
هكذا تتبنى الدعم السريع "نموذج الإبادة الجماعية" الإسرائيلي بالسودان
نشر موقع الجزيرة الانجليزية تقريرا للكاتب مات ناشد، شرح فيه أن طرق تنفيذ وتبرير مليشيا الدعم السريع انتهاكاتها، خاصة بدارفور، تشبه طرق وتبريرات إسرائيل، ما دفعه إلى القول "إن الدعم السريع تتبنى النموذج الإسرائيلي"، وهذا ما جاء في التقرير.
في 11 أبريل/نيسان، اقتحمت مليشيا الدعم السريع معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور ، حيث أحرقت الأكواخ والمتاجر، وأعدمت المسعفين، وأطلقت النار على المدنيين الفارين.
وبحسب مراقبين، قُتل ما لا يقل عن 500 شخص من رجال ونساء وأطفال وكبار سن وهُجّرت مئات الآلاف.
أثار ذلك الهجوم غضبا عالميا، مما دفع قوات الدعم السريع إلى تكثيف دعايتها التي روجت لها منذ شهور، بأن معسكر زمزم لم يكن سوى ثكنة عسكرية.
وقال مستشار قوات الدعم السريع، علي مسبل، لقناة الجزيرة: "زمزم كانت منطقة عسكرية.. لذلك قررت قوات الدعم السريع أنه ينبغي علينا إجلاء المدنيين"، دون أن يقدم دليلا على ذلك. وأضاف: "لم نكن نريد أن يُصاب المدنيون بنيران متبادلة".
واعتبر المحامي السوداني في مجال حقوق الإنسان، رفعت مكاوي، أن تصنيف زمزم كمنطقة عسكرية هو محاولة لتطبيق نفس النموذج الذي تستخدمه إسرائيل لتبرير قصف المستشفيات والمدارس في غزة.
وقال للجزيرة: "هذا ليس مصادفة، بل ممارسة متعمدة تهدف إلى تجريد المدنيين من الحماية القانونية من خلال تصنيفهم كمقاتلين أو أدوات حرب".
نموذج للإبادة الجماعية
خلال الحرب الأهلية السودانية، استخدمت قوات الدعم السريع مصطلحات تنتمي إلى خطاب حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وهو الإطار القانوني المصمم لحماية المدنيين في أوقات الحرب، لتنفيذ فظائعها.
وقد استخدمت إسرائيل هذا النهج سنوات، لتجنب الانتقادات بسبب قتلها واضطهادها الفلسطينيين، بحسب خبراء قانونيين. ومنذ أن شنت حربها على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كثفت هذا النهج.
فإسرائيل تزعم أن المستشفيات في غزة هي "مراكز قيادة وتحكم" تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مبررة بذلك مهاجمتها، رغم أن القانون الإنساني الدولي يحظر استهداف المرافق الصحية.
كما تدّعي إسرائيل أن حماس تختبئ بين المدنيين وتستخدمهم "دروعا بشرية"، لتبرير الهجمات غير المتناسبة والمتعمدة على المدنيين.
كما وصفت عمليات التهجير الجماعي بأنها "إجلاءات إنسانية"، رغم أن الناس يُجبرون على مغادرة منازلهم خلال ساعات قليلة للنجاة من القصف الإسرائيلي، إن استطاعوا.
وتتهم منظمات حقوق الإنسان وخبراء أمميون إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في حربها التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 52 ألفا و567 فلسطينيا.
ويقول مراقبون محليون وخبراء قانونيون، إن قوات الدعم السريع بدأت تتبنى هذه الإستراتيجية الإسرائيلية.
التشابه بين مزاعم إسرائيل والدعم السريع
وقال لويغي دانييلي، أستاذ القانون الإنساني الدولي في كلية نوتنغهام للقانون: "إن التشابه بين مزاعم قوات الدعم السريع في السودان ومزاعم إسرائيل في غزة يكشف عن نشوء نموذج يرتكز على الإبادة الجماعية أو الإبادة الجماعية الفعلية".
وتتهم الأمم المتحدة طرفي الصراع في السودان -قوات الدعم السريع والجيش السوداني- بارتكاب جرائم جسيمة مثل قتل وتعذيب أسرى الحرب منذ اندلاع النزاع في أبريل/نيسان 2023.
