
هل جرافات التغيير قادمة لتقليب التربة السياسية في العراق؟
سكت الشارع العراقي عن هذا الواقع المؤلم، لا لضعف أو جهل، بل لأن أكثر من ثلث السكان يعتمدون على الراتب الحكومي، الذي يأتي أساسًا من عائدات النفط. وبذلك، تم شراء صمت الناس مقابل لقمة العيش. لكن في تشرين الأول/أكتوبر 2019، انتفضت مجموعة من الشباب المحروم من فرص العمل والحالم بالعدالة والمواطنة، مطالبين بأن يكونوا متساوين مع أقرانهم في العالم المتحضر. خرج الآلاف في مظاهرات سلمية واعتصموا في الساحات، لكنهم قوبلوا بعنف مفرط من القوات الحكومية والمليشيات، وتم سحقهم بالرصاص الحي، ناهيك عن محاولات شراء قادة الحراك وإدخالهم في لعبة البرلمان بدعوى 'الاستفادة من المنافع'، لتكون النتيجة في النهاية واضحة: فشل الحراك في تحقيق أهدافه، بل وفشل بعض شبابه في البقاء على قيد الحياة.
استمر المشهد العراقي غارقًا في فوضى الفساد والاغتيالات وسرقة المليارات، وسط منظومة سياسية مغلقة تشترك فيها خمس أو ست قوى رئيسية، تمتلك مليشيات وأذرعًا مالية ضخمة قادرة على سحق كل من يعارضها. خرج من هذه الدائرة 'الإطار السياسي' طرفٌ اكتفى بالمراقبة رغم فوزه في الانتخابات الأخيرة، لكنه لم يشارك في الحكومة، ولا يبدو أن لديه الرغبة بصنع القرار أو المشاركة فيه مع الائتلاف الحاكم.
العالم اليوم في حالة تغير متسارع، تقوده التكنولوجيا والاقتصاد، وتصطدم فيه الأيديولوجيات القديمة بالمصالح الاقتصادية المتغيرة ، كلّ شيء مرتبط بشيء كما لو كان المشهد لوحة لعبة بازل يكمل بعض القطع بعضها . ومع اشتعال الحرب الأخيرة بين 'الدولة العبرية' و'الدولة الإيرانية' التي دامت 12 يومًا، ظهر بوضوح أن المنطقة مقبلة على صراع قوى أكبر، يدمج بين التفوق العسكري والتقني، والخلفيات العقائدية المتوغلة في التاريخ والمستمدة قواها منه.
هذه المواجهة لن تمر دون أن تترك بصمتها على الواقع السياسي العراقي. فالمشهد مقبل على موسم سياسي جديد كليًا، لا يشبه لا زمن القوميين، ولا الإسلام السياسي، ولا العسكر. إنه زمن تُدار فيه السياسة بذكاء اصطناعي، وتحركه قوى خفية عابرة للحدود. البقاء فيه لن يكون للأقوى، بل للأذكى.
العالم اليوم يتحرك كالزلازل؛ تدفعه المصالح الاقتصادية وتصطدم فيه الأيديولوجيات. فهناك صراع إقليمي محتدم بين قوى تبحث عن السيادة والهيمنة، يتجلى في أشكال مختلفة، منها ما يشبه 'صراع الديكة'، ولكن بأدوات نووية وتقنية.
بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا بين 'الدولة العبرية' و'الدولة الإيرانية'، والتي بدت كصراع نفوذ وقوة بين خصمين عسكريين وتقنيين، وخصمين سابقين عقائديًا، يبدو أن انعكاسات هذا الحدث التاريخي ستمتد إلى العراق. نحن مقبلون على موسم سياسي جديد يختلف جذريًا عن حقبة القوميين في القرن الماضي، وعن مرحلة الإسلام السياسي، وعن كل ما سبق. موسم جديد تُدار فيه الأمور عبر الذكاء الاصطناعي، والقوى الخفية العابرة للحدود، حيث البقاء سيكون للأذكى، لا للأقوى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جزايرس
منذ 28 دقائق
- جزايرس
مستقبل الهجرة ونظرية الاستبدال العظيم
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. بقلم: حسين مجدوبي بدأ خطاب اليمين القومي المتطرف في الغرب المناهض للهجرة يتخذ أبعادا خطيرة في ظل التطورات المرعبة التي يعيشها العالم من حروب وعلى رأسها التقتيل في قطاع غزة إذ لم يعد خطابا يرتكز على ما هو اجتماعي مثل سرقة مناصب الشغل بل يتخذ مواجهة حضارية ودينية بعدما بدأ يؤمن إيمانا عميقا بنظرية الاستبدال العظيم .في هذا الإطار قدّم حزب فوكس اليميني القومي المتطرف في إسبانيا يوم الأحد الماضي طرحا مثيرا للجدل تمثل في تعهده بضرورة مراجعة ملفات تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين خلال الثلاثة عقود الماضية إلى جانب إعادة النظر في الظروف التي منحت فيها الجنسية للأجانب بمعنى فرضية سحبها من عشرات الآلاف. ووفقا لما أعلنه الحزب فإن الهجرة تُكبّد خزينة الدولة الإسبانية سنويا أكثر من 30 مليار يورو. كما عبّر عن قلقه من الارتفاع المتزايد في أعداد المهاجرين لاسيما المسلمين داخل المجتمع الإسباني محذرا من أن هذا التزايد قد يؤدي حسب تصوره الفكري إلى تراجع نسبة السكان الإسبان من أتباع الديانة المسيحية مقابل تنامي نسبة الوافدين من ثقافات وديانات أخرى وعلى رأسها الإسلام و ستكون إسبانيا أمام مجتمع مختلف خلال العقود المقبلة .بالاستبدال العظيم وبهذا يلتحق حزب فوكس المتطرف القوة الثالثة في إسبانيا بخطاب يتفاقم ويتعاظم في الغرب ويرتكز على الاستبدال العظيم . وأصبحت نظرية الاستبدال العظيم عنصرا مهما في الخطاب الغربي المتطرف وعلى الرغم من أن الكثير من عناصرها كانت موجودة في خطاب الحركات النازية واليمينية القومية المتطرفة إلا أنها أخذت منحنى أخطر ابتداء من سنة 2010 في فرنسا عندما أصدر الكاتب الفرنسي رينو كامو في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2010) ومرة أخرى في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2011). ويزعم أن شعبا مكونا من مهاجرين من افريقيا وشمال افريقيا يتعزز ثقافة وعددا وبدأ يحل محل الشعب الفرنسي الأصلي . ويقول في مختلف البرامج التلفزيونية التي شارك فيها يجب عدم الاهتمام بالأزمات الاقتصادية لأنه كل 30 سنة تقع أزمة اقتصادية كبرى وإنما الخطر مقبل من أزمة الاستبدال العظيم وهي أن شعوب أوروبا التي تكونت دينيا وثقافيا وإثنيا منذ 15 قرنا في أوروبا قد تشهد تغييرا جذريا بسبب الهجرة المقبلة من الجنوب. هذه النظرية التي باتت مرجعا لليمين القومي المتطرّف لها جذور تاريخية وقد أعاد إحياءها في القرن الحادي والعشرين المفكّر صامويل هنتنغتون في كتابه الأخير من نحن؟ الذي صدر قبيل وفاته. في هذا الكتاب يُحذّر هنتنغتون من تنامي الحضور اللاتيني في الولايات المتحدة ويتحدث عن تحوّل في البنية الإثنية لاسيما في ولايات الجنوب ويطالب بضرورة الحد من هذه الهجرة التي قد تتسبب في ما يشبه الحرب الأهلية. وقد اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه النظرية أساسا لسياسته تجاه الهجرة ما يفسّر إجراءاته المستهدفة لهجرة اللاتينيين مقارنة بغيرها من موجات الهجرة. وعليه هل يحقّ للجاليات المهاجرة وخصوصا الجالية الإسلامية أن تتوجّس وتتخوف من المخاطر المستقبلية لهذه النظرية العنصرية؟ عموما لو كنّا نعيش في العقود الماضية وتحديدا ما بين عقدي الستينيات من القرن الماضي ونهاية التسعينات منه لَما كان لهذا التخوّف ما يبرّره ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا. غير أن التحوّلات والتغييرات المدهشة الجارية في وقتنا الراهن في المشهد السياسي الدولي وعملية استحضار مشاهد وحلقات مؤلمة من التاريخ تجعلنا وإن لم نستسلم للقلق مطالبين بالتفكير العميق والتأمّل الجاد في مآلات الأمور. وعليه ما هي الأسباب التي تدعو إلى القلق وضرورة مغادرة منطقة الراحة الفكرية نجد ما يلي: في المقام الأول هل كان أحد يتصور أنه في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين سيتعمد جزء كبير من قادة الغرب الى المصادقة ولو نسبية على تجويع وتقتيل الشعب الفلسطيني على يد الكيان ويعمل هؤلاء القادة على توفير الدعم الحربي والدبلوماسي لجرائم ضد الإنسانية؟ هل كان أحد يتصور أن يتم فتح النار على مدنيين وبينهم أطفال واقفين في طوابير طويلة ينتظرون توزيع الإعانات الغذائية؟المجتمعات الديمقراطيةفي المقام الثاني حتى الأمس القريب كان يجري التعاطي مع ظهور اليمين القومي المتطرف بأنه محاولة بائسة لإحياء النازية في مجتمعات بنت جدارا شاهقا ومتينا اسمه المجتمعات الديمقراطية جدارا قادرا على ردع التطرف ولكن ما حدث أن هذه الحركات أصبحت أحزابا سياسية رئيسية تشارك في الائتلافات الحكومية وتتزعم بعض الحكومات. من الذي سيمنع هذه الأحزاب مستقبلا من تطبيق ولو 20 من برنامجها الخاص بالهجرة عندما سيكون أكثر من نصف المجتمع يؤمن بهذه النظرية وتمتلك هذه الأحزاب الأغلبية المطلقة.في المقام الثالث ألا يدعو إلى القلق تطوير اليمين القومي المتطرف لخطابه من اجتماعي انصب في البدء على اتهام المهاجرين بمنافسة المواطنين الأصليين في مناصب الشغل إلى طرح أخطر وهو الاستبدال العظيم بمفهوم حضاري وديني قادر على مخاطبة العمق الروحي والثقافي للشعوب الغربية. ونتساءل: ألم ينجح الرئيس ترامب في ولايته الجديدة من إقناع نسبة مهمة من الشعب الأمريكي بأطروحاته في الهجرة وإيقاظ نزعة تفوق الرجل الأبيض . ونتساءل: هل يمكن أن تتكرر مآسي الماضي مثل حالة الموريسكيين بعمليات طرد كبيرة من أجل نقاء المجتمع . لسنا من دعاة التهويل ولكن الاطلاع على التاريخ ابتداء من القرن العشرين يجعل التسلح بالحذر ضروري. عندما تفاقمت الأوضاع في الولايات المتحدة بعد الأزمة