logo
التنمية المستدامة قيود أم تقدّم للدول النامية؟

التنمية المستدامة قيود أم تقدّم للدول النامية؟

صحيفة الشرقمنذ يوم واحد
81
م. حسن الراشد
بدأت فكرة 'الاستدامة' (Sustainability)، أو ما يُعرف اليوم بـ'التنمية المستدامة' (Sustainable Development)، في ستينيات القرن الماضي، وتحديدًا مع صدور كتاب Silent Spring (الربيع الصامت) للكاتبة الأمريكية راشيل كارسون، الذي يُعد من أولى الدعوات البيئية الحديثة التي أثارت جدلًا واسعًا آنذاك. تطوّرت الفكرة لاحقًا في السبعينيات مع تصاعد الحركات البيئية في الغرب، حتى جاءت قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992 لتُكرّس هذا التوجه تحت غطاء دولي رسمي. وفي عام 2015، أعلنت الأمم المتحدة عن أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، كخريطة طريق عالمية لتحقيق ما سُمّي آنذاك 'نموًا أخضر' و'عدالة بيئية' بحلول عام 2030.
لكن، من وجهة نظري المتواضعة، فإن هذا المشروع العالمي، رغم ما يتضمّنه من شعارات براقة بيئية وإنسانية، ليس إلا 'حقًا أريد به باطل'. فالدول الصناعية الكبرى، التي استنزفت موارد ومقدرات القارات لعقود طويلة دون ضوابط، تسعى اليوم إلى فرض قيود صارمة على الدول النامية الغنية بالموارد، بذريعة حماية البيئة وتحقيق الاستدامة. كيف يُعقل أن يُمنع بلدٌ في أفريقيا من استغلال ثرواته النفطية أو الزراعية أو المعدنية بحجة تقليل الانبعاثات الكربونية، بينما تواصل تلك الدول الصناعية إنتاجها واستهلاكها المفرط بلا محاسبة؟ أليس هذا شكلًا جديدًا من الهيمنة المقنّعة؟ لقد تحوّلت الاستدامة، بهذا الطرح، من مبدأ بيئي إلى أداة سياسية واقتصادية تُستخدم لفرض إرادة القوى الكبرى على حساب سيادة الدول وحقها المشروع في التنمية.
لقد أصبح مصطلح 'التنمية المستدامة' Sustainability Development محورًا أساسيًا في الخطاب الدولي، لكنه يُثير تساؤلات جادة حول مدى عدالته ومصداقيته تجاه الدول النامية. ومن وجهة نظري، فإن هذه الشعارات التي تُروّج من قِبل الدول الكبرى والمؤسسات الدولية ذات النفوذ (كالبنك الدولي، والأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان)، تُستغل لفرض قيود على استغلال الدول النامية لثرواتها الطبيعية، سواء كانت معدنية، أو هيدروكربونية، أو زراعية، أو حتى حيوانية.
هذه القيود، التي تُفرض تحت شعار 'الاستدامة'، قد تُعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول، رغم ما حباها الله به من ثروات طبيعية عظيمة. بل وقد تحرمها من فرص الازدهار والرخاء، وتُكبّل طموحاتها في بناء مستقبل أفضل. وفي تصوري، فإن التنمية المستدامة المفروضة على الدول النامية الغنية لا تقل خطرًا على أمنها واستقرارها من التهديدات الإرهابية.
ينبغي أن تكون التنمية المستدامة أداة للتمكين لا وسيلة للتقييد. يجب أن تدعم هذه الدول، سواء كانت في آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، وأن تُعزّز قدرتها على النمو والتقدّم، بما يراعي ثرواتها البيئية والاقتصادية والأمنية، لا أن تُستخدم كذريعة لحرمانها من حقها السيادي في التنمية.
'إن الهيمنة ليست فقط شكلًا من أشكال السيطرة يتم فرضه بالقوة، بل هي أيضًا طريقة لترسيخ موافقة الخاضعين، من خلال النشر الواسع للأفكار والقيم التي تدعم مصالح الطبقة المهيمنة، بحيث تبدو هذه الأفكار وكأنها هي «الفطرة السليمة» أو الطبيعية».
مساحة إعلانية
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأمم المتحدة تحذر من نفاد التمويل وإغاثة اللاجئين في أوغندا
الأمم المتحدة تحذر من نفاد التمويل وإغاثة اللاجئين في أوغندا

