
إسرائيل الكُبرى.. مملكة نتنياهو!!
أربط ذلك بما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو مؤخرًا لقناة (i24) الإسرائيلية، عن (الحلم الإسرائيلي) بوصفه (مهمة أجيال) يُسلمها جيل إلى جيل، وكيف أنه يشعر بأنه في مهمة (روحية وتاريخية) من أجل الشعب اليهودي.. وقد أهداه المذيع شارون جال، وهو نائب يميني سابق، علبة بها تميمة تحمل خريطة (إسرائيل الكبرى)، وهو المصطلح الذي استخدم من قبل بعد حرب الأيام الستة في يونيو 1967، للإشارة إلى إسرائيل ومناطق القدس الشرقية والضفة الغربية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء في مصر، ومرتفعات الجولان.. لتدرك ما الذي يُراد بالقضية الفلسطينية، وما الذي يريد نتنياهو وحكومته فعله في قطاع غزة والضفة الغربية.
وبينما تعلن عدة دول أوروبية اعترافها بفلسطين، أو ما تبقى منها، يخطط الجيش الإسرائيلي لغزو قطاع غزة، ولا يزال الاحتلال محور النقاش السياسي بين نتنياهو وسموتريتش.. إن مجرد وجود نقاش في مجلس الأمن الإسرائيلي المُصغر، حول إمكانية إعادة احتلال قطاع غزة، بعد مرور ما يقرب من عامين على بدء الحرب، لا يقل عن انتصار شخصي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.. لم يكن هذا نقاشًا عمليًا فوريًا ولا مناورة استراتيجية مترددة، بل كان فعلًا بالغ الأهمية.. إن إمكانية مناقشته علنًا، بغض النظر عن القرارات وتنفيذها وعواقبها، بعد عقدين بالضبط من خطة فك الارتباط وإخلاء المستوطنات الإسرائيلية من غزة، هو الإنجاز.. ليس إنجاز إسرائيل، بل إنجاز (مملكة نتنياهو).
عامان من القصف المكثف حوّلا غزة إلى أرض قاحلة، غير صالحة للسكن.. ما لا يقل عن ستين ألف قتيل ومفقود، وعشرات الآلاف من الجرحى، ومئات الآلاف مشردون، وقد دُمّرت البنية التحتية والفوقية للقطاع، حتى لم يتبقى حجر فوق حجر في غزة.. نعم، صدرت مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس الوزراء، بنيامين نتتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف جالانت، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل.. تحققت توقعات (التسونامي السياسي)، وأعلنت دول عديدة اعترافها بفلسطين، أو ما تبقى منها.. ومع ذلك، لا تزال فكرة الاحتلال محور الخطاب السياسي.. هناك أصوات معارضة، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي لا يؤيد، وجنرالات متقاعدون يحذّرون من تعقيدات، وعائلات الرهائن تصرخ قائلةً إن هذه الخطوة ستُعرّض أحباءها للخطر.. كما يُعرب آباء الجنود المقاتلين وزوجات جنود الاحتياط عن قلقهم الصادق على مصير أبنائهم وأزواجهم.. ولكن على الرغم من كل ذلك، فإن معظم الأنظمة السياسية والعسكرية والعامة، تتعامل مع الحدث باعتباره مجرد خطوة أو قرار آخر، وهو محل نقاش في وسائل الإعلام بشكل رئيسي، ولا يحظى إلا بقدر ضئيل من الاهتمام بين الجمهور: فإسرائيل ليست مشتعلة، والأرض لا تهتز، وفي مطار بن جوريون هناك حديث عن أعداد قياسية من الركاب!!.
هذا هو الوقت المناسب لقول الحقيقة، كما برى جاك خوري، في (هآرتس) العبرية.. من الممكن والضروري انتقاد نتنياهو ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتامار بن جفير، فهم يتحملون المسئولية المباشرة عن الوضع.. إنهم يقودون الخطاب، ويُحرضون، ويُثيرون، بل ويبدو أحيانًا أنهم يستمتعون بالفوضى.. ولكن ماذا عن أولئك الذين يدّعون أنهم البديل؟.. ما هي رؤيتهم؟.. هل يعتبرون إعادة احتلال غزة وضعًا مؤقتًا سينتهي باستبدال الحكومة، أم أنه راسخٌ بالفعل في الوعي الإسرائيلي؟.
منذ السابع من أكتوبر، مرّت إسرائيل بمراحل من الوعي: صدمة، ألم، رغبة في العقاب والانتقام.. واليوم؟، هوسٌ بفرض الحقائق على الأرض.. ليس لتحرير الرهائن، ولا لإنهاء الحرب، بل لمواصلة الانغماس في وهم السيطرة المطلقة، وكأن إسرائيل لم تتعلم شيئًا من العقود الماضية.. هذه ليست مجرد حرب أخرى.. إنها أيديولوجية، ونظرة عالمية، ونمط حكم.. صحيح أن اللوم يقع على الطرف الآخر أيضًا.. لقد أصبحت حماس منظمة معزولة عن الميدان، وعن الشعب الفلسطيني، وعن المسئولية الأساسية للقيادة.. قيادة مشلولة فقدت كل أوراقها التفاوضية، بما في ذلك قضية الرهائن، وتواجهها السلطة العاجزة في رام الله، التي أصبح دفع رواتبها إنجازًا.. والعالم العربي؟، يُبثّ حالة من الشلل.. الغالبية منهم صامتون، ربما ينتظرون انحسار الضجيج.. لكن الدراما الحقيقية تحدث في إسرائيل.. ليست إسرائيل (الأولى)، ولا (الثانية)، بل الثالثة، تلك التي يُهيمن عليها هوسٌ ساخرٌ جامحٌ بالبقاء السياسي.. إسرائيل يُمكن فيها مناقشة احتلال غزة كمسألةٍ تقنيةٍ تقريبًا.. في مملكة نتنياهو، يُعدّ الكلام بحد ذاته فعلًا قائمًا بذاته.. وإذا لم يستطع أحدٌ اقتراح رؤية بديلة، فسيستمر هذا النقاش في خلق واقع، ليس فقط لهذا الجيل، بل للأجيال القادمة.
