
بهذا العام.. قدمت البرتغال تعويضاً هائلاً لنابليون
عقب أحداث الثورة الفرنسية التي أطاحت بنظام لويس السادس عشر وانتهت بإعلان قيام الجمهورية الفرنسية، عاشت فرنسا على وقع أحداث حرب التحالف الأولى التي استمرت لحدود العام 1797.
بهذه الحرب، اتجه عدد من القوى الأوروبية لعقد تحالف بهدف التدخل عسكريا ضد فرنسا حيث امتلكت هذه الدول حينها أطماعا بالسيطرة على بعض المناطق التي كانت قابعة تحت نفوذ الفرنسيين.
فقد فشلت القوى الأوروبية في تحقيق أهدافها بحلول العام 1797. وبالعام التالي، شهدت المنطقة اندلاع حرب التحالف الثانية التي استمرت لحدود العام 1802 وشهدت بروز شخصية الجنرال والقنصل الأول الفرنسي نابليون بونابرت.
خسارة البرتغاليين لأراضيهم لصالح الإسبان
وخلال العام 1793، التحقت كل من إسبانيا والبرتغال بحرب التحالف الأولى عقب إعلانهما الحرب على فرنسا. إلى ذلك، اتجهت إسبانيا للخروج من هذه الحرب سنة 1795 عقب خسائرها المرتفعة بحرب روسيون (Roussillon).
بالعام التالي، عمد الإسبان لتغيير موقفهم مفضلين التحالف مع فرنسا على إثر معاهدة سان إلديفونسو الثانية (San Ildefonso).
في خضم حرب التحالف الثانية التي اندلعت عام 1798، تعرضت إسبانيا لضغوطات فرنسية اتجهت على إثرها للتدخل عسكريا ضد البرتغال عام 1801.
وبحلول شهر حزيران/يونيو 1801، رضخت البرتغال أمام التقدم العسكري الإسباني الفرنسي لتجبر على إثر ذلك على قبول معاهدة بطليوس (Badajoz) التي سلمت على إثرها مناطق أولايفينزا (Olivenza) للإسبان تزامنا مع تعهدها بإغلاق موانيها أمام البريطانيين.
لاحقا، اتجه البرتغاليون لتوقيع معاهدة ثانية ببطليوس مع الفرنسيين.
في الأثناء، عارض القنصل الأول الفرنسي نابليون بونابرت بنود هذه الاتفاقية رافضا بذلك التوقيع عليها. فضلا عن ذلك، تحدث الأخير عن تقديم البرتغاليين لرشوة هائلة لوزير خارجيته (Talleyrand) وشقيقه لوسيان بونابرت للقبول بما جاء بها.
اتفاقية مدريد بين البرتغال وفرنسا
يوم 29 أيلول/سبتمبر 1801، وقعت فرنسا والبرتغال اتفاقية جديدة بالعاصمة الإسبانية مدريد. وبهذه الإتفاقية، حصلت فرنسا على مكاسب هائلة بجنوب القارة الأميركية حيث وافق البرتغاليون على نقل الحدود بين غويانا الفرنسية ومستعمرة البرازيل البرتغالية نحو الجنوب إلى نهر أراغواري أور أمابا (Araguari or Amapá).
وبفضل ذلك، خسرت مستعمرة البرازيل البرتغالية مناطق واسعة بالشمال. من جهة ثانية، تعهد البرتغاليون بعدم السماح للسفن البريطانية بالمرور بموانيهم وقبلوا في الآن ذاته بدفع مبلغ 20 مليون فرنك كتعويض للفرنسيين تزامنا مع فتح أسواقهم للسلع الفرنسية.
عقب توقيع اتفاقية سلام أميان (Amiens) التي أنهت حرب التحالف الثاني بين الفرنسيين والبريطانيين سنة1802، سمح للسفن البريطانية بالعودة نحو المواني البرتغالية تزامنا مع اعتراف لندن بحدود غويانا الفرنسية الجديدة التي حصلت على أجزاء من البرازيل.
بحلول العام 1803، استعرت المعارك مجددا بين الفرنسيين والبريطانيين. وبالعام التالي، أعلنت إسبانيا الحرب على البريطانيين.
وفي الاثناء، حافظت البرتغال على حيادها لحدود العام 1807. فبتلك السنة، تدخل الفرنسيون والإسبان بالبرتغال عقب توقيعهما على مفاهمة لتقاسم أراضيها.
وعلى إثر هذا التدخل العسكري، غادرت العائلة الملكية البرتغالية نحو مستعمرة البرازيل واستقرت هنالك لحدود العام 1821. من جهة ثانية، احتلت قوات البرتغال، المتواجدة بالبرازيل، غويانا الفرنسية سنة 1809 ومكثت بها لحدود العام 1817.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


قاسيون
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- قاسيون
السّياق الدولي والإقليمي للعدوان «الإسرائيلي» على سورية
محاولة فهم السلوك «الإسرائيلي» انطلاقاً من الاعتبارات والإحداثيات المحلية السورية وحدها، هي محاولة محكومة بالفشل، ولا تسمح بالوصول إلى نتائج حقيقية يمكن البناء عليها؛ ولذا فإن من الضروري توسيع فتحة البيكار نحو وضع «إسرائيل» نفسها على المستوى الدولي والإقليمي، وبما يفتح الباب أمام توقع سلوكها اللاحق وكيفية التعامل معه. السّياق الدولي لم يعد الحديث عن تغير ميزان القوى الدولي حديثاً مستهجناً كما كان قبل عقدين من الزمن، رغم أنه كان صحيحاً في حينه في إطار استشراف الآتي، استناداً إلى حركة الوقائع الاقتصادية والسياسية والعسكرية. اليوم، يكاد يجمع كل من يحاول قراءة التغيرات العالمية، على أن الولايات المتحدة والغرب عموماً يعيش حالة تراجع على كافة المستويات، في حين تصعد قوى أخرى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وعلى رأسها الصين وروسيا، وتجمع بريكس ككل، والذي بات يسهم بـ37% من الناتج العالمي، مقابل 29% لمجموعة السبع الكبار الغربية، وكما هو معروف فإن السياسة هي تكثيف للاقتصاد، والحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى؛ ما يعني أن جذر القوة وأساسها هو الجذر الاقتصادي الذي يمكن على أساسه توقع المكانة السياسية والعسكرية التي يمكن أن تحوزها دولة من الدول، أو مجموعة من المجموعات الدولية المتحالفة. رغم ذلك، أي رغم الإقرار واسع النطاق بأن التوازن الدولي القديم قد تغير بشكلٍ حاد بالضد من مصلحة الغربي والأمريكي، إلا أن الوصول إلى النتائج المترتبة على هذا التغير ليس متيسراً طوال الوقت بالنسبة لجميع الناس... بكلام أوضح، فإنك تجد الشخص نفسه الذي يقر بتراجع الولايات المتحدة اقتصادياً وسياسياً أمام الصين مثلاً، يعود في مكان آخر، وعند نقاش قضية على المستويات الإقليمية أو المحلية، إلى الانطلاق من