
لوتان: غزة أصبحت مقبرة للأطفال بسبب القصف والتجويع
قالت صحيفة لوتان إن خطر المجاعة يهدد قطاع غزة رسميا، بحيث يؤثر سوء التغذية الحاد على آلاف الأطفال ويموتون بسببه، إن لم يقتلوا حرقا بنيران القصف الإسرائيلي.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم شارلوت غوتييه- أن أحدث تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي ، أظهر أن قطاع غزة يواجه خطر المجاعة "الحرج" بعد 10 أسابيع من الحصار الشامل، حيث وصل 1.5 مليون شخص من أصل 2.2 مليون من السكان إلى المرحلتين الرابعة والخامسة، وهي الأعلى على مقياس أزمات الغذاء.
وقد أطلقت المنظمات الدولية غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة التي أعدت هذا التقرير ناقوس الخطر، وقالت إن 22% من السكان يعيشون في وضع "كارثي"، يشكل فيه الجوع وسوء التغذية خطرا قاتلا، أكثر المتضررين منه هم الأطفال.
وتستقبل المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل، أعدادا متزايدة من الأطفال، كما يقول الدكتور راغب ورشاغة، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي بمستشفى الرنتيسي: "نستقبل يوميا عشرات الحالات من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. أكثر المتضررين هم الأطفال دون سن الخامسة".
صعوبات رهيبة
وتقول شيماء أبو الكيس التي تمكث في المستشفى مع أطفالها المصابين بالحمى، إن إيمان (8 سنوات) مصابة بالتهاب في المسالك البولية بسبب المياه غير الصحية، وإن التوأم يمان وعهد مصابان بالتهاب في الرئة، بسبب تلوث الهواء جراء القصف المستمر".
وتضيف الأم اليائسة أنها لم تعد قادرة منذ الإغلاق الإسرائيلي الكامل لحدود غزة يوم الثاني من مارس/آذار، على إطعام أطفالها بشكل سليم، "أكبرهم يأكل رقائق البطاطس الرخيصة فقط، أما الفاكهة والخضروات القليلة التي نجدها فيبلغ سعرها 8 يوروهات للكيلوغرام، وهي غير متاحة".
وتواجه سهى المبحوح الصعوبات الرهيبة نفسها، إذ يعاني ابنها أحمد (5 سنوات ونصف) من مرض عصبي، يحتاج إلى نظام غذائي صحي ومتنوع، "وقد تدهورت حالته الصحية مع انقطاع الفاكهة والخضروات واللحوم ومنتجات الألبان في الأسابيع الأخيرة".
ويدعو الطبيب راغب ورشاغة، اليائس -حسب وصف الصحيفة- إلى رفع الحصار، كما دعت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى "الاستئناف الفوري لوصول المساعدات الإنسانية" في مواجهة "خطر المجاعة الوشيك، والانهيار شبه الكامل للزراعة، واحتمال ظهور أوبئة مميتة".
ومنذ بداية الحرب، توفي نحو 50 طفلا في غزة بسبب سوء التغذية الحاد -حسب أرقام أوردتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، وعولج أكثر من 9 آلاف طفل من سوء التغذية الحاد، والحالات في تزايد مستمر منذ استئناف الحصار، كما يشير مدير الاتصالات في منظمة اليونيسيف في فلسطين جوناثان كريكس.
تأثر جيل كامل
وقال كريكس إنه رأى ذلك بأم عينيه، أثناء مهمة إلى دير البلح ، حيث لقي نحو 10 أطفال يعانون من سوء التغذية الحاد في مستشفى ناصر في خان يونس ، وأضاف "تأثرت بشدة بالطفل أسامة (4 سنوات) الذي يزن 8 كيلوغرامات، بدلا من 15 لصبي في مثل عمره. إنه جلد على عظم".
وتوقع كريكس أن يحتاج 70 ألف طفل إلى علاج عاجل لسوء التغذية الحاد بحلول سبتمبر/أيلول المقبل، وقال "اليوم استنفدنا مخزوناتنا من الأغذية المخصصة للوقاية من سوء التغذية، كالحليب العلاجي والمكملات الغذائية، وقريبا جدا، سينفد مخزوننا من الأغذية العلاجية".
