
غزو الكويت: مراجعة متأخرة
في لحظة الحدث، ينفعل الناس بتموجات القوة التي يطلقها الفعل القوي، فيقتربون من الفاعل، حتى لو كانوا، في سابق الأمر، متشككين في أفعاله. لكنهم بعدما تنتهي الموجة الأولى من ارتدادات الفعل، يبدأون في تلمس عواقبه السلبية، فيعيدون النظر في موقفهم الأول. وهذه حالة نفسية معروفة في كل المجتمعات؛ التأييد الهائل للزعيم في الساعات الأولى من الحدث يتحول بالتدريج إلى ترقب، ثم إلى فتور، ثم إلى رفض صامت أو علني لسياساته.
حين نحلل مواقف الناس، جمهوراً أو نخبةً، فينبغي ألا نحكم على موقف اللحظة الأولى؛ لأنه غالباً ما يكون رد فعل على تموج القوة، وهو، وإن كان يُحسب على صاحب الموقف سلباً أو إيجاباً، لا يدل على قناعاته الراسخة والطويلة الأمد، أي تلك التي تشكل هويته وشخصيته. ومن هنا، فقد يكون من غير المنصف أن نحكم على الناس اليوم بناء على مواقفهم لحظة الغزو الكارثي... بل حتى لو كنا قد حكمنا عليهم لحظتها، فعلينا في هذا اليوم أن ننظر إلى حالهم وموقفهم الآن.
الحقيقة أن هذا ظاهر حتى في العراق، حيث كان معروفاً أن القرارات الكبرى تُتخذ ضمن دائرة ضيقة، لا تتعدى 5 أو 6 أفراد. وبشأن غزو الكويت، فقد علمنا لاحقاً أن معظم قادة الدولة والجيش سمعوا عنه من أجهزة الإعلام، قبل أن يحصلوا على المعلومات الرسمية. وعلمنا أيضاً أن كثيراً منهم جُرّدوا من مناصبهم أو هربوا من البلاد؛ لأنهم ترددوا في تأييد القرار أو عارضوه أو حاولوا التحذير من عواقب الاستمرار فيه.
ومع أن غالبية الذين أيدوا القرار الكارثي تراجعوا بعدما أدركوا عواقبه، إلا إنه ليس مستبعداً بقاء عدد ضئيل من الأفراد يواصلون تعاطفهم؛ كراهيةً في الكويت وليس حباً في صدام أو اقتناعاً بأفعاله. ينبغي ألا يُتخذ موقف هؤلاء ذريعة لوصم مواطنيهم أو بلدانهم جميعاً بالتعاطف مع الغزاة. من الأمثلة التي تقابل هذا، تعاطف اللحظة الأولى مع تنظيم «القاعدة» حين هاجم الولايات المتحدة... لكن جميع من تعاطف أدرك لاحقاً العواقب الكارثية لذلك الهجوم. لا أحد اليوم يحاسب الكويت أو الخليج على تعاطف قلة من مواطنيهم مع «القاعدة» أو «داعش»، فكل عاقل يدرك أن الأمور مرهونة بأوقاتها وظرفها الثقافي والنفسي.
يتضح إذن أن الغرض من هذه المرافعة، هو دعوة إخوتي الكويتيين خصوصاً والخليجيين عموماً، إلى التحرر من الانحباس العاطفي في حدث الغزو. أعلم أنه حادث جلل، وكارثة ما زالت مفاعيلُها في الكويت وحولها جليةً واضحة. وأقدر أيضاً أن مثل هذه الحوادث تخلف شروخاً عميقة في أنفس الناس وثقافاتهم، وفي منظومات القيم والانشغالات الذهنية، وأفهم أن أثرها في الكويت ما زال عميقاً إلى اليوم... لكن - من جهة أخرى - لا بد للناس من أن يتحرروا من سجن التاريخ. لا يمكن للإنسان أن يبني مستقبلاً إن لم يتعمق فيه اليقين بأن فعله سيجعل المستقبل أزهى وأفضل. هذا اليقين يصعب جداً بناؤه في ظل ما يمكن وصفه بمأتم متواصل، واستذكار لمشاهد تخلد الكراهية والتنافر والخوف من العالم. يجب أن نكرس إيماننا بأننا قد تجاوزنا ذلك التاريخ، وأن لدينا القدرة على صناعة حاضر لا ينتمي إليه ولا يتأثر بأوجاعه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
رئيس الحكومة العراقية يحيل 4 وزراء إلى القضاء
أحال رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني اليوم (السبت) 4 وزراء في الحكومة الاتحادية الحالية التي يرأسها إلى القضاء بعد ثبوت تقصيرهم في أداء عملهم. وقال السوداني في كلمة له خلال المؤتمر الأول لتقييم الأداء الحكومي تحت شعار «تقييم الأداء.. مسار للإصلاح والتميّز الحكومي»: «تمت إحالة 4 وزراء إلى القضاء بسبب مؤشرات وشبهات فساد رافقت أداءهم»، إلا أنه لم يفصح عن أسمائهم. وأضاف: «أُجري التحقيق مع أولئك الوزراء، وتم تثبيت التقصير والخلل لديهم، وصادقنا على نتائج التحقيق، وأُرسلت إلى هيئة النزاهة، وهي معروضة أمام القضاء للبت فيها». واشتكى السوداني من المحاصصة