
"حجاج إيران" كواجهة للمصالحة والتوتر مع السعودية
بعد نحو عامين من تبادل الرياض وطهران السفراء مجدداً بعد سنوات القطيعة، حطت طائرة تابعة لخطوط "ناس" السعودية في مطار طهران بعد مشهد أخيراً، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ نحو 10 سنوات، لنقل وفود من الحجاج الإيرانيين إلى المملكة، في رحلة لم تكن مجرد إجراء لوجستي، بل حملت في طياتها دلالات عميقة، ورسائل متبادلة في سياق مسار التقارب المتسارع بين الرياض وطهران.
وفي هذا الصدد يرى السفير الإيراني لدى السعودية علي رضا عنايتي في حوار موسع مع "اندبندنت عربية" أن الخطوة بالنسبة إلى بلاده أبعد من مجرد نقل جوي على أهميته، "وإنما بداية غيث يوشك أن ينهمر"، وفسر رمزية الاستقبال للطائرة السعودية بأن "التقاليد الفارسية، المياه رمز للنور والخير والبركة، وهي إشارة إيجابية للغاية. أما في عرف الطيران المدني العالمي، فإن رش المياه على الطائرة تقليد يتبع عند هبوطها للمرة الأولى في مطار جديد، إذ تمر الطائرة تحت قوس مائي رمزي". وأضاف أن هذا الحدث يجمع بين بعدين: التقاليد الإيرانية التي تبشر بالخير، والعرف الدولي في الطيران المدني، مستشهداً بالآية القرآنية: "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، ليؤكد أن المياه ترمز للحياة والبركة.
وأوضح أن هذه ليست المحطة الأولى، إذ سبق أن هبطت طائرة "طيران ناس" في مدينة مشهد قبل ذلك لنقل الحجاج، وطهران هي المحطة الثانية في هذا المسار. وعن الرسالة التي يحملها هذا الحدث، أكد السفير أنه جزء من مسار أوسع لتعزيز العلاقات بين البلدين، قائلًا "منذ استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، أكدنا تعزيز التواصل بين البلدين في مسارات عدة، منها تنشيط الرحلات الجوية بين الدولتين وعدم اقتصارها على مدن معينة، بل توسيعها لتشمل وجهات متعددة".
الهدف ليس الحج وحده
وأوضح أن هناك تقدماً ملاحظاً في هذا المجال، إذ قبل أن تهبط الطائرات السعودية الآن في مطاري طهران ومشهد لنقل الحجاج، كانت الطائرات الإيرانية، تنقل منذ أشهر الراغبين بين الدمام ومشهد. كما يستقبل مطار الطائف المعتمرين الإيرانيين، وهو ما يعكس التوسع في التعاون الجوي، وأضاف "خلال فترة وجيزة، تمكنا من تفعيل اتفاق النقل الجوي بين البلدين، وهو خطوة أولى نحو رحلات مجدولة بين مدن مثل طهران وجدة، أو الرياض وطهران، لأغراض سياحية واقتصادية وثقافية".
تحدث السفير عن خطط مستقبلية لتطوير الرحلات الجوية بين البلدين، مؤكداً أن الهدف هو تحويل الرحلات من "عارضة" إلى رحلات تجارية مجدولة، و"الخطوط الجوية الإيرانية والسعودية تعملان معاً لتخطيط رحلات مباشرة ومجدولة، مع خطط لفتح مكاتب تمثيلية في كلا البلدين".
ويفيد مصدر مطلع في "ناس" بأن رحلات نقل الحجاج ليس مخططاً أن تستمر بعد انتهاء الموسم، وقال في تصريح إلى "اندبندنت عربية" إن الخطوط "لم تبلغ بجدولة رحلات حتى الآن بين السعودية وإيران طوال العام".
غير أن السفير أشار إلى أن هناك وفوداً متبادلة بين البلدين لتثبيت هذا التعاون، مؤكداً أن هذه الخطوة هي "بداية مباركة"، واستشهد بالمثل القائل "أول الغيث قطرة ثم ينهمر"، وأن البداية بالحجاج تمهد لعلاقات أوسع تشمل السياحة والاقتصاد والتواصل الثقافي بين الشعبين.
الحجاج الإيرانيون... مرآة السياسة
كثيراً ما شكل موسم الحج ساحة مفتوحة للتعبير عن المناخات السياسية بين البلدين، فعلى مدى العقود الماضية، تراوح حضور الحجاج الإيرانيين بين الانضباط الديني والتوظيف السياسي، بحسب مستوى العلاقات الثنائية. في لحظات الانفراج، كان الحج يعكس حرصاً متبادلاً على تجنب التوتر، أما في فترات التوتر فتحول الحجاج الإيرانيون أو في الأقل خطاب طهران المرتبط بهم إلى أدوات ضغط أو استعراض سياسي، تجسدت في شعارات طائفية أو مظاهرات موجهة، وهو ما أدى في بعض الأحيان إلى أحداث دامية مثل حادثة مكة عام 1987، التي راح ضحيتها مئات من الحجاج، وأسهمت في قطع العلاقات آنذاك، وهي أحداث تكررت بعد ذلك مرات عدة ولكن بمستوى حدة أقل.
سعدت باستقبال أولى رحلات #طيران_ناس في صالة السلام الدولية في مدينة #طهران pic.twitter.com/24xuxs2pZ6 — عبدالله بن سعود العنزي (@alanazi203) May 18, 2025
لكن اللافت أن ذلك التاريخ ليس فقط تريد طهران اليوم إظهار القطيعة معه، ولكن أيضاً محوه من ذاكرة جموع الحجاج والسعوديين خصوصاً، إذ أكد عنايتي على أبواب موسم الحج العام الماضي لـ"اندبندنت عربية" أن حجاج بلاده "منضبطون، ولن يكونوا بعد الآن سبباً في تكدير صفو الحج". وهو تصريح يعكس تحولاً في الخطاب الرسمي الإيراني، الذي بدا أكثر حرصاً على تطمين السعودية والمجتمع الدولي بعدم تكرار سلوكيات التسييس التي اتهم بها الجانب الإيراني في الماضي.
