
صمت العرب وصرخ الأردن: غزة الجائعة وضمير الأمة العربيه الغائب المستتر
جو 24 :
غزة الجريحة، تلك البقعة الصغيرة على خريطة العالم، تحترق تحت وطأة القصف والدمار، وتئن تحت الحصار والجوع، بينما الضمير العربي قد توارى واختفى، وكأن ما يحدث هناك يجري على كوكب آخر لا يمتُّ للعرب ولا للإنسانية بصلة. في غزة، لا تُقصف الأحجار فحسب، بل يُذبح الإنسان من الوريد إلى الوريد، يُحاصر الرضيع في حضن أمه، ويموت الطفل عطشًا قبل أن يُسعف، وبين كل هذا الألم، لا نسمع سوى صمت عربي مريب، صمت لا يمكن تفسيره إلا على أنه تواطؤ صريح أو عجز مخزٍ لا يغتفر.
في الوقت الذي تُذبح فيه غزة، تمتلئ بطون المترفين في العواصم العربية بألوان الطعام، وتُفرش الموائد في القصور الفاخرة، بينما أمعاء أطفال غزة تتلوى من الجوع، وتُسكب دموع أمهاتهم على رغيف خبز مفقود، أو زجاجة ماء ملوثة لا تكفي لإنقاذ ما تبقى من طفولة. القادة العرب والمسلمين لا يحرّكون ساكنًا، لا يفتحون معبرًا، لا يرسلون قافلة، لا يجرؤون حتى على الشجب الحقيقي، بل يتفنّنون في اختيار كلماتهم كي لا تُغضب واشنطن، أو تزعج حلفاءهم في تل أبيب.
لم يعد السكوت مجرد تقصير، بل بات مشاركة في الجريمة. من يغلق أبواب النجدة في وجه غزة، لا يختلف عمّن أطلق القذيفة. ومن يمنع دخول الدواء، هو ذاته من ساهم في سقوط الجرحى. ومن يبرّر القتل تحت عباءة السلام، هو شريك في المجازر وإنْ لبس ربطة العنق وتحدث بلغة دبلوماسية باردة لا تعرف الحياء.
الأنظمة العربية والإسلامية اليوم أثبتت أنها ليست في خندق القضية، ولا في صفّ المقاومة، بل في وادٍ سحيق لا يسمع صرخات النساء، ولا يلتفت إلى دماء الأطفال. هي أنظمة تحترف القمع حين يتعلق الأمر بشعوبها، لكنها لا تحرّك ساكنًا أمام آلة الحرب الصهيونية. في شوارع العرب والمسلمين ، الشعوب تصرخ، تتظاهر، تبكي، تتبرع، تنشر، تحاول أن تُنقذ ما تستطيع، بينما الأنظمة تستدعي الأمن، وتغلق المنابر، وتكتم الصوت، وتحظر الكلمة.
غزة لا تحتاج إلى عواصم عاجزة، ولا إلى قمم عاجلة تُعقد لتغطية العار، بل تحتاج إلى موقف، إلى فعل، إلى وقفة صادقة من شرفاء الأمة. وإن كانت النساء في غزة هن من يُقدن الصمود، ويحملن الحجارة، وينقذن الأطفال من تحت الأنقاض، فأين هم الرجال؟ أين من كنا نعتقد أنهم زعماء؟ لقد باتت المرأة الفلسطينية أشجع من ألف زعيم، وأصدق من ألف بيان، وأطهر من ألف خرقة ترفع في مؤتمرات الكذب والنفاق.
