
الانسحاب الأميركي من مفاوضات غزة.. تكتيك تفاوضي أم تصعيد؟
وسط تصاعد الغموض بشأن مصير مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أثار قرار الولايات المتحدة سحب وفدها التفاوضي من العاصمة القطرية الدوحة جدلاً واسعاً بشأن دلالاته، وتباينت التحليلات بين من اعتبره خطوة تكتيكية للضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومن رأى فيه مؤشراً لتحول استراتيجي أميركي يُنذر بتصعيد وشيك في القطاع.
الباحث الأميركي كينيث كاتزمان رأى أن خطوة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة الفريق الأميركي لا تعني بالضرورة انسحاباً من العملية التفاوضية، بل تدخل ضمن "مناورة محسوبة" تهدف إلى دفع حماس للقبول بالطرح الأميركي-الإسرائيلي.
وأشار إلى أن إشارات الإشادة السابقة التي وجهتها واشنطن لحماس كانت جزءاً من لعبة تكتيكية معروفة في السياسة الخارجية الأميركية.
ورغم اعترافه بأن الانسحاب جاء على خلفية ما وصفه بـ"تعنّت حماس" وغياب المرونة في مواقفها، توقع كاتزمان أن تدفع الإدارة الأميركية قريباً باتجاه تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة كأولوية عاجلة في المرحلة الراهنة.
وجاء هذا التحول في الموقف الأميركي بعد تصريحات مباشرة من الرئيس ترامب من حديقة البيت الأبيض، قال فيها إن حماس "لا تريد التوصل إلى اتفاق" وأضاف مهدداً: "حماس تعرف ما سيحدث بعد استعادة الرهائن... إنها تريد أن تموت"، في إشارة إلى فقدان الحركة أوراقها التفاوضية، ما أثار استغراب أوساط فلسطينية رأت في التصريح تهديداً صريحاً بعمل عسكري.
وفي هذا السياق، حذر الباحث الفلسطيني سعيد زياد من دلالات الخطاب الأميركي، معتبراً أنه يعكس نوايا مبيّتة تتجاوز الضغط السياسي نحو التلويح بتصعيد ميداني، وربما عمليات اغتيال أو اجتياحات محدودة داخل قطاع غزة. وأشار إلى احتمال أن تُستخدم هذه التحركات لاتهام حماس بعرقلة المفاوضات، كما حدث في مراحل تفاوضية سابقة، مستشهداً باغتيال القيادي إسماعيل هنية في ظروف مشابهة.
زياد أكد أن المقاومة الفلسطينية في غزة باتت مستعدة جيداً لأي مغامرة عسكرية، موضحاً أن التكتيكات التي أوقعت خسائر كبيرة في صفوف الاحتلال في الفترة الأخيرة قد تُستخدم مجدداً بشكل أكثر تصعيداً إذا فشلت المفاوضات. كما حذر من موجة ضغط غير مسبوقة قد تتضمن شقاً إعلامياً ودبلوماسياً وأمنياً.
وكان المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قد أعلن رسمياً إعادة الوفد الأميركي من الدوحة، معتبراً أن الرد الأخير من حماس "يعكس عدم رغبتها بالتوصل لاتفاق".
في المقابل، وصفت حركة حماس تلك التصريحات بأنها "سلبية ومفاجئة"، مؤكدة أنها قدمت موقفاً مرناً ومسؤولاً بعد مشاورات مع الفصائل والدول الوسيطة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من جانبه، أعلن أن حكومته تدرس مع الولايات المتحدة "خيارات بديلة" لاستعادة الرهائن وإنهاء حكم حماس في غزة، مؤكداً دعم تصريحات المبعوث الأميركي. لكنه في الوقت ذاته يواجه ضغوطاً داخلية متزايدة، خاصة من وزراء اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين يطالبون بوقف تام للمساعدات الإنسانية، واحتلال كامل لغزة، وتشجيع هجرة الفلسطينيين.
