
عثرت على ابنتها بعد 44 عاماً، فكيف اختفت وما قصتها؟
آخر ذكرى تحتفظ بها هان تاي سون، عن طفولة ابنتها تعود إلى مايو/ آيار 1975، في منزلهما في سيول.
تقول السيدة هان متذكرة "كنت ذاهبة إلى السوق وسألتُ ابنتي كيونغ ها: 'ألن ترافقيني؟' قالت لي: 'لا، سألعب مع أصدقائي".
"وعندما عدتُ، لم أجدها".
لم تر السيدة هان ابنتها مرة أخرى لأكثر من أربعة عقود. وعندما التقيتا، كانت كيونغ ها، امرأة أمريكية في منتصف العمر تُدعى لوري بيندر.
اختُطفت كيونغ ها بالقرب من منزلها، ونُقلت إلى دار للأيتام، ثم أُرسلت بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة لتربيها عائلة أخرى، كما تزعم السيدة هان، التي تقاضي الآن حكومة كوريا الجنوبية لفشلها في العثور على ابنتها ومنع تبنيها بشكل غير قانوني في الخارج.
السيدة هان من بين مئات الأشخاص الذين تقدموا في السنوات الأخيرة بادعاءات دامغة بالاحتيال والتبني غير القانوني والاختطاف والاتجار بالبشر في برنامج التبني الكوري الجنوبي المثير للجدل في الخارج.
لم ترسل أي دولة أخرى هذا العدد من الأطفال للتبني إلى الخارج، ولفترة طويلة، مثل كوريا الجنوبية. ومنذ بدء البرنامج في خمسينيات القرن الماضي، خضع ما بين 170 ألفاً و200 ألف طفل للتبني غير القانوني في الخارج - معظمهم في الدول الغربية.
وفي مارس/ آذار، خلُص تحقيق بارز إلى أن الحكومات المتعاقبة ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان بسبب افتقارها للرقابة، ما سمح للوكالات الخاصة "تهريب الأطفال بكميات كبيرة" لتحقيق الربح على نطاق واسع.
يقول الخبراء إن هذه النتائج قد تفتح الباب أمام المزيد من الدعاوى القضائية ضد الحكومة. ومن المقرر أن تُحال قضية السيدة هان إلى المحكمة الشهر المقبل.
تُعدّ هذه القضية واحدة من بين قضيتين بارزتين. فالسيدة هان هي أول والدة بيولوجية لطفلة مُتبنّاة في الخارج تسعى للحصول على تعويضات من الحكومة، بينما في عام 2019، أصبح رجلاً مُتبنّى في الولايات المتحدة، أول طفل كوري مُتبنّى يرفع دعوى قضائية ضد كوريا من خارج البلاد.
وصرح متحدث باسم الحكومة الكورية الجنوبية، لبي بي سي بأن الحكومة "تتعاطف بشدة مع الألم النفسي الذي يعانيه الأفراد والعائلات الذين لم يتمكنوا من العثور على بعضهم البعض لفترة طويلة".
وأضاف المتحدث أن الحكومة تنظر في قضية السيدة هان "بأسف عميق"، وأنها ستتخذ "الإجراءات اللازمة" بناء على نتيجة المحاكمة.
وقالت السيدة هان، البالغة من العمر 71 عاماً، لبي بي سي إنها مُصممة على أن الحكومة يجب أن تتحمل المسؤولية.
وأضافت "تدمر جسمي وعقلي خلال 44 عاماً قضيتها في البحث عن ابنتي. ولكن طوال تلك الفترة، هل اعتذر لي أحد؟ لا أحد. ولا حتى لمرة واحدة".
ولعقود، زارت وزوجها مراكز الشرطة ودور الأيتام، ووزعا منشورات، وظهرا على شاشة التلفاز يطلبان معلومات عن ابنتهما. تقول السيدة هان إنها أمضت أيامها كلها تجوب الشوارع بحثاً عن ابنتها "حتى سقطت أظافر قدمي العشرة".
وعلى مر السنين، ظنت أنها اقتربت من العثور عليها. ففي عام 1990، وبعد إحدى نداءاتها التلفزيونية، التقت السيدة هان بامرأة اعتقدت أنها قد تكون كيونغ ها، حتى أنها آوتها للعيش مع عائلتها لفترة. لكن المرأة اعترفت في النهاية بأنها ليست ابنتها.
وأخيراً، وفي عام 2019 تحقق تقدم كبير عندما انضمت السيدة هان إلى مجموعة "325 كامرا"، وهي مجموعة تربط الكوريين المتبنين في الخارج بذويهم البيولوجيين عن طريق مطابقة الحمض النووي.
وسرعان ما أبلغوا عن تطابق الحمض النووي لـ"لوري بيندر"، ممرضة من كاليفورنيا بالسيده هان. وبعد عدة مكالمات هاتفية، سافرت لوري إلى العاصمة الكورية سيول لمقابلة السيدة هان، وهناك وفي المطار اجتمعتا في لقاء حزين.
BBC
بينما كانتا تتعانقان، مررت السيدة هان بأصابعها في شعر كيونغ ها. وقالت: "لقد كنتُ مصففة شعر منذ 30 عاماً. أستطيع أن أعرف بسرعة ما إذا كانت ابنتي من ملمس شعرها. كنت قد ظننت سابقاً عن طريق الخطأ أنني وجدتها، لذا كان عليّ أن ألمس شعرها وأتحسسه لأتأكد".
وكانت أول عبارة قالتها لابنتها "أنا آسفة جداً".
وأضافت "شعرتُ بالذنب لأنها لم تستطع إيجاد طريقها إلى المنزل عندما كانت طفلة. ظللتُ أفكر في كم بحثت عن والدتها. لقائي بها بعد كل تلك السنوات جعلني أدرك كم كانت تشتاق لوالدتها، وقد حطم ذلك قلبي".
أما كيونغ ها فقالت في مقابلة سابقة مع وكالة أسوشيتد برس "يبدو الأمر كما لو أن جرحاً في قلبك قد شُفي، تشعر أخيراً بأنك شخص كامل"، لكنها لم تستجب لطلب من بي بي سي لإجراء مقابلة.
