logo
علمانية الجامعات في العراق على المحك

علمانية الجامعات في العراق على المحك

كورد ستريت٢٢-٠٢-٢٠٢٥

كوردستريت|| #آراء وقضايا
بقلم سمير عادل / العراق
في الوقت الذي يُجمَّد فيه قانون فرض الحجاب على النساء، وحديث رئيس البرلمان الإيراني الحالي محمد باقر قاليباف عن عدم إمكانية استمرار القانون المذكور، اذ حمل تصريحاته في طياتها دلالات على التحولات الكبيرة في المنطقة، إلى جانب الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي تمر بها الجمهورية الإسلامية، والاحتقان الاجتماعي المستمر، الذي تفجّر في إحدى محطاته قبل سنتين، وأدى إلى انطلاق حركة تطالب بإسقاط النظام السياسي، وذلك إثر مقتل مهسا أميني في معتقلات النظام بسبب عدم ارتدائها الحجاب. وبينما تتهاوى أركان 'قلعة الإسلام السياسي' هناك، تشهد الساحة العراقية خطوات متسارعة لأسلمة المجتمع العراقي وحسم هوية الدولة السياسية، وسط تداعيات التحولات الإقليمية التي تثير قلق القوى الإسلامية من الأحزاب والمليشيات في العراق بتقويض مكانتها في السلطة. غير أن هذه المساعي تصطدم بموجة مقاومة كبيرة، تتجلى في اعتراضات واحتجاجات اجتماعية آخذة في التبلور نحو حركة علمانية مدنية وحضارية. وإلى جانب ذلك، لم تنجح الأحزاب الإسلامية الشيعية، حتى الآن، في حسم الصراع على السلطة أو إقصاء معارضيها نهائيًا.
سقوط نظام الأسد، الذي أعقب مباشرة الضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله في لبنان وتقزيمه عسكريًا وسياسيًا، و اعتلاء أحد أجنحة الإسلام السياسي السني، ممثلًا بهيئة تحرير الشام، السلطة في دمشق، أربك جميع الحسابات الاستراتيجية لحلفاء إيران في المنطقة، وخاصة ما تبقى من القطع الدومينو المتساقطة هي في العراق. إذ تعتمد معادلة السلطة في العراق التي تهيمن عليها الأحزاب الإسلامية الشيعية على دعامة النفوذ الإيراني.
صحيح أن مساعي أسلمة المجتمع العراقي أخذت منحًى تصاعديًا منذ الغزو واحتلال العراق، وشهدت تذبذبًا في بعض المراحل، إلا أن حسم هوية الدولة ككيان طائفي وديني، وفرض الاستبداد السياسي، انطلقت قاطرته بشكل قانوني وسياسي ممنهج منذ تعيين محمد شياع السوداني رئيسًا للوزراء من قبل تحالف تلك الأحزاب الإسلامية الذي يسمى بالاطار التنسيقي. وقد تجلى ذلك في سلسلة من القوانين، مثل قانون مكافحة البغاء والمثلية، وقانون عيد الغدير، وآخرها تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يشرعن التقسيم الاجتماعي الطائفي والديني للمجتمع العراقي. وإذا دققنا في هذه القوانين، إلى جانب قرارات أو مشاريع قوانين موازية ومتناسقة معها، مثل اعتقال أي شخص بتهمة الترويج لمحتوى 'هابط'، ومسودة قانون حرية التعبير، وقانون الحريات النقابية، يتضح بشكل لا لبس فيه أن عملية أسلمة المجتمع العراقي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بترسيخ سلطة استبدادية. أي، بعبارة أخرى، لا أسلمة للمجتمع مع وجود الحريات، فالأسلمة كسياسة ممنهجة ترتبط ارتباطًا عضويًا بالاستبداد السياسي.
وفي هذا السياق، تأتي المحاولات المستمرة لانتزاع صفة العلمانية من الجامعات العراقية. وإذا عدنا إلى التاريخ، وتحديدًا في أواسط القرن العشرين وبعد النصف الثاني منه، نجد أن هناك حركتين اجتماعيتين ساهمتا في رسم المشهد السياسي العراقي: الحركة الطلابية والحركة العمالية. وكانت الأحزاب السياسية، التي مثلت تيارات وميول مختلفة داخل تلك الحركات هي مدنية الطابع، على سبيل المثال حزب الاستقلال وحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب قومية أخرى. وقد نشأ معظم كوادر وقيادات هذه الأحزاب وتعلموا داخل الجامعات، وساهموا بفاعلية في الحركة الطلابية، حيث كانت الأحزاب تتنافس على توجيه سياستها والتأثير فيها وسيادة افقها عبر الانتخابات الطلابية.
ان الأحزاب الإسلامية التي تدير السلطة اليوم في العراق تدرك جيدًا أن مفتاح أسلمة المجتمع يكمن في أسلمة الجامعات العراقية. وفي هذا السياق، أصدرت قرارًا يصب في إطار ترسيخ استبداد السلطة السياسية ونهج الأسلمة، يقضي بمنع تشكيل أي تنظيمات طلابية. ويشرف على تنفيذ هذا القرار، إن لم يكن صادرًا عنه مباشرة، وزير التعليم العالي نعيم العبودي، المنتمي إلى ميليشيات عصائب أهل الحق. ويجدر بالذكر أن قانون الأحزاب السياسية في العراق يمنع مشاركة الجماعات المسلحة في الانتخابات أو الترشح لها. لكن العراق، كما هو معتاد، يشكل استثناءً لكل القواعد، حيث يكون الخاسر في الانتخابات هو من يشكل الحكومة، وحيث يتمكن من يملك مقعدًا أو مقعدين في البرلمان من أصل 328 مقعدًا من توجيه دفة السلطة والسيطرة على مفاصلها.
