logo
مسرحية "لا سمح الله" بين قيد التعليمية وشرط الفنية

مسرحية "لا سمح الله" بين قيد التعليمية وشرط الفنية

الجزيرةمنذ 17 ساعات
من عنوانها يقرأ حضور طوفان الأقصى في مسرحية "لا سمح الله" للمترجم عمار قواسمية، وبين سطور متنها يتجلى دوران رسالتها في فلك نصرة القضية الفلسطينية، ويتضح جريان رياح فكرتها في اتجاه سردية المقاومة.
اللوحة.. المشهد
وقد قسم الكاتب نصه المسرحي إلى 5 مشاهد، استهلها بـ"لوحة" هي أقرب إلى "الفانتازيا الواقعية".
وقد بدأت اللوحة مباشرة ترق للجرح الغزي النازف، وترثي لحال الأمة المؤسف، وترسم بعض ملامح العدوان الحربي الأثيم، من خلال نقل تلفزيوني يوثق بالصوت والصورة استهداف المدنيين العزل ومجازر الاحتلال بحقهم (عام 2023) قبل الانعطاف المفاجئ الذي حول مسار اللوحة/المشهد، وكشف عنها ستر "المباشرية الإعلامية" فجاءت "أحداثها" عابرة للزمانية، بما تخلل "سردها" من استدعاء سياقي يلغي منطق المعاصرة ويستحضر مواقف التاريخ السياسي وجراحاته ومفارقاته.
فعبر حوار تبادلي على خشبة المسرح "يظهر" فيه طيف الرئيس الجزائري الراحل محمد بوخروبة (هواري بومدين) (1932-1978) ممثلا الرسمية الجزائرية، وطيفا الطفلين الفلسطينيين محمد الدرة (استشهد في انتفاضة الأقصى 2000) ومحمد أبو لولي (أصيب بحالة ذعر نفسي خلال أكتوبر/تشرين الأول 2023) وقد تخلل ظهور الثلاثة "خلفيات صوتية" افتراضية: موسيقى حزينة، عزف النشيد الوطني الجزائري، والنشيد الوطني الفلسطيني، أنشودة "شدوا بعضكم يا أهل فلسطين".
وكما خرج المشهد الأول على ساعة الزمن وخرق نواميس التاريخ، حمل رسالة "وطنية" عابرة لحدود الجغرافيا السياسية، خصف عليها الكاتب من ورق الفنية، لائذا بالرمزية المحملة بالشجن، مع اقتباسات شعرية استطرادية، وتعريبات لغوية سياقية.
يسدل ستار المشهد الأول على اللوحة التأطيرية، وتفتح ستارة المشاهد الأربعة التالية، التي عادت فيها "الزمكانية" سيرتها الطبيعية، لتنتقل ساحة الحوار من غرفة المشاهدة التلفزيونية وخشبة خطاب الجمهور (في المشهد الأول المنفصل) إلى بهو المقهى، ومدرج المحاضرة، ومكتب الإدارة (في المشاهد الأربعة المتصلة التي دارت أحداثها في كندا، وترجم حوارها من الإنجليزية إلى العربية).
وقد تنازعت حوار المسرحية "الحدثية الفنية" و"الترجمة اللغوية" ليفثأ الانحياز للقضية الفلسطينية سورة التداخل، ثم ليبطل سبب التعليمية (الذي قدم به الكاتب عمله المسرحي) عجب حالات التبويب والتمرير اللغوية التي ساقها بين تضاعيف حواراته الفنية.
وعلى طريقة ظهور المخرج فجأة في لقطة تمثيلية عابرة (في المسلسلات التلفزيونية) كان للكاتب حضور اسمي وبروز "وظيفي" في دور المترجم الملقن (عمار) وذلك في سطر من حوار ضمن المشهد الثاني تناول بالإيماء الخاطف "أمانة الترجمة".
على أن ذلك البروز الظاهر كان له ما بعده من حضور مستتر، من خلال تناول نقاط من صميم اهتمام الكاتب ومجال تخصصه، تتعلق بـ"القضية اللغوية" من جوانب "السياسة اللغوية"، و"التعريب"، و"الاقتراض"، و"خوارم الترجمة"، مع "فوائد" تتصل بالثقافة اللغوية العامة، على غرار: المقابلات الأصيلة، والبدائل الفصيحة، والنحت الأوائلي، وفرض الشيوع.
وكما كسا الكاتب المشهد الأول المنفصل ثوب العاطفية السابغ، وظف المعجمية والترجمة في المشاهد الأربعة المتصلة حتى تخدم "الرسالة السياسية" للمسرحية، مدخلا الرمز على خط التوظيف، فأخرج "التطبيع" من خانة القرار السياسي إلى مجال الاستعمال اللغوي، بوصفه "مادة" لها فروعها الدلالية، التي تتصل بمخرجه السياسي السيئ، الذي يحيل إلى معاني الرضوخ، والهرولة، والشذوذ، والانتكاس.
وذلك من خلال حوار (في المشهد الثالث) دار بين مدرس وطلاب في جامعة كندية، على مائدة حصة لغوية مزدوجة، ينقلب منها الطالب والقارئ بعائدة الفرق بين "المعجم" (أحادي اللغة) و"القاموس" (متعددها) ويستأثر القارئ بما وراء الرموز من رسائل سياسية، تتجاوز المادة المعجمية، لتنفذ إلى الواقع المستكين وتعري المشهد المخزي.
وقد استغنى الكاتب بالرمز عن الاسترسال والاستفاضة، فكان "حديث التطبيع" توقيعا سريعا محملا بالإحالة الإيحائية، وذلك من خلال أسماء الطلاب المشاركين برفع الأصابع في إجابة "سؤال التطبيع".
كما استخدم الرمز في وضع أرقام الصفحات المحال إليها في المعجم المتخيل، فكان أول "المجيبين" بطل القصة الشريك "عاشور"، الذي أحال إلى رقم الصفحة (148)، وقد كنى الكاتب بهذا الرقم عن العام 1948 (عام النكبة)، ليبادر الطالب "أنور" من مصر برفع أصبعه ويحيل إلى الصفحة 178، ثم يقرأ بعض معاني المادة "ط ب ع"، وقد رمز الكاتب بالرقم إشارة إلى العام 1978 (تاريخ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين أنور السادات ومناحيم بيغن).
وعلى مستوى التوظيف الاسمي، اختار الكاتب اسم "أنور" ليرمز به إلى الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وجعله أول المتدخلين من أصحاب "الأسماء الرسمية" في إشارة إلى تولي السادات كبر التطبيع وسنه تلك السنة السيئة. ليكون له إثمها وإثم من عمل بها من الرؤساء الذين وظف الكاتب أسماءهم توظيفا تفاوت بين العلم الشخصي، والاسم العائلي، والنسب الأسري: "عبد الله" من الأردن، "نهيان" من الإمارات، "حمد" من البحرين، "برهان" من السودان، "علوي" من المغرب.