أما هذا العام فإن مجرد استدعاء ذكر ذلك التاريخ، يراه السفير في حديثه معنا "ضرباً من التهويل الإعلامي"، داعياً إلى التركيز على الحاضر والمستقبل، في إشارة إلى خطوات بناء الثقة بين الجارتين الكبيرتين في الإقليم، التي بلغت ذروتها أخيراً بإيفاد القيادة السعودية وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان برسائل إلى قمة الهرم السياسي في طهران، برهن عن ثقلها الظرف الإقليمي والحامل لها والمستقبل المرشد علي خامنئي.
الرسالة الإيرانية هذه المرة واضحة: نحن نريد الحج أن يكون فريضة لا منصة، وهي نقطة تتقاطع مع تأكيد المملكة المتكرر أن الحج شعيرة دينية يجب ألا تستغل لأغراض سياسية أو دعائية.
400 ألف إيراني يقصدون السعودية سنوياً
بل إن السفير في حديثه مع "اندبندنت عربية" لفت إلى أنه يستهدف أن تكون تجربة الحاج تتجاوز الرحلة الإيمانية إلى آفاق أبعد، تؤدي إلى ازدهار الدبلوماسية الثقافية بين الشعبين، و"نستقبل السعوديين كذلك في المدن الإيرانية".
وأكد السفير أن ما يقارب 400 ألف إيراني زاروا المملكة خلال العام بين عمرة وحج، منهم 85 ألف حاج. وعبر عن تقديره لوزارة الحج والجهات السعودية المعنية، مشيداً بالتعاون والتنسيق قائلاً "كلهم مرتاحون ونحن من هنا نغتنم الفرصة بأن نبدي شكرنا وامتناننا للسلطات المعنية"، مشيراً إلى أن الحجاج الإيرانيين يسهمون بدورهم في تلك الجهود عبر التزامهم بالكامل ضمن بقوافل منظمة ولا توجد حالات تأخر أو تجاوز، مضيفاً "بصراحة، لا توجد أية تجربة سلبية، صفر مشكلات تقريباً".
وفي إجابته عن سؤال حول إمكان تحول الحج إلى منصة للدبلوماسية الشعبية، قال السفير: "نعم، الحاج الإيراني يعود لبلده حاملاً تجربة إيجابية، ويؤثر في مجتمعه، وهذا ما نسعى إلى تعزيزه"، مشيراً إلى أن "مليون ونصف مليون إيراني" مسجلون على قوائم الانتظار للحج، مما يدل على عمق العلاقة الروحية.
وتشدد وزارة الحج السعودية على التزام تعليماتها في المناسبة الدينية، حفاظاً على سلامة الحجاج بصورة عامة ولا سيما الحصول على "التصريح" وتجنب الافتراش، والتعاون مع المؤطرين والمرشدين ورجال الأمن. وفيما يشكل الإيرانيون في سنوات مضت نقطة التوتر الأبرز في الجانب الأمني، شكلت مخالفات جنسيات أخرى مثل المصريين تحدياً لوجستياً، بسبب محاولات أعداد منهم الحج بطرق غير قانونية، تعرض سلامتهم للخطر، ولا سيما في السنة الماضية، مما أحوج السلطات المصرية والسعودية إلى مراجعة عدد من الإجراءات، وإيقاع العقوبات ضد الحملات الوهمية.
وفي محور آخر، تطلع السفير الإيراني إلى توسيع العلاقات مع الرياض لتشمل الجوانب الثقافية والإعلامية والسياحية، مؤكداً أن التبادل الشعبي أساسي لتعزيز التفاهم. وأضاف "العلاقات لا ينبغي أن تقتصر على السياسيين، نريد دبلوماسية ناعمة شعبية وإعلامية، تعكس روح التلاقي والتعاون".
وتطرق إلى موضوع الصورة النمطية عن إيران قائلاً "إيران ليست ما يحكى عنها، بل ما يرى فيها، كل من زارها أدرك الفرق بين ما سمعه وما شاهده".
الميموني: الرحلة بوابة أخرى لتفعيل المصالحة
رحلة "ناس" إلى طهران لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الإقليمي الأشمل، إذ تأتي بعد اتفاق استئناف العلاقات بين البلدين بوساطة صينية في مارس 2023، وعودة التمثيل الدبلوماسي الكامل، إذ مثل ملف الحج واحداً من القنوات التي ظلت تفتح حتى في أحلك فترات الخلاف، لكنه هذه المرة يتحول إلى أداة تفعيل للمصالحة، وليس فقط مؤشراً عليها.
الرياض من جهتها، تعاملت مع الملف بحرفية، بفصلها بين أداء الشعائر والاختلافات السياسية، لكنها بقيت حذرة من محاولات تسييس الحشود، وهو ما يظهر من الإجراءات التنظيمية المشددة والتعليمات الموجهة للبعثات كافة، بما فيها الإيرانية، وفق تأكيد وزير داخليتها الأمير عبدالعزيز بن سعود أن "أمن الحجاج خط أحمر".
فعلى رغم مؤشرات الانفراج، لا تزال ذاكرة التوتر حاضرة، سواء في الأوساط الأمنية أو الإعلامية أو حتى الشعبية. تسييس الحج بالنسبة إلى المملكة من أي كان لا مجال للتهاون فيه، والنظام الإيراني وإن أبدى مرونة في خطابه الحالي، إلا أن تجارب الماضي تضعه تحت المراقبة الدقيقة.
ويؤكد الخبير في الشأن الإيراني اللواء أحمد الميموني أن بدء رحلات الحج بين السعودية وإيران يمثل خطوة عملية في مسار تفعيل المصالحة بين البلدين، لافتاً إلى أن "الزيارات المتعلقة بالحج والعمرة من أبرز المشتركات التي يمكن أن ترفع من مستوى التعاون وتبني الثقة". وأوضح أن المملكة تتبنى نهجاً يقوم على "خطوات متدرجة" تنبع من جديتها في تحسين العلاقات، لكنها تدرك في الوقت نفسه التحديات، وعلى رأسها صعوبة بناء الثقة والأزمات المتعددة التي تواجه النظام الإيراني.
ويبقى السؤال: هل تصمد هذه الروح التصالحية، أم أن عوامل إقليمية قد تعيد إنتاج التوتر من جديد؟
يجيب عن ذلك السفير في سياق تعليقه على عقد وزير الدفاع السعودي أخيراً محادثات في طهران مع المرشد، وقال "زيارة وزير الدفاع السعودي الأخيرة لطهران كانت سيادية بكل ما تعنيه الكلمة"، مؤكداً أن "الثقة ولدت، لكنها تحتاج إلى تثبيت وتنمية".
