logo
عين في الظل: عندما يصبح الصحفي هدفًا للتجسس

عين في الظل: عندما يصبح الصحفي هدفًا للتجسس

إيطاليا تلغراف٢٧-٠٢-٢٠٢٥

إيطاليا تلغراف
عبد القادر الفرساوي
في عالمٍ تُصنع فيه الحقائق بمهارة، حيث يختلط النور بالظلال، وحيث الكلمات ليست مجرد حروف بل خيوط تُنسج بها مصائر الشعوب، يصبح الصحفي عدوا طبيعيا لمن يخشون الحقيقة. الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي سلاحٌ ضد الزيف، صوتٌ في وجه الصمت، وكشفٌ لما يُراد له أن يظل طي الكتمان.
فرانشيسكو كانشيلاتو، رئيس تحرير Fanpage، لم يكن يملك سوى قلمه وشاشة هاتفه، لكنه وجد نفسه في قلب معركة غير متكافئة. هاتفه لم يعد ملكه، بل صار نافذة يطل منها مجهولون، يتلصصون على رسائله، يتابعون خطواته، ويحصون أنفاسه. كانشيلاتو لم يكن وحده، لكنه الوحيد الذي تحدث. اعترف بأنه وقع ضحية للتجسس عبر Graphite، برنامج الاختراق الإسرائيلي الذي لا يُباع إلا للحكومات وأجهزة الأمن. فمن كان وراءه؟ ولماذا؟
عندما تتسلل الرقابة إلى جيب الصحفي، عندما يصبح هاتفه مصيدة، يصبح السؤال أكبر من مجرد اختراق رقمي. القضية ليست في اختراق جهاز، بل في اختراق الحدود الفاصلة بين السلطة وحرية التعبير. الحكومة الإيطالية سارعت إلى نفي أي صلة لها بالحادث، وأوعزت إلى وكالة الأمن السيبراني بالتحقيق، لكن كيف يمكن لمن قد يكون متورطا أن يحقق في جريمة قد يكون هو مرتكبها؟
في أوروبا، لم يكن كانشيلاتو وحده. فقد سُجلت عمليات تجسس مماثلة في 13 دولة أوروبية، حيث تحولت البرامج التجسسية إلى أدواتٍ خفية لملاحقة الصحفيين وأصحاب الرأي. هل أصبح الصحفيون هم العدو الجديد؟ هل تحولت أقلامهم إلى تهديد يستوجب التكميم قبل أن ينطق بالحقيقة؟
ما يثير القلق ليس فقط من قام بالتجسس، بل لماذا؟. هل كشف كانشيلاتو عن أمر خطير؟ هل اقترب من ملف حساس؟ أم أن الهدف أبعد من ذلك، وأن المقصود هو خلق حالة من الخوف، تجعل كل صحفي يفكر ألف مرة قبل أن يكتب أو ينشر؟ فالرقابة ليست دائما في شكل سجون أو قوانين قمعية، بل قد تكون في شعور الصحفي بأنه مراقب، في إحساسه بأن كل حرف يكتبه قد يكون له ثمن.
الاتحاد الوطني للصحفيين الإيطاليين لم يقف صامتا، وكذلك مجلس الصحافة، حيث طالبا بكشف الحقيقة، وبمعرفة من يختبئ وراء هذا الاعتداء السافر على الصحافة. لكن هل سيتم كشف المستور؟ أم ستبتلع البيروقراطية الحقيقة في مستنقع التحقيقات الشكلية والوعود الزائفة؟
التجسس على الصحفيين ليس مجرد انتهاك لخصوصيتهم، بل هو اعتداء على حق الشعوب في المعرفة. كل صحفي يتم التجسس عليه، هو نافذة تُغلق في وجه الحقيقة، وكل قضية تُخفى هي قصة تُسرق من وعي الجماهير. نحن لا نتحدث عن شخص تمت مراقبته، بل عن مبدأ يُنتهك، عن سلطة تحاول أن تكتب الرواية وحدها، بلا أصوات معارضة، بلا مساءلة، بلا ضوء يكشف زواياها المظلمة.
إذا كانت الحكومة الإيطالية بريئة، فعليها أن تُثبت ذلك بالكشف عن الحقيقة، لا بإغراقها في دهاليز السرية. وإن كان هذا الهجوم جزءا من نمط أوسع، فإن الصمت عليه اليوم يعني تطبيعه غدا. عندما يصبح الصحفي هدفا للتجسس، فإننا لا نخسر شخصا، بل نخسر حريتنا في أن نعرف، ونفقد القدرة على أن نُحاسب.
إيطاليا تلغراف

