
أميركا المتورطة في حرب الشرق الأوسط
أقل ما يمكن أن يوصف به الموقف الأميركي من الحرب المسعورة التي أطلقها الائتلاف اليميني المتطرف في الحكومة الإسرائيلية منذ العام 2023، هو أن أميركا كانت الشريك الثاني في تلك الحرب، رغم أن العالم بأغلبيته الساحقة، يرى في الجانب الأميركي/الإسرائيلي منها الجانب الظالم والعدواني لدرجة ارتكاب جرائم الحرب المدانة وفق القانون الدولي، ولدرجة أن توصف تلك الحرب، خاصة في الفصل الأساسي منها، وهو الحرب على قطاع غزة، بأنها حرب إبادة جماعية، بما يعني أن إسرائيل باتت تصنف كدولة إبادة جماعية.
وأميركا هذه التي كانت ولا تزال الشريك الثاني في الحرب على الشرق الأوسط، وفي أكثر من مكان منه، وعلى أكثر من شعب ودولة، كانت كذلك بمكونيها السياسيين، أي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحتى دون أي تفاوت في درجة الشراكة والتورط بجرائم الحرب، ورغم أن إدارة الديمقراطيين برئاسة جو بايدن، حاولت منذ لحظة توليها المسؤولية أن تبتعد عن الشرق الأوسط إلى مكان آخر، وذلك بإغلاق الثغرة التي تحاول إسرائيل إشعال تلك الحرب منذ سنين من خلالها، نقصد الملف النووي الإيراني، وذلك بالعودة للاتفاق الذي كانت الدولتان: أميركا وإيران قد توصلتا إليه العام 2015، ومن ثم التفرغ لاستنزاف روسيا في أوكرانيا، إلا أن بنيامين نتنياهو، عرف كيف يلوي عنق بايدن، ويجره لجانبه وهو يقود عربة الإبادة طوال أكثر من عام، ولم ينجح بايدن حتى في إقناع أو فرض وقف مؤقت لإطلاق النار، رغم استعانته بمجلس الأمن الدولي.
ولم يختلف الحال مع دونالد ترامب، الذي طالما استهزأ بضعف بايدن، مقابل ما يدعيه من قوة بإطلاقه شعار «أميركا أولاً»، وحاول أمراً مشابهاً، أي أن يغلق نافذة النار تحت الرماد، المتمثلة في الملف النووي الإيراني، وبدا لوهلة أنه متحرر من قبضة التبعية لنتنياهو، حين ذهب للتفاوض الثنائي مع إيران، أي دون الخمسة + 1 المجموعة الدولية التي فاوضت إيران واتفقت معها العام 2015، وكان يكفي ترامب أن يختصر فترة وتعقيدات التفاوض بأن يبدأها بهدف العودة لاتفاق 2015، لكن عقدته المسماة باراك أوباما حالت دون ذلك بالطبع، إضافة للوهم بقدرته على إقناع نتنياهو بأنه يسعى لاتفاق أفضل من اتفاق أوباما، وحتى وهو يحاول أن يجعل من تهديدات نتنياهو لإيران ورقة ضغط تفاوضية عليها، لم ينجح في كبح جماح نتنياهو، أما إطلاق إسرائيل للفصل الأخير من الحرب على الشرق الأوسط بهدف إخضاعه كله لنظامها الإقليمي، فقد أكد أن العلاقة بين إسرائيل وأميركا متداخلة، وأن إسرائيل في عهدي بايدن وترامب هي من تجر أميركا وفق إرادتها.
وقد أكدت الوقائع بالتفصيل الشراكة الأميركية مع إسرائيل في هذه الحرب، لتحقيق أهداف أكبر بكثير من رد الفعل على السابع من أكتوبر - كما أشرنا في أكثر من مقال سابق - وأكبر من إسقاط نظام حكم حماس في غزة، وأبعد كثيراً من منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وقد أفصح نتنياهو وجوقته في الحكومة عن نواياهم أكثر من مرة، بالحديث عن تغيير وجه الشرق الأوسط، وتهجير سكان غزة وضم الضفة، واستباحة لبنان وسورية واليمن، وحتى الأردن والعراق، وصولاً للذهاب إلى إسقاط النظام الإيراني، بتسمية فصل الحرب على إيران بالأسد العائد في إشارة لنظام الشاه محمد رضا بهلوي السابق، وهذا يعد عربدة سياسية لا مثيل لها، وتذكر تماماً بعصور الامبراطوريات القديمة.