●●●
وافقت الحكومة الأمنية الإسرائيلية على خطة للسيطرة على مدينة غزة، في تصعيد مثير للجدل للحرب في القطاع الفلسطيني، حيث يعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين في هذه المدينة الواقعة شمال قطاع غزة، وكانت الأكثر اكتظاظًا بالسكان قبل الحرب، يعانون صعوبة الحصول على الغذاء بسبب الحصار الإسرائيلي والهجمات المستمرة على غزة.. وقد أدان العديد من زعماء العالم الخطة، وحذرت الأمم المتحدة من أنها قد تؤدي إلى (مزيد من النزوح القسري الجماعي) و(مزيد من القتل)، وتواجه الخطة أيضًا معارضة شرسة داخل إسرائيل، بما في ذلك من جانب المسئولين العسكريين وعائلات الرهائن.. وبالرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد صرّح لقناة (فوكس نيوز) سابقًا، بأن إسرائيل تخطط لاحتلال قطاع غزة بأكمله، ثم (تسليمه لقوات عربية) في نهاية المطاف، إلا أنه لا يزال الكثير من التفاصيل غامضًا، مع أن بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال، إن القوات الإسرائيلية (ستستعد للسيطرة على مدينة غزة)، وحددت ما زعمت إنها خمسة (مبادئ) لإنهاء الحرب: نزع سلاح حماس، عودة جميع الرهائن الأحياء والأموات، نزع السلاح من قطاع غزة، السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، إقامة إدارة مدنية بديلة لا تكون تابعة لحماس ولا للسلطة الفلسطينية.. وقال الجيش الإسرائيلي، إنه سيستعد للسيطرة على مدينة غزة، مع تقديم المساعدات الإنسانية (للسكان المدنيين خارج مناطق القتال).. ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه مساعدات جديدة، وما إذا كانت ستُسلم عن طريق مؤسسة غزة الإنسانية المثيرة للجدل والتي تدعمها إسرائيل والولايات المتحدة، أو عن طريق آلية أخرى.
قبل اجتماع الحكومة، قال نتنياهو، إنه يريد أن تسيطر إسرائيل على قطاع غزة بأكمله، لكن في الخطة الجديدة تم ذكر مدينة غزة فقط.. وتشير التقارير الإعلامية الإسرائيلية، إلى وقوع نقاش حاد مع رئيس أركان الجيش، إيال زامير، الذي أعرب عن معارضته الشديدة للسيطرة الكاملة على غزة، مع أن إسرائيل تقول إنها تسيطر حاليا على 75% من قطاع غزة، في حين تقدر الأمم المتحدة أن نحو 86% من الأراضي تقع، إما في مناطق عسكرية أو تحت أوامر الإخلاء.. وتهدف الخطة إلى تحريك القوات الإسرائيلية للسيطرة على أكبر مدينة في القطاع، والتي تعرضت بالفعل لأضرار بالغة جراء القصف الإسرائيلي والهجمات البرية.. وهي محاطة بأراضٍ كانت بالفعل تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي أو خاضعة لأمر إخلاء.. وقد كانت هناك أيضًا بعض التكهنات، بأن التهديد بالاحتلال الكامل قد يكون جزءًا من استراتيجية للضغط على حماس، لحملها على تقديم تنازلات في مفاوضات وقف إطلاق النار المتوقفة.. وقال نتنياهو، إن إسرائيل (لا تريد الاحتفاظ) بغزة وتعتزم تسليمها (للقوات العربية.. نريد أن يكون لدينا محيط أمني، ولا نريد أن نحكمه).. وبحسب مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية الدولية، ليز دوسيت، فإن نتنياهو (غامض بشكل متعمد) بشأن (القوات العربية) التي يعتقد أنها قادرة على إدارة غزة، كما فعل في الماضي مع خططه للمنطقة.. ربما يكون يشير إلى الأردنيين والمصريين، الذين قالوا إنهم على استعداد للعمل مع إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار، ولكنهم أوضحوا أنهم لن يدخلوا غزة على ظهر احتلال إسرائيلي.. ولم يتم الكشف عن مزيد من التفاصيل، بشأن الجدول الزمني للحكومة المقبلة في غزة بعد السيطرة عليها.. ولم تحدد إسرائيل موعد بدء السيطرة على القطاع، لكن التقارير الإعلامية الإسرائيلية تشير إلى أن الجيش لن يدخل مدينة غزة على الفور، وسيتعين على السكان المغادرة أولًا.
لنسأل الآن: هل ما يحدث هو إحياء لـ (خطة الجنرالات)، التي نُشرت في أواخر سبتمبر 2024، من قِبل منتدى القادة والجنود في قوات الاحتياط، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية تُعرّف نفسها بأنها هيئة مهنية تضم أكثر من ألأف وخمسمائة ضابط في الجيش؟.