وغير الرسميات المطبعة، أدخل الكاتب على خط المشاركة في سؤال "مادة" التطبيع "مجيد" من الجزائر، وقد تضمنت إجابة الأخير ذكر وجه استعمال مستخدم في الدارجة الجزائرية، وربط بين ذلك الاستعمال وبين دلالة الكلمة في الفصحى.
لتختتم الإجابات بمشاركة "قيس" من تونس، الذي أنطقه الكاتب بأبيات مضمنة (حديثة)، تنطبق على مخرج التطبيع المكروه، واصفة حال من يخون أهله وينسلخ من المبادئ النبيلة والقيم الفاضلة، في تعريض ضمني بمن يبيع الوطن والقضية، ويواد العدو و"يطبع معه"، وقد ختم المشهد بإشارة خاطفة إلى تفاوت موقف الرسميات العربية في مستوى الخجل ومنسوب الحياء.
ازدواجية مغرضة
ولم يقف توظيف الأسماء عند هذا الحد، بل أعيدت كرته في المشهد الرابع عند تناول موضوع ازدواجية المعايير الغربية، وذلك عند حديث البطلين المحوريين (أبي كوفية وعاشور) عن الاختراع المذهل الذي قدمه زميلهما الأميركي "مارك"، بوصفه وسيلة إخضاع وآلة تشويش لساني، يظهر أثرها عند التحدث بما لا تشتهي الدعاية الغربية المنحازة للاحتلال.
وقد أوضح ذلك من خلال منع النطق بما يخالف الدعاية "الإسرائيلية"، في إشارة إلى سياسة مارك زوكريبرغ و"معايير مجتمع فيسبوك" التي جعلها مشجبا لتعليق مصادرة "المحتوى الفلسطيني" وحجب المنشورات المؤيدة للشعب الفلسطيني والمنتصرة لحقه في المقاومة.
ولم ينس الكاتب من تبويبه سلاح "خداع الخوارزميات" ذلك الحل الاستباقي، الذي ابتدع له "مقترحات عملية"، لدرء شر الاختراع التكنولوجي، وإبطال فعاليته، وأجراها على لسان بطل المسرحية.
وغير "مارك" من أميركا، وظف الكاتب اسم "سيريل" من جنوب أفريقيا في إحالة رمزية إلى موقف رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا المنحاز للإنسانية والمنتصر لدماء المدنيين العزل الفلسطينيين، الذين تخطفهم عدوانية الاحتلال الحربي، في مقابل اسم "كاترين" (من أوكرانيا)، الذي عبر به عن الشخصية الغربية التي تستحضر حقوق الإنسان وتستشعر المظلومية حين يتعلق الأمر بالإنسان الأوكراني، وتتنكر لها وتجحد بها عندما يكون الحديث عن الإنسان الفلسطيني وحقه وقضيته.
وفي تلميح طريف، متدثر ببلاغة الجناس، ابتدع الكاتب مصطلح "وسائد الإعلام" للتعبير عن وسائل الإعلام المتماهية مع دعاية الاحتلال، في تلاعب لفظي تحته نقد ساخر، لا يخلو من طرافة أدبية، بحكم علاقة التناسب بين الوسائد التي هي أدوات ترتبط بالنوم وإغماض العين عن الحقيقة الذي تخلد إليه وسائل الإعلام المتواطئة حين تغض الطرف عن نقل جرائم الحرب التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي.
كما نرى الكاتب يبدع في نحت لفظ "السرألة"، ويشتق منه الفعل "سرأل"، وتصاريفه؛ للدلالة على الاستحواذ على الملكية الغيرية بـ"حق القوة"، وذلك في تعليق بطلي المسرحية المحوريين على تصرف "الغريب" (صاحب الشخصية الثانوية في المشهد الثاني)، لما أمر "عبيدة" و"عاشور" بمغادرة المقهى وتسليم مقعديهما له، والتنازل عن طاولتهما وإخلائها لـ"حلفائه" القادمين، في محاولة رفض الاستسلام لها، وشبهاها بتصرف الاحتلال الإسرائيلي وغطرسته، التي تعامل بها مع أصحاب الأرض لما سلبهم أرضهم وهجرهم منها عنوة.
تنازع المتن والهامش
وقد ألجأته العلمية إلى الاستكثار من الإحالة والعزو في هوامش صفحات المسرحية (في كل صفحة)، فوق تحميل المتن إشارات وفوائد لغوية خاطفة، كتعريب "التلفزيون" بـ"الرائي" (في متن النص المسرحي)، وبـ"المرناة" (في الهامش السفلي)، وكتعريب "الفيديو" بـ"المرئية"، وتعريب جهاز التحكم عن بعد (Remote control) بـ"الحاكوم"، ليقوده الاستطراد السياقي إلى التفريق بين "التعريب البديل" وبين "العبارة الشارحة".
كما أورد في مواضع متفرقة دقائق لغوية مثل: اللكنة، والإبدال النطقي، لينثر ذات صدره في نص الحوار المسرحي؛ حين أنطق بطلي المسرحية المحوريين بحديث عن اعتماد مجمع اللغة العربية القاهري كلمة "الترند" بلفظها الحرفي، على سبيل الرفض والإنكار، وأسدل على تلك "المسألة" ستار المشهد الثاني، الذي كان له النصيب الأوفى من تمرير "الرسائل اللغوية".
ورغم أسلوبها "التعليمي" (الذي قدمها به الكاتب) لم يخل نص المسرحية من السنن الفني، والتوقيع الإيحائي. فقد بنيت على ثلاثية الحوار، والأدوار، والشخصيات (المحورية الثابتة، والثانوية العارضة) دون تجاهل "الديكور"، وقد تجلت مزاوجة الكاتب بين "التأليف" و"الإخراج" في بدايات المشاهد.
إذ نراه يستهل المشهد الأول بتخيل "لقطة تصويرية" تظهر فيها غرفة فوضوية، لعلها ترمز لانتكاس الموقف الرسمي العربي، وترديه في قاع الخذلان، ولعل ثمة خيطا ربط بين مشاهدة ما يعرضه "الرائي" (التلفزيون) وبين حالة "التفرج الرسمي" التي رافقت إعلان الحرب على قطاع غزة، وغلظت بالتمسك بـ"التطبيع"، بعدما أسرف الاحتلال في المجازر وأوغل في الإبادة الجماعية، حتى بلغ سكين إجرامه العظم!
الانتقال.. بين المسرحية والسينمائية
ولم يغب عنصر الانتقال عن تبويب الكاتب، على أن ذلك الانتقال تنازعه المسرح والسينما في المشهد الأول إذ ركزت "كاميرا" الكاتب على زاوية الأثاث المتناثر في أرجاء الغرفة، قبل أن "تتوسع اللقطة" حتى "يظهر" فيها الشخص الأول متسمرا حول التلفاز.
ثم ركزت "الكاميرا الكتابية" على الشاشة، لتعرض مشاهد حزينة من العدوان الحربي على المدنيين العزل، من النساء والأطفال والمسنين، لتعود "عدسة الكاتب" فتركز على جهاز التحكم عن بعد.