بقيت أميركا تمد إسرائيل بالسلاح الفتاك المستخدم لتنفيذ حرب الإبادة في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه كانت تفشل تباعاً مشاريع قرارات مجلس الأمن الداعية لوقف جرائم الحرب، وآخر تلك المواقف المخزية التي تؤكد الشراكة الأميركية الاستعمارية في الشرق الأوسط، هو استخدامها مؤخراً الفيتو ضد مشروع قرار إنساني في غزة، وكانت الوحيدة من بين الأعضاء الخمسة عشر، حيث صوت 14 عضواً مع مشروع القرار، وفقط كانت أميركا الوحيدة ضده!
وفي لبنان كانت شريكة للحرب العدوانية الإسرائيلية من خلال استمرارها بإعادة «تذخير» آلة الحرب الإجرامية، وكذلك استخدام إمكاناتها وقدراتها على التجسس وجمع المعلومات عن الآخرين، وهذه كلها جرائم حرب، حتى تمكن شريكتها الدولة الوحيدة في الكرة الأرضية، التي ما زالت تخوض الحروب منذ نشأتها قبل نحو ثمانين عاماً، وضد كل شعوب ودول الشرق الأوسط، وبالتحديد والوقائع، إسرائيل خاضت حروبها ضد: فلسطين، مصر، الأردن، لبنان، اليمن، العراق، تونس، وإيران بالطبع، وحتى تركيا حيث قتلت مواطنين أتراكاً عبر جنودها أولئك الذين كانوا على متن المركب «مرمرة» يحاولون مد أهل غزة المحاصرين بما يقيم أودهم.
أما في اليمن فقد أرسلت أميركا بوارجها الحربية وحاملات طائراتها لقصف مطار وميناء دولة تدافع عن القانون الدولي، وتحاول أن تضغط على دولة مجرمة تقوم منذ أكثر من عام ونصف العام بارتكاب جرائم الحرب، ومنذ ثمانين عاماً بتجاوز القانون الدولي، كل يوم، ولعل استمرارها في احتلال ما تبقى من أرض دولة فلسطين منذ العام 1967، يؤكد تماماً، أن إسرائيل دولة مارقة في نظر القانون الدولي، وأن كل دول العالم مطالبة بمعاقبتها والضغط عليها للامتثال للإرادة الدولية وللقانون الدولي، بدءا من إنهاء احتلالها، وحتى التوقف عن تهديد جيرانها الأقرب والأبعد على حد سواء.
ولن نسرد تفاصيل أخرى عديدة تؤكد أن أميركا، الدولة العظمى، بل قائد النظام الدولي منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ترتكب جرائم الحرب في الشرق الأوسط بالذات، وغالباً نزولاً عند رغبة إسرائيل، وقد فعلت هذا في العراق من قبل، وها هي تفعله في أكثر من مكان منذ العام 2023، وحتى الآن، ورغم أن ترامب ادعى أنه رجل سلام جاء لتبريد مناطق التوتر، ولعقد الصفقات السياسية، لكنه بقي مخلصاً للنزعة الأميركية الخاصة بالهيمنة والسيطرة على كل العالم، فأميركا تفهم قيادتها للنظام العالمي على أنها قيادة مستبدة وأحادية، لا تتساوى فيها الشعوب والدول، وهي في نفس الوقت الذي حاربت فيه روسيا في أوكرانيا، وفي نفس الوقت الذي ما زالت تحارب فيه إلى جانب إسرائيل كل الجبهات التي تقاوم الاحتلال والعدوانية الإسرائيلية في الشرق الأوسط تسعى لتأكيد نظامها العالمي، مترافقاً مع إقامة نظام إقليمي شرق أوسطي إسرائيلي.
وآخر تغريدات ترامب كانت مطالبة إيران بالاستسلام بلا شروط، وكان قد اعتبر شن نتنياهو للحرب على إيران قبل أسبوع، بالممتاز، وهذا لا يعني أنه شريك وحسب، بل يؤكد فجاجته، وأميركا تبرر حرق إيران وتدميرها، على شاكلة غزة، وإسقاط نظامها، بسبب سعيها لامتلاك الطاقة النووية لأهداف سلمية، في حين أن إسرائيل من حقها أن تمتلك عشرات القنابل النووية دون أن تخضع للرقابة الدولية.
إن انخراط أميركا في الحرب الإسرائيلية على الشرق الأوسط، لا يعزز مكانتها الدولية كقائد للنظام العالمي، وهي وجدت نفسها ليست وحيدة حتى دون بريطانيا في مجلس الأمن، بل تجلس مع نحو عشر دول هامشية في الجمعية العامة مقابل أكثر من 150 دولة !
