
تحقير الأديان لا يخدم السلام العالمي
ما بين حرية الرأى والتعبير من جانب وإثارة الكراهية وازدراء الأديان من جانب آخر خيط رفيع، وفى عديد الأحيان، تُخفق الدول والمجتمعات فى تعيين هذا الخيط، وفى تمييز الممارسات المُلتبسة بين الجانبين، وهنا تقع الحوادث المؤسفة، وقد تُلطخها الدماء، وتصدر بشأنها القوانين والأحكام القضائية السالبة للحرية.
وبشىء من التبسيط، فيبدو أن دول العالم تنقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسية فى تعاملها مع الالتباسات التى تحدث على جانبى هذا الخيط الرفيع؛ وأولى هذه المجموعات تضم دولاً معظمها يقع فى الشمال المتقدم؛ مثل فرنسا، والدنمارك، والسويد، وهولندا؛ وهى دول تتمتع بحالة من الرفاهية الاقتصادية والانفتاح السياسى، وتعرف ليبرالية اجتماعية واسعة، وتزدهر فيها تيارات يمينية متطرفة، تكسب كل يوم أرضاً جديدة فى السياسة والمجتمع.
وثانية تلك المجموعات تقع فى مناطق مختلفة من العالم، وهى تعرف درجة معقولة من الانضباط والتسامح إزاء الرموز والأفكار الدينية، بالشكل الذى يبقيها عادة بعيدة عن الوقوع فى شباك الممارسات الحادة، فى ظل وجود درجة من الانضباط الطوعى فى مقاربة القضايا الدينية فى المجال العام.
أما ثالثة تلك المجموعات، فتمثل النقيض لدول المجموعة الأولى؛ إذ تُهيمن عليها ضوابط اجتماعية وفكرية وقانونية خشنة لحماية ما تُسميه «الأمن الروحى»، وتمتلك آليات اجتماعية وقانونية صلبة تحول أى مقاربة حادة لمسألة العقائد لجريمة نكراء قد تستوجب عقوبات قانونية مُغلظة، أو عقوبات اجتماعية أكثر غلاظة وتكلفة؛ مثل ما يحدث فى باكستان وأفغانستان وبعض الدول العربية والإسلامية.
ويمكن القول إن أحداث 11 سبتمبر 2001 مثلت منعطفاً خطيراً فى تعزيز النزعات الحادة فى دول المجموعة الأولى، حين خلطت قطاعات من السياسيين والمفكرين والجمهور العادى فيها بين الدين الإسلامى من جانب وما تفعله بعض الجماعات الإرهابية والمتشددة التى تصف نفسها بالانتماء إليه من جانب آخر.
ومنذ هذا التاريخ، بدأت نزعات الكراهية تتصاعد ضد الإسلام ورموزه فى بعض تلك الدول، واتخذت تلك النزعات أشكالاً متعددة، برز منها استخدام وسائل الإعلام فى ازدراء الإسلام وتحقير رموزه، أو استغلال تيارات سياسية يمينية وقومية متطرفة لهذه النزعات من أجل تحسين أوضاعها التنافسية فى الانتخابات، فضلاً عن ممارسات حادة مثل حرق القرآن الكريم أو تدنيسه فى العلن.
وقبل يومين، كانت محكمة دنماركية تنظر فى اتهامات موجهة إلى شخصين بتهمة «التعامل غير اللائق مع القرآن الكريم»، بعدما قاما بحرقه فى أحد المهرجانات العامة، فى شهر يونيو من العام الماضى، وبثا فعلتهما على موقع «فيسبوك».
ويستند الادعاء فى محاكمة هذين الرجلين إلى قانون دنماركى دخل حيز التنفيذ فى ديسمبر من العام 2023، وهو قانون صدر فى أجواء شهدت طوفاناً من الإساءات إلى الإسلام ورموزه المقدسة، وبعدما أحصت سلطات كوبنهاجن أكثر من 480 حالة حرق أعلام أو كتب دينية إسلامية فى الفترة ما بين يوليو وأكتوبر 2023.
لقد سعت الحكومة الدنماركية إلى إصدار هذا القانون بعدما أدركت أن استمرار مثل هذه الحوادث، وعدم التعامل معها بالوسائل القانونية اللازمة «أضر بالدنمارك ومصالحها حول العالم»، وهو الأمر الذى استوجب مراجعة ضرورية للحالة القانونية المؤطرة لمثل تلك الأفعال الحادة.