صحيفة الشرق

timeمنذ 5 ساعات

  • صحيفة الشرق

الأمم المتحدة تحذر من نفاد التمويل وإغاثة اللاجئين في أوغندا

0 A+ A- حذرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اليوم، من كارثة إنسانية وشيكة في أوغندا نتيجة نقص حاد في التمويل المخصص لدعم مئات الآلاف من اللاجئين، مؤكدة أن التمويل الحالي سينفد بحلول شهر سبتمبر المقبل ما لم يتم تقديم مساعدات عاجلة. وقالت المفوضية في بيان، إن أزمة التمويل تهدد استمرارية المشاريع والبرامج التي تقدم المساعدة للأشخاص الفارين من مناطق النزاعات، بما في ذلك السودان وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وأوضح مدير العلاقات الخارجية بالمفوضية دومينيك هايد أن "التمويل الطارئ سينفد الشهر المقبل، مما سيؤدي إلى وفاة المزيد من الأطفال بسبب سوء التغذية"، محذرا من أن "الوضع الحالي سيجعل العديد من الأسر بلا مأوى أو حماية إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة". وتواجه مفوضية اللاجئين وغيرها من الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة واحدة من أسوأ أزمات التمويل منذ عقود، بعد تقليص الولايات المتحدة وعدد من الدول المانحة لمخصصات المساعدات الخارجية. ووفقا لإحصاءات المفوضية، تستضيف أوغندا حاليا نحو 1.93 مليون لاجئ، بينهم أكثر من مليون طفل دون سن الـ18، وهو العدد الأكبر على مستوى القارة الإفريقية، مع توقعات بارتفاعه إلى مليوني لاجئ مع نهاية العام. وأضافت المفوضية أنها لا تستطيع تغطية سوى ثلث تكاليف رعاية اللاجئين السودانيين في أوغندا، مشيرة إلى أنها ستضطر إلى تقليص المساعدات النقدية الشهرية من 16 دولارا إلى 5 دولارات للفرد ما لم يتم توفير تمويل إضافي. مساحة إعلانية

قطر تشارك في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بالبلدان النامية غير الساحلية في تركمانستان
قطر تشارك في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بالبلدان النامية غير الساحلية في تركمانستان

صحيفة الشرق

timeمنذ 16 ساعات

  • صحيفة الشرق

قطر تشارك في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بالبلدان النامية غير الساحلية في تركمانستان

عربي ودولي 0 قطر تشارك دولة قطر في أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بالبلدان النامية غير الساحلية، الذي يعقد بمدينة /أوازا/ في تركمانستان خلال الفترة من 5 إلى 8 أغسطس الجاري. وترأس وفد دولة قطر في المؤتمر، سعادة الدكتورة مريم بنت علي بن ناصر المسند وزير الدولة للتعاون الدولي، بمشاركة عدد من ممثلي الجهات الوطنية المعنية. وتأتي هذه المشاركة في إطار حرص دولة قطر على دعم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز التنمية المستدامة، والتأكيد على التزامها بدعم البلدان النامية غير الساحلية التي تواجه تحديات فريدة نتيجة موقعها الجغرافي، خاصة في مجالات النقل واللوجستيات والتكامل الإقليمي. ويهدف المؤتمر إلى متابعة تنفيذ برنامج عمل أوازا (2024-2034) الذي يشكّل خارطة طريق لتعزيز قدرة هذه الدول على الاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال تطوير البنية التحتية وتسهيل التجارة وتحفيز الاستثمار وتعزيز القدرات المؤسسية والرقمية. ومن المقرر أن تستعرض دولة قطر، خلال المؤتمر، جهودها ومبادراتها في دعم هذه الفئة من الدول، خاصة من خلال صندوق قطر للتنمية، ومساهمتها الفاعلة في تنفيذ برنامج عمل الدوحة (2022-2031) لصالح أقل البلدان نموًا.