أما تهديد ترامب بالانخراط الصريح في الحرب ضد إيران إلى جانب إسرائيل، فليس معناه فقط تزويد إسرائيل بالقنابل القادرة على اختراق محطات التخصيب خاصة في فوردو، ولكنه يعني أحد أمرين كلاهما يدخل في باب الشراكة في الحرب، فإما أن يكون ذلك من قبيل التهديد، كما فعل مع زيلنسكي ومع بنما وكندا، من قبل، حتى ترفع إيران الراية البيضاء، فيسجل لنفسه النصر، فلربما ساعده ذلك بالحصول على نوبل، أو حتى فتح الباب لتعديل الدستور ليبقى في البيت الأبيض ما تبقى له من سنوات عمره، أو لأنه متأكد كما جميع المتابعين من عجز إسرائيل عن اختراق التحصينات خاصة في فوردو، وهي بحاجة للقنابل الأميركية الضخمة من أجل تحقيق ذلك الهدف، أما إيران فيمكنها خلال أيام أن تعلن عن إجراء تجارب نووية وينتهي الأمر بإعلانها دولة نووية، وتحقيق الردع التام لإسرائيل، لهذا فقد يكون تهديد ترامب جدياً، كما ظهر من خلال قيامه بخديعة إيران بالتفاوض، ومن ثم السماح لنتنياهو بتنفيذ الضربات المعد لها منذ 8 شهور، وإذا كان ترامب قدم في التفاوض مقترح الاستسلام، فإن توافقه مع نتنياهو على إخضاع إيران بالتفاوض مع الحرب، يهدف إلى أن يقطع الطريق على حرب استنزاف لإسرائيل أو أنه يسارع لإنقاذها من الهزيمة، كما فعلت أميركا في حرب 73.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ 5 ساعات
- جريدة الايام
من العد التنازلي إلى الانفجار: هل أخطؤوا الحساب؟ (1 من 2)
لم يكن الهجوم الإسرائيلي على إيران يوم الجمعة الماضي مفاجئاً، لأن العقبات التي منعت هذا الهجوم، كما أوضحنا هنا، سابقاً لم تعد قائمة. حلفاء إيران في المنطقة أصبحوا أضعف من أي وقت مضى منذ عقدين من الزمان. إسرائيل أصبحت تمتلك منذ العام 2012 الإمكانيات اللوجستية التي تمكنها من قصف المنشآت النووية الإيرانية. وهي، الآن لديها رئيس في البيت الأبيض جاهز لأن يعطيها ما تريد، مثلما فعل تماماً في ولايته الأولى. بالإضافة لكل ذلك، هنالك ثلاثة عوامل مهمة دفعت باتجاه الهجوم على إيران: أولاً، إدراك إسرائيل أنه بدون إضعاف إيران الى الحد الأقصى فإن الأخيرة يمكنها إعادة إحياء محور المقاومة وبناء قدراته مُجدداً وإعادة إسرائيل الى مربع ما قبل السابع من أكتوبر. ثانياً، رغبة نتنياهو العارمة في ترميم صورته الشخصية، فهو لا يريد أن يغادر منصبه وفي تاريخه الهزيمة الأكبر التي لحقت بإسرائيل يوم السابع من أكتوبر، ولكن وفي تاريخه أهم إنجاز يُمكن أن يسجل لمسؤول إسرائيلي وهو القضاء على البرنامج النووي الإيراني. ثالثاً، رغبة إسرائيل في السيطرة المطلقة على كامل الشرق الأوسط لتنفيذ مشروعها «السلام عبر الإخضاع». بمعنى: سنأخذ وسنفعل ما نريد في الشرق الأوسط ولن يكون بإمكان أي جهة فيه أن تقول لا، وهذا لا يمكن أن يتم بوجود القوة الإيرانية. الآن وقد وقع الهجوم بالفعل على إيران، من المهم الإقرار بتورط الولايات المتحدة فيه بثلاث طرق رئيسية: لقد شاركت الولايات المتحدة في عملية التخطيط والتمويه للهجوم؛ لقد قدمت لإسرائيل كل الدعم اللوجستي لتنفيذه؛ وهي الآن تدافع بنشاط عن إسرائيل في مواجهة الرد الإيراني. ومع ذلك، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن إسرائيل على الأرجح لن تحقق أهدافها في تدمير البرنامج النووي الإيراني أو مخزوناته من الصواريخ أو البنية التحتية التي تدعمها، فضلاً عن قدرتها على قلب الشعب الإيراني ضد حكومته. فمنذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أتيح لإيران أكثر من عقدين من الزمان للاستعداد لهجوم أميركي ولاحقاً لهجوم إسرائيلي، وقد قامت بتعزيز وتحصين قدراتها النووية والصاروخية بشكل كبير. لقد تحوّلت النشوة التي شعرت بها إسرائيل بعد اغتيالها لكبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين يوم 13 حزيران إلى خيبة أمل كبيرة بعد الرد الانتقامي الإيراني الذي أدخل كامل الإسرائيليين الى الملاجئ، والذي أحدث دماراً هائلاً في أحياء عديدة