وفي النهاية، نجحت الاثنتان في تجميع خيوط ما حدث في ذلك اليوم من مايو/ أيار 1975.
كانت كيونغ ها، التي كانت في السادسة من عمرها آنذاك، تلعب قرب منزلها عندما اقتربت منها امرأة غريبة تدّعي معرفة والدتها. وقالت لها إن والدتها "لم تعد بحاجة إليها"، واقتادتها إلى محطة قطار.
بعد رحلة قطار مع المرأة، تُركت كيونغ ها في المحطة الأخيرة، حيث قبض عليها رجال الشرطة ووضعوها في دار للأيتام. وسرعان ما نُقلت جواً إلى الولايات المتحدة ليُتبناها زوجان في فرجينيا.
بعد سنوات، كشفت التحقيقات أنها حصلت على أوراق مزورة تُفيد بأنها يتيمة مهجورة لا يُعرف والداها.
قالت كيونغ ها سابقاً "بدا الأمر كما لو أنك كنت تعيش حياة زائفة، وكل ما تعرفه غير صحيح".
لم تكن حالتها فريدة من نوعها.
"تجارة الأطفال" من آسيا إلى الغرب
بدأ برنامج تبني الأطفال الكوريين من كوريا الجنوبية في الخارج بعد الحرب الكورية (1950-1953)، عندما كانت كوريا الجنوبية دولة فقيرة للغاية، وكان عدد الأطفال الأيتام والنازحين فيها يُقدر بنحو 100 ألف طفل.
في ذلك الوقت، لم تكن هناك سوى عائلات قليلة مستعدة لتبني أطفال غير بيولوجيين، فبدأت الحكومة برنامجاً للتبني في الخارج، كجهد إنساني.
وقد أدارت وكالات التبني الخاصة البرنامج بالكامل. وبينما كانت تخضع لإشراف الحكومة، اكتسبت هذه الوكالات بمرور الوقت استقلالية كبيرة من خلال القوانين.
ومع تنامي نفوذها، ازداد عدد الأطفال المُرسلين إلى الخارج، حيث ارتفع في سبعينيات القرن الماضي وبلغ ذروته في الثمانينيات. ففي عام 1985 وحده، أُرسل أكثر من 8800 طفل كوري إلى الخارج.
كان هناك طلب هائل من الغرب — فمع انخفاض معدلات المواليد وقلة الأطفال المتاحين للتبني محلياً، بدأت العائلات في البحث عن أطفال من أماكن أخرى.
BBC
وتُظهر صورٌ من تلك الحقبة طائرات متجهة إلى دولٍ غربية مليئة بأطفال كوريين، ورُضّعٍ مُقمَّطينَ مُقيَّدين إلى مقاعدهم - وهو ما وصفه تحقيق لجنة الحقيقة والمصالحة بأنه "نقلٌ جماعيٌّ للأطفال كأنهم بضائع".
يزعم التقرير أن هؤلاء لم يتلقوا العناية إلا القليل خلال تلك الرحلات الجوية الطويلة. وفي حالة أوردها التقرير تعود إلى عام 1974، تم تقديم الحليب لطفل يعاني من عدم تحمّل اللاكتوز أثناء الرحلة، مما أدى إلى وفاته فور وصوله إلى الدنمارك.
ولطالما تساءل منتقدو البرنامج عن سبب إرسال هذا العدد الكبير من الأطفال إلى الخارج في وقت كانت كوريا الجنوبية تشهد فيه بالفعل نمواً اقتصادياً سريعاً.
ونقل فيلمٌ وثائقيٌّ من إنتاج بي بي سي بانوراما عام 1976، والذي صوَّر كوريا الجنوبية كواحدة من عدة دولٍ آسيوية تُرسِل أطفالاً إلى الغرب، عن مراقب وصف الوضع بأنه "خارج عن السيطرة" و"يشبهه بالتجارة بالأطفال، تتدفق من آسيا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية".
ووفقاً لتقرير الحقيقة والمصالحة، حددت وكالات التبني الأجنبية حصصاً من الأطفال المطلوبين للتبني، والتي التزمت بها الوكالات الكورية طواعية.
وقد كان عملاً مربحاً، إذ سمح غياب التنظيم الحكومي للوكالات الكورية بفرض مبالغ طائلة ورسوم خفية تُسمى "تبرعات".
وربما تم الحصول على بعض هؤلاء الأطفال بوسائل غير مشروعة، إذ زعم آباء، مثل السيدة هان، أن أطفالهم اختُطفوا. في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كما جُمِع آلاف الأطفال المشردين أو غير المصحوبين برعاية، ووُضعوا في دور أيتام أو مراكز رعاية اجتماعية، كجزء من حملة وطنية "لتنظيف شوارع" كوريا الجنوبية.
وقد قيل لآباء آخرين إن أطفالهم مرضوا وماتوا، بينما كانوا في الواقع على قيد الحياة، ونُقلوا إلى وكالات التبني. كما لم تحصل الوكالات على الموافقة اللازمة من الأمهات البيولوجيات لتبني أطفالهن، وفقاً لتقرير الحقيقة والمصالحة.
وأشار التقرير أيضاً إلى أن وكالات التبني زورت عمداً المعلومات في سجلات التبني لاختصار الإجراءات وتلبية الطلب على الأطفال بسرعة.
وكان الأطفال المفقودون الذين يُعثر عليهم دون أي وثائق هوية يُصوَّرون، في السجلات الرسمية، كما لو أنهم قد تم التخلي عنهم ووضعهم للتبني.
وإذا توفي طفل كان معدًا للتبني أو استرده والديه البيولوجيون، كان يتم استبداله بطفل آخر وإعطاؤه هوية الطفل الأصلي. وقد مكّن هذا الوكالات من تفادي رد رسوم التبني وتسريع العملية.
وقد خلق هذا، بعد عقود، صعوبات جمة للعديد من المُتبنّين في الخارج الذين يحاولون العثور على والديهم البيولوجيين.
إذ يحمل البعض منهم معلومات خاطئة أو أن معلوماتهم مفقودة من سجلات التبني، بينما اكتشف آخرون أنهم مُنحوا هويات مزيفة تماماً.