فكرة أن الأمريكي هو المتحكم، وهو صاحب الكلمة الفصل في كل ما جرى وسيجري، وكأن هذه «البداهة» أو «المسلمة» القائلة بسيادة الأمريكي والغربي على عالمنا، هي بداهة غير قابلة للنقاش أو التغيير... وهذا بالضبط ما يجري حين نقاش الوضع «الإسرائيلي» خصوصاً. من المفيد في هذا السّياق التذكير بطبيعة تموضع الكيان «الإسرائيلي» في إطار توزيع القوى الدولي، وفي إطار صراع القوى على المستوى العالمي، لأن الكيان لم يكن في أي يومٍ من الأيام دولة طبيعية، بل كان دائماً أقرب إلى مشروع عسكري/تجاري داخل منطقتنا. الإحداثيات الأساسية لهذا المشروع تتكثف بالتالي: أولاً: سواء أيام نابليون بونابرت حين ظهرت الصيغة الأقدم من «وعد بلفور»، أو أيام الإنكليز في منطقتنا، ومن ثم على أيام السطوة الأمريكية، فإن المشترك كان دائماً هو حاجة القوى الاستعمارية المحيطية (قوى أعالي البحار)، إلى نقطة ارتكاز في منطقة شديدة الحيوية بالنسبة لطرق التجارة والسيطرة العالمية، والمتمثلة في منطقتنا ككل، وخاصة الشام بمعناها الواسع. ثانياً: الوظيفة الأساسية لنقطة الارتكاز هذه، (أو أكبر حاملة طائرات على البر كما يسميها بايدن) هي تكريس عملية الفصل بين القوى القارية، بحيث تبقى خطوط التجارة الأساسية بحرية، وبحيث يبقى البر متخلفاً ومتقطعاً، وبحيث تبقى العلاقات بين الدول القارية المختلفة محكومة بالصراع، بمقابل تركيز كامل نشاطها الاقتصادي عبر السواحل ونحو أوروبا والولايات المتحدة لاحقاً. ثالثاً: وجود قوة عسكرية عدوانية في قلب المنطقة، يفترض حالة مستمرة من الاستنزاف الاقتصادي لمصلحة الجهد الحربي، ويعيق عملية التنمية بشكل كبير، ويسمح تالياً بتكريس دور هذه الدول بوصفها تابعاً بالمعنى الاقتصادي، ودولاً طرفية من وجهة نظر الاستعمار الحديث الاقتصادي؛ أي يكرس عملية التبادل اللامتكافئ التي تتحول بموجبها دولنا إلى مجرد مصدر للمواد الخام، ومستهلك للمواد المستوردة المصنعة، وربما الأخطر إلى مصدر مستمر لقوة العمل الماهرة والكفوءة، وخاصة لحملة الشهادات الجامعية. رابعاً: تسمح عملية التهديد العسكري المستمر، بإفساح المجال واسعاً أمام شعارات من طراز «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وتسمح ببناء أنظمة ذات طابع عسكري وقمعي، تنتهي إلى أنظمة أمنية وفاسدة تكرس تخلف شعوبها ودولها بشكل إضافي، وتكرس تالياً تبعيتها للغرب ولمنظومة النهب عبر التبادل اللامتكافئ. هذه الوظائف كلها، وغيرها، تساهم «إسرائيل» في إنجازها، بمجرد وجودها في منطقتنا ككيان عسكري وعنصري معتدٍ. ما الذي تغير في السّياق الدولي؟ إذا كانت الوظائف الأربع التي ذكرناها أعلاه، هي جوهر الوجود الصهيوني في منطقتنا، فإنه من الضرورة بمكان إعادة النظر بهذه المهام في ظل التوازن الدولي الجديد. وكي نستطيع القيام بذلك، ينبغي أن نحدد بعض السمات الأساسية في التوازن الدولي الجديد، ولعل أهمها ما يلي: أولاً: دخلت عملية تصدير رأس المال باتجاه آسيا، طوراً متسارعاً منذ الستينيات (رأس المال كان يهاجر من البلدان الغربية باتجاه شرق آسيا خاصة، بحثاً عن الربح الأعلى، وبسبب عمل قانون اقتصادي موضوعي، هو انخفاض معدل الربح مع تعقد التركيب العضوي لرأس المال). ثانياً: عملية الهجرة هذه، كانت تعني أن الدول التي تتم هجرة رؤوس الأموال نحوها، قد بدأت بالتطور تدريجياً على مستوى البنى التحتية، وعلى المستوى العلمي والأكاديمي والتكنولوجي، ولكن مع ذلك فإن القسم الأكبر من الأرباح كان يجري شفطه باتجاه الغرب. ثالثاً: آليات شفط الربح نحو الغرب كانت متعددة ومتراكبة، ولكن أهمها على الإطلاق كان متمثلاً بالمنظومة الدولارية المتكاملة، ابتداء من الدولار عملة عالمية، إلى الدولار عملة احتياط لدى عدد كبير من دول العالم، ومروراً بمنظومة سويفت وبمنظمة التجارة العالمية، وسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، والتي تصب جميعها في مكان واحد هو تعظيم الربح بالنسبة للمركز الغربي وتقليله بالنسبة للأطراف. رابعاً: مع تعمق عمليات الإنتاج في آسيا، بدأ تطور تكنولوجي كبير بات ينافس التطور التكنولوجي الغربي، ووصل حد التفوق المطلق عليه في عدد كبير من المجالات المفتاحية. وبالتوازي بنت الصين ترسانة عسكرية ضخمة، بحيث لم يعد من الممكن ابتزازها عسكرياً، أو حتى التفكير بمحاولة إخضاعها عسكرياً. خامساً: وصلنا إلى وضع لم يعد من المنطقي فيه بالنسبة لعدد كبير من الدول أن تستمر عملية النهب عبر المنظومة الدولارية؛ وعلى هذا الأساس بدأت تظهر تحالفات جديدة أهمها بريكس، وبدأت تعمل بشكل جدي على منظومات دفع جديدة، وعلى منظومات تبادل ومقاصة تتجاوز فيها سويفت والدولار الأمريكي. سادساً: لاستكمال هذه العملية، بدأت الدول القارية باستعادة الروابط البرية فيما بينها، ومشروع الحزام والطريق والمشروع الأوراسي أهم مثالين على هذه السياسة، المعاكسة جذرياً لسياسة السيطرة المحيطية عبر البحار التي انتهجتها الدول الغربية طوال 400 عام تقريباً. وما الاستنتاج؟ يمكن أن نستنتج من هذا السرد الطويل، أن الوظيفة التي لعبها الكيان الصهيوني طوال عقود عديدة، باتت معاكسة تماماً للاتجاه الموضوعي التاريخي لتطور الأحداث في منطقتنا وفي العالم، ما يعني أن هذه الوظيفة نفسها محكومة بالانهيار والتداعي... ولما كان جوهر هذا الكيان هو وظيفته، (لأنه لم يكن في يوم من الأيام دولة طبيعية بالمعنى المعروف كما أسلفنا)، فإن وجود هذا الكيان نفسه بات مهدداً. السّياق الإقليمي فلنحاول إلقاء نظرة على السياق الإقليمي وتحولاته ابتداء من خمسينيات القرن الماضي، وبشكل مكثف: أولاً: منذ قيام الكيان، توزعت القوى الإقليمية في منطقتنا ضمن أحلاف متعادية، كان بين أولها حلف بغداد الذي ضم جنباً إلى جنب إيران وباكستان والولايات المتحدة وبريطانيا والعراق (الذي انسحب بعد 3 سنوات)، في مواجهة مصر وسورية باعتبارهما حليفتين للاتحاد السوفييتي. ثانياً: كانت «إسرائيل» عضواً غير معلن في حلف بغداد، ولعبت أدواراً أساسية ضمنه طوال فترة وجوده. ثالثاً: بعد الثورة الإيرانية عام 1979، أعيد ترتيب الاصطفاف الإقليمي بحيث تغيرت خطوط العداوات، ولكن المهم هو أن دول المنطقة بقيت منقسمة على نفسها ومتعادية، إلى ذلك الحد الذي يمكن القول معه إنه لم يمر يوم عبر التاريخ السوري الحديث، كان فيه الوضع طبيعياً على حدود البلاد من جهاتها الأربع؛ فالعلاقة مع العراق كانت دائماً متوترة، وكذلك مع تركيا إلا فيما ندر، وحتى مع لبنان والأردن، وبطبيعة الحال باتجاه الكيان. رابعاً: قبل سنوات قليلة، ومع ما سمى اتفاقات السلام الأبراهيمي، تمت إعادة تشكيل الاصطفافات مرة أخرى، بحيث تبدو الدول العربية متحالفة مع الكيان في وجه إيران بشكل مباشر، وتركيا بشكل غير مباشر. خامساً: خلال السنوات القليلة الماضية، وابتداء من التسوية السعودية الإيرانية برعاية صينية، بدأنا برؤية لوحة جديدة وغير مسبوقة خلال مئة عام على الأقل؛ وهي جملة من التسويات المتلاحقة شملت إيران وتركيا ومصر ودول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية. هذه التفاهمات والتوافقات، ورغم أنها ليست مكتملة، إلا أنها تضع أساساً مختلفاً لكتابة تاريخ المنطقة بأسرها؛ فمجرد الوصول إلى حد أدنى من التفاهمات بين هذه الدول، يعني أن وظيفة الكيان قد تم سحقها من حيث الجوهر، وأننا بتنا حقاً في ظلال توازن دولي جديد تسود فيه القوى القارية لا المحيطية، وسيادة القوى القارية تتطلب علاقات حسن جوار تسمح لخطوط التجارة والتنمية والبنى التحتية المتطورة بالمرور عبر الأراضي الشاسعة لهذه الدول. سادساً: يمكن أن ننتبه أيضاً إلى مبادرة أوجلان بوصفها مؤشراً هاماً على طبيعة المرحلة التي نعيشها؛ فالقضية الكردية العالقة منذ مئة عام، والتي خلقتها اتفاقية سايكس بيكو، تصبح للمرة الأولى على طاولة الحل الجدي، والذي من شأنه أن ينتزع صاعق تفجير مستمر كان يتم استخدامه غربياً بشكل مستمر للحفاظ على حالة التوتر بين دول المنطقة، ولقطع الطريق على أي استقلالية نسبية عن الغرب بالمعنى الاقتصادي والتجاري والسياسي. خلاصة أولية في إطار هذه التحولات الكبرى على المستوى الدولي والإقليمي، ناهيك عن الأزمات الداخلية ضمن الكيان، فإن المعركة التي يخوضها الكيان ليست معركة توسع أو عجرفة بحتة كما قد يتصور البعض، أو كما قد يحاول الصهيوني نفسه تصوير الأمر... المعركة التي يخوضها الكيان هي معركة وجودية، يسعى من خلالها إلى تغيير التوازن على المستوى الإقليمي، وبما يسمح بتغيير التوازن على المستوى الدولي، ليعكس سير عجلة التاريخ، أو يؤخره على أقل تقدير... والمنفذ الوحيد بالنسبة للكيان، هو التنفيذ الكامل لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد»، أي عبر تفجير وتقسيم ليس فقط سورية، بل المنطقة كلها، وضمناً تركيا ومصر والسعودية وصولاً إلى إيران. بهذه الطريقة فقط يمكن أن يتم عكس اتجاه عجلة التاريخ؛ لأن هذا الأمر في حال تحقق، يمكنه أن يؤثر فعلاً على التوازن الدولي، وإن بشكل مؤقت فحسب... الانكفاء الأمريكي و«إسرائيل» لم يعد الحديث عن سياسات الانكفاء الأمريكية مجرد وعود انتخابية يطلقها ترامب، بل باتت واقعاً ملموساً نرى علاماته في أوكرانيا، وفي تايوان، وربما أهم من ذلك كله، في ملف الرسوم الضريبية والحمائية الاقتصادية. إن من طبيعة الأمور أن تضطر القوى المتراجعة اقتصادياً إلى ترشيد إنفاقها، بحيث تتمكن من إدارة الموارد المتراجعة بما يحقق الوظائف المطلوبة. وبهذا المعنى فالأمريكي في طور تراجع حاد وواضح، وهو مضطر لترشيد إنفاقه حول العالم، وخاصة الإنفاق العسكري، وإذا كان الكلام ينطبق على القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، فهو ينطبق بالضرورة على «إسرائيل» بوصفها واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم. يتضح هذا الأمر من اتجاه ترامب نحو التفاوض مع إيران بما يخص الملف النووي، وفي بداية انسحابه عسكرياً من سورية... هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الأمريكي سيترك كل شيء ويمضي... ولكنه بالتأكيد سيحاول أن يترك وراءه أكبر خراب ممكن، بما في ذلك عبر بث الروح في داعش... يضاف إلى ذلك أن الاتجاه الانكفائي، يعني بالضرورة أن الحرب على غزة باتت في نهاياتها، ولا يمكن لها أن تستمر طويلاً، خاصة وأن أياً من أهدافها لم يتحقق... ما يعني أن على «الإسرائيلي» البحث عن جبهة جديدة بديلة، وبأسرع وقت، والخاصرة الأضعف في كل المنطقة حالياً هي سورية... السياسة «الإسرائيلية» تجاه سورية من هنا، يمكن فهم درجة الشراسة التي تتعامل فيها «إسرائيل» مع الملف السوري... فالمنطق البسيط يقول: إن سورية بوضعها الحالي لا تشكل خطراً عسكرياً أو أمنياً من أي نوع على الكيان، ومع ذلك، فالمطلوب من وجهة نظر الكيان هو دفعها نحو حرب داخلية طاحنة على أسس طائفية ودينية وقومية، بما يمهد لتقسيمها، وبما يمهد لتحويلها إلى صاعق تفجير لكل المنطقة، وضمناً تركيا والعراق ومن ثم مصر... هذه الاستهدافات ليست ناتجة عن عقل مريض، بل عن عقل يفهم جيداً الوظيفة الصهيونية في المنطقة، ويفهم أن ذهاب المنطقة نحو الاستقرار يعني بالضرورة انتفاء تلك الوظيفة، وتالياً انتفاء «الكيان» نفسه، وربما أهم من ذلك على المستوى الدولي، أنه يعني خسارة نهائية لأصحاب مشروع السيطرة العالمية الشاملة... الذين يملكون الفيدرالي الأمريكي والمافيات التجارية الكبرى عالمياً... بكلام آخر، فإن مجرد الاستقرار في سورية هو أمر قاتل بالنسبة للكيان... رغم ذلك فإن الوصول إلى الاستقرار ليس بالأمر الهين مع أن مفتاحه واضح، وهو تجميع وتوحيد الشعب السوري... وتوحيد الشعب السوري يتطلب حواراً ومشاركة حقيقية ومؤتمراً وطنياً عاماً وحكومة وحدة وطنية، ويتطلب القطع نهائياً مع العقليات الطائفية الضيقة التي تخدم الصهيوني بأشكال مباشرة وغير مباشرة.


