
أمة تحتار ولا تختار
في مثل هذه الأيام المباركة، العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، ويوم عيد الأضحى المبارك، وعلى مدى تسعة أعوام، تعودت أن أحاول رصد أحوال الأمة، خاصةً ونحن نشاهد هذه الجموع الغفيرة من المسلمين تفد من كل بلاد الدنيا إلى الأراضي المقدسة، لأداء مناسك الحج، متجردين من مظاهر الدنيا، مبتهلين إلى المولى جلّ وعلا، أن يغفر ذنوبهم، وييسر أمورهم، ويوحد صفوف الأمة، كي تعود أقوى مما كانت، ثم يرجعون إلى ديارهم، مغفورة ذنوبهم بإذن الله تعالى، ليعيشوا الأحداث نفسها التي كانوا يعيشونها قبل أداء المناسك، ويتكرر المشهد نفسه في الأعوام التالية، وتمضي الأيام، وحال الأمة على ما هو عليه، بل تسوء الأحوال، ولا يعرف أحد كيف سيكون المآل.
كان أول هذه المقالات في شهر سبتمبر من عام 2016 م، وكان عنوانه هو: «أمة تنتحر». لم يكن العنوان من عندي، بل كان مأخوذاً من تعبير للشيخ عبد الله بن الشيخ محفوظ بن بيه، أحد كبار علماء الأمة المعاصرين.
وقد جاء وصفه هذا، في مجال تشخصيه لحال الأمة، خلال حوار تلفزيوني أجري معه في مثل هذه الأيام المباركة، حيث قال وقتها إن الحال كارثية، وأردف: «إنها أمة تنتحر». ثم توالت المقالات بعد ذلك عاماً بعد عامٍ، تحت عناوين مختلفة، كان منها: «أمة تختنق»، و«أمة تتطلع»، و«أمة تبتهل»، و«أمة تنتظر»... وهلمّ جرّا.
تحت هذه العناوين وغيرها، حاولتُ على مدى الأعوام التسعة الماضية، أن أرصد أحوال الأمة، تبعاً لمجريات الأحداث، ووفقاً للقرارات التي تتخذها مراكز القوى فيها، وهي مراكز كثيرة ومتشعبة، لم تعد تقتصر على الحكومات وحدها، فقد أصبح هناك قرارات تتخذها مراكز قوى غير تابعة لحكومات الدول، تبدأ من بعض المرجعيات لدى بعض الطوائف، ولا تنتهي عند بعض الجماعات التي يبدو لنا أنه لا وزن لها، في حين أن بعضها يمكن أن يتخذ قرارات تتسبب في حروب كارثية، نعرف لها بداية، ولا نعرف لها نهاية في كثير من الأحيان.
وما بين الإقدام على الانتحار، كما جاء على لسان الشيخ عبد الله بن بيه، والشعور بالاختناق، والتطلع إلى المستقبل، والابتهال إلى الخالق، وانتظار المجهول بتسليم كامل، ما بين هذه الأحوال المتغيرة من حين إلى حين، ومن زمن إلى زمن، تمر الأيام والأعوام، ولا يلوح في الأفق ضوء يقود إلى الخروج من النفق، بل ربما يبدو البقاء في الأنفاق هو القرار الذي تتخذه بعض الجماعات، تاركةً بقية الأمة تواجه مصيرها المحتوم، أمام القوى الغاشمة التي لا قبل لها بحربها ومواجهتها، ولا حتى قدرة البقاء على قيد الحياة، في ظل البطش الذي تمارسه تجاهها.
هذه هي الصورة التي تبدو أمامنا اليوم، وهي صورة قاتمة من دون شك، تقف كل محاولات التحسين والتجميل عاجزة أمامها، إذا أردنا الحقيقة، لا المجاملة وخداع النفس والتزييف، كما يحاول البعض أن يفعل.
ورغم هذا، فإن اليأس ليس هو الحل، لأن الأمم التي نهضت من كبواتها، هي الأمم التي ألغت كلمة «اليأس» من قاموس حياتها، وواجهت واقعها بشجاعة، وراجعت قراراتها بصراحة، ولم تخجل من الاعتراف بأخطائها، وسعت إلى تصحيحها بصبر وأناة وإرادة.
الخيارات أمام الأمة ليست كثيرة، لكن فرص النهوض من الكبوة ليست مستحيلة أيضاً، فرغم الحُفَر العميقة التي أوقعنا فيها المتهورون، ورغم المآسي الكبيرة التي قادونا إليها، إلا أن فرص النجاة ما زالت قائمة، ما دام هناك عقلاء وحكماء على رأس حكومات بعض بلداننا، وقد نجحوا في إنقاذها من السقوط، عندما تهاوت بعض العروش، وأزيلت أنظمة حكمت عقوداً طويلة من الزمن، الأمر الذي يعني أن النجاة ممكنة، عندما نمتلك العقل والحكمة، ونضع مصلحة البلدان والشعوب فوق مصلحة الجماعات والأفراد، ولا ننقاد للأيديولوجيا المدمرة والمصالح الضيقة، التي تنظر إلى مصلحة الجماعة أو الطائفة فقط، وتضعها فوق مصلحة الوطن.