●●●
يتطلع الكثيرون في الجيش الإسرائيلي وخارجه الآن، إلى (خطة الجنرالات)، المعروفة أيضًا بخطة آيلاند، لضمان هزيمة حماس.. في أبسط صورها، تتضمن هذه الخطة، التي طرحتها مجموعة من كبار جنود الاحتياط، تطهير قطاع غزة عرقيًا من سكانه؛ ثم حصار المنطقة، بما في ذلك وقف دخول الإمدادات الإنسانية، لتجويع من تبقى، بمن فيهم المقاتلون الفلسطينيون.. الشخصية المركزية وراء هذه الخطة، هو جيورا إيلاند، لواء الاحتياط المتقاعد، الذي كان رئيسًا لأقسام العمليات والتخطيط في الجيش، ثم ترأس مجلس الأمن القومي في وقت لاحق، وشارك في الحرب العربية ـ الإسرائيلية عام ١٩٧٣، وغزو لبنان عام ١٩٨٢، وعملية عنتيبي عام ١٩٧٦، وهو من يسار الوسط في إسرائيل.. يقول في مقابلة أُجريت معه في 29 أكتوبر 2023، بعد أسابيع فقط من بدء الحرب في غزة، إن إسرائيل بحاجة إلى ممارسة ضغط أقوى بكثير، (إن انهيارنا أمام المساعدات الإنسانية لغزة خطأ فادح.. يجب تدمير غزة بالكامل: فوضى عارمة، وأزمة إنسانية خانقة، وصرخات استغاثة..)..(ستجوع غزة بأكملها، كما استنتج إيلاند، (وعندما تجوع غزة، سيغضب مئات الآلاف من الفلسطينيين ويشعرون بالانزعاج).. ويعتقد آيلاند أيضًا، أنه ينبغي تجاهل تهديدات أخرى لسلامة الفلسطينيين، مثل احتمال انتشار وباء، (إذا استمر هذا الوضع، فسيؤدي في الواقع إلى تقويض روح حماس القتالية وتقصير أمد القتال).. هذا الكائن البشري، ليس لديه وقتٌ كافٍ للضعفاء.. في نوفمبر 2023، صرّح إيلاند، بأنه لا ينبغي لإسرائيل تقديم أي مساعدات إنسانية إلى غزة، لأن (من هنّ مسنّات غزة؟، هنّ أمهات وجدات مقاتلي حماس الذين ارتكبوا الجرائم المروعة في 7 أكتوبر الأول)!!.
لطالما حظيت فكرة الخطة، أي تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، بشعبية واسعة بين أوساط اليمين الإسرائيلي.. ولا شك أن هذه الحركة الجماعية لسكان غزة كانت أحد الأهداف المعلنة والمحورية لإسرائيل منذ بداية الحرب.. وقد طالب قادة الحكومة الإسرائيلية اليمينية، بما في ذلك وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن، إيتامار بن جفير، بطرد السكان الفلسطينيين.. في أكتوبر 2023، نشرت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، برئاسة جيلا جملئيل، وثيقة توصي (بإجلاء سكان غزة إلى سيناء.. وعدم السماح للسكان بالعودة إلى النشاط أو الإقامة بالقرب من الحدود الإسرائيلية).. وفي الشهر التالي، دعا وزير الزراعة، آفي ديختر، إلى تنفيذ نكبة أخرى في قطاع غزة، في إشارة إلى الطرد القسري لسبعمائة وخمسين ألف فلسطيني عام 1948 عندما أنشئت دولة إسرائيل.
في مقال نشر على موقع (العين السابعة) في أواخر أكتوبر 2023، ذكر إيفياتار ماتانيا، رئيس برنامج الدراسات الأمنية في جامعة تل أبيب، أن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل في غزة، يجب أن يكون (التدمير الكامل لمدينة غزة، مع كل ما يقع شمالها في القطاع، وزراعة حديقة السابع من أكتوبر على أراضيها، وتقليص قطاع غزة إلى جزئه الجنوبي فقط).. وبحسب ماتانيا، فإن خطة قطاع غزة (ستُنفَّذ بنقل واسع للسكان جنوبًا، واحتلال المنطقة الواقعة بين غزة وجنوب قطاع غزة، وعزلها، ثم تدمير المدينة بالكامل).. وقد حُذِفَ المقال من موقعه الإليكتروني منذ ذلك الحين.. وأوائل نوفمبر 2023، كتب ألوف بن، محرر صحيفة (هآرتس) العبرية، (إن الخطوة الاستراتيجية الرئيسية التي اتخذتها إسرائيل في حربها ضد حماس، هي طرد سكان غزة، حتى لو كان مؤقتًا، إلى جنوب قطاع غزة وتدمير المدينة.. في نهاية الشهر، أفاد ذكر موقع (واي نت) الإخباري الإسرائيلي، أن (الجيش يبذل جهودًا لإجلاء السكان المتبقين، وخصوصًا في الأحياء الشرقية، في الزيتون والشجاعية وجباليا.. ومن غير المتوقع أن يعود السكان إلى شمال قطاع غزة).
●●●
للكاتب الإسرائيلي، زافي بارئيل، رأي آخر.. إذ يقول في صحيفة (هآرتس) العبرية، إن قرار مجلس الوزراء الأمني بالموافقة على احتلال مدينة غزة، ثم قطاع غزة بأكمله، قد حوّل تحرير الرهائن إلى هدف هامشي في أحسن الأحوال، وفي أكثر الحالات واقعية، يُلغيه تمامًا.. حتى لو تجاهلنا الأهداف المُتخيّلة لوزراء اليمين المتطرف، الذين يسعون إلى (تصحيح خطيئة فك الارتباط) وإعادة بناء المستوطنات، فإن الافتراض العملي الذي يرتكز عليه الاحتلال، هو أن حكومة عسكرية ستحل محل نظام حماس، مُحققةً بذلك هدفًا رئيسيًا من أهداف الحرب.. بدلًا من ذلك، إذا لم يتحقق الاحتلال، فإن تهديده بحد ذاته يُقصد به أن يكون (سلاحًا كارثيًا)، يُوضح لحماس أنها قد تفقد موردها الرئيسي، أي سيطرتها على الأراضي، ومصادر دخلها، ومكانتها كجهة وحيدة قادرة على إخضاع إسرائيل وضمان استمرار حكم حماس، بل وحتى إجبار العالم على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.. لكن هذا التهديد ينفي الافتراض الإسرائيلي السابق، بأن الرهائن (مورد استراتيجي) لحماس.
