logo
«قصر كوير» أو قصر حارة البيبان: أنموذج فريد لتطور بيئة مكة المكرمة العمرانية

«قصر كوير» أو قصر حارة البيبان: أنموذج فريد لتطور بيئة مكة المكرمة العمرانية

صحيفة عاجل ٢٦-٠٧-٢٠٢٥
فريق التحرير
مع احتضان مدينة مكة المكرمة عددًا من المعالم التاريخية التي تُجسد تميز وتطور بيئتها العمرانية عبر مختلف العصور، تعكس تصاميمها الخصائص العمرانية الفريدة، يبرز "قصر كوير" أو قصر حارة البيبان من بين هذه المعالم بصفته واحدًا من أقدم وأجمل القصور التاريخية، إذ يجمع بين البعد المعماري الأصيل والبعد الرمزي المرتبط بالتنوع المجتمعي والثقافي في أوائل القرن العشرين، ويمثل القصر أنموذجًا فريدًا للعمارة المحلية، وعلاقتها بالتحولات الاجتماعية في أحياء مكة المكرمة، ومكانتها في الذاكرة المجتمعية للأهالي، وتأكيد أهمية المحافظة عليها.
وتعود ملكيته إلى أحد تجار مكة في أوائل القرن العشرين، الذي اشتهر بلقب "كوير" نسبة إلى تجارته في النورة (الجير) وهي مادة البناء الشائعة آنذاك، إضافة إلى تجارته في العسل والسمن، وهو ما انعكس على هندسة القصر وموقعه الإستراتيجي في حي "البيبان" أحد أبرز أحياء مكة المكرمة.
يقول رئيس قسم العمارة بجامعة أم القرى الدكتور عمر عدنان أسرة، إن القصر بني في بدايات القرن العشرين تقريبًا تلك الفترة ما بين (1910-1920م) (أصح الأقوال أنه بني بين عامي 1365- 1370هـ) التي شهدت فيها مكة تحولات اقتصادية واجتماعية وعمرانية كبرى نتيجة دخول الطباعة، والتوسع في الحج، وتطور وسائل النقل، واتضح ذلك في التفاصيل المعمارية المميزة وميلها إلى الفخامة المستمدة من العمارة في مكة، مشيرًا إلى أن القصر يقع على تلة مرتفعة نسبيًا تُطل على حي "البيبان" التاريخي؛ مما يمنحه مشهدًا بانوراميًّا ضمن محيطه العمراني، ويعد المسقط الأفقي للقصر أقرب إلى المربع، وهو تخطيط يميز القصور المكية القديمة، التي تهدف إلى ضمان الخصوصية والتهوية الطبيعية في الوقت ذاته، وقد عرفت المنطقة بكونها متنفسًا لأهالي مدينة مكة، لاعتدال مناخها ووُجود المزارع بها وعدد من القصور الأخرى.
وعن تفاصيل بناء القصر بيّن الدكتور عدنان، استخدام عدد من المواد والتقنيات المحلية الشائعة في مكة آنذاك، من أبرزها "الحجر المحلي" أساسًا قويًّا للبناء، والنورة (الجير) لعزل الجدران، والطين والخشب والجص في تغطية الأسطح الداخلية والأسقف، واستخدام أخشاب الساج الهندية الفاخرة في بعض الأبواب والنوافذ، كما زُيِّنَت الواجهات عبر نوافذ خشبية منقوشة تسمى (روشان) وزخارف هندسية ونباتية، أما الأسقف فقد حملت زخارف جصية يدوية تؤكد تفوق الصناع المحليين آنذاك، ويتكون القصر من خمسة أدوار، وهو عدد مرتفع نسبيًا مقارنة بالقصور الأخرى في تلك الفترة، ويحتوي على العديد من القاعات والصالات الواسعة، إضافة إلى ساحات داخلية (أحواش)، تتيح التهوية، وتعزز الخصوصية في آن واحد، وأنه استُخدم مكانَ إقامة الأمير محمد بن عبدالعزيز (حيث كان يستأجره بشكل سنوي)، كما زاره الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- في أثناء وجوده في مكة المكرمة.
وكشف رئيس قسم العمارة من خلال تحليل القصر بأنه يمكن استخلاص عدد من الدروس المعمارية المهمة منها: تكامل الشكل والوظيفة، إذ إن العمارة التقليدية وفّرت حلولًا ذكية للتهوية، والخصوصية، والعزل الحراري، بما يتناسب مع هوية المكان والبيئة المحلية، وبعيدًا عن النسخ المعماري المستورد، ويمكن كذلك توظيف القصر بعد الترميم في عدة مسارات مثل: إنشاء متحف للعمارة المكية التقليدية، يعرض أدوات البناء، وتقنيات التهوية، وتطور أشكال النوافذ والمداخل، واستخدامه كذلك مركزًا ثقافيًّا مجتمعيًّا، لإقامة فعاليات أدبية أو فنية أو معارض تراثية، وأيضًا بيت ضيافة تراثي فاخر، ضمن سياحة التجربة المكانية.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"أبشر" تتصدّر المنصات الوطنية في مؤشر نضج التجربة الرقمية 2025
"أبشر" تتصدّر المنصات الوطنية في مؤشر نضج التجربة الرقمية 2025