قبل أن تطوى "لقطة" المشاهدة، ويتحول "العرض" من "السينمائية" إلى "المسرحية" من خلال "خطاب الجمهور"، الذي لم يخل من "المباشرية"، التي خفف منها الكاتب بنسب متفاوتة في المشاهد الأربعة المتصلة، محافظا على ثنائية الفنية والعلمية، منوعا في الانتقال ما بين المقهى (في المشهد 2)، وقاعة التدريس (في المشهدين 3-4)، والمكتب الإداري (في المشهد الخامس "الأخير").
ولم يأخذ الانتقال شكلا واحدا في المسرحية بل انقسم إلى منفصل؛ يفتح فيه الستار على غير ما أسدل عليه (وهو الغالب)، ومتصل جاء معترضا بين المشهدين الثالث والرابع، حيث انسحب أحد الأساتذة من القاعة الجامعية ودخل زميله، ليكون فاصل الانتقال "عرضا" برزت فيه لوحة إشهارية حملت عنوان: "المسابقة العلمية لأفضل اختراع طلابي"، و"ظهرت" خلاله خلفية توسطتها صورة تجسد الذكاء الاصطناعي، مصحوبة بموسيقى إلكترونية.
ولم يقف "الانتقال" عند هذا الحد الصوري، بل سرى إلى لغة الحوار، في "دبلجة كتابية"، سوغها عامل التحول واختلاف الجغرافيا الثقافية، لتهاجر لغة النص من العربية إلى الإنجليزية، لما تحول مسار "الحدثية" من خشبة المسرح (عربها الكاتب بلفظ "الركح") إلى فناء المقهى الأجنبي، ومدرج الجامعة الكندية.
إيحاء التورية
كما استخدم الكاتب أداة التوظيف في اختيار الشخصيتين المحوريتين الثابتتين: "أبي كوفية" من فلسطين، و"عاشور" من سوريا. ولا تخفى رمزية الكوفية الفلسطينية، أما ثاني الاسمين فقد تجاذبه الرمز والتورية، إذ استقاه الكاتب من اسم "آشور" التراثي، الذي يحيل تاريخيا إلى حضارة ما بين النهرين، وإذا استحضر المتلقي القول إن "سوريا" تحريف لـ"آشور" أو "آشوريا" أدرك بجلاء عمق التورية البليغة وإيحاءها الدلالي العميق!
إيماض العنوان
لعل أول ما يستوقف مطالع المسرحية التي بين أيدينا عنوانها المقتبس من عبارة وردت في خطاب للناطق العسكري باسم كتائب القسام، أواخر الشهر الأول من الحرب، حين خاطب أبو عبيدة الرسميات العربية، ملتمسا منها إعلان أضعف الموقف تجاه جرائم الاحتلال ومجازره، ذاكرا أنه لا يطلب من تلك الرسميات تحريك الجيوش "لا سمح الله!"، في تعبير ظاهره رفع الحرج السياسي، وباطنه التهكم من ارتهان الموقف الرسمي العربي لواشنطن، ورضوخ صناع القرار العرب لإرادة الإدارة الأميركية حين يكون التدخل العملي "واجب الوقت"!
وفوق اعتماد العبارة الساخرة، استخدم الكاتب اسم "عبيدة" ليطلقه على بطل المسرحية، ومنعا لمباشرية التطابق الاسمي، كنى البطل بـ"أبي كوفية"، غير أنه لم يقطع إشارة العلاقة، التي لمعت مرتين: مرة من خلال توظيف المثل "الابن سر أبيه"، الذي ورد على لسان الشاب السوري "عاشور"، ليزيد الفلسطيني "عبيدة" بنصف وضوح، حين قال لصديقه وهو يحاوره "اشتقت كثيرا لأبي، أرجو أن يوفقه ربي".. ولو قال "أن ينصره ربي" لانكشف حجاب التورية الفنية، وسطع ضوء المباشرية السافرة!
والأخرى في نهاية النص المسرحي، لما عقدت إدارة الجامعة جلسة "نقاش تأديب" لبحث كيفية معاقبة الطالب "عبيدة"، بعد اعتراضه على آلية "التكميم اللساني"، ومطالبته بسحب الجهاز الذي اخترعه مارك واستغل في تكريس سياسة ازدواجية المعايير، التي أصر "عبيدة" على التعبير عن رفضها، وبين أنها ترخي زمام حرية التعبير عند الإعراب عن دعم "القضية الأوكرانية" وتجريم الغزو الروسي، وتضيق ذرعا بالتعاطف مع غزة والتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي ومجازره.
لتتوصل "لجنة التأديب" إلى اتخاذ قرار باستدعاء والد "الطالب العنيد"، حتى إذا رفع قرار المجلس التأديبي إلى العميد، كانت "النهاية المفتوحة" التي تناسب واقع استمرار الحرب، وتنسجم مع حالة انسداد أفق الحسم. ليشهر العميد في وجه القرار "فيتو" الاعتراض، محيلا إلى "العلاقة الاسمية" التي عليها مدار الربط الذهني، منبها حضرة رئيس القسم والأساتذة أعضاء "المجلس التأديبي" إلى عاقبة تنفيذ قرار استدعاء والد عبيدة، الذي هو طبعا "أبو عبيدة". وما كاد رئيس القسم والأساتذة يلتقطون تلك "الإشارة المنذرة"، ويمررون ذلك الاسم "الرهيب" حتى رددوا بصوت واحد عبارة: "لا سمح الله"!
ولقد كانت هذه العبارة مستخدمة في اللغة السينمائية (المصرية والشامية) في السياق الساخر نفسه، لكن ورودها على لسان الناطق العسكري باسم كتائب القسام أحياها في الذهن، وأضافها إلى عبارات أخرى من "قاموس الطوفان" تحولت إلى وسوم و"ترندات" انتقلت من ضيق الارتجال الشخصي العفوي إلى سعة الاعتماد الدلالي الشعبي، ومن ذلك: "معلش"، "ولعت"، "تعيطش".
وعلى ذكر هذه العبارات اللهجية الدارجة، أضفى استخدام العامية في بعض حوارات البطلين على النص المسرحي "واقعية" و"حيوية"، كسرت حدة العلمية و"التعليمية" التي كادت تغرق النص، وتحيد به عن جادة الفنية!
حوصلة
وبالمختصر المفيد؛ لقد خدم الكاتب قواسمية بفضل مسرحية "لا سمح الله" القضيتين اللغوية والفلسطينية، متخذا رحم العروبة منطلق دمج وجامع ربط، ليأوي إلى ركن أدبي رصين، في عمل تنازعته خلفيتان فنيتان: سينمائية ومسرحية، وكادت تختطفه الخلفية "الترجمية" لولا أن ألف الكاتب بين الفنية والعلمية، بما أودع "الحوار" من رهافة الالتقاط وإبداعية التوظيف، ليكمل معروفه ويجعل نهاية النص المسرحي مفتوحة؛ وبذلك يمد العمل الأدبي بسبب إلى سياقه الحدثي؛ لتجانس خاتمة المسرحية مع يوميات الحرب التي لما تضع أوزارها بعد، على الأقل حتى كتابة هذه السطور!
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قصة أبطال العطش والجوع تترجم إلى 18 لغة عالمية
قصة أبطال العطش والجوع تترجم إلى 18 لغة عالمية