لكن منظمات حقوقية تتهم قوات الدعم السريع تحديدا بارتكاب فظائع إضافية، بما فيها الإبادة الجماعية ضد المجتمعات "غير العربية" في دارفور.
من الجنجويد إلى خطاب حقوق الإنسان
نشأت قوات الدعم السريع من المليشيات "العربية" الرعوية التي عُرفت باسم " الجنجويد" -أي "الجن على ظهر الجواد" باللهجة السودانية- بسبب الفظائع التي ارتكبتها.
وظلت قوات الدعم السريع والجيش السوداني متحالفين حتى عام 2021 تقريبا، عندما نفذا انقلابا على الحكومة المدنية الانتقالية بعد إطاحة الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
وبعد الانقلاب، وقعت قوات الدعم السريع مذكرة تفاهم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتلقي تدريب على حقوق الإنسان.
واليوم، يستخدم قادة قوات الدعم السريع وحلفاؤهم السياسيون مصطلحات حقوقية لتبييض جرائمهم.
ففي 8 مارس/آذار، نشر تحالف "تأسيس" -وهو تحالف سياسي مدعوم من قوات الدعم السريع- تغريدة قال فيها: "نقف متضامنين مع النساء السودانيات في محنتهن الأخيرة، حيث واجهن ظروفا مأساوية وتعرضن لانتهاكات مروعة بسبب هذه الحرب الظالمة".
لكن التغريدة لم تشر إلى تقارير من " هيومن رايتس ووتش" و" منظمة العفو الدولية" تتهم قوات الدعم السريع بارتكاب اغتصاب واسع النطاق خلال الحرب.
وأثناء مداهمة زمزم، أفادت "المبادرة الإستراتيجية للنساء في القرن الأفريقي" -وهي جهة محلية تراقب العنف الجنسي- أن قوات الدعم السريع اختطفت 25 امرأة وفتاة واغتصبت أخريات.
وقال المحامي رفعت مكاوي: "ما أراه اليوم في دارفور، وخاصة في زمزم، ليس مجرد انتهاك للقانون الإنساني، بل دليل على تشويهه وتحويله إلى غطاء لارتكاب أفظع الجرائم".
إتمام الإبادة الجماعية؟
نشأ معسكر زمزم عام 2003 على بعد 15 كم من عاصمة شمال دارفور، الفاشر ، لإيواء مجتمعَي الزغاوة والفور "غير العربيين" الفارين من العنف في حرب دارفور الأولى.
إعلان
وقد تعرض هذان المجتمعان إلى مستويات من العنف ترقى إلى الإبادة الجماعية، وطُردوا من أراضيهم على يد الجنجويد المدعومة من الدولة، حتى أصبح زمزم رمزا للفظائع.
وسكن في المخيم نحو 350 ألف شخص، وارتفع العدد إلى أكثر من نصف مليون مع تصاعد الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع التي سيطرت على جنوب وشرق وغرب ووسط دارفور أواخر 2023.
وفي أبريل/نيسان 2024، حاصرت قوات الدعم السريع مدينة الفاشر والبلدات المجاورة، بعدما انحازت "القوات المشتركة" -وهي تحالف من الجماعات المسلحة "غير العربية"- إلى الجيش.
وبسبب العداء التاريخي لقوات الدعم السريع تجاه المجموعات "غير العربية"، خشي المقاتلون من عمليات قتل جماعي إذا استولت القوات على الولاية بأكملها.
وقد منعت قوات الدعم السريع وصول المساعدات من أي جهة لا تبايعها، مما أدى إلى مجاعة في زمزم. وبينما كان المدنيون يموتون جوعا، بدأت قوات الدعم السريع تروج لفكرة أن زمزم "قاعدة عسكرية"، تمهيدا لهجومها.
وقال مصعب، وهو رجل نجا من المذبحة في زمزم ويعيش الآن في بلدة طويلة المجاورة: "الادعاء بوجود قاعدة عسكرية في زمزم غير صحيح أبدا.. كان هناك أشخاص يقومون بدور الشرطة، لكن لم يكن هناك أي قادة عسكريين".