Independent عربية
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
ماذا يقول التاريخ عن دور الولايات المتحدة في قناة السويس؟
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضجة واسعة بتصريح غير متوقع، دعا فيه إلى إعفاء السفن الأميركية من رسوم المرور في قناتي بنما والسويس، قائلاً "يجب السماح للسفن الأميركية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالمرور مجاناً عبر قناتي بنما والسويس". مشيراً إلى دور أميركي في وجود القناتين، مما أثار التساؤلات حول إذا كان لواشنطن دور في وجود قناة السويس المصرية. وبحسب مراقبين لم تكن دعوة ترمب مجرد بالونة اختبار، أو إحدى هفواته الساخرة، فقد أضاف في منشور على منصة "تروث سوشيال"، "طلبت من وزير الخارجية ماركو روبيو أن يتولى هذا الأمر على الفور، هاتان القناتان ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأميركية". وبينما أتمت الولايات المتحدة بناء قناة بنما في أوائل القرن الـ20، ومنحت السيطرة على الممر المائي المهم استراتيجياً إلى بنما عام 1999، فإن علاقة واشنطن بقناة السويس تظل بعيدة، خصوصاً إذا ما تعلق الحديث بنشأة القناة وحفرها، فقد ارتبطت تاريخياً بالصراع الاستعماري بين فرنسا وبريطانيا والدولة العثمانية، لكنها بقيت مصرية خلال كل مراحل حفرها وتطويرها، بخاصة منذ قرار التأميم الذي أنهى التدخل الأجنبي في إدارتها، فالقناة تقع بالكامل ضمن الإقليم المصري، وتخضع لسيادة مصر والقوانين السارية فيها، لكن تصريح الرئيس الأميركي فتح باب الجدل حول العلاقة التاريخية للولايات المتحدة بالقناة التي ظهرت في عصر الانعزالية والحرب الأهلية الأميركية. جذور تاريخية يجمع المؤرخون على أن فرعون مصر سنوسرت الثالث كان أول من فكر في شق قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط عبر الملاحة في نهر النيل والبحيرات المرة، فتاريخ أول قناة تربط بين البحرين يعود إلى أكثر من 3400 عام. وتعرضت القناة لفترات من الإهمال أدت إلى ردمها أو صعوبة الملاحة فيها في غير موسم الفيضان في بعض الحقب التاريخية إلى أن جرت إعادة الربط بين النيل والبحر الأحمر عام 510 قبل الميلاد، وجرى تطويرها في عهد بطاليموس الثاني عام 285 قبل الميلاد، لتصبح مجدداً غير صالحة للملاحة في عهد البيزنطيين 400 ميلادية، ليعيد عمرو بن العاص الملاحة إلى القناة عام 641 ميلادية. وبحسب موقع القناة على الإنترنت "يبدأ التاريخ الحقيقي لقناة السويس من فرمان الامتياز الأول، الذي منح فرديناند ديليسبس حق إنشاء شركة لشق قناة السويس في 30 نوفمبر 1854". ووفقاً لموقع قناة السويس، تأسست الشركة العالمية لقناة السويس البحرية في الـ15 من ديسمبر (كانون الأول) 1858 برأسمال قدره 200 مليون فرنك، مقسم على 400 ألف سهم قيمة كل منها 500 فرنك، خصصت الشركة لكل دولة من الدول عدداً معيناً منها، وكان نصيب مصر 92136 سهماً، ونصيب إنجلترا والولايات المتحدة والنمسا وروسيا 85506 أسهم. غير أن هذه الدول رفضت رفضاً باتاً المشاركة في الاكتتاب، فاضطرت مصر إزاء رفضها إلى استدانة 28 مليون فرنك بفائدة باهظة لشراء نصيبها بناء على إلحاح ديليسبس، ورغبة منها في تعضيد المشروع وإنجاحه، وبذلك أصبح مجموع ما تملكه مصر من الأسهم 177642 سهماً قيمتها 89 مليون فرنك تقريباً، أي ما يقارب نصف رأسمال الشركة. أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في خطابه التاريخي بمدينة الإسكندرية في الـ26 من يوليو (تموز) 1956 قرار تأميم قناة السويس. ونصت المادة الأولى من القرار على تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية) وتنقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل الهيئات واللجان القائمة حالياً على إدارتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس. وبالفعل أوفت الدولة المصرية بجميع التزاماتها، فمع حلول الأول من يناير (كانون الثاني) 1963 كانت قد سددت التعويضات التي أعلنت عزمها على دفعها لمساهميها تعويضاً لهم عما يملكونه من أسهم وحصص تأسيس. ووفقاً للمصادر التاريخية، جاء قرار التأميم رد فعل مباشراً على مواقف الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة والبنك الدولي من مسألة تمويل السد العالي، "إلا أن القرار في حقيقة الأمر كان كاشفاً وليس منشئاً للحقوق المصرية، وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسيادة المصرية على كامل التراب الوطني بعد ثورة 23 يوليو"، وفقاً لموقع القناة الرسمي. قناة السويس... محور للصراع الدولي تشير المصادر التاريخية إلى أن القناة كانت محل نزاع بين القوى الكبرى، بخاصة بريطانيا وفرنسا، ورغم أهميتها لم تحظَ بالدعم الكافي والمساهمة الخارجية، بل سعت القوى الكبرى لعرقلة حفرها في البداية، ثم السيطرة عليها بعدما تمكن المصريون من إعادتها إلى الخريطة الجيوسياسية. في كتابه "الصراع الدولي حول استغلال قناة السويس (1869 - 1882)"، يوضح السيد حسين جلال، أن قناة السويس افتتحت في أوج عصر