واعتبر الميموني من جهته كذلك أن زيارة وزير الدفاع، حاملاً رسالة من خادم الحرمين الشريفين، تعكس مدى جدية الرياض، مشدداً في غضون ذلك على أن المملكة "لن تسمح باستغلال الشعائر الدينية لبث الفكر الأيديولوجي أو تحقيق مكاسب سياسية"، في ظل التزامها بحماية قدسية المناسك وراحة الحجاج.
ما يزعج إيران في زيارة ترمب
انتقل الحوار إلى ضفة أخرى حول ما إذا كانت إيران والسعودية تجاوزتا مرحلة التنافس التي يتحدث عنها الإعلام الأجنبي، لينتقلا إلى مرحلة التعاون، فأجاب السفير بتأكيد ذلك قائلاً "أتصور أن إيران والمملكة تتجهان نحو التعاون والتعاضد والتشاور في قضايا إقليمية تهم الإقليم، وتتعاونان معاً لصالح الإقليم"، مؤكداً أن هذا النهج هو الأنسب لتحقيق الاستقرار والتنمية.
في سياق زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنطقة، التي أثارت تغطية إعلامية واسعة وردود فعل متباينة، كان غير مفهوم أن الزيارة على رغم احتوائها على جوانب إيجابية لإيران، أثارت انزعاجاً في طهران، ولذلك سألت "اندبندنت عربية" السفير عنايتي عما إذا كانت العلاقات الأميركية - الخليجية لا تزال تشكل مصدر قلق لإيران. رد السفير بحذر دبلوماسي، مؤكداً أن دول الإقليم قادرة على إدارة شؤونها بنفسها من دون تدخل خارجي، وقال "نحن أبناء الإقليم، نعيش معاً في السراء والضراء، حتى لو أخطأنا فنحن نصحح أخطاءنا. لا يأتي أحد من آلاف الكيلومترات ليملي علينا مبادئ أو حلولاً، نحن أكفأ في إدارة شؤوننا، وقد أثبتت إيران والسعودية ودول الإقليم ذلك".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف أن إيران تعتمد على نفسها وعلى جيرانها، مشيراً إلى أن الاعتماد على الذات هو جوهر رؤية المنطقة، وتابع "نحن معتمدون بعضنا على بعض، ولا نبالي بما قاله الرئيس الأميركي في زيارته. ما يهمنا هو تعزيز التعاون الإيراني مع دول مجلس التعاون، وهذا ما يصلح الإقليم". وفي سياق المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، أشار السفير إلى دعم دول الخليج لهذه المحادثات، قائلاً "عندما جلسنا في سلطنة عمان بمشاركة دول الإقليم، أعلنت دول مجلس التعاون دعمها لهذه المحادثات. هذا أمر طبيعي، لأننا أبناء الإقليم ونتحدث مع بعضنا. ما كان يسمع سابقاً عن توترات كان غير طبيعي، والآن عادت الأمور لمجراها الأصيل".
تلاسن بين المرشد والرئيس
وكان الرئيس الأميركي على رغم تمسكه بالتفاوض لإنجاز اتفاق نووي مع إيران بدعم خليجي واسع هذه المرة، إلا أنه لم يتردد في توجيه انتقادات لاذعة إلى طهران، التي أعربت عن استيائها بشدة، واصفة إياه بالكاذب، وأنه "عار على الأمة الأميركية".
وقد يكون الذي أزعج القيادة في إيران أكثر ليس فقط مقارنة ترمب بين إيران وجاراتها الخليجية، وإنما المقارنة بين ماضي البلاد في العهد الملكي وحاضرها بعد الثورة، حين قال "في حين حولت الدول العربية الصحاري إلى أراض خصبة، حول قادة إيران الأراضي الخضراء إلى صحاري جافة، لقد تحولت المباني التاريخية في طهران عام 1979 (بعد الثورة) إلى أكوام من الغبار والأنقاض".
في هذا الصدد يقول السفير إن "كل من زار إيران عرف حجم الازدهار الذي تشهده، على رغم العقوبات القاسية التي تشهدها ويعانيها الشعب الإيراني، وإذا كان هناك ملوم على ذلك الواقع فهو من فرض تلك العقوبات"، في إشارة إلى واشنطن.
عندما سألناه عن سبب انزعاج الأوساط الإيرانية من مقارنات كهذه إذا كانت مجافية للحقائق، قلل السفير من أهمية هذه المسألة، واصفاً إياها بـ"الحروب الإعلامية". وقال "أتصور أن هذه حروب إعلامية أكثر من كونها شيئاً واقعياً، إيران مفتوحة ومتاحة لزيارة الجميع، وكل شخص لديه دعوة مفتوحة لزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليرى بأم عينه كيف تطورت إيران ونمت على رغم العقوبات". وأضاف أن العقوبات أثرت في الحياة الاقتصادية والتجارية في إيران، لكنها لم توقف تقدمها، "العقوبات هي واقع أثر في الاقتصاد والتجارة، لكن إيران لم تستسلم، وبقيت صامدة كما كانت دائماً، معتمدة على نفسها".
التواصل الشعبي أهم من السياسي!
أكد عنايتي في هذا السياق أهمية الزيارات الشعبية بين إيران ودول الخليج، مشيراً إلى أنها أفضل من الزيارات السياسية لتعزيز العلاقات، وقال "نعمل بكل جهد لتبادل الزيارات الشعبية أكثر من السياسية، نحن ندعو من هذا المنبر إلى زيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليكون ذلك تجربة مباشرة، ولنكون رواداً لا مجرد رواة". وأضاف أن التواصل المباشر بين الشعبين يقوي العلاقات "عندما يأتي المواطن الإيراني إلى السعودية ويكرم، ويذهب المواطن السعودي إلى إيران ويكرم، ويرى بنفسه، فإن ذلك سيزيد من قوة ومتانة العلاقات الإيرانية - السعودية".