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

قصة أبطال العطش والجوع تترجم إلى 18 لغة عالمية

يبقى الطفل الفلسطيني هو البطل في حرب الإبادة الدائرة على قطاع غزة. الأطفال هم المستقبل، وآلة القتل الإسرائيلية لا تريد فلسطينيا، ولا تريد لهذا المستقبل أن يكون. ووسط هذه الإبادة التي تدور رحاها على مرأى من العالم كله، بدت بطولة أطفال غزة، الذين قتل منهم ما لا يقل عن ثلاثين ألف طفل، أكثر تعبيرا عن عشق الحياة، وأكثر حرصا على السلام في مواجهة ماكينة القتل الإسرائيلية الغاشمة. ومن بطولات أطفال غزة استوحت كاتبة الأطفال الأردنية د. أماني سليمان داود قصة "أطفال طابور الماء"، التي قام المركز القومي للترجمة بالقاهرة بترجمتها إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية، لتصدر بثلاث لغات، ليقرأ العالم قصة أطفال غزة الذين يعيشون بلا ماء ولا طعام، أطفال صغار تأمر عليهم المحتل بالأسلحة المحرمة والمجرمة دوليا، وأخيرا بسلاح التجويع. والقصة تلقي ضوءا، ولو ضئيلا، على معاناة أطفال غزة، وتضيء وجها من وجوه مقاومتهم، وتؤكد تشبثهم بالأمل؛ بوصفه شكلا من أشكال البقاء، ومفتاحا من مفاتيح النصر. ومن ناحيته، أعلن مركز الأزهر للترجمة عن توجهه لترجمة قصة "أبطال طابور الماء" إلى خمس عشرة لغة، تضاف إلى الإنجليزية والفرنسية، في محاولة لتقديم قدر بسيط من التعاطف والتفهم والمشاركة من أجل غزة وأطفالها، الذين منحوا الطفولة معاني جديدة، فصار لزاما علينا تعديل رؤيتنا لموقعهم ووعيهم ودورهم. أطفال غزة في طابور الماء "إلى الطفل الفلسطيني الذي يعلم البشرية أبجدية البطولة" بهذا الإهداء الموحي تفتتح كاتبة الأطفال د. أماني سليمان داود قصتها "أبطال في طابور الماء". تبدأ القصة بمنظر طابور طويل، ويقف في الطابور ثلاثة أصدقاء: يوسف، ومصطفى، وإبراهيم، طلاب في الصف السابع، وكل منهم ينتظر دوره بصبر لملء الماء. يقول يوسف -وهو طفل يعشق الميديا ويصور كل ما يحدث بهاتفه الجوال- "كنا طلابا في فصول دراسية سعيدة، لكننا لم نكمل سنتنا الدراسية. لم نهرب من المدرسة، ولم نتركها بإرادتنا، بل هربت المدرسة نفسها، وتحولت غرفها إلى ملاجئ، وصارت مركزا لإيواء النازحين من القصف". ويتساءل يوسف: "أتعرفون ما معنى إيواء؟ هو أن تضع قلبك في خيمة، وتشد عليه بحبل كي لا يطير خوفا". ويضيف يوسف: "في الماضي كنا نجري في ساحات المدرسة، نلعب، نقرأ القصص، نضحك كثيرا ونحلم أكثر. أما اليوم، فقد أغلقت مدرستنا، ليس لأننا في عطلة، بل لأن القنابل سبقتها وأوقفت الدروس، فتحولت المدرسة إلى مأوى كبير تنام فيه العائلات المشردة من بيوتها، وتعلق على جدرانها ملابس مبللة بدلا من اللوحات". لقد وقعت الحرب… تمنينا لو كان ما نحن فيه الآن مجرد كابوس نصحو منه بعد قليل، لكن الكابوس طال كثيرا. استيقظنا على صوت قنابل تهز الأرض تحت أقدامنا، وتحولت حاراتنا إلى رماد، وغدا الحي كله كومة من دخان وغبار، وفي كل لحظة قد يعبر صاروخ من فوقنا أو تسقط قنبلة علينا. غزة الجميلة كانت لوحة ملونة بالفرح والبهجة، تعج بيوتها بصخب الحياة، أمست بيوت غزة كالعصافير المذعورة، وصارت ترابا هامدا. صفرت ريح الخراب في الأحياء، كما غابت رائحة الزعتر، حتى السماء لم تعد زرقاء، صارت سوداء كأنها تلبس وشاحا من الحزن. نعيش في خيام كالحة اللون، نصبت على عجل. في فصل الشتاء، تتمايل خيامنا كلما هبت الريح، وتصرخ إذا ما اشتدت، كأنها خائفة. قررت مع أصدقائي أن نساعد الكبار والجرحى والنساء بسقيا الماء، فالماء أمسى شحيحا منذ أن نشبت الحرب. في كل صباح، نحمل دلاء بلاستيكية أو أي آنية نجدها فيما تبقى من خراب حولنا، ونقف في طابور الماء. طويل طابور الماء كليالينا الباردة، ننتظر دورنا كي نملأ الأواني، ونسير في طريق وعر مملوء بالحجارة، ندعو الله ألا نتعثر وينسكب الماء الذي انتظرنا بالساعات ليأتي دورنا. فمنذ أن بدأت الحرب، لم يعد هناك ماء، ولم يعد هناك خبز أو طحين، وفرى الجوع والعطش أجسادنا. لحظات ويقطع صوت الزنانة حالة الخوف المشوبة بالحذر. الملعونة لا تهدأ ولا تنام، ودائما ما تبحث عن شيء تفجره. نغطي آذاننا، لكن الصوت يخترق جلودنا، ولم يعد هناك أطفال في الشوارع يلعبون ويلهون ويضحكون. والآن، لا تسمع إلا أصوات صافرات سيارات الإسعاف، وصراخ الأمهات، وأنين الجرحى، وبكاء المنكوبين. أطفال في زمن القصف ويحدثنا يوسف عن أصحابه ويقول: "إبراهيم يحب الغناء، وله صوت جميل، وكانوا يختارونه ليغني الأناشيد الوطنية في الإذاعة المدرسية. ولجمال صوته، كانت الطيور تنتظر سماعه، وظل يشدو بصوته الشجي حتى أثناء الحرب، إلى أن سقطت قذيفة على بيتهم واستشهد والده وأخوه وبعض أقاربه. جاء مع أمه وأخته الصغيرة ليسكن في الخيمة بجوارنا، ومنذ أن استشهد أفراد أسرته، انقلب إبراهيم إلى شخص صامت، ووجهه جامد كالصخر، لم يعد يغني، بل صار حزينا، دائما ما تغرق وجهه دموعه. ومع ذلك، كانت هوايته أن يجمع أطفال الخيام ويعلمهم كيف يكتبون ويقرؤون الحروف، وكأنه يبني المدرسة من جديد". "أما صديقي مصطفى، بطل التايكوندو، فقد كان يقودنا كل عام في البطولات المدرسية. ومع بداية الحرب، سقط صاروخ على منزلهم في أطراف الحي، وانتشل من تحت الأنقاض بإصابات بالغة، ووالده برجل مبتورة. ومنذ ذلك الوقت، فقد القدرة على الكلام، لكنه لم يستسلم، فهو يدور ليربت على أكتاف الأطفال اليتامى، ويحملهم على كتفيه وبين ذراعيه القويتين، ويبتسم لهم، ويحرك عينيه وأنفه بحركات تضحكهم، ويساعدهم في ربط وتصليح حبال الخيام، وإزالة الحجارة والزجاج المتطاير من أثر القصف المستمر على خيامهم". ويتحدث يوسف عن نفسه ويقول: "أما أنا، فأحب الكاميرا، وحلمي أن أصبح مذيعا مشهورا كي أستطيع تصوير جمال مدن فلسطين. كنت أقرأ النشرة المدرسية كل صباح، ورغم كل الدمار الذي لم يترك بيتا ولا حجرا في جدار إلا ونال منه، رغم كل هذا الدمار، أستعمل هاتفي المحمول الصغير وأصور ما يحدث في المخيم. وكلما جاءت إشارة إنترنت صغيرة، أبث لكم الحقيقة، وأوثق يومياتي، وألاحق الطوابير والوجوه المتعبة، وأرسل