الكبرى سنة 1929 أقدم الرئيس الجمهوري وقتها هيربر هوفر على طرد أكثر من 350 ألف مكسيكي ولاتيني في ظرف ثلاث سنوات. ويحكي المؤرخ المكسيكي فرانسيسكو فالديراما في كتابه عقد الخيانة: طرد المكسيكيين من الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن 20 بمن فيهم الحاصلون على الجنسية وكيف كان لون المواطن الأمريكي محددا لطرده من البلاد. لنستحضر ما وقع لليهود على يد النازية في الحرب العالمية الثانية وهو تكرار أسوأ بكثير لما وقع في الأندلس إبان طرد المسلمين واليهود. ولنتأمل جيدا ما نعيشه حاليا من تقتيل وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أمام أنظار العالم وبتورط مباشر من طرف غالبية قادة الغرب. الوضع مقلق حاليا وليس خطيرا ولكن سنصل الى المنعطف عندما ستصبح غالبية الشعوب الغربية تؤمن بالاستبدال العظيم وتصبح للأحزاب القومية اليمينية المتطرفة أغلبية برلمانية وحكومية تخول لها ليس فقط تطبيق برنامجها الدستوري بل تغيير الدستور لتطبيق سياساتها. أحداث الماضي تحذرنا وما يجري في الحاضر يدق ناقوس الخطر والمستقبل قد يفاجئنا وكما يفكر اليمين المتطرف في محاصرة الجاليات القادمة من الجنوب على مثقفي هذه الجاليات بدء التفكير الجماعي رفقة مثقفي الغرب المؤمنين بالتعدد الثقافي كيف يمكن ثقافيا مواجهة هذه المخاطر مستقبلا.


أخبار اليوم الجزائرية
منذ ساعة واحدة
- أخبار اليوم الجزائرية
مستقبل الهجرة ونظرية الاستبدال العظيم
بقلم: حسين مجدوبي بدأ خطاب اليمين القومي المتطرف في الغرب المناهض للهجرة يتخذ أبعادا خطيرة في ظل التطورات المرعبة التي يعيشها العالم من حروب وعلى رأسها التقتيل في قطاع غزة إذ لم يعد خطابا يرتكز على ما هو اجتماعي مثل سرقة مناصب الشغل بل يتخذ مواجهة حضارية ودينية بعدما بدأ يؤمن إيمانا عميقا بنظرية الاستبدال العظيم . في هذا الإطار قدّم حزب فوكس اليميني القومي المتطرف في إسبانيا يوم الأحد الماضي طرحا مثيرا للجدل تمثل في تعهده بضرورة مراجعة ملفات تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين خلال الثلاثة عقود الماضية إلى جانب إعادة النظر في الظروف التي منحت فيها الجنسية للأجانب بمعنى فرضية سحبها من عشرات الآلاف. ووفقا لما أعلنه الحزب فإن الهجرة تُكبّد خزينة الدولة الإسبانية سنويا أكثر من 30 مليار يورو. كما عبّر عن قلقه من الارتفاع المتزايد في أعداد المهاجرين لاسيما المسلمين داخل المجتمع الإسباني محذرا من أن هذا التزايد قد يؤدي حسب تصوره الفكري إلى تراجع نسبة السكان الإسبان من أتباع الديانة المسيحية مقابل تنامي نسبة الوافدين من ثقافات وديانات أخرى وعلى رأسها الإسلام و ستكون إسبانيا أمام مجتمع مختلف خلال العقود المقبلة . بالاستبدال العظيم وبهذا يلتحق حزب فوكس المتطرف القوة الثالثة في إسبانيا بخطاب يتفاقم ويتعاظم في الغرب ويرتكز على الاستبدال العظيم . وأصبحت نظرية الاستبدال العظيم عنصرا مهما في الخطاب الغربي المتطرف وعلى الرغم من أن الكثير من عناصرها كانت موجودة في خطاب الحركات النازية واليمينية القومية المتطرفة إلا أنها أخذت منحنى أخطر ابتداء من سنة 2010 في فرنسا عندما أصدر الكاتب الفرنسي