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب... حين يحكم البلاد والعالم من منصة واحدة
ترامب... حين يحكم البلاد والعالم من منصة واحدة

إيطاليا تلغراف

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

ترامب... حين يحكم البلاد والعالم من منصة واحدة

إيطاليا تلغراف عبد القادر الفرساوي في عالم لا يكاد يلتقط أنفاسه بين أزمة وأخرى، يخرج دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي العائد، ليعلن ببساطة مدهشة: 'أنا أدير الولايات المتحدة والعالم'. كلمات أقل ما يقال عنها إنها تختصر شخصية الرجل الذي لا يؤمن بنصف الانتصارات، ولا يرضى إلا بالجلوس على عرشين معًا. في مقابلة مع مجلة 'ذا أتلانتك'، بدا ترامب كعادته، واثقًا من نفسه، مهاجما خصومه، مقللا من العقبات. تحدث عن ولايته الأولى وكأنها كانت معركة وجودية ضد 'الأشباح الفاسدة'، وعن ولايته الثانية وكأنها عصر ذهبي يقود فيه دفة أمريكا… والعالم بأسره. لكن الواقع، كما ترسمه قراراته، أكثر صخبا مما تقوله الشعارات. منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، لم تهدأ العواصف: قرارات صادمة في الهجرة، رسوم جمركية مشتعلة أرهقت الأسواق، توترات مع الحلفاء التقليديين، بل ووصل الأمر إلى طرح فكرة شراء جزيرة غرينلاند، ومداعبة أحلام ضم كندا إلى الولايات المتحدة. ترامب الذي يؤكد أنه لا يخطط لولاية ثالثة، يبدو وكأنه لا يفكر أصلًا في الرحيل الهادئ. تحركاته تشي برغبة واضحة في إعادة تشكيل العالم وفق رؤيته الخاصة: اقتصاد مضطرب، تحالفات مشروطة، وعالم يقف مترقبا عند كل تصريح يصدر عنه. واليوم، مع اقترابه من الاحتفال بمرور 100 يوم على عودته إلى الحكم، يتجه إلى ولاية ميشيغان ليخاطب أنصاره، وليؤكد للعالم مرة أخرى أن المعادلة تغيرت: لم يعد رئيسا للولايات المتحدة فقط، بل قائدا يرى أن على كتفيه حمل خارطة العالم بأكملها. بين التصريحات النارية والإجراءات المثيرة للجدل، يبقى ترامب حالة سياسية نادرة: رجل لا يكتفي بإدارة بلاده… بل يطمح إلى إعادة رسم ملامح العالم كما يشتهي. إيطاليا تلغراف

البابا فرنسيس... حين تحدثت الكنيسة بلهجة الفقراء - إيطاليا تلغراف
البابا فرنسيس... حين تحدثت الكنيسة بلهجة الفقراء - إيطاليا تلغراف