للعالم صور أطفال لا يحملون البنادق، بل دلاء الماء والأحلام، لا يبحثون عن القتال، بل عن قطرة ماء. سأجعل العالم يرى من هم أهل غزة، وماذا فعل العدو المحتل بنا، وحتى تضيع إشارة الاتصال، لا أضيع وقتا، وأشارك إبراهيم ومصطفى في نقل الماء وبعض المعونات التي تصلنا، ونقوم بتوزيعها على الأهالي في المخيم". الأمل لا يُقصف يا أصحابي، بقي قليل من شحن هاتفي، وليس هناك كهرباء في غزة، وقبل أن ينطفئ، سأحدثكم عما جرى قبل أيام. بينما كنا ننقل الماء، سمعنا صراخا قويا، التفتنا، ورأينا لهبا يخرج من خيمة أم زيد. وفي لحظة، تجمدت في مكاني وأنا أرى مصطفى وإبراهيم يقتحمان الخيمة، ويدخلان وسط النار والدخان، وسحبا طفلين صغيرين. وجريت وراءهما، وحملت طفلا رضيعا. خرجنا والدخان يملأ صدورنا، وجلسنا بوجوه لفحتها النيران وسودها الدخان، ولا نشعر بما أصابنا من جروح. في تلك الليلة، عاد إبراهيم يغني، ويصدح صوته لأطفال المخيم بأغنيات غزة التي تحترق وتنهض. وأمسك مصطفى عودا، وكتب على التراب: "لقد عاد صوتي". نظرنا نحوه غير مصدقين، ووقف يصرخ بصوت أدهشنا جميعا: "لن نخرج من أرضنا، سنطرد عدونا، ونحرر وطننا. سيغني إبراهيم لبحر غزة بصوته الجميل، وحتما سأفوز يوما بميدالية ذهبية في بطولة عالمية". ضحكنا حينها وبكينا من الفرح، أحسسنا بشيء يلمع في صدورنا مثل شعاع شمس وسط الغبار، وفي تلك اللحظة ضممته بكلتا ذراعي، وأقسمت له: "سأنقل خبر فوزك للعالم كله". وفي صباح اليوم التالي، استأنفنا العمل في نقل بعض المساعدات، وعدنا إلى طابور الماء. لكن القصف العشوائي عاد فجأة، فجرينا شمالا ويمينا، نحمل إلى الخيام العطشى والحزينة شيئا أنفس من الماء؛ نحمل الأمل الذي لا يقصف، ولا يحرق. إنه الأمل وحده، الذي يجتمع عليه أطفال غزة، أملا في حياة ومستقبل أكثر عدلا وحرية. المقاومة بالحكاية وعن أسباب كتابتها لقصة (أبطال في طابور الماء) تقول المؤلفة د. أماني سليمان داود (أكاديمية وقاصة أردنية) للجزيرة نت: "كتبت هذه القصة لا ليقرأها الطفل وحسب، بل ليقرأها المواطن العربي والمواطن الغربي، وألقي ولو ضوءا ضئيلا على معاناة أطفال غزة، وتضيء وجها من وجوه مقاومتهم، وتؤكد تشبثهم بالأمل؛ بوصفه شكلا من أشكال البقاء، ومفتاحا من مفاتيح النصر، ولعلني أراها طرقة ولو خافتة على جدار الخزان، طرقة مني، وطرقة من كل من ساهم في إنتاج هذا العمل رسما وترجمة وإخراجا ونشرا، لعل الطرقات تعلو، والعالم يسمع". وتتمنى "لعلنا إذا ما دققنا على جدار الخزان لا نموت، ولا ننتهي كما انتهى "رجال في الشمس" التي غزل كلماتها الجميلة الشهيد البطل غسان كنفاني… لعل كتابة القصة شكل من أشكال المقاومة بالكلمة، ولو جاءت خجلى. لا بد من صدى لها، وسنسمع كل العالم صوتنا. ربما من هنا تأتي فكرة قصة (أبطال في طابور الماء)، ومن هنا تنطلق أصوات أبطالها يوسف ومصطفى وإبراهيم". وتضيف سليمان "كتابة قصة (أبطال في طابور الماء) تجربة فريدة بالنسبة لي؛ إذ حضرت شخوص القصة إلى ذهني منذ شهور، وظلت تمور في داخلي؛ تغيب ثم سرعان ما تتجلى في كل طفل أراه في غزة أثناء متابعتي لما يجري هناك. كانت الشخوص تتضح ملامحها مع مرور الوقت في ذهني، ورغم الوجع والخراب الذي كنت أشاهده في مأساة غزة، إلا أن روح هذه الشخوص الثلاثة الذين غدوا أبطال القصة ظلت أرواحا قوية مشرئبة بالأمل، متمسكة بفكرة البقاء والانتصار، لا تنهار رغم ما واجهته من فقد لأقاربها الذين استشهدوا في الحرب، ومن إصابات بالغة بدلت بالضرورة شكل حياتهم إلى الأبد. وتكمل الكاتبة أنه "مع قرب اكتمال تصوري لأبطال قصتي حضر مشروع المركز القومي للترجمة، بفكرته النبيلة ورؤيته الإنسانية الشفافة، حينها آن لشخوصي المتخيلين أن يعبروا من عتبة المخيلة إلى الواقع الفني الجمالي، ويتشكلوا حبرا على الورق. فظهر (يوسف) الطفل الذي يحلم بأن يغدو إعلاميا في المستقبل؛ ينقل صورة وطنه وبهاء طبيعته، وسحر تفاصيله، وظهر (إبراهيم) صاحب الصوت الجميل الشجي الذي رغم استشهاد والده وأخيه وبعض أقاربه، ظل صوته — وإن فقده لبعض الوقت كرد فعل على الصدمة — يصدح بالغناء كأن الغناء شكل من أشكال المقاومة، ومحاولة للتصبر على المأساة. كما ظهر (مصطفى) الفتى الرياضي الذي شاهد بعينه والده وهو ينتشل من تحت أنقاض بيته الذي سقط عليه، ورغم ذلك استطاع بروحه الأبية المقاومة أن يستثمر قوته البدنية في مساعدة الآخرين من حوله في حيه الذي غدا مخيما يكاد يتهاوى كلما اشتدت الرياح". شهادة على مأساة حقيقية أبطال ثلاثة شكلوا استعارات ورموزا للطفل الغزي الذي كان له بيت ومدرسة وأزقة أليفة يلعب فيها وسماء تظله بزرقتها الصافية، وهوايات محببة يمارسها يوميا، ثم مع مجيء الحرب تبدلت كل التفاصيل الجميلة، واندثرت الأحلام، فانقطعت أوصال الحياة الطبيعية، فصار لزاما على هؤلاء الأطفال أن يحملوا الكثير من عبء الحياة، وأن يتنازلوا عن طفولتهم في سبيل أدوار شاقة وجدوا أنفسهم مضطرين للقيام بها. وتختتم المؤلفة حديثها بفلسفة طابور الماء في الحياة بكل دلالاته وفلسفته وتأويلاته، وتقول: "ندرك جميعنا ماهية الطوابير في اليومي والهامشي من حيواتنا الطبيعية، ولكن، كيف يغدو الطابور في الحرب؟! والأبطال في طابور الماء هم أبطال في طابور الحياة التي نصطف فيها، متشبثين باستحقاقنا لها لأننا لا نحب الموت بل نحب الحياة إذا استطعنا إليها سبيلا". وما بين حياة أطفال غزة قبل الحرب وحياتهم أثناء الحرب التي ما تزال مشتعلة، تقف قصة (أبطال في طابور الماء) كشاهد على حقيقة مأساة صار لزاما أن تسجل كسردية ضد المحو، وضد الظلم، وضد زوال الرواية الحقيقية لصاحب الحق قبالة رواية العدو المحتل الزائفة، نعلي بها صوت الطفل الغزي، قد يكون مبحوحا لكنه الصوت الذي يتأبى الانطفاء، سردية تمثل شكلا من أشكال حفظ الذاكرة نوجهها لكل أطفال العالم، علهم ينتبهون لأطفال مثلهم يستحقون الحياة ويملكون حقوقا مساوية لهم تماما، علهم يسمعون بطفلنا المقاوم الذي وجد نفسه وحيدا يواجه العالم بصدر عار ومعدة خاوية، حيث غدا في الحرب بلا رغيف يقيم أوده وبلا جدار.

