logo
وداعًا صنع الله إبراهيم

وداعًا صنع الله إبراهيم

مصرسمنذ 17 ساعات
(1)ما بين الأزمة الصحية التى ألمت به فى مايو الماضى، ودخل على أثرها المستشفى فى حالة حرجة، وحتى رحيله عن دنيانا قبل أيام، لم تمض سوى أشهر معدودة (ما لا يزيد على الأشهر الخمسة أو الأربعة)، تحلق حوله محبوه وكتب الكثيرون (وأنا منهم) عن صنع الله وأدب صنع الله، وكتابته الفارقة وقيمته الكبيرة.. كانت هذه الكتابات فى مجملها نداءات وصيحات بألا يستسلم للنهاية التى بدت تلوح فى الأفق وتقترب بشدة.الشاهد فى الأمر؛ كان التفاف الجمهور العام ونخبة المثقفين على السواء (وكان اللافت أيضا اهتمام المؤسسة الرسمية) حول محبة وتقدير الكاتب الكبير، بالمتابعة اليومية الدقيقة لحالته، الدعاء له بالصحة وطول العمر، التقدير الحقيقى لقيمة الكاتب، وما أنجزه طوال عمره ليس فقط من كتابة إبداعية وأعمال روائية وقصصية، وأشكال كتابية أخرى، وإنما أيضًا فيما تجلى من مواقف وآراء اتفق حولها من اتفق، واختلف حولها من اختلف، لكن - وفى النهاية - ثمة إجماع على احترام صنع الله إبراهيم، وإكباره وتقديره.لم يكفِ هذا الالتفاف والالتفات ليمنح صنع الله إبراهيم أكثر مما منحه من هذه الشهور الخمسة الماضية ليودعنا وداعه الأخير، ويلقى سلامه على الجميع، ويرحل فى هدوء وصمت؛ ومن دون ضجيج يذكر، وإن كان خبر وفاته قد هز الوسط الإبداعى العربى كله من المحيط إلى الخليج، فصنع الله إبراهيم لم يكن مجرد كاتب وأديب وروائى وأحد كبار الممارسين للكتابة كنشاط إبداعى وثقافى وكفعل مقاومة فقط؛ بل كان علامة على جيل كامل؛ يكاد يكون قد اختفى تمامًا من على مسرح الحياة، ولم يعد باقيا سوى أدبهم ونصوصهم وسيرتهم الإبداعية والإنسانية، وهى الأبقى والأدوم ذكرًا على أية حال.(2)برحيل الكاتب والروائى الكبير صنع الله إبراهيم (1937-2025) انطوت صفحة الستينيات وجيل الستينيات بكل ما قدمه أبناء هذا الجيل للأدب المصرى والعربى، وبما قدموه من محاولات جريئة وجسورة للتجديد والتجريب، وتجاوز ما قدمه جيل الرواد فى ميدانى القصة والرواية، والكتابة الإبداعية عمومًا، فضلًا على تطور الوعى الجمالى بالأشكال الأدبية، والبحث عن مسارات وأساليب جديدة للرواية العربية.بين أبناء هذا الجيل وأعلامه، كان صنع الله إبراهيم نسيجًا وحده بتكوينه، بمواقفه، بكتابته، بخياراته فى الحياة والناس والعالم وما فيه. كاتب مراوغ تغرى بساطة سرده وسهولة نسجه بأنه كاتبٌ عادى! لكنه لم يكن كاتبا عاديًا أبدًا! كان واعيًا وعميقًا، ويعلم أن يختط لنفسه مسارًا مغايرًا وطريقًا مختلفًا، لديه مزج بديع بين العام والخاص، حياده السردى «مذهل»، طريقة الرصد التسجيلى وتقنية عين الكاميرا التى اعتمدها مع فن السرد وأدواته، أتاحت له حالة من التأمل قد تثير من الصدمة لقارئها -حال قراءتها بنفاذ- استشفاف دلالات هذا الحياد «المزعوم»!مفتاح تجربة صنع الله فى الحياة عمومًا، وفى الإبداع والكتابة بدرجة أخص، يمكن استشفافها فى تلك الأسطر التى أجاب فيها صنع الله عن سؤالٍ وجهه له الصديق والصحفى القدير محمد شعير فى حوار أجراه معه فى مناسبة بلوغه الثمانين:"كنت قد بدأت حركتى من موقع التمرد على ما كان يُعرف فى ذلك الحين بالواقعية الاشتراكية. شعرت أنا وكثيرون غيرى أنها تزيف الواقع وتزوقه. وقدّرت أنّ هذا الخداع لا يساعد الإنسان، بل يضلله. هكذا عاهدت نفسى منذ البداية أن أذكر الحقيقة. ولأن الحقيقة ليست مطلقة، لا بد من أن أبذل كل جهد، مسلحًا بالعلم والتجربة. وكان لدىّ قدر كاف من الغرور وقتذاك ألا أكرر أو أقلد، وأن أصمت إذا لم يكن عندى ما أضيفه. أما المتغيرات، فقد كنت حريصًا على أن أعرف مناطق ضعفى ومحاولة تلاشيها من رواية إلى أخرى».(3)هكذا -بالضبط- تحددت القيم الكبرى التى فى ضوئها سيسير صنع الله مشواره الطويل، ويصنع طريقه، ويبنى مجده وتاريخه؛ حركته بدأت من موقع "التمرد" مسلحا بالثقافة والوعى والسعى المحموم واللا نهائى لتأصيل القناعات وتعميقها وتطويرها، وبالتالى تحرر من أسار التقيد المذهبى والانتماء الدوجمائى إلى براح الأفكار واصطراعها واصطخابها، واتخاذ موقف إزاءها لا يعنى أبدًا القول الفصل والحقيقة المطلقة؛ لأنه آمن أن «الحقيقة ليست مطلقة».وكان منطقيا أن تكون محطات الإبداع ونواتج الكتابة تحقق هذا السعى وهذا الوعى المسلح بالعلم والتجربة، والحرص على التعرف على مناطق ضعفه، ومحاولة تلاشيها من عمل إلى آخر، ومن رواية إلى أخرى.لعل صنع الله إبراهيم فى مشواره الذى امتد ل88 عامًا كان مؤمنًا بأن الكتابة تحريض على الحياة، وإعادة النظر والتفكير فيما يجرى حولنا.. وأن الكاتب فى سعيه لهذا التحريض، يطرح "وجهة نظر" ولا يملى أوامرَ أو نواهى.كما كان يؤمن بأن القارئ هو الذى يستطيع أن يحيا على نحو أفضل مما كانت عليه قبل القراءة؛ هذا هو القارئ العادى حقًّا. أما الذى يختزن مكتبةً فى رأسه دون أن يتأثر بسطر. فهو ليس قارئًا عاديًّا. إنه مخزن لا أكثر.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نافذة أنقذ ابنه ومات غرقا.. وفاة ممثل مصري في الساحل الشمالي
نافذة أنقذ ابنه ومات غرقا.. وفاة ممثل مصري في الساحل الشمالي

