
فساد حكومي يحيط بشهادة حلال في مصر
كشف إعلان رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، عن الإعفاء الدائم لمنتجات الألبان ومشتقاتها المستوردة من شرط الحصول على شهادة الحلال، في الكلمة التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لمنتدى قادة السياسات بين مصر والولايات المتحدة في يوم الأحد 25 مايو الحالي، عن كمّ كبير من
الفساد المالي
والتخبط الإداري المحيط بهذه الشهادة التي تضمن تلبية المنتجات الغذائية لاشتراطات المواصفة القياسية المصرية رقم 4249 لسنة 2014 المعنية بالمتطلبات العامة للأغذية الحلال، والصادرة عن الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة، باعتبارها الجهة الرسمية الوحيدة في مصر المنوطة بوضع المواصفات واشتراطات الجودة للمنتجات الغذائية المحلية والمستوردة، والتي استندت في وضعها إلى مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية وأشركت في وضعها علماء دار الإفتاء المصرية وخبراء الصناعة في الجامعات والمراكز البحثية والشركة القابضة للصناعات الغذائية.
احتكار شهادة حلال
في 13 مايو/ أيار 2019، قالت وزارة الزراعة الأميركية في تقرير إن الحكومة المصرية شطبت جميع الشركات المانحة لشهادات "حلال" للمنتجات الصادرة من الولايات المتحدة إلى مصر، وهي سبع شركات، بدون إبداء أي أسباب أو تفسير، واستثنت شركة واحدة جديدة، هي شركة آي إس إيجي حلال IS EG Halal، ومقرها فورت لي، نيو جيرسي، وكان وائل حنا والمحامي الأميركي أنترانيج أصلانيان قد أسسا الشركة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وهي شركة خاصة لا تمثل الحكومة المصرية.
علماً بأنه في 29 يناير/ كانون الثاني 2025 حكمت محكمة أميركية على رجل الأعمال المصري الأميركي وائل حنا بالسجن 8 سنوات و5 سنوات مراقبة و1.750 مليون دولار غرامة، في قضية رشوة السيناتور الأميركي روبرت مينندز الذي ساعد الشركة في الاحتكار.
والسؤال هنا: لماذا لم تغير الحكومة المصرية نظام استيراد منتجات الألبان واللحوم بعد إدانة أصحاب شركة "حلال" التي منحتها قبل سنوات حقاً حصرياً في منح علامة "الحلال" للمنتجات التي تصدّر إلى الأسواق المصرية، وكذلك سجن رئيسها، وائل حنا، بحكم من المحاكم الأميركية، وملاحقة من عمل في تلك الشركة بالفساد والتربح على حساب المستهلك المصري، ولماذا تستمر الحكومة في التمسك بتلك الشركة لإصدار الشهادة، وقد أعلنت وزارة الزراعة الأسترالية في 29 مايو المنصرم ما يؤكد تمسك مصر بشركة وائل حنا في إصدار شهادة حلال للمنتجات الغذائية المعدة للتصدير إلى مصر، رغم تأكيد المتحدث باسم مجلس الوزراء فتح الباب أمام الشركات المختلفة للقيام بإصدار تلك الشهادة وبأسعار تنافسية؟!
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
اختفاء غامض لشركة "حلال" يكشف مافيا احتكار لحوم مصر
ما يزيد أهمية هذا السؤال أنه وفق إفادة وزارة الزراعة الأميركية فإن مكتب الخدمات الزراعية الخارجية الأميركي بالقاهرة لا يعلم لشركة IS EG Halal خبرة سابقة في إصدار شهادات الحلال، ولا يُعرف عن الشركة أي علاقة سابقة مع صناعة لحوم البقر الأميركية أو المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة، ونصحت المصدرين المهتمين بتصدير لحوم البقر إلى مصر بالتواصل مباشرةً مع شركة حنا لتوضيح إجراءات الحصول على شهادة "حلال" كتسليم بالأمر الواقع.
وأضافت وزارة الزراعة في التقرير أن موظفي مكتب خدمات الزراعة الخارجية الأميركي بالقاهرة أفادوا بأن سعر شهادة الحلال سيرتفع بموجب النظام الجديد بمعدل 11 ضعفاً. ففي النظام السابق، كانت جهات إصدار شهادات الحلال السبع في الولايات المتحدة تتقاضى رسوماً تتراوح بين 10 و20 دولاراً (172-344 جنيهاً مصرياً) للطن المتري الواحد من اللحوم.