بالتزامن مع القرار الذي منع تشكيل أي منظمة طلابية، وأدى إلى حل الاتحاد العام لطلبة العراق، قامت الأحزاب الإسلامية بتشكيل اتحاد جديد، يمثله طلاب الحوزة العلمية في النجف، الذين يجوبون الجامعات لإلقاء المحاضرات الدينية. ولم تتوقف هذه الإجراءات عند هذا الحد، بل امتدت إلى تحويل المناسبات الجامعية، مثل حفلات التخرج، إلى استعراضات طائفية، تُرفع فيها صور قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اللذين اغتيلا في يناير 2021 على يد القوات الامريكية، ويجري خلالها التمجيد بميليشيات الحشد الشعبي. بالتوازي مع ذلك، تم إصدار عدد من القرارات في مختلف الجامعات، مثل فصل الذكور عن الإناث، كما حدث في جامعة تكريت بمحافظة صلاح الدين، وفرض اللباس على الطالبات تحت مسمى 'اللباس المحتشم'، إلى جانب تنظيم عشرات المناسبات الطائفية داخل الجامعات
وعلى المستوى الاخر، تمكنت الأحزاب الإسلامية الشيعية وميليشياتها من استغلال سياسة الخصخصة التي كانت جزء من سياسة الاحتلال، لتمهيد الطريق نحو خلق بيئة مواتية للأسلمة، من خلال الجيل الجديد في الجامعات، الذي يجري تأهيله وفق التصورات والأفكار والأيديولوجيا الإسلامية. تسير سياسة الخصخصة في العراق بوتيرة متسارعة، وتشمل جميع الميادين، حيث تتنصل الدولة من مسؤولياتها، ويبرز قطاع التعليم في مقدمة تلك المجالات.
إن تدهور التعليم، كنظام علمي وأكاديمي في المدارس، ليس مجرد نتيجة للفساد، بل إن الفساد ذاته هو أداة ممنهجة تهدف إلى إعداد جيل غير متعلم، مشوش الفكر، فاقد للبوصلة، وغير مسلح بسلاح العلم، ليكون بيئة خصبة لبناء منظومة خاوية من كل شيء سوى الخرافات الدينية والأفكار الغيبية. ويتم، من خلال هذه المنهجية، إغراق العقل الفردي والعقل الجمعي في مستنقع الطائفية، لمنع التفكير النقدي والبحث عن أسباب التدهور الاجتماعي والفقر المدقع، وإجهاض أي محاولة لكسر الجدار الطائفي الذي يُبنى بعناية، وإقامة ستار يحجب الهوية الإنسانية الجامعة التي تربط البشر في جغرافية تسمى العراق.
وعلى الجانب الآخر، تساهم سياسة خصخصة التعليم في حرمان أبناء العمال والكادحين غير القادرين على دفع تكاليف التعليم الجامعي من الوصول إلى الجامعات. وفي الوقت نفسه، تصبح هذه الجامعات إقطاعيات دينية لا يدخلها إلا الميسورون من الطبقة البرجوازية حديثي النعمة، مما يؤدي إلى إنتاج جيل متعلم ليكون أداةً لنشر الطائفية والخرافات والكراهية الدينية والتمييز الجنسي في المجتمع، بهدف ترسيخ النظام السياسي الطائفي والميليشياتي الفاسد، والمُمعِن في ارتكاب الجرائم بحق جماهير العراق.
وتجتمع هذه العوامل لتحقيق استراتيجية أسلمة المجتمع. وبالرغم من وجود مقاومة داخل الجامعات ضد سياسات فصل الذكور عن الإناث، وفرض الزي على الطلاب الاناث، ومقاطعة المناسبات الدينية، إلا أن هذه المقاومة قد يتم إجهاضها إذا لم تُواجه بحراك اجتماعي، وجماهيري، وتنظيمي، وإعلامي واسع. وذلك على غرار ما قام به النظام البعثي سابقًا، حين فرض اتحاد طلبة وحيد داخل الجامعات، وعاقب بالسجن والأحكام المشددة، بما في ذلك الإعدام شنقًا، كل من روج لإنشاء تنظيم طلابي مستقل عن اتحاد الطلبة البعثي.
إن الدفاع عن علمانية الجامعات يشكل أحد عوامل صمام الأمان لإفشال مخطط تقسيم المجتمع وفرض السياسة الطائفية عليه. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال توعية الطلبة بمخاطر سياسة الأسلمة في الجامعات من جهة، ومن جهة أخرى اتخاذ خطوة عملية بتشكيل إطار تنظيمي مستقل يرتكز على مجموعة من المطالب العادلة، أهمها: الدفاع عن علمانية الجامعات، ومنع تنظيم المناسبات الطائفية أو تمجيد قادة الميليشيات، والتصدي لسياسة الخصخصة، وضمان مجانية التعليم الجامعي. إضافةً إلى ذلك، ينبغي المطالبة بتوفير مخصصات مالية للطلبة، أسوةً بما كان معمولًا به في النظام السابق، وتهيئة أقسام داخلية مجهزة بجميع الخدمات الضرورية لطلبة المحافظات.
معجب بهذه:
إعجاب
تحميل...

