
الرياض ودمشق مناصرة شعب وصناعة مستقبل
كعادتها، تقرن المملكة العربية السعودية الأقوال بالأفعال، وتترجم تعهداتها إلى خطوات ملموسة، وتُسرع إلى نجدة الأشقاء في أوقات المحن دون تردد أو كلل. وتجسيدًا لهذا النهج الثابت، واصلت المملكة مؤخراً مدّ يد العون إلى الشعب السوري الشقيق، في إطار رؤية شاملة ترتكز على تعزيز التضامن العربي وتفعيل مبدأ العمل المشترك، بما يخدم استقرار المنطقة ورفاه شعوبها.
فبعد أن بادرت المملكة خلال الأيام الماضية إلى تسديد الالتزامات المالية المترتبة على سوريا لصالح البنك الدولي والبالغة 15 مليون دولار، عادت لتؤكد مجددًا التزامها الإنساني والاقتصادي، بإعلان شراكة مع دولة قطر لتقديم دعم مباشر لموظفي القطاع العام السوري، في خطوة تعبّر عن الإيمان العميق بضرورة مساندة الشعب السوري في هذه المرحلة المفصلية من تاريخه. وما يميّز هذا الدعم السعودي أنه لم يتوقف عند حدود المساعدات المالية أو الإغاثية فحسب، بل اتّسع ليشمل توظيف الأدوات السياسية والدبلوماسية من أجل تمهيد الطريق لعودة سوريا إلى محيطها العربي والدولي. فقد سعت المملكة بجهود حثيثة إلى إنهاء العزلة الدولية التي فُرضت على دمشق نتيجة النظام السابق، عبر تشجيع المجتمع الدولي على تبنّي نهج أكثر انفتاحًا وتعاونًا مع سوريا الجديدة.
وفي هذا السياق، لعبت الدبلوماسية السعودية دورًا حاسمًا، تمثل في حشد الدعم السياسي لإعادة دمج سوريا في المحافل الدولية، وهو ما انعكس في مواقف عدد من القوى العالمية. كما أُعلن خلال مائدة مستديرة في واشنطن نظمتها المملكة بالشراكة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في أبريل الماضي، عن التزام مشترك بدعم جهود سوريا في استعادة مكانتها الاقتصادية والسياسية، وتوفير الدعم اللازم لإعادة بناء مؤسساتها وتطوير قدراتها الوطنية.
ومن جهة أخرى، شكّل الدعم الإنساني السعودي ركيزة أساسية في مسار التعافي السوري. فبمجرد الإعلان عن سقوط النظام السابق، سارعت المملكة إلى تدشين جسر إغاثي جوي وبري، حمل المساعدات الطبية والغذائية وشاحنات الوقود والمستلزمات الطارئة، بهدف تخفيف المعاناة الإنسانية ودعم الاستقرار الاجتماعي، بوصفه مدخلًا أساسياً لتحقيق التنمية وإطلاق عملية إعادة الإعمار.
وقد جاء هذا الدور الإنساني امتدادًا لمواقف المملكة السابقة، حين فتحت أبوابها لاستقبال أكثر من ثلاثة ملايين مواطن سوري خلال سنوات الحرب، وأمرت قيادتها الرشيدة بمعاملتهم معاملة المواطن السعودي، بما في ذلك إدماج أبنائهم في المدارس الحكومية مجانًا، وتقديم الرعاية الصحية والاجتماعية لهم دون تمييز. وهو ما شكّل مظلة حماية إنسانية تعكس التزام المملكة بأخلاقيات الإسلام ومبادئ الأخوة العربية.
ومع انطلاق مسيرة سوريا نحو الاستقرار السياسي، بدأت المؤشرات الاقتصادية بالتحسن، حيث أسهمت الخطوات السعودية بشكل مباشر في تعزيز ثقة الأسواق، وتحسن قيمة العملة السورية، وزيادة تدفق السلع، وعودة تدريجية لحركة المستثمرين، الأمر الذي أوجد مناخًا محفزًا للتعافي الاقتصادي، وأعاد الأمل للسوريين بإمكانية استعادة دورة الحياة الطبيعية.