وفي النظام الجديد سترتفع الرسوم إلى 220 دولاراً (3784 جنيهاً مصرياً) للطن المتري الواحد، وحذرت من أن هذه الرسوم المرتفعة ستؤدي إلى زيادة أسعار لحوم البقر الأميركي للمستهلكين المصريين، وإلى إرباك سوق اللحوم في مصر، وسوف تتضاعف الأسعار مرة أخرى بانخفاض كمية اللحوم في الشحنة الواحدة، في وقت وصلت فيه واردات مصر من اللحوم الأميركية إلى ما بين 62 إلى 122 ألف طن سنوياً، معظمها من الكبد المجمد. ما يهم الحكومة الأميركية أن فرص منافسة اللحوم الأميركية في السوق المصري، وبالتالي حصة الصادرات، ستنخفض بسبب زيادة تكاليف شهادة حلال.
وعن شهادة حلال للدول الإسلامية غير مصر، قالت وزارة الزراعة الأميركية إن تكلفة شهادة الذبح الشرعي، حلال، كانت بسيطة وتصدرها جهات التصديق التابعة للمنظمات الإسلامية هناك. فعلى سبيل المثال، بالنسبة للشحنات المتجهة إلى السعودية، يتم اعتماد الذبح الشرعي من قبل أي منظمة إسلامية معتمدة من قبل رابطة العالم الإسلامي. وتحتفظ دول إسلامية أخرى، مثل قطر وإندونيسيا، بقوائم لجهات التصديق المتعددة؛ وقد اعتمدت كل منهما ست جهات تصديق مقرها في الولايات المتحدة، وهي الجهات التي أوقفت مصر التعامل معها. وتقبل دول أخرى، مثل الكويت، شهادة حلال من أي هيئة إسلامية في الدولة المصدرة. وبذلك، تصبح مصر الشريك التجاري الوحيد للولايات المتحدة الذي يعتمد جهة واحدة فقط لإصدار شهادة حلال، وهو احتكار يتنافى مع قواعد التجارة الحرة.
الأسعار تتضاعف
حذّر مكتب خدمات الزراعة الأجنبية الأميركي بالقاهرة من أن الزيادة في رسوم شهادات حلال ستؤدي إلى رفع أسعار لحوم البقر للمستهلكين المصريين بدرجة كبيرة، في وقت استوردت فيه مصر لحوماً مجمدة بقيمة 927 مليون دولار في سنة 2024، ورغم أنه توقع زيادة رسوم تصديق شهادة حلال إلى 220 دولاراً للطن المتري، فإن المفاجأة أن التجار أكدوا أن تكاليف الشهادة الجديدة وصلت إلى 5000 دولار لكل شحنة عبارة عن حاوية كاملة، حمولة 25 طناً؛ ولكن الشحنات تكون في العادة أصغر حجماً، ما يزيد من تكلفة شهادة الحلال لكل كيلوغرام، فيتم فرض رسوم بقيمة 333 دولاراً للطن، على شحنة حمولتها 15 طناً مترياً مقابل الشهادة الحلال الواحدة. في السابق، كانت تكلفة الشهادة تتراوح بين 10 إلى 20 دولاراً للطن المتري. وفي النهاية، المواطن المصري هو الذي يتحمل تكلفة هذا الفساد.
اقتصاد الناس
التحديثات الحية
فقراء مصر يدفعون ثمناً باهظاً لصفقات "الحلال": صراع الأجنحة
الولايات المتحدة تمدّ مصر بـ82% من وارداتها من كبد البقر المجمد، باعتباره بروتيناً رخيص الثمن تستهلكه الأسر محدودة الدخل كبديل للحوم والأسماك والدواجن في ظل غلاء المعيشة وتراجع دخل الأسرة وزيادة البطالة. ولكن في سبتمبر سنة 2019، أصدرت وزارة الزراعة تقريراً يُظهر أن أسعار كبد البقر الأميركي المصدرة إلى مصر، زادت من 839 دولاراً للطن، إلى 1200 دولار، بسبب زيادة تكاليف شهادة حلال.
