
فشل مراكز الفكر في استشراف طوفان الأقصى
صناع القرار
على اتخاذ حلول استباقية بشأنها، وتطوير سياسات فعالة لمنع وقوعها أو استيعابها ومنع تفاقمها.
ومع ذلك، فإن ما حدث في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 شكّل صدمة كبيرة، ليس فقط للأجهزة الاستخبارية والأمنية الإسرائيلية والإقليمية والدولية، بل أيضاً لمراكز الفكر والدراسات الاستراتيجية؛ إذ لم تتناول في تحليلاتها المنهجية المعمقة خلال الفترة التي سبقت الهجوم القدرات العسكرية لحركة
حماس
أو الأوضاع الميدانية في غزة بالحسبان. لقد كشف الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة على إسرائيل، واختراق عناصرها المسلحين الجدار العازل، وما تبع ذلك من أحداث، عن قصور في الأدوات التحليلية لمراكز الفكر والأبحاث على مستوى العالم، وفي مقدمتها أكبر المراكز الغربية. ومن هنا، يبحث هذا المقال في فشل المراكز البحثية ومنهجياتها الاستشرافية في التنبؤ بأحداث السابع من أكتوبر، ويحلل الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل.
مراكز الفكر ودورها البحثي في المجال السياسي
تُعرّف مراكز الفكر بأنها منظمات غير ربحية ترتكز على إعداد الأبحاث والدراسات في مجالات متعددة، بهدف نشر المعرفة وتقديم المقترحات والحلول لمشكلات متنوعة، ما يجعلها من الركائز الأساسية للبحث العلمي والتفكير. وتُمارس هذه المراكز أنشطتها العلمية عبر تنظيم المؤتمرات والندوات، ونشر الدراسات والكتب، وتقديم المشورة لصنّاع القرار.
وتحظى مراكز الفكر بأهمية خاصة في المجال السياسي نظراً لما تقدمه من إنتاج علمي يتصل بالواقع السياسي محلياً وإقليمياً ودولياً. فهي تنتج الأبحاث والدراسات، وتعقد الندوات والمؤتمرات العلمية ذات الصلة بالقضايا والتطورات السياسية، كما تصدر تقارير وتحليلات معمقة تسلط الضوء على القضايا والصراعات، وتحولها إلى موضوعات مطروحة للنقاش السياسي. وتُمثل هذه المراكز مصادر للخبرة المتخصصة التي تمكنها من المشاركة في صنع القرار، والتأثير في السياسات الوطنية والدولية، وتحديد الأولويات على جداول الأعمال السياسية، فضلاً عن تشكيل الرأي العام أو التأثير فيه، ناهيك بدورها حلقةَ وصل بين المعرفة العلمية وصنّاع القرار.
ومن أبرز أدوار مراكز الفكر والبحث الاستراتيجي: التنبؤ بالحروب والأزمات قبل وقوعها. فبامتلاكها أدوات تحليل دقيقة، يمكنها قراءة المؤشرات الخفية للصراعات ورصد التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تفضي إلى انفجارها. ومن ثم، تقترح حلولاً علمية وتقدم توصيات عملية لصناع القرار تساعدهم في اتخاذ إجراءات وقائية أو احتوائية.
وقد تمكنت العديد من مراكز الفكر من التنبؤ، بدرجات متفاوتة من الدقة، ببعض الحروب والصراعات. فعلى سبيل المثال، نجحت مؤسسات مثل مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group)، ومركز راند للدراسات الاستراتيجية (RAND)، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، في التنبه لاحتمالات الهجوم الروسي على أوكرانيا عبر تحليلها حشودَ القوات الروسية على الحدود الأوكرانية عام 2021، وقدمت حينها توصيات للدول الغربية بشأن تعزيز الدفاعات الأوكرانية واحتواء الخطر الروسي.