وقال مستشار قوات الدعم السريع، علي مسبل، إن عدد القتلى المدنيين الكبير يعود إلى أن "القوات المشتركة استخدمتهم دروعا بشرية"، دون أن يقدم دليلًا.
كما قلدت قوات الدعم السريع تكتيك إسرائيل في تنفيذ عمليات التهجير الجماعية تحت غطاء "الإنسانية".
فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دفعت إسرائيل 2.3 مليون فلسطيني إلى مناطق ضيقة تدريجيا، وصفتها بأنها "مناطق آمنة" في غزة.
ثم تقصف هذه المناطق أو تجتاحها، وتزعم أنها أصبحت "أهدافا عسكرية" بسبب وجود عنصر من حماس.
وقال دانييلي من كلية نوتنغهام: "ما فعلته إسرائيل في غزة في الحقيقة هو إصدار أوامر تهجير جماعي تحت التهديد بالإبادة، وهو إعلان نية ارتكاب جرائم دولية".
وفي 11 أبريل/نيسان، نشرت "تأسيس" منشورا على فيسبوك تدعو فيه المدنيين إلى مغادرة زمزم عبر "ممرات إنسانية" إلى بلدات مثل طويلة وكورما.
لكن في 27 أبريل/نيسان، ظهر قائد من قوات الدعم السريع في فيديو -تم التحقق من صحته بواسطة وحدة "سند" في الجزيرة- يعلن اعتقال مجموعة من المدنيين غير المسلحين الذين فروا من زمزم عبر أحد هذه الممرات.
وقال إن هؤلاء وقفوا ضد "إخوتهم في دارفور" وانحازوا للنخب التقليدية المتمثلة في قبائل "الجلابة العرب" التي تهيمن على الجيش والسلطة في وسط وشمال السودان، وأضاف أنهم قد يقتلونهم "ليكونوا عبرة لغيرهم".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 17 دقائق
- الجزيرة
55 ألف سوداني يدخلون تشاد جراء تصاعد العنف شمال دارفور
قالت الأمم المتحدة اليوم الثلاثاء إن أكثر من 55 ألف لاجئ سوداني دخلوا تشاد منذ تصاعد العنف شمال دارفور (غربي السودان) في أبريل/نيسان الماضي. وأعربت المنظمة عن قلقها إزاء ما سمته "تدهور الوضع الإنساني في شرق تشاد"، بسبب تدفق اللاجئين والعائدين من السودان والنقص الحاد في التمويل. ونقلت عن العاملين في المجال الإنساني وصول أكثر من 55 ألف لاجئ سوداني و39 ألف عائد تشادي في ولايتي إنيدي الشرقية ووادي فيرا شرق البلاد. وأوضحت أن هذا الرقم ينضاف إلى حوالي مليون شخص لجأوا إلى ولايات شرق تشاد منذ اندلاع الأزمة السودانية في أبريل/نيسان 2023. وأرجع المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك دخول عدد كبير من السودانيين إلى تشاد أساسا إلى "سياسة الباب المفتوح السخية" التي انتهجتها الحكومة التشادية. وقال دوجاريك -خلال إيجاز صحفي في نيويورك- إن القدرة الاستيعابية الحالية لمواقع الاستقبال غير كافية إلى حد كبير لتلبية حجم الاحتياجات، مضيفا أن معظم الوافدين الجدد هم من النساء والأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية. فجوة تمويلية وأكد المتحدث الأممي أن موقع "تيني" للعبور الذي يتسع لـ 500 شخص يستضيف حوالي 20 ألفا منتشرين في جميع أنحاء الموقع وينامون في العراء في انتظار نقلهم بعيدا عن المنطقة الحدودية. وذكر أن سكان المنطقة بحاجة ماسة إلى الغذاء والمأوى والمياه وخدمات الصرف الصحي والنظافة والرعاية الصحية وخدمات الحماية للناجين من العنف، مشيرا إلى أنه مع توفير ألفي مأوى من أصل 13 ألف و500 مأوى مطلوب وطبيب واحد فقط لـ44 ألفا في بعض المناطق، "تبرز الفجوة التمويلية الكبيرة والحاجة الملحة لزيادة الدعم الدولي، لا سيما مع اقتراب موسم الأمطار". وأوضحت الأمم المتحدة أن شركاءها قدموا منذ منتصف أبريل/نيسان مساعدات طارئة شملت بناء مئات الملاجئ العائلية، وتوزيع الطعام على أكثر من 6 آلاف شخص، وتوفير الأدوية لتغطية احتياجات 20 ألف شخص. وشددت المنظمة على أنه حتى اليوم لم تمول خطة الاستجابة الإنسانية لتشاد البالغة قيمتها 1.4 مليار دولار إلا بنسبة 7%، أي ما يعادل 99 مليون دولار فقط.