لذا، في ظل خيار الاحتلال، لم تعد هناك حاجة لهم.. لا لحماس، التي لن يضمن لها الرهائن بقاءها، ولا لإسرائيل التي تُفضل انهيار حماس على تحرير الرهائن.. وبالتالي، لن تكون هناك حاجة للتفاوض على إطلاق سراحهم، الأمر الذي سيفرض ثمنًا سياسيًا لا تستطيع الحكومة تحمله.. إذا كان الهدف الوحيد المتبقي من هذه الحرب هو إسقاط نظام حماس، فهذا يعني أنه لا يكفي (السيطرة) على الأراضي و(تهجير) السكان.. يوضح قرار مجلس الوزراء، ضرورة الاحتلال المباشر والكامل، بكل ما يترتب عليه من آثار قانونية ودولية واقتصادية واجتماعية.. وحتى الآن، تهربت إسرائيل من أي مسئولية قانونية لإدارة شئون أكثر من مليوني غزّي بموجب القانون الدولي، وذلك برفضها تعريف (وجودها) في غزة على أنه احتلال، ووافقت على زيادة كبيرة في حجم المساعدات الإنسانية، مُظهرةً بذلك عجزها الذريع عن إدارة عملية إنسانية بطريقة معقولة، تضمن الحد الأدنى من الغذاء للشعب وتمنع المجاعة الجماعية.
لكن عبارة (انهيار حماس)، لم تجد حتى الآن ترجمة عملية أو تحليلًا مفصلًا يُظهر النتائج المطلوبة.. من المُتفق عليه أن قيادة حماس، داخل غزة وخارجها، والمنظمة بأكملها، قد تلقّت ضربات كارثية، وتضررت قدرتها على القيادة والسيطرة بشكل كبير.. لقد دُمرت المؤسسات المدنية التي كانت تديرها حماس تدميرًا شبه كامل، وتقلصت مصادر تمويلها بشكل كبير، ولا يمكن لسرقة المساعدات الإنسانية أن تعوّض عن الشرايين المالية التي تدفقت، برعاية وتشجيع إسرائيلي، بالمبالغ الطائلة التي تدفقت على الحركة لسنوات، والتي استُخدمت لتسليحها وتجهيزها وبناء الأنفاق وتقديم الخدمات المدنية.
الضرائب والرسوم التي كانت حماس تجمعها من سكان غزة، والتي كانت تُشكل جزءًا كبيرًا من إيراداتها، تكاد تكون معدومة.. لا يملك سكان غزة دخلًا لدفع الضرائب لحماس، ولا يحتاجون إلى تصاريح خروج إلى مصر أو الضفة الغربية، التي كانوا يدفعون مقابلها (رسومًا) باهظة لحماس، ولا توجد صادرات أو واردات كانت حماس تسيطر عليها.. وظّفت حماس بشكل مباشر ما بين أربعين وخمسين ألف شخص في منظومتيها العسكرية والمدنية، وعشرات الآلاف غيرهم في الدائرتين الثانية والثالثة من الموظفين، الذين استفادوا بشكل غير مباشر من أعمال النظام.. قُتل أو جُرح الكثير منهم، وفقد معظم الباقين سبل عيشهم منذ اندلاع الحرب، وانتقلوا من الطبقة المتوسطة إلى الجوعى الذين يُخاطرون بحياتهم، بل وقُتلوا بالمئات وهم يسعون جاهدين للحصول على مساعدات غذائية.. ليس من الواضح ما الذي يُمكن فعله لتدمير حماس أو غزة وهدمهما حتى تُحقق إسرائيل هذا الهدف.. في ظل هذه الخلفية، يُصبح من الصواب تعريف (انهيار حماس) كهدف مستقبلي، أي منع حماس من إعادة بناء قوتها العسكرية وتجديد قوتها وسلطتها المدنية.
إسرائيل، التي رفضت السماح للسلطة الفلسطينية بأن تحل محل حماس، والتي كانت ستُشكل حكومة بديلة في غزة، تنوي تولي المهمة بالاحتلال المباشر لتصبح الحكومة البديلة.. ظاهريًا، يُفترض أن تكون إدارة بسيطة.. كل ما هو مطلوب هو سحب (ملفات احتلال) غزة من ما قبل فك الارتباط، ونفض الغبار عنها، وإعادة تطبيقها.. سيتم تعيين كبار الضباط محافظين، وسيُعار موظفو الحكومة للحكومة العسكرية التي ستُنشأ، ليعملوا كضباط أركان في مكاتب مدنية، وستُمول ميزانية الدولة العمليات الروتينية في غزة.. لكن ثمة فجوة شاسعة تفصل بين مفهوم الاحتلال ووظيفته في الضفة الغربية وغزة، والواقع الذي ينتظر الحكومة العسكرية التي ستُقام في غزة.
كانت الضفة الغربية وغزة تتمتعان ببنية تحتية إدارية واقتصادية نشطة قبل دخول إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية.. أدارت البلديات ورؤساء البلديات شئون المواطنين، وأنشأت المؤسسات الصناعية والزراعية البنية التحتية الاقتصادية وفرص العمل، وعمل أبناء الضفة الغربية وغزة في إسرائيل، وفي غضون فترة وجيزة، تطورت الصادرات من الضفة الغربية وغزة إلى إسرائيل والأردن ودول عربية أخرى.. كانت المدارس والعيادات والمحاكم والشرطة والخدمات الاجتماعية موجودة بالفعل، وكذلك أنظمة الحكم المحلي في القرى والبلدات الصغيرة.. لاحقًا، استبدلت السلطة الفلسطينية معظم الآليات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومنذ عام ٢٠٠٧، بنت حماس بنيتها التحتية في غزة.. واليوم، لم تُدمَّر البنية التحتية العسكرية لحماس فحسب، بل لم يبقَ منها سوى القليل تقريبًا من آلياتها ومؤسساتها الإدارية المدنية.