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

النص الكامل لتقرير مجلس الدفاع والأمن القومي الفرنسي حول مؤامرة جماعة الإخوان
النص الكامل لتقرير مجلس الدفاع والأمن القومي الفرنسي حول مؤامرة جماعة الإخوان

الحركات الإسلامية

timeمنذ 9 ساعات

  • الحركات الإسلامية

النص الكامل لتقرير مجلس الدفاع والأمن القومي الفرنسي حول مؤامرة جماعة الإخوان

ترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الأربعاء، في قصر الإليزيه، اجتماعًا لمجلسي الدفاع والأمن القومي، لبحث توسع حركات الإسلام السياسي بفرنسا، وملف حركة جماعة الإخوان المسلمين. عقد هذا الاجتماع عقب صدور تقرير حصلت" البوابة نيوز" على النص الرسمي له، أعده مسئولان رسميان رفيعا المستوى، بطلب من الحكومة الفرنسية، وخلص إلى أن جماعة الإخوان تشكل تهديدا للتلاحم الوطني. شارك في الاجتماع كل من رئيس الحكومة، فرانسوا بايرو، ووزراء الداخلية، والخارجية، والاقتصاد والمالية، والتربية الوطنية، والتعليم العالي، والرياضة، حيث أن القطاعات الثلاثة الأخيرة "مستهدفة بشكل خاص من قبل هذا التدخل من الأسفل"، كما جاء في بيان قصر الإليزيه. وقال الإليزيه: "نحن جميعا متفقون تمامًا على أننا لا ينبغي أن نضع جميع المسلمين في خانة واحدة، لأننا نحارب الإسلاموية وتجاوزاتها المتطرفة، ولا نحارب الإسلام فى ذاته". وقال مستشارون للرئيس: إن ماكرون أراد اتخاذ إجراءات بأسرع وقت ممكن لمواجهة ظاهرة متجذرة تزايدت مؤخرًا، مشيرين إلى الخطر الذي يشكله تنظيم الإخوان المسلمين على الأمن القومي الفرنسي، ولم يعلن حتى الآن توصيات الاجتماع، مع احتمال تصنيف بعض الإجراءات كمعلومات سرية. وخلص التقرير الذي أعده مسئولان رسميان رفيعا المستوى، بطلب من الحكومة الفرنسية، إلى أن الجماعة تشكل تهديدا للتلاحم الوطني، مع تنامي تشدد إسلامي من القاعدة على المستوى البلدي، صعودًا إلى قمة المجتمع وفق الوثيقة. وانفردت "البوابة نيوز" بنشر التفاصيل الكاملة لهذا التقرير حول مؤامرة جماعة الإخوان على فرنسا. وتعتمد جماعة الإخوان المسلمين في بلدانها المختلفة على دوائر متحدة المركز، ويتكون مركزها من "دائرة داخلية" من الناشطين الملتزمين. ومن المحتمل جدًا وجود هذه المنظمة في فرنسا، نظرًا لوجودها في كل مكان آخر في أوروبا. ويقال: إن عدد أعضائها لا يتجاوز بضع مئات، لكن حركة "الإخوان"، عندما نفهمها على نطاق أوسع، تشمل كل أولئك الذين يتبنون أساليب عملها، على اتصال بهذه "الدائرة الداخلية" أو مستوحاة منها، بأهداف مختلفة: إعادة الإسلام، أو الانفصال أو التخريب في بعض الأحيان، وكان الأمر يتعلق بتحديد الجهات الفاعلة والهياكل بما في ذلك الأقمار الصناعية ونطاق عمل وتأثير الإخوان المسلمين في فرنسا. طالع التقرير كاملًا باللغة العربية والفرنسية من

سيناريوهات التحولات المفاجئة.. تقرير ألماني يتناول خطورة المقاتلين الأجانب في سوريا
سيناريوهات التحولات المفاجئة.. تقرير ألماني يتناول خطورة المقاتلين الأجانب في سوريا

شفق نيوز

timeمنذ يوم واحد

  • شفق نيوز

سيناريوهات التحولات المفاجئة.. تقرير ألماني يتناول خطورة المقاتلين الأجانب في سوريا