الكاتب المتخصص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين رأى أن هذه المواقف لا تعكس بالضرورة الخط الرسمي للحكومة، بل تُستخدم كأوراق ضغط لتوسيع هوامش المناورة.
وأكد أن قرار سحب الوفد الإسرائيلي من الدوحة لا يعني نهاية المفاوضات، بل يأتي في إطار كسب الوقت وتأجيل الحسم السياسي، في ظل فشل الحكومة بتحقيق إنجاز عسكري واضح حتى الآن.
وأشار جبارين إلى أن نتنياهو يحاول التحرك ضمن فسحة زمنية محدودة لتفادي الضغوط الشعبية والمحاسبة السياسية، لا سيما مع اتساع رقعة المظاهرات داخل إسرائيل، خصوصاً من عائلات الأسرى الذين يطالبون بإعادتهم "بأي ثمن". ولفت إلى أن الضغوط الممارسة على الحكومة تأتي من خمس طبقات متداخلة: أخلاقية، وإنسانية، وأمنية، وسياسية، وأخيراً تلك المتعلقة بصورة إسرائيل الدولية.
في هذا السياق، اعتبر جبارين أن التصعيد في الخطاب الأميركي يهدف إلى تحميل حماس مسؤولية فشل المحادثات أمام المجتمع الدولي، وتوفير غطاء سياسي لحرب جديدة محتملة، في ظل تراجع الإجماع الداخلي في إسرائيل.
في المقابل، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مصادر إسرائيلية أن قرار إعادة الوفد لا يعني بالضرورة توقف المحادثات، بل يهدف إلى إجراء مزيد من المشاورات، مشيرة إلى أن رد حماس الأخير كان إيجابياً ويساهم في تضييق الفجوات.
من جانبها، أكدت حركة حماس أنها تعاملت بـ"مرونة ومسؤولية" مع المقترحات المطروحة، ورحّبت بها قطر ومصر، متهمة الولايات المتحدة باتخاذ مواقف منحازة رغم ما قدمته الحركة من مرونة في المفاوضات.
ورغم عدم صدور تعليق رسمي من القاهرة أو الدوحة على التصريحات الأميركية، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة أن الجولة الأخيرة من المفاوضات لا تزال مفتوحة رغم تعقيداتها، وأن قرار إسرائيل سحب وفدها لا يعني بالضرورة وقفها.
وفي ظل هذه التطورات، تبقى مفاوضات وقف إطلاق النار معلّقة وسط شكوك متزايدة، بينما تتصاعد المخاوف من تصعيد عسكري واسع في القطاع، يُلقي بمزيد من الأعباء على الواقع الإنساني المتدهور أصلاً في غزة.
المصدر / الجزيرة نت

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 36 دقائق
- معا الاخبارية
مصدر فلسطيني: جولة مفاوضات جديدة ستبدأ خلال الأيام المقبلة
بيت لحم معا- صرح مصدر فلسطيني لقناة الحدث السعودية، مساء الاثنين، بأن تهديد إسرائيل بالسيطرة على قطاع غزة بالكامل يُمهد لجولة مفاوضات جديدة ستبدأ خلال الأيام المقبلة. وأكد المصدر أن المحادثات لم تتوقف، وأن باب التوصل إلى اتفاق جزئي لم يُغلق. وأشار المصدر إلى وجود ضغوط كبيرة من جميع الأطراف على حماس، مطالبًا إياها بالتصرف بإيجابية في ضوء الحلول المقترحة.