إيطاليا تلغراف

time٢٥-٠٤-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

البابا فرنسيس... حين تحدثت الكنيسة بلهجة الفقراء - إيطاليا تلغراف

إيطاليا تلغراف عبد القادر الفرساوي رحل البابا فرنسيس. نعم، رحل الرجل الذي أتى من آخر الدنيا، من حواري بوينس آيرس الشعبية، ليصعد إلى أعلى سلطة روحية في العالم المسيحي، ثم يختار أن لا يسكن القصر البابوي، بل غرفة متواضعة في بيت ضيافة الفاتيكان. في زمن تتهافت فيه الزعامات على الألقاب والرخام، جاء هذا الرجل العجوز ليعلم العالم أن البساطة ليست ضعفا، وأن التواضع قد يكون أبلغ من ألف خطبة لاهوتية. فرنسيس لم يكن بابا كغيره، حتى من وجهة نظر مسلم يقرأ المشهد من الخارج. كان البابا الذي تجرأ على كسر الصمت، لا ليحدث فتنة، بل ليوقظ الضمير في مؤسسة كنسية أثقلها التاريخ والبروتوكول والفضائح. لم يكن رجلا ثوريا على طريقة الحشود، لكنه حمل مطرقة التغيير بصمت، وطرق بها على أبواب أُغلقت طويلا. منذ بداية حبريته عام 2013، بعد استقالة بنديكتوس السادس عشر، أصر فرنسيس على أن يكون بابا الناس، لا بابا النخبة. اختار اسم 'فرنسيس' تيمنا بالقديس الذي عاش ومات بين الفقراء، وكأنه يعلن من البداية: سأعيد الكنيسة إلى الشارع، حيث الألم، حيث الصمت، حيث تولد الأسئلة ولا يجرؤ أحد على طرحها. كان صوته مرفوعا ضد الظلم الاجتماعي، الرأسمالية المتوحشة، الفقر، التلوث، الهجرة القسرية. تحدث عن البيئة كما يتحدث إمام مسجد عن الأمانة، وعن العدالة كما يتحدث شيخ زاوية عن التوازن. انتقد الجرائم الجنسية داخل الكنيسة دون مواربة، ووضع قوانين جديدة لمحاسبة المتورطين، معلنا أن التستر ليس من الله. كمسلم قد لا أتفق مع العقيدة الكاثوليكية لكن لا يمكنني إلا أن أقدر شخصية فرنسيس الذي سعى جاهدا لجعل الكنيسة أكثر قربا من الناس خاصة الفقراء و المهمشين، الرجل ظل وفيا لفكرته الكبرى: الإنسان أولا، ثم تأتي المؤسسة. هذه الفكرة التي كانت صادمة لكثيرين في الفاتيكان، لكنها كانت متنفسا لآلاف من المسيحيين الذين اختنقوا في جدران الصمت والخوف. فرنسيس، الذي تنقل على كرسي متحرك في آخر سنواته، زار أكثر من خمسين بلدا، بين جنوب السودان والعراق ومنغوليا. لم يكن يسافر كسائح بابوي، بل كمن يشعل شمعة في ظلام السياسة والديكتاتورية والاضطهاد. ومن بين كل الزيارات، بقيت زيارته للعراق محفورة في الذاكرة، حين دخل أرض الرافدين التي طحنها الحرب والطائفية، ليقول من هناك: كفى حروبا باسم الله. ومع ذلك، فإن هذا البابا ، الذي وصف أحيانا بـ'اليساري'، وأحيانا بـ'المتساهل' ، لم يكن يطلب إعجاب أحد. كان فقط يحاول أن يعيد للكنيسة صدقها الأول، ذلك الصدق الذي ربما ضاع في دهاليز الفاتيكان، بين الذهب والمخمل. وبصفتي مسلما، لا أراه وليا ولا نبيا، لكنني أرى فيه رجل اجتهد بإنسانيته، وصدح بكلمة حق في زمن الخضوع الجماعي. اختلفت معه في العقيدة، نعم. تحفظت على بعض تصريحاته، قطعا. لكني لم أستطع إلا أن أحترم فيه اتساقه مع نفسه، وأسلوبه في خوض المعارك بالكلمة لا بالسيف، بالبصيرة لا باللائحة. لقد مات البابا فرنسيس، لكنه ترك وراءه دروسا في التواضع، في القيادة، وفي الإصلاح من الداخل. مات الرجل، لكن فكرته لا تزال تتنفس: أن المؤسسة مهما عظمت، تحتاج دائما لصوت يعيدها إلى أصلها. فهل يكون خليفته على خطاه؟ أم تعود الكنيسة إلى الغرف المغلقة، واللغة الخشبية، والتواطؤ مع الصمت؟ هذا ما ستكشفه الأيام. أما هو، فقد أدى ما عليه و رحل. إيطاليا تلغراف

الجزائر تسقط طائرة من ورق!
الجزائر تسقط طائرة من ورق!