الجزيرة
منذ 42 دقائق
- الجزيرة
تعيين رئيس وزراء مدني.. هل يمهّد لعودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي؟
في أول تعليق رسمي له على تعيين كمال إدريس رئيسًا للوزراء في السودان، رحب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف بهذه الخطوة، واصفًا إياها بأنها تمثل تطورًا مهما على طريق تحقيق الحكم الشامل واستعادة النظام الدستوري في البلاد. واعتبر المسؤول الأفريقي أن تعيين إدريس يشكّل مؤشرًا إيجابيا يمكن أن يسهم بصورة ملموسة في الجهود الجارية لإعادة بناء الحكم الديمقراطي في السودان، داعيًا جميع الأطراف السودانية إلى مضاعفة جهودها من أجل إنجاح عملية الانتقال السياسي، بما يضمن أن تكون بقيادة مدنية. ويُعيد هذا الموقف الأمل مجددًا بإمكانية رفع تعليق عضوية السودان في المنظمة، وهي العضوية التي جمدها الاتحاد بعد أن اعتبر الإجراءات التي قام بها قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 انقلابا عسكريا أطاح بالحكومة الانتقالية المدنية التي كان يرأسها عبد الله حمدوك. رفض إعادة العضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي، في بيانه الصادر غداة ما حدث في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أكد أن عضوية السودان ستظل معلقة حتى تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية واستعادة النظام الدستوري، ومنذ ذلك الحين رفض الاتحاد كافة المطالب السودانية بالعودة، لا سيما أن هذا التعليق يعد الثاني من نوعه، بعد قرار مماثل في عام 2019 عقب الإطاحة بعمر البشير. وفي مسعى لإيجاد حل سياسي وعودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي، كثّف الاتحاد جهوده عبر خطوات متعددة، شملت التواصل مع الأطراف السودانية على مستويات مختلفة، ووضع خارطة طريق وتشكيل لجنة خاصة لدعم جهود حل الأزمة. ومع ذلك، أبقى الاتحاد الأفريقي على قرار تعليق عضوية السودان، باعتباره أداة ضغط لحثّ الأطراف المعنية على التوصل إلى تسوية سياسية شاملة. ومن أبرز خطوات الاتحاد الأفريقي في هذا المسار، إعلانه في يناير/كانون الثاني 2024 تشكيل لجنة رفيعة المستوى معنية بالشأن السوداني، تضم 3 دبلوماسيين أفارقة بارزين برئاسة محمد بن شمباس، وقد جاءت هذه اللجنة بتفويض من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد، بهدف العمل مع الأطراف السودانية كافة لتيسير عملية سياسية شاملة تقود إلى ترتيبات انتقالية جديدة تحظى بقبول الاتحاد الأفريقي. وفي أبريل/نيسان 2024، اعتمد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي خارطة الطريق التي أعدّها لحل النزاع في السودان. وتضمنت هذه الخطة 6 محاور رئيسية شملت خطوات لوقف إطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق مفاوضات شاملة، وصولًا إلى انتقال نهائي نحو حكم دستوري مستقر. وفي يونيو/حزيران 2024، رفع الاتحاد الأفريقي مستوى التعامل مع الأزمة السودانية إلى أعلى درجات الاهتمام السياسي، حيث عقد مجلس السلم والأمن اجتماعًا استثنائيا على مستوى رؤساء الدول والحكومات خُصص بالكامل لمناقشة الوضع في السودان، وشدد مسؤولو الاتحاد