قال هان بون يونغ، المؤسس المشارك لمجموعة حقوق المُتبنّين في الخارج، والتي تُناضل من أجل الوصول إلى أكبر قد من معلومات الميلاد عن الأطفال المتبنين "نحن ضحايا لعنف الدولة، لكن لا يوجد أي أثر لذلك حرفياً. هذا النقص في الوثائق يجب ألا يجعل منا ضحايا للمرة الثانية".
وأضاف "هذه قضية حقوق إنسان. وقعت عمليات اختطاف وتزوير وثائق، وكلها أمثلة على انتهاكات ارتُكبت خلال عملية التبني بين الدول".
وأردف "من الضروري للغاية التحرك نحو المصالحة، وأن نعترف بهذه التجارب، وأن يُحاسب مرتكبو هذه الانتهاكات".
لكن بعض الأطراف الرئيسية لا يزالون صامتين أو ينكرون ارتكاب أي مخالفات.
وقد اتصلت بي بي سي بـ"بو تشونغ ها"، الذي شغل في سبعينيات القرن الماضي منصب رئيس مجلس إدارة شركة هولت الدولية، أكبر وكالة تبني في كوريا الجنوبية.
وتُعتبر شركة هولت محور العديد من مزاعم الاحتيال والتبني غير القانوني، وهي موضوع دعوتين قضائيتين حتى الآن، إحداهما دعوى السيدة هان.
في ردّ مقتضب، نفى السيد بو أن تكون الوكالة قد أرسلت أي أطفال تم تصنيفهم خطأ على أنهم أيتام إلى الخارج خلال فترة ولايته. وقال إن أي آباء يدّعون اختطاف أطفالهم "لم يفقدوا أطفالهم، بل تخلوا عنهم".
ولم تستجب الإدارة الحالية لشركة هولت الدولية لطلب بي بي سي للتعليق.
الحكومة تقود، والوكالات تنفذ
يقول الخبراء إن المسؤولية لا تقع على عاتق الوكالات الخاصة فحسب، بل تقع أيضاً على عاتق الدولة.
قال الدكتور، لي كيونغ إيون، باحث القانون الدولي في جامعة سيول الوطنية، "استغلت وكالات التبني النظام، وغضت الحكومة الطرف عنه، ما سمح للممارسات غير القانونية بالتجذر".
BBC
وقال شين بيل سيك، الباحث في مجال التبني في جامعة سيوكيونغ "كانت الحكومة القائد، والوكالات هي من نفذت الأمور". وأضاف أن هذا الهيكل مكّن كلا الجانبين من التهرب من المساءلة.
وأكد الدكتور شين أن الدولة لم تكن مراقباً سلبياً، بل ساهمت بنشاط في صياغة سياسة التبني، وتحديد حصص سنوية للتبني في الخارج، بل وأوقفت بعض عمليات التبني في بعض الأحيان.
وكشف تحقيق إخباري أجرته وكالة أسوشيتد برس، العام الماضي، أن الحكومات الكورية المتعاقبة أعادت صياغة القوانين لإزالة الحد الأدنى من الضمانات والرقابة القضائية، ومواءمة قوانينها مع القوانين الأمريكية لجعل الأطفال مؤهلين للتبني، وسمحت للعائلات الأجنبية بتبني الأطفال الكوريين بسرعة دون الحاجة إلى زيارة البلاد.
وبينما وصفت الحكومة البرنامج بأنه جهد إنساني، يقول المراقبون إنه ساهم أيضاً في تعزيز العلاقات مع الدول الغربية.
وذكرت وثيقة حكومية من عام 1984 حصلت عليها بي بي سي أن الأهداف الرسمية لسياسة التبني لم تقتصر على رعاية الأطفال فحسب، بل شملت أيضاً "تعزيز القوة الوطنية المستقبلية والدبلوماسية بين الشعوب".
وعند سؤال وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية في كوريا الجنوبية عن دور الدولة في ممارسات التبني السابقة، قالت إنها "تواصل جهودها لتعزيز مسؤولية الدولة" في النظام، وأنها تخطط لتشجيع عمليات التبني التي تتوافق مع المعايير الدولية.
وفي عام 2012، عدّلت الحكومة قوانين التبني لتشديد فحص الآباء المتبنين المحتملين، وتحسين تتبع بيانات الوالدين الأصليين ومعلومات الولادة.
كما سنّت إصلاحات على نظام التبني، تضمن خارجياً تقليل عمليات التبني في الخارج إلى أدنى حد، وأن تتولى الحكومة جميع عمليات التبني بدلاً من الوكالات الخاصة. وستدخل هذه التغي
BBC
في غضون ذلك، انخفضت عمليات التبني في الخارج. في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وانخفضت حالات التبني من الخارج بشكل حاد، قبل أن تستقر في التسعينيات وتتراجع مجدداً في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. ولم يتم تبني سوى 79 طفلاً في الخارج في عام 2023، وفقاً لأحدث البيانات المتاحة.
ولكن مع بدء كوريا الجنوبية في معالجة هذا الفصل المظلم من ماضيها، لا يزال المتبنون والآباء البيولوجيون، مثل السيدة هان، يعانون من صدمتهم.
وبعد لمّ شملهما، كافحت السيدة هان وكيونغ ها للحفاظ على صلة وثيقة.
لا يقتصر الأمر على أنهما يعيشان في طرفين متقابلين من العالم، بل إن ابنتها نسيت معظم لغتها الكورية، بينما لا تعرف السيدة هان سوى القليل من اللغة الإنجليزية.
يتواصلان عبر الرسائل النصية من حين لآخر، وتقضي السيدة هان ساعتين يومياً في ممارسة وتعلم اللغة الإنجليزية من خلال كتابة عبارات في دفتر تمارين.
لكن هذا لا يكفي السيدة هان.