شفق نيوز/ سلّط موقع "دويتشه فيليه عربية" الألماني، يوم الخميس، الضوء على التطورات المتسارعة في الساحة السورية ما بين الحكومة الجديدة المؤقتة برئاسة أحمد الشرع، والتنظيمات "الإرهابية" وفي مقدمتها "داعش" الذي أخذ في الآونة الأخيرة بتصعيد لهجته المعادية والداعية بشكل واضح إلى توجيه ضربات للنظام الجديد. وبحسب الموقع الألماني فإن تنظيم "داعش" بات يشجع المقاتلين الأجانب على الانقلاب على الحكومة السورية الجديدة، ويصف رئيسها بأنه "خائن للقضية" و"كافر" و"عبد" و"تذلل أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"، وفق ما نشره في العدد الأخير من نشرته الأسبوعية. العداوة السابقة تتجدد ويلفت الموقع إلى أن هذا النوع من العداوة ليس بالجديد بين تنظيم "داعش" وجماعة "هيئة تحرير الشام" التي أسسها وقادها الشرع حين كان يًطلق عليه اسم "أبو محمد الجولاني". فبين عامي 2012 و2013، كانت "هيئة تحرير الشام" جزءاً مما يسمى بـ"تنظيم الدولة الإسلامية"، قبل أن تتحالف مع تنظيم "القاعدة". وبعد قطع العلاقات مع تنظيم "القاعدة" في العام 2016، أمضت "هيئة تحرير الشام" ما يقرب من عقد من الزمان في قتال "داعش" بأجزاء من البلاد التي كانت تسيطر عليها. لذا فإن انتقاد المسار السياسي الحالي الأكثر اعتدالاً للشرع يعتبر أمراً متوقعاً. المقاتلون الأجانب ولكن هناك جانب آخر مثير للاهتمام في النشرة الإخبارية، إذ دعا تنظيم "داعش" المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الانشقاق عن الحكومة الحالية بقيادة الشرع. وحثت الجماعة المقاتلين الأجانب الغاضبين من دبلوماسية الشرع مع الولايات المتحدة على الانضمام إلى "داعش". وأعاد هذا الحديث، فضلاً عن اجتماع الشرع مع ترامب، الاهتمام لواحد من أصعب الملفات التي تواجهها الحكومة الانتقالية في سوريا، وهو ملف المقاتلين الأجانب الموجودين في البلاد. وكان الرئيس الأمريكي، خلال اللقاء الذي جمعه بالشرع، قد ضغط "لإجبار جميع الإرهابيين الأجانب على مغادرة سوريا" كواحد من شروط تخفيف العقوبات. وأدلى المبعوثون الفرنسيون والألمان بتصريحات مماثلة، إذ يخشى كثيرون من أن تصبح سوريا ملاذاً للجماعات ذات الإيديولوجيات المتطرفة التي يمكن أن تنشط دولياً لاحقاً. من الصعب تحديد عدد الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب "هيئة تحرير الشام". ويمكن أن يتراوح العدد ما بين 1500 و6000 مقاتل، وفقاً لخبراء يرجحوا أن يكون الرقم الحقيقي ما بين العددين. وتتكون أكبر مجموعة من المقاتلين من الأويغور، الذين يشار إليهم أيضاً باسم "التركستان"، القادمين من وسط وشرق آسيا، بما في ذلك الصين. ويأتي المقاتلون الآخرون من روسيا ودول سوفيتية سابقة ومنطقة البلقان وتركيا ودول عربية ودول أوروبية. وجاء معظم المقاتلين إلى سوريا في وقت مبكر خلال الحرب الأهلية التي شهدتها سوريا استجابة لدعوات من تنظيم "داعش"، الذي كان يحاول حينها إقامة ما يسمى بـ"خلافة". ولكن بعد قطع "هيئة تحرير الشام" لعلاقتها مع "داعش" و"القاعدة"، غادر بعض الأجانب التنظيم بينما بقي آخرون. وفي أواخر عام 2024، خلال العملية التي قادها تنظيم "هيئة تحرير الشام" للإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد، لعبت عدة مجموعات من الأجانب، بمن فيهم الأويغور والشيشان، دوراً أساسياً في نجاح الحملة. المقاتلون الأجانب في قمة الهرم وقال الشرع في حينها إنه يجب مكافأتهم على مساعدتهم، وتم تعيين عدد منهم في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي بمناصب عليا في الجيش السوري الجديد، وهو ما أثار بعض الجدل. ويرى الباحث في معهد واشنطن، آرون زيلين، في حوار مع الموقع الألماني، أنه من الصعب تحديد مدى أهمية المقاتلين الأجانب لقوات الأمن السورية الآن "لأن عدد السوريين يفوق بكثير عدد الأجانب". لكنه أشار إلى أن بعضهم يتمتع بأهمية أكبر، فعلى سبيل المثال، يعمل مقاتلو الكتيبة الأويغورية الآن كقوة أمنية شخصية للشرع. ويقول زيلين "هم أساساً من يحمونه لأنه يثق بهم، ويُنظر إليهم كرفاق سلاح في القتال ضد الأسد". ويذكر لاجئ سوري مقيم في ألمانيا، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أنه التقى بعدد من المقاتلين الأجانب أثناء قتاله قوات نظام الأسد في مدينة حلب السورية. وقال اللاجئ السوري للموقع الألماني "كان بعضهم جيداً، بينما لم يكن البعضهم الآخر جيداً. كانوا شديدي التركيز على القتال، وكان لدى الكثير منهم عقلية سلفية. أرادوا الذهاب إلى حيث تدور المعارك". ويضيف المصدر "الذين بقوا الآن لديهم عائلات في سوريا. لهذا، شخصياً، سأمنحهم فرصة، خاصة لأننا لو طردناهم، سنطرد أيضاً النساء والأطفال. على أي حال، لا تنسوا أن هناك أيضاً الكثير من السوريين الذين يشاركون ولو جزءاً من هذه العقلية (الدينية)". خطورة المقاتلين الأجانب اتُهم مقاتلون أجانب ذوو توجه ديني أكثر تشدداً بالمشاركة في أعمال عنف وقعت حديثاً ضد الأقليات السورية، كما أُلقي عليهم اللوم في محاولات فرض رقابة على ملابس النساء والسلوكيات الاجتماعية في المدن السورية. ويوضح الباحث والخبير في الشؤون السورية، عروة عجوب، في تقرير للمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، أنه حتى وقت قريب جداً، كانت "هيئة تحرير الشام" ما تزال تُصوّر نفسها على أنها "مدافعة عن الإسلام السني". ولكن بعد سقوط نظام الأسد، اتخذت الجماعة مساراً أكثر ليبرالية، بحسب التقرير. ويقول عجوب "يُمثل هذا التغيير المفاجئ في السردية تعديلاً كبيراً للصفوف. قد يكون هذا التحول تحدياً للمقاتلين الذين اعتادوا على وجهة نظر طائفية أضيق. يواجه العديد من مقاتلي هيئة تحرير الشام، الذين لم يغادروا أبدًا البيئة المحافظة في إدلب، مجتمعات أقل تحفظًا في دمشق". الانضمام إلى "داعش" ويرى الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، محمد صالح، أنه "إذا استمرت هيئة تحرير الشام في اتجاهها نحو الاعتدال النسبي، مثل التسامح مع النساء غير المحجبات والسماح ببيع الكحول والمشاركة في عملية سياسية على النمط الغربي، فقد تنشق العناصر المتشددة داخل هيئة تحرير الشام، وخاصة الجهاديين الأجانب، أو تنشق عنهم، أو تتعاون مع داعش أو القاعدة". ولكن يتشكك الباحث في معهد واشنطن، آرون زيلين، في أن يشكل المقاتلون الأجانب في سوريا "أي تهديد واسع النطاق"، على حد تعبيره. ويري زيلين أن "أولئك الذين شعروا أن هيئة تحرير الشام لم تعد متشددة بما يكفي بالنسبة لهم قد غادروا بالفعل على الأرجح، وأن العديد من المقاتلين الأجانب الأقل تطرفاً الذين بقوا، يتمتعون بانضباط شديد". كما حاول الشرع لفترة طويلة تهميش أو اعتقال أو طرد أي مقاتل أجنبي قاوم المسار الجديد للجماعة. وما يزال بإمكان المقاتلين الأجانب بالطبع ارتكاب جرائم أو التسبب في مشاكل. إلا أن التهديد الأكبر يأتي حقيقة من المقاتلين الأجانب الأعضاء في تنظيم "داعش"، والذين يواصلون تمردًا محدودًا في شرق سوريا، بالإضافة إلى مقاتلين معتقلين في شمال شرق سوريا. وماذا بعد؟ بعد اجتماع الشرع مع ترامب، ظهرت أنباء بشأن مداهمات من قوات الأمن السورية لقواعد خاصة بالمقاتلين الأجانب في محافظة إدلب. ويرى مراقبون ومحللون أنه ما يزال من غير الواضح ما إن كان الأمر صحيح أم مجرد شائعات أو "مسرحيات سياسية". ويبدو أن شن حملة كبيرة ضدهم هو أمر غير مرجح. ويجادل أعضاء في الحكومة السورية الجديدة بأن المقاتلين الأجانب لا يشكلون أي تهديد للدول الأخرى وأن عددهم أقل من أن يؤثر بشكل كبير على الجيش السوري الجديد، كما أنهم موالون لإدارة الشرع الجديدة على أي حال. بل ويرى البعض أن دمج المقاتلين الأجانب في القوات السورية الجديدة ربما يكون أفضل طريقة للتعامل معهم على أرض الواقع. ويقول زيلين: "من بين جميع الطلبات التي قدمتها الولايات المتحدة، ربما يكون هذا هو الأصعب بالنسبة لسوريا. لا أعتقد أنهم يريدون حقاً تسليم المقاتلين الأجانب إلا إذا كانوا، على سبيل المثال، يفعلون شيئاً مخالفاً للقانون".