الأفريقي حينئذ على أن رفع التعليق لن يتم إلا بعد تشكيل سلطة انتقالية مدنية تُلبي متطلبات الحكم الديمقراطي. قنوات دبلوماسية مفتوحة ورغم تعليق العضوية، أبقى الاتحاد الأفريقي قنواته الدبلوماسية مفتوحة، إذ أجرى مجلس السلم والأمن زيارة ميدانية للسودان في أكتوبر/تشرين الأول 2024، والتقى أعضاؤه في بورتسودان بالقادة السياسيين وممثلي المجتمع المدني لتقييم الوضع عن قرب. وخلال اللقاء، شدد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان مطالبته برفع تعليق عضوية السودان، مشيرًا إلى وجود خطة انتقالية بحاجة لدعم الاتحاد، إلا أن الاتحاد الأفريقي اكد أن استعادة العضوية مشروطة باستيفاء المتطلبات. وفي أواخر عام 2024، أعلن مجلس السلم والأمن الأفريقي عن تشكيل لجنة رئاسية خاصة بالشأن السوداني، تضم عددًا من رؤساء الدول، بهدف تكثيف الجهود الدبلوماسية وتعزيز الانخراط السياسي الرفيع المستوى مع السودان، وقد تقرر أن يترأس اللجنة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وتضم في عضويتها رؤساء 5 دول آخرين، غير أن اللجنة، على الرغم من أهمية تفويضها، لم تمارس أي دور ملموس حتى الآن. وفي 14 فبراير/شباط 2025، وعلى هامش القمة الأفريقية، عقد مجلس السلم والأمن الأفريقي اجتماعا على مستوى رؤساء الدول والحكومات، خُصص لمراجعة تطورات الوضع في السودان، في حين أكد البيان الختامي الالتزام بجميع القرارات السابقة للاتحاد الأفريقي بشأن السودان، بما في ذلك شروط استعادة العضوية ومقتضيات الانتقال المدني. وفي مارس/آذار 2025، شهدت علاقات الاتحاد الأفريقي بالسودان تطورًا لافتًا، حيث دُعي ممثل السودان للتواصل مع مجلس السلم والأمن الأفريقي، رغم استمرار تجميد العضوية، وقد سُمح للسفير الزين إبراهيم، المندوب الدائم للسودان لدى الاتحاد الأفريقي، بإلقاء كلمة خلال جلسة خُصصت لمناقشة أوضاع الدول المعلقة عضويتها، في سابقة هي الأولى منذ قرار تعليق عضوية السودان في أكتوبر/تشرين الأول 2021. ودعا السفير الزين إبراهيم أعضاء المجلس إلى إعادة النظر في سياسة التعليق الشامل، مشيرًا إلى ضرورة مراعاة خصوصية أوضاع كل دولة، محذرًا من أن العزلة العقابية قد تؤدي إلى تعقيد الأزمات بدلًا من حلها. ورغم عدم اتخاذ قرار بإعادة عضوية السودان، فإن السماح له بالمشاركة يُعد مؤشرًا على انفتاح نسبي للحوار من جانب الاتحاد الأفريقي. متطلبات عودة العضوية تعليقا على ترحيب رئيس المفوضية الأفريقية بتعيين رئيس وزراء مدني في السودان، اعتبر كيرام تادسي، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي، أن هذا يُعد إشارة إلى إحراز بعض التقدم نحو تلبية متطلبات القيادة المدنية في السودان. وأوضح تادسي في حديث للجزيرة أن التأسيس الفعلي لسلطة مدنية لا يقتصر على تعيين شخصيات مدنية، بل يتطلب سيطرة حقيقية على مؤسسات الدولة بعيدا عن العسكريين. وأشار تادسي إلى أن القيادة الجديدة للاتحاد الأفريقي أظهرت مرونة في التعامل مع الأزمات السياسية بالقارة، وهو ما تجلّى في قرار رفع تعليق عضوية الغابون مطلع مايو/أيار الجاري، رغم أنها لم تستوفِ جميع الشروط بشكل كامل. وبناء على ذلك، يرى أن هناك تفاؤلًا حذرًا بشأن إمكانية عودة السودان للاتحاد الأفريقي، لكن الخطوة ستظل مرهونة بإحراز تقدم فعلي نحو وقف الحرب وتحقيق السلام والتزام جاد من جميع الأطراف السودانية المنخرطة في الحوار وجهود التسوية، بهدف الوفاء الكامل بشروط الاتحاد الأفريقي.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