في إسرائيل، وبعد أن تبين دقة الصواريخ الإيرانية في استهدافها لمواقع عسكرية وعلمية وبنى تحتية. إن منع إسرائيل في اليوم الرابع من الحرب من نشر أي صور أو فيديوهات عن الأماكن التي تستهدفها الصواريخ الإيرانية يؤكد ذلك. أولئك المطلعون على الشأن الإيراني يدركون عدة حقائق أساسية: أولاً، إيران لن تخضع لإسرائيل أو للولايات المتحدة؛ ولو كانت مستعدة لذلك، لكانت فعلت ذلك منذ زمن طويل بهدف العقوبات الاقتصادية عنها. ثانياً، في حين أن إسرائيل تبدأ بهجوم كاسح لتحقيق نصر سريع وحاسم، فإن إيران تتدرج في التصعيد عمداً ولا تستخدم كامل قدراتها العسكرية. وأخيراً، ستستخدم إيران كل إمكانياتها حتى لا ترضخ للشروط الأميركية والإسرائيلية لإنهاء الحرب، وستسعى الى إنهائها حين تتوافق الظروف على الأرض مع مصالحها الاستراتيجية. إيران الآن أكثر توحداً من السابق في أعقاب العدوان الإسرائيلي عليها (الكثير من قوى المعارضة مثلاً التي كانت تتحدث ضد نظام «الملالي» في إيران تطالب هذا النظام بالرد على إسرائيل الآن)، وهذا التوحد بحد ذاته يعزز تصميمها على مواصلة استراتيجيتها بصبر وثبات. وهذا ليس جديداً على إيران حيث شاهدناه في الحرب العراقية الإيراني التي استمرت ثماني سنوات (كان للعراق اليد الطولى في العامين الأول والثاني من الحرب، لكن الوضع تغير ابتداء من العام الثالث). في المقابل، بدأت إسرائيل بالفعل في طلب المساعدة من الولايات المتحدة، تحت ستار دعوتها لتدمير منشأة فوردو النووية الإيرانية، مدعية أنها قادرة على إخضاع إيران لوحدها بعد ذلك إذا ما تمكنت أميركا من تدميره. لكن هذه الدعوة الإسرائيلية مدروسة وهي تهدف إلى جرّ الولايات المتحدة بشكل مباشر إلى الحرب، إذ تدرك إسرائيل أنها لا تستطيع تحقيق أهدافها بمفردها. لقد فعلت إسرائيل ما بوسعها لإلحاق الضرر بالبنية التحتية العسكرية والنووية الإيرانية في ضربتها الأولى؛ وفي هذه المرحلة، لم يتبق لها سوى تكرار الهجمات على الأهداف نفسها. وإدراكاً لهذه المحدودية، لجأت إسرائيل—كما فعلت وتفعل في غزة—إلى استهداف المدنيين الإيرانيين مثل تدمير الهلال الأحمر والإذاعة والتلفزيون الإيرانيين. إيران قادرة على تحمّل تكتيكات إسرائيل العسكرية بفضل مساحتها الجغرافية الواسعة، وتعدادها السكاني الكبير، ومواردها الغنية، والشعور بضرورة استعادتها لكرامتها الوطنية التي امتهنتها إسرائيل في بداية الحرب من خلال قتل قادتها العسكريين وعلمائها النوويين. لكن السؤال الحقيقي هو: إلى أي مدى تستطيع إسرائيل تحمّل الرد الإيراني؟ إن ضرب البنى التحتية في إيران من المرجح أن تؤدي إلى ردود أقوى من الجانب الايراني. لكن الأهم من كل ذلك، أن إيران قد وصلت الى قناعة أنه لا يُمكنها حماية نفسها من إسرائيل والولايات المتحدة دون أن تتحول الى دولة نووية، وهو على الأغلب ما ستلجأ اليه إيران إن تمكنت من الخروج من هذه المواجهة مع إسرائيل دون أن يتغير نظامها السياسي. باختصار، في الوقت الذي ترغب فيه إسرائيل في حسم المعركة بشكل سريع وستستخدم كامل قدراتها وكافة الوسائل، بما في ذلك ضرب المدنيين والبنى التحتية الإيرانية لإخضاعها ودفعها للموافقة على شروطها لوقف إطلاق النار (إنهاء مشروعها النووي والصاروخي)، فإن إيران عازمة على جر إسرائيل لحرب استنزاف طويلة لا قدرة لجبهتها الداخلية على احتمالها، فالحياة بالكامل معطلة داخل إسرائيل، والضربات الصاروخية الإيرانية ستُحدث فرقاً مهماً في تدمير البنى العسكرية والتحتية الإسرائيلية مع الوقت. لذلك، لا فرصة لإسرائيل في حسم المعركة ضد إيران لصالحها دون مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة في هذه الحرب. الرئيس ترامب، الذي أقنعه نتنياهو بالموافقة على السماح له بمهاجمة إيران بذريعة أن بإمكانها ولوحدها تفكيك البرنامج النووي الإيراني يواجه الآن ضغوطاً شديدة من اللوبي المؤيد لإسرائيل، في حكومته وفي الداخل الأميركي، للتدخل وإنقاذها.