عشرات المشاهير في ألمانيا يدعون لحظر توريد أسلحة إلى إسرائيل
عشرات المشاهير في ألمانيا يدعون لحظر توريد أسلحة إلى إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 9 ساعات

  • الجزيرة

عشرات المشاهير في ألمانيا يدعون لحظر توريد أسلحة إلى إسرائيل

انضم 162 ممثلا وموسيقيا وإعلاميا ألمانيا إلى الدعوة لوقف توريد أسلحة ألمانية إلى إسرائيل. ووفقا لمنظمة "آفاز" فإن من بين الموقعين الجدد على الدعوة المغنيين نينا خوبا وكلويسو، والمخرج فاتح أكين، وآري فولمان الممثل الإسرائيلي الحائز على جائزة غولدن غلوب، والممثلة زاندرا هولر. وتقول "آفاز" العالمية إنها نظمت هذه الحملة، علما بأنها تعرّف نفسها بأنها شبكة حملات عالمية تهدف إلى التأثير على القرارات السياسية من خلال أصوات المواطنين. ويوم الخميس الماضي، حث أكثر من 200 شخصية بارزة بألمانيا المستشار فريدريش ميرتس على وقف توريد أسلحة لإسرائيل وفرض عقوبات عليها في رسالة مفتوحة. وحتى صباح اليوم الأربعاء، بلغ إجمالي المشاهير الموقعين على الرسالة 367 شخصا. ومن بين الموقعين الأوائل على الرسالة الإعلاميان يوكو فينترشايت وكلاس هويفر-أوملاوف، والموسيقيان شيرين دافيد وتسارتمان، والممثلات جيسيكا شفارتس وهايكه ماكاتش وليف ليزا فريز، والممثلون بينو فورمان ودانيال برول ويورغن فوغل، والكاتب مارك-أوفه كلينغ. وفيما يتعلق بالوضع الراهن في قطاع غزة، انتقد موقعو الرسالة أيضا إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نيته احتلال قطاع غزة بأكمله، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية. وجاء في الرسالة "سيد ميرتس، لقد حان وقت التصرف!".

"اقتصاد الموت" وتسليع الإبادة الجماعية في غزة
"اقتصاد الموت" وتسليع الإبادة الجماعية في غزة

