
دانا هيثم الخصاونة : الأردن وفلسطين : بين الحكمة والتهور
في وقت تتصاعد فيه ألسنة النار في غزة، وتخنق المجاعة أطفالها، وتحتشد جثث الأبرياء تحت الركام، تتعالى الأصوات، بعضها غاضب بحق، وبعضها مدفوع بالعاطفة، وأخرى لا ترى الصورة كاملة. ومن بين تلك الأصوات، يتكرر سؤال يطرق آذان الأردنيين: «أين أنتم؟ ولماذا لا تتحركون؟».
هذا السؤال لا يُخيفنا، لكن إجابته لا تُختصر بشعارات أو هتافات. فالأردن، منذ اللحظة الأولى للعدوان، لم يكن غائبًا. كان الصوت الأوضح في المحافل الدولية، يحمل همّ غزة، ويطالب المجتمع الدولي بكسر صمته، ويؤكد أن حماية الشعب الفلسطيني ليست ترفًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وقانوني. الملك عبد الله الثاني تحدث بوضوح من على منابر العالم، رافضًا جرائم الحرب، ومحذرًا من عواقب السكوت عنها. وزير الخارجية الأردني حمل الموقف الأردني إلى كل عاصمة ومؤتمر، مدافعًا عن الفلسطينيين دون مواربة أو تلوّن، فيما لجأت بعض الدول إلى صياغات حذرة، تكاد تساوي بين القاتل والضحية.
الملكة رانيا، بدورها، اخترقت جدار التجاهل الدولي، وسلّطت الضوء على التواطؤ الإعلامي، وانتقدت علنًا الصمت الغربي الذي يغضّ الطرف عن المجازر. وعلى الأرض، لم يكتفِ الأردن بالكلمات، بل أرسل مستشفياته إلى غزة، وأنشأ جسرًا إنسانيًا لا ينقطع، بجهود طبية وإغاثية متواصلة، رغم الأخطار والتحديات.
أما الشارع الأردني، فكان ـ كعادته ـ متقدمًا في نبضه الشعبي، فلم ينتظر دعوة أو حثًّا؛ خرج إلى الميادين، نظّم الفعاليات، قدّم التبرعات، وأثبت أن فلسطين تسكن قلبه لا شعاراته. ورغم كل هذا، لا تزال هناك منابر تُشكك، وأصوات تُزايد، وتتساءل: «لماذا لا يفتح الأردن جبهة عسكرية؟». وهنا لا بد من وقفة عقل. هل المطلوب قرار متهور؟ هل الحل في التصعيد العسكري المنفرد؟ وهل يُطلب من الأردن أن يدخل حربًا بلا ظهير، وبلا دعم، في مواجهة تحالفات تسند العدو سياسيًا وعسكريًا؟
التاريخ يُعلّم، والتجربة تُرشد. الأردن خاض معركة الكرامة وانتصر، لكنه يدرك أن الحروب لا تُخاض بالعاطفة، بل بالحسابات. فالمغامرة في هذا الزمن ليست بطولة، بل مقامرة بمصير دولة وشعب، وقد يكون ثمنها تفتيت آخر خطوط الدفاع عن فلسطين نفسها.
إن استقرار الأردن ليس ترفًا، بل ركيزة أساسية في ميزان الصراع. ومن يسعى لضرب استقراره، ولو عن غير قصد، فهو يقدّم خدمة مجانية للمحتل. المؤامرات اليوم لا تلبس دائمًا الزي العسكري، بل قد تأتي في منشور، أو دعوة مشبوهة، أو حملة تشكيك تُبث من الداخل لتضرب الثقة، وتُضعف المعنويات.
وفي التاريخ دروس لا تُنسى: في غزوة مؤتة، انسحب خالد بن الوليد بالجيش حفاظًا على الأرواح، ولم يُعنّفه النبي صلى الله عليه وسلم، بل لقّبه بـ»سيف الله المسلول». فليس كل تراجع هزيمة، وليس كل تريث خيانة. أحيانًا، التمهّل هو أعلى مراتب الشجاعة.
من يُهاجم الأردن اليوم، يتناسى أن المملكة هي الرئة التي لا تزال تتنفس منها فلسطين. يتناسى أن الأردن لم يتخلَّ يومًا، ولم يساوم، بل دفع من اقتصاده وموارده وأمنه الداخلي ليبقى إلى جوار الشعب الفلسطيني في كل نازلة.