وعن تغير نظرة الخليج لإيران، أجاب السفير "نحن أيضاً كنا إيجابيين تجاه إخواننا في دول الخليج، ونرى في جيراننا سنداً وظهيراً. هذه السياسة أبرزها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وأكدها الرئيس الحالي بزشكيان في حكومته الـ14، واستحسنها الإمام خامنئي، مؤكداً أنها سياسة صحيحة يجب أن تستمر"!
لكن القيادي في معهد الدراسات الإيرانية أحمد الميموني رأى أن التحول في السياسة الإيرانية تجاه السعودية مرده إلى أن " طهران أدركت أن توتر علاقاتها مع السعودية كبدها خسائر إقليمية ودولية، في وقت تواصل فيه المملكة صعودها بثقة عبر علاقات دولية متوازنة ونموذج تنموي يصعب تجاهله، ولا سيما أنه يحظى باهتمام واسع داخل إيران".
"لم ندخل حرباً منذ 200 سنة"!
تطرق الحوار إلى اتهامات متكررة لإيران بمحاولة الهيمنة على المنطقة، وهو ما يصفه بعضهم بـ"دور شرطي الخليج"، ورد السفير بحسم، مؤكداً أن إيران لا تسعى إلى الهيمنة أو الصراع، وقال "نحن نتحدث عن قوة المنطق، وليس منطق القوة. نتحدث عن إقليم قوي، وليس بلد قوي يهيمن أو يسيطر. إيران لم تدخل في حرب منذ 200 سنة، فكيف يمكن لمن يبحث عن التوسع ألا يدخل في حرب طوال هذه الفترة؟". وأضاف أن منطق إيران واضح، وهو التعاون الإقليمي "إيران لا تبحث عن إمبراطوريات أو عن أن تكون ضد مصالح الإقليم، نحن نسعى إلى التعاون والمشاركة في السراء والضراء".
في سياق مناقشة مقالة نشرها السفير بعنوان "الأمن والتنمية في الخليج من منظور إيراني"، أكد أن الأمن والتنمية وجهان لعملة واحدة، قائلاً "الأمن والتنمية جزءان متكاملان، الأمن يهيئ الأجواء للتنمية، والتنمية تقوي الأمن". وأوضح أن الأمن لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يشمل الأمن السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي "الأمن يجب أن يكون متكامل الأطراف ويشمل جميع المساحات، وليس مجرد ذخائر وعتاد. العتاد يمكن شراؤه، لكن الأمن لا يمكن شراؤه".
وأكد أن التنمية الاقتصادية والثقافية والسياسية تسهم في تحقيق الأمن "عندما يكون الاقتصاد مزدهراً، والسياسة مستقرة، والثقافة متداولة بين الأطراف، والطرق مواتية سواء البرية أم البحرية أم السكك الحديدية فإن ذلك يؤدي إلى الأمن".
مقاربة التنمية وتفادي الصراعات
ورجح أن رؤى التنمية في الخليج المتعددة ولا سيما السعودية 2030 من شأنها أن توظف موارد الإقليم بما يخدم سكانه في دول الخليج الثمانية (دول مجلس التعاون + العراق وإيران)، مؤكداً أن "المنطقة تصلح أن تكون نقطة انطلاق بمواردها البشرية وطاقاتها وثقافتها وحضارتها، لا نحتاج إلى من يأتي من الخارج ليوجهنا، فنحن نستكشف ونفعل هذه الطاقات بأنفسنا، التاريخ والثقافة والمصالح تجمعنا، فلماذا لا نجرب العمل المشترك ونعطي الأولوية للتعاون؟".
خلص السفير في نهاية حديثه مع "اندبندنت عربية" إلى اعتقاده أن الإقليم يمضي نحو "تكامل أمني وتنموي في الإقليم"، مشيراً إلى أن "الأمن لا يشترى، بل يبنى بالتعاون والاقتصاد والسياسة"، مضيفاً أن "إيران تؤمن بأن دول المنطقة، ومن ضمنها السعودية، قادرة على تحقيق الأمن المشترك بعيداً من التدخلات الخارجية".
ورداً على سؤاله بأن الإقليم يتحدث عن التدخلات الإيرانية بوصفها التي وفرت الذرائع للتدخلات الخارجية لحماية أمن الخليج، رفض السفير هذا المنطق، وأعاد الحديث عن جاهزية بلاده لطمأنة مخاوف جيرانها، مهما كانت طبيعتها. وأضاف أن إيران جادة في هذا النهج، فهي "لا تبحث عن صراع، بل تسعى إلى الأمن والأمان. إذا دخل أحد في صراع، فإننا نتفاداه، ونتمنى ألا يحمل علينا الصراع"، بحسب قوله.
على رغم لغة السفير المتفائلة، إلا أن الخبير في الشأن الإيراني الميموني، يعتبر مجدداً في حديثه مع "اندبندنت عربية" أن التحدي حتى الآن لدى طهران هو حسم توجهات المرحلة المقبلة، والانقسام بين مراكز القوى فيها، مؤكداً أنه "من الخبرة التاريخية فإن الأكيد هو أن صعوبة التغيير في الممارسات مردها لأسباب غالبها تجاذبات داخلية، ولذا ينبغي اتباع الأسلوب المتدرج في العلاقة مع إيران، وهذا ما يبدو أن المملكة عازمة على المضي قدماً باتجاهه".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 3 ساعات
- سعورس
مدينة الحجاج ب «حالة عمار» تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن
وقال الحاج فيصل أبو شارب من فلسطين:"منذ لحظة دخولنا عبر المنفذ ونحن نشعر وكأننا بين أهلنا، فالاستقبال والخدمات والتنظيم يفوق التوقعات، جزى الله القائمين على هذا العمل المبارك خير الجزاء. فيما أكدت الحاجتان زريفة السيد علي وأسماء محاجنة من فلسطين ، أن ما وجداه من حفاوة الاستقبال، وسلاسة الإجراءات، وتكامل الخدمات بمدينة الحجاج بحالة عمار، يجسّد الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، مؤكدتين أن هذه العناية تعكس روح العطاء والاهتمام الإنساني الذي يميز المملكة قيادةً وشعبًا تجاه الحجاج من مختلف دول العالم. أما الحاج إبراهيم كامل منصور من الأردن فقد قال:"ما وجدناه أمامنا في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار يُثلج الصدر، ويعكس حجم الجهود المباركة التي تقدمها المملكة لضيوف الرحمن، فمنذ لحظة وصولنا للمنفذ شعرنا بالاهتمام والرعاية، وكل شيء يسير بانسيابية وتنظيم عالٍ، داعيًا الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين، وأن يُجزيهم خير الجزاء على ما يقدمانه من رعاية وعناية بالحجاج. من جهتها قالت ندى كنانبه من الأردن:" ما شاهدته يعكس صورة مشرقة عن المملكة وخدماتها الجليلة للحجاج، فكل التفاصيل مدروسة بعناية، من الجوازات إلى الإرشاد والخدمات الصحية، شكراً لهذا الجهد الذي يشعرنا بالأمان والراحة منذ اللحظة الأولى.


