
«شهرزاد» في «إكسير»: الموسيقى بين الكروم والغروب صلاةٌ للحبّ والحياة
كلّ نغمة كانت خطوة نحو الداخل (الشرق الأوسط)
امتلأت المقاعد بجمهور يبحث عن تجربة تتجاوز العابر، وعن لحظة تخرق فوضى المدينة وضيق العمران. وكان الهواء، كلّما عَبَر، يُذكّر الصيف بأنه سيّد هذا المساء، يشهد على رقصة أوراق الشجر في وداعٍ للغروب. في هذه اللحظة، تقدَّمت موسيقيات أوركسترا «الفردوس»؛ المبادرة النسائية الفريدة من «إكسبو سيتي دبي»، نحو المسرح. 26 عازفة محترفة خضن طريق الترميم الفنّي لذائقة الموسيقى. وفي أول عرض لهنّ في لبنان، بثَّت العازفات سحرهنّ بتناغُم جماعي أهدى اللحظة كثافتَها. كلُّ آلة أكَّدت بَصْمتها بعزف منفرد يشدُّ الروح، أو بانصهار جماعي ينسج عوالم من إحساس وألوان. باتت الأمسية أقرب إلى صلاة موسيقية، تتخطَّى حاسة السمع لتوقظ الأعماق.
أوركسترا «الفردوس»... أنامل مُلهِمة (الشرق الأوسط)
وسط أضواء غمرت المسرح، تولَّى المايسترو اللبناني هاروت فازليان قيادة العرض، وأعاد صياغة مقطوعة «شهرزاد» لريمسكي كورساكوف (1844 - 1908) برؤية معاصرة تمزج الشرق بالغرب في تآلفٍ مُبهر. ألوان الشرق الزاهية انصهرت في التوزيع الروسي الكلاسيكي، لتخلق مشهداً صوتياً توهَّج بالسطوع والانخطاف. ولعلَّ كورساكوف، الذي أراد أن يجعل من الخيال تجربةً حسّيةً، سيجد في تلال «إكسير» التجسيد الأمثل: أضواء تومض من الأرض، موسيقى تتسلَّل إلى الداخل، وأفق مفتوح يرقص مع النغم.
يُعزف الحبّ على وترٍ مشدود بين الأرض والسماء (الشرق الأوسط)
بدا المشهد كأنّ أوركسترا «الفردوس» هي «شهرزاد» بذاتها، تحكي أسطورتها بموسيقى أعمق من الكلمة. كلُّ شيء في الطبيعة استسلم لهذا العزف: الأشجار، الكروم، الهواء... كأنّ الطبيعة نفسها راحت تتنفَّس بانسجام موسيقي، لا اضطراب فيه ولا انقطاع.
العرض هو رؤية فازليان الإبداعية وتصميمه وقيادته؛ من خلاله أعاد بناء موسيقى كورساكوف بصرياً وسمعياً، وجعل من الأفق ستارةً ضوئيةً تُسقط المتلقّي في دهشة تعصف بالحواس. العازفات ألهَمْنَ بالموهبة وأضفنَ أنوثة على المشهد. أما الأداء المنفرد، فسَحَر. وأتى العزفُ على الكمان ليحكَّ الجرح ويتلصّص على نزفه بلا رحمة؛ بينما تستحضر أصوات القانون والعود والناي والرقّ مزيجاً من التوق والانكسار، واللهفة والانعتاق.
وحين لامست الموسيقى تفاصيل «سندباد» في رحلته البحرية، تحوَّلت النغمة أمواجاً تُباغِت المراكب، ولا تدري أهي نجاة أم غرق محبَّب. عند هذا الحدّ، اختار المايسترو هاروت فازليان أن يمنح الحكاية نهاية تنتصر للحبّ وتُنهي سطوة العنف. ومع ظهور جنى أبي غصن في دور «شهرزاد»، وجلال الشعار في دور «شهريار»، تحوَّل السرد إلى فعل خلاص: الحبّ يغلُب، والشكّ يتلاشى، والعناق قدرُ مَن تحمَّل الانتظار.
في هذا العزف بعض الشفاء (الشرق الأوسط)
في هذا المزج بين التمثيل والموسيقى، تجلَّت النغمة امتداداً للكلمة، جاعلةً الحكاية تُروَى بلغتين مُتعانقتَيْن. وبينما أعادت رؤية هنري زغيب الشعرية الأسطورة إلى جذورها الشرقية، بقيت الموسيقى في الطليعة، تتقدَّم على كلّ شيء، حتى على روعة الطبيعة.
