
'اعتماد' الإيرانية تكشف أسباب وتداعيات أزمة .. جهاز المخابرات
قبل نحو عامٍ ونصف؛ نشرت مقالًا نقديًا حول مقابلة؛ 'برويز ثابتي'، أحد أهم مسؤولي جهاز المخابرات الملكي؛ (السافاك)، بعنوان: (جهاز أمني أم جهاز استخباري؟)، وأوضحت كيف كان هذا الجهاز أمنيًا لا استخباريًا، ولم يكن إثبات ذلك صعبًا. بحسّب 'عباس عبدي'؛ في تحليله المنشور بصحيفة (اعتماد) الإيرانية.
فلا توجد أي تقارير داخلية استراتيجية أو علمية استشرافية من ذلك الجهاز الضخم، تقارير تقوم بتحليل الأوضاع القائمة في النظام وتقدم تنبؤات بالمستقبل.
في المقابل نجد الكثير من المعلومات القيّمة وغير القيّمة حول من قال ماذا في أي اجتماع. تجد العميل الأول باسم 'السبت' يكتب تقريرًا، ثم يقوم العميل 'الأحد' بتحليل هذا الرأي أو رفضه، ثم يأمر العميل 'الجمعة' بتكثيف المراقبة والتعقب!! وفي النهاية، لا نجد ولو سطرًا واحدًا من تحليل اجتماعي أو سياسي عن مستقبل ذلك المجتمع.
فقد انحصر عملهم في متابعة عدد محدود من الصحف وتقيّيم عناوينها. كانوا يتعاملون مع الكتّاب والطلاب، وكل جهدهم كان منصبًا على قمع العناصر السرية الداعمة للكفاح المسلح. وعندما نجحوا في هذا الهدف، تنفسوا الصعداء وكأنهم قد حركوا جبل 'دماوند'؛ ولم يعودوا يعيرون الله اهتمامًا. لكن بعد عامين فقط، حزموا حقائبهم والنظام كله وغادروا البلاد.
ليست معنية كثيرًا بالتجسَّس والتنَّصت..
وفي تلك المقالة؛ أوضحت أن الأجهزة الاستخبارية ليست معنية كثيرًا بالتجسَّس والتنَّصت، بل في الحقيقة مثل هذه التصرفات مرفوضة في الأدبيات الدينية، ليس فقط لأسباب أخلاقية، بل لأنها تشتَّت الانتباه وتؤدي إلى انحراف وظيفي.
تذكروا القصص التي تتحدث عن أولئك الذين تمكنوا من فهم لغة الحيوانات، فكانت النتيجة كارثية. والحقيقة أنه لو كانت لدينا آذان قادرة على سماع أحاديث الآخرين من مسافات بعيدة، أو رؤية ما خلف الجدران، أو امتلكنا حاسة شم ككلب صيد، أو بصر نسر، أو سمع بومة… إلخ، لكانت حياتنا شاقة وغير مريحة للغاية.
لكن حاليًا نملك كل هذه القدرات؛ وربما أكثر بسبب التكنولوجيا. ولك أن تتخيل لو أصبح من الممكن قراءة العقول، كم من الأفكار اللحظية التي تدور في ذهن كل منا تجاه الآخر، وكيف إذا تمكن الطرف الآخر من قراءتها، لتحولت الحياة إلى جحيم! وللأسف هذا هو النهج الكارثي للأجهزة الأمنية التي تلهث خلف هذه الأمور.
وفي النهاية، ينطبق عليهم مثل المنَّجم الذي يبحث عن النجوم في السماء، لكنه لا يعلم ما يحدث في الغرفة المجاورة له.
كيف وصلت إيران إلى هذا التردي في الاستخبارات ؟
كان المنتظر أن تتوقع الأجهزة الأمنية الإيرانية توقَّع العدوان الإسرائيلي وأجزاء من أبعاده وأساليبه، والمؤكد أنهم علموا ماهية القوى التي ستُشارك في العدوان، وبأي إمكانيات.
وقد يتساءل البعض: ولماذا لم يخطر ذلك ببال المواطن العادي؟ الجواب أولًا: كان البعض متيقنًا من وقوع العدوان، وكان يُعبّر عن ذلك في شكل تحليل، لكن لا يُتوقع من المواطن العادي معرفة التفاصيل.