رينو كامو في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2010) ومرة أخرى في كتابه إعادة التوطين الكبرى (2011). ويزعم أن شعبا مكونا من مهاجرين من افريقيا وشمال افريقيا يتعزز ثقافة وعددا وبدأ يحل محل الشعب الفرنسي الأصلي . ويقول في مختلف البرامج التلفزيونية التي شارك فيها يجب عدم الاهتمام بالأزمات الاقتصادية لأنه كل 30 سنة تقع أزمة اقتصادية كبرى وإنما الخطر مقبل من أزمة الاستبدال العظيم وهي أن شعوب أوروبا التي تكونت دينيا وثقافيا وإثنيا منذ 15 قرنا في أوروبا قد تشهد تغييرا جذريا بسبب الهجرة المقبلة من الجنوب. هذه النظرية التي باتت مرجعا لليمين القومي المتطرّف لها جذور تاريخية وقد أعاد إحياءها في القرن الحادي والعشرين المفكّر صامويل هنتنغتون في كتابه الأخير من نحن؟ الذي صدر قبيل وفاته. في هذا الكتاب يُحذّر هنتنغتون من تنامي الحضور اللاتيني في الولايات المتحدة ويتحدث عن تحوّل في البنية الإثنية لاسيما في ولايات الجنوب ويطالب بضرورة الحد من هذه الهجرة التي قد تتسبب في ما يشبه الحرب الأهلية. وقد اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه النظرية أساسا لسياسته تجاه الهجرة ما يفسّر إجراءاته المستهدفة لهجرة اللاتينيين مقارنة بغيرها من موجات الهجرة. وعليه هل يحقّ للجاليات المهاجرة وخصوصا الجالية الإسلامية أن تتوجّس وتتخوف من المخاطر المستقبلية لهذه النظرية العنصرية؟ عموما لو كنّا نعيش في العقود الماضية وتحديدا ما بين عقدي الستينيات من القرن الماضي ونهاية التسعينات منه لَما كان لهذا التخوّف ما يبرّره ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا. غير أن التحوّلات والتغييرات المدهشة الجارية في وقتنا الراهن في المشهد السياسي الدولي وعملية استحضار مشاهد وحلقات مؤلمة من التاريخ تجعلنا وإن لم نستسلم للقلق مطالبين بالتفكير العميق والتأمّل الجاد في مآلات الأمور. وعليه ما هي الأسباب التي تدعو إلى القلق وضرورة مغادرة منطقة الراحة الفكرية نجد ما يلي: في المقام الأول هل كان أحد يتصور أنه في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين سيتعمد جزء كبير من قادة الغرب الى المصادقة ولو نسبية على تجويع وتقتيل الشعب الفلسطيني على يد الكيان ويعمل هؤلاء القادة على توفير الدعم الحربي والدبلوماسي لجرائم ضد الإنسانية؟ هل كان أحد يتصور أن يتم فتح النار على مدنيين وبينهم أطفال واقفين في طوابير طويلة ينتظرون توزيع الإعانات الغذائية؟ المجتمعات الديمقراطية في المقام الثاني حتى الأمس القريب كان يجري التعاطي مع ظهور اليمين القومي المتطرف بأنه محاولة بائسة لإحياء النازية في مجتمعات بنت جدارا شاهقا ومتينا اسمه المجتمعات الديمقراطية جدارا قادرا على ردع التطرف ولكن ما حدث أن هذه الحركات أصبحت أحزابا سياسية رئيسية تشارك في الائتلافات الحكومية وتتزعم بعض الحكومات. من الذي سيمنع هذه الأحزاب مستقبلا من تطبيق ولو 20 من برنامجها الخاص بالهجرة عندما سيكون أكثر من نصف المجتمع يؤمن بهذه النظرية وتمتلك هذه الأحزاب الأغلبية المطلقة. في المقام الثالث ألا يدعو إلى القلق تطوير اليمين القومي المتطرف لخطابه من اجتماعي