فلسطين في دراسات مراكز الفكر قبل 7 أكتوبر
قبل اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، انصب اهتمام مراكز الفكر والدراسات الاستراتيجية العربية والإسرائيلية والدولية، في ما يخص الشأن الفلسطيني-الإسرائيلي، على اتجاهات وقضايا بعيدة عن دراسة حركة حماس بوصفها تنظيماً عسكرياً. أدى هذا إلى إغفال التحولات في القدرات العسكرية والاستراتيجية للحركة، خاصة مع الاطمئنان العام لدى هذه المراكز لثبات الوضع القائم (Status Quo) في غزة من حيث الترتيبات الأمنية والسياسية.
وعند تتبع الاهتمامات البحثية لتلك المراكز خلال تلك الفترة، نلاحظ تركيزاً على آفاق السلام بين فلسطين وإسرائيل، لا سيما ما يتعلق بحل الدولتين، في ظل مبادرات مثل "صفقة القرن" واتفاقيات أبراهام للتطبيع العربي-الإسرائيلي. كما انشغلت هذه المراكز بتحليل انعكاسات اتفاقيات أبراهام على الأمن الإقليمي والعلاقات العربية-الإسرائيلية، وتأثيراتها على مستقبل القضية الفلسطينية.
وفي ما يخص الشأن الفلسطيني الداخلي، ركزت الدراسات على الانقسامات السياسية، وتحليل تداعياتها على الاستقرار المحلي والإقليمي. وتناولت دراسات أخرى الأداء الاقتصادي الفلسطيني، أوضاع الأسرى، وقضايا التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية ومدى شرعيته في القانون الدولي، وتأثيراته على فرص السلام.
أما بالنسبة لغزة، فقد انصب الاهتمام البحثي على تداعيات الحصار المفروض منذ أكثر من ستة عشر عاماً، وآثار الحروب المتكررة على الوضع الإنساني والاقتصادي، بالإضافة إلى موضوعات إعادة الإعمار ومعوقاته. كما تطرقت دراسات أخرى إلى الوضع الإنساني من زاوية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
وفي ما يتعلق بدراسة حركة حماس، فإن معظم المراكز، خاصة العربية منها، تناولتها باعتبارها فاعلاً سياسياً أكثر من كونها تنظيماً عسكرياً واجتماعياً مستمر التطور رغم الحصار. أما بعض المراكز الغربية والإسرائيلية، فقد درس حماس من زاوية كونها "تنظيماً إرهابياً"، وركز على هيكلها التنظيمي، وشبكات تمويلها، وعلاقتها بإيران وحزب الله، والمواقف الدولية منها، خاصة الأوروبية، وتحركاتها نحو الضفة الغربية.
شهدت الفترة التي سبقت السابع من أكتوبر اضطرابات سياسية وأمنية متسارعة شتّتت تركيز مراكز الفكر وأبعدتها عن تحليل القدرات العسكرية لحركة حماس واستشراف نواياها الاستراتيجية
لماذا أخفقت مراكز الفكر (Think Tanks) في التنبؤ بـ"طوفان الأقصى"؟
يُعزى فشل مراكز الفكر في توقع أحداث السابع من أكتوبر، أو ما يُعرف بـ"طوفان الأقصى"، إلى عوامل متعددة، بعضها يرتبط بالقضايا والأحداث التي هيمنت على المشهد السياسي قبيل تلك الأحداث، وبعضها الآخر يتعلق ببنية ووظيفة هذه المراكز، مثل التمويل، والسياسات الحكومية، ومدى استقلالية مراكز الفكر وتوافر المعلومات لديها. كما يتعلق بعض الأسباب بتوجهات هذه المراكز وطبيعة القضايا التي تهتم بها. ومن أبرز العوامل التي أسهمت في هذا الإخفاق ما يلي:
1. الاضطرابات السياسية وانشغال المراكز بقضايا دولية أخرى
شهدت الفترة التي سبقت السابع من أكتوبر اضطرابات سياسية وأمنية متسارعة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، شتّتت تركيز مراكز الفكر وأبعدتها عن تحليل القدرات العسكرية لحركة حماس واستشراف نياتها الاستراتيجية. ومن أبرز هذه القضايا:
الحرب الروسية الأوكرانية: استحوذت على اهتمام واسع من المراكز البحثية، خصوصاً في أوروبا، لما لها من تداعيات مباشرة على الأمن القومي والطاقة والاقتصاد الأوروبي. تركزت الأبحاث على التأثيرات طويلة المدى للحرب، واحتمالات توسعها، ومستقبل العلاقات الغربية الروسية.