وفي اتصال هاتفي مع الصحيفة، حذر أحمد الرفا، مدير قسم الولادة والأطفال في مستشفى ناصر بخان يونس من أن "جيلا كاملا" سيتأثر على الأمد الطويل بعواقب سوء التغذية، وسيستمر هذا التأثير طوال حياته.
ومن لم يمت من الأطفال بسبب الجوع الخطير، ربما يصبح ضحية للقصف -حسب الصحيفة- فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتل أكثر من 16 ألف طفل، بينهم أكثر من 900 دون العام، بحسب أرقام أوردتها منظمة اليونيسيف.
ويؤكد أحمد أبو وردة، رئيس الأنشطة الطبية في منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى ناصر، أن الإصابات التي تعالج "أكثر خطورة من أي وقت مضى، وخاصة "الحروق المرتبطة بالقصف"، وأكثر من نصف أصحابها من الأطفال.
وختمت الصحيفة بحديث أبو وردة عن طفلين أصيبا بالخرس بسبب حروق جراء القصف، وقول جوناثان كريكس إن " غزة أصبحت مقبرة للأطفال، حيث أودت الحرب فيها بحياة أكبر عدد من الأطفال في وقت قصير".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
البرش يكشف للجزيرة أوضاعا صحية مروعة لسكان غزة
قال المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة الدكتور منير البرش، إن الإحصائيات الأخيرة تشير إلى استشهاد 16 ألف طفل منذ بداية الحرب، مؤكدا أن هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل شهادة على العالم الذي ينظر إلى أطفال غزة وهم يموتون. وكشف البرش -في حديثه للجزيرة- عن رقم يفوق كل التوقعات في بشاعته، إذ أكد أن 346 طفلا ولدوا واستشهدوا أثناء الحرب، وهو رقم يعكس عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها القطاع. وأوضح أن هؤلاء الرُضّع لم يروا من الحياة سوى الدمار والموت، ويمثلون رمزاً مؤلماً لجيل كامل يُباد تحت أنظار العالم. وقال البرش، إن قوات الاحتلال تدمر بشكل ممنهج البنية التحتية الصحية في غزة، مما حوّل العلاج من حق أساسي إلى حلم بعيد المنال. ومن أصل 38 مستشفى كانت تخدم سكان القطاع، أخرج الاحتلال 22 مستشفى عن الخدمة تماما، تاركاً 16 مستشفى فقط تعمل جزئيا وبمحدودية، منها مستشفيا المعمداني و الشفاء ، اللذان يعملان في شمال غزة بطاقة محدودة جدا. ويعني هذا الواقع المرير -وفق البرش- أن أكثر من مليون إنسان محرومون فعلياً من الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، مما يحول أي مرض أو إصابة إلى خطر محدق بالحياة. إستراتيجية تدميرية وأشار مدير عام وزارة الصحة في غزة إلى أن المستشفى الإندونيسي -الذي كان يستقبل أكثر من 10 آلاف مراجع شهرياً- أخرج عن الخدمة بعد أن أحرقت القوات الإسرائيلية مولداته الكهربائية وحاصرته بالكامل. وعلى نفس المنوال، استهدف الاحتلال مستشفيي كمال عدوان والعودة، مما يعكس إستراتيجية واضحة ومدروسة لحرمان السكان من أبسط حقوقهم الإنسانية، حسب البرش. وأكد أن آثار النزوح جعلت الواقع المعيشي قاسيا لا يُطاق، إذ قال "لا تستطيع أن تمشي في الشوارع من كثرة ما بها من خيام ينصبها النازحون في كل زاوية ومكان". ونتيجة مباشرة لهذا الوضع المزري، يؤكد البرش أن هذا الازدحام الشديد في الشوارع أدى إلى ارتفاع نسبة الالتهابات والجروح بشكل كبير، مما يضاعف من معاناة السكان الذين يفتقرون أصلاً للرعاية