وفي تطور يعكس هذا الزخم، أعلن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوري أسعد الشيباني، التزام المملكة بمواصلة دعم سوريا في مرحلة إعادة الإعمار، مشيرًا إلى دخول البلدين في مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والاستثماري، تشمل مشاريع في البنية التحتية، الزراعة، الطاقة، وتطوير الخدمات الأساسية، إضافة إلى استعداد وفود اقتصادية سعودية لزيارة دمشق قريبًا لبحث فرص الشراكة على أرض الواقع.
هذا التوجّه المتصاعد يعكس استراتيجية سعودية واضحة، تقوم على تمكين الشعب السوري من تجاوز آثار الحرب وبناء مستقبل مستدام، لا من خلال الإملاءات أو التدخلات، بل بالشراكة والتكامل والاحترام المتبادل. كما أن حرص رجال الأعمال السعوديين على دخول السوق السورية في هذا التوقيت يحمل دلالة قوية على ثقة المملكة بمستقبل سوريا، واستعدادها لأن تكون شريكًا رئيسيًا في نهضتها المقبلة.
وفي ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن السعودية، بفضل سياساتها المتوازنة ومواقفها المبدئية، تؤدي اليوم دورًا محوريًا في إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، وتسهم بفاعلية في استقرار المشرق العربي. فليست المملكة مجرد داعم مرحلي لسوريا، بل صانع سلام واستقرار، حريص على أن تنهض دولة عربية شقيقة من كبوتها وتستعيد دورها الحضاري والتنموي.
فالعلاقة بين السعودية وسوريا لا تُقاس فقط بمستوى الدعم المالي أو السياسي، بل تستند إلى وشائج راسخة من الدين واللغة والتاريخ والمصاهرة، تجعل من مساندة المملكة لسوريا واجبًا أخويًا وإنسانيًا وأخلاقيًا. وهو ما أكده الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، حين عبّر عن امتنانه للمملكة قائلاً: «أفتخر بكل ما فعلته السعودية لأجل سوريا، وهي شريك أصيل في مستقبل بلادنا، وسنعمل معها يدًا بيد من أجل بناء سوريا الحديثة».
وفي خضم التحولات التي تشهدها المنطقة، تثبت المملكة مرة أخرى أنها تنتمي إلى مدرسة البناء لا الهدم، والإعمار لا التخريب، والعمل العربي الموحّد لا الانقسام، مستندة إلى حكمة وإرث تاريخي، وحنكة سياسية، ورؤية تنموية عالمية جسدتها في رؤية 2030، التي جعلت من الاستقرار الإقليمي والتكامل العربي هدفًا استراتيجيًا لا حياد عنه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 12 دقائق
- الشرق الأوسط
توماس برّاك سفير أميركا لدى تركيا... مكانة «فريدة في عالم ترمب»
في تقرير رفعته وزارة الخارجية الأميركية يوم 17 مارس (آذار) 2025، إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، تحت عنوان «شهادة كفاءة مثبتة» لطلب ترشيح توماس برّاك الابن، لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا، كان من المعبِّر أنْ يبدأ بالإشارة إلى أنه «المؤسس والرئيس التنفيذي المتقاعد لشركة (كولوني كابيتال المحدودة)، إحدى أكبر شركات الاستثمار العقاري الخاصة في العالم». كان من الواضح أن هذا التقديم، إنما يشير إلى خطط الرئيس دونالد ترمب منذ اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض، لتغيير هوية «الطبقة السياسية الجديدة»، لتحل محل «الدولة العميقة القديمة»، التي هيمنت على صنع القرار في واشنطن، سواء في السياسات الخارجية أو الداخلية. مثل معظم تعيينات الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمسؤولي إدارته الجديدة، كانت أبرز الاعتبارات