جريدة الايام
منذ 5 ساعات
- جريدة الايام
أميركا المتورطة في حرب الشرق الأوسط
أقل ما يمكن أن يوصف به الموقف الأميركي من الحرب المسعورة التي أطلقها الائتلاف اليميني المتطرف في الحكومة الإسرائيلية منذ العام 2023، هو أن أميركا كانت الشريك الثاني في تلك الحرب، رغم أن العالم بأغلبيته الساحقة، يرى في الجانب الأميركي/الإسرائيلي منها الجانب الظالم والعدواني لدرجة ارتكاب جرائم الحرب المدانة وفق القانون الدولي، ولدرجة أن توصف تلك الحرب، خاصة في الفصل الأساسي منها، وهو الحرب على قطاع غزة، بأنها حرب إبادة جماعية، بما يعني أن إسرائيل باتت تصنف كدولة إبادة جماعية. وأميركا هذه التي كانت ولا تزال الشريك الثاني في الحرب على الشرق الأوسط، وفي أكثر من مكان منه، وعلى أكثر من شعب ودولة، كانت كذلك بمكونيها السياسيين، أي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحتى دون أي تفاوت في درجة الشراكة والتورط بجرائم الحرب، ورغم أن إدارة الديمقراطيين برئاسة جو بايدن، حاولت منذ لحظة توليها المسؤولية أن تبتعد عن الشرق الأوسط إلى مكان آخر، وذلك بإغلاق الثغرة التي تحاول إسرائيل إشعال تلك الحرب منذ سنين من خلالها، نقصد الملف النووي الإيراني، وذلك بالعودة للاتفاق الذي كانت الدولتان: أميركا وإيران قد توصلتا إليه العام 2015، ومن ثم التفرغ لاستنزاف روسيا في أوكرانيا، إلا أن بنيامين نتنياهو، عرف كيف يلوي عنق بايدن، ويجره لجانبه وهو يقود عربة الإبادة طوال أكثر من عام، ولم ينجح بايدن حتى في إقناع أو فرض وقف مؤقت لإطلاق النار، رغم استعانته بمجلس الأمن الدولي. ولم يختلف الحال مع دونالد ترامب، الذي طالما استهزأ بضعف بايدن، مقابل ما يدعيه من قوة بإطلاقه شعار «أميركا أولاً»، وحاول أمراً مشابهاً، أي أن يغلق نافذة النار تحت الرماد، المتمثلة في الملف النووي الإيراني، وبدا لوهلة أنه متحرر من قبضة التبعية لنتنياهو، حين ذهب للتفاوض الثنائي مع إيران، أي دون الخمسة + 1 المجموعة الدولية التي فاوضت إيران واتفقت معها العام 2015، وكان يكفي ترامب أن يختصر فترة وتعقيدات التفاوض بأن يبدأها بهدف العودة لاتفاق 2015، لكن عقدته المسماة باراك أوباما حالت دون ذلك بالطبع، إضافة للوهم بقدرته على إقناع نتنياهو بأنه يسعى لاتفاق أفضل من اتفاق أوباما، وحتى وهو يحاول أن يجعل من تهديدات نتنياهو لإيران ورقة ضغط تفاوضية عليها، لم ينجح في كبح جماح نتنياهو، أما إطلاق إسرائيل للفصل الأخير من الحرب على الشرق الأوسط بهدف إخضاعه كله لنظامها الإقليمي، فقد أكد أن العلاقة بين إسرائيل وأميركا متداخلة، وأن إسرائيل في عهدي بايدن وترامب هي من تجر أميركا وفق إرادتها. وقد أكدت الوقائع بالتفصيل الشراكة الأميركية مع إسرائيل في هذه الحرب، لتحقيق أهداف أكبر بكثير من رد الفعل على السابع من أكتوبر - كما أشرنا في أكثر من مقال سابق - وأكبر من إسقاط نظام حكم حماس في غزة، وأبعد كثيراً من منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وقد أفصح نتنياهو وجوقته في الحكومة عن نواياهم أكثر من مرة، بالحديث عن تغيير وجه الشرق الأوسط، وتهجير سكان غزة وضم الضفة، واستباحة لبنان وسورية واليمن، وحتى الأردن والعراق، وصولاً للذهاب إلى إسقاط النظام الإيراني، بتسمية فصل الحرب على إيران بالأسد العائد في إشارة لنظام الشاه محمد رضا بهلوي السابق، وهذا