سيُسأَل هؤلاء يومًا، أمام الله، أمام شعوبهم، أمام التاريخ. ماذا فعلتم حين كانت غزة تنزف؟ بأي وجه ستقابلون أبناءكم حين يكبرون ويسألونكم: لماذا سكتّم؟ بأي منطق تبرّرون هذا العجز، وهذه الخيانة، وهذا التهافت على التطبيع في وقت كانت فيه غزه تستصرخكم؟
في لحظةٍ عزّ فيها الفعل العربي والإسلامي ، جاء الأردن ليؤكد مجددًا أن الشهامة ليست شعارًا، بل التزام وعمل. فقد كسر الأردن، اليوم، الحصار الإسرائيلي وأدخل شاحنات الطحين إلى غزة الجائعة، في خطوة جريئة تعبّر عن إنسانية الموقف وصلابة الإرادة. هذا التحرك ليس غريبًا على المملكة الهاشمية، التي لطالما كانت في طليعة من يقف مع فلسطين قولًا وفعلاً. شكرًا للأردن، شكرًا لجلالة الملك عبدالله الثاني الذي يقود هذا النهج النبيل، وشكرًا لشعب أردني لا يتردد في التضحية من أجل قضيته المركزية. هكذا تُكتب المواقف المشرفة، وهكذا تبقى غزة حيّة رغم أنف الحصار.
غزة ستبقى، والمحتل إلى زوال، أما أنتم، يا من خذلتم الأمة، فسيطاردكم العار ما حييتُم، وستسقطون من ذاكرة الشرفاء كما يسقط ورق الخريف اليابس. الأمل ليس فيكم، بل في شعوب ما زالت تنبض بالحياة، في أم تبكي وتدعو، في شاب ينشر الحقيقة، في طفل يرسم فلسطين على جدار مدرسته، في أناسٍ لا يملكون السلطة، لكنهم يملكون الضمير.
وإن كان بعض الحكام قد لبسوا ثياب الذل، وسجدوا على أعتاب القتلة، فالشعوب لم تنسَ، ولن تنسى، ولن تسامح. غزة لا تُقايض، ولا تُباع، ولا تُترك وحيدة. من لا يعرف قدرها، فليس من هذه الأمة. ومن لا يتحرّك لأجلها، فقد باع آخر ما تبقى من كرامته.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة تحت الحصار، بل هي مقياس الرجولة، ميزان الكرامة، اختبار الضمير. وستبقى، بصمودها، تفضح الأقنعة وتسقط الزيف وتكتب للتاريخ: من خان، ومن تواطأ، ومن وقف على الحياد فكان في خانة الجبناء.
تابعو الأردن 24 على

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ 2 ساعات
- الغد
إيران: فشل المفاوضات وتفعيل ما تبقى من الجبهات
اضافة اعلان تشير تطورات المشهد الإقليمي إلى احتمالية دخول المنطقة في مرحلة تصعيدية جديدة، عنوانها الأبرز تعثّر عودة إيران إلى المفاوضات وفقاً للشروط الأميركية، والتهديد الأميركي المتزايد بتقديم الدعم النوعي لإسرائيل في إطار جولة المواجهة القادمة مع طهران.تعثّرت المفاوضات المتعلقة بالهدنة في غزة، وتبنّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف لهجة تلويم حادّة تطال حماس بسبب إفشالها المستمر للصفقة، وهو ما يمكن تفسيره إسرائيلياً على الأرض بعمليات نوعية وتعزيز لفكرة تفريغ غزة ديموغرافيا، وهي الفكرة التي ستعمل عليها حكومة نتنياهو بشكل أكبر في المرحلة القادمة. ويتوافق هذا التصعيد أيضاً مع الخطوات التي تعمل إسرائيل عليها في الضفة الغربية في إطار سعيها لضم أراضٍ واسعة وخلق واقع جديد.