الحزبية في حكومته، قائلاً: «إنه أمر طبيعي أن تؤدي المحاصصة إلى حالة من الخلل والفشل في العمل». واتهم السوداني قوى سياسية (لم يسمها) مشاركة في الحكومة الاتحادية الحالية التي يرأسها بأنها عرقلت إجراء تعديل وزاري على عدد 6 وزارات. وقال إن نتائج التقييم أفضت إلى أن هناك 6 وزارات كانت بحاجة إلى تعديل وزاري، مضيفاً: «حكومتنا ائتلافية مشكلة من قوى سياسية، وحتى نجري هذا التعديل كان ينبغي أولاً مشاورتها، ولكن للأسف أغلب القوى السياسية عارضت عملية إجراء هذا التعديل». ولفت رئيس الوزراء العراقي إلى أن 6 وزارات كانت نتائج التقييم واضحة بشأنها، بأن هناك ضعفاً بالأداء، مؤكداً أن بعض الكتل السياسية قدمت بدلاء أقل بكثير ممن تم تقديمهم في خطوة واضحة لعرقلة هذا الإجراء. أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
الجيش اللبناني يحذر: لن نسمح بقطع الطرق أو الإخلال بالأمن
حذّر الجيش اللبناني من تعريض أمن البلاد للخطر من خلال تحركات غير محسوبة النتائج، إثر خروج أنصار من حزب الله وحركة أمل، أمس (الجمعة)، لليلة الثالثة على التوالي، بمسيرات تخللتها صدامات، تنديداً بقرار حصر السلاح بيد الدولة. وأكد الجيش اللبناني، اليوم (السبت)، أنه يحترم حرية الرأي، لكنه لن يسمح «بأي إخلال بالأمن أو السلم الأهلي»، مشدداً على أنه لن يسمح بقطع الطرقات أو بالتعدي على الأملاك العامة والخاصة. ودعا البيان المواطنين وجميع الفرقاء إلى ضرورة التحلي بالمسؤولية في هذه المرحلة الصعبة. ولليوم الثالث على التوالي، خرج مناصرو حزب الله وحركة أمل في لبنان، مساء الجمعة، بمسيرات احتجاجية بواسطة السيارات والدراجات النارية رفضاً لاتخاذ الحكومة قراراً بحصر السلاح بيد الدولة والموافقة على أهداف الورقة الأمريكية. وحسب وكالة الإعلام اللبنانية الرسمية، فإنه «لليوم الثالث على التوالي، انطلقت مسيرات لدراجات نارية وسيارات في مدينة النبطية وبلداتها المحيطة تحمل أعلام حركة أمل وحزب الله وإيران». وأضافت الوكالة أن المسيرات جابت الشوارع الرئيسية للمدينة، وهي تبث الأناشيد والشعارات المؤيدة لحزب الله. وفي بلدة الغازية قضاء الزهراني (جنوبا)، ذكرت الوكالة أن بعض الشبان تجولوا عبر الدراجات النارية، رافعين شعارات مؤيدة لحزب الله، ورافضة للقرار الحكومي بشأن حصر السلاح بيد الدولة. وقطع أنصار حزب الله طريقي زحلة وشتورة في البقاع شرق لبنان وطريق بعبدا الحازمية في جبل لبنان. وأفادت مصادر مطلعة بأن الجيش اللبناني اعتقل عدداً من مناصري حزب الله، بعد وصولهم وسط العاصمة بيروت. وكان مجلس الوزراء اللبناني وافق، الخميس، على أهداف ورقة المبعوث الأميركي توم برّاك بشأن تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. وأقرت الحكومة حصر السلاح (بما فيه سلاح حزب الله) بيد الدولة، وكلّفت الجيش بوضع خطة الشهر الجاري وتنفيذها قبل نهاية عام 2025. من جهته، زعم حزب الله أن الحكومة ارتكبت «خطيئة كبرى» باتخاذ قرار حصر السلاح بيد الدولة بما فيه سلاح الحزب، مؤكداً أنه سيتجاهل القرار، وسيعتبر أنه غير موجود. أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
«الوزاري العربي - الإسلامي» يرفض «احتلال غزة» ويحمّل إسرائيل مسؤولية الكارثة الإنسانية
أعربت اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة بشأن التطورات في قطاع غزة عن إدانتها الشديدة ورفضها القاطع لإعلان إسرائيل نيتها فرض السيطرة العسكرية الكاملة على القطاع، معتبرةً أن هذا الإعلان يمثل تصعيداً خطيراً، ومرفوضاً، وانتهاكاً صريحاً للقانون الدولي، كما يشكّل محاولة لفرض أمر واقع غير مشروع يكرّس الاحتلال بالقوة، ويتنافى مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وأكدت اللجنة التي تضم وزراء خارجية كل من السعودية، وقطر، والبحرين، ومصر، وإندونيسيا، والأردن، ونيجيريا، وفلسطين، وتركيا، والإمارات، واليمن، إضافة إلى ممثلين عن جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ودول أخرى من بينها بنغلاديش، وتشاد، وجيبوتي، وغامبيا، والكويت، وليبيا، وماليزيا، وموريتانيا، وسلطنة عمان، وباكستان، والصومال، والسودان، أن هذا التوجّه الإسرائيلي لا يُمكن فصله عن سلسلة الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وفي مقدّمتها سياسات القتل والتجويع والتهجير القسري، وضم الأراضي، وترويع المدنيين عبر اعتداءات المستوطنين، وهي ممارسات ترتقي –وفق ما جاء في البيان– إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، وتشكل تهديداً مباشراً لكل الجهود الإقليمية والدولية الساعية إلى التهدئة، كما تقوّض بصورة عميقة فرص تحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة. وأشار البيان إلى أن الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في قطاع غزة، يواجه منذ قرابة 22 شهراً عدواناً واسع النطاق، وحصاراً شاملاً طال مختلف مناحي الحياة، وسط تدهور إنساني غير مسبوق، وانتهاكات متصاعدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وشددت اللجنة على ضرورة الوقف الفوري والشامل للعدوان الإسرائيلي، ووقف الانتهاكات المتواصلة التي تطال المدنيين والبنية التحتية، مؤكدة في الوقت ذاته أن إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، مطالَبة بالسماح العاجل وغير المشروط بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بما يشمل المواد الغذائية والأدوية والوقود، وتهيئة الظروف اللازمة لوكالات الإغاثة الدولية للعمل بحرية وفعالية، بما يتوافق مع مبادئ القانون الإنساني الدولي. وأشادت اللجنة بالجهود التي تبذلها كل من مصر وقطر، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، واعتبرت أن هذا المسار يمثل مدخلاً إنسانياً ضرورياً لخفض التصعيد، وتخفيف المعاناة عن المدنيين، وتمهيد الطريق أمام إنهاء العدوان. كما جدّدت اللجنة التأكيد على أهمية المضي قدماً في تنفيذ الخطة العربية الإسلامية لإعادة إعمار قطاع غزة، داعية إلى المشاركة الفاعلة في مؤتمر إعادة الإعمار المزمع عقده في القاهرة قريباً، باعتبار أن إعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي تمثّل جزءاً أساسياً من مسؤولية المجتمع الدولي تجاه الشعب الفلسطيني. وفيما يتعلق بالقدس الشرقية، شدّد البيان على رفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، سواء في غزة أو في الضفة الغربية، وعلى ضرورة احترام الوضع القانوني والتاريخي القائم في المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مع الإشادة بالدور المحوري الذي تضطلع به الوصاية الهاشمية في حماية هذه المقدسات، وصون هويتها. وحذّرت اللجنة من أن السياسات الإسرائيلية الراهنة تسعى بشكل ممنهج إلى تقويض فرص تنفيذ حل الدولتين، والقضاء على أي أمل في تسوية سياسية عادلة وشاملة، مجدّدة تمسّكها بأن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادئ القانون الدولي. وحمّلت اللجنة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الكارثة الإنسانية المتفاقمة، وجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها بحق المدنيين في غزة، داعية المجتمع الدولي، وخصوصاً الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى تحمّل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، ووقف السياسات العدوانية الإسرائيلية، ومحاسبة الاحتلال على الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها بحق القانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي. كما أكدت اللجنة أهمية تنفيذ مخرجات المؤتمر رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية، الذي انعقد في نيويورك برئاسة السعودية وفرنسا، وما نصّت عليه الوثيقة الختامية من إجراءات عاجلة، وجدول زمني واضح لإنهاء الحرب في غزة، والشروع في مسار سياسي شامل لتحقيق حل الدولتين.