وبالتالي؛ لا شك أن القصور الاستخباراتي كان أبرز نقاط الضعف في البُنية السياسية الإيرانية. والسؤال: كيف وصلنا إلى هذا الحال؟.. وسأشير هنا إلى بعض الأسباب بإيجاز:
01 – من أهم الأسس هو ضرورة أن تتمتع الأجهزة الاستخبارية باستقلال نسّبي في أداء المهام.
02 – ضرورة التميّيز بين التحليلات الكبرى والاستراتيجية، وبين التفاصيل الصغيرة والعملياتية.
03 – ترتيب القضايا حسّب الأهمية، ووضع القضايا الحيوية مثل الحرب على رأس الأولويات.
04 – اختيار العاملين في الأجهزة الاستخبارية وفقًا لمستوى عالٍ من الكفاءة والمعرفة.
05 – من أبرز خصائص الأجهزة الاستخبارية الفعالة هو إمكانية تقييّم أدائها ونقد تحليلاتها.
وإذا ما نظرنا إلى وضع الأجهزة الاستخبارية في 'إيران' وفقًا لهذه المعايير، فسنجد أن ما حدث في العدوان الأخير لم يكن أمرًا مفاجئًا أو غير متوقع.
تجارب سابقة من دول الجوار..
ولبيان أهمية هذا الموضوع؛ أقتبس لكم ما ورد في الصفحة (163) من كتاب: (كيف تسقط الديكتاتوريات وتبقى الشعوب حيّة)، خاصة أن هذا المثال يتعلق بالحرب 'الإيرانية-العراقية': 'لم يكن لدى النظام العراقي أي معلومات دقيقة عن وضع إيران، لأن أغلب الأجهزة الاستخبارية كانت منشَّغلة بالتجسَّس على الشعب والجيش. وكان التركيز على الأعداء الداخليين كبيرًا لدرجة أنه عشيّة الحرب لم يكن هناك سوى ثلاثة ضباط استخبارات مكلفين بجمع وتحليل المعلومات عن إيران، وكان أحدهم فقط يعرف اللغة الفارسية! وهذه حالة كلاسيكية لجيش تم تحييّده خوفًا من الانقلاب، فانهزم في ساحة المعركة لأنه لم يُصمم أصلًا للقتال'.
ولكن بعد فترة، تغيّرت حسابات 'صدام'؛ فقبل الحرب كان يعتبر الجيش العراقي تهديدًا أكبر من الجيش الإيراني، ولكن بعدما بدأ الإيرانيون بالتفوق واقتربت صواريخهم من 'بغداد'، تغيّر موقفه.
ووفقًا لتحليلات مستنَّدة إلى مذكرات أحد جنرالات 'العراق'، فلم يكن 'صدام' يُحب الضباط الأكفاء، حتى في الأوقات التي كان وجودهم فيها حيويًا، لكن مع استمرار الحرب، أدرك حاجته إليهم، وكان يستمع إلى نصائحهم في الكثير من الأحيان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 3 ساعات
- موقع كتابات
يصفه بـ'صانع للهولوكست' .. المعارض الإيراني أكبر كنجي يرفض استغلال نتانياهو لكتابه
وكالات- كتابات: انتقد الكاتب الإيراني المعارض؛ 'أكبر كنجي'، استغلال رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ 'بنيامين نتانياهو'، لكتابه (الطريق إلى الديمقراطية في إيران)، في رسالته المصورة إلى الإيرانيين مؤخرًا. 'كنجي' يستنكر استغلال نتانياهو لكتابه.. وقال 'كنجي'؛ في قناته في (تلغرام): 'لو لم يكن (الموساد) مخترقًا، لما رأينا كتابي في يد نتانياهو، قاتل الأطفال، في رسالته الدعائية إلى الإيرانيين'. وأضاف: 'الخونة أنصار الشاه يركعون لأربابهم القتلة المجرمين ليقصفوا بلادنا، فليكونوا هم كفن نتانياهو، قاتل الأطفال، إلى جهنم'. 