في اختيار توماس برّاك «الصداقة» و«الشراكة» و«الولاء»، لا الآيديولوجيا. وبذا انضم إلى مجموعة واسعة من كبار رجال المال والأعمال والمستثمرين، الذين عيَّنهم الرئيس في مناصب حكومية كبيرة، يدركون ويقدِّرون عقد «الصفقات». وهو ما عبَّر عنه برّاك في المنشور الذي كتبه على منصة «إكس»، بعد يوم واحد من لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في تركيا، إثر تكليفه منصب المبعوث الخاص إلى سوريا. كتب أنه سيتولى هذا المنصب لدعم وزير الخارجية ماركو روبيو «في تحقيق رؤية الرئيس» للبلاد: «لقد حدَّد الرئيس ترمب رؤيته الواضحة لشرق أوسط مزدهر، وسوريا مستقرة تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها». توماس برّاك، المولود في مدينة لوس أنجليس يوم 28 أبريل (نيسان) 1947، هو حفيد مهاجرين لبنانيين من الروم الكاثوليك، هاجروا عام 1900 إلى الولايات المتحدة من مدينة زحلة في منطقة البقاع بشرق لبنان. ومع ذلك، لم يكن برّاك يحمل الجنسية اللبنانية، لكنه استعادها لاحقاً، عندما حضر إلى بيروت في يوليو (تمّوز) 2018 برفقة أبنائه ليتسلم وثائق قيده وأولاده. يومذاك جال في مسقط رأس أجداده في منطقة زحلة، والتقى مسؤولين وشخصيات سياسية، عبَّر فيها عن «فرحه وفخره واعتزازه» لاستعادته مع عائلته الجنسية اللبنانية. نشأ برّاك في كلفر سيتي، بولاية كاليفورنيا، حيث كان والده بقالاً وكانت والدته سكرتيرة. وعام 1969، حصل توماس على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة جنوب كاليفورنيا، حيث مارس رياضة الرغبي. ثم التحق بكلية غولد للحقوق في جامعة جنوب كاليفورنيا، حيث كان مُحرِّراً في مجلتها للمحاماة قبل أن يحصل على الإجازة (الدكتوراه) في القانون من كلية الحقوق بجامعة سان دييغو عام 1972. برّاك، الذي لديه من زواج سابق 6 أولاد، تزوج عام 2014 من راشيل روكسبورو لكنهما انفصلا عام 2016. وراهناً تقيم عائلته في لوس أنجلس، كما يمتلك مزرعةً جبليةً مساحتها 1200 فدان بالقرب من سانتا باربرا، بالإضافة إلى مزارع وكروم. كذلك يمتلك مزرعة نيفرلاند التي كانت في السابق منزل النجم الكبير مايكل جاكسون. ويُذكر أنه في عام 2014، اشترى قصراً في ضاحية سانتا مونيكا مقابل 21 مليون دولار، باعه لاحقاً بـ35 مليون دولار، وهذا أعلى سعر لمسكن في تلك المنطقة. وفي عام 2017، اشترى قصراً بقيمة 15.5 مليون دولار في منتجع أسبن الجبلي بولاية كولورادو. كانت أول وظيفة لبرّاك في شركة المحاماة «هربرت كالمباخ»، المحامي الشخصي للرئيس ريتشارد نيكسون. وعام 1972 أرسلته الشركة إلى المملكة العربية السعودية، ثم عمل فيها لدى شركة «فلور». وبعد فترة وجيزة، ساعد على فتح العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وهايتي. ثم عام 1982، شغل منصب نائب وكيل وزارة الداخلية الأميركية في عهد الوزير جيمس وات في إدارة الرئيس رونالد ريغان. ويُقال إن جهاز الخدمة السرّية لحماية الرئيس كان يبيّت خيول الرئيس ريغان في مزرعة برّاك القريبة من مزرعة ريغان في رانشو ديل سييلو. وفي مزرعة برّاك نفسها أعلن وات استقالته من منصبه. شهد عام 1985 أول تعامل بين بّراك ودونالد ترمب عندما باع له حصة قدرها خُمس أسهم متاجر ألكسندر. وفي عام 1988، وافق ترمب على دفع 410 ملايين دولار لبرّاك مقابل الملكية الكاملة لفندق بلازا، ليخسر لاحقاً كلا العقارين في قضية إفلاس. استثمارات مالية