التنمية المستدامة قيود أم تقدّم للدول النامية؟
التنمية المستدامة قيود أم تقدّم للدول النامية؟

صحيفة الشرق

timeمنذ يوم واحد

  • صحيفة الشرق

التنمية المستدامة قيود أم تقدّم للدول النامية؟

81 م. حسن الراشد بدأت فكرة 'الاستدامة' (Sustainability)، أو ما يُعرف اليوم بـ'التنمية المستدامة' (Sustainable Development)، في ستينيات القرن الماضي، وتحديدًا مع صدور كتاب Silent Spring (الربيع الصامت) للكاتبة الأمريكية راشيل كارسون، الذي يُعد من أولى الدعوات البيئية الحديثة التي أثارت جدلًا واسعًا آنذاك. تطوّرت الفكرة لاحقًا في السبعينيات مع تصاعد الحركات البيئية في الغرب، حتى جاءت قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992 لتُكرّس هذا التوجه تحت غطاء دولي رسمي. وفي عام 2015، أعلنت الأمم المتحدة عن أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، كخريطة طريق عالمية لتحقيق ما سُمّي آنذاك 'نموًا أخضر' و'عدالة بيئية' بحلول عام 2030. لكن، من وجهة نظري المتواضعة، فإن هذا المشروع العالمي، رغم ما يتضمّنه من شعارات براقة بيئية وإنسانية، ليس إلا 'حقًا أريد به باطل'. فالدول الصناعية الكبرى، التي استنزفت موارد ومقدرات القارات لعقود طويلة دون ضوابط، تسعى اليوم إلى فرض قيود صارمة على الدول النامية الغنية بالموارد، بذريعة حماية البيئة وتحقيق الاستدامة. كيف يُعقل أن يُمنع بلدٌ في أفريقيا من استغلال ثرواته النفطية أو الزراعية أو المعدنية بحجة تقليل الانبعاثات الكربونية، بينما تواصل تلك الدول الصناعية إنتاجها واستهلاكها المفرط بلا محاسبة؟ أليس هذا شكلًا جديدًا من الهيمنة المقنّعة؟ لقد تحوّلت الاستدامة، بهذا الطرح، من مبدأ بيئي إلى أداة سياسية واقتصادية تُستخدم لفرض إرادة القوى الكبرى على حساب سيادة الدول وحقها المشروع في التنمية. لقد أصبح مصطلح 'التنمية المستدامة' Sustainability Development محورًا أساسيًا في الخطاب الدولي، لكنه يُثير تساؤلات جادة حول مدى عدالته ومصداقيته تجاه الدول النامية. ومن وجهة نظري، فإن هذه الشعارات التي تُروّج من قِبل الدول الكبرى والمؤسسات الدولية ذات النفوذ (كالبنك الدولي، والأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان)، تُستغل لفرض قيود على استغلال الدول النامية لثرواتها الطبيعية، سواء كانت معدنية، أو هيدروكربونية، أو زراعية، أو حتى حيوانية. هذه القيود، التي تُفرض تحت شعار 'الاستدامة'، قد تُعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول، رغم ما حباها الله به من ثروات طبيعية عظيمة. بل وقد تحرمها من فرص الازدهار والرخاء، وتُكبّل طموحاتها في بناء مستقبل أفضل. وفي تصوري، فإن التنمية المستدامة المفروضة على الدول النامية الغنية لا تقل خطرًا على أمنها واستقرارها من التهديدات الإرهابية. ينبغي أن تكون التنمية المستدامة أداة للتمكين لا وسيلة للتقييد. يجب أن تدعم هذه الدول، سواء كانت في آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، وأن تُعزّز قدرتها على النمو والتقدّم، بما يراعي ثرواتها البيئية والاقتصادية والأمنية، لا أن تُستخدم كذريعة لحرمانها من حقها السيادي في التنمية. 'إن الهيمنة ليست فقط شكلًا من أشكال السيطرة يتم فرضه بالقوة، بل هي أيضًا طريقة لترسيخ موافقة الخاضعين، من خلال النشر الواسع للأفكار والقيم التي تدعم مصالح الطبقة المهيمنة، بحيث تبدو هذه الأفكار وكأنها هي «الفطرة السليمة» أو الطبيعية». مساحة إعلانية

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store