صحيفة سبق

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة سبق

"أبشر" تتصدّر المنصات الوطنية في مؤشر نضج التجربة الرقمية 2025

تصدّرت منصة وزارة الداخلية الإلكترونية "أبشر" قائمة المنصات الوطنية في تقرير هيئة الحكومة الرقمية لقياس مؤشر نضج التجربة الرقمية للمنصات الحكومية لعام 2025، محقّقة المركز الأول بنسبة 93.95%، وذلك وفقًا لـ (4) مناظير رئيسة "رضا المستفيد، وتجربة المستخدم، والتعامل مع الشكاوى، والتقنيات والأدوات". وبلغت نتيجة منصة أبشر في منظور رضا المستفيد 94.35%، وفي تجربة المستخدم 94%، و97.19% في منظور التعامل مع الشكاوى. ويهدف مؤشر نضج التجربة الرقمية إلى قياس مدى نضج المنصات الرقمية، بهدف تحسين مستوى الخدمات الإلكترونية ورفع كفاءة الأداء الرقمي. ويعكس هذا الإنجاز جهود وزارة الداخلية وريادتها الرقمية للارتقاء بتجربة المستفيد، وتعزيز جودة خدماتها المقدمة عبر منصة أبشر، من خلال تسخير أحدث التقنيات لرفع كفاءة الخدمات، وتحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين والزوّار.

الجيرة التي لايفرط بها !!
الجيرة التي لايفرط بها !!

صدى الالكترونية

timeمنذ ساعة واحدة

  • صدى الالكترونية

الجيرة التي لايفرط بها !!

كثيرا مانتساءل عن حالة التعايش التي نتشارك فيها في مجتمعاتنا عامة ..كيف تبدأ ..وبماذا تنتهي ..وكيفية استمرارها للأجيال القادمة .. قبيل نحو نصف قرن كان للجار مكانة وهيبة لايمكن لنا تجاوزها..الجار هو بمثابة الاب لكل الاقران والساعي دوما لمصلحة من حوله . أذكر في صباي شمال المملكة حين كان والدي مرابطا مع الجيش في حرب الكرامة بالاردن وبعدها حرب اكتوبر على هضبة الجولان لم تكن حياتنا على مايرام ..بيت من طين بلا سور وقليل جدا من الزاد .. ولم تكن هناك بنوك للتحويل المتعارف عليه الان لكن كانت هناك جيرة بمليون بنك تقدم لبعضها البعض مايمكن ان يساعد على استمرارية الحياة حتى يأتي مدد المال البسيط . بالأمس افتقدت جار لي يعد من أنبل الرجال واطيبهم ..كان العم معيوف العصيمي العتيبي 'ابو عواض' نعم الجار لنا في تعامله الابوي ونصحه الدائم للجميع ..عرفت 'ابي عواض' منذ نحو عشرون عاما طيب النفس والمعشر ذو مبسم ضاحك وبشوش ..لم نرى خلال جيرتنا له إلا كل خير وسؤال دائم عن الاهل والأولاد وان غاب كبيرنا نراه حولنا يتصيد الوقت ليقدم خدمة أب للجميع . كان العم معيوف يعبر الشارع خجلا ويسأل على استحياء ان كان من في البيت ينقصه شيئا ..ورغم كل تلكم البساطة التي نراها في شخصيته لكنه صاحب عزيمة قوية لايهدأ ابدا حين يرى مايعكر صفو جيرانه ..اليوم إفتقدنا جارا نفيسا كنفيس الجواهر ،وقد سبقه بعدة اشهر جارا آخر لنا لايقل عنه شيمة وكرما وطيبة نفس ذاك أبا حامد الجهني 'احمد ابوسلة' الذي آثر في الجميع فقدانه . كان كريم السجايا مقدام لفعل الخير إبتنى وابناؤها الكرام مسجدا في الحي ليصبح منارة دائمة بعون الله وهو من الرعيل الأول لرجال تختزن دواخلهم العفة وطيبة النفس . رحم الله اولئك الطيبين الذين زرعوا فينا كل معاني الشيم ورحلو عنا تاركين لنا أثر نفوسهم الكريمة لاعمال جليلة يخلدها لهم التاريخ للأبد.

