logo
خطة أميركية إسرائيلية لتوزيع المساعدات بغزة تثير جدلا واسعا

خطة أميركية إسرائيلية لتوزيع المساعدات بغزة تثير جدلا واسعا

الجزيرةمنذ 8 ساعات

في ظل التدهور المتسارع للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة ، وفي وقت يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني ظروفا كارثية نتيجة الحصار المستمر، ظهرت مؤخرا خطة مثيرة للجدل لتوزيع المساعدات الإنسانية، عبر "مؤسسة المساعدات الإنسانية لغزة" التي أُنشئت مؤخرا بدعم وتنسيق مع شركات أميركية عاملة في مجالي الأمن واللوجستيات.
وتأتي هذه الخطوة بعد 3 أيام فقط من سماح الحكومة الإسرائيلية بإدخال مساعدات محدودة إلى القطاع، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين في غزة، حيث يواجه السكان نقصًا حادًا في الغذاء والمياه والدواء.
وقد أثارت هذه الخطة ردود فعل متباينة عبر منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية، بين التحذير من تحويل المساعدات إلى أداة سياسية وأمنية، وبين الرفض الكامل لأي آلية تتجاوز الأطر الدولية المعتمدة مثل وكالة "الأونروا".
وتهدف "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة إلى بدء العمل في قطاع غزة بحلول نهاية مايو/أيار الجاري للإشراف على خطة إسرائيلية جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية في القطاع الفلسطيني، لكن الأمم المتحدة تقول إن الخطة تفتقر للنزاهة والحياد ولن تشارك فيها.
وتُشير المعطيات إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية – تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إعادة صياغة منهجية العمل الإغاثي بما يتماشى مع أهدافها الأمنية والعسكرية، وذلك في إطار خطتها الأوسع لتقويض الدور الحيوي الذي تقوم به المنظمات الأممية، وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وتعليقا على هذه الخطوة، ذكر رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، أن الخطة الأميركية الإسرائيلية، التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة في غزة إلى شركات دولية، ليست مشروعًا إنسانيًا، بل مناورة مدروسة لإعادة تغليف الحصار، وتقنين التجويع، وتحويل الطعام إلى أداة قهر وخضوع تمهّد لاقتلاع السكان من أرضهم.
بينما رأى مغردون أن الآلية الجديدة لا تهدف فقط إلى السيطرة الأمنية، بل تسعى لإيجاد بديل عن الأونروا، وهو هدف إسرائيلي قديم، مشيرين إلى أن الآلية تمثل بوابة لإدارة جديدة لقطاع غزة، بعيدًا عن الإرادة الوطنية الفلسطينية.
وكتب أحد النشطاء: "الخطة الأميركية لتوزيع المساعدات لا تهدف إلى الإغاثة كما تزعم، بل غايتها الأولى والأخيرة دفع سكان قطاع غزة قسرًا نحو الجنوب بعد فشل محاولات إجبار سكان شمال غزة على النزوح تحت القصف العنيف وتقدم الدبابات".
وأكد مدونون أن الاحتلال يروّج لأرقام مضللة حول كميات المساعدات التي تدخل القطاع، ضمن خطة تهدف إلى كسب الوقت لحين بدء عمل "مؤسسة المساعدات الإنسانية لغزة".
إعلان
وأشاروا إلى أن الاحتلال يسعى لإفشال آلية التوزيع الحالية، من خلال تسهيل سرقة الشاحنات بهدف تبرير ضرورة التحول إلى النموذج الجديد.
كما اعتبر آخرون أن المساعدات تحوّلت إلى عملية أمنية معقدة، يُحاصر فيها الجوعى بجدران ونقاط تفتيش، في ظل تحكم الاحتلال الكامل في الزمان والمكان وحتى لقمة العيش.
في حين رأى نشطاء أن الاحتلال الإسرائيلي يُخطّط لربط تسلّم المساعدات بعملية تسجيل مسبق، يُجبر المواطنون بموجبها على الانتقال إلى مناطق محددة في الجنوب، وقد تُقصر عملية التسجيل لاحقًا على فئات عمرية معينة، لا سيما الشباب، مما يعزز الشكوك بوجود نية مبيّتة تتعلق بعمليات أمنية وتهجير مرحلي قد يُفضي لاحقًا إلى ترحيل واسع خارج غزة.
ودعا ناشطون ومغردون إلى ضرورة رفض الآلية الأميركية الإسرائيلية المقترحة لتوزيع المساعدات، مؤكدين أن الموقف الشعبي وحده غير كافٍ، بل يجب على النظام السياسي الفلسطيني بجميع مكوناته التحرك السريع وتقديم بديل يحترم كرامة الفلسطينيين، مع الضغط الدولي لفتح ممرات إنسانية حقيقية ووقف استخدام "سلاح التجويع" كوسيلة للتهجير والابتزاز السياسي.
ويذكر أن عدة أطراف رفضت التعامل مع الآلية الإسرائيلية المدعومة أميركيا، فقد استبعد المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني نجاح الخطة، وقال "يبدو أن خطة المساعدات الإنسانية الجديدة في غزة وُضعت لهدف عسكري أكثر منه إنساني".
وأوائل أبريل/نيسان الماضي، اقترحت إسرائيل "آلية منظمة للمراقبة ودخول المساعدات" إلى غزة، لكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش سرعان ما رفضها، وقال إنها تهدد "بمزيد من القيود على المساعدات والسيطرة على كل سعرة حرارية وحبة دقيق".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جماعات الهيكل تكثف دعواتها لاقتحام الأقصى غدا والشرطة تَعد بجعلها تجربة ممتعة
جماعات الهيكل تكثف دعواتها لاقتحام الأقصى غدا والشرطة تَعد بجعلها تجربة ممتعة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