الانتخابات الرئاسية الأميركية: شكلت الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة، خاصة في ظل ترشح
دونالد ترامب
مجدداً، محور اهتمام العديد من مراكز الفكر، حيث جرى تحليل فرص كل مرشح، وتأثير نتائج الانتخابات المحتملة على السياسات الخارجية والعلاقات الدولية، خصوصاً تجاه الصين وروسيا.
الملف الإيراني: ركزت مراكز الفكر على الصراعات الإقليمية المتعلقة بإيران، سواء في ما يخص الصراع الإيراني-الإسرائيلي، أو التنافس الإيراني-التركي، إلى جانب مفاوضات البرنامج النووي، ومستقبل العلاقات الإيرانية الخليجية، خاصة بعد التقارب الإيراني مع السعودية والإمارات.
الصين والنظام العالمي: شكل صعود الصين منافساً استراتيجياً للولايات المتحدة، والتنافس على النفوذ في آسيا وأفريقيا، أحد المحاور الأساسية لتحليلات مراكز الفكر، ما جعلها تكرّس جهوداً هائلة لدراسة توازنات القوى العالمية على حساب تحليل التهديدات الإقليمية، كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
2. ضعف الارتباط بالمصادر الميدانية في غزة
يُعد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة من أبرز العوامل التي أعاقت وصول الباحثين إلى المعلومات الميدانية الدقيقة. وبدلاً من التحليل المعتمد على الحقائق الميدانية، اعتمدت معظم مراكز الفكر على نماذج نظرية وتحليلات بعيدة عن الواقع، ما حال دون التقاط المؤشرات الفعلية التي كانت تُنذر بتحضيرات حماس العسكرية.
3. الحرص على التصنيف الأكاديمي والبحث في قضايا رائجة عالمياً
سعت العديد من مراكز الفكر إلى تعزيز مكانتها الأكاديمية والارتقاء في التصنيفات العالمية من خلال التركيز على ما يُعرف بـ"الاتجاهات العالمية الكبرى" (megatrends) مثل الذكاء الاصطناعي، التغير المناخي، الرقمنة، الحوكمة، التحولات الجندرية، والهجرة. هذا التوجه الأكاديمي أضعف من قدرتها على التعمق في النزاعات المحلية مثل الصراع بين حماس وإسرائيل، ما أدى إلى تهميش الدراسات المعمّقة في هذه الملفات الحيوية.
4. التوجهات الأيديولوجية والانحياز للرؤية الأمنية الإسرائيلية
تأثرت مراكز الفكر، خاصة الغربية منها، بالمنظور الأمني الإسرائيلي، ما دفعها إلى التقليل من قدرة حماس واعتبارها تهديداً محدوداً يمكن احتواؤه عبر التفوق العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي. هذا الانحياز حال دون دراسة العمق الاستراتيجي لحماس واستعداداتها الفعلية.
من جهة أخرى، فإن مراكز الفكر في بعض الدول المعادية للإسلام السياسي اتبعت خطاباً أمنياً سلبياً في تناولها حماس، مركزة على وصفها بالتنظيم الإرهابي، دون الغوص في قدراتها أو تقييم تطورها. في المقابل، فإن بعض المراكز ذات التوجه القومي أو الإسلامي ركز بشكل مفرط على البعد الإنساني والاقتصادي في غزة، دون تحليل القدرات العسكرية لحماس بصورة واقعية وشاملة.