ورغم أن السويد لا تُعد حرق القرآن الكريم أمراً محظوراً حتى وقتنا هذا، فإن توالى مثل تلك الحوادث، وعلى رأسها حادث إحراق سلوان موميكا المُصحف فى صيف 2023، وما نجم عنها من أحداث عنف واحتجاجات واسعة، وصولاً إلى مقتله على أيدى مجهولين فى فبراير الماضى، كلها عوامل دفعت الطبقة السياسية فى السويد لمراجعة إطارها القانونى، فى محاولة للوصول إلى صيغة تحافظ على حرية الرأى والتعبير من دون أن تضر بالمصالح العليا للبلاد.
والشاهد أن دولاً عديدة فى الغرب والشرق تقف اليوم عند محاولة فض هذا الالتباس القائم بين حرية الرأى والتعبير وازدراء الأديان، وهو أمر حدث للأسف الشديد بسبب حدة تلك الأفعال من جانب وحدة ردود الفعل عليها من جانب آخر، وتحت وطأة التكلفة السياسية التى تتكبدها الدول التى تسمح بمثل تلك الممارسات الحادة، وليس بسبب إيمانها بأن الحرية تنطوى أيضاً على قدر من المسؤولية تجاه حقوق الآخرين وضمائرهم ومشاعرهم الدينية.
تحقير الأديان وازدراء الرموز المقدسة لدى أتباعها ليس حرية رأى وتعبير، ومن مسؤوليات الحكومة فى أى دولة راشدة أن تصون الحق فى التفكير النقدى والقدرة على إبداء الرأى، فى الوقت الذى تصون فيه أيضاً حق المتدينين فى احترام عقائدهم وعدم تحقير رموزهم. ومن حق المتدينين، أياً كان معتقدهم، أن يتمتعوا باحترام مقدساتهم، لكن من دون عنف أو تلويح بالعنف، وإنما بالعمل السياسى والمجتمعى المدروس والدؤوب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
اتفاق هندي وباكستاني على سحب التعزيزات من الحدود
تابعوا عكاظ على اتّفقت الهند وباكستان اليوم (الثلاثاء) على سحب التعزيزات العسكرية الحدودية بحلول أواخر مايو الجاري، وبحسب مسؤول باكستاني، فإنه جرى الاتفاق على تدابير مباشرة لخفض عدد من الجنود المرسلين إلى الحدود. وكان مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى من البلدين قد عقدوا اجتماعاً عبر الهاتف اتفقوا خلاله على تدابير مباشرة التصعيد، على أن ينسحب الجنود تدريجاً للعودة إلى مواقع ما قبل النزاع بحلول أواخر مايو. وقال المسؤول في تصريحات صحفية: كلّ هذه الترتيبات كان من المفترض أن تنجز في عشرة أيّام، لكن سُجّل تأخّر" وستعود الدولتان إلى مواقع الانتشار في وقت السلم على طول حدودهما وخط المراقبة - الحدود الفعلية التي تقسم كشمير - بحلول نهاية مايو الجاري. أخبار ذات صلة وأثارت المواجهة بين الهند وباكتسان مخاوف عالمية من احتمال اندلاع حرب شاملة، خصوصاً بعد إرسال الهند وباكستان تعزيزات عسكرية إلى الحدود، على طول خطّ الفصل في كشمير، لكنه وبعد أربعة أيام من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيَّرة والمدفعية أسفرت عن مقتل 60 شخصاً على الأقل ونزوح الآلاف من كلا الجانبين، أعلِن عن مبادرة في العاشر من مايو الجاري ليتبعها اتصالات عسكرية واجتماعات. يذكر أن الهند وباكستان تتنازعان السيادة الكاملة على منطقة كشمير منذ الاستقلال عن الحكم البريطاني وتقسيمهما سنة 1947. الهند وباكستان


العربية
منذ 3 ساعات
- العربية
نيويورك تايمز: نجاح المقاتلات الصينية في النزاع الهندي الباكستاني يشكل إنذاراً لجميع الأطراف بأهمية الاستعداد الجيد لأي تصعيد محتمل في بحر الصين الجنوبي ومنطقة تايوان
عاشت منطقة جنوب آسيا خلال الشهر الجاري توتراً شديداً بعد قيام الهند وباكستان بتوجيه ضربات ضد بعضهما البعض استمرت لأربعة أيام، حيث استخدم الطرفان الصواريخ والطائرات المسيرة والمقاتلات الحربية، واستهدفا مواقع ومناطق عسكرية في عمق البلدين. هذه الضربات المتبادلة بين إسلام أباد ونيودلهي ليست بالجديدة، لكن تداعياتها والخسائر التي نتجت عنها وصلت هذه المرة إلى شرق آسيا وتحديداً الصين وتايوان، ولقيت تفاعلاً واسعاً في أوروبا والولايات المتحدة. وكانت باكستان ادعت بأنها أسقطت 5 مقاتلات تابعة للقوات الجوية الهندية، ثلاثة منها من طراز "رافال" الفرنسية، وطائرتين من نوع ميج-29، وسوخوي-30 الروسيتين. وامتدت تداعيات هذا الادعاء إلى بحر الصين الجنوبي، وإلى تايوان، ولقيت تفاعلاً واسعاً في أوروبا والولايات المتحدة. حيث قال مسؤول أميركي لـ "رويترز" إن هناك ثقة كبيرة في أن باكستان استخدمت طائرات J-10C الصينية لإطلاق صواريخ جو-جو ضد طائرات مقاتلة هندية، ما أدى إلى إسقاط طائرتين على الأقل، ما يمثل إنجازاً كبيراً للمقاتلة الصينية المتقدمة. فيما أكد مسؤول بارز في الاستخبارات الفرنسية لشبكة CNN أن باكستان أسقطت طائرة واحدة من مقاتلات رافال الفرنسية التابعة للقوات الجوية الهندية. وأضاف المسؤول الفرنسي أن "السلطات الفرنسية تبحث ما إذا كانت باكستان قد أسقطت أكثر من طائرة من طراز رافال". ويقول مسؤول أميركي إن واشنطن تراقب عن كثب أداء طائرة مقاتلة صينية رائدة ضد منافس غربي للحصول على رؤى حول كيفية تعامل بكين مع أي مواجهة حول تايوان أو في المحيطين الهندي والهادئ على نطاق أوسع. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن استخدام باكستان لمقاتلات صينية الصنع من طراز J-10C، إلى جانب صواريخ الجو-جو بعيدة المدى من طراز PL-15، خلال النزاع العسكري الأخير مع الهند، شكّل أول اختبار عملي لهذه الطائرات التي لم تخض معارك فعلية من قبل، ما عزز ثقة الصين في قدراتها العسكرية، "وأثار حالة من الفخر الوطني في بكين". وأشارت الصحيفة إلى أن الإعلام الصيني، لا سيما صحيفة "غلوبال تايمز" القومية، سلط الضوء على هذا النجاح باعتباره "انتصاراً كبيراً" للصناعات الدفاعية الصينية. ووصفت "غلوبال تايمز" مقاتلات J-10C بأنها "مقاتلة الفخر الوطني"، ونقلت عن خبراء صينيين قولهم إن الجيش التايواني "ليس لديه فرصة في مواجهة هذه الطائرات"، ما أثار جدلاً واسعاً حول التفوق العسكري الصيني المحتمل في مواجهة تايوان. ورغم أن الحكومة الصينية لم تؤكد بشكل رسمي أو مباشر هذه الادعاءات، إلا أن تقارير تحدثت عن استخدام باكستان لأنظمة دفاع جوي صينية وصواريخ متطورة ومسيرات خلال الاشتباكات التي استمرت لأربعة أيام. وأكدت صحيفة نيويورك تايمز أن الصراع يمثل امتداداً لصراع أوسع بين النفوذ العسكري الغربي والصيني في المنطقة، لا سيما مع تصاعد مشتريات الهند للأسلحة الغربية، وزيادة اعتماد باكستان على التكنولوجيا الصينية، وهو ما يجعل النزاع بمثابة مواجهة بالوكالة بين القوى العظمى، مع انعكاسات مباشرة على استقرار المنطقة. وفي سياق ذلك، عبّر مسؤولون عسكريون متقاعدون في تايوان عن قلقهم من القدرات المتطورة للمقاتلات الصينية، معتبرين أن فرص الطائرات التايوانية في البقاء أو حتى الإقلاع في حال حدوث مواجهة فعلية مع الصين "ضئيلة جداً"، وهو ما يشير إلى تحول محتمل في ميزان القوى العسكرية في المنطقة، بحسب نيويورك تايمز. وعلى الرغم من تصاعد شعور الفخر القومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الصين، إلا أن الحكومة اتخذت موقفاً أكثر تحفظاً، حيث لم تؤكد رسمياً استخدام مقاتلاتها في النزاع الباكستاني الهندي إلا بعد مضي أكثر من أسبوع على إعلان باكستان. وذلك في مسعى منها للحفاظ على الهدوء الدبلوماسي مع الهند التي تسعى لاستئناف العلاقات بعد توتر استمر سنوات بسبب صراع حدودي في 2020. ولفتت الصحيفة إلى أن كون الصين لم تخض حرباً فعلية منذ أكثر من 40 عاماً، مصدر قلق دائم لبعض المسؤولين في بكين، لكن الرئيس شي جين بينغ جعل من تطوير الجيش أولوية له، وزاد الإنفاق الدفاعي رغم تباطؤ النمو الاقتصادي، مما جعل الصين رابع أكبر مصدر للأسلحة في العالم. وقالت نيويورك تايمز إن نجاح المقاتلات الصينية في النزاع يعكس تحولاً جوهرياً في موازين القوى العسكرية في آسيا، ويشكل إنذاراً لجميع الأطراف بأهمية الاستعداد الجيد لأي تصعيد محتمل في بحر الصين الجنوبي ومنطقة تايوان، في ظل التوترات المستمرة والرهانات الإقليمية المتصاعدة.