وبدا الحفل سبّاقاً على الجمال: هل ستفوز الطبيعة بسحرها؟ أم الحكاية بالمعنى وراءها؟ أم الموسيقى بجبروتها؟ بين الأسئلة، وقفت أيضاً امرأتان: المُنتجة المنفّذة سمر عضيمة، والمُنتجة المنفّذة والشريكة الفنّية للمايسترو هاروت فازليان، جويل حجار، فنسجتا التجربة بكلّ تفاصيلها لتُحقّق انغماساً يقلُّ نظيره.
نادرٌ هو الفنّ الذي يبقى بعد أن يُسدَل الستار. لكنّ «شهرزاد» في «إكسير» لم تنتهِ. خرج الجمهور بحالة من التمزُّق الجميل، بين امتلاء عاطفي ونزيف روحي؛ بين شفاء مُحتَمل واشتياق لجمال لا يُكتَفى به. جمالٌ تراءى مريراً مثل حقيقة لا نريد أن نصدّقها. كأنه يكشف عن جرح نائم في الداخل، ويلفّه بضمادة من نغم، لتتذكّر الروح أنها لا تزال قادرة على الإحساس.
يُعزف الحبّ على وترٍ مشدود بين الأرض والسماء (الشرق الأوسط)
أراد حفل «إكسير» من «شهرزاد» مرآةً لداخل كلّ متلقٍّ، وقصيدةً تُعيد صياغة الشعور وتجعل من الموسيقى جسراً إلى ما هو أسمى من هذا الواقع: حالة من العلوّ، حيث لا ثقل، ولا لغة، ولا حدود، وإنما فقط ذلك الإدراك الغامر بأنّ شيئاً ما من الجمال يستحق أن نحاول من أجله.
كلّما ارتفعت الموسيقى، بدت الأرض أقل احتمالاً؛ كأنّ النغمة وحدها تُتيح لنا احتمال الحياة. هذا العزف الذي تسلَّل بين الكروم والقصيدة، بين الروح والسماء، كان معذِّباً بقدر ما كان مُخلِّصاً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 6 ساعات
- عكاظ
وائل جسار ينصح فضل شاكر بتسليم نفسه للقضاء.. ويرد على شائعات دخوله المستشفى
رد المطرب اللبناني وائل جسار، على الشائعات التي ترددت خلال الفترة الماضية حول دخوله المستشفى وتركيبه دعامة بالقلب، وأيضاً حقيقة زواج ابنته من نجل المطرب اللبناني راغب علامة دون علم أسرتها، موجهاً رسالة لفضل شاكر. وعبر مداخلة تلفزيونية، نفى وائل جسار شائعة دخوله المستشفى وتركيبه دعامة بالقلب، مؤكداً أنه يتمتع بصحة جيدة وأحيا حفلاً غنائياً على مسرح جدة منذ يومين، متمنياً من الله أن يديم عليه نعمة الصحة. وأوضح جسار: «ليه بتحبوا تكتبوا شائعات ممكن تأثر على زوجتي وأولادي؟ يشوفوها هيزعلوا.. ليه بتفكروا تعملوا ترند وريتش على حساب الفنانين؟». وحسم وائل جسار شائعة زواج ابنته مارلين من نجل راغب علامة دون علم أهلها وهروبها من المنزل، مؤكداً أن كل تلك الأنباء عارية تماماً من الصحة، وأن ابنته ما زالت تدرس ولا تفكر في الزواج حالياً. وأشار وائل جسار، إلى أنه تواصل مع راغب علامة حول شائعة زواج ابنته من نجله خالد، نافياً هذه الأقاويل وأنها «أحاديث لا يمكن أن يصدقها العقل، والبعض يعتقد أنني مثلما فعلت مع زوجتي من الممكن أن تفعل ابنتي الشيء نفسه». وفي سياق آخر، علق وائل جسار على عودة المطرب اللبناني فضل شاكر للساحة الغنائية، مضيفاً أنه «سعيد بأعماله فهو قامة فنية كبيرة ومن الصعب ألا نراه على المسارح العربية، وما يحدث معه صعب للغاية عليه وعلى جمهوره». وتابع وائل جسار: «ملقتش حد رافض رجوع فضل شاكر للغناء مرة تانية، وكلنا تحت القانون والقانون بياخد مجراه، وهو بيقول معملش حاجة يبقى حرام يتظلم، أنا من وجهة نظري بقول له سلم نفسك للقضاء اللبناني وهو قضاء نزيه وأنت هتاخد براءة بإذن الله، لأننا عارفين انك بريء». أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 7 ساعات
- الرياض
متاجر الكُتب المستعملة تُثري المشهد الثقافي بجدة