5. التمويل المشروط وضعف الاستقلالية
تعتمد معظم مراكز الفكر على التمويل الحكومي أو دعم مؤسسات خاصة ذات مصالح سياسية واضحة، ما يحد من استقلاليتها البحثية. ففي حالة القضية الفلسطينية، تتحاشى العديد من المراكز، خصوصاً الغربية منها، تناول الأبحاث التي قد تزعزع صورة إسرائيل حليفاً استراتيجياً، أو تسلط الضوء على نقاط ضعفها الأمنية. وبالمثل، فإن الجهات الممولة ذات التوجهات المعادية لحركات الإسلام السياسي تفرض قيوداً على الأبحاث المتعلقة بحماس، وتمنع تصنيفها حركةَ مقاومة ذات قدرات فعلية. هذا الواقع المالي والسياسي أثر بشكل مباشر على قدرة المراكز على تقديم دراسات موضوعية وشاملة عن استعدادات حماس.
خاتمة
تحظى مراكز الفكر بأهمية كبرى في المجال السياسي والاستراتيجي، إذ تُعد من أبرز أدوات تقديم الرؤى الاستشرافية التي يعتمد عليها صانعو القرار لتفادي الأزمات والصراعات أو احتوائها. وعلى الرغم من الدور البارز الذي تلعبه في تحليل تطورات القضية الفلسطينية، فإن صدمة أحداث السابع من أكتوبر شكّلت اختباراً قاسياً كشف عن محدودية قدرتها التحليلية والاستشرافية.
لقد فشلت العديد من مراكز الفكر حول العالم في توقع عودة الصراع بين حماس وإسرائيل، ناهيك باتساعه بالشكل الذي حصل في السابع من أكتوبر 2023. ويمكن إرجاع هذا الفشل إلى انشغالها باضطرابات سياسية عالمية، وتوجهاتها الأكاديمية الموجهة نحو القضايا الرائجة عالمياً، وارتباطها الأيديولوجي والتمويلي بأطراف لها مواقف محددة من القضية الفلسطينية.
كما أن سعي هذه المراكز إلى الارتقاء في التصنيفات الأكاديمية العالمية جعلها تنساق وراء الأجندات البحثية الغربية، وتُقصي القضايا الإقليمية ذات الأهمية الكبرى، مثل تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما جعلها تُغفل التحركات الاستراتيجية لحماس، وتفشل في التنبؤ بحدث أعاد تشكيل خريطة القوى والتفاعلات في المنطقة العربية والشرق الأوسط برمّته.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ 3 ساعات
- القدس العربي
الضفة.. جيش الاحتلال يفجر منزلين لعائلة أسير فلسطيني- (شاهد)
رام الله: فجر جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر الخميس، منزلين في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، يعودان لعائلة أسير فلسطيني في سجون الاحتلال. وقال شهود عيان إن جيش الاحتلال فجر منزلين لعائلة الأسير عبد الرحيم الهيموني في حي وادي أبو كتيلة، بعد ساعات من اقتحام المدينة بقوات كبيرة. لحظة تفجير قوات الاحتلال منزل الأسير عبد الرحيم الهيموني في واد أبو اكتيلة بالخليل — شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) August 7, 2025 وأضاف الشهود أن 'الجيش وصل الحي منتصف ليلة الأربعاء/الخميس وشرع على الفور في زرع متفجرات في شقتين سكنيتين في طابقين من بناية سكنية تتكون من خمس طبقات'. وأشاروا إلى انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي وإغلاق شوارع في محيط البناية المستهدفة طوال فترة التجهيز لعملية التفجير، قبل أن ينسحب من الحي صباح الخميس. ومساء