الإمبريالية العالمية كواحدة من أكبر المشاريع العالمية تلبية لحاجات العصر لنقل التجارة بين الشرق والغرب، وكانت بريطانيا هي القوة البحرية الرائدة آنذاك فدخلت في سباق محموم مع فرنسا، واتهم ساسة إنجلترا فرنسا بأنها تريد إنشاء دردنيل مصري، أو جبل طارق مصري تسيطر عليه فرنسا، وتتحكم في طريق بحري يؤدي إلى الهند وغيرها من ممتلكات بريطانيا في ما وراء البحار. ويتابع المؤلف أن بريطانيا شنت ثلاث هجمات استعمارية خلال القرن الـ19، عام 1801، إبان الحملة الفرنسية والثانية 1807 المعروفة بحملة فريزر، والثالثة عام 1882 ليمكث الاستعمار البريطاني في مصر قرابة ثلاثة أرباع القرن. ولم تكد مصر تسترد سيادتها وحقوقها على قناة السويس عام 1956 من أجل أن تكون مصدر رخائها الاقتصادي، ومظهراً من مظاهر سيادتها القومية على أراضيها، حتى خاضت مصر ثلاث حروب ضارية على مدى 17 عاماً فقط (1956، و1967، و1973) دارت كلها حول قناة السويس، وهكذا أصبحت مصر بسبب قناة السويس منذ إنشائها، موضع مساومات ومؤامرات في السياسة الدولية. أما كتاب "السخرة في حفر قناة السويس" للمؤرخ عبدالعزيز الشناوي فيوضح أن بريطانيا عارضت مشروع قناة السويس في أول الأمر، إذ اعتقدت أنه مشروع سياسي فرنسي يهدف إلى امتلاك مصر، ثم ضرب الممتلكات البريطانية في الهند وغيرها، وذكر نابليون بونابرت في مذكراته التي وضعها في منفاه بجزيرة سانت هيلانه "إن الإنجليز تنخلع قلوبهم هولاً إذا رأوا فرنسا تحتل مصر. ونحن بهذا الاحتلال نوضح لأوروبا الوسيلة الفعالة لحرمان الإنجليز من الهند". وقد ذهبوا في اعتناق هذا الرأي إلى القول إنه إذا أيدت إنجلترا مشروع القناة كان هذا بمثابة انتحار لها، لأن السفن الفرنسية تستطيع اجتياح الهند قبل أن تصل أخبار الغزو إلى إنجلترا. تكشف وثائق بريطانية أزيحت عنها السرية أن لندن كانت دائماً تحرص على التمييز بين الملكية المصرية للقناة وتشغيلها، بينما حاولت دراسة إجراءات طارئة للحفاظ على القناة مفتوحة في حال حدوث أي انهيار لخدمات قناة السويس نتيجة عمل ما من جانب الحكومة المصرية، بعد ثورة 1952 ورفضها تسليم القناة للسيادة المصرية. ووفقاً للوثائق التي نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية، خططت بريطانيا وفرنسا للتحكم في الممر الملاحي من طريق تحالف شركات غربية حتى بعد التأميم. وفي يوليو (تموز) عام 1953، كثفت لندن وفرنسا الضغوط على الولايات المتحدة لعقد مؤتمر سري في أقرب وقت ممكن، وتكشف وثائق مجلس الوزراء البريطاني أن واشنطن "أوضحت بجلاء أنها غير مستعدة للمشاركة، بسبب إمكانية إثارة ردود فعل عنيفة من جانب المصريين إذا سمعوا به، وربما يفاقم هذا الأخطار التي يهدف المؤتمر إلى مواجهتها". لم تكتف الولايات المتحدة بالرفض، بل اقترحت بديلاً للنهج البريطاني - الفرنسي. ووفق محضر اجتماع للجنة القناة بمجلس الوزراء البريطاني في مارس (آذار) عام 1954، فإن هذا البديل هو "نهج متعدد الأطراف تجاه مصر من جانب القوى البحرية". ووفقاً للوثائق صدم عبدالناصر رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت، بريطانيا والدول الغربية، بإعلانه يوم الـ17 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1954 أن مصر تستعد بالفعل للسيطرة على القناة عندما ينتهي اتفاق الامتياز عام 1968. وأكد أنه "يريد تجنب أخطاء الماضي"، وقال عبارته الشهيرة "في الماضي كانت مصر تنتمي إلى القناة، لكنه من الآن فصاعداً، ستنتمي القناة إلى مصر". هل من دور تاريخي لواشنطن بقناة السويس؟ رغم عدم وضوح تصريحات ترمب حول الدور التاريخي للولايات المتحدة في قناة السويس، يجادل البعض بدور الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور في استعادة مصر قناة السويس، فقناة السويس لم تعد للملكية والسيادة المصرية بمجرد قرار الرئيس المصري الراحل عبدالناصر تأميمها يوم الـ26 من يوليو (تموز) 1956، لكن بانسحاب القوات البريطانية والفرنسية من منطقة قناة السويس، وانسحاب إسرائيل من سيناء وغزة في مارس 1957، بعدما دعم أيزنهاور قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد العدوان الثلاثي على مصر، وفرض الانسحاب من سيناء ومنطقة القناة، وهو الدور الذي ظلت القيادة المصرية آنذاك ممتنة له، بصرف النظر عن دوافع واشنطن نحو ملء الفراغ، وتعويض انحدار الإمبراطورية البريطانية وقتذاك. وعلى أية حال، فالثابت تاريخياً أن ظهور القناة جاء بينما كانت الولايات المتحدة ملتزمة مبدأ الرئيس مونرو عام 1823، الذي قضى بعدم انتظام الولايات المتحدة في الشؤون الأوروبية والدولية، إضافة إلى انشغالها بالحرب الأهلية خلال فترة 1861 - 1865. بدوره يقول مساعد مدير المخابرات الحربية المصرية السابق اللواء ممدوح الإمام، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، إن تصريحات ترمب تنطوي على مغالطات تاريخية، ليس للولايات المتحدة أي دور أو فضل في إنشاء قناة السويس، من أنشأها هو الشعب المصري، مضيفاً "الولايات المتحدة أنشئت عام 1776، وظهر أول دستور لها عام 1787، وفي عام 1850 كانت الولايات المتحدة 31 ولاية بانضمام ولاية كاليفورنيا، الولاية 32 مينيسوتا انضمت عام 1858، وقتها كان الشعب المصري قد استغرق أربعة أعوام في حفر القناة بالفعل، لأنه بدأ في حفرها 1854 بعد فرمان الامتياز الأول، بالتالي ليس للولايات المتحدة أو أي دولة دور في ذلك، والدور الوحيد والرئيس للشعب المصري". وأوضح الإمام أن مرحلة حفر القناة لم يكن بها أي دور للولايات المتحدة، المشروع وفقاً للوثائق التاريخية كان يدار بين مصر والدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا، وفي معاهدة الأستانة دخلت روسيا والنمسا على أساس أنها دول أوروبية يهمها المرور بالقناة، والولايات المتحدة لم يرد ذكرها في الوثائق التاريخية للقناة مطلقاً. ويتفق أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة محمد عفيفي مع مساعد مدير المخابرات الحربية المصرية السابق، موضحاً أن تصريحات الرئيس الأميركي "غير واضحة" في ما يتعلق بدورها في قناة السويس، لكن الثابت والمعلوم تاريخياً أن الولايات المتحدة ليس لها أي دور في حفر قناة السويس، فبعد أعوام قليلة من بدء حفر قناة السويس دخلت الولايات المتحدة في الفترة الحرب الأهلية الأميركية من عام 1861 إلى 1865، ولم تكن في وضع يسمح لها بدور في القناة، ولم تقم بدور في حفرها أو تمويلها، لكن تصريحه يمكن قراءته في ما يتعلق بالدور الراهن في "ضرب الحوثيين وحماية الملاحة في البحر الأحمر". هل أسهم أيزنهاور في استعادة مصر القناة؟ في مقابل الحديث عن الدور الأميركي في استعادة مصر للسيطرة على قناة السويس بعد قرار التأميم ورفض العدوان الثلاثي، يوضح أستاذ التاريخ في جامعة القاهرة أن دور الولايات المتحدة في أزمة السويس ليس له علاقة بالقناة، "فقد كانت واشنطن ضد قرار التأميم، لأن قرار تأميم قناة السويس نفسه جاء رداً على رفض الولايات المتحدة والغرب من خلال البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي، لكن عندما وقع العدوان الثلاثي، واشنطن لم تكن موافقة على شن بريطانيا وفرنسا وإسرائيل الحرب، ثم خشيت من التدخل السوفياتي في هذا التوقيت، ولم تكن تريد أن يقوم الاتحاد السوفياتي باستغلال الأزمة والتدخل في المنطقة ويتقارب مع عبدالناصر، ومن ثم اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على ضرورة وقف الحرب، ولم تكن الولايات المتحدة السبب في تأمين سيطرة مصر على القناة وتأميمها". وفي ما يتعلق بدور الولايات المتحدة في حرب السويس ووقف العدوان الثلاثي لفرنسا وبريطانيا وإسرائيل على مصر، بعد استعادة السيطرة والسيادة المصرية على القناة، يوضح مساعد مدير المخابرات الحربية المصرية السابق أن دور الولايات المتحدة في حرب السويس "لم يكن من أجل الملاحة في قناة السويس، إنما من أجل هيبتها، لأن الرئيس دوايت أيزنهاور، شعر بأن بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، تصرفوا بصورة منفردة عندما قاموا بهذا الهجوم ولم يبلغوه، فأراد فرض هيبته على الدول الثلاثة، وأمرهم بالانسحاب من سيناء، ولم تكن قناة السويس في باله مطلقاً، بل استعادة لهيبة الولايات المتحدة ودورها الدولي". وتابع الإمام "الشعب المصري دفع ثمناً باهظاً في حفر القناة، فحينما كان تعداد مصر 4.8 مليون نسمة، توفي في الحفر 120 ألف مصري في ظروف بالغة السوء من العطش والجوع والأوبئة، وهو ما يرصده المؤرخ المصري عبدالعزيز الشناوي في مؤلفاته آنذاك عن السخرة". ويعتقد أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة أن ترمب يبحث عن تعويض لكلفة ضرب الحوثيين وحماية الملاحة في البحر الأحمر، وهي أمور مكلفة للولايات المتحدة، بالتالي يبحث عن مقابل، في شكل مرور السفن التجارية الأميركية في القناة مجاناً، لكن هذه أيضاً مغالطة، لأنه "يضرب الحوثيين حماية لإسرائيل، لا حماية لقناة السويس، وهو يتبع أسلوب الضغط وفرض الشروط". ومن جهته، يستكمل مساعد مدير المخابرات الحربية المصرية السابق أن غارات الولايات المتحدة ضد الحوثيين بدأت خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وكان من الواضح عدم اتخاذ موقف جاد وقوي من الولايات المتحدة ضد الحوثيين المدعومين من إيران، لقناعتها بأن وجود تهديدهم يمثل ورقة ضغط أميركية في مواجهة دول الخليج ومصر، ولم تكن واشنطن جادة في القضاء على خطر الحوثي، وتحالف حارس الازدهار لم يكن له تأثير قوي في ردعهم، ولم تبدأ جدية واشنطن في ضربهم إلا اعتباراً من منتصف مارس الماضي، وهذا الهدف يحقق مصالح الولايات المتحدة والصين، لأنهما أكبر اقتصادين في العالم، ولا تقارن حجم المنافع الاقتصادية لسلاسل الإمداد الأميركية والصينية بالعائد من مرور السفن بقناة السويس، فمصر خسرت 7 مليارات دولار نتيجة التوتر في البحر الأحمر، فالتجارة العالمية خسرت أضعاف هذا المبلغ، ومن ثم تحييد الحوثي ليس لمصلحة مصر بالأساس، لكنه لمصلحة واشنطن أيضاً. ويؤكد الإمام أن طلب ترمب إعفاء السفن الأميركية يواجه باتفاقية القسطنطينية التي تنص على حياد قناة السويس، والبند 12 من هذه المعاهدة الدولية يمنع سعي أي طرف للحصول على فوائد إقليمية أو تجارية أو امتيازات في الترتيبات الدولية التي قد تجري مستقبلاً في ما يتعلق بالقناة، ومن ثم "فمصر لا تملك أن تعفي السفن الأميركية من رسوم العبور في قناة السويس وفقاً لاتفاقية القسطنطينية"، على حد قوله. وبدوره يذهب مستشار المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية اللواء محمد قشقوش إلى أنه "في إطار العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، لسفن واشنطن أسبقية للعبور من قناة السويس، فهذه ميزة، وقد يكون هناك تعاون مستقبلي في ميزات أخرى متبادلة، لكن ليس من ضمنها أن تمر سفن الولايات المتحدة ذهاباً وإياباً من دون رسوم، فحديث ترمب نابع من خلفيته التجارية والرأسمالية، وتصريحه غير موفق، وحق قناة السويس محفوظ، المراحل التاريخية التي مرت بها، مثل حرب السويس وتأميم القناة وإغلاقها خلال حرب 1967، حتى تحريرها بعد انتصار 1973، فالقناة جزء من تراث مصر القومي وأصولها، ومصدر أساس للناتج المحلي الإجمالي، ودخلها القومي، ولا يمكن التنازل عن حقوقنا بها". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأشار قشقوش إلى أن تصريح ترمب استفزازي ويحمل خلطاً للأوراق، فعندما يقول إنه لولا الولايات المتحدة لما وجدت قناتا بنما والسويس، فالشق الأول فقط صحيح، لأن الولايات المتحدة لعبت دوراً كبيراً في إنشاء وتشغيل قناة بنما، وحتى جرى تسليمها إلى بنما عام 1999 في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وهذا الوضع يختلف تماماً في قناة السويس، فإنشاؤها مصري صرف، صحيح أن المهندس الفرنسي فرديناد ديليسبس الذي وضع تصميمها وأقنع حاكم مصر آنذاك الخديوي محمد سعيد بحفرها، لكن جرى إنشاؤها بأيدي مهندسين وعمال مصريين دفعوا ثمناً كبيراً لحفر القناة بالطرق البدائية التي كانت موجودة، وهذه القناة سبقتها محاولات خلال العصرين الفرعوني والإسلامي وغيرهما، لكن هذه القناة الآن قناة مصرية، وليس للولايات المتحدة أي فضل في حفرها أو تطويرها، وحديث ترمب غير مسؤول ولا يجب الالتفات إليه". ويوضح قشقوش أن حركة التجارة الأميركية ونقل النفط وحركة الأساطيل العسكرية الأميركية، بخاصة الأسطولان السادس بالبحر المتوسط والخامس في الخليج العربي، والوجود العسكري الأميركي في القرن الأفريقي، والقيادة المركزية الأميركية البحرية، تمر عبر قناة السويس، التي تمثل ممراً مصرياً له صفة دولية، ولا يمكن لأي طرف أن يطلب المرور منه من دون رسوم، ومن غير المنطقي أن يفرض ترمب على العالم رسوماً جمركية متصاعدة، بينما يريد إلغاء رسوم القناة، مضيفاً "قد يكون هناك تفاهمات، وقد يصلح هذا الأمر على قناة بنما، لأن للولايات المتحدة فضلاً في وجودها، لكن لا مجال للحديث عن التاريخ بالنسبة إلى قناة السويس حالياً". كيف ينظر ترمب إلى قناتي بنما والسويس؟ يجيب عن هذا التساؤل، الأكاديمي الأميركي المتخصص في سياسة الشرق الأوسط فرانك مسمار، إذ يوضح أن دعوة ترمب إلى السماح للسفن العسكرية والتجارية الأميركية بالسفر مجاناً عبر قناتي بنما والسويس، يرجع إلى أهمية هذين المسارين التجاريين الاستراتيجيين للتجارة العالمية وعمليات الجيش الأميركي، إذ يربطان الممرات المائية الحيوية ويقصران بشكل كبير أوقات السفر بين المحيطات. معتبراً أن الرئيس الأميركي لديه أساس منطقي في حديثه عن المرور المجاني، "فتأكيد ترمب أن هذه القنوات تدين بوجودها للولايات المتحدة يرتكز على السياق التاريخي. لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً في بناء قناة بنما وصيانتها لاحقاً، إضافة إلى ذلك، كثيراً ما تشابكت المصالح الدبلوماسية والاقتصادية الأميركية مع عمليات كلتا القناتين. من خلال الدعوة إلى حرية المرور، يسعى ترمب إلى الاستفادة من هذه المشاركة التاريخية لمصلحة أميركيا". ويذهب مسمار إلى أن اقتراح السماح للسفن الأميركية بالمرور الحر سيكون له تداعيات عميقة على التجارة العالمية والاستراتيجية العسكرية. من الناحية الاقتصادية، سيقلل من الكلف التشغيلية لشركات الشحن التجارية الأميركية، مما قد يخفض أسعار البضائع المنقولة من طريق البحر. من الناحية العسكرية، سيعزز تنقل البحرية الأميركية واستعدادها، مما يسمح بالانتشار السريع وتحديد المواقع الاستراتيجية من دون تكبد رسوم عبور. ويستكمل الأكاديمي الأميركي "دعوة ترمب إلى حرية مرور السفن الأميركية عبر قناتي بنما والسويس تعكس مزيجاً من التبرير التاريخي والطموح الاستراتيجي، مع فوائد اقتصادية وعسكرية محتملة للولايات المتحدة. ويؤكد طلب ترمب من وزير الخارجية ماركو روبيو معالجة هذه المسألة على الفور على الحاجة الملحة والأهمية التي يوليها لهذه القضية. ومع ذلك من المرجح أن يثير مجموعة من ردود الفعل من المجتمع الدولي. تعد إدارة القناتين وإيراداتهما أمراً بالغ الأهمية لاقتصادات بنما ومصر. يمكن اعتبار تأكيد حقوق المرور الحر انتهاكاً لسيادتها، مما قد يؤدي إلى توتر العلاقات الدبلوماسية". الأكاديمي الأميركي المتخصص في سياسة الشرق الأوسط يعد أن طريقة فهم ترمب لإبرام الصفقات يؤثر بصورة عميقة في نهجه بالمفاوضات الدولية، بما في ذلك مقترحاته في شأن بنما وقناة السويس. وهو ينظر إلى هذه القنوات على أنها نقاط نفوذ في المساومة، إذ يمكن للولايات المتحدة تأكيد نفوذها وتأمين شروط مفيدة للطرفين. وتشير استراتيجيته إلى أنه من خلال تقليل كلف العبور للسفن الأميركية، يمكن للولايات المتحدة تعظيم فوائدها الاقتصادية والعسكرية، و"الفوز" بصورة فعالة بمزيد من القطع من الكعكة في التجارة العالمية والخدمات اللوجيستية الدفاعية. ومع ذلك فإن جدوى مثل هذا الاقتراح تعتمد على ما إذا كان يمكن للنقاش الانتقال من المساومة المفضلة لترمب إلى المفاوضة التكاملية. وسيشمل ذلك إيجاد شروط مفيدة للطرفين لجميع الأطراف، واحترام المصالح الاقتصادية لبنما ومصر وسيادتهما مع تعزيز التعاون والأمن العالميين، وفقاً للأكاديمي الأميركي. وستكون المفاوضات المعقدة ضرورية لتحقيق رؤية ترمب. ستشمل هذه المناقشات بنما ومصر وأصحاب المصلحة الآخرين في المجتمع البحري الدولي. ويمكن أن تؤدي نتيجة مثل هذه المفاوضات إلى اتفاقات جديدة تعيد تحديد شروط مرور السفن الأميركية، وتحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والاستراتيجية مع احترام السيادة الدولية. ومع تطور التجارة العالمية والديناميكيات العسكرية، ستزداد الأهمية الاستراتيجية لقناتي بنما والسويس. تصريح ترمب، رغم كونه مثيراً للجدل، فإنه يفتح حواراً حول مستقبل هذه الممرات المائية الحيوية. ويبقى أن نرى ما إذا كان اقتراحه سيتم قبوله أم لا"، وفقاً للمتحدث نفسه.