انصب في البدء على اتهام المهاجرين بمنافسة المواطنين الأصليين في مناصب الشغل إلى طرح أخطر وهو الاستبدال العظيم بمفهوم حضاري وديني قادر على مخاطبة العمق الروحي والثقافي للشعوب الغربية. ونتساءل: ألم ينجح الرئيس ترامب في ولايته الجديدة من إقناع نسبة مهمة من الشعب الأمريكي بأطروحاته في الهجرة وإيقاظ نزعة تفوق الرجل الأبيض . ونتساءل: هل يمكن أن تتكرر مآسي الماضي مثل حالة الموريسكيين بعمليات طرد كبيرة من أجل نقاء المجتمع . لسنا من دعاة التهويل ولكن الاطلاع على التاريخ ابتداء من القرن العشرين يجعل التسلح بالحذر ضروري. عندما تفاقمت الأوضاع في الولايات المتحدة بعد الأزمة الكبرى سنة 1929 أقدم الرئيس الجمهوري وقتها هيربر هوفر على طرد أكثر من 350 ألف مكسيكي ولاتيني في ظرف ثلاث سنوات. ويحكي المؤرخ المكسيكي فرانسيسكو فالديراما في كتابه عقد الخيانة: طرد المكسيكيين من الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن 20 بمن فيهم الحاصلون على الجنسية وكيف كان لون المواطن الأمريكي محددا لطرده من البلاد. لنستحضر ما وقع لليهود على يد النازية في الحرب العالمية الثانية وهو تكرار أسوأ بكثير لما وقع في الأندلس إبان طرد المسلمين واليهود. ولنتأمل جيدا ما نعيشه حاليا من تقتيل وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أمام أنظار العالم وبتورط مباشر من طرف غالبية قادة الغرب. الوضع مقلق حاليا وليس خطيرا ولكن سنصل الى المنعطف عندما ستصبح غالبية الشعوب الغربية تؤمن بالاستبدال العظيم وتصبح للأحزاب القومية اليمينية المتطرفة أغلبية برلمانية وحكومية تخول لها ليس فقط تطبيق برنامجها الدستوري بل تغيير الدستور لتطبيق سياساتها. أحداث الماضي تحذرنا وما يجري في الحاضر يدق ناقوس الخطر والمستقبل قد يفاجئنا وكما يفكر اليمين المتطرف في محاصرة الجاليات القادمة من الجنوب على مثقفي هذه الجاليات بدء التفكير الجماعي رفقة مثقفي الغرب المؤمنين بالتعدد الثقافي كيف يمكن ثقافيا مواجهة هذه المخاطر مستقبلا. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة


اليوم 24
منذ ساعة واحدة
- اليوم 24
التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً
قال أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، اليوم الخميس، إن مسألة « المالية الإسلامية » وانضم إليها المغرب، « على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً من حيث المقاصد وبالنظر إلى بعدها التعاقدي ». وأوضح التوفيق في افتتاح فعاليات المنتدى 23 حول الاستقرار المالي للمؤسسات المالية الإسلامية بالرباط، أنه « تم الترحيب بالمعاملات ذات الطابع الفقهي التقليدي بشرط تسميتها بـ »المالية التشاركية »، حتى لا يُستنتج ضمنياً أن غيرها مخالف للإسلام ». وقال الوزير أيضا، إن « هذا المسار ساهم فيه وجود المجلس العلمي الأعلى، المؤسسة الدستورية الجماعية للعلماء، التي يرأسها أمير المؤمنين، ولها وحدها صلاحية إصدار الفتاوى المتعلقة بالشأن العام، ومن لجانها لجنة الفتوى، التي أنشئت منها لجنة خاصة بمتابعة قضايا المالية التشاركية ». ةيرى التوفيق، أن « من نباهة والي بنك المغرب، منذ ما يقرب