نافذة على العالم

timeمنذ 26 دقائق

  • نافذة على العالم

نافذة أنقذ ابنه ومات غرقا.. وفاة ممثل مصري في الساحل الشمالي

الأحد 17 أغسطس 2025 11:20 صباحاً نافذة على العالم - توفي مدير التصوير والممثل المصري تيمور تيمور مساء السبت غرقا، أثناء محاولته إنقاذ نجله من الغرق في منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي، وفق ما أفاد به فنانون مصريون. وقالت نقابة المهن التمثيلية في بيان إنها تنعي "ببالغ الحزن والأسى" وفاة تيمور، مقدمة التعازي لأسرته، ومشيرة إلى أن الراحل كان أحد الأسماء البارزة في مجال التصوير الدرامي والسينمائي في مصر. وتفاعل عدد من الفنانين مع نبأ الوفاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينهم الفنانة ياسمين عبدالعزيز، التي كتبت عبر إنستغرام: "لا إله إلا الله، أطيب قلب وأجدع إنسان قابلته، ادعوا له بالرحمة ولأسرته بالصبر". ونعى الفنان حسام داغر صديقه الراحل عبر صفحته على فيسبوك قائلا: "أب ينقذ ابنه ويغرق هو.. ياه يا تيمور على الوجع"، مضيفا أنه لم يتمكن من حبس دموعه بعد سماع الخبر، وكتب: "يارب احتسبه من الشهداء، مات غريقا وهو ينقذ ابنه". وعرف تيمور تيمور بأعماله في عدد من المسلسلات الناجحة مثل "جراند أوتيل"، و"رسالة الإمام"، و"السيدة الأولى"، و"طريقي"، كما شارك في أفلام سينمائية منها "رمسيس باريس" و"على جثتي". وخاض أيضا تجربة التمثيل في أعمال أبرزها "إبراهيم الأبيض" و"الحاسة السابعة".

انطلاق اليوم الثاني من تصفيات «دولة التلاوة» بمشاركة 14 ألف متسابق على مستوى الجمهورية
انطلاق اليوم الثاني من تصفيات «دولة التلاوة» بمشاركة 14 ألف متسابق على مستوى الجمهورية

الطريق

timeمنذ 26 دقائق

  • الطريق

انطلاق اليوم الثاني من تصفيات «دولة التلاوة» بمشاركة 14 ألف متسابق على مستوى الجمهورية