لقد دُمِّرت حياتي بأكملها... ولن يُعوِّضني أيُّ مال ما خسرتُه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 13 ساعات
- شفق نيوز
عثرت على ابنتها بعد 44 عاماً، فكيف اختفت وما قصتها؟
آخر ذكرى تحتفظ بها هان تاي سون، عن طفولة ابنتها تعود إلى مايو/ آيار 1975، في منزلهما في سيول. تقول السيدة هان متذكرة "كنت ذاهبة إلى السوق وسألتُ ابنتي كيونغ ها: 'ألن ترافقيني؟' قالت لي: 'لا، سألعب مع أصدقائي". "وعندما عدتُ، لم أجدها". لم تر السيدة هان ابنتها مرة أخرى لأكثر من أربعة عقود. وعندما التقيتا، كانت كيونغ ها، امرأة أمريكية في منتصف العمر تُدعى لوري بيندر. اختُطفت كيونغ ها بالقرب من منزلها، ونُقلت إلى دار للأيتام، ثم أُرسلت بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة لتربيها عائلة أخرى، كما تزعم السيدة هان، التي تقاضي الآن حكومة كوريا الجنوبية لفشلها في العثور على ابنتها ومنع تبنيها بشكل غير قانوني في الخارج. السيدة هان من بين مئات الأشخاص الذين تقدموا في السنوات الأخيرة بادعاءات دامغة بالاحتيال والتبني غير القانوني والاختطاف والاتجار بالبشر في برنامج التبني الكوري الجنوبي المثير للجدل في الخارج. لم ترسل أي دولة أخرى هذا العدد من الأطفال للتبني إلى الخارج، ولفترة طويلة، مثل كوريا الجنوبية. ومنذ بدء البرنامج في خمسينيات القرن الماضي، خضع ما بين 170 ألفاً و200 ألف طفل للتبني غير القانوني في الخارج - معظمهم في الدول الغربية. وفي مارس/ آذار، خلُص تحقيق بارز إلى أن الحكومات المتعاقبة ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان بسبب افتقارها للرقابة، ما سمح للوكالات الخاصة "تهريب الأطفال بكميات كبيرة" لتحقيق الربح على نطاق واسع. يقول الخبراء إن هذه النتائج قد تفتح الباب أمام المزيد من الدعاوى القضائية ضد الحكومة. ومن المقرر أن تُحال قضية السيدة هان إلى المحكمة الشهر المقبل. تُعدّ هذه القضية واحدة من بين قضيتين بارزتين. فالسيدة هان هي أول والدة بيولوجية لطفلة مُتبنّاة في الخارج تسعى للحصول على تعويضات من الحكومة، بينما في عام 2019، أصبح رجلاً مُتبنّى في الولايات المتحدة، أول طفل كوري مُتبنّى يرفع دعوى قضائية ضد كوريا من خارج البلاد. وصرح متحدث باسم الحكومة الكورية الجنوبية، لبي بي سي بأن الحكومة "تتعاطف بشدة مع الألم النفسي الذي يعانيه الأفراد والعائلات الذين لم يتمكنوا من العثور على بعضهم البعض لفترة طويلة". وأضاف المتحدث أن الحكومة تنظر في قضية السيدة هان "بأسف عميق"، وأنها ستتخذ "الإجراءات اللازمة" بناء على نتيجة المحاكمة. وقالت السيدة هان، البالغة من العمر 71 عاماً، لبي بي سي إنها مُصممة على أن الحكومة يجب أن تتحمل المسؤولية. وأضافت "تدمر جسمي وعقلي خلال 44 عاماً قضيتها في البحث عن ابنتي. ولكن طوال تلك الفترة، هل اعتذر لي أحد؟ لا أحد. ولا حتى لمرة واحدة". ولعقود، زارت وزوجها مراكز الشرطة ودور الأيتام، ووزعا منشورات، وظهرا على شاشة التلفاز يطلبان معلومات عن ابنتهما. تقول السيدة هان إنها أمضت أيامها كلها تجوب الشوارع بحثاً عن ابنتها "حتى سقطت أظافر قدمي العشرة". وعلى مر السنين، ظنت أنها اقتربت من العثور عليها. ففي عام 1990، وبعد إحدى نداءاتها التلفزيونية، التقت السيدة هان بامرأة اعتقدت أنها قد تكون كيونغ ها، حتى أنها آوتها للعيش مع عائلتها لفترة. لكن المرأة اعترفت في النهاية بأنها ليست ابنتها. وأخيراً، وفي عام 2019 تحقق تقدم كبير عندما انضمت السيدة هان إلى مجموعة "325 كامرا"، وهي مجموعة تربط الكوريين المتبنين في الخارج بذويهم البيولوجيين عن طريق مطابقة الحمض النووي. وسرعان ما أبلغوا عن تطابق الحمض النووي لـ"لوري بيندر"، ممرضة من كاليفورنيا بالسيده هان. وبعد عدة مكالمات هاتفية، سافرت لوري إلى العاصمة الكورية سيول لمقابلة السيدة هان، وهناك وفي المطار اجتمعتا في لقاء حزين. BBC بينما كانتا تتعانقان، مررت السيدة هان بأصابعها في شعر كيونغ ها. وقالت: "لقد كنتُ مصففة شعر منذ 30 عاماً. أستطيع أن أعرف بسرعة ما إذا كانت ابنتي من ملمس شعرها. كنت قد ظننت سابقاً عن طريق الخطأ أنني وجدتها، لذا كان عليّ أن ألمس شعرها وأتحسسه لأتأكد". وكانت أول عبارة قالتها لابنتها "أنا آسفة جداً". وأضافت "شعرتُ بالذنب لأنها لم تستطع إيجاد طريقها إلى المنزل عندما كانت طفلة. ظللتُ أفكر في كم بحثت عن والدتها. لقائي بها بعد كل تلك السنوات جعلني أدرك كم كانت تشتاق لوالدتها، وقد حطم ذلك قلبي". أما كيونغ ها فقالت في مقابلة سابقة مع وكالة أسوشيتد برس "يبدو الأمر كما لو أن جرحاً في قلبك قد شُفي، تشعر أخيراً بأنك شخص كامل"، لكنها لم تستجب لطلب من بي بي سي لإجراء مقابلة. وفي النهاية، نجحت الاثنتان في تجميع خيوط ما حدث في ذلك اليوم من مايو/ أيار 1975. كانت كيونغ ها، التي كانت في السادسة من عمرها آنذاك، تلعب قرب منزلها عندما اقتربت منها امرأة غريبة تدّعي معرفة والدتها. وقالت لها إن والدتها "لم تعد بحاجة إليها"، واقتادتها إلى محطة قطار. بعد رحلة قطار مع المرأة، تُركت كيونغ ها في المحطة الأخيرة، حيث قبض عليها رجال الشرطة ووضعوها في دار للأيتام. وسرعان ما نُقلت جواً إلى الولايات المتحدة ليُتبناها زوجان في فرجينيا. بعد سنوات، كشفت التحقيقات أنها حصلت على أوراق مزورة تُفيد بأنها يتيمة مهجورة لا يُعرف والداها. قالت كيونغ ها سابقاً "بدا الأمر كما لو أنك كنت تعيش حياة زائفة، وكل ما تعرفه غير صحيح". لم تكن حالتها فريدة من نوعها. "تجارة الأطفال" من آسيا إلى الغرب بدأ برنامج تبني الأطفال الكوريين من كوريا الجنوبية في الخارج بعد الحرب الكورية (1950-1953)، عندما كانت كوريا الجنوبية دولة فقيرة للغاية، وكان عدد الأطفال الأيتام والنازحين فيها يُقدر بنحو 100 ألف طفل. في ذلك الوقت، لم تكن هناك سوى عائلات قليلة مستعدة لتبني أطفال غير بيولوجيين، فبدأت الحكومة برنامجاً للتبني في الخارج، كجهد إنساني. وقد أدارت وكالات التبني الخاصة البرنامج بالكامل. وبينما كانت تخضع لإشراف الحكومة، اكتسبت هذه الوكالات بمرور الوقت استقلالية كبيرة من خلال القوانين. ومع تنامي نفوذها، ازداد عدد الأطفال المُرسلين إلى الخارج، حيث ارتفع في سبعينيات القرن الماضي وبلغ ذروته في الثمانينيات. ففي عام 1985 وحده، أُرسل أكثر من 8800 طفل كوري إلى الخارج. كان هناك طلب هائل من الغرب — فمع انخفاض معدلات المواليد وقلة الأطفال المتاحين للتبني محلياً، بدأت العائلات في البحث عن أطفال من أماكن أخرى. BBC وتُظهر صورٌ من تلك الحقبة طائرات متجهة إلى دولٍ غربية مليئة بأطفال كوريين، ورُضّعٍ مُقمَّطينَ مُقيَّدين إلى مقاعدهم - وهو ما وصفه تحقيق لجنة الحقيقة والمصالحة بأنه "نقلٌ جماعيٌّ للأطفال كأنهم بضائع". يزعم التقرير أن هؤلاء لم يتلقوا العناية إلا القليل خلال تلك الرحلات الجوية الطويلة. وفي حالة أوردها التقرير تعود إلى عام 1974، تم تقديم الحليب لطفل يعاني من عدم تحمّل اللاكتوز أثناء الرحلة، مما أدى إلى وفاته فور وصوله إلى الدنمارك. ولطالما تساءل منتقدو البرنامج عن سبب إرسال هذا العدد الكبير من الأطفال إلى الخارج في وقت كانت كوريا الجنوبية تشهد فيه بالفعل نمواً اقتصادياً سريعاً. ونقل فيلمٌ وثائقيٌّ من إنتاج بي بي سي بانوراما عام 1976، والذي صوَّر كوريا الجنوبية كواحدة من عدة دولٍ آسيوية تُرسِل أطفالاً إلى الغرب، عن مراقب وصف الوضع بأنه "خارج عن السيطرة" و"يشبهه بالتجارة بالأطفال، تتدفق من آسيا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية". ووفقاً لتقرير الحقيقة والمصالحة، حددت وكالات التبني الأجنبية حصصاً من الأطفال المطلوبين للتبني، والتي التزمت بها الوكالات الكورية طواعية. وقد كان عملاً مربحاً، إذ سمح غياب التنظيم الحكومي للوكالات الكورية بفرض مبالغ طائلة ورسوم خفية تُسمى "تبرعات". وربما تم الحصول على بعض هؤلاء الأطفال بوسائل غير مشروعة، إذ زعم آباء، مثل السيدة هان، أن أطفالهم اختُطفوا. في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كما جُمِع آلاف الأطفال المشردين أو غير المصحوبين برعاية، ووُضعوا في دور أيتام أو مراكز رعاية اجتماعية، كجزء من حملة وطنية "لتنظيف شوارع" كوريا الجنوبية. وقد قيل لآباء آخرين إن أطفالهم مرضوا وماتوا، بينما كانوا في الواقع على قيد الحياة، ونُقلوا إلى وكالات التبني. كما لم تحصل الوكالات على الموافقة اللازمة من الأمهات البيولوجيات لتبني أطفالهن، وفقاً لتقرير الحقيقة والمصالحة. وأشار التقرير أيضاً إلى أن وكالات التبني زورت عمداً المعلومات في سجلات التبني لاختصار الإجراءات وتلبية الطلب على الأطفال بسرعة. وكان الأطفال المفقودون الذين يُعثر عليهم دون أي وثائق هوية يُصوَّرون، في السجلات الرسمية، كما لو أنهم قد تم التخلي عنهم ووضعهم للتبني. وإذا توفي طفل كان معدًا للتبني أو استرده والديه البيولوجيون، كان يتم استبداله بطفل آخر وإعطاؤه هوية الطفل الأصلي. وقد مكّن هذا الوكالات من تفادي رد رسوم التبني وتسريع العملية. وقد خلق هذا، بعد عقود، صعوبات جمة للعديد من المُتبنّين في الخارج الذين يحاولون العثور على والديهم البيولوجيين. إذ يحمل البعض منهم معلومات خاطئة أو أن معلوماتهم مفقودة من سجلات التبني، بينما اكتشف