Independent عربية
منذ 11 ساعات
- Independent عربية
"حجاج إيران" كواجهة للمصالحة والتوتر مع السعودية
بعد نحو عامين من تبادل الرياض وطهران السفراء مجدداً بعد سنوات القطيعة، حطت طائرة تابعة لخطوط "ناس" السعودية في مطار طهران بعد مشهد أخيراً، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ نحو 10 سنوات، لنقل وفود من الحجاج الإيرانيين إلى المملكة، في رحلة لم تكن مجرد إجراء لوجستي، بل حملت في طياتها دلالات عميقة، ورسائل متبادلة في سياق مسار التقارب المتسارع بين الرياض وطهران. وفي هذا الصدد يرى السفير الإيراني لدى السعودية علي رضا عنايتي في حوار موسع مع "اندبندنت عربية" أن الخطوة بالنسبة إلى بلاده أبعد من مجرد نقل جوي على أهميته، "وإنما بداية غيث يوشك أن ينهمر"، وفسر رمزية الاستقبال للطائرة السعودية بأن "التقاليد الفارسية، المياه رمز للنور والخير والبركة، وهي إشارة إيجابية للغاية. أما في عرف الطيران المدني العالمي، فإن رش المياه على الطائرة تقليد يتبع عند هبوطها للمرة الأولى في مطار جديد، إذ تمر الطائرة تحت قوس مائي رمزي". وأضاف أن هذا الحدث يجمع بين بعدين: التقاليد الإيرانية التي تبشر بالخير، والعرف الدولي في الطيران المدني، مستشهداً بالآية القرآنية: "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، ليؤكد أن المياه ترمز للحياة والبركة. وأوضح أن هذه ليست المحطة الأولى، إذ سبق أن هبطت طائرة "طيران ناس" في مدينة مشهد قبل ذلك لنقل الحجاج، وطهران هي المحطة الثانية في هذا المسار. وعن الرسالة التي يحملها هذا الحدث، أكد السفير أنه جزء من مسار أوسع لتعزيز العلاقات بين البلدين، قائلًا "منذ استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، أكدنا تعزيز التواصل بين البلدين في مسارات عدة، منها تنشيط الرحلات الجوية بين الدولتين وعدم اقتصارها على مدن معينة، بل توسيعها لتشمل وجهات متعددة". الهدف ليس الحج وحده وأوضح أن هناك تقدماً ملاحظاً في هذا المجال، إذ قبل أن تهبط الطائرات السعودية الآن في مطاري طهران ومشهد لنقل الحجاج، كانت الطائرات الإيرانية، تنقل منذ أشهر الراغبين بين الدمام ومشهد. كما يستقبل مطار الطائف المعتمرين الإيرانيين، وهو ما يعكس التوسع في التعاون الجوي، وأضاف "خلال فترة وجيزة، تمكنا من تفعيل اتفاق النقل الجوي بين البلدين، وهو خطوة أولى نحو رحلات مجدولة بين مدن مثل طهران وجدة، أو الرياض وطهران، لأغراض سياحية واقتصادية وثقافية". تحدث السفير عن خطط مستقبلية لتطوير الرحلات الجوية بين البلدين، مؤكداً أن الهدف هو تحويل الرحلات من "عارضة" إلى رحلات تجارية مجدولة، و"الخطوط الجوية الإيرانية والسعودية تعملان معاً لتخطيط رحلات مباشرة ومجدولة، مع خطط لفتح مكاتب تمثيلية في كلا البلدين". ويفيد مصدر مطلع في "ناس" بأن رحلات نقل الحجاج ليس مخططاً أن تستمر بعد انتهاء الموسم، وقال في تصريح إلى "اندبندنت عربية" إن الخطوط "لم تبلغ بجدولة رحلات حتى الآن بين السعودية وإيران طوال العام". غير أن السفير أشار إلى أن هناك وفوداً متبادلة بين البلدين لتثبيت هذا التعاون، مؤكداً أن هذه الخطوة هي "بداية مباركة"، واستشهد بالمثل القائل "أول الغيث قطرة ثم ينهمر"، وأن البداية بالحجاج تمهد لعلاقات أوسع تشمل السياحة والاقتصاد والتواصل الثقافي بين الشعبين. الحجاج الإيرانيون... مرآة السياسة كثيراً ما شكل موسم الحج ساحة مفتوحة للتعبير عن المناخات السياسية بين البلدين، فعلى مدى العقود الماضية، تراوح حضور الحجاج الإيرانيين بين الانضباط الديني والتوظيف السياسي، بحسب مستوى العلاقات الثنائية. في لحظات الانفراج، كان الحج يعكس حرصاً متبادلاً على تجنب التوتر، أما في فترات التوتر فتحول الحجاج الإيرانيون أو في الأقل خطاب طهران المرتبط بهم إلى أدوات ضغط أو استعراض سياسي، تجسدت في شعارات طائفية أو مظاهرات موجهة، وهو ما أدى في بعض الأحيان إلى أحداث دامية مثل حادثة مكة عام 1987، التي راح ضحيتها مئات من الحجاج، وأسهمت في قطع العلاقات آنذاك، وهي أحداث تكررت بعد ذلك مرات عدة ولكن بمستوى حدة أقل. سعدت باستقبال أولى رحلات #طيران_ناس في صالة السلام الدولية في مدينة #طهران — عبدالله بن سعود العنزي (@alanazi203) May 18, 2025 لكن اللافت أن ذلك التاريخ ليس فقط تريد طهران اليوم إظهار القطيعة معه، ولكن أيضاً محوه من ذاكرة جموع الحجاج والسعوديين خصوصاً، إذ أكد عنايتي على أبواب موسم الحج العام الماضي لـ"اندبندنت عربية" أن حجاج بلاده "منضبطون، ولن يكونوا بعد الآن سبباً في تكدير صفو الحج". وهو تصريح يعكس تحولاً في الخطاب الرسمي الإيراني، الذي بدا أكثر حرصاً على تطمين السعودية والمجتمع الدولي بعدم تكرار سلوكيات التسييس التي اتهم بها الجانب الإيراني في