يعد عربدة سياسية لا مثيل لها، وتذكر تماماً بعصور الامبراطوريات القديمة. بقيت أميركا تمد إسرائيل بالسلاح الفتاك المستخدم لتنفيذ حرب الإبادة في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه كانت تفشل تباعاً مشاريع قرارات مجلس الأمن الداعية لوقف جرائم الحرب، وآخر تلك المواقف المخزية التي تؤكد الشراكة الأميركية الاستعمارية في الشرق الأوسط، هو استخدامها مؤخراً الفيتو ضد مشروع قرار إنساني في غزة، وكانت الوحيدة من بين الأعضاء الخمسة عشر، حيث صوت 14 عضواً مع مشروع القرار، وفقط كانت أميركا الوحيدة ضده! وفي لبنان كانت شريكة للحرب العدوانية الإسرائيلية من خلال استمرارها بإعادة «تذخير» آلة الحرب الإجرامية، وكذلك استخدام إمكاناتها وقدراتها على التجسس وجمع المعلومات عن الآخرين، وهذه كلها جرائم حرب، حتى تمكن شريكتها الدولة الوحيدة في الكرة الأرضية، التي ما زالت تخوض الحروب منذ نشأتها قبل نحو ثمانين عاماً، وضد كل شعوب ودول الشرق الأوسط، وبالتحديد والوقائع، إسرائيل خاضت حروبها ضد: فلسطين، مصر، الأردن، لبنان، اليمن، العراق، تونس، وإيران بالطبع، وحتى تركيا حيث قتلت مواطنين أتراكاً عبر جنودها أولئك الذين كانوا على متن المركب «مرمرة» يحاولون مد أهل غزة المحاصرين بما يقيم أودهم. أما في اليمن فقد أرسلت أميركا بوارجها الحربية وحاملات طائراتها لقصف مطار وميناء دولة تدافع عن القانون الدولي، وتحاول أن تضغط على دولة مجرمة تقوم منذ أكثر من عام ونصف العام بارتكاب جرائم الحرب، ومنذ ثمانين عاماً بتجاوز القانون الدولي، كل يوم، ولعل استمرارها في احتلال ما تبقى من أرض دولة فلسطين منذ العام 1967، يؤكد تماماً، أن إسرائيل دولة مارقة في نظر القانون الدولي، وأن كل دول العالم مطالبة بمعاقبتها والضغط عليها للامتثال للإرادة الدولية وللقانون الدولي، بدءا من إنهاء احتلالها، وحتى التوقف عن تهديد جيرانها الأقرب والأبعد على حد سواء. ولن نسرد تفاصيل أخرى عديدة تؤكد أن أميركا، الدولة العظمى، بل قائد النظام الدولي منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ترتكب جرائم الحرب في الشرق الأوسط بالذات، وغالباً نزولاً عند رغبة إسرائيل، وقد فعلت هذا في العراق من قبل، وها هي تفعله في أكثر من مكان منذ العام 2023، وحتى الآن، ورغم أن ترامب ادعى أنه رجل سلام جاء لتبريد مناطق التوتر، ولعقد الصفقات السياسية، لكنه بقي مخلصاً للنزعة الأميركية الخاصة بالهيمنة والسيطرة على كل العالم، فأميركا تفهم قيادتها للنظام العالمي على أنها قيادة مستبدة وأحادية، لا تتساوى فيها الشعوب والدول، وهي في نفس الوقت الذي حاربت فيه روسيا في أوكرانيا، وفي نفس الوقت الذي ما زالت تحارب فيه إلى جانب إسرائيل كل الجبهات التي تقاوم الاحتلال والعدوانية الإسرائيلية في الشرق الأوسط تسعى لتأكيد نظامها العالمي، مترافقاً مع إقامة نظام إقليمي شرق أوسطي إسرائيلي. وآخر تغريدات ترامب كانت مطالبة إيران بالاستسلام بلا شروط، وكان قد اعتبر شن نتنياهو للحرب على إيران قبل أسبوع، بالممتاز، وهذا لا يعني أنه شريك وحسب، بل يؤكد فجاجته، وأميركا تبرر حرق إيران وتدميرها، على شاكلة غزة، وإسقاط نظامها، بسبب سعيها لامتلاك الطاقة النووية لأهداف سلمية، في حين أن إسرائيل من حقها أن تمتلك عشرات القنابل النووية دون أن تخضع للرقابة الدولية. إن انخراط أميركا