رسالة غارقة في الدماء من أميركا
الإبادة الجماعية في غزة ليست أمرًا غريبًا. إنها توضح شيئًا أساسيًا عن الطبيعة البشرية، وهو نذير مرعب للمكان الذي يتجه إليه العالم. يبعد معبر رفح الحدودي إلى غزة، حوالي 200 ميل عن مكاني الحالي في القاهرة. ترقد في الرمال القاحلة لشمال سيناء بمصر نحو 2000 شاحنة، محملة بأكياس الطحين، وخزانات المياه، والطعام المعلّب، والإمدادات الطبية، والأغطية البلاستيكية، والوقود. تقف هذه الشاحنات خاملة تحت الشمس الحارقة. على بعد أميال قليلة في غزة، يُذبح عشرات الرجال والنساء والأطفال يوميًا بالرصاص والقنابل، والغارات الصاروخية، وقذائف الدبابات، والأمراض المعدية، وذلك السلاح الأقدم في الحصار: المجاعة. واحد من كل خمسة أشخاص يواجه خطر المجاعة بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحصار الإسرائيلي على الغذاء والمساعدات الإنسانية. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أطلق هجومًا جديدًا يقتل أكثر من 100 شخص يوميًا، أعلن أن لا شيء سيعيق هذه "الضربة النهائية" التي أطلق عليها اسم "عربات جدعون". وقال إنّه "لا يوجد أي سبيل" لوقف الحرب، حتى لو أُعيد الرهائن الإسرائيليون المتبقون. وأضاف: "إسرائيل تدمر المزيد والمزيد من المنازل" في غزة. والفلسطينيون "ليس لديهم مكان يعودون إليه". وفي اجتماع مغلق تم تسريبه مع مشرعين، قال نتنياهو: "النتيجة الحتمية الوحيدة ستكون رغبة الغزيين في الهجرة خارج قطاع غزة. لكن مشكلتنا الرئيسية تكمن في إيجاد دول تقبلهم". لقد تحوّل الشريط الحدودي البالغ طوله تسعة أميال بين مصر وغزة إلى خط فاصل بين الجنوب العالمي والشمال العالمي، خط يقسم بين عالم عنف صناعي وحشي، وصراع يائس يخوضه من تخلّت عنهم الأمم الأغنى. يمثل هذا الخط نهاية عالم تُحترم فيه القوانين الإنسانية، والاتفاقيات التي تحمي المدنيين، وأبسط الحقوق الأساسية. لقد دخلنا كابوس هوبزي (نسبة إلى توماس هوبز)، حيث يسحق الأقوياء الضعفاء، ولا يُستبعد فيه أي فظاعة، حتى الإبادة الجماعية، حيث تعود العرقية البيضاء في الشمال العالمي إلى وحشية استعمارية منفلتة من كل قيد، تكرس قرونًا من النهب والاستغلال. إننا نعود زاحفين إلى أصولنا، الأصول التي لم تغادرنا قط، بل اختبأت خلف وعود جوفاء عن الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. النازيون هم كبش الفداء المريح لتراثنا الأوروبي والأميركي المشترك من المجازر الجماعية، كما لو أن الإبادات الجماعية التي نفذناها في الأميركتين وأفريقيا والهند لم تحدث قط، مجرد هوامش غير مهمة في تاريخنا الجماعي. في الواقع، الإبادة الجماعية هي عملة الهيمنة الغربية. بين عامي 1490 و1890، كانت الاستعمارية الأوروبية، بما في ذلك أعمال الإبادة الجماعية، مسؤولة