من هنا، يمكن رصد أيضاً ردّة فعل وزير المالية سموتريتش على تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، حيث كان ردّه بالإعلان ضمنيا عن أراضٍ في الضفة الغربية، وهو ما قد يدفع هذه الحكومة الإسرائيلية إلى تسريع هذه الخطوة، مستفيدين أيضاً من موقف الرئيس ترامب، الذي أشار إلى كلام ماكرون بوصفه عديم القيمة والأثر، حيث صرح ترامب قائلاً عن ماكرون قائلاً: "ما يقوله لا يهم."على الصعيد اللبناني، لا توحي الرسائل القادمة من حزب الله بامتثال الحزب للشروط الأميركية، كما أن تسليم سلاح الحزب لا يبدو أمرًا ممكنًا بسهولة، وهو ما يفتح المشهد اللبناني على سيناريو التصعيد، خصوصاً مع استمرار إسرائيل في تنفيذ عمليات متكرّرة تستهدف ترسانة حزب الله وعناصره. ويواكب هذا التصعيد الإسرائيلي، الذي يجعل المشهد اللبناني مفتوحا على احتمالية التدهور الأمني، سعي أميركي دبلوماسي مباشر لتعديل مهام قوات اليونيفيل وتحويلها إلى قوات فرض سلام، مما يعني دورًا أكبر على الأرض واحتمالية مواجهة ميدانية مع حزب الله.أما الجبهة السورية، التي كان عنوانها الأبرز في الأسابيع الماضية "مواجهات السويداء"، فإن الدخول الإسرائيلي على خط المواجهة المباشرة ناتج أيضاً عن قلق حقيقي من تحويل المناطق المحاذية للجولان إلى مناطق فوضى يمكن استغلالها لخلق حالة من الانفلات الأمني تستثمر في استهداف الداخل الإسرائيلي. وتخشى إسرائيل من أن يشكّل هذا الوضع المناخ الأمثل لعودة إيران ووكلائها إلى النشاط الفعلي ضدها.أما جبهة اليمن، فهي الجبهة التي لم تهدأ، والتي أبقت على حالة استهداف إسرائيل بالصواريخ، حتى وإن لم تؤدِّ هذه الاستهدافات إلى أضرار كبيرة، فإنها ما تزال تشكّل تهديداً حقيقياً بالنسبة لإسرائيل، خصوصاً وأن هذه الجبهة هي الأكثر صعوبة حتى الآن، والأقل اختراقاً على المستوى الاستخباري، مما يعكس استعصاءً استخبارياً واضحاً – على الأقل في المرحلة الحالية، مما يجعلها الجبهة الأمثل بالنسبة لإيران للإبقاء على مناخ التهديد قائماً، ويمنح إيران القدرة على الحفاظ على جزء من توازن الردع، لا سيما بعد انتقال إسرائيل للعمل المباشر داخل إيران أثناء حرب الأيام الـ12 أو بعدها.وفي ظل تعثّر إنجاز أي من الملفات العالقة على كافة الجبهات، من غزة إلى لبنان، اليمن وإيران، فإن المنطق الإيراني لا بد أن يتجه نحو تخفيض الضغوط باستخدام آخر ما تبقّى من أوراق، في ظل تعثّر الحلول وتعطّل التسويات الدبلوماسية. فالجبهات التي كانت تسعى إيران من خلالها لتهديد إسرائيل تم احتواؤها إلى حدّ كبير، والسعي الإيراني لفرض المواجهة على إسرائيل من حدودها أو من داخلها، كما جرى في السابع من أكتوبر، لم يعد خياراً قائماً. بل إن إسرائيل قلبت المعادلة بفرض المواجهة على إيران داخل أراضيها، وبالتالي فإن تخفيف الضغوط على إيران اليوم قد يتم عبر سعيها للاستفادة ممّا تبقى من قدرات لوكلائها، وتفعيل عوامل الخطر المحيطة بإسرائيل من الجبهات القريبة، أو حتى عبر التطورات في القدرات الصاروخية القادمة من اليمن. إن تفعيل إيران لما تبقّى من جبهات يأتي في إطار الاستفادة من حالة الضغط الحالي في أي مفاوضات مقبلة.