وما دامت الخيارات موجودة، وفرص النجاة ممكنة، فالمطلوب منا هو الاستفادة من تجارب المراحل السابقة، والذهاب إلى الخيار الأفضل، الذي يجنب الأمة المزيد من الدماء وخسارة الأرواح والممتلكات والأوطان. لهذا، علينا أن نختار ولا نحتار، لأن الأمم التي تضيّع فرصة اختيار الحل الصحيح في الوقت المناسب، تتعرض للهلاك والفَناء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 39 دقائق
- صحيفة الخليج
شرطة دبي تحدد مواعيد التواصل بين النزلاء وذويهم خلال عيد الأضحى
حددت الإدارة العامة للمؤسسات العقابية والإصلاحية في شرطة دبي، مواعيد زيارة النزلاء خلال عطلة عيد الأضحى المبارك، حيث ستكون الزيارات متاحة عبر خدمة التواصل المرئي «عن بُعد»، الأمر الذي يتيح لذوي النزلاء والنزيلات داخل الدولة وخارجها فرصة التواصل معهم. نتائج إيجابية وأكد اللواء مروان عبد الكريم جلفار، مدير الإدارة العامة للمؤسسات العقابية والإصلاحية، أن خدمة الاتصال المرئي حققت نتائج إيجابية منذ إطلاقها، لما وفرته من وسيلة فعالة للتواصل بين النزلاء وأسرهم، خصوصاً أولئك المقيمين خارج الدولة. وستتاح هذه الخدمة خلال اليومين الأول والثاني من عطلة العيد، من الساعة 8 صباحاً وحتى 12 ظهراً.


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
شرطة دبي تحدد 6 مناطق لـمدافع عيد الأضحى المبارك
أعلنت القيادة العامة لشرطة دبي، تحديدها 6 مناطق في الإمارة لمدافع عيد الأضحى المبارك. وقال المقدم عبدالله طارش العميمي، آمر وقائد فريق المدفع، إنهم اتخذوا الترتيبات اللازمة استعداداً لعيد الأضحى المبارك، إضافة إلى تشكيلهم لطاقم عمل في كل موقع من المواقع الـ 6، والتي وقع عليها الاختيار لتوزيع مدافع العيد، وتتمثل تلك المناطق في مسجد زعبيل الكبير في منطقة زعبيل، ومصلى العيد في منطقة أم سقيم، ومصلى العيد في منطقة ند الحمر، ومصلى العيد في منطقة البرشاء، ومصلى العيد في منطقة البراحة، ومصلى العيد في منطقة حتا. وأكد المقدم عبدالله العميمي، أن مدفع الإفطار أو العيد يعد جزءاً من الموروث الاجتماعي الأصيل الذي ترسخ في ذاكرة المجتمع الإماراتي ووجدانه، مبيناً أن المدفع بمثابة وسيلة يستدل بها الصائمون على موعد الإفطار أو الإعلان عن العيد، وذلك قبل اختراع الساعات، لكن إمارة دبي تحرص على مواصلة هذه العادة الأصيلة، حتى في عصرنا الراهن الزاخر بالأجهزة الرقمية والتقنيات المتطورة.


الإمارات اليوم
منذ ساعة واحدة
- الإمارات اليوم
اكتمال الإستعدادات في عرفات لاستقبال الحجاج في يوم عرفة
أكملت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية استعداداتها الكاملة في مسجد نمرة بعرفات لاستقبال الحجاج في يوم عرفة، وفُرش المسجد بسجاد فاخر على مساحة بلغت (125) ألف متر مربع، ضمن خطة متكاملة لتوفير بيئة مهيأة للعبادة والخشوع. وشهد المسجد تنفيذ مشاريع تطويرية نوعية، من أبرزها مشروع تخفيض الإجهاد الحراري للساحة الخلفية، وذلك بتركيب (19) مظلة تعمل على خفض درجة الحرارة بمعدل (10) درجات مئوية، إلى جانب دهان الأرضيات بمادة عاكسة لأشعة الشمس، ونُفذ مشروع تهيئة وتلطيف الساحات المحيطة عبر تركيب وتشغيل (117) مروحة ضباب متصلة بمضخات مياه عالية الضغط وشبكات توزيع، تعمل على خفض درجات الحرارة بمعدل (9) درجات مئوية. ونُفذ مشروع التهوية والتكييف بتحديث نظام التحكم، ويتيح مراقبة مستويات ثاني أكسيد الكربون، وتشغيل وحدات التكييف، ووحدات تنقية الهواء التي تتيح تجدد الهواء داخل المسجد مرتين في الساعة بنسبة (100%)، إلى جانب التحكم في مضخات المياه، مما يسهم في رفع كفاءة التشغيل وتوفير هواء نقي يمنح الحجاج بيئة صحية لأداء مناسكهم بكل يسر وطمأنينة. وضمن العناية بالخدمات الصحية، رُكبت (70) وحدة تبريد مياه، تبلغ سعة كل وحدة ألف لتر في الساعة تخدم ما يقارب (2000) حاج في الساعة، ليبلغ إجمالي ما تخدمه البرادات (140) ألف حاج في الساعة، ويشمل العمل مشروع ترميم شامل لمسجد نمرة، تضمن معالجة (5,800) متر طولي من فواصل التمدد، واستبدال العزلين الحراري والمائي، وتحديث الأرضيات والدهانات، وتركيب وحدات إنارة (LED)، وتحديث اللوحات الكهربائية ونظام تصريف الأمطار، إلى جانب رفع كفاءة التشغيل والصيانة. واستُكملت أعمال التطوير بتركيب نظام صوتيات متقدم وكاميرات مراقبة أمنية، ضمن منظومة متكاملة لتعزيز الأمن والسلامة داخل المسجد، إضافة إلى تنظيم البوابات والمداخل لضمان انسيابية الحركة، ويبلغ إجمالي عدد الأبواب (72) بابًا، وتولت تنفيذ هذه المهام فرق إشرافية وخدمية تباشر أعمالها لتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن.