logo
البستاني ينبُش 'قبر الدعم': أين ذهب 11 مليار دولار من أموال المودعين؟

البستاني ينبُش 'قبر الدعم': أين ذهب 11 مليار دولار من أموال المودعين؟

بيروت نيوزمنذ 7 ساعات

عماد الشدياق نقلاً عن نداء الوطن:
في بلدٍ امتهن طمس الحقائق وتجاهل القوانين، عاد إلى الواجهة فجأة قانونٌ منسيّ منذ صيف العام 2021. القانون يحمل الرقم 240، وينصّ على إخضاع كل المستفيدين من الدعم الحكومي بالدولار الأميركي للتدقيق الجنائي الخارجي.
هذا القانون الذي مضى على صدوره ما يقارب الأربع سنوات، لم يُنفّذ. ولم تُعدّ مراسيمه التطبيقية ضمن المهلة المحددة في مادته الرابعة، برغم أنّه نُشر في الجريدة الرسمية.
اللافت أنّ إعادة تحريك الملف لم تأتِ من الحكومة، ولا من أجهزة الرقابة، بل من رئيس لجنة الاقتصاد والتجارة النيابية النائب فريد البستاني، الذي وجّه قبل أيام سؤالًا خطيًا إلى الحكومة عبر رئاسة مجلس النواب، مستفسرًا عن أسباب التأخير في تنفيذ القانون. البستاني أشار في سؤاله إلى أنّ وزارتي المال والعدل لم تقوما خلال مهلة الشهرين بإعداد الآليات المطلوبة، ما جعل القانون غير نافذ فعليًا.
تحرُّك النائب البستاني لمكافحة الفساد أو 'تقويم الانحراف' في أداء السلطة، ليس الأول من نوعه. فقد تقدم البستاني قبل أسابيع باقتراح قانون لحماية الودائع بالعملات الأجنبية، وذلك بعد محاولات سابقة خلال عهد حكومة تصريف الأعمال (حكومة الرئيس نجيب ميقاتي)، لكنّه لم يسلك طريقه. كما كان للبستاني الفضل في إعادة العمل بإدارة 'النافعة' بالتعاون مع وزارة الداخلية التي اتخذت إجراءات عقابية بحق الفاسدين، ودفعت نحو يُسرّع وتيرة العمل في هذا المرفق الحيوي. وكذلك كشف الاختلاسات في وزارة الاقتصاد، التي أوصلت إلى توقيف الوزير أمين سلام وشقيقه بواسطة القضاء.
قد لا يكون تحرّك البستاني منفرداً كافيًا لتغيير واقع راسخ من الإهمال السياسي والقضائي كلياً، لكنّه يفتح نافذة جديدة للضوء ويحض نظرائه في الندوة البرلمانية على التعاون معه للكشف اليوم عن واحد من أكثر الملفات التباسًا خلال الأزمة المالية: ملف 'الدعم'، الذي كلّف مصرف لبنان نحو 11 مليار دولار، وشكّل مصدرًا ضخمًا للهدر والتهريب، لا يزال حتى اليوم من دون مساءلة، رغم كل ما كُتب وقيل عنه.
بحسب معلومات خاصة بـ 'نداء الوطن' فإنّ حاكم مصرف لبنان السابق وسيم منصوري قد سبق وأرسل في حينه كل ملفات الدعم إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في حكومة نجيب ميقاتي على USB. هذه الملفات تتضمّن معلومات كاملة عن الشركات والأفراد الذين حصلوا على الدعم، وتصل إلى أكثر من 10500 ملف تعود لشركات عاملة في السوق اللبنانية.
ومع ذلك، تؤكّد المعلومات أنّ وزيري المال والعدل، يوسف خليل وهنري خوري، لم يُقدما على أي إجراء بعد تسلّم الملفات. لم يُفتح تحقيق، ولم تُحال الملفات إلى الجهات القضائية، إلى أن انقضت المهل القانونية وسقطت بفعل مرور الزمن بعد الشهرين، لينتهي بذلك مفعول القانون رقم 240 كأداة محتملة للمحاسبة.
المفارقة أنّ النظام السياسي نفسه، الذي وضع القانون شكليًا في 2021 لاحتواء النقمة الشعبية آنذاك، هو نفسه الذي تجنّب تنفيذه لاحقًا، ربما لأنّ نتائجه كانت ستكشف شبكات واسعة من المصالح المرتبطة بالسلطة والنفوذ والمال. فدعم السلع الذي بدأ كشعار لـ'حماية الناس'، تحوّل إلى مصدر فاضح للربح والتهريب، سواء عبر الحدود أو عبر الفوارق في سعر الصرف. أحد المصرفيين المقرّبين من هذا الملف صرّح صراحةً: 'نحن مجرمون. كنا نبيع بالدولار على سعر 3000 و5000 ليرة، بينما كان سعر السوق قد تجاوز 100 ألف'.
من المستفيد؟ من الفاعل؟ من المتستّر؟ من عرقل القانون؟ كل هذه الأسئلة لا تزال بلا أجوبة. وقد يكون تحرّك البستاني مجرّد محاولة أخيرة لتسجيل موقف رقابي، أو لفتح نقاش نيابي حول الملف، لكنّه في كل الأحوال يعيد طرح السؤال الأساسي: هل هناك إرادة سياسية فعلية لمساءلة من استفاد من مليارات الدولارات المدعومة من أموال المودعين؟
لا يبدو ذلك حتى الآن. فالمؤشرات السياسية والقضائية لا توحي بوجود أي نيّة جدّية لاستعادة الأموال أو نشر أسماء المستفيدين أو حتى إصدار تقرير رسمي يشرح للرأي العام كيف صُرفت المليارات ومن هم أصحابها. بل إن التعامل مع الملف لا يزال يجري بمنطق الإنكار، كأنّ الدعم كان ضرورة وطنية انتهت، لا فضيحة مكتملة العناصر بحاجة إلى محاكمة.
التحرّك النيابي الأخير، رغم تأخّره، يسلّط الضوء مجددًا على هذا الفراغ في المساءلة. والأهم من تحرّك نائب أو لجنة، هو ما إذا كان هذا التحرك سيفتح بابًا لمساءلة حكومية علنية، أم أنّه سيلقى المصير نفسه الذي لاقاه القانون: التجاهل، فالتأجيل، فالسقوط بفعل الزمن.
الملف لم يُغلق أخلاقيًا، حتى لو أُغلق قانونيًا. وهناك أكثر من 11 مليار سبب يدعو اللبنانيين إلى عدم نسيانه… خوصاً أن تلك المليارات هي من أموال المودعين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نظام الملالي والنصر الإلهي؟؟!!
نظام الملالي والنصر الإلهي؟؟!!