'ألف لعنة على رضا الخائن'.. وفي منشورٍ آخر حمل عنوان: 'ألف لعنة على رضا الخائن (بهلوي) وألف لعنة علي أنا محب الوطن'، شدّد 'كنجي' على أنه لطالما انتقد 'إسرائيل' و'نتانياهو' مرارًا باللغتين الفارسية والإنكليزية طيلة (25) عامًا، ونشر مقالات نقدية عن 'إسرائيل' باللغة الإنكليزية في (بستن ریو) وفي مجلات أخرى. وذكّر بأنه كتب مقالًا في عهد 'أوباما'، ونشره في (هافينغتون بوست)؛ تحت عنوان: 'دولة إسرائيل اليهودية، دولة الفصل العنصري'. 'نتانياهو أكبر صانع للهولوكست'.. واستنكر 'كنجي' أن يترك 'نتانياهو' موضوع: 'رضى بائع الوطن الخائن'، ويعرّف بكتابه (الطريق إلى الديمقراطية في إيران)، مضيفًا: 'أنا الذي كنت دائمًا ناقدًا لإسرائيل ومجرم الحرب؛ مرتكب الإبادة الجماعية. قبَّح الله عائلة بهلوي وأنصار الملكية'. وعبّر عن رفضه الشديد لهذه الخطوة، وقال: 'ولكن لماذا أقول مئة ألف لعنة عليّ؟ لأن هذا العار الأبدي سيبقى معي، الآن وبعد أن بلغت الخامسة والستين من العمر جاء أكبر صانع للهولوكوست في القرن الحادي والعشرين؛ أكبر قاتل إرهابي الذي قتل (20) ألف طفل أكبر إرهابي في العالم، وأكبر قوّاد حي في العالم، وغير ذلك… قام بالتعريف بكتابي'. وتابع: 'لو متّ من هذا العار أو انتحرت لكان أشرف لي… ولكن الله لا يقبل الانتحار'. 'أكبر كنجي'؛ هو صحافي وكاتب إيراني من مواليد 1960. كان ناشطًا في صفوف 'الثورة الإسلامية'، وعمل في الداخل لفترة طويلة قبل أن يُصبّح من المعارضين المشهورين لنظام 'الجمهورية الإسلامية' عام 1994. حُكم عليه بالسجن داخل 'إيران' لفترة، ثم غادر 'إيران' وأصبّح ناشطًا سياسيًا معارضًا خارج البلاد. يقدم 'كنجي' في كتابه (الطريق إلى الديمقراطية في إيران-the road to democracy in iran)؛ الذي نشره عام 2008، (صادر عن دار Boston Review الأميركية) رؤيته الفلسفية: 'للإصلاح السياسي في إيران بالاستناد إلى حقوق الإنسان ومباديء الديمقراطية والعدالة والمساواة الجنسية'. ويُطالب في كتابه؛ 'الولايات المتحدة'، باتباع سياسات جديدة مع 'إيران' قائمة على السلام، لا على التهديد والعدوان.


الرأي العام
منذ 9 ساعات
- الرأي العام
الحوثيون يستهدفون مطار اللد في يافا المحتلة بصاروخ باليستي
أعلنت حركة 'أنصار الله' اليمنية (الحوثيون)، اليوم الخميس، أنها نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد الإسرائيلي بصاروخ باليستي فرط صوتي. وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع في بيان، إن 'القوة الصاروخية في القوات المسلحة اليمنية نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار اللد في منطقة يافا المحتلة وذلك بصاروخ باليستي فرط صوتي، وذلك انتصارا لمظلومية الشعب الفلسطيني وردا على جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة'. وأشار سريع إلى أن 'العملية قد حققت هدفها بنجاح بفضل الله، وتسببت في هروع أكثر من أربعة ملايين من قطعان الصهاينة الغاصبين إلى الملاجئ، وتوقف حركة المطار'. وتابع البيان، أن 'عملياتنا مستمرة لن تتوقف إلا بوقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها'.