الأربعاء، قال شهود عيان إن 'قوة كبيرة من جيش الاحتلال اقتحمت مدينة الخليل وتوجهت إلى حي وادي أبو كتيلة وحاصرت منزلا لعائلة الهيموني'. وأضاف الشهود أن الجيش حضر بأعداد كبيرة من المركبات العسكرية وأحضر معه معدات تستخدم عادة في التحضير لتفجير المنازل. مشاهد من منزل الأسير عبد الرحيم الهيموني بعد أن فجره الاحتلال الليلة في مدينة الخليل، حيث يتهمه بالمشاركة في عملية 'تل أبيب' التي أسفرت عن مقتل 7 مستوطنين مطلع أكتوبر من العام الماضي. — شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) August 7, 2025 وفي 24 يونيو/ حزيران أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي نيته هدم الشقة السكنية التي كان يقيم فيها الأسير الهيموني، متهما إياه بالمشاركة في هجوم استهدف محطة القطار الخفيف بمدينة تل أبيب مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وأدى إلى مقتل سبعة أشخاص وإصابة 15 آخرين. وفي 5 مارس/ آذار فجر جيش الاحتلال الإسرائيلي منزلين لفلسطينيين اتهمهما بالمشاركة في العملية وهما أحمد الهيموني، ومحمد مسك. وحينها، أعلنت 'كتائب القسام' الجناح المسلح لحركة 'حماس'، مسؤوليتها عن 'عملية يافا البطولية التي نفذها المجاهدان القساميان محمد راشد مسك وأحمد عبد الفتاح الهيموني من مدينة الخليل'. وخلال يوليو/ تموز نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي 75 عملية هدم في الضفة طالت 122 منشأة، بينها 60 منزلا مأهولا، و11 منزلا غير مأهول، و22 منشأة زراعية، و26 مصدر رزق وغيرها، وفق تقرير شهري لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الحكومية الفلسطينية. وبموازاة إبادة غزة، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1013 فلسطينيا، وأصابوا نحو 7 آلاف، إضافة لاعتقال أكثر من 18 ألفا و500، وفق معطيات فلسطينية. (الأناضول)


العربي الجديد
منذ 4 ساعات
- العربي الجديد
تبريرات واشنطن لاحتلال إسرائيل غزة لم تهبط من فراغ
في معرض رده على سؤال، أمس الأول الثلاثاء، عما إذا كان يعتزم دعم احتلال إسرائيل قطاع غزة، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن "هذا يعود لإسرائيل أن تقرر بشأنه"، وفي اليوم التالي ذهب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى أبعد من ذلك. ففي رده على السؤال نفسه خلال مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، كرر ما قاله ترامب، مضيفا ما مفاده أن إسرائيل هي الأدرى بما "تحتاجه لأمنها". وبذلك بدا رئيس الدبلوماسية الأميركية الذي قلما أدلى بدلوه في ملف غزة وكأنه يسطّر قاعدة استثنائية في القانون الدولي تجيز لإسرائيل احتلال الأرض المجاورة لها إذا ارتأت أن "حاجتها الأمنية" تستدعي ذلك. منح إسرائيل هذا الضوء الأخضر الفاقع مع تبسيط المسألة باعتبارها مجرد "تصريح" ينبغي "الاستفسار من إسرائيل" عن مقاصده، كما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، عزّز الانطباع بأن الموضوع جرى التوافق حوله خلال زيارة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الأسبوع الماضي إلى