الشرق الجزائرية

timeمنذ 43 دقائق

  • الشرق الجزائرية

نظام الملالي والنصر الإلهي؟؟!!

ما جرى من عملية عسكرية دمّرت 3 مفاعلات نووية وهم: فوردو -نظنز – وأصفهان مضحك مبكٍ. لماذا؟؟؟ بكل بساطة، منذ مجيء نظام الملالي الى الحكم في إيران عندما خلع الشاه وحلّ محله آية الله الخميني، ومنذ ذلك الحين رفع شعار: – الموت لأميركا – الموت لإسرائيل – الشيطان الأكبر – الشيطان الأصغر. لم يكتفِ هذا النظام بذلك بل أقفل السفارة الإسرائيلية في طهران وأقام مكانها سفارة فلسطين، حيث كانت أوّل سفارة فلسطينية في العالم. احتل مجموعة من الطلاب السفارة الأميركية في 4 تشرين الثاني (نوڤمبر) عام 1970، ودام الحصار 444 يوماً حيث كان الرئيس «رونالد ريغان» مرشحاً للرئاسة الأميركية كان قد أعلن أنه إذا انتخب رئيساً فلن يسمح للحصار ولو ليوم واحد، وهكذا أخلى الطلاب حصارهم للسفارة. أركز على هذه الحادثة، لأنها تعطي دلالة بأنّ هذا النظام لا يفهم إلاّ بالقوة… وهذا ما حدث عندما دمّرت الطائرات الأميركية B-2 محمّلة بصواريخ GBU57 ثلاثة مفاعلات نووية هي: 1- فوردو 2- ونطنز 3- وأصفهان. وذلك حصل بعد انتظار وبعد نصائح وتهديدات أطلقها دونالد ترامب لإيران. وللأسف، كل الاجتماعات التي حصلت كانت اجتماعات للكذب وتمرير الوقت لإيران لتمارس لعبتها الوحيدة ألا وهي الكذب والخداع. عندما انتخب الرئيس ترامب رئيساً قال إنه سينهي الحروب في العالم، بدءاً بحرب أوكرانيا مع روسيا أولاً. ثانياً: حرب غزة والصراع العربي – الإسرائيلي. ثالثاً: حرب المفاعل النووي الإيراني. وبالفعل، فإنّ الرئيس ترامب قال عن الحرب الرابعة التي هي لبنان: «هذا البلد الجميل لا يجوز أن تنشب حرب كل 10 أو 15 سنة، أما الحرب هذه المرة فستنتهي ونترك الشعب اللبناني الطيّب يعيش بسلام». بالعودة الى محاسبة النفس… ماذا سيقول آية الله خامنئي لشعبه؟ وماذا سيبرّر لهم هدر الأموال بالمليارات التي صُرفت على إنشاء مفاعل نووية؟ وماذا لو صُرفت هذه الأموال على الشعب الإيراني الذي يعيش في حالات من الفقر والعوز، حيث أن 40% يحصلون على مساعدات من الدولة؟ وهل يعلم آية الله الخامنئي أن في عهد الشاه، كانت العملة الإيرانية قوية، فكل دولار يساوي 35 تومان. أما اليوم فقد أصبح كل دولار يساوي مليوناً ومائتي ألف تومان؟ هل يعلم آية الله الخامنئي أن الجيش الإيراني كان رابع جيش تسليحاً خصوصاً سلاح الطيران المزوّد بطائرات F-14 و F-15؟ هل يعلم آية الله خامنئي أن الجيش الإيراني كان الخط الأول للدفاع عن أميركا ضد الاتحاد السوڤياتي؟ وهل يعلم آية الله خامنئي أن هناك مصنع لسيارات «رينو» الفرنسية في إيران ينتج مليون سيارة سنوياً، ومصنع لسيارات «بيجو» الفرنسية ينتج مليون سيارة أيضاً، فأين أصبحت تلك المعامل؟ هل يعلم آية الله الخامنئي كم كلفت الحرب ضد العراق؟ ومَن سبّب تلك الحرب؟ وهل تبرّر كلمة «تشييع» تدمير إيران شعبها وبلادها؟ وهل يعلم آية الله خامنئي أن هناك مليون شهيد إيراني في حربه مع العراق، وهناك كلفة وصلت الى الـ1000 مليار دولار؟ بكل صراحة، لا أظن أن الشعب الإيراني سيترك النظام من دون محاسبة، وكل آتٍ قريب.

200 مليون دولار من البنك الدولي للتحوّل الأخضر في الزراعة اللبنانية: خارطة طريق للتعافي الاقتصادي وتعزيز الأمن الغذائي
200 مليون دولار من البنك الدولي للتحوّل الأخضر في الزراعة اللبنانية: خارطة طريق للتعافي الاقتصادي وتعزيز الأمن الغذائي

صوت لبنان

timeمنذ ساعة واحدة

  • صوت لبنان

200 مليون دولار من البنك الدولي للتحوّل الأخضر في الزراعة اللبنانية: خارطة طريق للتعافي الاقتصادي وتعزيز الأمن الغذائي

إعتبرت وزارة الزراعة في بيان أن ' إقرار اللجان النيابية المشتركة خلال جلستها في مجلس النواب برئاسة نائب رئيس المجلس النائب إلياس بو صعب، مشروع قانون يرمي إلى إبرام اتفاقية قرض مع البنك الدولي بقيمة 200 مليون دولار، لتمويل 'مشروع التحوّل الأخضر في قطاع الأغذية الزراعية من أجل التعافي الاقتصادي' هو خطوة نوعية لدفع عجلة التعافي الاقتصادي وتعزيز الأمن الغذائي في لبنان'. وقدّم وزير الزراعة الدكتور نزار هاني عرضًا مفصّلًا حول المشروع، مشددًا على أنه 'مشروع استثماري متكامل لدعم القطاع الزراعي، يشكّل رافعة أساسية لتحفيز النمو وتحقيق التحوّل الأخضر المستدام'. وأكد أن 'هذا التمويل يأتي في سياق تنفيذ خطة وزارة الزراعة الممتدة من 2026 إلى 2035، وينسجم مع الاستراتيجيات الوطنية في إدارة المياه والنفايات، ويتيح استقطاب المزيد من التمويلات والمشاريع الإنمائية'. المشروع ويحمل المشروع عنوان 'التحوّل الأخضر للأغذية الزراعية من أجل التعافي الاقتصادي' (GATE)، ويهدف إلى تعزيز صمود المزارعين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في وجه الأزمات الاقتصادية والبيئية، من خلال استثمارات ذكية مناخيًا، وتحسين البنى التحتية الزراعية، وتوفير حلول تمويلية وإرشادية متخصصة، فضلًا عن دعم منظومة سلامة الغذاء وتسويق المنتجات اللبنانية. تفاصيل الاتفاقية قيمة القرض: 200 مليون دولار أميركي مقدّمة من البنك الدولي للإنشاء والتعمير. مدة السداد: 24 سنة، تتضمن فترة سماح لمدة 5 سنوات معدل الفائدة: 5.55%، متغيّر وفق سعر الفائدة المرجعي SOFR + هامش تاريخ دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ: كحد أقصى في 4 تموز 2025 مكوّنات المشروع استثمارات ذكية في سلاسل القيمة الزراعية – 71 مليون دولار منح مباشرة للمزارعين (حتى 5,000 دولار) والتعاونيات الزراعية (حتى 35,000 دولار). تدريب 12,000 مزارع على الممارسات الزراعية الذكية مناخيًا. دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة – 51 مليون دولار قروض ميسّرة تصل إلى 400,000 دولار للمؤسسات المسجّلة والعاملة في قطاع الأغذية الزراعية، عبر مؤسسة 'كفالات' وبآليات شفافة. بنية تحتية ذكية وخدمات داعمة – 100 مليون دولار 28 مليون دولار للبنية التحتية المجتمعية (الطرقات، الري، الأسواق). 72 مليون دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية الكبرى (شبكات ري، بحيرات زراعية…). تحسين البيئة التمكينية – 21 مليون دولار تشمل الرقمنة، تطوير التشريعات، إجراء التعداد الزراعي، إنشاء أنظمة تتبّع المنتجات، دعم الصادرات، وتعزيز سلامة الغذاء. إدارة المشروع والاستجابة للطوارئ – 8 ملايين دولار لمتابعة التنفيذ، الرصد، الشفافية، الإعلام، المساءلة، ومنع عمالة الأطفال. الفئات المستفيدة 80,000 مزارع سيستفيدون من الإرشاد الرقمي. 22,000 مزارع وعامل سيتم الحفاظ على مصادر رزقهم. 2,200 فرصة عمل جديدة. 15,000 مزارع سيخضعون لتدريب على الممارسات الذكية مناخيًا. 450 مجموعة زراعية تمثل 6,750 مزارعًا. 700 مزارع فردي سيحصلون على منح مباشرة. 390 مؤسسة صغيرة ومتوسطة تُعنى بـ7,800 مزارع. 9,900 رأس ماشية ستُحصّن ضمن حملة وطنية. 17,000 مزارع سيستفيدون من تحسين شبكات الري. 110 بلديات ستعزّز قدراتها الزراعية وخدماتها. وكان وزير الزراعة توجّه في ختام الجلسة بالشكر إلى النواب وأعضاء اللجان النيابية على دعمهم الكامل للمشروع، مؤكدًا أن 'هذه الاتفاقية تشكّل نقطة تحوّل استراتيجية في مسار تحديث القطاع الزراعي اللبناني في ظل التغير المناخي، من خلال إعادة بناء البنى التحتية، وتوسيع فرص العمل، وتعزيز الأمن الغذائي والبيئي'. وأضاف: 'هذا التمويل يشكّل شريان حياة للقطاع الزراعي، إذ يسهم في رسم خارطة زراعية جديدة للبنان، ويفتح آفاقًا نحو زراعة تنافسية، مرنة ومستدامة. إنه مشروع يعيد الثقة إلى المزارعين والمستثمرين، ويمهّد الطريق أمام تصدير المنتجات اللبنانية وتوسيع التنمية الريفية المستدامة.

الحروب والمسائل الجيوسياسية
الحروب والمسائل الجيوسياسية

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

الحروب والمسائل الجيوسياسية

"لفهم واقع المشكلات، اتبعوا الأموال". في نهاية عام 2002، أصدر البنتاغون دراسة موقعة من دونالد رامسفيلد وأعضاء آخرين في الإدارة الأميركية، أشارت إلى أنه بحلول عام 2017، ستكون الصين العدوّ الرئيسي للولايات المتحدة. وخلص استقراء المحللين من مراكز الأبحاث العسكرية، بعد الأخذ في الاعتبار الاتجاهات الديموغرافية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، إلى أنه بحلول عام 2017، ستبدأ المملكة الوسطى بالاستهلاك أكثر من اللازم. وترتبط الصين والولايات المتحدة ارتباطاً وثيقاً من الناحية الاقتصادية لدرجة أن المملكة الوسطى يمكن أن تصبح خصماً لا يمكننا محاربته، بل يمكننا عزله وتطويقه ووضعه في حالة عجز من الناحية العسكرية. إن ما يجري منذ بداية الحرب في أوكرانيا، مروراً بغزة ولبنان وسوريا وأخيراً إيران، ليس أكثر من حرب عالمية غير متكافئة ذات آثار جيوسياسية واقتصادية كبرى، تهدف إلى ضمان استمرار هيمنة الإمبراطورية الأميركية، والحفاظ على أحادية القطب في العالم، وسيادة الدولار، واستعمار أسواق جديدة للاقتصاد الأميركي المثقل بالديون. وكما حدث في أوكرانيا، فإلى جانب صفقة المعادن النادرة واستغلال الموارد الطبيعية، تشارك أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم "بلاك روك"، في إعادة الإعمار والزراعة والصناعة، مع بنوك مثل "جي بي مورغان" وخبراء استراتيجيين مثل ماكينزي. وقد كان تطويق الصين قائماً منذ سنوات؛ فإلى جانب انتشار القوات البحرية الأميركية في بحر الصين أو في جزر في المحيط الهندي مثل دييغو غارسيا جنوباً، تمتد القواعد العسكرية الأميركية من اليابان إلى كوريا الجنوبية وغوام والفيليبين ومناطق أخرى شرقاً. أما في الغرب، فهناك قواعد في أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان، تُستخدم أيضاً للتشويش الإلكتروني على الصين والتحكم في الاتصالات. ونظراً إلى موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية، تشكل إيران جسراً يربط بين روسيا والصين، وبالتالي فهي عضو رئيسي في مجموعة "البريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون. تُضاف إلى ذلك اتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة مع الصين في عام 2021، التي تضمن استثمارات صينية ضخمة بقيمة 400 مليار دولار مقابل سعر مغرٍ للمواد الهيدروكربونية الإيرانية. ومن الناحية الجغرافية أيضاً، فإن إيران، بالإضافة إلى أوكرانيا، هي ممرّ مشمول بمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تجاوزها الممر الهندي الذي دُشّن في أيلول/ سبتمبر 2023 قبل 7 تشرين الأول أكتوبر. مع العلم بأن الهند دعمت إسرائيل في حربها ضد "حماس" والإبادة الجماعية في غزة. إذن يجب قصف إيران. والحقيقة أن إسرائيل هي التي بدأت الحرب بذريعة التهديد النووي. ولكن لا تخطئوا: الولايات المتحدة هي التي تشن الحرب بواسطة إسرائيل، وليس العكس. يجري حث النظام الإيراني على تغيير سياسته تجاه الغرب، وبالتالي يصبح بقاؤه على المحك، فخطط واشنطن تقتضي ذلك. يجب تدمير محور المقاومة والهيمنة على إيران من أجل ضمان الهيمنة الأميركية على غرب آسيا والشرق الأوسط، واستعمار فلسطين التي طغت عليها الأحداث الحالية وتُركت للقتل أو التهجير والله أعلم، تدمير القدرات العسكرية الإيرانية، حتى في حال تغيير النظام كما هي الحال في سوريا، وكسر الجسر الأساسي بين روسيا والصين، وزعزعة استقرار دول البريكس وخطتها لعملة موحدة بديلة، وفوق كل ذلك إصدار تحذير لكل من قد يحاول تهديد البترودولار والعملة البترودولارية للإمبراطورية. إنها بداية حقبة جديدة: حرب باردة مع الصين. فالإمبراطورية الأميركية المثقلة بالديون والمشكلات الاجتماعية الداخلية تحارب لتحقيق الهيمنة. إنها حرب باردة ذات أوجه متعددة: اقتصادية وتجارية وعسكرية، وفوق كل ذلك تكنولوجية، مع التنافس والسباق على الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والروبوتات، والفيزياء الكمية، إلخ... يجب على "حزب الله" في لبنان أن يفهم أن هذه الأحداث لا تتجاوزه وحده، بل تتجاوز الدول والقوى الإقليمية برمّتها. إنها حرب بين قوتين عملاقتين، أي بين جبّارين، وفي هذه الحالة علينا أن نخفض رؤوسنا كما يقول المثل اللبناني. لقد تغيرت المعادلة القديمة منذ مجيء نظام الملالي عام 1979، التي كانت تؤجج التنافس والحروب بين السنة والشيعة بكل ما وفره ذلك من مزايا للغرب منذ ذلك الحين، لكن هذه المعادلة تغيّرت في منطقتنا. إن الانخراط في هذا الصراع الجديد عسكرياً لن يكون انتحارياً فحسب، بل سيكون عديم الجدوى والخطورة على الإطلاق، لأنه سيوفِّر للعدو الإسرائيلي ذريعة لتدمير البلد هذه المرة على الأرجح. وفوق كل ذلك، تسعى هذه الإمبراطورية إلى الاستقرار في لبنان، بما يخدم مصالحها بالطبع، لكنها في الوقت نفسه تمدّ يدها، ودائماً وفق مصالحها، لمساعدة البلد على الخروج من الهاوية الاقتصادية التي يعيشها منذ ست سنوات، حيث لم تفعل الطبقة السياسية الفاسدة في غالبيتها سوى إثراء نفسها أكثر على حساب الشعب اللبناني. ولمرة أولى، تلتقي مصالح الولايات المتحدة مع مصالح لبنان! ويجب على لبنان أن يغتنم هذه الفرصة مع الحفاظ على سيادته وتحرير أراضيه المحتلة، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا من خلال الديبلوماسية. وكما يقول باولو كويلو في كتابه "دليل محارب النور": "إن ضراوة الطير لا تضاهي شراسة القطط". ولكي يحدث ذلك علينا أن نعلن حيادنا، وعلى "حزب الله" أن يتحلى بالحكمة لا بالأيديولوجيا، وأن ينفصل عن إيران ويعيد تعريف نفسه بالوطنيّة المتطرّفة ومصالحه القومية والشيعية، وأن يسلم سلاحه رسمياً إلى السلطة حتى نتمكن من بناء دولة قوية تستطيع أن تتابع التحولات الإقليمية وتستفيد منها. وعلى اللبنانيين أن يستوعبوا التغييرات القادمة. كما يجب أن يفهموا أن نموذجهم الاقتصادي القديم قد عفا عليه الزمن. فنحن بحاجة إلى رؤية اقتصادية وثقافية تتكيف مع المستقبل. ونحن أيضاً بحاجة إلى الاستثمار في الزراعة والبنية التحتية والتكنولوجيا والصناعة والتصدير وحمايتها، وليس فقط الاعتماد على السياحة مع البقاء كمجتمع استهلاكي. لبنان يجب أن يكون منتجاً. يجب على اللبنانيين أن يتحاوروا معاً لكي يصبح لبنان نموذجاً تلتقي فيه جميع الأديان وتعيش فيه بسلام. عليهم أن يتعلّموا كيف يطردون الفساد من عقولهم لكي يطردوه من المؤسسات العامة. لقد حان الوقت لكي تنهض الجمهورية اللبنانية من تحت الرماد وتنير العالم. لا يملك لبنان القوة ولا النفوذ للوقوف في وجه مخططات هذا العملاق الذي يعاني العجز، عملاق جائع يستأثر بثروات الآخرين ويقترب من الإفلاس لدرجة أن الجميع يدعو له بصوت خافت من أجل نجاحه، وإلا فسيجر الكوكب إلى كارثة اقتصادية مدمرة. باختصار، إمبراطورية تقاتل من أجل تفوّقها وبقائها، مطبّقة مقولة لامبيدوزا من "جيبارد": "لكي يبقى كلّ شيء على حاله، يجب أن يتغير كل شيء".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store