إن أسهل ما يمكن فعله هو توزيع التهم والنعوت من خلف الشاشات، لكن الأصعب ـ والأشرف ـ هو أن تبقى واقفًا، ثابتًا، قويًا، في وجه رياح الانهيار التي تعصف بالمنطقة. الأردن ليس تابعًا، ولا خائفًا، ولا متفرجًا. هو شريك في الموقف، وسند في المعركة، وحارسٌ للكرامة الفلسطينية، لا بالخطابة، بل بالفعل الصادق والحكمة البصيرة. فليتذكر الجميع: إن ضعف الأردن يعني ضعف فلسطين، وإن انكسر الجدار الأردني، فمَن سيحمي البوابة الأخيرة لفلسطين؟
حفظ الله الأردن، شعبًا وجيشًا وقيادة، ودام سندًا لفلسطين في زمن قلّ فيه السند.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا
منذ 20 دقائق
- رؤيا
العيسوي: مواقف الملك تجاه فلسطين وغزة تجسّد الثبات والالتزام العملي والإنساني
إشادة بدور الملكة رانيا وولي العهد في دعم الإنسان وتمكين الشباب رئيس الديوان الملكي: الإصلاح والتحديث في عهد الملك واقع ملموس لا شعارات العيسوي: الوصاية الهاشمية على القدس مسؤولية تاريخية يحملها الملك بثقة واقتدار العيسوي: احترام العالم للأردن ثمرة سياسات عقلانية ومبادئ راسخة يقودها الملك أكد رئيس الديوان الملكي الهاشمي يوسف حسن العيسوي، أن الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، يواصل دوره القومي والإنساني المشرف، بثبات لا يتراجع، وإرادة لا تلين، مجسدًا نموذج الدولة التي لا تحيد عن الحق، ولا تتردد في نصرة الأشقاء، وفي مقدمتهم أهلنا في غزة، الذين كان موقف الأردن من أجلهم الأقوى والأوضح والأكثر تأثيرًا. وأضاف أن الموقف الأردني بقيادة جلالة الملك لم يقتصر على التصريحات، بل ترجم إلى أفعال ميدانية وإنسانية، من خلال تسيير قوافل المساعدات إلى عمق قطاع غزة، وتنفيذ عمليات إنزال جوي للمؤن والمستلزمات الطبية رغم التحديات، في تعبير واضح عن التزام لا يساوم، وواجب هاشمي راسخ لا يعرف التردد. وقال العيسوي إن عهد جلالة الملك شهد تحولات ومنجزات وطنية راسخة في مختلف الميادين، مشيرًا إلى أن مسيرة الإصلاح الشامل والتحديث المستمر لم تكن مجرد شعارات، بل واقعًا ملموسًا يلمسه كل أردني. وأكد أن هذه الإنجازات هي ثمرة رؤية استراتيجية بعيدة المدى، وضعها جلالته منذ توليه سلطاته الدستورية، وبنى من خلالها دولة المؤسسات، وعزّز مكانة الأردن كأنموذج في الاستقرار والاعتدال والإنجاز وسط إقليم مضطرب. جاء ذلك خلال لقائه اليوم الثلاثاء، في الديوان الملكي الهاشمي، وفدًا من طلبة كلية التمريض في جامعة البلقاء التطبيقية، يمثلون فريق Sanova. وفي حديثه عن القضايا الإقليمية، شدد العيسوي على أن القضية الفلسطينية تظل في صدارة أولويات جلالة الملك، باعتبارها قضية وطنية وقومية، وأن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس هي مسؤولية تاريخية ودينية يحملها جلالته بكل أمانة واقتدار. وأكد أن الأردن بقيادته الهاشمية يشكّل اليوم صوتًا نزيهًا في زمن التلوّن، وحضورًا مؤثرًا في زمن الاصطفاف، مشيرًا إلى أن ما يتمتع به الأردن من احترام عالمي إنما هو ثمرة سياسات متزنة ومبادئ راسخة، يقودها جلالة الملك بعقلانية وشجاعة. كما نوّه العيسوي بالدور الفاعل لجلالة الملكة رانيا العبدالله في دعم قضايا الإنسان وتمكين المرأة، والدور الطليعي لسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، الذي يمضي في حمل هموم الشباب وتطلعاتهم، ضمن رؤية ملكية تؤمن بالشباب شركاء في البناء لا مجرد مستفيدين. وأشار إلى أن الأمن والاستقرار الذي ينعم به الأردن، وسط محيط إقليمي مضطرب، لم يكن ليتحقق لولا تضحيات نشامى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ووعي الأردنيين الذين يقفون خلف قيادتهم، صفًا واحدًا، في كل محطة من محطات الوطن. من جهتهم، أعرب المتحدثون عن فخرهم واعتزازهم العميق بالقيادة الهاشمية، مؤكدين أن جلالة الملك يمثّل اليوم صوت العدل في العالم، ورمز الالتزام بقضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين، التي حملها على كتفيه في كل محفل دولي بجرأة وإخلاص. وأشاروا إلى أن المساعدات الأردنية التي تصل إلى غزة، سواء عبر الإنزال الجوي أو القوافل البرية، كانت محط اعتزاز وفخر لكل أردني، لأنها تجسّد المواقف لا الشعارات، وتؤكد أن الأردن في مقدمة الصفوف في كل قضية عادلة. وشددوا على أن الأردن وقيادته الهاشمية خط أحمر، وأن الأردنيين يقفون خلف جلالة الملك بثقة مطلقة، وإيمان راسخ بحكمته، مؤكدين أن محاولات التشكيك والتزييف ستتحطم دائمًا على جدار وعي هذا الشعب وإيمانه بقيادته. كما أكدوا أن ما تحقق من إنجازات وطنية في عهد جلالة الملك، على مختلف المستويات، يعزز الثقة بالمستقبل، ويدفع الشباب نحو المزيد من العمل والاجتهاد لخدمة الوطن والمجتمع. وعبروا عن اعتزازهم بالدور الإنساني والفكري الريادي الذي تضطلع به جلالة الملكة رانيا العبدالله، مشيدين بجهود بسمو ولي العهد ، الذي يسير بخطى واثقة على نهج جلالة الملك، حاملًا تطلعات الشباب الأردني، وقريبًا من نبضهم، ومبادرًا إلى إشراكهم في مسيرة البناء.