الحديدة.. مدينة تذكُر أنها كانت شيئاً ما
الحديدة.. مدينة تذكُر أنها كانت شيئاً ما

الموقع بوست

timeمنذ ساعة واحدة

  • الموقع بوست

الحديدة.. مدينة تذكُر أنها كانت شيئاً ما

في بلادٍ يشكّ الناس في كل شيء إلا الخراب، لم تُصب الحديدة بالشيخوخة الطبيعية، بل أُسقِطت عليها السنين دفعةً واحدة، كما تُرمى بقايا الولائم في البحر. مدينة وُلدت مرفأً، وحلمت أن تكون حاضرةً بحرية، فانتهى بها الحال عشةً مهترئة تُطِل على البحر، لكن لا تراه. ولدت الحديدة لا كمدينة، بل كخطأ طباعي في رواية تاريخية مشوشة. لم يُتح لها أن تهرم كما تفعل المدن العادية، بل ألقيت عليها الشيخوخة دفعة واحدة. وُلدت مرفأً، لكنها لم تغادر المهد يوماً. بقيت هناك، تتأمل السفن تمر، كما يتأمل العاطل عن العمل اعلانات التوظيف. من أيام المخا العثمانية حتى بهرجات التحديث الوهمية، تسير الحديدة بقدم واحدة، وتُزلق الأخرى في وحل الجغرافيا. أعطوها لقب العاصمة العثمانية (1849 – 1873)، فاحتفلت ثم تخلّت عنه سريعاً، كفتاة أُلبست فستان زفاف مُستعار، ثم عادت إلى المطبخ قبل نهاية العُرس. ولأن قناة السويس غيّرت قواعد اللعب، تحوّلت الحديدة إلى ممر دولي للغزاة الجدد. لم تأتِ الإمبراطوريات لتبني فيها شيئاً، بل جاءت لتجرب عليها هواياتها العسكرية. ومن سوء طالعها أنها وقفت على البحر، لا على نبع نفط. ولهذا لم تأتِ القوى الدولية لتصنع فيها مدينة، بل لتقصف ما تبقّى منها. العثمانيون، البرتغاليون، الإسبان، الطائرات الإيطالية، والبريطانية، والحريق العظيم 1961. الى عاصفة الحزم، وعمليات حارس الازدهار والذراع الممدودة. هذه المدينة جُرّبت بكل طرق الإهانة الدولية تقريباً، إلا الزلزال، وربما هو في الطريق، لكن يبدو أن الطبيعة في طريقها لتجريب آخر أوراقها. هنا "حارة السور" الإسم وحده كافٍ لتذكيرك أنك في مدينة تعرف أنها كانت عظيمة، ولكنها تنسى التفاصيل عمداً. الحارة التي كانت يوماً محاطة بسور له أربعة أبواب – باب مشرف، باب النخيل، باب اليمن، باب الستر – تحوّلت إلى متاهة لا سور لها. بول إميل بوتا ذلك العالِم الفرنسي ذو المزاج اللاتيني، كتب ببهجة عام 1836: "شوارع الحديدة أنظف من شوارع القاهرة"، وأشاد بعمارتها التي كانت تلمع تحت الشمس، وكأن البحر ذاته كان ينحني احتراماً. كان ذلك قبل اختراع البلاستيك، وقبل أن تصبح الأكياس السوداء وسائد نوم لكائنات بلا مأوى. المباني التي لا تزال صامدة، من الطوب الأحمر المحروق، تقف كحُفَرٍ معمارية في جسد الزمن، تذكّرنا أننا ذات مرة عرفنا معنى المشربيات، والسقوف المنقوشة التي تتدلّى منها بقايا أناقة سابقة، قبل أن يُغشى البصر بالإسمنت والقمامة. هذه المدينة لا تُهدم فقط، بل تُستبدل بنُسخ رديئة عنها، في كل زاوية، تتناسخ في صور أكثر قبحاً، كأنها تُمارس نوعاً من إعادة التدوير المَرَضي للخيبة. في الرصيف البحري، حيث كانت السفن تفرغ شحناتها على ظهور الرجال لا الرافعات، تبدو الحديدة تمثيلًا حيّاً لعصرٍ تجاوزها بنيةً ومعنى. جاء المخرج السوفياتي فلاديمير شنايدروف عام 1929، التقط صوراً، صنع فيلماً، وكتب كتاباً، ثم عاد إلى بلاده تاركاً خلفه مدينةً لم تَعِ بعد أنها بدأت الغرق. أما نحن، فأصدرنا فيلماً واحداً: فيلم طويل، ممل، بلا نهاية... اسمه "النسيان". قلعة المدينة، التي بُنيت حامية، تحوّلت إلى سجن. تماماً كما تحوّلت الثورات إلى جنازات، والوعود إلى نشرات، والسياسة إلى دعابة حزينة. القلعة لا تحمي أحداً، بل تُذكّرك أن السجن في اليمن غالباً ما يكون أعلى نقطة في المدينة. أما الشيخ صديق "الشاذلي"، الذي قيل إنه "حامي الحديدة"، فقد دُفن خارجها. من باب الحذر ربما، أو لأنه أدرك أن من يحمي هذه المدينة سينتهي حتماً مدفوناً بعيداً عنها. الحديدة مدينة أُشبعت بالقصف، هي الميناء الذي صار إشاعة. ذاكرة نصفها محو، ونصفها الآخر صدى لما كان. وعلى الرصيف، يجلس البحر، يتأمل المدينة... ويتساءل إن كانت لا تزال تعرف الفرق بين الزرقة والندم. إنها مدينة تكتب التاريخ بالماضي التام، وتعيش الحاضر بالمجهول المستمر. كأنها تتقن فنون الانقراض البطيء، وتُجيد استقبال الزوار بالمقابر المفتوحة، والخرائط المطوية، والبحر الذي لا يعود.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store