لذلك، سيتعين على أي حكومة عسكرية إسرائيلية، إعادة بناء كل شيء إذا أرادت الإمساك بزمام الأمور من طرفيها وتصميم بديل حاكم لحماس مع السلطة الفلسطينية.. إن تعيين المحافظين، وإقامة نقاط التفتيش، وتعيين البلطجية ورجال العصابات كحراس أمن لمرافقة قوافل المساعدات وضمان توزيعها على الناس، لن يكون كافيًا لإسرائيل لتلبية الشروط الأساسية لقوانين الاحتلال، ناهيك عن إنشاء بنية تحتية مدنية بديلة.. سيتعين على الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، فحص وتعيين آلاف المعلمين ومعلمات رياض الأطفال والمهندسين والأطباء والفنيين والسائقين وجميع المهنيين الآخرين، لإعادة تنشيط البنية التحتية المدنية.. هؤلاء لا يمكن خلقهم من العدم، وقد عمل الكثير منهم لصالح حماس.. على الرغم من وجود طبقة من آلاف المسئولين الذين يُحسبون ضمن موظفي السلطة الفلسطينية ويتقاضون رواتبهم منها، إلا أن الكثير منهم نسيوا مهاراتهم منذ زمن.. وبوجه عام، ستُفسر إعادة توظيفهم، على أنها السماح للسلطة الفلسطينية بدخول غزة من الباب الأمامي.. ولا جدوى هنا من ذكر الاحتلال الأمريكي الفاشل للعراق، حيث تم تطهير الآليات العسكرية والمدنية لأعضاء حزب البعث فور دخولهم البلاد، حتى اضطروا لتغيير رأيهم سريعًا، عندما أدركوا أنه لا بديل لآلاف العمال، الذين سُجِّل الكثير منهم كأعضاء في الحزب الحاكم كشرط لتوظيفهم.
ولكن إلى جانب المسألة المعقدة المتمثلة في إقامة حكومة عسكرية في غزة، والإبقاء على آلاف جنود الاحتياط في مهام لوجستية وعمليات أمنية روتينية وأعمال شرطة، سيتعين على الجيش الإسرائيلي التعامل مع الاحتياجات المدنية لمليوني شخص.. سيواجه الجيش الإسرائيلي شعبًا عانى من أسوأ كارثة في تاريخه، وستُلقى مسئوليتها على عاتق إسرائيل، وليس حماس.. هذه أرض خصبة لنمو حركة المقاومة المسلحة من الجيل القادم والمنظمات الفلسطينية.. وفي غياب حل دبلوماسي، قد يظل هذا الجيل عالقًا في (المحيط) الذي ستُحيط به إسرائيل قطاع غزة.
●●●
في الأشهر الأخيرة، دار جدلٌ حول ما إذا كانت إسرائيل تُعتبر الآن قوةً مهيمنةً في الشرق الأوسط.. لكن هذا النقاش يُسيء فهم استراتيجية (إسرائيل الكبرى) الجديدة.. فإسرائيل لا تطمح إلى أن تكون القوة المهيمنة التي يتصورها صانعو السياسات الأمريكيون غالبًا، أي ترسيخ وتعزيز توازن قوى مُفيد استراتيجيًا.. بل تستخدم إسرائيل الآن القوة العسكرية لزعزعة استقرار الشرق الأوسط بأكمله بهدف إعادة تشكيل المنطقة وتنظيمها.. هذا يعني أنه بدلًا من (جزّ العشب) ـ وتلك كانت تسمية لإحدى عملياتها العسكرية في سوريا ـ لاحتواء منافسيها، تُوظّف إسرائيل الآن تفوقها العسكري النوعي لتحقيق (نصرٍ شامل) عليهم.. في السابق، كان الصراع غير المحدود على جبهات متعددة أسوأ كابوس لإسرائيل.. ومع ذلك، بعد السابع من أكتوبر 2023، أطالت إسرائيل أمد (حربٍ أبدية) على جميع حدودها وما وراءها.. وبقدر ما تضع إسرائيل هدفًا نهائيًا نصب عينيها، أصبح هذا الهدف الآن أكثر طموحًا وتحولًا.. ربما طمس نتنياهو رؤيته (لليوم التالي) لغزة، لكنه عبّر بوضوح عن رؤيته لـ (شرق أوسط جديد).. يعتقد أن شل ما يُسمى بمحور المقاومة، سيُمكّن السلام من الانبثاق من رماد النظام القديم.. وقد زعم أن الدول العربية (المعتدلة) ستكون حرة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بمجرد أن تتخلص من مخاوفها من المفسدين كإيران، كما يقول روب جايست بينفولد، هو محاضر في الأمن الدولي في كلية كينجز بلندن، وباحث في مركز أبحاث السلام في براغ، وأستاذ مساعد في جامعة جونز هوبكنز، في مقال له في Foreign Policy.
في السادس عشر من يوليو الماضي، صعّدت إسرائيل تدخلها العسكري في سوريا بشكل كبير.. خلال المعارك الدائرة بين الدروز والبدو وقوات الحكومة السورية في محافظة السويداء، انضمت إسرائيل إلى صفوف الدروز وشنّت أكثر من مائة وستين غارة جوية خلال أربعة وعشرين ساعة فقط.. ثم سوّت بالأرض عدة مبانٍ حكومية في العاصمة السورية دمشق.. نشر وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مقطع فيديو للهجوم وقال، (بدأت الضربات الموجعة)، مما يوحي بأن المزيد منها قادم.. ولتبرير قرار مواصلة الصراع في سوريا، ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه لم يكن أمام إسرائيل خيار سوى التحرك و(إنقاذ إخواننا الدروز) من مجزرة.. وقد قوبل ادعاؤه بالتشكيك.. فقد لقي أكثر من ستمائة ألف شخص حتفهم خلال الحرب الأهلية السورية، ومن المرجح أن يشمل هذا الرقم مئات، إن لم يكن آلافًا، من الدروز.. إلا أن تدخلات إسرائيل خلال الحرب لم تكن قريبة بأي حال من الأحوال من حجم هجماتها الأخيرة.