الطبية الأساسية. ولفت إلى بُعد مروع آخر من أبعاد هذه المأساة، وهو الاستهداف المباشر للكوادر الطبية. وفي إحصائية تُظهر تصاعد هذا الاستهداف، أشار إلى أنه في أسبوع واحد فقط من شهر مايو/أيار الجاري، استشهد 12 كادراً صحياً من أكفأ الممرضين لدى وزارة الصحة الفلسطينية، وخاصة الذين يعملون في العناية المركزة. وأكد أنه حتى اليوم، لم يدخل إلى مستودعات وزارة الصحة أي شيء من المساعدات والمواد الطبية الموعودة. وأشار إلى أنه رغم وجود تواصل بالمؤسسات الدولية واستعدادات لديها، إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير بأي شكل من الأشكال. وأكد البرش، أن الاحتلال بعمليته الجديدة يعمل بشكل منظم وقاتل لإخراج الناس جميعاً وتهجيرهم من مناطق الشمال إلى الجنوب. وخلص إلى أن ما تعيشه وزارة الصحة حاليا هو "الأسوأ منذ بداية الحرب"، مشيراً إلى أن الضغط على المستشفيات وصل إلى مستويات غير مسبوقة.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
للحماية من الحوادث وضربات الشمس.. 6 خطوات لتعليم أطفالك السلامة الصيفية
الصيف يعني العرق، والبشرة اللزجة، والبقع الغريبة على ملابس أطفالك بسبب اللعب في الأماكن المفتوحة معظم الوقت. وبالرغم من صعوبة التغلب على الحر، فإن البقاء في المنزل يعني التخلي عن جميع أنشطة الصيف المحببة للصغار. فيما يلي نستعرض كيف يمكن للآباء والأمهات تثقيف أطفالهم بالسلامة الصيفية وكيف يستمتعون بالأنشطة المختلفة دون التضرر من أشعة الشمس القاسية أو أية مخاطر أخرى؟ ارتفاع مستمر لدرجات الحرارة وفقا للهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ، كانت السنوات العشر الماضية العقد الأكثر حرارة منذ 125 ألف عام، وهذا يؤثر على الطقس الذي نشهده في مختلف دول العالم. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة ، يعني هذا صيفا أكثر حرارة للأطفال والبالغين على حد سواء. ولكن على الرغم من أهمية خروج الأطفال إلى الخارج لنموهم البدني والعقلي والعاطفي، فإنه يجب على الآباء مراقبة مؤشر الحرارة الذي يشمل درجات الطقس ومستويات الرطوبة، لكي لا يتعرض الأطفال للإعياء وضربات الشمس وغيرها. أساسيات سلامة الأطفال في فصل الصيف بعد تجاوز درجة الحرارة 32 درجة مئوية، ينبغي للآباء الحد من وقت أطفالهم في الخارج. ويجب على العائلات البقاء في المنزل عند وصولها إلى 37 درجة مئوية، وفقًا لخبراء طب الأطفال. وبشكل أساسي، من الضروري اتباع الخطوات المعروفة للسلامة الصيفية مثل شرب الماء والبقاء في الظل للحفاظ على برودة الأطفال لفترة أطول، وحتى يتمكنوا من الاستمتاع بفوائد الهواء الطلق بأمان. بعدها يمكن اتباع الخطوات التالية: 1- دع أطفالك يتعرقون العرق هو في الأساس نظام تكييف الهواء في أجسامنا، حيث تُحوِّل حرارتنا الداخلية العرق إلى بخار، وهذا من شأنه خفض درجة حرارة الجسم. وطالما كان ذلك آمنا، شجع الأطفال على اللعب بجد وبذل جهد كبير وعدم الاستياء عند الإحساس بالتعرق أو جعل ذلك يمنع من الاستمتاع بوقتهم، واشرح لهم فوائد هذه العملية العبقرية التي يخوضها الجسم بشكل تلقائي. فقط احتفظ بزجاجات الماء قريبة منهم لتعويض السوائل المفقودة. 