أخبارنا
منذ 5 ساعات
- أخبارنا
د. طلال طلب الشرفات يكتب : عبد الرَّزاق طبيشات؛ عندما ترْثي إربد عُْْمْدَتِها
أخبارنا : عبدُ الرَّزاق طبيشات الإربدي الحوراني العتيق؛ غادر الدُّنيا بسيرة وسريرة تُعانق طهر القمح، وقدَّم للوطن وإربد رحيق الشَّهد من عرق الجبين، ورقيق الودِّ لكلِّ من عرفه وشاركه في السِّياسة والعمل وأريحية الأمس حيث المضافات التي تناقش كل شأن، والفضاءات التي تُحاكي كلّ الحكايا وأنس القرايا؛ يوم كان الوجع الأردني يستظل دوماً في فناء البنادق والبيارق، والدُّموع الإربديّة التي انهمرت على غدر وصفي هي ذاتها التي ذُرِفَت في حسبان ومأدبا وقلاع الجنوب وذوات "المدارق" في البادية. نرثي "القامة المؤدب" بكل أحرف الوجع، ومعاني الورع في رحيله المهيب عن فناء الدُّنيا إلى سعة الآخرة وما هان أو خان أو استمرأ فلساً من مال الشَّعب؛ تقيّاً نقيّاً زاهداً عن التَّرف دون أن يزهد عن خدمة الناس، نرثي "أبا محمد" وقد عرفناه وطنيّاً صلباً، طيب المعشر، وكريم الخلق يقسو على نفسه؛ كي لا يرى ضيقاً في جليسة؛ ممسكاً بخدمة الوطن والعرش بالنَّصيحة والرأي والعمل حتى أيامه الأخيرة. أنا من جيل وفئة الفقراء الذين كانوا يعانقون التُّراب كل يوم لعباً وقتلاً للوقت؛ كي نكبر ونُثمر، وأنا من أولئك الذين كان يفجّر طفولتهم الفرح إذا جاءهم جندي عائد من معسكره، أو موظف عائد من عمله ويجود عليهم بقرش ليتسابقون صوب شراء الحلو؛ كي يعوّض بعض طاقة لهوهم، وطبيشات كان من أولئك الذي ينحاز للطفولة بعطاء مددج بالرَّحمة؛ قال أحدهم بل ربما أكثر عن النبيل " أبا محمد" في هذا الشأن ففاضت الدمعة؛ لم أعرفه في طفولتي ولكني في مطلع شبابي حظيت منه بأرقى مشاعر الرِّعاية والإسناد "رحمه الله". عبد الرَّزاق طبيشات الطبيب الورع اختار النَّزاهة والاستقامة والجسارة والإقدام والتَّواضع نهجاً فأكرمه الله بمحبة النَّاس وامتنانهم وتقديريهم، كان وفيّاً لإربد درّة حوران فأختاروه عمدة لها مراراً وتكراراً، كريماً خادماً للناس؛ فنصبوه نائباً في مجلس الشَّعب، ومخلصاً للعرش وكان من أعيان الوطن الكبار، ووزيراً لخدمة البلاد جاب أرياف الوطن ومدنه وبواديه دون أن يُسجّل عليه موقف أو خذلان. رحل الصديق والأخ الكبير عبد الرَّزاق طبيشات وقلوبنا تعتصر بالألم، وألسنتنا تلهج له بالدعاء إلى الله العلي القدير بأن يفيض عليه بالرحمة والغفران، ويسكنهُ في جنان النعيم وأن يلهم عائلته العزيزة وذويه الصبر والسلوان، اللهمَّ آمين. ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


أخبارنا
منذ 5 ساعات
- أخبارنا
دانا هيثم الخصاونة : الأردن وفلسطين : بين الحكمة والتهور
أخبارنا : في وقت تتصاعد فيه ألسنة النار في غزة، وتخنق المجاعة أطفالها، وتحتشد جثث الأبرياء تحت الركام، تتعالى الأصوات، بعضها غاضب بحق، وبعضها مدفوع بالعاطفة، وأخرى لا ترى الصورة كاملة. ومن بين تلك الأصوات، يتكرر سؤال يطرق آذان الأردنيين: «أين أنتم؟ ولماذا لا تتحركون؟». هذا السؤال لا يُخيفنا، لكن إجابته لا تُختصر بشعارات أو هتافات. فالأردن، منذ اللحظة الأولى للعدوان، لم يكن غائبًا. كان الصوت الأوضح في المحافل الدولية، يحمل همّ غزة، ويطالب المجتمع الدولي بكسر صمته، ويؤكد أن حماية الشعب الفلسطيني ليست ترفًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وقانوني. الملك عبد الله الثاني تحدث بوضوح من على منابر العالم، رافضًا جرائم الحرب، ومحذرًا من عواقب السكوت عنها. وزير الخارجية الأردني حمل الموقف الأردني إلى كل عاصمة ومؤتمر، مدافعًا عن الفلسطينيين دون مواربة أو تلوّن، فيما لجأت بعض الدول إلى صياغات حذرة، تكاد تساوي بين القاتل والضحية. الملكة رانيا، بدورها، اخترقت جدار التجاهل الدولي، وسلّطت الضوء على التواطؤ الإعلامي، وانتقدت علنًا الصمت الغربي الذي يغضّ الطرف عن المجازر. وعلى الأرض، لم يكتفِ الأردن بالكلمات، بل أرسل مستشفياته إلى غزة، وأنشأ جسرًا إنسانيًا لا ينقطع، بجهود طبية وإغاثية متواصلة، رغم الأخطار والتحديات. أما الشارع الأردني، فكان ـ كعادته ـ متقدمًا في نبضه الشعبي، فلم ينتظر دعوة أو حثًّا؛ خرج إلى الميادين، نظّم الفعاليات، قدّم التبرعات، وأثبت أن فلسطين تسكن قلبه لا شعاراته. ورغم كل هذا، لا تزال هناك منابر تُشكك، وأصوات تُزايد، وتتساءل: «لماذا لا يفتح الأردن جبهة عسكرية؟». وهنا لا بد من وقفة عقل. هل المطلوب قرار متهور؟ هل الحل في التصعيد العسكري المنفرد؟ وهل يُطلب من الأردن أن يدخل حربًا بلا ظهير، وبلا دعم، في مواجهة تحالفات تسند العدو سياسيًا وعسكريًا؟ التاريخ يُعلّم، والتجربة تُرشد. الأردن خاض معركة الكرامة وانتصر، لكنه يدرك أن الحروب لا تُخاض بالعاطفة، بل بالحسابات. فالمغامرة في هذا الزمن ليست بطولة، بل مقامرة بمصير دولة وشعب، وقد يكون ثمنها تفتيت آخر خطوط الدفاع عن فلسطين نفسها. إن استقرار الأردن ليس ترفًا، بل ركيزة أساسية في ميزان الصراع. ومن يسعى لضرب استقراره، ولو عن غير قصد، فهو يقدّم خدمة مجانية للمحتل. المؤامرات اليوم لا تلبس دائمًا الزي العسكري، بل قد تأتي في منشور، أو دعوة مشبوهة، أو حملة تشكيك تُبث من الداخل لتضرب الثقة، وتُضعف المعنويات. وفي التاريخ دروس لا تُنسى: في غزوة مؤتة، انسحب خالد بن الوليد بالجيش حفاظًا على الأرواح، ولم يُعنّفه النبي صلى الله عليه وسلم، بل لقّبه بـ»سيف الله المسلول». فليس كل تراجع هزيمة، وليس كل تريث خيانة. أحيانًا، التمهّل هو أعلى مراتب الشجاعة. من يُهاجم الأردن اليوم، يتناسى أن المملكة هي الرئة التي لا تزال تتنفس منها فلسطين. يتناسى أن الأردن لم يتخلَّ يومًا، ولم يساوم، بل دفع من اقتصاده وموارده وأمنه الداخلي ليبقى إلى جوار الشعب الفلسطيني في كل نازلة. إن أسهل ما يمكن فعله هو توزيع التهم والنعوت من خلف الشاشات، لكن الأصعب ـ والأشرف ـ هو أن تبقى واقفًا، ثابتًا، قويًا، في وجه رياح الانهيار التي تعصف بالمنطقة. الأردن ليس تابعًا، ولا خائفًا، ولا متفرجًا. هو شريك في الموقف، وسند في المعركة، وحارسٌ للكرامة الفلسطينية، لا بالخطابة، بل بالفعل الصادق والحكمة البصيرة. فليتذكر الجميع: إن ضعف الأردن يعني ضعف فلسطين، وإن انكسر الجدار الأردني، فمَن سيحمي البوابة الأخيرة لفلسطين؟ حفظ الله الأردن، شعبًا وجيشًا وقيادة، ودام سندًا لفلسطين في زمن قلّ فيه السند.