إن الطريقة الأفضل لفهم أفعال إسرائيل، هي النظر إلى تحولها من قوة قائمة على الوضع الراهن إلى قوة رجعية.. فرغم مواجهة جهات معادية على حدود متعددة ـ حزب الله في الشمال وحماس في الجنوب ـ رأى صانعو السياسات الإسرائيليون عمومًا، أن وضعهم الاستراتيجي مقبول، وسعوا إلى تحسينات تدريجية ضمن النظام الجيوسياسي القائم.. وحاول نتنياهو إسكات حماس، ومنع حل الدولتين، والسعي إلى اتفاقيات سلام مع بعض الأنظمة العربية في المنطقة.. قبل هجمات حماس في السابع من أكتوبر 2023، اعتبرت إسرائيل الحرب الأهلية في سوريا شأنًا داخليًا، ولم تتدخل إلا عندما سعت إيران إلى استغلال الفوضى في سوريا لتزويد حزب الله بأسلحة متطورة، أو لترسيخ وجودها على حدود إسرائيل.. في سوريا وغزة وأماكن أخرى، أصدر نتنياهو تعليماته للقوات الإسرائيلية بـ (جزّ العشب)، وتقليص أي تهديدات تعديلية، بدلًا من السعي لتغيير النظام.
كان ذلك لأن الحكومة الإسرائيلية رأت أن الوضع الراهن، المحلي والإقليمي، هو الأنسب لمصالحها.. سمح ذلك لإسرائيل بإغلاق حدودها مع غزة، مع التخلي في الوقت نفسه عن أي مسئولية تجاه سكانها.. في الضفة الغربية، اتفقت إسرائيل أيضًا مع جهة أخرى ـ السلطة الفلسطينية ـ لإدارة شئون الحكم المدني، مع ترسيخ احتلالها طويل الأمد.. وفي أماكن أخرى، طبّعت إسرائيل علاقاتها مع قوى أخرى قائمة على الوضع الراهن، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمغرب والبحرين.. وكانت على وشك القيام بذلك مع المملكة العربية السعودية أواخر عام ٢٠٢٣.
لطالما وصف الإسرائيليون نتنياهو بـ (الساحر) لطول عمره السياسي، وجمعه المستحيلات لفترة طويلة.. في عهده، بدا وكأن إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بالضفة الغربية، والشعور بمزيد من الأمن العسكري، وتكامل إقليمي متزايد.. لكن هجمات حماس غيّرت كل ذلك.. ردًا على ذلك، تخلى نتنياهو عن الوضع الراهن.. وسعى بدلًا من ذلك إلى (نصرٍ شامل) على حماس في غزة، وأفسد مرارًا وقف إطلاق النار في القطاع.. علاوة على ذلك، صعّدت إسرائيل هجماتها على حزب الله وإيران، مما أدى إلى شلّهما.. باختصار، أعاد نتنياهو صياغة إسرائيل كفاعلٍ تنقيحي يُعيد تشكيل المنطقة بالقوة العسكرية.. ولا يزال الهدف هنا، هو أن تستحوذ إسرائيل على كل شيء: السيطرة إلى أجل غير مسمى، أو حتى ضم أجزاء من غزة والضفة الغربية، مع تحقيق السلام مع جيرانها في الوقت نفسه.. لكن الرؤية لكيفية تحقيق ذلك قد تغيرت.. الآن، يبدو أن طريق نتنياهو المفترض للسلام يمر عبر تفاقم الفوضى الإقليمية.
لكن الأحداث الأخيرة في سوريا توضح سبب عدم واقعية هذه الرؤية.. فبمجرد سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، شنت إسرائيل عددًا غير مسبوق من الضربات ضد المعدات العسكرية السورية ومنشآت النظام السابق، بينما احتلت قواتها البرية حوالي سبعة وسبعين ميلًا مربعًا من الأراضي السورية.. ونتيجةً لذلك، شاركت الدول الداعمة لسوريا ـ وخصوصًا تركيا ودول الخليج ـ في قنوات خلفية متعددة لتهدئة التوتر.. وتطور ذلك إلى محادثات مباشرة بين إسرائيل وسوريا شارك فيها حلفاء رئيسيون لنتنياهو، مثل تساحي هنجبي، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ورون ديرمر، وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلي.. تزامن هذا التقدم الدبلوماسي مع الضربات الإسرائيلية على إيران، وما تلاها من وقف إطلاق نار.. وبينما كان نتنياهو يتوجه إلى واشنطن، توقع المراقبون أن يستغل هو وترامب المواجهة الأخيرة كحافز لإنهاء دوامة الصراع المميتة التي تعصف بالمنطقة.. وبدا نتنياهو مستعدًا للانتقال من المرحلة الأولى من استراتيجية إسرائيل الكبرى الجديدة، الصراع والفوضى، إلى المرحلة الثانية، التطبيع.. وكانت سوريا، وربما لبنان، أول المرشحين.. لكن لم يكن مقدرًا له أن يحدث.. انتهى اجتماع ترامب ونتنياهو الذي رُوِّج له بكثافة دون اتفاق.. بعد ذلك بوقت قصير، وبينما خيّم عدم الاستقرار على محافظة السويداء السورية، شنّت إسرائيل غارات أسفرت عن مقتل عدد من قوات الأمن السورية أكبر من أي وقت مضى، وأهانت الحكومة السورية الجديدة بهجماتها على العاصمة.