الأحد، 17 أغسطس 2025 12:40 مـ بتوقيت القاهرة تتواصل اليوم الأحد 17 أغسطس 2025 فعاليات اليوم الثاني من تصفيات مسابقة "دولة التلاوة" التي تُعد الأضخم من نوعها في تاريخ مصر، بمشاركة أكثر من 14 ألف متسابق من مختلف محافظات الجمهورية، وسط اهتمام واسع وتغطية إعلامية موسعة. وانطلقت التصفيات أمس السبت من مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة، في تعاون مشترك بين وزارة الأوقاف المصرية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، حيث تم تشكيل ثلاث لجان تحكيم متخصصة لاختيار أفضل الأصوات التي تتميز بجمال الأداء وروح التلاوة. الأزهري: نبحث عن "جواهر صوتية" تليق بكتاب الله الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، حرص على متابعة فعاليات اليوم الأول من المسابقة، مؤكّدًا أن الهدف منها ليس مجرد اختبار للحفظ، بل منصة لاكتشاف "الجواهر والكنوز" التي وهبها الله لأبناء مصر من حناجر ذهبية تأسر القلوب والأسماع. وقال الوزير: «نريد لهذه المسابقة أن تكون أداة لاكتشاف خامات صوتية جديدة تليق بكتاب الله، وأن نرى نماذج تجمع بين جمال الصوت وروح الأداء، ليكونوا قدوة في ميدان التلاوة وفن خدمة القرآن». كما شدّد على أن المقامات الصوتية ليست غاية بحد ذاتها، وإنما وسيلة لخدمة النص القرآني وإبراز معانيه، مشيرًا إلى أن التلاوة إذا جاءت بمقام مناسب لآيات النعيم أو الوعيد فإنها تترك أثرًا عميقًا في النفوس وتزيد من الخشوع والتدبر. بث مباشر للمنافسات ومن المقرر أن تُبث فعاليات المسابقة على قنوات الحياة، CBC، الناس، ومصر قرآن كريم، بما يتيح للمشاهدين في مصر والعالم الإسلامي متابعة أجمل الأصوات والاستمتاع بروائع التلاوة المصرية. ترسيخ الريادة المصرية وتسعى وزارة الأوقاف من خلال هذه المسابقة إلى تعزيز دور مصر التاريخي كمنارة لفنون التلاوة والترتيل، واستدامة مدرسة التلاوة المصرية التي طالما أمتعت الدنيا بأصوات عذبة خاشعة، وألهمت أجيالًا متعاقبة في شتى أنحاء العالم الإسلامي.

ماذا قال تيمور عن الغرق في آخر منشوراته قبل وفاته؟
ماذا قال تيمور عن الغرق في آخر منشوراته قبل وفاته؟

الدستور

timeمنذ 34 دقائق

  • الدستور

ماذا قال تيمور عن الغرق في آخر منشوراته قبل وفاته؟

فقدت الساحة الفنية والسينمائية أمس السبت واحدًا من أبرز مديري التصوير في مصر، وهو تيمور تيمور، الذي وافته المنية إثر حادث غرق مأساوي على أحد شواطئ رأس الحكمة، أثناء محاولته إنقاذ ابنه. ورغم الجهود التي بُذلت لإنقاذه، إلا أن القدر شاء أن يرحل عن عالمنا، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا كبيرًا ومحبة واسعة في قلوب زملائه وأصدقائه. اللافت أن الراحل، وقبل نحو شهرين فقط من وفاته، كان قد كتب عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» منشورًا تحدث فيه عن واقعة مؤثرة للسباحة الأمريكية أنيتا ألفاريز، التي فقدت وعيها خلال مشاركتها في بطولة العالم للألعاب المائية عام 2022، قبل أن تتدخل مدربتها لإنقاذها في مشهد إنساني أبهر العالم وقتها، هذا المنشور بدا للكثيرين وكأنه يحمل دلالة مؤثرة حين عادوا لقراءته بعد رحيله المفاجئ. ومن المقرر أن تُشيع جنازة الراحل ظهر اليوم الأحد من مسجد المشير طنطاوي في منطقة التجمع الخامس، حيث يجتمع أفراد أسرته وأصدقاؤه وزملاؤه من الوسط الفني والسينمائي، لتوديعه إلى مثواه الأخير، ومن المتوقع أن يشهد المسجد حضورًا كبيرًا من الفنانين وصنّاع السينما الذين عرفوه عن قرب، وشاركوه محطات نجاحه المختلفة. وفي بيان رسمي، نعت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مدير التصوير الراحل، وجاء في النعي: «بقلوب يملؤها الحزن والأسى، تنعى الشركة رحيل مدير التصوير المبدع تيمور تيمور، الذي رحل عن عالمنا تاركًا إرثًا فنيًا سيبقى شاهدًا على موهبته وإبداعه، وعطاءً مخلصًا على مدى سنوات طويلة في خدمة صناعة السينما والتلفزيون». كما تقدم الدكتور أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية وأعضاء مجلس النقابة بخالص التعازي إلى أسرته، سائلين الله أن يتغمده برحمته الواسعة، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان. وأصدرت نقابة المهن التمثيلية بيانًا آخر عبرت فيه عن بالغ حزنها لفقدان مدير التصوير الكبير، مؤكدة أن مشواره الحافل سيظل علامة بارزة في تاريخ التصوير السينمائي والدرامي في مصر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store