عن مقتل ما يصل إلى 100 مليون من السكان الأصليين، وفقًا للمؤرخ ديفيد إي. ستانارد. ومنذ عام 1950، وقعت قرابة عشرين إبادة جماعية، بما في ذلك في بنغلاديش، وكمبوديا، ورواندا. الإبادة الجماعية في غزة ليست استثناء، بل هي جزء من نمط متكرر. إنها نذير لإبادات جماعية قادمة، خاصة مع انهيار المناخ واضطرار مئات الملايين إلى الهرب من الجفاف والحرائق والفيضانات، وتراجع المحاصيل، وانهيار الدول والموت الجماعي. إنها رسالة غارقة في الدماء منّا إلى بقية العالم: لدينا كل شيء، وإذا حاولتم أخذه منا، فسوف نقتلكم. غزة تدفن كذبة التقدم البشري، وتدحض الأسطورة القائلة إننا نتطور أخلاقيًا. وحدها الأدوات تتغير. حيث كنا نضرب الضحايا حتى الموت، أو نمزقهم بالسيوف، نحن اليوم نُسقط قنابل تزن 2000 رطل على مخيمات اللاجئين، نرشّ العائلات بالرصاص من طائرات مسيّرة عسكرية، أو نسحقهم بقذائف الدبابات والمدفعية الثقيلة والصواريخ. الاشتراكي في القرن التاسع عشر لويس أوغست بلانكي، على عكس معظم معاصريه، رفض الفكرة المحورية لدى هيغل وماركس بأن التاريخ البشري يسير في خط تصاعدي نحو المساواة والأخلاق الأعلى. حذّر من أن هذه "الإيجابية الساذجة" تُستخدم من قبل الظالمين لسحق المظلومين. وقال بلانكي: "جميع فظائع المنتصر، وسلسلة هجماته الطويلة، تتحوّل ببرود إلى تطور دائم وحتمي، كما لو كان تطورًا طبيعيًا. لكن تسلسل الأمور البشريّة ليس حتميًا كالعالم الطبيعي. يمكن تغييره في أي لحظة". وحذّر من أن التقدم العلمي والتكنولوجي، بدل أن يكون دليلًا على التقدم، يمكن أن يتحوّل إلى "سلاح رهيب في يد رأس المال ضد العمل والفكر". وكتب: "الإنسانية لا تقف في مكانها أبدًا. إما أن تتقدم أو تتراجع. إذا تقدمت، تتجه نحو المساواة. وإذا تراجعت، فإنها تمرّ بكل مراحل الامتياز حتى تصل إلى العبودية، الكلمة الأخيرة في حق الملكية". وأضاف: "لست من أولئك الذين يزعمون أن التقدم أمر مفروغ منه، أو أن البشرية لا يمكن أن تتراجع". يُعرف التاريخ الإنساني بفترات طويلة من الجفاف الثقافي والقمع الوحشي. سقوط الإمبراطورية الرومانية أدّى إلى بؤس وقمع في أوروبا خلال العصور المظلمة، من القرن السادس إلى القرن الثالث عشر. ضاعت المعرفة التقنية، بما في ذلك كيفية بناء وصيانة القنوات المائية. قاد الفقر الثقافي والفكري إلى فقدان جماعي للذاكرة. طُمست أفكار العلماء والفنانين القدماء. ولم تبدأ النهضة إلا في القرن الرابع عشر، وكانت إلى حد كبير بفضل ازدهار الثقافة الإسلامية التي، عبر ترجمة أرسطو للغة العربية وسواها، حفظت حكمة الماضي من الزوال. كان بلانكي يعرف ارتدادات التاريخ المأساوية. شارك في سلسلة من الانتفاضات الفرنسية، منها محاولة تمرد مسلح في مايو/ أيار 1839، وانتفاضة 1848، وكومونة باريس – الانتفاضة الاشتراكية التي سيطرت على العاصمة الفرنسية من 18 مارس/ آذار إلى 28 مايو/ أيار 1871. حاول العمّال في مدن مثل مارسيليا وليون تنظيم كومونات مشابهة، لكنها فشلت قبل أن تُسحق كومونة باريس عسكريًا. نحن ندخل عصرًا مظلمًا جديدًا. لكن هذا العصر المظلم يستخدم أدوات العصر الحديث من مراقبة جماعية، وتعرّف على