وعقاريةفي عام 1990، أسَّس برّاك شركة «كولوني كابيتال المحدودة»، ومقرها مدينة لوس أنجليس باستثمارات أولية من شركات «باس» و«جي إي كابيتال»، ثم «إيلي برود» و«ميريل لينش» و«كو تشين فو». وحقَّق أرباحاً بنسبة 50 في المائة في أول سنتين له من خلال التركيز على العقارات المتعثّرة، بما في ذلك شركة «ريزوليوشن تراست كوربوريشن» الفيدرالية. كذلك استثمر نحو 200 مليون دولار في عقارات بالشرق الأوسط، و534 مليون دولار في قروض عقارية ألمانية متعثرة. ومن خلال «كولوني كابيتال»، بات يدير محفظة أصول بقيمة 25 مليار دولار، تشمل سلسلة فنادق «فيرمونت رافلز هوتيلز إنترناشونال» في آسيا، ومنتجع «الآغا خان» السابق في جزيرة سردينيا بإيطاليا، ومنتجعات «إنترناشونال هولدينغز» ومنتجعات «ون آند أونلي» و«أتلانتس» وغيرها. إبّان الأزمة المالية العالمية عام 2008، تعرّضت شركة «كولوني أميركان هومز» لانتقادات؛ بسبب سوء معاملة المستأجرين، حين رفعت الإيجارات وطردت المستأجرين بأعداد كبيرة، وامتنعت عن صيانة العقارات. وعام 2010، اشترى برّاك 70 مليون دولار من ديون جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب، ليتجنّب كوشنر لاحقاً الإفلاس عندما وافق برّاك على خفض التزاماته بناءً على طلب من ترمب. واعتباراً من سبتمبر (أيلول) 2011، احتل بّراك المرتبة 833 بين أغنى أغنياء العالم، والمرتبة 375 بين أغنى أغنياء الولايات المتحدة، بثروة تقدر بنحو 1.1 مليار دولار، لكنه خسر لقب ملياردير في عام 2014. عام 2016، أيَّد بّراك ترشح دونالد ترمب للانتخابات الرئاسية، وكان بين أبرز المتبرعين لحملته من خلال لجنة العمل السياسي «إعادة بناء أميركا الآن»، التي جمعت 23 مليون دولار. ولاحقاً، أوصى ترمب بتعيين بول مانافورت، أحد أصدقاء بّراك، مديراً لحملته. عام 2017 شغل برّاك منصب رئيس لجنة التنصيب الرئاسية الـ58 المشرفة على تنصيب ترمب، حيث جمع أكثر من 100 مليون دولار، مضاعِفاً الرقم القياسي السابق. وفي مقال نُشر في صحيفة «واشنطن بوست»، علّق برّاك على خطاب ترمب ومقترحاته بحظر المهاجرين من بعض الدول الإسلامية وبناء جدار حدودي مع المكسيك، قائلاً: «إنه أفضل من ذاك». ومع هذا، ينفي برّاك اقتباساً نُسب إليه في كتاب «النار والغضب» الصادر عام 2018، يصف فيه ترمب بـ«الغباء والجنون». وخلال التحقيق الذي قاده روبرت مولر، المحقق الخاص في التدخل الروسي بانتخابات 2016، أجرى مقابلة مع برّاك، لا سيما فيما يتعلق بمانافورت وآخرين في حملة ترمب وفريق ترمب الانتقالي وتمويل حفل تنصيبه، وهو ما عُدّ إشارةً على «مكانة برّاك الفريدة في عالم ترمب»، إذ أدرجه في قائمة الشخصيات التي عفا عنها قبل مغادرته البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2021. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024، عندما رشح ترمب برّاك لشغل منصب السفير لدى تركيا، ركَّزت وزارة الخارجية الأميركية في طلب ترشيحه - خلال مارس (آذار) إلى مجلس الشيوخ - على مهاراته بصفته رجل أعمال، لا مهاراته السياسية والدبلوماسية. وذكرت أن لدى شركته الخاصة «كولوني كابيتال» عمليات في 19 دولة. وقال التقرير إن برّاك بدأ مسيرته المهنية محامياً مالياً شاباً في شركة محاماة دولية كبرى مُكلَّفة تمويل مشروعات لشركات «فلور» و«بكتل» و«أرامكو» في المملكة العربية السعودية، ثم أصبح الرئيس التنفيذي لشركة «دان الدولية»، وهي