الماضي. أما هذا العام فإن مجرد استدعاء ذكر ذلك التاريخ، يراه السفير في حديثه معنا "ضرباً من التهويل الإعلامي"، داعياً إلى التركيز على الحاضر والمستقبل، في إشارة إلى خطوات بناء الثقة بين الجارتين الكبيرتين في الإقليم، التي بلغت ذروتها أخيراً بإيفاد القيادة السعودية وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان برسائل إلى قمة الهرم السياسي في طهران، برهن عن ثقلها الظرف الإقليمي والحامل لها والمستقبل المرشد علي خامنئي. الرسالة الإيرانية هذه المرة واضحة: نحن نريد الحج أن يكون فريضة لا منصة، وهي نقطة تتقاطع مع تأكيد المملكة المتكرر أن الحج شعيرة دينية يجب ألا تستغل لأغراض سياسية أو دعائية. 400 ألف إيراني يقصدون السعودية سنوياً بل إن السفير في حديثه مع "اندبندنت عربية" لفت إلى أنه يستهدف أن تكون تجربة الحاج تتجاوز الرحلة الإيمانية إلى آفاق أبعد، تؤدي إلى ازدهار الدبلوماسية الثقافية بين الشعبين، و"نستقبل السعوديين كذلك في المدن الإيرانية". وأكد السفير أن ما يقارب 400 ألف إيراني زاروا المملكة خلال العام بين عمرة وحج، منهم 85 ألف حاج. وعبر عن تقديره لوزارة الحج والجهات السعودية المعنية، مشيداً بالتعاون والتنسيق قائلاً "كلهم مرتاحون ونحن من هنا نغتنم الفرصة بأن نبدي شكرنا وامتناننا للسلطات المعنية"، مشيراً إلى أن الحجاج الإيرانيين يسهمون بدورهم في تلك الجهود عبر التزامهم بالكامل ضمن بقوافل منظمة ولا توجد حالات تأخر أو تجاوز، مضيفاً "بصراحة، لا توجد أية تجربة سلبية، صفر مشكلات تقريباً". وفي إجابته عن سؤال حول إمكان تحول الحج إلى منصة للدبلوماسية الشعبية، قال السفير: "نعم، الحاج الإيراني يعود لبلده حاملاً تجربة إيجابية، ويؤثر في مجتمعه، وهذا ما نسعى إلى تعزيزه"، مشيراً إلى أن "مليون ونصف مليون إيراني" مسجلون على قوائم الانتظار للحج، مما يدل على عمق العلاقة الروحية. وتشدد وزارة الحج السعودية على التزام تعليماتها في المناسبة الدينية، حفاظاً على سلامة الحجاج بصورة عامة ولا سيما الحصول على "التصريح" وتجنب الافتراش، والتعاون مع المؤطرين والمرشدين ورجال الأمن. وفيما يشكل الإيرانيون في سنوات مضت نقطة التوتر الأبرز في الجانب الأمني، شكلت مخالفات جنسيات أخرى مثل المصريين تحدياً لوجستياً، بسبب محاولات أعداد منهم الحج بطرق غير قانونية، تعرض سلامتهم للخطر، ولا سيما في السنة الماضية، مما أحوج السلطات المصرية والسعودية إلى مراجعة عدد من الإجراءات، وإيقاع العقوبات ضد الحملات الوهمية. وفي محور آخر، تطلع السفير الإيراني إلى توسيع العلاقات مع الرياض لتشمل الجوانب الثقافية والإعلامية والسياحية، مؤكداً أن التبادل الشعبي أساسي لتعزيز التفاهم. وأضاف "العلاقات لا ينبغي أن تقتصر على السياسيين، نريد دبلوماسية ناعمة شعبية وإعلامية، تعكس روح التلاقي والتعاون". وتطرق إلى موضوع الصورة النمطية عن إيران قائلاً "إيران ليست ما يحكى عنها، بل ما يرى فيها، كل من زارها أدرك الفرق بين ما سمعه وما شاهده". الميموني: الرحلة بوابة أخرى لتفعيل المصالحة رحلة "ناس" إلى طهران لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الإقليمي الأشمل، إذ تأتي بعد اتفاق استئناف العلاقات بين البلدين بوساطة صينية في مارس 2023، وعودة التمثيل الدبلوماسي الكامل، إذ مثل ملف الحج واحداً من القنوات التي ظلت تفتح حتى في أحلك فترات الخلاف، لكنه هذه المرة يتحول إلى أداة تفعيل للمصالحة، وليس فقط مؤشراً عليها. الرياض من جهتها، تعاملت مع الملف بحرفية، بفصلها بين أداء الشعائر والاختلافات السياسية، لكنها بقيت حذرة من محاولات تسييس الحشود، وهو ما يظهر من الإجراءات التنظيمية المشددة والتعليمات الموجهة للبعثات كافة، بما فيها الإيرانية، وفق تأكيد وزير داخليتها الأمير عبدالعزيز بن سعود أن "أمن الحجاج خط أحمر". فعلى رغم مؤشرات الانفراج، لا تزال ذاكرة التوتر حاضرة، سواء في الأوساط الأمنية أو الإعلامية أو حتى الشعبية. تسييس الحج بالنسبة إلى المملكة من أي كان لا مجال للتهاون فيه، والنظام الإيراني وإن أبدى مرونة في خطابه الحالي، إلا أن تجارب الماضي تضعه تحت المراقبة الدقيقة. ويؤكد الخبير في الشأن الإيراني اللواء أحمد الميموني أن بدء رحلات الحج بين السعودية وإيران يمثل خطوة عملية في مسار تفعيل المصالحة بين البلدين، لافتاً إلى أن "الزيارات المتعلقة بالحج والعمرة من أبرز المشتركات التي يمكن أن ترفع من مستوى التعاون وتبني الثقة". وأوضح أن المملكة تتبنى نهجاً يقوم على "خطوات متدرجة" تنبع من جديتها في تحسين العلاقات، لكنها تدرك في الوقت نفسه التحديات، وعلى رأسها صعوبة بناء الثقة والأزمات المتعددة التي تواجه النظام الإيراني. ويبقى السؤال: هل تصمد هذه الروح التصالحية، أم أن عوامل إقليمية قد تعيد إنتاج التوتر من جديد؟ يجيب عن ذلك السفير في سياق تعليقه على عقد وزير الدفاع السعودي أخيراً محادثات في طهران مع المرشد، وقال "زيارة وزير الدفاع السعودي الأخيرة لطهران كانت سيادية بكل ما تعنيه الكلمة"، مؤكداً أن "الثقة ولدت، لكنها تحتاج إلى تثبيت وتنمية". واعتبر الميموني من جهته كذلك أن زيارة وزير الدفاع، حاملاً رسالة من خادم الحرمين الشريفين، تعكس مدى جدية الرياض، مشدداً في غضون ذلك على أن المملكة "لن تسمح باستغلال الشعائر الدينية لبث الفكر الأيديولوجي أو تحقيق مكاسب سياسية"، في ظل التزامها بحماية قدسية المناسك وراحة الحجاج. ما يزعج إيران في زيارة ترمب انتقل الحوار إلى ضفة أخرى حول ما إذا كانت إيران والسعودية تجاوزتا مرحلة التنافس التي يتحدث عنها الإعلام الأجنبي، لينتقلا إلى مرحلة التعاون، فأجاب السفير بتأكيد ذلك قائلاً "أتصور أن إيران والمملكة تتجهان نحو التعاون والتعاضد والتشاور في قضايا إقليمية تهم الإقليم، وتتعاونان معاً لصالح الإقليم"، مؤكداً أن هذا النهج هو الأنسب لتحقيق الاستقرار والتنمية. في سياق زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمنطقة، التي أثارت تغطية إعلامية واسعة وردود فعل متباينة، كان غير مفهوم أن الزيارة على رغم احتوائها على جوانب إيجابية لإيران، أثارت انزعاجاً في طهران، ولذلك سألت "اندبندنت عربية" السفير عنايتي عما إذا كانت العلاقات الأميركية - الخليجية لا تزال تشكل مصدر قلق لإيران. رد السفير بحذر دبلوماسي، مؤكداً أن دول الإقليم قادرة على إدارة شؤونها بنفسها من دون تدخل خارجي، وقال "نحن أبناء الإقليم، نعيش معاً في السراء والضراء، حتى لو أخطأنا فنحن نصحح أخطاءنا. لا يأتي أحد من آلاف الكيلومترات ليملي علينا مبادئ أو حلولاً، نحن أكفأ في إدارة شؤوننا، وقد أثبتت إيران والسعودية ودول الإقليم ذلك". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أضاف أن إيران تعتمد على نفسها وعلى جيرانها، مشيراً إلى أن الاعتماد على الذات هو جوهر رؤية المنطقة، وتابع "نحن معتمدون بعضنا على بعض، ولا نبالي بما قاله الرئيس الأميركي في زيارته. ما يهمنا هو تعزيز التعاون الإيراني مع دول مجلس التعاون، وهذا ما يصلح الإقليم". وفي سياق المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، أشار السفير إلى دعم دول الخليج لهذه المحادثات، قائلاً "عندما جلسنا في سلطنة عمان بمشاركة دول الإقليم، أعلنت دول مجلس التعاون دعمها لهذه المحادثات. هذا أمر طبيعي، لأننا أبناء الإقليم ونتحدث مع بعضنا. ما كان يسمع سابقاً عن توترات كان غير طبيعي، والآن عادت الأمور لمجراها الأصيل". تلاسن بين المرشد والرئيس وكان الرئيس الأميركي على رغم تمسكه بالتفاوض لإنجاز اتفاق نووي مع إيران بدعم خليجي واسع هذه المرة، إلا أنه لم يتردد في توجيه انتقادات لاذعة إلى طهران، التي أعربت عن استيائها بشدة، واصفة إياه بالكاذب، وأنه "عار على الأمة الأميركية". وقد يكون الذي أزعج القيادة في إيران أكثر ليس فقط مقارنة ترمب بين إيران وجاراتها الخليجية، وإنما المقارنة بين ماضي البلاد في العهد الملكي وحاضرها بعد الثورة، حين قال "في حين حولت الدول العربية الصحاري إلى أراض خصبة، حول قادة إيران الأراضي الخضراء إلى صحاري جافة، لقد تحولت المباني التاريخية في طهران عام 1979 (بعد الثورة) إلى أكوام من الغبار والأنقاض". في هذا الصدد يقول السفير إن "كل من زار إيران عرف حجم الازدهار الذي تشهده، على رغم العقوبات القاسية التي تشهدها ويعانيها الشعب الإيراني، وإذا كان هناك ملوم على ذلك الواقع فهو من فرض تلك العقوبات"، في إشارة إلى واشنطن. عندما سألناه عن سبب انزعاج الأوساط الإيرانية من مقارنات كهذه إذا كانت مجافية للحقائق، قلل السفير من أهمية هذه المسألة، واصفاً إياها بـ"الحروب الإعلامية". وقال "أتصور أن هذه حروب إعلامية أكثر من كونها شيئاً واقعياً، إيران مفتوحة ومتاحة لزيارة الجميع، وكل شخص لديه دعوة مفتوحة لزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليرى بأم عينه كيف تطورت إيران ونمت على رغم العقوبات". وأضاف أن العقوبات أثرت في الحياة الاقتصادية والتجارية في إيران، لكنها لم توقف تقدمها، "العقوبات هي واقع أثر في الاقتصاد والتجارة، لكن إيران لم تستسلم، وبقيت صامدة كما كانت دائماً، معتمدة على نفسها". التواصل الشعبي أهم من السياسي! أكد عنايتي في هذا السياق أهمية الزيارات الشعبية بين إيران ودول الخليج، مشيراً إلى أنها أفضل من الزيارات السياسية لتعزيز العلاقات، وقال "نعمل بكل جهد لتبادل الزيارات الشعبية أكثر من السياسية، نحن ندعو من هذا المنبر إلى زيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليكون ذلك تجربة مباشرة، ولنكون رواداً لا