من عشر سنوات، أنه سعى إلى انخراط المغرب في المالية التشاركية، وكان نمطها قد تقدم في آفاق أخرى، فقد كان على الوالي أن يقنع بإمكان التعامل بنجاعة مع التحفظات النظرية ذات الأبعاد السياسية في هذا الموضوع ». وأضاف الوزير، « الإسلام نظام متكامل، لا يُفهم جزء منه إلا في إطار النسق الشمولي الذي يقدمه القرآن عن الإنسان والحياة، والمال في هذا النسق بنية لا يتضح أي عنصر منها إلا في ضوء المبدأ الأساس، وهو التوحيد، المؤسس لمعنى الحياة، والمتضمن للعدل، في علاقة بالعناصر الأخرى التي توضح موقع المال ووظائفه ». وأكد التوفيق على أن « المال في القرآن وسيلة في غاية الأهمية، فهو للتداول لا للكنز، وهو للإنفاق في الخير الاجتماعي، خاصةً على ذوي القربى واليتامى والسائلين والمحرومين، إنفاقاً ذا أثر إيجابي على المنفق، إذ يزكيه، أي يحرره من الشح، وهو أسوأ ضروب الأنانية »، مشيرا إلى أن « المال نعمة وزينة، لكنه قد يكون ابتلاء وفتنة، وهو من الحاجات الضرورية للدولة، وينبغي التصرف فيه بقواعد تحمي المتعاملين من الباطل والعدوان، كما يجب أن يُعامَل كأمانة لا يجوز أن يُعهد بها إلى السفهاء، ولا أن تؤدي إلى الغرور المؤدي إلى وهم الاستغناء المفضي إلى الطغيان ». وشدد المسؤول الحكومي، على أن « التعامل المالي بالفوائد على القروض يتعلق بالتشريع، أي التعاقد والتراضي الكفيل بالعدل، أكثر مما يتعلق بالتعبد، والعدل يقتضي ألا تتحول الضرورة إلى فرصة للظلم والإجحاف بالمقترض، وهذا ما يستدعي تدخل الإمارة، ما استطاعت، لحماية المال بقواعد ومؤسسات ». وقال المتحدث أيضا، « لقد كان للمسلمين إسهام في العلم والحضارة المادية، وكانت لهم علاقات تجارية مع أطراف العالم، وابتكروا وسائل للمبادلات المالية، وواكب تقعيدهم الفقهي معاملاتهم، وأبدعوا في فقه النوازل المتعلقة بالأموال، غير أنه منذ القرن التاسع عشر، تسارع اللقاء بين تاريخ العالم الغربي وتاريخ العالم الإسلامي، واتسم هذا اللقاء بأشكال من العنف المادي والمعنوي، مما جعل التفسيرات والتأويلات تختلف حول مظاهر التميز وحدود جواز التقليد ». ويرى التوفيق، أن « المسلمون اقتبسوا كثيراً من مظاهر الحضارة الغربية، لا سيما في إقامة الأبناك والتعامل معها، وظهرت مسألة فوائد القروض كأنها مدار الفرقان بين نظامين، وقد ذهب بعضهم إلى أن جميع فوائد الأبناك تدخل في الربا المحرم، في حين دعا مفكرون مثل شكيب أرسلان، ورشيد رضا، والعالم الباكستاني فضل الرحمن، إلى التفريق بين الفوائد والربا، وأفتوا بضرورة تنمية الاقتصاد لسد الفجوة بين العرض والطلب بدل الاكتفاء بالتحريم ». ووفق الوزير، « أصدرت اللجنة الشرعية 194 رأياً شرعياً بناءً على طلبات رسمية، من خلال أكثر من 421 اجتماعاً، قُدمت خلالها 196 دراسة وورقة بحثية من أعضاء اللجنة، و191 دراسة من خبراء متخصصين تناولت الجوانب القانونية والتطبيقات العملية والمقارنات ». واعتبر التوفيق أن « ورش المالية التشاركية وصل إلى محطة جديدة في مسار تطويره، وهذا يتطلب تعاملاً واعياً مع التحديات ورسم خريطة طريق مستقبلية، في المقابل، لا يخفى أن هذا القطاع محفوف بحساسيات مرتبطة في وعي الناس بالمباح والمحظور ».