2- دع أطفالك "يأكلون" المزيد من الماء بعد تثقيف أطفالك بعملية تبخير العرق واستهلاكها لمخزون الجسم من الماء، شجعهم على شرب المزيد من الماء لترطيب الجسم من خلال اختيار زجاجات ملونة ورسومات لاصقة محببة يختارها كل طفل على حدة. واصنع تحديات وجوائز لمن ينهي زجاجته خلال فترات معينة من اليوم. أما إذا كان أطفالك يرفضون شرب الماء، فبالإمكان دوما تجهيز وجبات خفيفة تحتوي على أكبر كمية ممكنة من الماء. على سبيل المثال، يحتوي الخيار والطماطم على نحو 95% من الماء، مما يجعلهما خيارا ممتازا كوجبات خفيفة. أما البطيخ، فهو حلو المذاق ومحبب لدى معظم الناس، ويحتوي على 92% من الماء أيضا. 3- ساعدهم في تطبيق واقي الشمس المخصص للأطفال التعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية قد يؤدي إلى حروق الشمس، والطفح الجلدي الناتج عن الحرارة، وحتى التسمم الشمسي. ويكمُن سر السلامة من الشمس في الاستخدام الصحيح لواقي الشمس. علم أطفالك وضع المستحضر لأنفسهم، وإعادة وضعه بعد الخروج من المسبح. وشجعهم على استخدام الكريمات التي تضم عوامل حماية من الشمس لا تقل عن "إس بي إف 35" 35 SPF لتوفير حماية فعالة من الأشعة فوق البنفسجية. 4- اختيار تفضيلاتهم من أغطية الرأس والقبعات إلى جانب استخدام واقي الشمس، هناك عدد من التدابير التي يمكن لأطفالك اتخاذها للبقاء آمنين في الشمس. مثل استخدام أغطية عربات الأطفال المقاومة للشمس، وارتداء قبعات عريضة الحواف، ونظارات شمسية، وملابس واقية من الأشعة فوق البنفسجية، مما يوفر طبقة إضافية من الحماية مثالية لفترات ما بعد الظهيرة المشمسة التي قد يقضونها في الحدائق والأماكن المفتوحة. إعلان 5- خطوات السلامة عند ركوب الدراجات ركوب الدراجات من أكثر الأنشطة الصيفية شيوعا بين الأطفال من مختلف الفئات العمرية. وإلى جانب استخدام الخوذة بانتظام، يجب تعليم الأطفال اتباع قواعد السلامة أثناء ركوب الدراجات، خاصةً عند عدم وجود إشراف عليهم من أحد البالغين. ذكّرهم بالالتزام بمسارات الدراجات المُحددة والابتعاد عن الطرق. كذلك لا تسمح لهم بركوب الدراجات ليلا أو في الطقس العاصف، وتأكد من تذكيرهم بأخذ فترات راحة متكررة لشرب الماء ووضع واقي الشمس عند مرور ساعتين أو 3 ساعات بعد تطبيقه أول مرة. 6- أهمية السلامة المائية سواء في مسبح أو شاطئ البحر، فإن السلامة المائية أمر بالغ الأهمية. لذلك من الضروري اتباع الخطوات التالية في مختلف الظروف: المتابعة الدائمة: راقب الأطفال من كثب عند تواجدهم بالقرب من الماء أو داخله. قد يحدث الغرق في دقائق معدودة وفي المياه الضحلة، وحتى وإن كان الأطفال يبدون كبارا بما يكفي للسباحة بمفردهم، من الضروري مراقبتهم طوال الوقت. وإذا ما أتيحت الفرصة، من المهم جدا تعليم الأطفال السباحة في وقت مبكر من أعمارهم مع مدرب متخصص لأنها مهارة قد تنقذ الحياة في حال وقوع حوادث الغرق. استخدام سترات النجاة و"العوّامات": تأكد من ارتداء الأطفال سترات النجاة المعتمدة عند ممارسة أي من الرياضات المائية. أيضا شجعهم على استخدام "العوامات" التي يتم ارتداؤها في الجسم والأكتاف للحفاظ على أجسادهم طافية على سطح الماء. ومع ذلك، أدوات السباحة القابلة للنفخ، مثل "العوامات"، تعطي شعورا زائفا بالأمان. أبقِ الأطفال الصغار في متناول يدك دائما أثناء وجودهم في الماء أو بالقرب منه. علّمهم قواعد أسطح المياه: ثقّف أطفالك حول مخاطر المياه، بما في ذلك أهمية عدم الركض بالقرب من المسابح وعدم القفز للغوص في المناطق الضحلة لحمايتهم من ارتطام الرأس. وفي البحر أو على الشواطئ، شجعهم على عدم الغياب عن أنظارك والسباحة دوما إما بصحبتك أو بمرافقة أحد البالغين.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