معا الاخبارية
منذ ساعة واحدة
- معا الاخبارية
تقرير اسرائيلي: لا قرار نهائي بشأن غزة ونتنياهو يرد على الجيش من خلال الاعلام
بيت لحم معا- رغم التصريحات التي قالت ان نتنياهو حسم أمره باحتلال غزة، أكدت مصادر إسرائيلية مطلعة أن القرار لم يُتخذ بعد، وأن المسألة أكثر تعقيدًا، خاصة أن مثل هذا القرار لا يعود لرئيس الوزراء وحده بل يُتخذ داخل المجلس الوزاري المصغر. ولم يُجر حتى الآن أي نقاش رسمي حول إمكانية احتلال كامل للقطاع. ويعود ذلك إلى عدم انعقاد الكابينت الحربي منذ ثلاثة أسابيع، وهو وضع وصفه وزراء الكابينت بأنه "غريب". في الوقت نفسه، تُجرى جميع التحركات من خلال إحاطات إعلامية ومناقشات في نطاق ضيق فقط. وتشير التقديرات بحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية إلى أن الإحاطة الإعلامية القوية، التي نُشرت باسم مصدر سياسي، كانت تهدف في المقام الأول إلى رد نتنياهو على التصريحات الأخيرة لرئيس الأركان إيال زامير، وعلى الإحاطات الإعلامية الصادرة باسمه أو باسم مصادر أمنية رفيعة المستوى عارضت احتلال غزة ودعمت خطة تطويق القطاع. وأفادت مصادر أن نتنياهو كان يفضّل صفقة أسرى، لكن رد حماس الرافض وقطعها الاتصال بددا الآمال. ومع تصاعد الضغوط الدولية بشأن التجويع في غزة، أدرك نتنياهو أن الانتظار لم يعد مجديًا، ويجب اتخاذ قرار سريع بشأن المرحلة المقبلة من الحرب.


فلسطين أون لاين
منذ 2 ساعات
- فلسطين أون لاين
رئيس النُّوَّاب الأميركيِّ يزور مستوطنة "أرئيل": الضَّفَّة ملك شرعيّ لليهود
وكالات/ فلسطين أون لاين زار رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، اليوم الاثنين، مستوطنة "أرئيل" المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية المحتلة، في خطوة غير مسبوقة لمسؤول أميركي بهذا المستوى، وبموافقة رسمية من البيت الأبيض. وتُعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس مجلس نواب أميركي إلى داخل المستوطنات الإسرائيلية، حيث التقى جونسون خلال جولته بعدد من قادة مجلس "ييشاع"، وهو الهيئة الرسمية التي تمثل المستوطنين في الضفة، وأعلن دعمه الكامل لضم الضفة الغربية لإسرائيل، قائلًا: "الضفة الغربية هي خط المواجهة، ويجب أن تبقى جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل، حتى لو رفض العالم ذلك". ورأت صحيفة "يسرائيل هيوم" في زيارتة أنها "استثنائية"، مشيرة إلى أنها جرت بسرية نظراً لحساسيتها، وبتنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية، وشاركت فيها مجموعات ضغط مؤيدة لإسرائيل، أبرزها الجمعية الأميركية للتعليم الإسرائيلي. ورغم مشاركة عدد من السياسيين الجمهوريين الأميركيين في زيارات سابقة لمستوطنات، إلا أن زيارة رئيس مجلس النواب الأميركي الحالي تفتح مرحلة جديدة من الدعم العلني للاستيطان الإسرائيلي، وتثير جدلاً واسعاً بشأن موقف واشنطن من القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي تعتبر المستوطنات غير شرعية. واعتبر مراقبون أن زيارة جونسون لمستوطنة "أرئيل" تمثل تحولاً خطيراً في موقف واشنطن الرسمي، وتؤكد تصاعد النفوذ اليميني داخل السياسة الأميركية الخارجية، لا سيما أن جونسون صرّح خلال زيارته بأن "جبال يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هي ملك شرعي للشعب اليهودي"، داعياً الأميركيين إلى "التمسك بالجذور اليهودية-المسيحية" التي قال إنها نشأت في "أرض إسرائيل". في الوقت نفسه، عبّر عدد من النواب الأميركيين والجهات الحقوقية عن رفضهم للزيارة، محذرين من أنها تقوّض أي فرصة لحل الدولتين وتشرعن واقع الاحتلال المفروض على الفلسطينيين بقوة السلاح والمستوطنات.