شركة تطوير عقاري كبرى. ثم شغل منصب نائب الرئيس الأول في شركة «إي إف هاتون» في «وول ستريت» بنيويورك. بعد ذلك، أصبح برّاك مديراً رئيساً في مجموعة «روبرت إم باس»، وهي الذراع الاستثمارية الرئيسية للشركة في مدينة فورت وورث، بولاية تكساس. ورأى تقرير «الخارجية» أنه، «بصفته قائداً لشركة ذات انتشار عالمي، يتمتع السيد برّاك بخبرة واسعة في التعامل مع القضايا التجارية والحكومية والقانونية والثقافية في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا». وأردف: «قدرته المُثبتة قائداً ومديراً في بيئات مُعقدة تجعله مرشحاً مؤهلاً تماماً لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا»، لافتاً إلى أنه حاز كثيراً من الجوائز، منها «وسام جوقة الشرف» من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ودكتوراه فخرية في القانون من جامعة بيبرداين الخاصة الراقية في كاليفورنيا، وأنه يتكلم بعض الإسبانية والفرنسية والعربية. أخيراً، عام 2021، بعد تسلم الرئيس الديمقراطي جو بايدن السلطة، وُجِّهت إلى برّاك وشريكه في الأعمال ماثيو غرايمز يوم 20 يوليو (تموز)، تهمة العمل بتوجيه من قوة أجنبية، وعرقلة العدالة، والإدلاء بتصريحات كاذبة لجهات إنفاذ القانون. وسُجن لمدة يومين قبل إطلاق سراحه بكفالة قدرها 250 مليون دولار مضمونة بخمسة ملايين دولار نقداً. وفي مايو (أيار) 2022 وُسِّعت لائحة الاتهام لتشمل مزاعم سعي برّاك للحصول على استثمارات بمئات الملايين من الدولارات لجهات أجنبية للضغط بشكل غير قانوني على إدارة ترمب نيابة عنها. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2022، بعد مقابلة مع محقق من وزارة الخارجية، أُجريت لتحديد ما إذا كان برّاك سيشكل تهديداً للأمن القومي سفيراً أم لا، خلص التحقيق إلى تبرئته وغرايمز.


الشرق الأوسط
منذ 12 دقائق
- الشرق الأوسط
هل يستطيع برَّاك التوفيق بين مهمتيه في أنقرة ودمشق؟
عُدَّت تصريحات توم برَّاك التي انتقد فيها «اتفاقية سايكس - بيكو» التي فيها «فرض الغرب خرائط وانتدابات وحدوداً وحكماً أجنبياً»، ودعوته إلى «مستقبل ينتمي إلى الحلول الإقليمية، إلى الشراكات، وإلى دبلوماسية تقوم على الاحترام وليس عبر الجنود والمحاضرات أو الحدود الوهمية»، نظرة أميركية أكثر شمولاً تجاه المنطقة ومستقبلها. ورأى البعض أنها تعكس خطط إدارة دونالد ترمب لبناء شراكات مبنية على مصالح اقتصادية تمهد لعصر جديد تنخرط فيه قواها الإقليمية بعلاقات تشاركية وتنافسية تديرها مظلة سياسية تضبط تصادمها. ولكن ما هي حظوظ برَّاك في النجاح بمهمته الجديدة، كمبعوث خاص لسوريا مع منصبه سفيراً لتركيا، والأدوار التي ستلعبها أنقرة مع دول المنطقة، وخصوصاً السعودية ودول الخليج في إعادة بناء سوريا الجديدة؟ يرى مراقبون أن تعيينه يشير إلى تحوّل كبير في السياسة، يعكس اعتراف واشنطن بتزايد نفوذ تركيا الإقليمي، وبخاصة بعدما حضر برَّاك لاحقاً اجتماعاً أميركياً تركياً رفيع المستوى في واشنطن، كان فيه تخفيف العقوبات واستراتيجيات مكافحة الإرهاب على جدول الأعمال. وهنا يقول ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترمب الأولى، إن المنصبين «يتطلبان دواماً كاملاً»، ويعتقد أنه «سيكون من الصعب التوفيق بينهما». ورغم استغراب شينكر الكلام حول مسؤولية سايكس-بيكو عن الفوضى في المنطقة، قال إن دعوة برَّاك إلى تقليص التدخل الغربي