جماعات الهيكل تكثف دعواتها لاقتحام الأقصى غدا والشرطة تَعد بجعلها تجربة ممتعة

على بُعد ساعات من انطلاق الاقتحام الجماعي للمسجد الأقصى بمناسبة يوم " توحيد القدس"، لا تزال صفحات جماعات الهيكل المتطرفة ونشطائها تعجّ بالدعوات التي تحث من خلالها المستوطنين على اقتحام المسجد والتلويح بالأعلام الإسرائيلية في ساحاته. ونشرت صفحة منظمة "بيدينو" المتطرفة اليوم تصميما يتضمن صورة قبة الصخرة الذهبية وأمامها علم إسرائيلي كبير وأعلام صغيرة، وكتبت "في يوم تحرير القدس نصعد ونلوح بالعلم في جبل الهيكل"، وأوردت المنظمة في التصميم الأوقات المخصصة لاقتحامات المستوطنين صباحا وبعد الظهر. وتفاخرت المنظمة على صفحتها بموقع فيسبوك بنشر صحيفة "المصدر الأول" الإسرائيلية هذا التصميم على إحدى صفحاتها وكتبت "نراكم غدا مع أعلام إسرائيل على جبل الهيكل". كما نشرت مقطع فيديو من اقتحامات المسجد الأقصى اليوم الأحد، ويَظهر فيه عدد من المقتحمين من فئة الشباب وهم يغنون في طريق خروجهم من المسجد قرب باب السلسلة، وكتبت في تعليقها على هذا المقطع "الصعود والغناء هذا الصباح على جبل الهيكل، الاستعداد لليوم الكبير غدا، يوم القدس! الصلاة من أجل تحرير جبل الهيكل كاملا". الصلاة اليهودية في الأقصى ونشر أحد أبرز نشطاء جماعات الهيكل أساف فريد تصميما يضم صورَ وأسماء 12 حاخاما سيقتحمون الأقصى غدا الاثنين، وأورد الساعات التي سيكون فيها هؤلاء الحاخامات بانتظار المقتحمين، وجاء في التصميم أن صلاة الصباح (شَحَريت) ستقام في فترة الاقتحامات الصباحية، وصلاة بعد الظهر (مِنحاه) ستقام خلال الاقتحامات المسائية، وهما من صلوات اليهود المفروضة في اليوم والليلة. ويأتي تكثيف الحشد بعد يوم واحد على نشر اتحاد منظمات الهيكل مقطعا دعائيا، دعت فيه جمهور تيار الصهيونية الدينية إلى اقتحام الأقصى بكثافة يوم غد الاثنين. وشارك في إطلاق نداء الاقتحام الجماعي 13 حاخاما يشكلون قيادة أبرز مدارس الصهيونية الدينية وأبرز مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس. ووفقا للباحث في شؤون القدس زياد ابحيص فإنه لم يسبق لجماعات الهيكل المتطرفة أن نشرت مثل هذا النوع من التحريض المصور، إذ كانت اقتحامات رمضان تأتي بعد عقد "قمة روحية" لهؤلاء الحاخامات في المسجد الأقصى المبارك لتشجيع أتباعهم، إلا أنها بهذا الإنتاج والتوزيع المسبق تسعى كما يبدو إلى "تحفيز مجموعات جديدة من اليمين وأتباع الصهيونية الدينية للانضمام إلى جمهور المقتحمين للأقصى، وفرض حجم وشكل أكبر من العدوان على الأقصى". الشرطة في خدمة المستوطنين بدورها أطلقت "مدرسة جبل الهيكل الدينية" دعوة عامة لأداء الطقوس التوراتية العلنية داخل الأقصى يوم غد، وأكدت الدعوة على إقامة "صلاة المساء" التوراتية بشكل جماعي في الأقصى، بقيادة حاخام هذه المدرسة "إليشع وولفسون". ونشرت وحدة شرطة "دڤيد" -التي تتخذ من مركز القِشلة في البلدة القديمة مقرا لها والمسؤولة عن منطقة البلدة القديمة، بما فيها المسجد الأقصى- ترتيباتها المتعلقة باقتحامات المسجد في "يوم القدس". وجاء أنه في إطار استعداداتها لهذه المناسبة سيتم تجهيز المنطقة "بقوات معززة للحفاظ على النظام العام"، وأن الشرطة تستعد لإدخال مجموعة من المقتحمين كل 10 دقائق، أي أن 6 مجموعات من المستوطنين ستقتحم الساحات في الساعة الواحدة، وأشارت الشرطة إلى أن هذا الترتيب سيخضع لحركة المجموعات داخل المسجد. ودعت الشرطة المقتحمين للالتزام بتعليماتها فيما يتعلق بأوقات وأماكن "الزيارة" وذلك للسماح للجميع "بالصعود بشكل مريح وآمن، ولجعل تجربة الزيارة ممتعة يجب اتباع تعليمات وإرشادات الشرطة". يذكر أن الإسرائيليين يحتفلون غدا الاثنين الموافق 28 من الشهر الثامن وفق التقويم العبري، بما يعرف "بيوم توحيد القدس"، الذي سيطرت فيه إسرائيل على القدس واحتلت الجزء الشرقي منها أثناء حرب يونيو/حزيران 1967 المعروفة في العالم العربي "بالنكسة".