ساحة التحرير
منذ 10 ساعات
- ساحة التحرير
لاريجاني يهز العصا.. لبنان ليس وحيداً ولن يُسمح بالعبث به!محمد شمص
لاريجاني يهز العصا.. لبنان ليس وحيداً ولن يُسمح بالعبث به! د. محمد شمص* منذ سنوات، تحاول #السعودية أن تلعب دور 'شرطي المنطقة' لصالح واشنطن وتل أبيب، لكنها لم تجيد سوى إشعال الحروب وتدمير الدول. من اليمن إلى سوريا، ومن البحرين إلى #لبنان، تتحرك الرياض بأوامر أميركية لتمزيق محور المقا و مة وتصفية حركات التحرر، مستخدمة المال السياسي، والحصار الاقتصادي، والتحريض الطائفي. اليوم، تعيد المملكة نفس السيناريو في لبنان، متوهمة أنها قادرة على اقتلاع الحزب من جذوره كما حاولت في اليمن ضد أنصار الله عام 2015 وفشلت، بل تحول اليمن الى قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة، وأصبح معضلة بالنسبة للأمريكيين والإسرائيليين. النتيجة لن تختلف هذه المرة: هزيمة استراتيجية مدوية، وانكسار لمشروعها أمام صلابة محور المقا و مة. الأمير محمد بن سلمان قد يشتري السلاح الأميركي ويفتح خزائن النفط لدفع ثمن المؤامرات، لكنه لن يستطيع شراء النصر في مواجهة محور يعرف كيف يرد، وكيف ينقل المعركة إلى ساحات المواجهة مع السعودية من بوابتي اليمن والعراق، وغيرهما إن لزم الأمر. لاريجاني في بيروت: لا مساس بالمقاومة ولا بسلاحها زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الدكتور علي لاريجاني، إلى بيروت لم تكن بروتوكولية، بل خطوة استراتيجية محورية تحمل رسائل حادة إلى الأميركيين والسعوديين مفادها: الساحة اللبنانية ليست ملعباً مفتوحاً، ولن يُسمح بالعبث بها. تأتي هذه الزيارة في وقت تحاول فيه واشنطن، عبر أدواتها في الحكومة اللبنانية وبدعم مباشر من الرياض، تنفيذ مخطط قديم–جديد لنزع سلاح المقاومة، وصولاً إلى القضاء عليها نهائياً. المشروع السعودي بقيادة محمد بن سلمان لا يكتفي بذلك، بل يهدف إلى إنهاء الحزب كلياً، وقد نوقش هذا المشروع حتى في القاهرة بين المندوب السعودي ومسؤولين عرب، وعندما حُذّر الجانب السعودي من أن ذلك سيؤدي إلى تفكيك الجيش اللبناني والحرب الأهلية، كان الرد صادماً: 'فليكن'، ما يكشف حجم الاستخفاف السعودي بمصير لبنان. الموعد الحاسم هو 31 آب، عندما يضع الجيش اللبناني خطة لنزع سلاح المقاومة. لكن المؤشرات والمعلومات المسرّبة تؤكد أن هذه الخطوة من الحكومة بنزع السلاح لن تبقى حبراً على ورق، والقرار اتُخذ للتنفيذ لا للضغط والتهديد فحسب، إذ قد تبدأ المداهمات لمخازن الأسلحة من فرع المعلومات، بالتعاون مع قائد الجيش رودولف هيكل، الذي أعلن التزامه بقرار الحكومة، رغم يقينه بأن المهمة الموكلة للجيش مستحيلة، وقد تؤدي الى تفكيك الجيش والإطاحة بالسلم الأهلي والاستقرار، كما فعل رئيس الجمهورية جوزاف عون و تحت ضغط أميركي–سعودي كثيف حين قال: 'أنه غير قادر على تحمل هذه الضغوط الكبيرة' ضارباً عرض الحائط عقيدته الوطنية ووعوده للبنانيين بحفظ السلم الأهلي، و ناكساً لعهده والتزامه مع الثنائي الوطني الذي أوصله الى سدة الرئاسة. الحزب حريص على السلم الأهلي وهو من الخطوط الحمر في عقيدته السياسية، لهذا لن يبدء مواجهة عسكرية مع أحد في لبنان لا سيما مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية، لكنه سيرد بحزم وقوة على أي اعتداء، لن يستعجل الأمور ولن يسبق الأحداث، وفق المعلومات، وأن أي تطور دراماتيكي لا قدّر الله في هذا الإطار سيكون المسؤول عنه مباشرة الحكومة اللبنانية ورئيسها الذي اتخذ قرار تفجير لبنان. هذه المعركة ليست مجرد ضغوط سياسية للتفاوض، بل حرب وجودية تهدف إلى إدخال