وطنا نيوز
منذ 3 ساعات
- وطنا نيوز
رسالتي في التوعية ونشر المعرفة مستمرة برغم المعيقات
موسى الصبيحي منذ اليوم الأول لانتهاءخدمتي من مؤسسة الضمان وخروجي على التقاعد بمحض اختياري، بدأت سلسلة منشورات توعوية بتشريعات الضمان والتشريعات العمالية، إيماناً بالرسالة التي حملتها في مؤسستي، وما زلت أحملها بشغف وإصرار، واستئنافاً للمهمة وأنْ بشكل اختياري طوعي. أؤمن بأن مرحلة التقاعد ليست مرحلة قعود وخمود، ولا للدعة والراحة فحسب، وليست للتوقف عن التأثير والعطاء. فمن يملك المعلومة والخبرة عليها أن لا يحتكرها، ولا يبخل بها على الآخرين، لا بل إن المعرفة والعلم أمانة، ومن واجب من يمتلكهما أن يسعى فيهما بين الناس ناشراً للمعرفة والوعي، ولا سيما إذا كان ذلك العلم يتعلق بحقوق الناس مما أقرّته التشريعات النافذة التي قد لا يعرف تفاصيلها وكنهها الكثيرون. اليوم يتزامن نشري لهذا المقال التأميني الذي يحمل الرقم التراكمي (1506) من السلاسل التوعوية الثلاث؛ 'حقك تعرف عن الضمان' و 'ضمانيّات' والسلسلة الحالية 'الضمان والناس' يتزامن مع مرور (1460) يوماً على تقاعدي. ما يعني أنني نشرت مقالات تأمينية تركّزت على شؤون الضمان وقطاع العمل وسوقه أكثر من عدد الأيام التي مرّت على تقاعدي حتى تاريخ اليوم. وهذا من فضل الله عليّ وكرمه وعطائه. رسالتي ستستمر بعون الله وتوفيقه، وبالرغم من كل المحبطات والعراقيل التي وُضِعت في طريقي والتشكيك والتنمّر الذي تعرضت له على المستوى الرسمي وغير الرسمي، وتضييق قنوات وصولي للبيانات والأرقام إلى أبعد حد خلال فترة الأربع سنوات الفائتة، إلا أنني لم ولن أُحبَط أو أستسلم، وسأبقى بإذن الله الجندي المخلص لرسالتي، أؤدي أمانة المسؤولية، منافحاً عن الحق، ذائداً عن حقوق العمال الضعفاء، منادياً بالعدالة والحماية الاجتماعية لكافة العمال على أرض المملكة، وفي الوقت نفسه، سأظل الجندي المخلص المنتمي لمؤسسته، مؤسسة الضمان، المدافع عن رسالتها الاجتماعية العظيمة، الحريص على دورها واستدامتها لخدمة كل الأجيال، ومنفعة كل الأردنيين، والمقيمين على أرض مملكتنا العظيمة.

عمون
منذ 3 ساعات
- عمون
وزارة دولة لشؤون الريف والبادية
فيما سبق لم تكن بوادينا الشماء في دائرة إهتمام العديد من رؤساء الحكومات السابقين، بالرغم من التوجيهات الملكية السامية بهذا الخصوص. وقد استمرأ البعض منهم فحرم أبناء البوادي من مكارم ملكية هاشمية سامية كانت بسبب ظروف معيشتهم الخاصة وبعدهم عن المناطق المستهدفة بالتنمية. واليوم لا نجد حرجاً من أن نضع على طاولة دولة الرئيس المحترم هذا الطرح.. وزارة تُعنى بالجانب التنموي والإقتصادي، وتنضوي تحتها صناديق تنمية البادية المتعددة، وأية برامج ومشاريع ذات صلة. وأعتقد أن الإعتناء بالقيمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لبوادينا الشماء التي تتربع على امتداد نصف مساحة هذا الوطن العزيز بعيداً عن ثقافة الفزعة والإستعراض... بات ضرورة قصوى اذا ما كانت هناك إلتفاتة حقيقية وعميقة للأهمية الجيوسياسية التي تحظى به البوادي الثلاث في ظل القراءة الواعية والذكية لتطورات الإقليم من حولنا .إضافة الى ماحبا الله به هذه البوادي من موارد طبيعية واعدة ومبشرة.