آخرون أنهم مُنحوا هويات مزيفة تماماً. قال هان بون يونغ، المؤسس المشارك لمجموعة حقوق المُتبنّين في الخارج، والتي تُناضل من أجل الوصول إلى أكبر قد من معلومات الميلاد عن الأطفال المتبنين "نحن ضحايا لعنف الدولة، لكن لا يوجد أي أثر لذلك حرفياً. هذا النقص في الوثائق يجب ألا يجعل منا ضحايا للمرة الثانية". وأضاف "هذه قضية حقوق إنسان. وقعت عمليات اختطاف وتزوير وثائق، وكلها أمثلة على انتهاكات ارتُكبت خلال عملية التبني بين الدول". وأردف "من الضروري للغاية التحرك نحو المصالحة، وأن نعترف بهذه التجارب، وأن يُحاسب مرتكبو هذه الانتهاكات". لكن بعض الأطراف الرئيسية لا يزالون صامتين أو ينكرون ارتكاب أي مخالفات. وقد اتصلت بي بي سي بـ"بو تشونغ ها"، الذي شغل في سبعينيات القرن الماضي منصب رئيس مجلس إدارة شركة هولت الدولية، أكبر وكالة تبني في كوريا الجنوبية. وتُعتبر شركة هولت محور العديد من مزاعم الاحتيال والتبني غير القانوني، وهي موضوع دعوتين قضائيتين حتى الآن، إحداهما دعوى السيدة هان. في ردّ مقتضب، نفى السيد بو أن تكون الوكالة قد أرسلت أي أطفال تم تصنيفهم خطأ على أنهم أيتام إلى الخارج خلال فترة ولايته. وقال إن أي آباء يدّعون اختطاف أطفالهم "لم يفقدوا أطفالهم، بل تخلوا عنهم". ولم تستجب الإدارة الحالية لشركة هولت الدولية لطلب بي بي سي للتعليق. الحكومة تقود، والوكالات تنفذ يقول الخبراء إن المسؤولية لا تقع على عاتق الوكالات الخاصة فحسب، بل تقع أيضاً على عاتق الدولة. قال الدكتور، لي كيونغ إيون، باحث القانون الدولي في جامعة سيول الوطنية، "استغلت وكالات التبني النظام، وغضت الحكومة الطرف عنه، ما سمح للممارسات غير القانونية بالتجذر". BBC وقال شين بيل سيك، الباحث في مجال التبني في جامعة سيوكيونغ "كانت الحكومة القائد، والوكالات هي من نفذت الأمور". وأضاف أن هذا الهيكل مكّن كلا الجانبين من التهرب من المساءلة. وأكد الدكتور شين أن الدولة لم تكن مراقباً سلبياً، بل ساهمت بنشاط في صياغة سياسة التبني، وتحديد حصص سنوية للتبني في الخارج، بل وأوقفت بعض عمليات التبني في بعض الأحيان. وكشف تحقيق إخباري أجرته وكالة أسوشيتد برس، العام الماضي، أن الحكومات الكورية المتعاقبة أعادت صياغة القوانين لإزالة الحد الأدنى من الضمانات والرقابة القضائية، ومواءمة قوانينها مع القوانين الأمريكية لجعل الأطفال مؤهلين للتبني، وسمحت للعائلات الأجنبية بتبني الأطفال الكوريين بسرعة دون الحاجة إلى زيارة البلاد. وبينما وصفت الحكومة البرنامج بأنه جهد إنساني، يقول المراقبون إنه ساهم أيضاً في تعزيز العلاقات مع الدول الغربية. وذكرت وثيقة حكومية من عام 1984 حصلت عليها بي بي سي أن الأهداف الرسمية لسياسة التبني لم تقتصر على رعاية الأطفال فحسب، بل شملت أيضاً "تعزيز القوة الوطنية المستقبلية والدبلوماسية بين الشعوب". وعند سؤال وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية في كوريا الجنوبية عن دور الدولة في ممارسات التبني السابقة، قالت إنها "تواصل جهودها لتعزيز مسؤولية الدولة" في النظام، وأنها تخطط لتشجيع عمليات التبني التي تتوافق مع المعايير الدولية. وفي عام 2012، عدّلت الحكومة قوانين التبني لتشديد فحص الآباء المتبنين المحتملين، وتحسين تتبع بيانات الوالدين الأصليين ومعلومات الولادة. كما سنّت إصلاحات على نظام التبني، تضمن خارجياً تقليل عمليات التبني في الخارج إلى أدنى حد، وأن تتولى الحكومة جميع عمليات التبني بدلاً من الوكالات الخاصة. وستدخل هذه التغي BBC في غضون ذلك، انخفضت عمليات التبني في الخارج. في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وانخفضت حالات التبني من الخارج بشكل حاد، قبل أن تستقر في التسعينيات وتتراجع مجدداً في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. ولم يتم تبني سوى 79 طفلاً في الخارج في عام 2023، وفقاً لأحدث البيانات المتاحة. ولكن مع بدء كوريا الجنوبية في معالجة هذا الفصل المظلم من ماضيها، لا يزال المتبنون والآباء البيولوجيون، مثل السيدة هان، يعانون من صدمتهم. وبعد لمّ شملهما، كافحت السيدة هان وكيونغ ها للحفاظ على صلة وثيقة. لا يقتصر الأمر على أنهما يعيشان في طرفين متقابلين من العالم، بل إن ابنتها نسيت معظم لغتها الكورية، بينما لا تعرف السيدة هان سوى القليل من اللغة الإنجليزية. يتواصلان عبر الرسائل النصية من حين لآخر، وتقضي السيدة هان ساعتين يومياً في ممارسة وتعلم اللغة الإنجليزية من خلال كتابة عبارات في دفتر تمارين. لكن هذا لا يكفي السيدة هان. لقد دُمِّرت حياتي بأكملها... ولن يُعوِّضني أيُّ مال ما خسرتُه.