إسرائيل وغزة وبعد دفن مشروع وقف إطلاق النار. قد يكون التلويح باحتلال القطاع محاولة ضغط على حركة حماس لحملها على "حلحلة" موضوع المحتجزين الإسرائيليين. كما لا يستبعد محللون ألا يكون في ذلك "أكثر من هروب إلى الأمام" بالنسبة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعدما لم تنجح حرب الإبادة على غزة في تحقيق أغراضها الأساسية. كما أنه ربما يكون قد لجأ إلى خيار الاحتلال سبيلاً لمواصلة الحرب استرضاءً للجناح اليميني المتطرف في حكومته وبما يضمن عدم سقوطها، وبالتالي بقاءه في منصبه. لكن هناك تفسيرات تتقاطع عند الاعتقاد بأن هذه النقلة النوعية والخطيرة "لم تهبط من فراغ"، بل جاءت في سياق تراكمات تحكّمت بها حكومة نتنياهو لتبلغ هذا المآل. ومن أبرز تلك التراكمات ما جاء به ترامب في بداية رئاسته الثانية، عندما اقترح في 25 يناير/ كانون الثاني تهجير الفلسطينيين من غزة، وصرّح أكثر من مرة عن رغبته في "امتلاك غزة" وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وذلك تحت مزاعم إعادة إعمارها. يومذاك سارع نتنياهو إلى التقاط الفكرة والعمل على مراكمة ظروف ترجمتها من خلال سد الطرق أمام البدائل وبالتحديد مفاوضات وقف إطلاق النار، التي لم يخف ويتكوف بأنها "صارت من الماضي"، نزولاً عند رغبة نتنياهو وفق ما بدا. إدارة ترامب لا تعارض هذا التوجه من حيث المبدأ، لكنها تخشى متاعب وأكلاف "اليوم التالي"، وهذا ما يفسر كلامها عن ترك القرار لإسرائيل في الموضوع. فقد ذكرت معلومات، ومنها إسرائيلية، أن كلفة الاحتلال تقدّر "بعشرة مليارات دولار بالإضافة إلى تجديد البنية التحتية". للخلاص من هذه الأعباء ومتاعبها، عاد تسليط الأضواء على معزوفة "التهجير"، تارة بالترغيب في "حياة مريحة وآمنة"، وتارة بوعد أهل القطاع "بالرحيل الطوعي"، كما بدأ يتردد في الأيام الأخيرة. إسرائيل لا بد أنها تراهن على ثلاثي الدمار وحرب التجويع والقتل المنظم وصفةً للدفع باتجاه التهجير. الإدارة تتحدث عن عزمها على "زيادة المعونات الإنسانية ومراكز توزيعها" في غزة، لكن الواقع على الأرض يكذب ذلك. والمعروف أن إسرائيل هي التي تتحكم بدخول الكميات وتوزيعها عبر ما تُسمى " مؤسسة غزة الإنسانية " المرتبطة بها والمدعومة منها والتي لم تصدر توصية عن ويتكوف بكف يدها عن عملية التوزيع، رغم المآخذ العديدة على دورها. تحليلات التحديثات الحية زيارة ويتكوف إلى غزة: بروباغندا إعلامية لمعالجة بالمسكّنات على العكس، بعض المعنيين في الإدارة أشادوا بجهودها، بعكس الإجماع في صفوف المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة على إدانة دورها "المتواطئ مع القوات الإسرائيلية" لإثارة فوضى والتجويع، وبالتالي استهداف منتظري المساعدات الذين سقط من بينهم منذ 27 يونيو/ حزيران الفائت أكثر من ألف شهيد عند مراكز التوزيع. نتنياهو يتحدث عن احتلال كامل القطاع مدخلاً لضمه. فهو يعلم أن إدارة ترامب التي وافقت على ضم إسرائيل القدس والجولان المحتلين، لن تتردد في الاعتراف بضمها القطاع الذي تطمح للاستثمار فيه باعتباره منتجعاً كانت أول من طرح وروّج لفكرته.