صحيفة سبق
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- صحيفة سبق
بعد مطالبة ترامب بمرور السفن الأمريكية مجاناً.. "بي بي سي": هل للولايات المتحدة علاقة بقناة السويس؟ وما قصة لجنة "نقاط الاختناق البحرية العالمية"؟
دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إلى السماح بمرور السفن الأمريكية عبر قناتَي السويس وبنما "مجاناً"، كما طلب من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو؛ معالجة هذه القضية "فوراً". وكتب ترامب؛ على منصة تروث سوشيال: "يجب السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على السواء، بالمرور عبر قناتَي بنما والسويس بحُريّة، هاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية". وأضاف ترامب: "طلبتُ من وزير الخارجية ماركو روبيو تولي" هذه القضية. ويتساءل تقريرٌ على موقع هيئة الإذاعة البريطانية " بي بي سي"، هل كان للولايات المتحدة علاقة بإنشاء قناة السويس؟ تُعَد قناة السويس أقصر الطرق البحرية التي تربط دول أوروبا في حوض البحر المتوسط، مع دول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي. وعلى الرغم من أن التاريخ الحديث للقناة يبدأ في 30 نوفمبر عام 1854، عندما وقّع حاكم مصر محمد سعيد باشا؛ امتيازاً يمنح السياسي الفرنسي فرديناند ديليسبس؛ إنشاء شركة تشرف على مشروع قناة السويس لربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، إلا أن التاريخ الفعلي للقناة يعود لقرون، إذ تشير بعض المصادر إلى أن فكرة القناة تعود لفرعون مصر سنوسرت الثالث. استمر العمل في القناة أكثر من عشر سنوات، واُفتتحت بشكلها الحالي في 17 نوفمبر 1869. ومنذ افتتاحها أدارت الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شؤون القناة، وتناوب على إدارة الشركة رؤساء فرنسيون. أُسست الشركة بنظام الأسهم بقيمة 200 مليون فرنك (قرابة 8 ملايين جنيه مصري)، وملكت مصر أكثر من نصف أسهم الشركة. ولم يكن للولايات المتحدة دورٌ مباشرٌ في تأسيس القناة، إلا أنها ملكت -إلى جانب دول أخرى منها بريطانيا والنمسا وروسيا- أسهماً في الشركة المشغّلة للقناة. وفي 6 يوليو 1956، أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر؛ تأميم قناة السويس ونقل جميع أصول شركة القناة وحقوقها والتزاماتها إلى الدولة، وتعهّد بتعويض جميع المساهمين وأصحاب الأسهم، ومنذ ذلك الحين عادت ملكية القناة إلى مصر بشكلٍ كامل. على مر السنين، شهدت القناة عمليات صيانة وتوسعة عديدة، كان آخرها عام 2014، ليصل طولها إلى 72 كيلومتراً. وتمر عبر قناة السويس قرابة 10 في المئة من سفن التجارة العالمية، وتعتمد عليها القاهرة لتأمين العملة الأجنبية، إذ بلغت إيراداتها عام 2023 قرابة 9.4 مليار دولار بحسب ما أعلنت إدارة القناة. لكن الحركة التجارية في القناة تراجعت بعد أن بدأت جماعة الحوثيين في اليمن باستهداف السفن التجارية "المرتبطة بإسرائيل" في البحر الأحمر، رداً على الحرب المستمرة في قطاع غزة. وبحسب "بي بي سي"، أثارت تصريحات ترامب حول قناة السويس جدلاً واسعاً، إذ اعتبر خبير القانون الدولي المصري أيمن سلامة؛ في منشورٍ على "فيسبوك"، أن قناة السويس، تخضع لنظام قانوني مصري يستند إلى تشريعات واضحة ولوائح تنظيمية دقيقة تحدّد رسوم المرور وحالات الإعفاء المحدودة، مؤكداً أن مطالبة ترامب باستثناء الولايات المتحدة وحدها من دفع الرسوم تفتقر إلى أي أساسٍ قانوني أو منطقي. فيما أكّد عضو مجلس الشعب المصري مصطفى بكري؛ أن "قناة السويس قناة مصرية خالصة"، وأن "الاعتداء على سيادة الدولة المصرية، هو أمرٌ مرفوضٌ وغير مقبولٍ جملة وتفصيلاً". وخلال الأسابيع الماضية، أعلنت لجنة الشحن البحري الفيدرالية الأمريكية، فتح تحقيقٍ حول "نقاط الاختناق البحرية العالمية"، الذي يشمل قناة السويس. وقالت اللجنة إن الهدف من التحقيق، تقييم "الظروف غير المواتية" للتجارة الأمريكية، التي قد تتسبّب فيها دول أو شركات شحن في الممرات الملاحية. ويرى مراقبون أن هذه التحركات، تشير إلى محاولة ترامب الضغط على الدول المالكة للممرات الملاحية العالمية، بما في ذلك قناة السويس، لتخفيض رسوم المرور للسفن الأمريكية.