في الحرب الإسرائيلية على الشرق الأوسط، لا يعزز مكانتها الدولية كقائد للنظام العالمي، وهي وجدت نفسها ليست وحيدة حتى دون بريطانيا في مجلس الأمن، بل تجلس مع نحو عشر دول هامشية في الجمعية العامة مقابل أكثر من 150 دولة ! أما تهديد ترامب بالانخراط الصريح في الحرب ضد إيران إلى جانب إسرائيل، فليس معناه فقط تزويد إسرائيل بالقنابل القادرة على اختراق محطات التخصيب خاصة في فوردو، ولكنه يعني أحد أمرين كلاهما يدخل في باب الشراكة في الحرب، فإما أن يكون ذلك من قبيل التهديد، كما فعل مع زيلنسكي ومع بنما وكندا، من قبل، حتى ترفع إيران الراية البيضاء، فيسجل لنفسه النصر، فلربما ساعده ذلك بالحصول على نوبل، أو حتى فتح الباب لتعديل الدستور ليبقى في البيت الأبيض ما تبقى له من سنوات عمره، أو لأنه متأكد كما جميع المتابعين من عجز إسرائيل عن اختراق التحصينات خاصة في فوردو، وهي بحاجة للقنابل الأميركية الضخمة من أجل تحقيق ذلك الهدف، أما إيران فيمكنها خلال أيام أن تعلن عن إجراء تجارب نووية وينتهي الأمر بإعلانها دولة نووية، وتحقيق الردع التام لإسرائيل، لهذا فقد يكون تهديد ترامب جدياً، كما ظهر من خلال قيامه بخديعة إيران بالتفاوض، ومن ثم السماح لنتنياهو بتنفيذ الضربات المعد لها منذ 8 شهور، وإذا كان ترامب قدم في التفاوض مقترح الاستسلام، فإن توافقه مع نتنياهو على إخضاع إيران بالتفاوض مع الحرب، يهدف إلى أن يقطع الطريق على حرب استنزاف لإسرائيل أو أنه يسارع لإنقاذها من الهزيمة، كما فعلت أميركا في حرب 73.


جريدة الايام
منذ 5 ساعات
- جريدة الايام
واشنطن من خلف الستار نحو المسرح...!
لم يكن أي من المتابعين يتصور أن تنتهي الحرب التي أطلق السابع من أكتوبر صافرتها دون الوصول لطهران التي اعتبرت منذ اليوم الأول للضربة التي تلقتها إسرائيل أنها ضربة إيرانية. وعلى الهامش أيضاً لا أحد يتصور أن يذهب بنيامين نتنياهو وحزب الليكود للانتخابات دون تحقيق انتصار في إيران يقدمه للجمهور الناخب، فغزة لم تعد مقنعة أو كافية لدعاية سواء لأنها وجهت ضربة لا يمكن للذاكرة الإسرائيلية نسيانها، أو لجهة ضعف الخصم ممثلاً بحركة حماس، أو لجهة تمدد الحرب على مساحة أشهر طويلة تلاشى فيها الاهتمام بالحرب وتناست فيه الإنجازات. وكذلك لا أحد يتصور أن تكون الولايات المتحدة خارج أهم حرب تخوضها إسرائيل منذ أكثر من نصف قرن، بل ولأول مرة تتعرض إسرائيل لهذا القدر من الانكشاف الداخلي والذي يصعب تصور أن تتعايش معه إذا ما استمر طويلاً وتحول إلى حالة استنزاف. فهي تراهن على أسبوع أو أيام لكن ليس طويلاً، ويبدو أنها كانت تراهن على الضربة الأولى لإحداث الشلل أو الانهيار وعدم قدرة طهران على أي رد فعل بشطب كل القيادة العسكرية دفعة واحدة. التقديرات والمؤشرات أن الدخول الأميركي المباشر للحرب سيكون خلال عطلة نهاية الأسبوع، فقد اكتملت التحضيرات التي أدخلت القيادة الأميركية في اجتماعات متواصلة في البيت الأبيض والبنتاغون بعد استعجال الرئيس ترامب للعودة لواشنطن من قمة الدول السبع في كندا ووصول حاملات الطائرات يو اس اس نيميتز ويو اس اس كارل فينسون للمنطقة وستتبعهما الثالثة يو اس اس فورد، وبدء تسلسل الاعترافات من واشنطن بأنها كانت تعلم ثم أنها شريك في القرار ثم تقديم دعم لوجستي مباشر مثل تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود. الإشارة