في المنطقة وتبني حلول محلية أكثر، موقفٌ يدعمه ترمب في ولايته الثانية. وحقاً، أشارت زيارة برَّاك السريعة إلى دمشق حيث رفع العلم الأميركي فوق مقر إقامة السفير الأميركي في دمشق لأول مرة منذ أكثر من عقد، إلى محاولة لبناء المزيد من الزخم نحو تحسين العلاقات بين واشنطن ودمشق الجديدة. وفي تصريحاته بعد لقاء الرئيس أحمد الشرع ومسؤولين سوريين آخرين، كرّر برَّاك عبارة أخرى أطلقها ترمب أخيراً لحثّ سوريا على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قائلاً إنها «مشكلة قابلة للحل». وتابع: «يبدأ الأمر بحوار... أعتقد أننا بحاجة للبدء باتفاقية عدم اعتداء فقط، والحديث عن الحدود». ويوم الأربعاء الماضي بحث برَّاك خلال لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس الوضع في سوريا والمنطقة. وقال على منصة «إكس»، إن الرئيس الأميركي يرى وجوب ألا تكون سوريا منصة لأي دولة أخرى لتهديد جيران سوريا، بما في ذلك إسرائيل. ونقلت صحيفة «الجيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن مصدر مطلع قوله إن مباحثات برَّاك ستركز على الوضع في سوريا والتوترات الراهنة بين إسرائيل وتركيا. وقال برَّاك نفسه: «هدف أميركا ورؤية الرئيس هو منح هذه الحكومة الفتية فرصة من خلال عدم التدخل، وعدم المطالبة، وعدم وضع الشروط، وعدم فرض ثقافتنا على ثقافتكم». وأضاف إن إدارة ترمب سترفع تصنيف واشنطن لسوريا كدولة راعية للإرهاب الذي استمر لسنوات، وتابع: «الحمد لله، انتهت قضية الدولة الراعية للإرهاب مع انتهاء نظام الأسد». للعلم، كانت العلاقات الأميركية مع سوريا مجمدة منذ عام 2011، ودفع العنف واشنطن إلى إغلاق سفارتها في عام 2012، وفرض مزيد من العقوبات على نظام الأسد. وعمل المبعوثون الأميركيون إلى سوريا من الخارج، ولم يزوروا دمشق لأكثر من عقد من الزمان.


الشرق الأوسط
منذ 13 دقائق
- الشرق الأوسط
كيف تؤثر عمليات «حماس» العسكرية على مسار التهدئة في غزة؟
تطرح العمليات العسكرية النوعية، التي تنفذها حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» ضد جنود إسرائيليين في قطاع غزة، تساؤلات حول مدى تأثيرها على مسار مفاوضات التهدئة، وفرص الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع. ويرى مراقبون أن عمليات المقاومة الفلسطينية تشكل «ورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية للقبول باتفاق وقف إطلاق النار»، وأشاروا إلى أن «استمرار العمليات العسكرية قد يدفع الجانب الإسرائيلي للتخلي وقبول مسار التهدئة، خصوصاً مع تزايد ضغوط الشارع». وما زالت الوساطة، التي تقودها مصر وقطر وأميركا من أجل إبرام اتفاق تهدئة في غزة، تواجه تعثر. وفي الآونة الأخيرة تواترت عمليات المقاومة في رفح وخان يونس بالمناطق الشرقية لمدينة غزة، وكذلك في بيت حانون وبيت لاهيا، شمال القطاع، ما أسفر عن مقتل وجرح العديد من الجنود الإسرائيليين. جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز) وأعلنت كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، استهداف جنود إسرائيليين ودبابات وجرافات عسكرية إسرائيلية، هذا الأسبوع، في عدة مناطق بالقطاع، ما أسفر عن سقوط ضحايا إسرائيليين. وتأتي العمليات العسكرية لحركة «حماس»، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على مناطق بقطاع غزة، منذ كسر الحكومة الإسرائيلية اتفاق الهدنة، في 19 