على عكس آمال نتنياهو، هذه هي بالضبط الإجراءات التي تُضعف احتمالات التطبيع.. لقد فاقمت غضب الشعوب العربية ـ التي كانت أصلًا معادية للتطبيع ـ مما يعني أن القادة العرب أصبحوا الآن أكثر تقييدًا فيما يمكنهم تقديمه.. علاوة على ذلك، هناك الآن تباعد استراتيجي متزايد مع الدول العربية الموالية للغرب، التي لا تزال قوى الوضع الراهن التي تريد إنهاء الحروب الإقليمية.. بالنسبة للقادة العرب، أصبح التطبيع الآن أكثر خطورة، مع مكاسب استراتيجية أقل.. وبدورها، برهنت إدارة ترامب على سوء فهمها الجذري للتحول الاستراتيجي الكبير لإسرائيل.. فقد وصف مسئولون أمريكيون محبطون نتنياهو مؤخرًا بأنه (مجنون)، (يقصف كل شيء طوال الوقت).. لكن لجنونه منهجٌ خاص.. فقد حوّل نتنياهو إحدى أعظم المآسي في تاريخ إسرائيل ـ هجمات حماس السابع من 7 أكتوبر ـ إلى حدثٍ تحوّلي، سمح لإسرائيل بالسعي إلى الهيمنة الإقليمية من خلال استراتيجية كبرى تنقيحية.
وهذا أيضًا هو سبب فشل إدارة ترامب في محاولاتها لإنهاء الحرب في غزة، وإرساء تسوية مؤقتة بين إسرائيل وتركيا، وإحلال السلام بين إسرائيل وسوريا.. إن التغيير الاستراتيجي الكبير صعب ونادر.. لقد تطلب الأمر أمرًا صادمًا وغير متوقع، كهجمات حماس في أكتوبر، لإنهاء تمسك إسرائيل بالوضع الراهن.. كان على ترامب أن يقدم شيئًا دراماتيكيًا بنفس القدر.. مهما كان ما قدمه لنتنياهو، فإنه لم يكن مُغريًا بما يكفي لإبعاد إسرائيل عن التحريفية.. ولا تزال إسرائيل غير راغبة في تحويل انتصاراتها التكتيكية على إيران وحزب الله وحماس إلى نجاحات سياسية طويلة الأمد.. والأسوأ من ذلك، أن إغراءات استخدام القوة بطرق جديدة، تبدو مُغايّرة، وتتزايد. فقد دعا وزراء إسرائيليون علنًا إلى تدمير غزة بالكامل وتجويع سكانها.. وخلال اشتباكات السويداء، دعا أحد الوزراء إلى (القضاء) على الرئيس السوري أحمد الشرع.. والأكثر سخافةً، أن صحيفة (إسرائيل اليوم)، التي تُوصف غالبًا بأنها (بوق) نتنياهو، نشرت مؤخرًا مقال رأي يدعو إسرائيل إلى (تحرير) شمال قبرص من السيطرة التركية.
إذا استمرت إسرائيل في هذا المسار، فمن المرجح أن يظل (الشرق الأوسط الجديد) الذي يطمح إليه نتنياهو مشابهًا جدًا للشرق الأوسط القديم: لا وقف إطلاق نار في غزة، ولا تطبيع مع جيرانها العرب.. ستواصل استراتيجية إسرائيل التعديلية الكبرى عزل الدول الإقليمية التي تخشى انتشار الفوضى، مما يدفع بالنجاح على المدى الطويل بعيدًا عن المنال.. وقد انتقد ترامب نفسه بشدة استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى التي تعتمد على (حروب لا تنتهي)، لإعادة تنظيم المناطق والمجتمعات بالقوة العسكرية.. إن فشل ترامب في كبح جماح نتنياهو، يعني أن هذا النوع من المغامرة الطوباوية تحديدًا، هو ما يُمكّنه الآن.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

bnok24
منذ 27 دقائق
- bnok24
الذهب يرتفع من أدنى مستوى في أسبوعين مع ترقب للمؤتمر السنوي للفيدرالي
الذهب يرتفع من أدنى مستوى في أسبوعين مع ترقب للمؤتمر السنوي للفيدرالي ارتفعت أسعار الذهب، اليوم الاثنين، بعد أن وصلت إلى أدنى مستوى لها في أسبوعين، مدعومة بانخفاض عوائد سندات الخزانة الأمربكية مع ترقب المستثمرين لاجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين لمناقشة اتفاق سلام مع روسيا. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 0.3% إلى 3345.64 دولار للأونصة، بعد أن سجل أدنى مستوى له منذ أول أغسطس. وارتفعت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر 0.3% أيضا إلى 3391.80 دولار. وقال محللون: 'كان الذهب في حالة تراجع في بداية اليوم، ولكنه تمكن من عكس مساره مع صعود المشترين إلى مستوى 3330 دولارا تقريبا'. ومن المقرر أن ينضم قادة أوروبيون إلى زيلينسكي لإجراء محادثات مع ترامب. وقالت مصادر مطلعة على تفكير موسكو، إن روسيا ستتخلى عن جيوب صغيرة تحتلها في أوكرانيا وستتخلى كييف عن مساحات من أراضيها الشرقية التي لم تتمكن موسكو من الاستيلاء عليها، بموجب مقترحات السلام التي ناقشها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترامب في قمتهما في ألاسكا. مؤتمر الفيدرالي ويترقب المستثمرون أيضا المؤتمر السنوي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) في جاكسون هول بولاية وايومنج. ويتوقع الخبراء الاقتصاديون الذين استطلعت رويترز آراءهم إلى حد كبير أن يعلن المركزي الأمريكي خفض سعر الفائدة في سبتمبر، وهو أول خفض له هذا العام، مع احتمال إجراء خفض ثان بحلول نهاية العام وسط تصاعد مشاكل الاقتصاد الأمريكي. ويميل الذهب الذي لا يدر عائدا، والتي تعتبر من الأصول الآمنة خلال فترات الضبابية، إلى الارتفاع في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، زادت الفضة في المعاملات الفورية 0.3% إلى 38.08 دولار للأونصة، وارتفع البلاتين 0.8% إلى 1346.61 دولار للأونصة، وصعد البلاديوم 1.3% إلى 1126.85 دولار للأونصة.


