logo
المشهد الإقليمي بين المقاومة والمشاريع الصهيونية: صراع الإرادة والهيمنة

المشهد الإقليمي بين المقاومة والمشاريع الصهيونية: صراع الإرادة والهيمنة

الديار١٧-٠٣-٢٠٢٥

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
حين أطلقت المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر "طوفان الأقصى"، كانت تدرك أن هذه العملية لن تكون مجرد مواجهة عابرة، بل ستكون نقطة تحول في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. وعلى الرغم من الوحشية التي ردت بها إسرائيل، فإن حجم المجازر في غزة لم يكن سوى مقدمة لما هو أوسع، فسرعان ما امتد الحريق ليشمل لبنان، حيث وجدت المقاومة نفسها أمام خيار لا مفر منه: فتح جبهة إسناد لغزة في مواجهة العدوان. لكن ما لم يكن متوقعًا هو أن تتحول المواجهة إلى حرب شاملة على لبنان، بدءًا من 19 أيلول 2024، حيث لم يكن الهدف العسكري وحسب، بل امتد ليشمل القيادات الكبرى في المقاومة، وعلى رأسهم سماحة الشهيد الأقدس السيد حسن نصرالله، الذي شكّل اغتياله نقطة مفصلية في مسار المواجهة. ورغم أن الحرب انتهت بعد 66 يومًا من الدمار والقصف، إلا أن تداعياتها لم تنتهِ، فالعدو لم يلتزم بالاتفاق الذي رعته القوى الدولية، وظل الاحتلال الإسرائيلي متمسكًا بجزء من القرى الحدودية، مستمرًا في عربدته وعدوانه. في المقابل، التزمت الدولة اللبنانية بالاتفاق، وسحبت المقاومة قواتها من الميدان، تاركةً الساحة للدولة اللبنانية لإدارة المشهد. لكن ما يجري اليوم يُظهر أن ما حدث في غزة ولبنان لم يكن إلا جزءًا من مشروع أكبر، يتم هندسته بأيدٍ أميركية-إسرائيلية، بمباركة وتواطؤ إقليمي.
لم تمر أيام على وقف إطلاق النار في لبنان حتى حدث ما لم يكن بالحسبان: سقوط نظام بشار الأسد بشكل درامي، ليس أمام "ثورة شعبية"، بل أمام مسلحي هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، الذي تحول بين ليلة وضحاها من "إرهابي مطلوب دوليًا" إلى "رئيس شرعي لسوريا الجديدة" تحت اسم جديد: أحمد الشرع. لكن المفاجئ لم يكن فقط وصول الجولاني إلى الحكم، بل موقفه الأول بعد إعلان "النصر"، حيث سارع إلى طمأنة إسرائيل، مؤكدًا أن نظامه الجديد لا ينوي الدخول في أي صراع معها! كان هذا الإعلان كافيًا لكشف طبيعة المشروع الذي حملته تلك الجماعات منذ أكثر من عقد، حيث لم يكن الهدف تحرير سوريا، بل تمهيد الأرض لإسرائيل وأدواتها. ورغم هذه التطمينات، لم تكن سوريا بمنأى عن العدوان، إذ بدأت الطائرات الإسرائيلية بقصف المستودعات والمطارات ومراكز الأبحاث، في حين وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى مشارف دمشق، في مشهد يعيد إلى الأذهان نكبات سابقة، لكن هذه المرة بمشاركة قوى كانت تزعم أنها تحارب "الاستبداد" و"الاحتلال".
لكن الأخطر من كل ذلك هو ما بدأ يحدث داخل سوريا بعد سيطرة هذه الجماعات على الحكم. فما إن سقطت دمشق حتى بدأ مسلحو "جيش سوريا الجديدة" الذين يدّعون أنهم "أحرار سوريا" بتنفيذ عمليات تطهير عرقي ومجازر مروعة بحق المدنيين، تحت ذريعة تصفية "فلول النظام". لكن الحقيقة أن الضحايا لم يكونوا جنودًا ولا مقاتلين، بل آلاف الأطفال والنساء والعجزة والشباب، الذين لم يكن لهم أي ذنب سوى أنهم ينتمون إلى طوائف أخرى، سواء كانوا علويين أو مسيحيين أو شيعة.