ما دلالات تزايد كمائن المقاومة قرب المنطقة العازلة بغزة؟
ما دلالات تزايد كمائن المقاومة قرب المنطقة العازلة بغزة؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

ما دلالات تزايد كمائن المقاومة قرب المنطقة العازلة بغزة؟

قال الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن نصب فصائل المقاومة كمائن ناجحة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي وآلياته قرب السياج الفاصل والمنطقة العازلة في قطاع غزة يؤكد جاهزيتها ويدحض مزاعم إسرائيل بالقضاء عليها. وجاء حديث حنا للجزيرة تعليقا على مشاهد بثتها سرايا القدس -الجناح العسكري ل حركة الجهاد الإسلامي – توثق كمينا هندسيا استهدف آليات الاحتلال المتوغلة في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة بتفجير متزامن لقنبلة من مخلفات الاحتلال وعبوة ناسفة من نوع "ثاقب". وبشأن هذه المشاهد، أعرب الخبير العسكري عن قناعته بأن هذا الكمين قرب المنطقة العازلة يأتي ردا على تصريحات مسؤول عسكري إسرائيلي تباهى فيها بتدمير قرابة ألف منزل فلسطيني، مشيرا إلى أنه لم يعد هناك منازل تطل على موقع ناحل عوز العسكري. وشدد حنا على أن الموضوع لم ينتهِ، إذ تعد طريقة القتال وخصائصها مختلفة، و"لم نشهدها في تاريخ الحروب العسكرية". واضطر جيش الاحتلال لاستعمال ذخيرة تعود إلى الخمسينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وفق الخبير العسكري، الذي قدّر وجود 10% من مخلفات الاحتلال لم تنفجر بعد. وبناء على ذلك، فإن هذه المخلفات تأتي إلى المقاومة بدلا أن تصنعها، وتعيد طريقة التعامل معها واستغلالها بأفضل شكل ممكن. وأشار إلى نشاط 5 فرق عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة 3 منها تقاتل فعليا، وهي: 36، 98، 162، مؤكدا أن المعارك -حسب بيانات المقاومة- تقع في المنطقة الأمنية العازلة أو محيطها أو بالقرب منها. وأمس السبت، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) أن الجيش أدخل جميع ألوية المشاة والمدرعات النظامية إلى قطاع غزة. معارك خان يونس واليوم الأحد، أعلنت كتائب القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عن تنفيذ عملية مزدوجة استهدفت قوة من جيش الاحتلال كانت تتحصن داخل منزل في بلدة القرارة شرقي مدينة خان يونس جنوبي القطاع. وتضمنت العملية تفجير المنزل بعدد من العبوات الناسفة الشديدة الانفجار، مما أدى إلى انهياره وسقوط عدد من الجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح. وكما فجر مقاتلو القسام -وفق البيان- عين نفق في مجموعة من الجنود الذين وصلوا إلى المكان، وجرى اشتباك مباشر معهم باستخدام الأسلحة الخفيفة. وبشأن المعارك في هذه المنطقة، قال الخبير العسكري إن لواء خان يونس في كتائب القسام لا يزال يقاتل ويعتبر مركز ثقل أساسيا، في حين تسعى إسرائيل لتأمين المنطقة بين محوري موراغ و فيلادلفيا باعتبارها عنوان المرحلة المقبلة. ووفق حنا، فإن جيش الاحتلال يريد السيطرة على هذه المنطقة وتهجير الغزيين إليها تحت ذريعة توزيع المساعدات الإنسانية. بدوره، قال رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير اليوم الأحد إن حرب غزة طويلة ومتعددة الجبهات، وتعهد بـ"حسم المعركة مع لواء خان يونس كما فعلنا في رفح". وفي هذا الإطار، قال حنا إن زامير اقترح على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدخول إلى قطاع غزة عبر عملية " عربات غدعون"، ويرتكز في ذلك على الدبابات والآليات العسكرية ضمن فترة تقدر بـ3 أشهر. وعقب ذلك، فإن جيش الاحتلال يحتاج 9 أشهر لتنظيف المنطقة وتنفيذ ما قرره نتنياهو قبل أيام بضرورة أن تكون غزة خالية من السلاح، وخروج قيادات المقاومة منها، وتدمير البنية التحتية العسكرية. ديفيد زيني ، خلافا لزامير الذي قال إن "هذه الحرب ليست بلا نهاية، وسنعمل على تقصيرها".