إيطاليا تلغراف

time٠٢-٠٤-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

الجزائر تسقط طائرة من ورق!

إيطاليا تلغراف عبد القادر الفرساوي من قال إن الجغرافيا لا تُحدث ضجيجا؟ خذ الجزائر مثلا، كلما اشتعلت النيران في جوارها، هرولت لتلتقط رماد المعركة وتنفخ فيه حتى يظن المارّون أنها تخوض حربا عالمية ثالثة! آخر صيحة في هذا 'الكرنفال العسكري' كانت بيانا من الجيش الجزائري يزف فيه 'بُشرى إسقاط طائرة مسيرة دخلت عمق البلاد بكيلومترين'. لكن، ويا للمفارقة، جبهة 'تحرير أزواد' سبقتهم إلى الإعلان والاحتفال، ونشرت الحطام والصور والفيديوهات، بل وزينته بعلم مالي! فما كان من الجزائر إلا أن أخرجت طبلة الإعلام الرسمي لتقرعها: 'نحن أسقطناها!'… ولو بعد حين. إنه مشهد لا يخلو من الكوميديا السوداء: دولة بمليارات في ميزانية الدفاع، جيش يُسوّق نفسه كـ'الأقوى في إفريقيا'، لكنه لا يفرّق بين طائرة تسقط في أرض الجيران وبين طموح استعراضي يليق بمهرجانات السيرك السياسي. وليس هذا أول 'نزال خيالي' تخوضه الجزائر. ألم نرها في عام 2021، وهي تعلن -بملامح منتفخة- عن إسقاطها طائرة مغربية مسيرة، ليتبين لاحقا أنها طائرة تصوير مدنية كانت تحلق في سماء تندوف لنقل مشاهد من مخيمات البوليساريو؟ بل إن 'المقاتلة' المزعومة آنذاك كانت تحمل شعار 'DJI'، المعروف لدى العرسان أكثر من العسكر! وفي مشهد آخر لا يُنسى، أعلنت الجزائر في 2022 عن تفكيك 'شبكة تجسس مغربية إسرائيلية فرنسية'، قالت إنها اخترقت مؤسسات الدولة! لكنّ التفاصيل اختفت كما ظهرت، ليظل العنوان الكبير وحده يتراقص في نشرات الأخبار. وحتى في كرة القدم، لم تسلم الجزائر من عادة الركوب على ظهر الموجة، حينما ادعت أن المغرب منع طائرتها من السفر للمشاركة في بطولة، متناسية أن الطيران ليس نزهة في باحات العداء السياسي. إن ما نراه اليوم هو محاولة مستمرة لبناء 'أسطورة عسكرية من ورق'، تُبنى على بيانات فضفاضة وتصريحات مرتعشة، والهدف؟ إقناع الداخل بأن البلاد ما زالت 'قوية صامدة' رغم زلازل الاقتصاد والتفكك الإقليمي. إن جبهة 'تحرير أزواد' –وليس الجيش الجزائري– هي من أثبت أنها تتحكم في سماء الشمال المالي. ومع ذلك، تواصل الجزائر سلوكها المفضل: لحاق الشجاعة بعد انتهائها، وتسويق النصر بعد انطفاء ناره. الجزائر تركب حصانا ورقيا، مدهونا بألوان الحنين إلى زمن بن بلة وبومدين، لا حبا في التاريخ بل تمسكا بخطاب بائد بُني على العداء للمغرب وتغذية أوهام الزعامة الإقليمية، وهي شعارات استهلكها الزمن ولم تعد تقنع حتى أبناء الداخل. أما المغاربة، فيكتفون من مواقعهم بمتابعة هذا العرض الساخر، لأنهم يعرفون جيدا الفرق بين الطائرات الورقية والطائرات القتالية… وبين الجيش المحترف والجيش المهووس بالبروباغندا. إيطاليا تلغراف

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store