بوابة ماسبيرو
منذ 39 دقائق
- بوابة ماسبيرو
استقرار أسعار النفط مع انحسار مخاوف الإمدادات الروسية
استقرت أسعار النفط في مستهل تعاملات الأسبوع اليوم الاثنين، بعد تكبدها خسائر حادة الأسبوع الماضي، مدعومة بتراجع المخاوف بشأن الإمدادات الروسية عقب لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين. واستقرت عقود خام برنت لشهر أكتوبر عند 65.84 دولار للبرميل دون تغيير، بينما ارتفعت عقود خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 0.1% لتسجل 62.87 دولار للبرميل. وأبدى ترامب، خلال القمة التي عقدت في ألاسكا، استعدادا للبحث عن اتفاق سلام شامل في أوكرانيا بدلا من التركيز فقط على وقف إطلاق النار، ما خفف من التوقعات بفرض عقوبات جديدة على قطاع الطاقة الروسي. وكان الرئيس الأمريكي قد هدد سابقا باتخاذ إجراءات صارمة ضد موسكو إذا لم يتحقق وقف لإطلاق النار، الأمر الذي أثار مخاوف الأسواق من اضطرابات في الإمدادات. وصرح ترامب، في وقت سابق، بأنه لا يستعجل فرض تعريفات على الصين بسبب شرائها النفط الروسي، لكنه لمح إلى إمكانية اتخاذ خطوات خلال أسابيع إذا لم يحدث تقدم في إنهاء الحرب. ومن المقرر أن يجتمع ترامب اليوم في واشنطن مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين، في محاولة لدفع عملية السلام قدما.


الوفد
منذ 43 دقائق
- الوفد
تظاهرات حاشدة في تل أبيب للمطالبة بصفقة تبادل الرهائن وإنهاء حرب غزة
تجمع مئات الآلاف في مناطق مختلفة من تل أبيب للمطالبة بإنهاء حرب غزة والتوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس. وقال منتدى عائلات المفقودين إن نحو 500 ألف شخص شاركوا في التظاهرة، التي رفعت شعار "أعيدوهم جميعاً إلى بيوتهم… أوقفوا الحرب". وشهدت "ساحة الرهائن" في تل أبيب أمس الأحد أكبر حشد، حيث قال المنظمون إن خطط الحكومة للسيطرة على مدينة غزة تُعرّض حياة حوالي 20 رهينة لا يزالون محتجزين لدى حماس للخطر. أدى إضراب وطني استمر ليوم واحد كجزء من احتجاجات أوسع - إلى إغلاق الطرق والمكاتب والجامعات في بعض المناطق، واعتقل ما يقرب من 40 شخصاً خلال اليوم. انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاحتجاجات، قائلاً إنها "تشدد موقف حماس وتؤخر الإفراج عن الرهائن". وأيد ذلك وزراء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو، حيث هاجم وزير المالية بتسلئيل سموطريتش المحتجين قائلاً إن "شعب إسرائيل يستيقظ هذا الصباح على حملة مشوّهة وضارة تخدم مصالح حماس، التي تُخفي الرهائن في الأنفاق، وتدفع إسرائيل نحو الاستسلام لأعدائها وتعريض أمنها ومستقبلها للخطر". أما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فاعتبر أن الإضراب العام "يقوّي حماس ويُضعف فرص عودة الرهائن". في المقابل، رفض زعيم المعارضة يائير لابيد هذه الاتهامات موجهاً حديثه للوزيرين: "ألا تخجلان؟ لا أحد عزّز قوة حماس أكثر منكما". وعبر لابيد، الذي حضر تجمعاً حاشداً في تل أبيب، عن دعمه للمحتجين، وكتب على منصة إكس "الشيء الوحيد الذي يقوي الدولة هو الروح الرائعة للشعب الذي يخرج اليوم من منازله من أجل التضامن الإسرائيلي". في الوقت نفسه، ذكرت مصر أن وسطاء دوليين يقودون جهوداً جديدة للتوصل إلى هدنة لمدة 60 يوماً تشمل الإفراج عن المحتجزين، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه يمضي قدماً في خطط السيطرة على مدينة غزة ومخيماتها، وسط تحذيرات أممية من مجاعة واسعة. وانهارت في يوليو مفاوضات كانت تهدف إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المزيد من الرهائن، وقالت حماس حينها إنها لن تفرج عن الرهائن المتبقين إلا إذا وافقت إسرائيل على إنهاء الحرب، في حين تعهد نتنياهو بعدم بقاء حماس في السلطة في القطاع. وطالبت عائلات الرهائن وآخرون معارضون لتوسيع نطاق الحرب بالإضراب الوطني. وامتدت الاحتجاجات إلى أنحاء البلاد، حيث قطع المتظاهرون الطرق وأشعلوا الإطارات، فيما اعتقلت الشرطة أكثر من 30 شخصاً. جاءت الاحتجاجات بعد أسبوع من تصويت مجلس الحرب الإسرائيلي على احتلال مدينة غزة، أكبر مدن القطاع، وتهجير سكانها، في خطوة أدانها مجلس الأمن الدولي. ومنذ ذلك الحين، فرّ آلاف السكان من حي الزيتون جنوب مدينة غزة، حيث تسببت أيام من القصف الإسرائيلي المتواصل في وضع "كارثي"، وفقاً لما ذكرته بلدية المدينة لبي بي سي.