أطفال غزة في مواجهة آلة الموت
أطفال غزة في مواجهة آلة الموت

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

أطفال غزة في مواجهة آلة الموت

نهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام 2023، أبادت الطائرات الحربية لـ"إسرائيل" مربعًا سكنيًّا في النصيرات، واستُشهد عشرات الفلسطينيين، ومن ضمنهم والد ووالدة وأخو الطفلة ذات السنوات الست، دانا سمور، وقدّر الله لها أن تحيا رغم أن قوة الانفجار قد ألقتها من علو، وسقطت في طرف آخر من المبنى. أكثر من 17 ألف طفل ارتقوا شهداء منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تُكتب أسماؤهم بأحرف دامية في سجلات الأمم المتحدة، بينما تقرؤها أمهاتهم على شواهد القبور عقب التهدئة الأخيرة عادت دانا رفقة جدتها وأقاربها إلى مدينة غزة، ثم مع اشتداد القصف والتهديدات المتصاعدة ارتأت الجدة اصطحاب أحفادها إلى المنطقة الوسطى، إلا أن غارة إسرائيلية عاجلتهم في المنطقة الوسطى لتقتل الجدة وأربعة من أحفادها، وتُبقي دانا تُصارع الموت في العناية المركزة. حال دانا كحال جميع أطفال غزة؛ ففي غزة لا يولد الطفل ليعيش، بل يولد في طابور الانتظار على أبواب الشهادة.. بين أول صرخة وأول قذيفة، لا وقت للطفولة، ولا متّسع للأحلام. وفي هذا المكان المُتخلّى عنه عمدًا، تجتمع كل عناصر الجريمة: الحصار، والقصف، والجوع، والخذلان.. جريمة لا تكتفي بقتل الأجساد، بل تُمعن في اغتيال البراءة، وتدمير البنى النفسية والإنسانية لأجيال لم تُعطَ حتى فرصة البكاء. ‎أكثر من 17 ألف طفل ارتقوا شهداء منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تُكتب أسماؤهم بأحرف دامية في سجلات الأمم المتحدة، بينما تقرؤها أمهاتهم على شواهد القبور.. ماتوا في أحضان أمهاتهم، تحت أنقاض مدارسهم، وفي مستشفيات بلا دواء. أما من بقي حيًّا، فهو على قوائم الموت القادم مع حمم الطائرات الإسرائيلية: 4 آلاف رضيع يواجهون خطر الموت جوعًا، بلا حليب، بلا ماء، بلا أفق. ‎هذه ليست مجرد أرقام، بل هي أجساد غضّة تُحمَل كل صباح على أكتاف صغيرة، لتُدفن على عجل قبل أن تأكلها الكلاب الضالة والقطط الجائعة.. ‎نصّت المادة (24) من اتفاقية حقوق الطفل (1989) على "حق الطفل في التمتع بأعلى مستوى من الصحة"، والمادة (6) على "حقه الأصيل في الحياة"، بينما أكدت اتفاقية جنيف الرابعة (1949) على حماية الأطفال خلال النزاعات المسلحة.. لكن في غزة، تُنتهك هذه المواد ليس بالخطأ، بل عن عَمد وإصرار، ورغبة في محو جيل والقضاء على عرف. الحصار يُستخدم كسلاح إبادة، والمساعدات تُعاق، والمستشفيات تُقصف، والمدارس تُستهدف.. والنتيجة: جريمة موصوفة بكل المعايير القانونية، مكتملة الأركان، تحت سمع وبصر العالم! أين المحكمة الجنائية الدولية؟ أين مجلس الأمن؟ أين الشعارات التي وُلدت من رحم الإنسانية؟ كلها تقف عاجزة أمام آلة القتل والدمار الإسرائيلية، دون إرادة حقيقية لوقف المجازر اليومية. معابر غزة تحولت من بوابات الحياة إلى مشانق جماعية؛ فالمعبر ليس مجرد حاجز حدودي، بل هو رمز للخذلان المتكرر؛ يُفتح ويُغلَق وفق المزاج، لا وفق صراخ الأطفال. وفي ظل التجاذبات الدولية والإقليمية، يُترك 2.2 مليون إنسان -أكثر من نصفهم أطفال- محاصرين خلف جدار الموت. ‎المواد الإغاثية ممنوعة، الوقود نادر، والدخول مشروط بالتواطؤ.. كل هذا يحدث بينما تشير المادة (55) من اتفاقيات جنيف إلى التزام القوة المحتلة بضمان الغذاء والدواء للسكان.. لكن غزة ليست بندًا قانونيًّا فقط، بل هي سؤال أخلاقي يتردد صداه في ضمير الإنسانية: كيف تُجوَّع الطفولة أمام الكاميرات؟ لقد سقطت الإنسانية والعدالة الدولية في امتحان غزة؛ فالتجويع في غزة ليس نتيجة نقص الموارد، بل نتيجة تعمد منعها! صور الأطفال الذين يُغسَلون بالماء المالح، والرُضّع الذين تُخفّف لهم الأمهات الحليب بالماء، والأطفال الذين يموتون في الحضانات بسبب انقطاع الكهرباء، ليست مشاهد عابرة، بل شواهد على جريمة إبادة بطيئة. وفق المادتين (7) و(8) من نظام روما الأساسي: التجويع المتعمد للسكان المدنيين، وحرمانهم من الوصول إلى الغذاء والدواء، يُعد جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب.. فكم جريمة يجب أن تُرتكب، قبل أن يتحرك المدّعون الدوليون؟ إعلان العالم لا يجهل ما يحدث، بل يراه، ويُشاهده، ويقرؤه.. ويختار الصمت! هذا الصمت ليس نابعًا من العجز، بل من التواطؤ.. إنه خيانة مكتملة، تُرتكب بربطة عنق، وبيان صحفي، ومصافحة على هامش مؤتمر. ‎العواصم تُضاء بألوان قوس قزح، والشوارع تمتلئ بزينة الأعياد، بينما أطفال غزة يُدفنون في أكياس بلاستيكية، بلا كفن، بلا نعش، بلا وداع. أطفال غزة لا يريدون شفقة، بل عدالة.. لا يحتاجون بيانات، بل مواقف.. لا ينتظرون مساعدات مؤقتة، بل رفع الحصار الكامل، والمحاسبة، والإنصاف ما يجري اليوم في غزة ليس عدوانًا فقط، بل هو مشروع ممنهج لتحطيم المجتمع من جذوره، عبر قتل روحه: أطفاله. ‎لن يغفر التاريخ لأولئك الذين صمتوا، ولعلّ أولئك الذين ينامون على وسائد ناعمة، يتذكرون أن في غزة طفلًا جائعًا يبكي دون أن يسمعه أحد، وأن هناك أمًّا تُرضع الخوف، وأبًا يكتب اسم ابنه على صخرة بدل شهادة ميلاد. ‎لقد تم توثيق الجريمة، وتم تحديد الضحية، وتم التعرف على الجلاد. وما تبقى من هذا العالم، إن لم يتحرك الآن، فإن صمته سيكون بحجم الجريمة نفسها. ‎أطفال غزة لا يريدون شفقة، بل عدالة.. لا يحتاجون بيانات، بل مواقف.. لا ينتظرون مساعدات مؤقتة، بل رفع الحصار الكامل، والمحاسبة، والإنصاف. وإلى أن يحدث ذلك، سيظل الطفل الغزّي، بابتسامته الضعيفة، ودموع أمه، وسجادة الصلاة تحت ركام المنزل، هو المُرافِع الأصدق أمام محكمة التاريخ.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store