الديانة الإبراهيمية… بين وهم التوحيد وحقيقة التفكيك العقائدي
الديانة الإبراهيمية… بين وهم التوحيد وحقيقة التفكيك العقائدي

موقع كتابات

timeمنذ 2 أيام

  • موقع كتابات

الديانة الإبراهيمية… بين وهم التوحيد وحقيقة التفكيك العقائدي

الديانة الإبراهيمية…بين وهم التوحيد وحقيقة التفكيك العقائدي. إعداد: جلال عبد الحميد الحسناوي . 1 – الاتجاه الأول: الإسلام في القرآن… دين واحد لا يتعدد 2 – الاتجاه الثاني: مشروع الديانة الإبراهيمية… من التسامح إلى التفكيك 3 – التجاه الثالث: زيارة البابا للنجف الاشرف… بين التقدير الديني والتأويل السياسي 4 – الاتجاه الرابع: الإعلام والدين الإبراهيمي… من الترويج الناعم إلى التطبيع العقدي الاتجاه الأول: الإسلام في القرآن… دين واحد لا يتعدد. تمهيد: حينما نرجع إلى النص القرآني في أصل الدين، نجد خطابًا إلهيًا حاسمًا لا يحتمل التأويل: هذه الآيات لا تتحدث عن 'دين محمد' (صلى الله عليه وآله) فحسب، بل تُعرّف 'الإسلام' كدين إلهي واحد ممتد عبر التاريخ، بدأ مع آدمالنبي (ع) واكتمل مع النبي الخاتم محمد (ص) واله الطاهرين ، وتخلله أنبياء عظام كلهم خاطبوا أقوامهم بالإسلام، وإن اختلفت شرائعهم وتفاصيل مناهجهم. 1 – الإسلام لغة واصطلاحًا في القرآن. • الإسلام لغويًا: الاستسلام والطاعة والخضوع الكامل لله دون شرك. • الإسلام قرآنيًا: العقيدة التوحيدية التي حملها جميع الأنبياء، منذ النبي آدم إلى خاتمهم النبي الرسول محمد عليهم افضل الصلاة واتم التسليم. وقد نص القرآن على أن كل نبي دعا قومه إلى الإسلام بمعناه الأصيل، ومن ذلك: • إبراهيم (ع): • يعقوب وأبناؤه: • يوسف (ع): 'تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ' يوسف: 101 • سليمان (ع): 'وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ' النمل: 31 2 – موسى وعيسى عليهما السلام في ضوء القرآن أولًا: موسى (عليه السلام) • قال تعالى عن موسى وهو يخاطب قومه: • هذا التصريح ينسف المزاعم التي تفصل بين 'اليهودية' و'الإسلام'، فاليهودية شريعة نزلت ضمن دين الإسلام التوحيدي، لا خارجه. • قال تعالى على لسان موسى وإخوته: 'رَبَّنَا اجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ' البقرة: 128 ثانيًا: عيسى (عليه السلام) • قال تعالى: • وقال تعالى عن أتباع عيسى: • وبيّن صراحة أن عيسى لم يأتِ بدين منفصل، بل بشر بمن يختم الرسالة: الفيلسوف الشهيد السيد محمد باقر الصدر: 'الإسلام ليس لحظة تاريخية ظهرت في الجزيرة، بل هو استمرار رسالي متكامل، يرث كل الرسالات، ويُعبّر عن الحقيقة التي تجلت في كل الأنبياء.' المرجع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر: 'كل الأنبياء كانوا مسلمين. والقرآن لا يقر بتعدد الأديان، بل بتعدد الشرائع ضمن دين واحد، هو الإسلام.' 4 – موقف علماء الفريقين. • ابن كثير (تفسير القرآن): فسر الإسلام في سياق الآيات بأنه دين جميع الأنبياء. • الفخر الرازي: أكد في تفسيره أن الإسلام يعني التوحيد والانقياد لله، وهو الأصل في كل الرسالات. • العلامة الطباطبائي (الميزان): قال إن الإسلام في القرآن اسم للدين الإلهي، لا لمرحلة منه. ظهر مصطلح 'الديانة الإبراهيمية' في العقد الأخير كدعوة ظاهرها السلام، وباطنها إعادة تشكيل البنية العقدية للشعوب تحت شعار 'الوحدة الروحية بين أتباع إبراهيم'. لكنّ القراءة الدقيقة لمسار المشروع ومؤسساته تكشف عن مسعى صهيوني ناعم لإعادة هندسة الوعي الديني وفق مصالح سياسية وثقافية عالمية، تتزعمها قوى دولية تسعى لتفكيك الخصوصيات العقدية للأديان، ودمجها في قالب واحد يخدم الهيمنة الغربية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني. 1.1 وثيقة 'الأخوة الإنسانية' (أبو ظبي، 2019) شملت دعوات عامة للتسامح، لكنها افتقدت لأي تحديد عقدي واضح، وهو ما مهد لاحقًا لتوسيع المفهوم نحو فكرة 'الديانة الإبراهيمية' بوصفها مرجعية جامعة بين الإسلام واليهودية والمسيحية. 1.2 مشروع 'بيت العائلة الإبراهيمية' (افتتاح 2023) في جزيرة السعديات – أبو ظبي. مجمّع يضم مسجدًا، وكنيسة، وكنيسًا يهوديًا في موقع واحد، ويُروج له باعتباره 'رمزًا لوحدة الأديان'. اتفاقات تطبيع بين الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع الكيان الصهيوني، تحت غطاء 'السلام الإبراهيمي'، في إشارة مباشرة إلى البعد الديني في الترويج للتطبيع. 2 – ما وراء التسمية: لماذا 'إبراهيم'؟ • إبراهيم (عليه السلام) في القرآن رمز للتوحيد الخالص والبراءة من الشرك: • أما المشروع الحديث فيقدّمه كمجرد شخصية ثقافية جامعة، بلا محتوى عقدي، ولا موقف من الظلم أو الانحراف، بل كـ'رمز سلام وتسامح عالمي'. • وهنا يُفرّغ إبراهيم من رسالته، ويُعاد إنتاجه بما يناسب الأجندة الجديدة. 3.1 التمهيد النظري من الفكر الصهيوني • الحركة الصهيونية منذ نشأتها تبنت فكرة 'العدو الديني' لخلق حاجز نفسي وعقدي ضد العرب والمسلمين، لكنها عادت اليوم لتروّج لفكرة 'الوحدة الإبراهيمية' بعد أن تحقق لها النفوذ السياسي والعسكري. 'الصهيونية ليست مجرد دعوة للعودة إلى أرض، بل هي مشروع لتأسيس نمط عالمي جديد من الإنسان المنفصل عن عقيدته، المتصالح مع السيطرة الإمبريالية.' • إعادة تشكيل الدين عنصر أساسي في هذا النمط، بما يحقق: • دمج الصهاينة كجزء من الأسرة الروحية. • تمييع العداوة العقدية مع المحتل. • نزع سلاح المقاومة والثقافة الإسلامية. 3.2 الأدوات المستخدمة: • الإعلام الموجه: عبر الأفلام، والبرامج، والكتب المدرسية. • المؤسسات الدينية الرسمية: التي تُجرّ إلى خطاب 'السلام'. • الفعاليات الثقافية: مؤتمرات حوار الأديان، منصات التفاهم، إلخ. 4. الشهيدين الصدرين: وتحليل البنية الغربية للمشروع المفكر الفيلسوف السيد محمد باقر الصدر قال: 'الدين عند الغرب يُعاد تركيبه بحسب الحاجة السياسية، ولهذا فإن ما يقدمونه من دعوات للتوحيد ليست إلا وسائل للسيطرة، لا بحثًا عن الحق.' (من كتاب الإسلام يقود الحياة) 'ما يُطرح اليوم من دعوات لتوحيد الأديان، ليست في حقيقتها إلا تنصلًا من جوهر الإسلام، وتحريفًا لطبيعة الصراع بين الحق والباطل.' (في بحث فقه الدولة الإسلامية) 5 – نقد علمي للفكرة: هل الدين قابل للتوحيد؟ • لا يمكن توحيد الأديان لأن: • العقائد الأساسية تختلف (التوحيد، النبوة، المعاد…). • الشريعة ليست اجتهادًا بشريًا بل وحيًا. • الإسلام جاء مهيمنًا وخاتمًا لا مندمجًا أو مكمّلًا. • قال تعالى: خلاصة الاتجاه: مشروع 'الديانة الإبراهيمية' هو أداة هندسة دينية ناعمة، تهدف إلى سحب البعد الجهادي والمقاوم من الإسلام، وإعادة تعريف الدين بوصفه ثقافة مشتركة لا عقيدة ربانية. الاتجاه الثالث: زيارة البابا للنجف الاشرف… بين التقدير الديني والتأويل السياسي في السادس من آذار 2021، قام البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية، بزيارة إلى مدينة النجف الأشرف للقاء السيد السيستاني دام عزه ، المرجع الأعلى للطائفة الشيعية الإمامية. الحدث كان غير مسبوق، لا من حيث رمزيته، ولا من حيث توقيته، ولا من حيث ما تبعَه من تأويلات إعلامية وسياسية حاولت استثمار اللقاء ضمن سياق مشروع الديانة الإبراهيمية. ولئن كان اللقاء مغلقًا، ولم تُلتقط فيه صور، ولم يُصدر عنه بيان مشترك، إلا أن ذلك لم يمنع محاولات التوظيف المتكررة له كدليل ضمني على انخراط المرجعية في مسار 'التقارب الديني العالمي'. • جاءت الزيارة بعد عامين من توقيع ('وثيقة الأخوة الإنسانية' في أبو ظبي (2019. • بعد أشهر من إعلان ('اتفاقيات أبراهام' (2020. • وقبل افتتاح ('بيت العائلة الإبراهيمية' (2023. أي أن الزيارة وقعت ضمن تسلسل زمني يتم فيه دمج الدين داخل المسار السياسي للتطبيع، وإعادة صياغة علاقة الإسلام بالغرب واليهودية. 2 – موقف المرجعية: صمت محسوب لا مباركة ضمنية البيان الذي صدر عن مكتب السيد السيستاني بعد اللقاء لم يتطرق إلى المشروع الإبراهيمي، ولم يُلمّح إلى أي تبنٍّ لمسارات الوحدة الدينية، بل جاء بصيغة تؤكد على: • . • حق الشعوب في العيش بسلام. • رفض الظلم والاعتداء. • دعوة رجال الدين للوقوف بوجه قوى الطغيان. لم يُذكر 'التسامح بين الأديان' ولا 'الوحدة الروحية' ولا 'الأسرة الإبراهيمية' في البيان مطلقًا. وهذا يُعدّ موقفًا فاصلًا، حافظت فيه المرجعية على توازنها: • لم ترفض الزيارة، كي لا تُستغل ضدها دوليًا. • ولم تشارك بمخرجاتها الرمزية، حتى لا تُحسب على مسار لا تنتمي إليه عقديًا. ما يجعل الموقف أكثر حساسية هو أن البابا نفسه قد توفي ، مما قد يفتح الباب أمام: • إصدار وثائق لاحقة ينسب فيها تأييدٌ ضمني للمرجعية لهذا المشروع. • قيام منظمات أو جهات دينية أو إعلامية بتحريف نوايا الزيارة. • توظيف الزيارة في إنتاج سرديات دعائية تقول: 'حتى مرجعية النجف رحّبت بمشروع الأخوة الإبراهيمية'. غياب الصوت المؤسسي الإعلامي الفاعل في الحوزة يضاعف هذا الخطر، ويجعل المرجعية عرضة لاستخدام صورتها دون إذنها. 4 – ماذا أرادت المرجعية؟ وماذا أراد الآخرون؟ • المرجعية أرادت: اللقاء الإنساني والتعبير عن المظلومية الأخلاقية للشعوب. • البابا أراد: خطابًا رمزيًا يُسهم في مشروعه العالمي للتقارب الديني. وهنا يُفهم ويستنتج : 'الاستقبال كان خطأ، لكن عدم الاستقبال يكون خطأ أكبر'. إنها معادلة الصمت النشط: قول لا يُقال، لكن يُفهم. 5 – قراءة الشهيدين الصدرين للحدث وأمثاله. المفكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر: 'حين تكون الرمزية الدينية أداةً في يد الإعلام، فذلك مدخل لتشويه العقيدة. المرجعية ليست مؤسسة مجاملة، بل حارسٌ للخط الإلهي.' (من أوراق غير منشورة في فكر الدولة ) المرجع السيد الشهيد محمد الصدر: 'يجب أن تكون المرجعية فوق الإعلام، لكنها لا يجب أن تُترك للإعلام. بين الصمت والانفعال، هناك شيء اسمه البيان الواعي.' (ما وراء الفقه) زيارة البابا للنجف لم تكن تأييدًا، ولا كانت عُزوفًا. كانت حدثًا دقيقًا توازن فيه المرجعية بين الحاجة الإنسانية والوعي العقدي. لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن يُعاد تأويل الحدث خارج سياقه، فيُبنى عليه ما لم