العربية
منذ 3 ساعات
- العربية
باكستان والهند تتفقان على سحب التعزيزات الحدودية بحلول أواخر مايو
اتّفقت الهند وباكستان على أن تسحبا "بحلول أواخر مايو (أيار)" التعزيزات العسكرية الحدودية إبّان أعنف مواجهة عسكرية بينهما في خلال العقود الماضية، على ما قال مسؤول باكستاني أمني رفيع لوكالة الأنباء الفرنسية اليوم الثلاثاء. وجرت في أوائل مايو (أيار) الحالي أعنف مواجهة عسكرية بين الخصمين النوويين منذ حرب 1999. وبدأت الأزمة الأخيرة بعدما أطلق مسلحون النار وقتلوا 26 رجلاً في موقع سياحي بالشطر الهندي من كشمير في 22 أبريل (نيسان). وتوعدت الهند بالرد متهمة جماعة، قالت إن إسلام آباد تدعمها، بالوقوف وراء الهجوم. ونفت باكستان ضلوعها. وأطلقت نيودلهي ليل 6-7 مايو (أيار) صواريخ على مواقع باكستانية قالت إنها معسكرات للجماعة التي تتّهمها بالوقوف وراء هجوم باهالغام. وسارعت باكستان إلى الرد. وأثارت المواجهة مخاوف عالمية من احتمال اندلاع حرب شاملة. ودفعت هذه التطوّرات الهند وباكستان إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى الحدود، لا سيّما على طول "خطّ الفصل"، وهو الحدود الفاصلة في كشمير حيث الانتشار العسكري معزز أصلاً. وبعد أربعة أيام من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيَّرة والمدفعية أسفرت عن مقتل 60 شخصاً على الأقل ونزوح الآلاف من كلا الجانبين، أعلِن في العاشر من مايو (أيار) عن هدنة بمبادرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبعد يومين، عقد مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى من البلدين اجتماعاً عبر الهاتف اتفقوا خلاله على "تدابير مباشرة لخفض عدد الجنود المرسلين إلى الحدود"، وفق ما أفادت هيئة الأركان الهندية. وسينسحب هؤلاء الجنود "تدريجاً" للعودة إلى "مواقع ما قبل النزاع بحلول أواخر مايو (أيار)"، على ما قال مسؤول رفيع المستوى في الجهاز الأمني الباكستاني وكالة الأنباء الفرنسية مشترطاً عدم الكشف عن هويته. وأشار المسؤول إلى أن "كلّ هذه الترتيبات كان من المفترض أن تنجز في عشرة أيّام، لكن سُجّل تأخّر". العرب والعالم الهند و باكستان المقاتلات الصينية تبرز في النزاع الهندي الباكستاني.. قلق تايواني ومراقبة غربية بدورها نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصادر استخباراتية تأكيدها أن إسلام أباد ونيودلهي اتفقتا على سحب القوات التي تم نشرها خلال اشتباكهما الأخير إلى مواقع وقت السلم. وأضافت لأنه تم الاتفاق على الانسحاب خلال الجولة الأخيرة من الاتصالات عبر "الخط الساخن" بين كبار المسؤولين العسكريين من الجانبين. ووفقاً لمصادر وكالة الأنباء الألمانية، ستعود الدولتان إلى مواقع الانتشار في وقت السلم على طول حدودهما وخط المراقبة - الحدود الفعلية التي تقسم كشمير - بحلول نهاية مايو (أيار) الجاري. يذكر أن الهند وباكستان تتنازعان السيادة الكاملة على منطقة كشمير منذ الاستقلال عن الحكم البريطاني وتقسيمهما سنة 1947.