حكايات من مآسي الجوع والنزوح في خان يونس جنوب قطاع غزة
غزة- تُمسك النازحة آمنة الصرفندي بهاتف محمول في يديها، وتشير إلى صورة يعود تاريخها لبضعة أيام سبقت اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتختصر من خلال ملامحها التي تبدلت كليا وجسدها الهزيل، أثر النزوح والجوع عليها. وعلى كرسي بلاستيكي صغير داخل صف مدرسي تقيم فيه وعائلتها (9 أفراد)، جلست الصرفندي (62 عاما)، وروت للجزيرة نت بقهر شديد كيف بدّلت الحرب أحوالها. وتقول "مات زوجي، ومنذ إجبارنا على مغادرة مدينة رفح ، نزحنا 5 مرات. نهرب من مكان إلى آخر بحثا عن الأمان والطعام، ولا نجدهما". على إثر العملية العسكرية الواسعة في رفح التي بدأت في 6 مايو/أيار من العام الماضي، نزحت الصرفندي مع أهالي المدينة والنازحين فيها، وقد سوّت قوات الاحتلال منزلها في "مخيم يبنا" المحاذي للحدود مع مصر، بالأرض، كما هو حال أغلبية المنازل في هذه المدينة الصغيرة. حياة بائسة عايشت الصرفندي الكثير من الأحداث خلال 6 عقود مضت من حياتها، غير أنها تحسم بأنه "لم يمر بنا أسوأ من هذه الحرب"، ومن بين شهورها الطويلة تقول إن "الأيام الحالية هي الأكثر قسوة ومرارة، ولا نعرف من أين سيأتينا الموت، بالجوع أو بصاروخ وقذيفة". حال هذه المرأة ينسحب على زهاء مليونين و200 ألف فلسطيني، يعصف بهم الجوع نتيجة الحصار المشدد وإغلاق الاحتلال المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية منذ 2 مارس/آذار الماضي، وتبع ذلك استئنافه للحرب في 18 من الشهر ذاته، على نحو أشد فتكا وعنفا. وأدخل الاحتلال، مساء أمس الأربعاء، نحو 90 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية، هي الأولى منذ أكثر من شهرين، وتقول هيئات محلية ودولية إنها لا تفي باحتياجات السكان الهائلة. "والله لو كان بيد إسرائيل لقطعت عنا الهواء"، تضيف الصرفندي التي انخفض وزنها من 76 إلى 50 كيلوغراما وباتت لا تقوى على الحركة والمشي إلا بالاتكاء على عكاز. وهي تعاني من مرض الضغط، وقبل بضعة أيام سقطت على الأرض وخارت قواها وأصيبت بشرخ في قدمها، من قلة الطعام. ولم تكن قد تناولت في ذلك اليوم سوى بضع معالق صغيرة من الأرز، حصلت على صحن صغير منه من تكية خيرية، تناولته مع عائلتها الكبيرة ولم يشبع منه أحد. وحتى هذه التكية أغلقت أبوابها منذ يومين لعدم توفر المواد الغذائية، وللسبب ذاته اضطرت الكثير من التكايا إلى الإغلاق على مستوى القطاع في الآونة الأخيرة. هذه التكية كانت بالنسبة للصرفندي وعائلتها، وأُسر كثيرة نازحة، الملاذ الوحيد للحصول على وجبة طعام، في ظل توقف الهيئات المحلية والدولية عن توزيع المساعدات الإنسانية، والارتفاع الهائل في أسعار الخضراوات والمواد الغذائية الشحيحة في الأسواق. لا يتوفر الطحين لدى عائلة الصرفندي منذ أسابيع، واضطرت إلى صناعة الخبز باستخدام العدس والمعكرونة حتى نفدت ولم تعد تعلم كيف تتدبر شؤونها. وتتساءل المرأة الأرملة بحرقة والدموع تحتبس في مقلتيها "من وين نجيب 100 شيكل (نحو 28 دولارا) ثمن كيلو الطحين؟". ويصنع كيلو الطحين نحو 10 أرغفة من الخبز، بالكاد تكفي وجبة واحدة لأسرتها، وكان سعره قبل تشديد الحصار لا يزيد عن 3 شواكل (أقل من دولار). ونظرت الصرفندي نحو زاوية الغرفة وأشارت إلى قاعدة حديدية صغيرة وآثار رماد ونار، وإلى جانبها أواني قديمة وبضع أكواب زجاحية، وقالت "حتى كاسة الشاي بطلنا قادرين نعملها ونشربها، ومين بيقدر يشتري كيلو السكر بـ120 شيكل (نحو 33 دولارا)". وتراكمت الديون على هذه النازحة التي اضطرت لشراء دواء والقليل من الطعام، وتخشى أن تموت قبل أن تتمكن من سدادها، ووضعت رأسها بين كفيها وهي تتمتم بصوت منخفض "هذه ليست حياة.. والله الموت أرحم لنا من هذه العيشة". نازحون بالشوارع وفي الشارع الملاصق لجدار المدرسة ذاتها، افترشت عائلات نازحة من بلدات شرق خان يونس الأرض والتحفت السماء بعدما أجبرها الاحتلال على النزوح القسري من مناطق بني سهيلا، والقرارة، وعبسان الكبيرة، وعبسان الجديدة، ولم تجد لها مأوى في المدارس المكتظة و منطقة المواصي التي تعج بآلاف الخيام. منذ الاثنين الماضي، يعيش باسل البريم وأسرته (5 أفراد) في هذا الشارع، وقد نزحوا من بلدة بني سهيلا بالقليل من الأمتعة حملوها على أكتافهم، وقطعوا مسافة تزيد عن 5 كيلومترات سيرا، لندرة وسائل المواصلات وارتفاع أجرة النقل. لدى البريم (52 عاما) ابن يعاني من إعاقة ذهنية، ويقول للجزيرة نت "ابني حمزة عمره 10 أعوام ولا يمكنه المشي بشكل طبيعي، واضطررت للتبديل بينه وبين الأمتعة، أضعها جانبا وأسير به لـ200 متر، وأضعه وأعود لجلب الأمتعة، وهكذا طوال الطريق". ويؤكد أن هذه هي تجربة النزوح الأصعب من بين مرات كثيرة لم يعد يحصيها، لأنها تتقاطع مع مجاعة شديدة وعدم توفر الطعام. وفقد البريم عمله مع اندلاع الحرب وليس له دخل يعتاش وأسرته منه، ويشعر بعجز يعتصر قلبه وهو مكبل اليدين أمام أطفاله الذين يتضورون جوعا، ولا يمتلك ثمن رغيف خبز يشتريه لهم، وقد ارتفع سعره من شيكل إلى 5 شواكل (دولار ونصف الدولار). ولحمزة حكاية معاناة مختلفة، فهو يحتاج إلى أطعمة خاصة غير متوفرة في الأسواق جراء الحصار، ويضطر والده إلى إطعامه ما يتوفر حتى تدهورت حالته الصحية، وفقد نحو 10 كيلوغرامات من وزنه. وعلى مقربة منا، كانت النازحة شوقية البريم تستمع إلى حوارنا، وطلبت أن تشارك الجزيرة نت حكايتها، وأصرت وكأنها وجدت من تلقي بثقلها عليه، وتقول "عمري (66 عاما) وأعاني من أمراض مزمنة، فشل كلوي وسكري وضغط، ومنذ ليلتين أنام وعائلتي (10 أفراد) هنا في الشارع، بلا فرشة أو غطاء أو طعام". قطعت البريم وعائلتها أكثر من 5 كيلومترات سيرا على الأقدام من بلدة بني سهيلا حتى مجمع ناصر الطبي في غرب خان يونس، وانهارت عدة مرات خلال الطريق وسقطت أرضا. هذه هي تجربتها العاشرة في النزوح، وتتفق مع غيرها أنها "الأصعب والأشد قسوة"، وتبكي على حال أحفادها الصغار وهم يصرخون من الجوع، ووالدهم العاطل عن العمل يقف عاجزا لا يملك من أمره شيئا.