالميًا كـ"بلد الإنجاز والتحدي". • ربط التأهل بملفات الاقتصاد والسياحة والاستثمار. • بناء إرث رياضي وثقافي يدوم ما بعد البطولة. كأس العالم… منصة وطنية لتكامل الجهود عندما يتأهل فريق، تظهر معه دولة كاملة. وتعيين وزير مختص بهذا الملف، هو اعتراف ضمني بأن ما تحقق ليس نهاية القصة، بل بدايتها. سيكون الوزير حلقة الوصل بين: • الاتحاد الأردني لكرة القدم، • الإعلام المحلي والدولي، • وزارة الخارجية وهيئة تنشيط السياحة، • وزارات التربية والتعليم، والشباب، والثقافة، • القطاع الخاص والرعاة، • والأهم من ذلك… الشعب الأردني. نحو عقلية الإنجاز… لا الاحتفال فقط لسنا بحاجة لمن يرفع الكأس فقط، بل لمن يرفع "سقف الطموح." نحتاج قيادة تؤمن أن الإنجاز الرياضي يجب أن يُدار "بعقلية احترافية"، وأن يتحوّل إلى قيمة مضافة للوطن. "وزير كأس العالم" هو رمزٌ للتحوّل من ردّ الفعل إلى صناعة الحدث، من فرحة مؤقتة إلى مشروع مستدام. خاتمة: كرة القدم… وطنٌ بحجم الملعب قد تبدو كرة القدم لعبة… لكنها حين تمسّ قلوب الشعوب، تتحوّل إلى "وطنٍ داخل الوطن". وتأهل "النشامى"… ليس مجرّد انتصار، بل لحظة استثنائية، قد نحتاج فيها… إلى وزير. *صالح سليم الحموري مستشار التدريب والتطوير