ووجد مكتب خدمات الزراعة الأميركي بالقاهرة أن أسعار الكبدة المجمدة في محلات التجزئة التابعة للقطاع العام في مصر زادت إلى ما يعادل 2.5 دولار للكيلوغرام، تساوي ضعفين ونصف ضعف سعر التكلفة، ووصلت إلى ثلاثة دولارات للكيلو في محلات التجزئة التابعة للقطاع الخاص، متجاوزةً بذلك تقديرات مكتب إدارة الخدمات الزراعة الأميركي بالقاهرة في بداية العمل بنظام حلال التابع لشركة وائل حنا الذي عاقبه القضاء الأميركي بالسجن. واكتشف المكتب أنه في الفترة التي تنخفض فيها أسعار لحوم البقر الأميركية الصادرة، فإن السعر الذي يدفعه المستهلكون المصريون مقابل هذه المنتجات يتزايد باستمرار، ما يؤكد بوضوح أن تكاليف شهادات الحلال كانت تزيد من وقت لآخر وأصبحت سبباً رئيساً في ارتفاع أسعار اللحوم المستوردة بالنسبة لمستهلكي اللحوم المصريين.
من صور الفساد الأخرى التي تلف شهادة حلال أن رئيس الوزراء المصري أصدر قرار رقم 35 في سنة 2020، يسمح لوزارتي الأوقاف والزراعة واستصلاح الأراضي والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات بالشراكة في حصة من شركة إس ايجي حلال المملوكة لرجل الأعمال وائل حنا، وتحويلها إلى شركة شبه حكومية واعتبارها الجهة المصرية الرسمية الوحيدة المسؤولة عن منح شهادات الحلال. وفي وقت لاحق، أصدر قراراً مشابهاً هو القرار رقم 198 لسنة 2022، ويرخّص بموجبه للهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة بامتلاك حصة أخرى في نفس الشركة؛ إس ايجي حلال المملوكة لوائل حنا، بنسبة 2% من إجمالي رأس مال الشركة وفقاً لأحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات الشخص الواحد، ونص قرار مدبولي على ألا يتعارض ذلك مع أغراض الهيئة المشار إليها.
علماً أن الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة هي الجهة الرسمية الوحيدة المنوطة بإصدار مواصفات الأغذية الحلال وكذلك التفتيش على الشركات المانحة لشهادة حلال، بما فيها شركة حنا التي أصبحت شريكاً في ملكيتها، ما يعني توريط الهيئة في الفساد وتعارض المصالح على حساب دورها في حماية حقوق المستهلك المصري.
وعلّقت وزارة الزراعة الأميركية على هذا القرار بأنه يضفي الشرعية على الشركة التي أصبحت الكيان الوحيد المعتمد لإصدار شهادات حلال للمنتجات الغذائية والمشروبات الصادرة إلى مصر من الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وربما المناشئ الأخرى حول العالم. ما يزيد الطين بلة أن عمليات استيراد اللحوم أصبحت في معظمها حكراً على الجهات السيادية ووزارة التموين والزراعة، بعد توقف معظم شركات القطاع الخاص عن الاستيراد بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري وشح الدولار، وفق تقرير الزراعة الأميركية، ما يعني غياب الجهة المحايدة التي تقوم بالرقابة على جودة اللحوم المستوردة بعد أن أصبحت الشركة المانحة لشهادة حلال والجهات المتربحة بالاستيراد جميعها تتبع الحكومة المصرية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
واشنطن تدرس منح 500 مليون دولار لمؤسسة غزة الإنسانية