مارس (آذار) الماضي. وفي 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، توصلت «حماس» وإسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بجهود من الوسطاء الدوليين (مصر والولايات المتحدة وقطر)، وكان من المقرر أن تستمر المرحلة الأولى من الاتفاق لمدة 42 يوماً، تجرى خلالها مفاوضات لتنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة، غير أن الجانب الإسرائيلي استأنف عملياته العسكرية مرة أخرى في القطاع، بعد نهاية المرحلة الأولى. ويعتقد رئيس «الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني»، صلاح عبد العاطي، أن عمليات المقاومة الفلسطينية «تُسرع من عملية التهدئة في قطاع غزة، خصوصاً مع استمرار الضغوط الدولية والعربية الداعمة لحقوق الفلسطينيين ووقف العدوان». وأوضح عبد العاطي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «استمرار العمليات العسكرية يشكل ورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية، من خلال ضغوط واحتجاجات الشارع الإسرائيلي، بسبب خسائر الحرب المستمرة على تل أبيب». وأشار إلى أن «ارتفاع تكلفة الحرب على الحكومة الإسرائيلية يدفعه لإعادة النظر في سياسات إطالة العدوان». وأمام استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تمتلك «حماس» أوراق ضغط على الجانب الإسرائيلي، وفق عبد العاطي، من بينها «ورقة المحتجزين الإسرائيليين، والمقاومة، مع الضغوط الدولية والعربية». وكانت «حماس» قد احتجزت نحو 250 شخصاً من إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، وتقول الحكومة الإسرائيلية إن 57 محتجزاً ما زالوا في غزة حتى الآن. فلسطينيون نازحون يتلقون مساعدات من «مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة أميركياً في رفح جنوب غزة (أ.ف.ب) وإذا كانت العمليات العسكرية تشكل ورقة ضغط على صانع القرار الإسرائيلي، فإن أستاذ العلاقات الدولية الدكتور طارق فهمي «لا يراها كافية لدفع جهود التهدئة»، وقال إنها «قد تكون محفزاً فقط لمسار وقف إطلاق النار، من خلال ضغوط الشارع الإسرائيلي على حكومة نتنياهو للتعجيل باتفاق وقف إطلاق النار». ويعتقد فهمي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن العمليات العسكرية للحركة «لن تكون المحرك الوحيد الذي يمكن التعويل عليه في مسار التهدئة»، وأعاد ذلك إلى أن «تأثيرها محدود على الجانب الإسرائيلي»، ورجّح أن «تستجيب إسرائيل و(حماس) قريباً، لمقترح المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف (المعدل)، لوقف إطلاق النار في غزة». وطرح ويتكوف أخيراً اقتراحاً لوقف إطلاق النار في غزة، يقضي بفرض هدنة 60 يوماً، ومبادلة 28 من أصل 57 محتجزاً، لا يزالون محتجزين في غزة، مقابل أكثر من 1200 أسير ومعتقل فلسطيني، إلى جانب إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع. وتواجه عملية وقف إطلاق النار في غزة صعوبات، حيث تقول «حماس» إنها لن تفرج عن الرهائن المتبقين إلا إذا وافقت إسرائيل على إنهاء الحرب، بينما يتعهد نتنياهو بعدم إنهاء الحرب إلا بعد نزع سلاح «حماس» والقضاء عليها في غزة. وفي اعتقاد فهمي، أن إسرائيل «ستركز الفترة المقبلة على تطورات الأوضاع في جنوب لبنان، وعلى جبهة اليمن، بعد تكرار قصف جماعة الحوثيين اليمنية»، عادّاً ذلك من التطورات التي «قد تدفع الحكومة الإسرائيلية للتهدئة حالياً في غزة».