الجزيرة

timeمنذ 13 ساعات

  • الجزيرة

"اقتصاد الموت" وتسليع الإبادة الجماعية في غزة

شاهدت قبل أيام على التيك توك مقطعا لأحد الفلسطينيين في غزة وهو يقوم بخبز طحينه الذي ظفر به بعد معاناة شديدة. يحدثنا وهو مبتسم عن مغامرة الحصول على كيس الطحين من بين القصف والدبابات والدمار. طالعت هذا المشهد وأنا جالس في حديقة منزلي مستمتعا بنسمات ليلية منعشة بعد نهار شديد الحرارة قائظ. انتابني مزيج من المتعة والشفقة والعجز والحمد على النجاة من مصير هذا الغزّي. وبعد أن فرغت من مطالعة كثير من المشاهد المشابهة التي أتت بها خوارزميات السوشيال ميديا، انتقلت إلى محطات الأخبار الكثيرة التي غمرتني بمشاهد وصور الأطفال الجوعى ضامري الأجساد، وتدفقت تقارير المراسلين بمن استشهد وعدد المصابين وأحوال المستشفيات وانهيار المنظومات الصحية.. كل هذا وفي الخلفية هدير المحللين الإستراتيجيين والخبراء العسكريين. بعدها انتقلت إلى تقارير مراسلي الصحف الأميركية والبريطانية التي امتلأت بتصريحات السياسيين وتسريبات المفاوضين والوسطاء.. تغمرني هذه التدفقات فأزداد عجزا، وأطالع مشاهد التيك توك فأُصاب بالمتعة، ثم يتبلّد حسي فأفقد الشغف.. لكن دورة "تسليع المأساة" تعود من جديد تحت هدير التغطية وتدفق الفيديوهات واللايك والشير. يشير مفهوم "تسليع المعاناة" إلى العملية التي يتم فيها تحويل الألم والموت وسوء حظ الآخرين إلى منتج أو مشهد قابل للاستهلاك، للترفيه، وإرضاء الذات. الكوارث والوفيات الجماعية والمعاناة الإنسانية يتم تجميلها وتعبئتها بشكل مبهر من قبل وسائل الإعلام ومحطات الأخبار وصناعات الترفيه الثقافي لتسلية الجماهير العالمية. يمكن رؤية ذلك في البرامج التلفزيونية والروايات والأفلام ومقاطع السوشيال ميديا، وحتى تغطيات الأحداث الواقعية، حيث إن مشاهدة آلام الآخرين تعزز الشعور بالتفوق أو البقاء. السياحة المظلمة، وهي اتجاه ما بعد حداثي، حيث يزور السياح الأماكن المرتبطة بالموت الجماعي والخسارة والألم والحزن، مثل أوشفيتز -معسكر المحرقة الشهير- والسجون أو المناطق المنكوبة بالكوارث. يُنظر إلى هذه الممارسة على أنها وسيلة للزوار لتفسير محدوديتهم من خلال معاناة الآخرين، أو اكتساب إحساس بقيمة حياتهم الخاصة. تشير بعض الدراسات إلى أن زوار هذه الأماكن ليسوا بالضرورة حساسين تجاه المآسي، ولكنهم يسعون للنظر إلى شيء مختلف يؤكد مكانتهم الخاصة. دعاني بعض الأصدقاء إلى سياحة مبهرة في جبال المغرب، حيث نبيت وسط فقراء هذه المناطق، نعيش كما يعيشون ونأكل مما يأكلون، وهي في نفس الوقت صدقة مخفية لأننا ندفع لهم ما تجود به أنفسنا من مال لا يطلبونه ولا يفرضون قيمته. لكني أدركت متأخرا أن هذا النوع من السياحة هو شكل آخر من أشكال التوسط بين السياح والسكان المحليين، حيث يصبح الفقر نفسه سلعة، مما يؤدي إلى إدامة الوضع الراهن للنخبة الحاكمة. غالبا ما يُخفي هذا النظام الحقائق المادية والثقافية التي تُسبب المعاناة، ويغلفها في شكل مشاهد تعزز هياكل السلطة القائمة وسوء توزيع الثروة المتفشي. هذه الديناميكية ليست جديدة، حيث ترسم أوجه تشابه مع كيف تحولت المحرقة، وهي مأساة حقيقية، إلى وجهة سياحية مطلوبة بشدة تستغل الموت لأغراض الترفيه. يعكس الوضع الحالي كيف استغلت الرأسمالية المعاناة تاريخيا، فالدول نفسها التي اضطهدت السكان الأصليين خلال الحكم الاستعماري ترسل الآن سياحا إلى هذه المستعمرات، مستغلة معاناة الآخرين كشكل من أشكال "السلب البصري". إن استهلاك معاناة الآخرين، سواء من خلال أخبار الإبادة في غزة والهجمات الإرهابية أو الزيارات إلى مواقع الكوارث، يعزز الشعور بالنرجسية والتفوق لدى "الساعين إلى الموت" أو الجمهور العالمي. وهذا يسمح لثقافات العالم الأول بتعزيز شعورها العالي بالتفوق على المحيط. إن تحويل المعاناة إلى سلعة يثير تساؤلات أخلاقية مهمة حول استغلال آلام الآخرين لتحقيق الربح- كما يقوم به بعض المؤثرين على السوشيال ميديا، أو الترفيه، وتقويض الفكر النقدي- كما يقوم به بعض الخبراء والمحللين، وتعزيز التفاوتات الاجتماعية- كما قمت به في جبال المغرب البديعة. فهو يسمح للمتميزين بتعزيز مكانتهم، بينما تظل القضايا الأساسية دون معالجة. يمكن أن يؤدي هذا التسليع للموت إلى شعور بالعجز لدى الأفراد، حيث يشعرون بأن العالم خارج عن سيطرتهم، وأنهم مجرد متفرجين على المآسي التي يتم تسليعها. إن تسليع المعاناة في غزة متجذر بعمق في نظام تستفيد فيه محطات تلفزيونية شهيرة، وكيانات تجارية قوية من مختلف القطاعات، بشكل مباشر وغير مباشر من تدمير الفلسطينيين وتشريدهم واستغلالهم، محولة محنتهم إلى مكاسب اقتصادية ومسرحية للاستهلاك العالمي. يُظهر هذا "اقتصاد الإبادة الجماعية" المتكامل؛ كيف يُستدام الصراع لأنه مُربح للكثيرين، مما يُؤكد الحاجة المُلحة للمساءلة. يسلط تقرير المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة الضوء على الكيفية التي كانت بها المساعي الاستعمارية والإبادة الجماعية المرتبطة بها مدفوعة وممكّنة تاريخيا من قبل قطاع الشركات، وهو نمط من الهيمنة يُعرف باسم "الرأسمالية العنصرية الاستعمارية". ويتجلى هذا بوضوح في الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، حيث استفادت الكيانات التجارية من الاحتلال غير القانوني والفصل العنصري وحملة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. بعد أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ساهم الفاعلون من الشركات في تسريع عملية النزوح والتهجير، مما ساهم في تدمير غزة وتشريد الفلسطينيين في الضفة الغربية. ويشمل ذلك قطاعات مختلفة، بما في ذلك شركات تصنيع الأسلحة، وشركات التكنولوجيا، وشركات البناء والتشييد، والصناعات الاستخراجية والخدمية، والبنوك، وصناديق التقاعد، وشركات التأمين، والجامعات، والجمعيات الخيرية. هذه الكيانات تُمكّن من ارتكاب انتهاكات هيكلية وجرائم مثل الفصل العنصري والإبادة الجماعية، إلى جانب الجرائم الملحقة مثل التمييز والتهجير القسري والتجويع. استفادت دول من موقفها المتواطئ في غزة حين انهمرت عليها المعونات العسكرية والتدفقات المالية