تدرس وزارة الخارجية الأميركية منح 500 مليون دولار لمؤسسة غزة الإنسانية المعنية بتقديم المساعدات لقطاع غزة المحاصر والذي يتعرض لحرب إبادة إسرائيلية، وفقًا لما نقلته "رويترز" عن مصدرين مطلعين ومسؤولين أميركيين سابقين، وهي خطوة من شأنها أن تُورط الولايات المتحدة بشكل أعمق في جهود الإغاثة المثيرة للجدل التي تُعاني من العنف والفوضى. وأفادت المصادر بأن تمويل مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) سيأتي من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التي يجري دمجها مع وزارة الخارجية الأميركية. وشهدت المؤسسة استقالاتٍ لكبار الموظفين، واضطرت إلى إيقاف توزيع المساعدات مرتين هذا الأسبوع بعدما اجتاحت الحشود مراكز توزيعها. ولم تستجب وزارة الخارجية ومؤسسة غزة الإنسانية لطلبات التعليق فورًا. ولم تتمكن "رويترز" من تحديد الجهة التي تُموّل عمليات مؤسسة غزة الإنسانية حاليًا، التي بدأت عملها في القطاع الأسبوع الماضي. وتستخدم المؤسسة شركات أمن ولوجستيات أميركية خاصة لنقل المساعدات إلى غزة لتوزيعها في ما يُسمى بمواقع التوزيع الآمنة. ويوم الخميس، أفادت "رويترز" بأن شركة ماكنالي كابيتال، وهي شركة استثمار خاص مقرها شيكاغو، لديها "مصلحة اقتصادية" في الشركة الأميركية الربحية المُقاولة التي تُشرف على الخدمات اللوجستية والأمنية لمراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية في القطاع. رصد التحديثات الحية شركة أميركية تنهي عقدها مع مؤسسة غزة الإنسانية وأفاد مصدر مطلع ومسؤول كبير سابق بأن اقتراح منح 500 مليون دولار لصندوق التنمية العالمي حظي بدعم نائب مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالإنابة كين جاكسون، الذي ساعد في الإشراف على تفكيك الوكالة. وأضاف المصدر أن إسرائيل طلبت هذه الأموال لتغطية تكاليف عمليات صندوق التنمية العالمي لمدة 180 يومًا. وواجهت مؤسسة غزة الإنسانية التي تدعمها الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي لإطعام سكان قطاع غزة المحاصر صعوبات خلال الأسبوع الأول من عملياتها. وتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي إطلاق النار على حشود من المدنيين الذين هرعوا للحصول على طرود المساعدات. وبدأت المؤسسة توزيع المساعدات في قطاع غزة في 26 أيار/مايو الفائت. وقالت المؤسسة، الأحد، إنها وزعت ستة ملايين وجبة غذائية حتى الآن. ورفضت الأمم المتحدة التعاون مع المؤسسة ذات مصادر التمويل الغامضة، قائلة إنها لا تحترم المبادئ الإنسانية الأساسية. ووجهت لمؤسسة غزة الانسانية انتقادات، ولا سيما حول اختيارها لـ"مواقع توزيع آمنة"، وهو أمر، بحسب منظمات إنسانية أخرى، ينتهك الأعراف، لكونه يجبر السكان على الانتقال لتلقي المساعدات الحيوية. واعتبرت وزارة الداخلية في غزة المؤسسة جزءاً من خطة إسرائيلية من أجل "السيطرة على توزيع المساعدات"، ووصفت المنظمة بأنها مشبوهة، متهمة الاحتلال باستخدامها لأغراض عسكرية. والثلاثاء الفائت، أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية تعيين رجل دين مسيحي إنجيلي رئيسًا تنفيذيًا جديدًا لها. وقال المدير التنفيذي بالإنابة للمؤسسة جون أكري في بيان إن تعيين القس جوني مور، الذي عمل بشكل وثيق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن قضايا الحرية الدينية، "يؤكد تصميم مؤسسة غزة الإنسانية على الجمع بين التميز التشغيلي والقيادة ذات الخبرة والموجهة نحو الخدمة". (رويترز، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
ماسك: أميركا بحاجة لحزب سياسي جديد.. وترامب: سأدرس كل شيء