في مشهد أعاد إلى الأذهان أسوأ فصول الإرهاب، باتت المدن السورية مسرحًا لمجازر وحشية، تُرتكب تحت راية "تحرير سوريا"، بينما لم تُطلَق رصاصة واحدة على الدبابات الإسرائيلية التي كانت تجتاح البلاد! هؤلاء الذين تغنّوا لعقد من الزمن بشعارات الثورة والحرية، لم يجدوا سلاحهم إلا موجّهًا إلى صدور أبناء وطنهم، يذبحون ويقتلون بلا رحمة، بينما يقفون صامتين متخاذلين أمام الاحتلال الإسرائيلي وهو يرفع علمه في عمق الأراضي السورية.
هذا المشهد يكشف بوضوح الهدف الحقيقي لهذا المشروع: إسرائيل لا تحتاج إلى قتال مباشر إذا كان هناك من ينفذ مخططاتها من الداخل. وهكذا، تحوّل من كانوا يزعمون أنهم "يجاهدون ضد الظلم" إلى أدوات وظيفية في خدمة الاحتلال، ينفذون أجنداته بدماء السوريين الأبرياء.
ما كاد لبنان يلتقط أنفاسه من العدوان الإسرائيلي حتى بدأ يتعرض لتهديد من نوع آخر، لكن هذه المرة من الجبهة الشرقية، حيث بدأت مجموعات "جيش سوريا الجديدة" بقيادة الجولاني بشن اعتداءات على القرى اللبنانية الحدودية، عبر عمليات خطف وقتل وقصف بالصواريخ، في تماهٍ واضح مع المشروع الإسرائيلي الساعي لتشتيت المقاومة ومحاصرتها من جهتين. واللافت أن هذه المجموعات لم تجد في إسرائيل عدوًا، لكنها سارعت إلى استهداف لبنان، مستندةً إلى حملة إعلامية موجهة من القنوات العربية الداعمة للإرهاب، التي حاولت تبرير العدوان على لبنان وتصويره على أنه رد مشروع على استهداف مزعوم لعناصرها.
ما يجري اليوم في المنطقة لم يعد مجرد سلسلة من الحروب المتفرقة، بل هو جزء من مخطط استراتيجي لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الإسرائيلية. فبعد فشل الرهان على إسقاط محور المقاومة عبر الحروب المباشرة، انتقلت المواجهة إلى تكتيك جديد يعتمد على تفتيت الجبهات وخلق أعداء داخليين يشتبكون مع المقاومة بالوكالة. تحييد سوريا عن الصراع مع إسرائيل أصبح أولوية، وذلك عبر إيصال نظام جديد يتماهى مع المشروع الصهيوني، ويفتح المجال أمام الاحتلال للتوسع دون أي تهديد. وفي لبنان، يبدو واضحًا أن هناك محاولة لمحاصرة المقاومة من الجنوب والشرق، بحيث تصبح بين فكي كماشة، مما يسهل استهدافها عسكريًا وسياسيًا. وفي سياق أوسع، تسعى القوى الغربية إلى إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة عبر توريط بعض الأنظمة والجماعات في مشروع التقسيم، تحت ذرائع مختلفة، منها محاربة النفوذ الإيراني أو تحقيق "الحرية والديمقراطية".
في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو واضحًا أن ما يجري في لبنان وسوريا وغزة ليس سوى محاولة جديدة لضرب محور المقاومة وإعادة رسم خريطة المنطقة. لكن كما أثبتت الأحداث على مدى العقود الماضية، فإن المشاريع الصهيونية التي تعتمد على أدوات محلية وإقليمية سرعان ما تنهار أمام صلابة الشعوب وقوة الإرادة. المقاومة في لبنان دفعت أغلى الأثمان من أجل فلسطين، وقدّمت قائدها وايقونة الاحرار في العالم السيد حسن نصرالله شهيدًا في هذه المعركة، بينما اختار آخرون أن يكونوا في صف العدو، يسندونه بدل أن يقاتلوه. لكن التاريخ لا يرحم، وسيسجل من وقف في وجه المشروع الصهيوني ومن كان خنجرًا في ظهر أمته. ورغم كل التحديات، تبقى الحقيقة واضحة: هذه المقاومة التي صمدت في وجه أعظم الجيوش لن تُكسر، وستنتصر، مهما بلغت التضحيات.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

باسيل: جزين هواها "تيار" ونائباها لُقّنا اليوم درساً كبيراً
باسيل: جزين هواها "تيار" ونائباها لُقّنا اليوم درساً كبيراً

الديار

timeمنذ 5 ساعات

  • الديار

باسيل: جزين هواها "تيار" ونائباها لُقّنا اليوم درساً كبيراً

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب وجّه رئيس "التيّار الوطني الحر" النّأئب جبران باسيل، تحيّة إلى "كل أهلنا في الجنوب، الّذين عبّروا اليوم عن لبنانيّتهم وتمسّكهم بأرضهم وثباتهم بهويّتهم، وشاركوا في الانتخابات البلديّة والاختياريّة، وأظهروا أنّهم أحرار، لم يُخيفهم لا إرهاب ولا طائرة أو اعتداء". ووجّه في كلمته له من جزين، تحيّةً أيضًا إلى "التيّار الّذي كما أثبت في الجنوب كما في كل لبنان حضوره وقوّته، وانتصر في بلديّات وأظهر مجدّدًا أنّه من النّسيج الجنوبي"، موجّهًا كذلك تحيّة إلى "أهالي جزين الأحرار". وشدّد على أنّ "السّيادة متأصّلة في جزين، ولا أحد يعلّم الجزّينيّين السّيادة". وأكّد باسيل أنّ "جزين هواها "تيّار"، وهبّت فيها ريح "التيّار"، مشيرًا إلى أنّ "ما الحبّ إلّا للحبيب الأوّل، والحبّ الأوّل لجزين هو رئيس الجمهوريّة السّابق ميشال عون. هذه القاعدة هنا، أمّا الاستثناء والخطأ فهو ما حصل في الانتخابات النيابيّة عام 2022، وهذا الخطأ لن يتكرّر".

صور نصرالله تُرفع.. احتفالاتٌ بفوز لوائح "التنمية والوفاء" في النبطية
صور نصرالله تُرفع.. احتفالاتٌ بفوز لوائح "التنمية والوفاء" في النبطية

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 5 ساعات

  • القناة الثالثة والعشرون

صور نصرالله تُرفع.. احتفالاتٌ بفوز لوائح "التنمية والوفاء" في النبطية

انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب... تناقل ناشطون عبر مواقع التواصل الإجتماعي مقطع فيديو يوثق الإحتفالات في مدينة النبطية عقب فوز لوائح "الوفاء والتنمية" بالانتخابات البلدية والاختيارية التي أجريت، اليوم السبت، في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية. وجالت مواكب سيارة في المدينة احتفالاً بالفوز الانتخابي، فيما رفع مواطنون صور الأمينين العامين لـ"حزب الله" السّابقين الشهيدين السيد حسن نصرالله، والسيد هاشم صفي الدين. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

فوز اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر بكامل أعضائها في بلدة بكاسين، وفوز لائحة التضامن في كفرحمام بكامل مرشحيها الـ 12 وهي مدعومة من الحزب الشيوعي.
فوز اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر بكامل أعضائها في بلدة بكاسين، وفوز لائحة التضامن في كفرحمام بكامل مرشحيها الـ 12 وهي مدعومة من الحزب الشيوعي.

الديار

timeمنذ 6 ساعات

  • الديار

فوز اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر بكامل أعضائها في بلدة بكاسين، وفوز لائحة التضامن في كفرحمام بكامل مرشحيها الـ 12 وهي مدعومة من الحزب الشيوعي.

Aa اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أيها الإيرانيّون... فليذهب الى الجحيم الجنوب يقترع... تثبيت للخيارات التاريخية وسط استحقاق «البلديات» في جزين وسباق مفتوح في صيدا الزوار الاميركيون بالجملة وعروض لـ«الثنائي» و15 حزيران تسليم سلاح مخيمات بيروت أورتاغوس في رسالة أميركيّة واضحة: "بلّش الجدّ" نيكول الجميّل تعلن خوض معركة رئاسة اتحاد بلديات المتن اشترك بنشرة الديار لتصلك الأخبار يوميا عبر بريدك الإلكتروني إشترك عاجل 24/7 22:14 انتخابات صيدا: تقدم لائحة سوا لصيدا المدعومة من تيار المستقبل والقوات اللبنانية. 22:14 فوز اللوائح: في مشموشة برئاسة وجدي جبران، في الميدان برئاسة ايلي عواد، في المجيدل برئاسة كميل المندلق، في بتدين اللقش برئاسة شارل قطار، وفي سنيا برئاسة ريما حبيب، في المجيدل برئاسة كميل المندلق، في بتدين اللقش برئاسة شارل قطار. 22:09 فوز اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر بكامل أعضائها في بلدة روم - جزين، وفوز لائحة بيار عطالله كامل أعضائها في بلدة راشيا الفخار. 22:09 فوز لائحة التنمية والوفاء بالانتخابات البلدية والاختيارية في بلدة جويا. 22:01 ماكينة الحزب التقدمي الاشتراكي في حاصبيا: تقدم اللائحة المدعومة من التقدمي والقومي والديمقراطي على حساب اللائحة المنافسة. 22:00 فوز لائحة "كرمالك يا قليعة" برئاسة حنا ادمون ضاهر في بلدة القليعة المدعومة من القوات اللبنانية بنتيجة 15-0.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store