من مؤسسات التمويل وغيرها، وكأنها في صفقة كبيرة تقايض المليارات بالتاريخ والجيو-إستراتيجيا والأمن القومي. تبيّن وفق دراسة حديثة لمشروع تكاليف الحرب في جامعة براون الأميركية، أنه بين 2020 و2024، تلقت خمس شركات كبرى عقودا بقيمة 2.4 تريليون دولار من البنتاغون، وهو ما يمثل ما يقرب من 54% من إجمالي الإنفاق التقديري للوزارة البالغ 4.4 تريليونات دولار خلال تلك الفترة. حصلت هذه الشركات الخمس مجتمعة – وهي لوكهيد مارتن، وبوينغ، وRTX المعروفة سابقا باسم (Raytheon)، وجنرال ديناميكس، وشركة نورثروب غرومان- على مبلغ 356 مليار دولار المخصص لميزانية الدبلوماسية والتنمية والمساعدات الإنسانية الأميركية (باستثناء المساعدات العسكرية) خلال نفس الفترة. تستفيد هذه الشركات أيضا من عمليات نقل الأسلحة. على سبيل المثال، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 18 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل في العام الأول بعد أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وتم تقديم 66 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ الغزو الروسي 2022، كما تجاوزت مبيعات الأسلحة الممولة من الخارج للحلفاء الأوروبيين 170 مليار دولار في 2023 و2024 وحدهما. تحافظ صناعة الأسلحة على قوة سياسية كبيرة من خلال ملايين التبرعات للحملات الانتخابية، وتوظيف 950 من جماعات الضغط اعتبارا من 2024، بزيادة عن عام 2020، بالإضافة إلى ظاهرة "الباب الدوار"، حيث ينتقل كبار المسؤولين الحكوميين والبنتاغون إلى مناصب مربحة مع هذه الشركات أو شركات رأس المال الاستثماري التي تستثمر في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العسكرية. وأخيرًا وليس آخرًا، فإن هذه الشركات تقوم بتمويل مراكز الأبحاث المتشددة التي تدافع عن سياسات تخدم مصالحها، والخدمة في اللجان الاستشارية الحكومية التي تُشكل سياسات الدفاع، حيث غالبا ما يكون لأغلبية الأعضاء علاقات بصناعة الأسلحة. وتدعم هذه الشركات زيادة الحروب من خلال عدة آليات، مدفوعة في المقام الأول بالمصالح المالية، والتأثير السياسي، والترويج للتقنيات العسكرية الجديدة. يُضاف إلى الشركات الخمس الكبرى عدد من شركات التكنولوجيا العسكرية الناشئة مثل Palantir، وSpaceX، وAnduril. تزعم هذه الشركات أنها تقدم "نسخة جديدة وأكثر فاعلية وأقل تكلفة وأكثر مرونة من المجمع الصناعي العسكري". تزعم أن أسلحتها التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وشبه المستقلة، التي لا تحتاج إلى عنصر بشري، يمكن أن توفر جيلا مستقبليا من الأسلحة بشكل أكثر فاعلية وبتكلفة أقل، ويمكنها توسيع الهيمنة العسكرية الأميركية العالمية. تستفيد أيضا شركات التكنولوجيا الكبرى مثل أمازون، ومايكروسوفت، وغوغل، وأوراكل، وآي بي إم، حيث تقتسم بشكل جماعي 10 مليارات دولار لبرنامج الحوسبة السحابية التابع للبنتاغون. إن أحد الأخطار الكبيرة للحرب التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، هو إمكانية أن تتمكن الأسلحة الجديدة من اختيار الأهداف دون تدخل بشري. إن حروب التكنولوجيا المتقدمة المستقبلية ستُعطي الأولوية للسرعة في تحديد الأهداف وتدميرها، مما قد يؤدي إلى استبعاد البشر من عملية صنع القرار. مثل هذه الأنظمة قد تجعل الحروب "أكثر احتمالية وأكثر فتكا". إن تحويل الكوارث إلى سلعة، والذي أشار إليه جان بودريار -عالم الاجتماع الفرنسي الشهير- بـ"مشهد الكارثة"، يحوّل الأحداث المأساوية إلى ترفيه، مما قد يؤدي بشكل متناقض إلى تكرارها من خلال تجاهل أسبابها الجذرية. تُلاحظ هذه الظاهرة في التغطية الإعلامية، حيث تُنشر "قسوة الهجمات" لكسب المشتركين والمشاهدين، حيث يشعر الجمهور بالدمار لكنه غير قادر على التوقف عن المشاهدة. يصف مفهوم "رأسمالية الموت" Thana Capitalism -الذي صاغه ماكسيميليانو إي. كورستانجي، عالم الاجتماع الأرجنتيني- مرحلة من الرأسمالية، حيث يكون الموت سلعة أساسية للتبادل والاستهلاك، ويتم تناول المعاناة الإنسانية واستهلاكها بصريا للترفيه وتعزيز الأنا. يتضمن ذلك زيارات لمواقع الموت الجماعي والمعاناة، والتي يُعاد تدويرها ويستهلكها جمهور عالمي بصريا، مما يخلق "اقتصادا منغمسا في الموت"، وهي مرحلة جديدة من الرأسمالية حيث يصبح موت الآخرين والمعاناة البشرية سلعة رئيسية يتم تبادلها واستهلاكها. يُجادل كورستانجي بأن طبقة ناشئة من "الباحثين عن مشاهد الموت" تستهلك هذه المشاهد الكئيبة ليس بالضرورة بدافع التعاطف، بل غالبا لتعزيز شعورهم بالحياة والتفوق، أو للحصول على الإثارة. يصبح موت "الآخر" (أولئك الذين يعانون) إثباتا لبقاء المرء ومكانته في نظام لا يفوز فيه إلا الأصلح. يقوم هذا النوع من الاستهلاك بتعزيز شكل من أشكال الداروينية الاجتماعية، حيث يشعر الأفراد بأنهم في "سباق" دائم من أجل البقاء. إن مشاهدة معاناة الآخرين، لا سيما من خلال الوسائط البصرية، قد تؤدي إلى تعزيز نرجسي لسلامة الفرد ونجاحه، بدلا من ارتباط حقيقي أو رغبة في المساعدة. إن استهلاك معاناة "الآخرين" يسمح للأفراد (غالبا من الشمال العالمي) بتعزيز شعورهم بالتفوق والامتياز والمكانة الفريدة. هذه "السعادة المرضية" متجذرة في الداروينية الاجتماعية، حيث إن كون المرء "ناجيا" يدل على القوة الأخلاقية والاستثنائية. تستغل السلطات الحاكمة في كل مكان، وخاصة في المنطقة العربية، "ثقافة الخوف" كأداة تأديبية (مثلا، من الإرهاب، أو تغير المناخ، أو الجريمة، أو عدم الاستقرار والفوضى، وأخيرا التجويع في غزة) للسيطرة على الجماهير وتبرير سياسات قد تُرفض لولا ذلك، مثل زيادة المراقبة والمنع من التظاهر أو إجراءات التقشف. هذا التهويل يصرف الانتباه عن المشاكل الهيكلية التي تُسببها سياساتهم. في جوهره، يُحول تسليع المعاناة المشاكل المجتمعية المعقدة إلى سرديات قابلة للاستهلاك، والتي بدلا من تعزيز الفهم النقدي أو دفع التغيير النظامي، تُعزز رؤية عالمية نرجسية ومتعالية على الذات، وتُديم أوجه عدم المساواة وديناميكيات القوة التي تولد المعاناة في المقام الأول.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store