قال الملياردير إيلون ماسك، أمس الجمعة، إن هناك حاجة إلى حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة . جاء ذلك بعد يوم من سؤاله في استطلاع رأي لمتابعيه على موقع إكس عما إذا كانت هناك حاجة لحزب يمثل "80 بالمئة في الوسط". من جهته، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيدرس كل شيء، ردًا على سؤال عما إذا كان سيفكر في إلغاء العقود الحكومية التي يملكها إيلون ماسك. وجاء ذلك بعد أن قال مصدر مطلع في البيت الأبيض، أمس الجمعة، إن الرئيس الأميركي ليس مهتما بالحديث مع ماسك، وذلك بعد صدام علني كبير بينهما. وشدّد معسكر ترامب على أن سيّد البيت الأبيض يريد طي الصفحة مع رجل الأعمال المولود في جنوب أفريقيا، وقد أفاد مسؤولون وكالة فرانس برس بأن ماسك طلب الاتصال لكن الرئيس غير مهتم بذلك. تقارير دولية التحديثات الحية صدام دونالد ترامب وإيلون ماسك: أكثر من قطيعة وانهار التحالف السياسي الخميس مع سجال ناري هدد خلاله الرئيس الأميركي بتجريد الملياردير من عقود ضخمة مبرمة مع الحكومة بعدما وجّه ماسك انتقادات لمشروع قانون الميزانية الضخم الذي يسعى ترامب إلى إقراره في الكونغرس. وقال ترامب في تصريحات نُقلت من المكتب البيضوي "خاب أملي كثيرا" بعدما انتقد مساعده السابق وأحد كبار مانحيه مشروع قانون الانفاق المطروح أمام الكونغرس. ويصف الرئيس الأميركي المشروع بأنه "كبير وجميل"، في حين يعتبره ماسك "رجسا يثير الاشمئزاز". وظل التوتر بين الرجلين حول مشروع الضرائب والإنفاق مكبوتا إلى أن انتقد ماسك الخطة الأساسية في سياسة ترامب الداخلية لأنها ستزيد العجز برأيه. وشهدت الأشهر الأولى من عودة ترامب إلى البيت الأبيض تحالفاً وثيقاً مع إيلون ماسك الذي شكّل فريقاً صغيراً من المبرمجين الشباب لاجتياح البيروقراطية الحكومية ومحاولة تقليص الإنفاق وإغلاق وكالات اتحادية، وكانت "وزارة كفاءة الحكومة" التي قادها ماسك تجسيداً لوعد ترامب بتقليص حجم الدولة، لكنّها فشلت في تحقيق هدفها بتوفير تريليون دولار، إذ لم تحقق سوى 180 مليار دولار بحسب بياناتها. ورغم أن ماسك غادر منصبه في نهاية الشهر الماضي، إلّا أن ظهورهما معاً في مؤتمر صحافي بالمكتب البيضاوي أوحى باستمرار العلاقة الطيبة، لكن الشرخ بدأ بالاتساع مع هجوم ماسك على مشروع ترامب الضريبي الجديد. (رويترز، فرانس برس، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
غزة.. ذبيحتنا جميعاً
إذا كان الفيتو الأميركي ضدّ مشروع قرار لإنهاء الحرب على غزّة قد فاجأك فثمّة احتمالان: إما أنك تتصنّع الدهشة وتمثّل دور المُفاجأ، أو أنك تتعامى عن حقائق واضحة كالشمس، تتراكم يوماً بعد يوم، لعلّ أحدثها ما أعلنه ستيف ويتكوف الموصوف بأنه مبعوث السلام الأميركي، بالقول "لا فرق بين موقفي ترامب ونتنياهو". كلُّ الشواهد خلال الأشهر التي قضتها الإدارة اليمينية المُنتشية بالانتصار في البيت الأبيض تؤكّد أن دونالد ترامب ليس إلا النسخة الأكثر فظاظةً ووقاحةً من بنيامين نتنياهو، وأنّ إدارته أكثر توحّشاً وشراسةً في تحقيق مطلب الإجهاز على مشروع المقاومة الفلسطينية وإعادة احتلال قطاع غزّة من الحكومة الصهيونية نفسها، ولن تجد أصدق تعبيراً عن هذا الأمر من كلام المذيع الصهيوني المحافظ واين آلن روت إنّ "الرئيس ترامب هو أفضل رئيس بالنسبة لليهود ولإسرائيل في تاريخ البشرية (...) واليهود في إسرائيل يعشقونه كما لو كان ملك إسرائيل". كانت قضية الولاء الكامل والدعم المطلق للكيان الصهيوني محور حملة ترامب الانتخابية في مواجهة الديمقراطيين، وبقيت بعد اكتساح الخصم جوهر العقيدة السياسية الأميركية، التي اتخذت أشكالاً مختلفة من التطبيق العملي، إن بالتسليح بلا حدود والتمويل بلا سقف، أو بالحماية الدبلوماسية في المحافل الدولية، إلى الحدِّ الذي صنّفت معه واشنطن محكمتي العدل والجنائية الدوليتين ضمن الكيانات المعادية، ووضعت "الفيتو" بمثابة "قبّة حديدية دبلوماسية" لا تقلّ متانةً وأهميةً من منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية التي تغطي سماء الاحتلال. في اليقين، لم يكن ثمّة ما يبرّر تلك الحالة من"التفاؤل اللاإرادي" التي أصابت عرباً سرّتهم عودة ترامب، فراحوا يروّجون أنه سوف يصنع السلام في المنطقة، على الرغم من أنّ المُعلن كان استئناف المسيرة من النقطة التي أسقط فيها الديمقراطيون إدارة ترامب بعد رئاسته الأولى، أي إحياء ما عُرفت بخطّة ترامب لسلام الشرق الأوسط، أو صفقة القرن التي تلقفها نتنياهو أوّل مرّة ليُخاطب ترامب "أنت أعظم صديق حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض"، وأنّ خطّته أعظم ما حصل عليه الكيان الصهيوني منذ اعتراف الرئيس الأميركي هاري ترومان بدولة إسرائيل في 1948. اتّخذ هذا التفاؤل غير المبرّر وغير المنطقي بمجيء ترامب شكل الجنون حينما جرى تصدير حالة أخرى من خداع الذات وخداع الجمهور، تفيد بأنّ زيارة الرئيس الأميركي إلى منطقة الخليج، الشهر الماضي (مايو/ أيار)، إنما جاءت مثل صفعة، أو مجموعة من الصفعات كما تطرّف مراسلون عرب في البيت الأبيض، على وجه نتنياهو، وتعبيراً عن طلاق بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية في ما خصّ الحرب على غزّة، بل إنه من ضمن ما قيل استباقاً لزيارة الخمسة تريليونات دولار أنّ ترامب جاء لإعلان وقف الحرب، قبل أي شيء آخر، غير أنّ أربعة أيّام أمضاها "ملك إسرائيل" في ثلاث عواصم خليجية لم تحضر فيها غزّة إلا جملة اعتراضية خاطفة في سياقٍ هادرٍ من الكلام عن الفلوس والصفقات الأسطورية. منذ ذلك الوقت، وترامب لا يترك مناسبة يتحدّث فيها إلا ويتطرّق إلى قصّة الـ5.1 تريليونات دولار بوصفها واحدة من الأساطير التي حقّقها في الشرق الأوسط، يستدعيها في كلّ خطبه ومؤتمراته الصحافية، ويقحمها في السياق حتى لو كان يتحدّث عن الحرب الروسية الأوكرانية، على نحو ما فعل في لقائه مع مستشار ألمانيا أمس، صبيحة استعمال واشنطن حقّ النقض (الفيتو) لصدّ مشروع قرار حظي بإجماع أممي يقضي بوقف الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني في غزّة، وكأنه يُمعن في إذلال الذات العربية بالربط بين هذا الضخ العربي المكثّف في الخزانة الأميركية وصلابة واشنطن في الدفاع عن جرائم الاحتلال الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني الذبيح، بحيث يبدو، في وجه من الوجوه، ضحية أموال عربية بلا حدود تذهب إلى ترامب. يستفيق العالم كلّه على هول مذابح الإجرام الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني، فيبدأ في تعديل مواقفه، ويذهب إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية والدفع باتجاه حل الدولتين، كما فعلت فرنسا، المُنحازة طوال الوقت لإسرائيل، فيأتي الردّ الغاضب من واشنطن، لا تل أبيب، فيقول سفير ترامب لدى نتنياهو ردًاً على الرئيس الفرنسي "يمكنك إنشاء الدولة الفلسطينية على منطقة الريفيرا بدلاً من الضغط على إسرائيل"، ويعلن أنّ الولايات المتحدة لن تشارك في مؤتمر فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية. كلّ هذا الانكشاف للموقف الأميركي المتقدّم جدًا في صهيونيته عن مواقف بعض أطياف مجتمع الاحتلال الإسرائيلي، من المفترض، نظريّاً، أن يدفع العرب إلى إعادة التفكير في التعاطي مع الجانب الأميركي باعتباره الوسيط الرئيس، ذلك أنّ كلّ يوم يقدّم دليلاً إضافيًا على أنّ هذا الوسيط هو العدو، أو هكذا يعلن عن نفسه بكلّ اللغات.