الوجوه، وذكاء اصطناعي، وطائرات بدون طيار، وشرطة مُعسكرة، وحرمان من الإجراءات القانونية، واعتداء على الحريات المدنية، ليفرض حكمًا تعسفيًا، وحروبًا لا تتوقف- ولا أمان- وفوضى، ورعبًا، وهي السمات المشتركة للعصور المظلمة. الثقة في خرافة "التقدم الإنساني" لإنقاذنا تعني الخضوع للقوة الاستبدادية. وحدها المقاومة – من خلال الحشد الجماهيري، وتعطيل ممارسة السلطة، خاصة في وجه الإبادة الجماعية – قادرة على إنقاذنا. تطلق حملات القتل الجماعي الصفات الوحشية الكامنة في كل البشر. فالمجتمع المنظم، بقوانينه وآدابه وشرطته وسجونه وتنظيماته، هي أدوات قسرية تحاصر هذه الوحشية الكامنة. لكن إذا أزيلت هذه العوائق، يصبح الإنسان- كما نرى مع الإسرائيليين في غزة- حيوانًا قاتلًا مفترسًا، يفرح بنشوة الدمار، حتى لو شمل النساء والأطفال. ليت هذا مجرد افتراض. لكنه ليس كذلك. هذا ما شهدته في كل حرب غطيتها. نادرون من يكونون بمنأى عنه. الملك البلجيكي ليوبولد، في أواخر القرن التاسع عشر، احتل الكونغو باسم "التحضر" و"مكافحة العبودية"، لكنه نهب البلاد، متسببًا بموت نحو 10 ملايين كونغولي نتيجة الأمراض والمجاعة والقتل. جوزيف كونراد التقط هذا التناقض بين ما نحن عليه وما نزعم أننا عليه، في روايته "قلب الظلام" وقصته "موقع للتقدم". في "موقع للتقدم"، يروي قصة تاجرين أوروبيين، كايرتس وكارلييه، أُرسلا إلى الكونغو. يدّعيان أنهما في أفريقيا لنشر الحضارة الأوروبية. لكن الملل، والروتين الخانق، والأهم غياب أي ضوابط خارجية، يحوّلهما إلى وحوش. يتاجران بالعبيد مقابل العاج ويتشاجران على الطعام والمؤن القليلة. في النهاية، يقتل كايرتس رفيقه الأعزل كارلييه. كتب كونراد عن كايرتس وكارلييه: "كانا شخصين تافهين وعاجزين تمامًا، لا تستقيم حياتهما إلا بفضل التنظيم العالي لحشود المجتمعات المتحضرة. قليلون من يدركون أن حياتهم، وجوهر شخصيتهم، وقدراتهم وجرأتهم، ليست سوى تعبير عن إيمانهم بأمان محيطهم. الشجاعة، والاتزان، والثقة؛ المشاعر والمبادئ؛ كل فكرة كبيرة أو تافهة لا تنتمي للفرد، بل للحشد: الحشد الذي يؤمن أعمى بقوة مؤسساته وأخلاقه، بسلطة شرطته ورأيه العام. لكن التماس مع الوحشية الصافية، والطبيعة البدائية والإنسان البدائي، يزرع اضطرابًا عميقًا ومفاجئًا في القلب. فمع شعور المرء بأنه وحيد في نوعه، ومع إدراكه وحدة أفكاره ومشاعره، ومع نفي المألوف الذي يمنحه الأمان، يبرز حضور غير المعتاد -المجهول والخطير- باقتحام يربك الخيال ويختبر أعصاب المتحضّر، أكان ساذجًا أم حكيمًا". لقد فجّرت الإبادة الجماعية في غزة كل الأقنعة التي نخدع بها أنفسنا ونحاول بها خداع الآخرين. تسخر من كل قيمة ندّعي التمسك بها، بما في ذلك حرية التعبير. إنها شهادة على نفاقنا وقسوتنا وعنصريتنا. لا يمكننا، بعد تقديمنا مليارات الدولارات من الأسلحة، واضطهادنا من يعترضون على الإبادة الجماعية، أن نواصل إطلاق مزاعم أخلاقية يمكن أخذها على محمل الجد. من الآن فصاعدًا، ستكون لغتنا هي لغة العنف، ولغة الإبادة، وعواء الوحشية في هذا العصر المظلم الجديد، عصر تجوب فيه الأرض قوة مطلقة، وطمع لا حدود له، وهمجية لا رادع لها.