شفق نيوز
منذ يوم واحد
- شفق نيوز
أكبر عملية تبادل للأسرى بين أوكرانيا وروسيا منذ غزو 2022
سلمت كل روسيا وأوكرانيا 390 جندياً ومدنياً في أكبر عملية تبادل للأسرى منذ بدء الغزو الروسي الشامل في عام 2022. أعاد الطرفان 270 جندياً و120 مدنياً من الحدود الأوكرانية مع بيلاروسيا، في إطار الاتفاق الوحيد الذي جرى التوصل إليه خلال محادثات مباشرة في إسطنبول قبل أسبوع. وقد اتفق الجانبان على تبادل ألف سجين، وأكدا إجراء المزيد من عمليات التبادل في الأيام المقبلة. ولم تشمل أي عملية تسليم أخرى هذا العدد من المدنيين، على الرغم من إجراء عشرات عمليات التبادل على نطاق أصغر. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الأسرى المفرج عنهم بينهم عسكريون ومدنيون، منهم الذين أسرتهم القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الحدودية الروسية خلال هجوم كييف في الأشهر الأخيرة. وتحدثت الوزارة عن وجودهم حالياً على الأراضي البيلاروسية، ومن المقرر نقلهم إلى روسيا للخضوع لفحوصات طبية وتلقي العلاج. وعلى منصات التواصل الاجتماعي، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "نعيد مواطنينا إلى ديارهم"، مضيفاً أن السلطات الأوكرانية تتحقق "من كل اسم عائلة، والتفاصيل المتعلقة بكل فرد". وأفاد مقر تنسيق أسرى الحرب الأوكراني بأن الجنود الأوكرانيين الـ270، قاتلوا في مناطق شرق وشمال البلاد، من كييف وتشرنيغوف وسومي إلى دونيتسك وخاركيف وخيرسون. وأفاد مسؤولون بوجود ثلاث سيدات بين الأسرى المطلق سراحهم يوم الجمعة، وبأن بعض الجنود كانوا محتجزين منذ عام 2022. BBC ونشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهنئته على منصة "تروث سوشيال" التابعة له، وتحدث عن اكتمال عملية التبادل متسائلاً: "هل هذا قد يُفضي إلى أمرٍ كبير؟؟؟". وتجمعت عائلات الجنود الأوكرانيين المحتجزين لدى روسيا في شمال أوكرانيا، يوم الجمعة، على أمل أن يكون أبناؤهم وأزواجهم من بين المفرج عنهم. وصرحت ناتاليا، التي أُسر ابنها يليزار خلال معركة مدينة سيفيرودونيتسك قبل ثلاث سنوات، لبي بي سي بأنها تعتقد أنه سيعود، لكنها لا تعرف متى. BBC وقالت (أولها) إن حياتها توقفت منذ أسر ابنها فاليري مع خمسة جنود آخرين في الشرق، لأنها لا تعرف إن كانوا على قيد الحياة، موضحة: "لقد أُسروا قبل شهرين في لوغانسك. اختفوا في إحدى القرى". واتُفق على تبادل الأسرى في تركيا قبل أسبوع، عندما التقى وفدان من أوكرانيا وروسيا على مستوى منخفض التمثيل وجهاً لوجه لأول مرة منذ مارس/آذار 2022، على الرغم من أن الاجتماع لم يستمر سوى ساعتين، ولم يُحرز أي تقدم نحو وقف إطلاق النار. وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة، بوجود جولة ثانية من المحادثات، وبأن موسكو ستسلم "مذكرة" إلى الجانب الأوكراني. وقال ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن روسيا وأوكرانيا ستبدآن "فوراً" التفاوض من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، بعد مكالمة هاتفية استمرت ساعتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومنذ ذلك الحين، اتهم زيلينسكي بوتين بـ"محاولة كسب الوقت" لمواصلة الحرب. وأيدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اقتراح ترامب بأن يتوسط الفاتيكان في محادثات للتفاوض على وقف إطلاق النار، لكن لافروف قال إن هذا "خيار غير واقعي". وكرر وزير الخارجية الروسي ادعاءً لا أساس له، بأن زيلينسكي ليس زعيماً شرعياً، مقترحاً إجراء انتخابات جديدة قبل توقيع أي اتفاق سلام مستقبلي محتمل. وعندما سُئل لافروف عن مدى استعداد روسيا لتوقيع اتفاق، أجاب: "أولاً، نحتاج إلى اتفاق. وعندما يُتفق عليه سنقرر. ولكن، وكما قال الرئيس بوتين مراراً، لا يتمتع الرئيس زيلينسكي بالشرعية". وقال: "بعد إتمام الاتفاق، ستعرف روسيا مَن مِن بين أصحاب السلطة في أوكرانيا يتمتع بالشرعية". وأضاف: "المهمة الرئيسية الآن هي إعداد اتفاق سلام موثوق به، يوفر سلاماً طويل الأمد مستقراً وعادلاً، دون أن يُشكل تهديداً أمنياً لأحد. وفي حالتنا، نحن قلقون بشأن روسيا".


شفق نيوز
منذ 2 أيام
- شفق نيوز
"لم نكن مستعدين لذلك": الغموض يكتنف مصير الطلاب الدوليين في جامعة هارفارد بعد قرارات ترامب
عندما التحقت شريا ميشرا ريدي بجامعة هارفارد في عام 2023، كان والداها "في غاية السعادة". تقول شريا لبي بي سي: "إنها الجامعة المثالية التي يريد أي شخص في الهند أن يلتحق بها". والآن، ومع اقتراب موعد تخرج ميشرا، كان يتعين عليها أن تزف إلى عائلتها بعض الأخبار السيئة، وهي أنها قد لا تتخرج في شهر يوليو/تموز من برنامج القيادة التنفيذية بعدما اتحذت إدارة ترامب إجراءت تهدف لمنع جامعة هارفارد من قبول الطلاب الدوليين "نتيجة لعدم التزامهم بالقانون". وتقول شريا:" لقد كان من الصعب جداً على عائلتي سماع هذه الأنباء. إنهم لا يزالون يحاولون استيعابها". تعد شريا واحدة من حوالي 6800 طالب دولي يدرسون في جامعة هارفارد، وهم يشكلون أكثر من 27 في المئة من الطلبة المسجلين هذا العام. كما أنهم يشكلون مصدراً حيوياً لإيرادات رابطة آيفي "آيفي ليغ"، فحوالي ثلث طلابها الأجانب من الصين، وأكثر من 700 منهم من الهند، مثل ريدي. وجميع هؤلاء الطلاب، ليسوا متأكدين من الخطوات