BBC عربية
منذ 4 ساعات
- BBC عربية
اجتماع مرتقب للكابينت الإسرائيلي وسط توقعات بإقراره "سيطرة عسكرية كاملة" على قطاع غزة
يجتمع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر، (الكابينت)، في وقت لاحق من اليوم الخميس، وسط تقارير تفيد بتوجه حكومة بنيامين نتنياهو لإقرار "سيطرة عسكرية كاملة" على قطاع غزة. وقالت هيئة البث الإسرائيلية إنه من المتوقع أن يصادق الكابينت على خطة عسكرية، تقضي بالسيطرة العسكرية على كامل مساحة قطاع غزة. وأضافت أن الجيش الإسرائيلي أعد خلال الأيام الأخيرة عدة سيناريوهات تنفيذية، رغم معارضة رئيس هيئة الأركان، إيال زامير، للفكرة من حيث المبدأ. وكانت تقارير قد أفادت بوجود خلافات بين زامير ونتنياهو بشأن توسيع العمليات العسكرية في غزة، حيث اعتبر زامير الأمر بمثابة "مصيدة عسكرية". وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، إن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى تنفيذ أي قرارات حكومية بشأن غزة، وذلك في ضوء الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري بشأن الخطة. وأكد كاتس "حق وواجب رئيس الأركان أن يعبر عن موقفه في المنابر المختلفة ... لكن بعد أن يتخذ المستوى السياسي القرارات، فإن الجيش سينفذها بحزم ومهنية، كما فعل على جميع الجبهات، حتى تحقيق أهداف الحرب". ونقل الإعلام الإسرائيلي عن مسؤولين، أن نتنياهو عازم على المضي قدما في التصعيد وتوسيع العملية العسكرية لتشمل مناطق مكتظة يُعتقد بوجود الرهائن فيها، مثل مدينة غزة ومخيمات اللاجئين. وقال نتنياهو إنه يجب على إسرائيل "إتمام هزيمة حركة حماس" لضمان إطلاق سراح الرهائن، الذين ما زالوا محتجزين في غزة منذ هجوم أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي أشعل فتيل الحرب. وفي يوم الأربعاء، أصدر الجيش الإسرائيلي نداءً جديداً لإخلاء أجزاء من مدينة غزة شمالاً وخان يونس جنوباً، حيث صرّح متحدث باسمه بأن القوات البرية تستعد "لتوسيع نطاق العمليات القتالية". "عرقلة العمليات الإنسانية في غزة" قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي إن الوضع الإنساني في غزة لا يزال خطيراً للغاية. جاء ذلك في تصريحات لوكالة رويترز للأنباء، الخميس، بعد أن اطلعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في وقت متأخر من يوم الأربعاء، على وضع الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إسرائيل الشهر الماضي بشأن تعزيز وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وأضاف المسؤول أن هناك بعض التطورات الإيجابية فيما يتعلق بتوريد الوقود، وإعادة فتح بعض الطرق، وارتفاعاً في عدد الشاحنات التي تدخل القطاع يومياً، وإصلاح بعض البنى التحتية الحيوية. ومع ذلك، أضاف المسؤول الأوروبي أن "عوامل معيقة كبيرة لا تزال تُقوّض العمليات الإنسانية وإيصال المساعدات إلى غزة، وأبرزها عدم وجود بيئة عمل آمنة تسمح بتوزيع المساعدات على نطاق واسع". "وفيات بسبب الجوع" وتتزايد الانتقادات الدولية إزاء معاناة أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، جراء نقص الماء والطعام والوقود، حيث تحذر الأمم المتحدة من انتشار سوء التغذية وخطر المجاعة واسعة النطاق. وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الأربعاء، إن الفلسطينيين في قطاع غزة "يتعرضون لإطلاق النار أثناء محاولتهم إيجاد طعام لعائلاتهم"، محذرة من أن الوضع الإنساني في القطاع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو. وأضافت الأونروا، في بيان نشر على حسابها بمنصة (إكس)، أن الأمم المتحدة تحذر منذ شهور من العواقب المتفاقمة في غزة، حيث "يتضور السكان جوعا، ويقتلون أثناء بحثهم عن الطعام"، داعية إلى "قرار سياسي بفتح المعابر بدون شروط، والسماح للأمم المتحدة وشركائها بالقيام بعملهم الإنساني". وأحصت المستشفيات في غزة "5 حالات وفاة" نتيجة للمجاعة وسوء التغذية، خلال 24 ساعة حتى صباح الأربعاء، ليرتفع عدد الوفيات إلى "193 بينهم 96 طفلاً جراء سوء التغذية والمجاعة"، بحسب بيان وزارة الصحة في غزة. وكان أكثر من عشرين فلسطينيا قد قتلوا، الأربعاء، وأصيب عشرات آخرون إثر انقلاب شاحنات مساعدات عليهم، أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء في قطاع غزة، بينما قتل 25 آخرون على الأقل بينهم عدد من الأطفال والنساء، وأصيب عشرات أخرون بنيران الجيش الإسرائيلي وغاراته في اليوم ذاته.