تشهد محافظة جدة حراكًا ثقافيًا متناميًا في المتاجر والمكتبات المتخصصة في بيع وشراء الكُتب المستعملة والجديدة، التي تعد وجهة ثقافية للمهتمين بالمعرفة والكتاب، وتعكس تزايد الاهتمام بالقراءة واقتناء الكتب. وتوفر هذه المكتبات كتبًا متنوعة تشمل المجالات الدينية والأدبية والعلمية والتاريخية والجغرافية، ما عزّز من حضورها بصفتها منصة للمعرفة، ومصدرًا يلبي تطلعات القراء من مختلف الاهتمامات. وأوضح مالك أحد متاجر الكُتب المستعملة عبدالعزيز أحمد الغامدي، أن القراءة ازدهرت في جدة بوجود هذه المكتبات، التي تقوم على بيع وشراء الكتب المستعملة والجديدة، إذ توفر الكتب بمختلف تصانيفها ومختلف طبعاتها، واصفًا الكتاب المستعمل بأنه يمتلك حياة تتجدد مع كل مكتبة يوجد فيها. وأفاد بأن الكتب المستعملة تمثل قيمة معنوية كبيرة، كونها تمرّ عبر أيدي قرّاء سابقين وتنتقل إلى آخرين، مما يضيف لها بُعدًا معرفيًا وأثريًا يتناقل بين الأجيال، مشيرًا إلى أن من بين الكتب النادرة الموجودة في مكتبته كتاب طُبع في المملكة العربية السعودية عام 1978م، بعدد نسخ محدود بلغ 200 نسخة، وقد اختفى حتى من عند مؤلفه، إلا أن نسخة منه وُجدت لديهم. من جانبه، أكد يوسف القاسم أحد العاملين في هذا المجال، أن القراءة تمثل أسلوب حياة لهم، إذ تمكّن الإنسان من التعرّف على تجارب متعددة ومعلومات ثمينة دون أن يبرح مكانه، عادًا القراءة غذاء الروح والعقل، وتسهم في توسيع مدارك القارئ من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين حول العالم. وأكد أنهم يعتزّون بتوفير الكتب المستعملة التي تُعدّ كتبًا ذات قيمّة معنوية عالية لقرائها القدامى الذين باعوها أو تبرعوا بها للمكتبة ليقتنيها قارئ آخر، مشيرًا إلى أن انتقال المعرفة من قارئ إلى قارئ آخر يضفي قيمة أثرية ومعرفية للكتاب تنتقل عبر الأجيال. يُذكر أن المكتبات في محافظة جدة حرصت على استقطاب الأهالي والزوار من خلال تخصيص أركان لها في الفعاليات المصاحبة خلال الإجازة الصيفية، للاطلاع على ما تحويه هذه المكتبات من كنوز معرفية وكتب قيّمة متنوعة في شتى المجالات، التي تسعى لصقل شخصية الإنسان وتثري لغته على المدى البعيد.


الرياض
منذ 7 ساعات
- الرياض
نجوى كرم تدّبك في إسطنبول
في أمسية طربية تملأها الحيوية والحضور الآسر، اقامت النجمة اللبنانية نجوى كرم حفلة رائعة على خشبة مركز مؤتمرات هاليج بجمهورها في مدينة إسطنبول، وسط تفاعل واسع من الجاليات العربية المقيمة والسياح في تركيا. وقدّمت نجوى باقة من أغنياتها التي لم يتوقف الحاضرون عن مشاركتها الغناء والتصفيق طوال السهرة، في مشهد يُجسّد العلاقة الفريدة التي تجمعها بجمهورها العربي من مختلف البلدانن حيث تنقلت خلال الحفل بين المواويل العذبة وأغنيات الدبكة المليئة بالحيوية، كما قدّمت أغنيات من ألبومها الجديد "حالة طوارئ"، لامست بها قلوب الحاضرين وسط أجواء احتفالية دافئة ولافتة. وشاركها الحفل الفنان اللبناني آدم، حيث قدّم مجموعة من أغنياته المعروفة، وكان حضوره مكمّلًا لأمسية حملت طابعًا فنيًا متنوعًا، جمع بين الإحساس والنغمة. ومن إسطنبول، تتوجّه نجوى كرم إلى تونس لإحياء أمسية جماهيرية ضمن فعاليات مهرجان قرطاج الدولي في دورته لعام 2025، وذلك مساء "9 أغسطس" المقبل، على خشبة المسرح الأثري الشهير، وسط توقّعات بحضور كثيف من جمهورها في تونس والمغرب العربي. بينما تواصل نجوى كرم، من خلال سلسلة حفلاتها، تثبيت مكانتها كأحد أبرز الأسماء في الساحة الغنائية العربية، بصوتها المتفرّد، وحضورها المستمر.