المتوقعة التي قد تُتخذ بعد ذلك. وقد وصفت جامعة هارفارد هذه الخطوة بأنها "غير قانونية"، مما قد يؤدي إلى الطعن عليها قضائياً. إلا إن ذلك سيترك مستقبل الطلاب في حالة من عدم اليقين، سواء هؤلاء الذين ينتظرون التسجيل هذا الصيف، أو أولئك الذين لا يزالون في منتصف دراستهم الجامعية، أو حتى أولئك الذين ينتظرون التخرج وترتبط فرص عملهم بتأشيراتهم الطلابية. ويتعين على الطلاب المقيدين الذين يدرسون في هارفارد، تحويل أوراقهم للدراسة في جامعات أمريكية أخرى للبقاء في الولايات المتحدة والاحتفاظ بتأشيراتهم. وتقول ريدي: "أتمنى أن تقف جامعة هارفارد معنا وأن يتم التوصل إلى حلول ما". وقالت جامعة هارفار: "نحن ملتزمون تماماً بالحفاظ على قدرتنا على استضافة طلابنا الدوليين والعلماء، الذين يأتون من أكثر من 140 دولة ويثرون (من خلال دراستهم) الجامعة وهذه الأمة، بلا حدود". هذه الخطوة ضد جامعة هارفارد، لها تداعيات وخيمة على نحو مليون طالب دولي أو أكثر يدرسون في الولايات المتحدة. كما أنها تأتي في أعقاب حملة قمع متزايدة شنتها إدارة ترامب على مؤسسات التعليم العالي، وخاصةً تلك التي شهدت احتجاجات حاشدة مؤيدة للفلسطينين داخل حرمها الجامعي. ويواجه العشرات من هؤلاء الطلاب الدوليين تحقيقات، بينما تحاول الحكومة إصلاح عملية اعتماد تأشيراتهم الدراسية وإعادة تشكيل طرق إدارتها. وقد هدد البيت الأبيض، في بادىء الأمر، بمنع الطلاب الأجانب من الدراسة في جامعة هارفارد في أبريل/نيسان، بعد أن رفضت الجامعة إجراء تغييرات على إجراءتها الخاصة بعمليات التوظيف والقبول والتدريس. كما جمّد البيت الأبيض قرابة ثلاثة مليارات دولار من المنح الفيدرالية، وهو ما طعنت جامعة هارفارد عليه قضائياً. تقول الطالبة الصينية كات شيه، التي تدرس في السنة الثانية ببرنامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الذي يعرف اختصاراً باسم "ستيم"، "إنها تشعر بالصدمة". وتستطرد كات في حديثها، قائلة: "كنت قد نسيت تقريبا (التهديد السابق بالحظر)، ثم جاء إعلان يوم الخميس فجأة". إلا أنها تضيف أن جزءاً بداخلها كان يتوقع "الأسوأ"، لذا فقد أمضت الأسابيع القليلة الماضية في طلب المشورة من المتخصصين حول كيفية الاستمرار في الإقامة في الولايات المتحدة. لكنها تقول إن جميع الخيارات "مزعجة ومكلفة للغاية" ويبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد استهدفت بالتحديد الصين عندما اتهمت، في بيان لها، جامعة هارفارد "بالتنسيق مع الحزب الشيوعي الصيني". وقد ردت بكين يوم الجمعة منتقدةً ما وصفته بـ "تسييس" التعليم. وقالت إن هذه الخطوة "تضر فقط بصورة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية"، وحثت على سحب الحظر "في أقرب وقت ممكن". ويقول عبد الله شهيد سيال، 20 عاماً، وهو ناشط طلابي باكستاني معروف بأرائه الصريحة: "نحن لم نسجل في الجامعة للدراسة حتى نصل إلى هذا الوضع". وعبد الله هو طالب في السنة الثالثة بجامعة هارفارد وقد تخصص في مجال الرياضيات التطبيقية والاقتصاد، وكان واحداً من اثنين فقط من الطلاب الجامعيين الباكستانيين الذين قُبلوا في جامعة هارفارد في عام 2023. كما أنه كان أول فرد في عائلته يدرس في الخارج، واصفاً هذه اللحظة بأنها كانت "عظيمة" بالنسبة لعائلته. ويضيف أن الوضع الذي وجد نفسه فيه الآن "سخيف وغير إنساني". وقال كل من شريا ميشرا ريدي وعبد الله شهيد سيال، إن الطلاب الأجانب يتقدمون للالتحاق بالجامعات في الولايات المتحدة لأنهم يرونها مكاناً مٌرحبا، وغنياً بالفرص. وتقول شريا: "لديك الكثير لتتعلمه من ثقافات مختلفة، ومن أشخاص من خلفيات متنوعة. وقد قدَّر الجميع ذلك حقاً"، مضيفةً أن تلك كانت تجربتها في هارفارد حتى الآن. لكن عبد الله يقول إن الوضع تغير مؤخراً، ولم يعد يشعر الطلاب الأجانب بالترحيب. فقد ألغت إدارة ترامب المئات من تأشيرات الطلاب. ليس هذا فسحب، بل احتجزت طلاباً من جامعات في جميع أنحاء البلاد. وكان العديد منهم مرتبطاً بالاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين. ويضيف عبد الله أن هناك الآن قدراً كبيراً من الخوف وعدم اليقين داخل مجتمع الطلاب الدوليين. وقد فاقمت التطورات الأخيرة الوضع. وتقول طالبة دراسات عليا من كوريا الجنوبية إنها تُعيد التفكير في العودة إلى وطنها خلال الصيف خوفاً من عدم تمكنها من دخول الولايات المتحدة مجدداً. لم ترغب هذه الطالبة في الكشف عن اسمها خوفاً من أن يؤثر ذلك على فرص بقائها في الولايات المتحدة، ولم يتبقَّ لها سوى عام واحد على التخرج. وقالت إنها قضت فصلاً دراسياً شاقاً، وإن كل ما تتطلع إليه حتى الآن هو "الالتقاء بالأصدقاء والعائلة". ويقول جيانج فانجزهو، الذي يدرس الإدارة العامة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، إن القلق بين الطلاب الأجانب واضح وملموس. ويضيف: "قد نضطر للمغادرة فوراُ، لكن الناس لهم حياة هنا. فهناك إيجارات ودروس ومجتمع. هذه أمور لا يُمكن التخلي عنها بين عشية وضحاها". ولا يقتصر الحظر على الطلاب الحاليين فقط، كما يقول مواطن نيوزيلندي يبلغ من العمر 30 عاماً. ويوضخ: "فكروا في القادمين الجدد، الأشخاص الذين رفضوا بالفعل عروضاً من جامعات أخرى وخططوا حياتهم بناء على عملهم في جامعة هارفارد. إنهم الآن يواجهون المجهول".