مجرد رواة". وأضاف أن التواصل المباشر بين الشعبين يقوي العلاقات "عندما يأتي المواطن الإيراني إلى السعودية ويكرم، ويذهب المواطن السعودي إلى إيران ويكرم، ويرى بنفسه، فإن ذلك سيزيد من قوة ومتانة العلاقات الإيرانية - السعودية". وعن تغير نظرة الخليج لإيران، أجاب السفير "نحن أيضاً كنا إيجابيين تجاه إخواننا في دول الخليج، ونرى في جيراننا سنداً وظهيراً. هذه السياسة أبرزها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وأكدها الرئيس الحالي بزشكيان في حكومته الـ14، واستحسنها الإمام خامنئي، مؤكداً أنها سياسة صحيحة يجب أن تستمر"! لكن القيادي في معهد الدراسات الإيرانية أحمد الميموني رأى أن التحول في السياسة الإيرانية تجاه السعودية مرده إلى أن " طهران أدركت أن توتر علاقاتها مع السعودية كبدها خسائر إقليمية ودولية، في وقت تواصل فيه المملكة صعودها بثقة عبر علاقات دولية متوازنة ونموذج تنموي يصعب تجاهله، ولا سيما أنه يحظى باهتمام واسع داخل إيران". "لم ندخل حرباً منذ 200 سنة"! تطرق الحوار إلى اتهامات متكررة لإيران بمحاولة الهيمنة على المنطقة، وهو ما يصفه بعضهم بـ"دور شرطي الخليج"، ورد السفير بحسم، مؤكداً أن إيران لا تسعى إلى الهيمنة أو الصراع، وقال "نحن نتحدث عن قوة المنطق، وليس منطق القوة. نتحدث عن إقليم قوي، وليس بلد قوي يهيمن أو يسيطر. إيران لم تدخل في حرب منذ 200 سنة، فكيف يمكن لمن يبحث عن التوسع ألا يدخل في حرب طوال هذه الفترة؟". وأضاف أن منطق إيران واضح، وهو التعاون الإقليمي "إيران لا تبحث عن إمبراطوريات أو عن أن تكون ضد مصالح الإقليم، نحن نسعى إلى التعاون والمشاركة في السراء والضراء". في سياق مناقشة مقالة نشرها السفير بعنوان "الأمن والتنمية في الخليج من منظور إيراني"، أكد أن الأمن والتنمية وجهان لعملة واحدة، قائلاً "الأمن والتنمية جزءان متكاملان، الأمن يهيئ الأجواء للتنمية، والتنمية تقوي الأمن". وأوضح أن الأمن لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يشمل الأمن السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي "الأمن يجب أن يكون متكامل الأطراف ويشمل جميع المساحات، وليس مجرد ذخائر وعتاد. العتاد يمكن شراؤه، لكن الأمن لا يمكن شراؤه". وأكد أن التنمية الاقتصادية والثقافية والسياسية تسهم في تحقيق الأمن "عندما يكون الاقتصاد مزدهراً، والسياسة مستقرة، والثقافة متداولة بين الأطراف، والطرق مواتية سواء البرية أم البحرية أم السكك الحديدية فإن ذلك يؤدي إلى الأمن". مقاربة التنمية وتفادي الصراعات ورجح أن رؤى التنمية في الخليج المتعددة ولا سيما السعودية 2030 من شأنها أن توظف موارد الإقليم بما يخدم سكانه في دول الخليج الثمانية (دول مجلس التعاون + العراق وإيران)، مؤكداً أن "المنطقة تصلح أن تكون نقطة انطلاق بمواردها البشرية وطاقاتها وثقافتها وحضارتها، لا نحتاج إلى من يأتي من الخارج ليوجهنا، فنحن نستكشف ونفعل هذه الطاقات بأنفسنا، التاريخ والثقافة والمصالح تجمعنا، فلماذا لا نجرب العمل المشترك ونعطي الأولوية للتعاون؟". خلص السفير في نهاية حديثه مع "اندبندنت عربية" إلى اعتقاده أن الإقليم يمضي نحو "تكامل أمني وتنموي في الإقليم"، مشيراً إلى أن "الأمن لا يشترى، بل يبنى بالتعاون والاقتصاد والسياسة"، مضيفاً أن "إيران تؤمن بأن دول المنطقة، ومن ضمنها السعودية، قادرة على تحقيق الأمن المشترك بعيداً من التدخلات الخارجية". ورداً على سؤاله بأن الإقليم يتحدث عن التدخلات الإيرانية بوصفها التي وفرت الذرائع للتدخلات الخارجية لحماية أمن الخليج، رفض السفير هذا المنطق، وأعاد الحديث عن جاهزية بلاده لطمأنة مخاوف جيرانها، مهما كانت طبيعتها. وأضاف أن إيران جادة في هذا النهج، فهي "لا تبحث عن صراع، بل تسعى إلى الأمن والأمان. إذا دخل أحد في صراع، فإننا نتفاداه، ونتمنى ألا يحمل علينا الصراع"، بحسب قوله. على رغم لغة السفير المتفائلة، إلا أن الخبير في الشأن الإيراني الميموني، يعتبر مجدداً في حديثه مع "اندبندنت عربية" أن التحدي حتى الآن لدى طهران هو حسم توجهات المرحلة المقبلة، والانقسام بين مراكز القوى فيها، مؤكداً أنه "من الخبرة التاريخية فإن الأكيد هو أن صعوبة التغيير في الممارسات مردها لأسباب غالبها تجاذبات داخلية، ولذا ينبغي اتباع الأسلوب المتدرج في العلاقة مع إيران، وهذا ما يبدو أن المملكة عازمة على المضي قدماً باتجاهه".


رواتب السعودية
منذ 5 أيام
- رواتب السعودية
فيديو لحظة استقبال طائرة "طيران ناس" بعد 10 سنوات لنقل ضيوف الرحمن من طهران
نشر في: 19 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي شاهد فيديو لحظة استقبال طائرة 'طيران ناس' بعد 10 سنوات لنقل ضيوف الرحمن من طهران من الاخبارية شاهد الفيديو: مدة الفيديو : 00:00:34