التي نقلها موقع اكسيوس بأن صبر الرئيس ترامب بدأ ينفد تشير للمناخات القائمة في واشنطن التي أكدتها صحيفة وول ستريت جورنال التي ذكرت أن «الرئيس ترامب وافق على خطط الهجوم على إيران لكنه ينتظر قرارها بالتخلي عن برنامجها النووي، أو كما نقلت وسائل إعلام متعددة ينتظر استسلام طهران وهو ما رفضه المرشد الإيراني في خطابه الأول بعد الحرب. الحقيقة التي يمكن فهمها أن واشنطن كانت تثق كثيراً بقدرات إسرائيل وما وفرته لها من إمكانيات هائلة على إنجاز المهمة دون أن تظهر واشنطن في الصورة، أو دون أن تدخل حرباً مختلفاً عليها بين القيادة الأميركية وتتنافى مع شعارات الرئيس ترامب بوقف الحروب والانسحاب منها. ولكن مع الضربات التي تتلقاها إسرائيل وعدم قدرتها على حسم الأمر بمفردها بات يتطلب خروج واشنطن من خلف الستار إلى خشبة مسرح العمليات ودخولاً مباشراً بما كانت تتجنبه وخصوصاً أن أكثر المنشآت النووية خطورة هي منشأة بوردو والتي تحتاج قطعاً إلى التدخل الأميركي وهذا أيضاً ربما لا يكفي ما يستلزم ربما قوات خاصة تدخل المنشأة تفكك أو تفجر فهي تغوص على عمق 800 متر مشكوك حتى بقدرة القنابل الأميركية ذات الثلاثة عشر طناً على النجاح تماماً. إذاً هناك حسابات مختلفة ليس فقط حسابات بوردو والوصول هناك، بل إن الهدف الإسرائيلي هو إسقاط النظام فمن الخطأ الاعتقاد أن القصة تتركز في البرنامج النووي فهذا تم تقييده في اتفاقية 2015 التي حرضت إسرائيل ونتنياهو الرئيس ترامب في ولايته الأولى على الانسحاب منها، أزمة إسرائيل في النظام وفي عقل النظام الإسلامي الذي يرفع شعار الموت لإسرائيل ويقيم محوراً لمواجهتها ويحيطها كما تقول بدائرة النار، صحيح أنها وجهت ضربات مؤلمة للمحور وأذرعته لكن من السهل ترميمه إذا ظل النظام قائماً، هنا معضلة إسرائيل وهنا نافذة الفرص التي فتحت ولن تتكرر، بل إذا ما توقفت الحرب دون إسقاط النظام فإن ذلك يعتبر هزيمة لإسرائيل وهو أمر لن تقبله الولايات المتحدة وترامب شخصياً. لكن إسقاط النظام في طهران لم يتحقق بالضربة الأولى المتقنة كما خططت إسرائيل متزامنة مع تحضيرات داخلية. وبالتجربة التاريخية الحديثة على الأقل فإن إسقاط النظم سواء في العراق أو أفغانستان تتم فقط بالدخول البري واحتلال البلاد وليس بالطيران، وهذه كانت تجارب سيئة للولايات المتحدة فقدت فيها الكثير من المال وأرواح الجنود «أربعة آلاف جندي في العراق و1162 جندياً في أفغانستان» تاركة تلك البلدان مجرد خرابات فشلت فيها حتى بإقامة نظم موالية لها، لا إسرائيل قادرة على ذلك ولا الولايات المتحدة راغبة في ذلك وإن كانت إسرائيل تدفعها بهذا الاتجاه. «اغتيال خامنئي أهم من ضرب منشأة بوردو، رأس الأفعى هو النظام وليس البرنامج النووي» هذا هو بيت قصيد الحرب الذي يعترف به نتان إيشل مدير مكتب نتنياهو السابق والمقرب منه. ومع الحديث الصريح لإسرائيل كاتس باغتيال المرشد توضح إسرائيل أهداف حربها بعد أن اختبأت خلف البرنامج النووي. لكن كيف يتم ذلك، فالضربات من بعيد لا تسقط نظاماً أيديولوجياً صارماً حتى لو اغتالت رأسه، والاحتلال يحمل تبعات وخسائر لا تريد واشنطن تكرارها وربما تكون أكثر كلفة من العراق، وحرب طويلة تستنزف الداخل الإسرائيلي غير مقبولة. القوة الأميركية تسخن محركات صواريخها. الواضح أن دخول واشنطن على خط النار أصبح مؤكداً، لكن غير المؤكد هو شكل النهاية.