لبنان في الاتفاقيات الإبراهيمية. وزيارة لاريجاني جاءت لتهز العصا للسعوديين والأمريكيين: إيران لن تسمح بتحويل لبنان إلى ساحة مستباحة، وستستخدم أوراق القوة الإقليمية للضغط على الرياض، وواشنطن. اتفاق أمني سيادي بين بغداد وطهران يزعج واشنطن قبل بيروت، حط لاريجاني في بغداد، حاملاً رسالة دعم واضحة للمقا و مة العراقية في وقت تحاول فيه واشنطن إعادة إخضاع العراق بالكامل. الزيارة تزامنت مع توقيع مذكرة تفاهم أمنية بين العراق وإيران، هدفها حفظ الأمن وضبط الحدود. الخطوة العراقية لم ترق لواشنطن، التي خرجت بخطاب استعلائي بمنطق الوصي: 'ندعم السيادة العراقية الحقيقية، لا التشريعات التي تجعل العراق تابعاً لإيران'. هذا الموقف يكشف طبيعة الهيمنة الأميركية، التي تريد عراقاً منزوع الإرادة، مندمجاً في منظومة الأمن الأميركي، ومقطوع الصلة بمحور المقا و مة. الرد العراقي جاء حاسماً عبر سفارته في واشنطن: العراق دولة ذات سيادة كاملة، وله الحق في إبرام الاتفاقيات وفق دستوره وقوانينه، وهو ليس تابعاً لسياسة أي دولة، بل يقيم علاقات تعاون مع العديد من الدول، ومنها إيران. زيارة لاريجاني إلى بغداد كانت صفعة دبلوماسية واستراتيجية لواشنطن، ورسالة تحدٍ بأن زمن التحكم الأحادي في العراق قد انتهى، وأن المحور يمتلك القدرة على حماية مصالحه ومكاسب شعوب المنطقة. إيران.. الصواريخ جاهزة وأوراق الضغط مفتوحة إيران ليست مراقباً من بعيد، بل طرف أساسي في المعركة الممتدة من لبنان إلى العراق واليمن. موقفها حاسم: لا مساس بالسلاح، الذي يشكل خط الدفاع الأول عن المكونات المستهدفة في المنطقة، وخاصة المكون الشيعي المقا و م، الهدف الأول لأمريكا والسعودية والكيان الصهيوني. زيارة لاريجاني إلى بغداد وبيروت تأتي تحت إشراف مباشر، بل إيعاز من قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، الذي يتابع ملفات دعم المقا و مة شخصياً، ويعرف تماماً كيفية مواجهة الضغوط الأميركية بصلابة استراتيجية. لكن الضغوط تتصاعد: بيان الترويكا الأوروبية منح إيران مهلة حتى نهاية آب للعودة إلى المفاوضات النووية، وتوقيع اتفاق جديد يشمل الكشف عن مصير 408 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، ومناقشة برنامج الصواريخ الباليستية، ودور إيران الإقليمي. المطلوب غربياً هو تجريد إيران من أوراق قوتها الإقليمية، عبر الضغط على حلفائها ونزع سلاحهم. لكن طهران تملك معادلة ردع قوية: أي محاولة للمساس بالسلاح في لبنان أو العراق أو اليمن ستقابل برد مباشر من ساحات متعددة، ما يجعل السعودية تحديداً في مرمى الضغط من أكثر من جبهة. صحيفة فورين بوليسي تحدثت عن احتمال اندلاع جولة مواجهات جديدة بين إيران والكيان الإسرائيلي مع نهاية آب وبداية أيلول، ما يعني أن أول أيلول قد يكون بداية مرحلة ساخنة على مستوى المنطقة بأكملها، تتداخل فيها الساحات من لبنان إلى غزة، ومن صنعاء إلى بغداد وطهران. معركة كسر العظم لن تمر إيران تدرك أن المعركة اليوم ليست فقط مع واشنطن وتل أبيب، بل مع شبكة من الحلفاء العرب للولايات المتحدة، وعلى رأسهم السعودية، التي تسعى لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة عبر الحروب بالوكالة. لكن الفارق أن المحور يمتلك أوراق قوة قادرة على قلب المعادلة، وتحويل أي مشروع استهداف إلى كلفة استراتيجية على المعتدي. الرسالة واضحة: المحور لن يسمح بإعادة صياغة المنطقة على مقاس الأميركيين والسعوديين، ومحاولة نزع السلاح أو ضرب الحلفاء ستفتح أبواب المواجهة على أكثر من ساحة، في توقيت قد يكون الأكثر إيلاماً للخصوم. 2025-08-14