يقله أحد، ويُقوَّل المرجع ما لم ينطق به، ما لم تنهض منظومة إعلامية مرجعية واعية تسد هذه الفجوة. في عالم اليوم، لم يعد الدين يُتداول فقط في الحوزات، والكنائس، والمعاهد، بل صار أيضًا موضوعًا لصناعة الصورة، وميدانًا لتشكيل الرأي العام. وهنا يدخل مشروع 'الديانة الإبراهيمية' من أوسع أبوابه، لا كدعوة دينية، بل كـ'رواية إعلامية ضخمة' مدعومة من مؤسسات سياسية، ومنصات دولية، ومراكز تمويل ضخمة. ولأن الإعلام لا ينقل الحقيقة كما هي، بل يُعيد صناعتها، فإن أكبر خطر يواجه الأمة اليوم هو أن تُفرض عليها عقيدة جديدة بصيغة إعلامية مُجمّلة، تتسلل من باب 'التسامح'، لتصل إلى 'إعادة تعريف الإسلام'. • إبراهيم (ع) يُقدَّم في الإعلام الغربي والعربي المؤدلج لا كنبيٍ موحّد لله، بل كـ'رمز عالمي للتسامح'، منزوع الموقف من الشرك أو الطاغوت. • المرجعيات الدينية تُختزل في 'لقطات' وصور دعائية، لا في خطابها العقدي الفعلي. • تسويق المصطلحات: 'الأخوة الإبراهيمية'، 'بيت العائلة'، 'السلام الديني'، 'الأسرة الإبراهيمية'. • استخدام المؤثرين، وصنّاع المحتوى، وبرامج الأطفال، والدراما. 1.3 تمرير التطبيع عبر الفضاء الديني • من خلال إبراز رجال دين يقفون مع ممثلي الديانة اليهودية والصهيونية تحت شعار: 'كلنا أبناء إبراهيم'. • استثمار ذلك لإضعاف الممانعة العقائدية تجاه الاحتلال، وشرعنة الصمت عن الجرائم. 2 – الإعلام المرجعي الديني … الغائب الأكبر رغم عمق الحوزة، والازهر وقوة الموقف الفقهي، إلا أن المرجعيات الدينيةالكبرى في النجف الاشرف وايران ومصر وباقي المدن التي فيها الجامعات الدينية الكبرى لم تبنِ حتى الآن جهازًا إعلاميًا استراتيجيًا قادرًا على: • التحليل الاستباقي للأحداث. • تفنيد التأويلات الملفقة. • الرد على الحملات الممنهجة. • تصدير فكرها للعالم بلغاته وقوالبه العصرية. وهذا ما جعل زيارة البابا – رغم حكمتها – قابلة للاختطاف السردي من الإعلام العالمي، دون رواية موازية من داخل النجف الاشرف تفكك ذلك بلغة العصر. 'المعركة الفكرية ليست في المنابر فقط، بل في من يكتب القصة ومن يصوغ الخبر ومن يُنتج الصورة. إن الإعلام الرسالي هو من يسبق الطاغوت، لا من يرد عليه فقط.' 'من لا يملك إعلامه، سوف يُقال عنه ما لا يقول، ويُقوّل ما لم يُرد، ويُنسَب إليه ما ينفيه. على الحوزة أن تملك لسانًا عصريًا، لا لتمجيد نفسها، بل لحماية الإسلام.' 5 – الحل المقترح: بناء جهاز إعلامي مرجعي متكامل الخصائص المطلوبة: • يكون ناطقًا باسم المرجعية، لا تابعًا لها إداريًا. • يضم باحثين، فقهاء، إعلاميين، ومحللين استراتيجيين. • يتحدث بلغات متعددة. • يرصد ويرد ويؤسس رواية معرفية مستقلة. المهام: • حماية صورة المرجعية من الاختطاف. • إنتاج محتوى يُعبّر عن العقيدة بلغة العصر. • مواجهة السرديات الغربية حول الدين. المعركة اليوم لم تعد في المساجد فقط، بل في الشاشات، والمواقع، والعناوين. وإذا لم يصدر عن المرجعية خطاب إعلامي رسالي استباقي، فإن غيرها سيكتب عنها كما يشاء، ويُقوّلها ما لم تقل، ويستثمر صورتها فيما لا تمثّله. 'الحق لا يُوحِّده التلفيق، والباطل لا يُغسله التجميل' خلاصة البحث: على امتداد الاتجاهات ، تتبعنا خطى مشروع 'الديانة الإبراهيمية' من نشأته الحديثة إلى جذوره السياسية والفكرية، وانتهينا إلى ما يلي: 1 – الدين في القرآن واحد، لا يقبل التعدد ولا التلفيق، وقد نطقت به كل الرسالات السماوية منذ آدم حتى محمد (ص) واله الطاهرين ، تحت اسم الإسلام. 2 – الأنبياء جميعًا مسلمون، بما فيهم موسى وعيسى، وكلشرائعهم كانت مندرجة في إطار دين الله الواحد وهو الاسلام. 4 – المشروع يحمل بصمات الفكر الصهيوني العالمي، الذي يتقن استخدام الدين لإعادة تشكيل الواقع الثقافي والعقدي للأمم، ضمن هندسة فكرية جديدة. 5 – زيارة البابا للنجف كانت نقطة ارتكاز وظّفها الإعلام العالمي ضمن سردية الإبراهيمية، رغم أن المرجعية كانت على وعي بالمخاطر، وامتنعت عن إصدار أي بيان مشترك أو موقف يُفسر كتبرير عقائدي للمشروع. 6 – غياب جهاز إعلامي مرجعي متكامل. أولًا: على الصعيد العقدي • ضرورة التأكيد على وحدة الدين في الخطاب الإسلامي، ونقض أي دعوة تدّعي إمكان الجمع العقائدي بين الرسالات ككيانات متساوية. • نشر الأدلة القرآنية والروائية التي تبرهن أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء، لا دينًا جديدًا بدأ بمحمد (ص) واله. • يتولى شرح المواقف. • يفند التأويلات المغرضة. • يصدر بيانات توضيحية بلغة عالمية. ثالثًا: على صعيد الأمة والمثقفين • نشر الوعي بمشروع الديانة الإبراهيمية وبيان ارتباطه بالتطبيع، وتفكيك الخطاب الإعلامي الذي يُروّج له. • دعم الأصوات الفكرية والعقدية الحرة التي تحافظ على هوية الأمة دون الانجرار إلى 'وحدة زائفة' تُبنى على التنازل عن الثوابت. نبي الله إبراهيم ع ، لم يكن جامعًا بين الحق والباطل، بل كان نقطة الفصل بين التوحيد والشرك، و'الديانة الإبراهيمية' الحديثة ليست إلا .

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store